النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

 [ما وقع من الحوادث سنة 851]
ثم فى يوم السبت، أول محرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، خلع السلطان على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، باستقراره قاضى القضاة الشافعية بالديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر «1» .
وفيه استقر السيفى آقبردى الساقى الظاهرى جقمق، فى نيابة قلعة حلب، عوضا عن تغرى بردى الجاركسى، بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق، وكان آقبردى المذكور، توجه إلى حلب فى أمر متعلق بالسلطان.
وفيه أنعم السلطان على خليل بن شاهين الشيخى، بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، عوضا عن قيز طوغان، بحكم القبض عليه وحبسه بقلعة دمشق، بسبب ما وقع منه، لما توجّه أمير حاجّ الركب الشامى من إحراقه باب المدينة الشريفة لسبب من الأسباب.
وفيه أيضا استقر الأمير يشبك الحمزاوى دوادار السلطان بحلب، فى نيابة غزة، عوضا عن حطط بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق بطالا؛ وأنعم بإقطاع يشبك الحمزاوى، وهو تقدمة ألف بحلب، على الأمير سودون من سيّدى بك الناصرى المعروف بالقرمانى. وأنعم بإقطاع سودون القرمانى وهو إمرة عشرة، على الأمير على باى [العلائى] «2» الأشرفى [برسباى «3» ] شادّ الشراب خاناة كان.
ثم فى يوم الخميس رابع صفر من سنة إحدى وخمسين، خلع السلطان على مملوكه سنقر الظاهرى، باستقراره أستادار الصحبة، بعد موت أيتمش من أزوباى المؤيدى.
ثم فى يوم الخميس حادى عشر صفر المذكور، رسم السلطان بنفى الأمير «4» تغرى

(15/373)


برمش الجلالى الفقيه، نائب قلعة الجبل، إلى القدس بطالا، واستقر الأمير يونس العلائى الناصرى أحد أمراء العشرات، عوضه فى نيابة قلعة الجبل؛ وأنعم بإقطاع تغرى برمش المذكور، على شريكه الأمير جانبك النّوروزى المعروف بنائب بعلبك، زيادة على ما بيده؛ ولبس المقدم ذكره خلعة نيابة القلعة، فى يوم الاثنين خامس عشر صفر.
ثم فى يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير برسباى الساقى السيفى تنبك البجاسى، باستقراره فى نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير تنم [من عبد الرزاق المؤيدى] «1» عنها وذلك بسفارة [135] عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف. وفيه خلع السلطان على الأمير جانبك النّوروزى المقدم ذكره المعروف بنائب بعلبك، باستقراره أمير المماليك [السلطانية] «2» المجاورين بمكة المشرفة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين «3» شهر ربيع الأول المذكور، رسم بنقل الأمير برسباى الناصرى، من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، بعد موت الأمير قانى باى الأبوبكريّ الناصرى البهلوان. ورسم بنقل الأمير يشبك المؤيدى الصوفى، من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، عوضا عن برسباى المذكور، وخلع السلطان على الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدى المعزول عن نيابة الإسكندرية، باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن يشبك الصوفى، رشحه إلى ذلك المقرّ الجمالى ناظر الخواصّ، وحمل إلى برسباى نائب حلب التقليد والتشريف، الأمير جرباش المحمدى الناصرى [فرج] «4» الأمير آخور

(15/374)


الثانى المعروف بكرت «1» ؛ وتوجه بتقليد يشبك بنيابة طرابلس، الأمير قراجا الظاهرى الخازندار الكبير، واستقر مسفّر تنم بنيابة حماة، الأمير لاجين الظاهرى الساقى، فصالحه الأمير تنم على عدم سفره صحبته، على ثلاثة آلاف دينار.
ثم فى يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر استقر الأمير سودون السودونى الظاهرى [برقوق] «2» ، من جملة الحجّاب «3» ، وكان سودون المذكور قد ولى الحجوبية الثانية قبل ذلك؛ قلت: درجة إلى أسفل.
ثم فى يوم الخميس خامس عشره، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين السّفطى، باستقراره قاضى قضاة الديار المصرية، بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، مضافا لما بيده من تدريس الشافعى، ونظر البيمارستان، ونظر الكسوة، ووكالة بيت المال، ومشيخة الجمالية «4» ونظرها، وغير ذلك من الوظائف. ومع هذا كله، والبلص عمّال والشحاذة فى كل يوم، من الأمير الكبير، إلى مقدم الجبليّة «5» ، وسار فى القضاء أقبح سيرة، وسلك مع الناس طريقا غير محمودة، من الحطّ على الفقهاء والترسيم عليهم، والإفحاش فى أمرهم، لا سيما ما فعله مع مباشرى الأوقاف.
وفى هذا الشهر خلع السلطان على شخص [من الباعة] «6» يعرف بأبى الخير النحاس شهرة ومكسبا، باستقراره فى وكالة بيت المال، عوضا عن السفطى، وهذا أول خمول السفطى، ومبدأ أمر [أبى الخير] «7» النحاس، وما سيأتى من أمرهما فأعجب.
ولا بد من التعريف بأصل أبى الخير المذكور، وسبب ترقّيه وإن كان فى ذلك

(15/375)


نوع إطالة، فيحتمل ذلك لنوع «1» من الأنواع، فنقول: اسمه محمد وكنيته أبو الخير، وبكنيته أشهر، [ابن محمد] «2» بن أحمد بن محمد المصرى الأصل والمولد، الشافعى النحّاس، نشأ تحت كنف والده وحفظ القرآن، وتعلم من والده وجده صناعة عمل النحاس، ومهر فيه، واتخذ له حانوتا بسوق النحاس بخط الشّوّائين «3» بالقرب من دكان أبيه، وأخذ فى حانوته وأعطى حتى صار بينه وبين الناس معاملات ومشاركات، ألجأه ذلك لتحمل الديون، إلى أن عامله الشيخ أبو العباس الوفائى «4» ، وصار له [عليه] «5» جمل مستكثرة من الديون، وكان الستر مسبولا بينهما أولا، ثم وقع بينهما وحشة، [وكان] «6» ذلك هو السبب بوصلة النّحاس هذا بالملك الظاهر [جقمق] «7» ، وهو أن أبا العباس لما ماطله أبو الخير المذكور، أخذ فى الإلحاح عليه فى طلب حقه والدعوى عليه بمجالس الحكام «8» ، والتجرؤ «9» عليه والمبالغة فى إنكائه «10» ، بحيث أنه ادعى عليه مرة عند الأمير سودون السودونى الحاجب، بعد أن أخرجه من السجن محتفظا به، فضربه سودون المذكور، علقتين فى يوم واحد، ودام هذا الأمر بينهما أشهرا، بل وسنين.
وصار أبو العباس لا يرق لفقر أبى الخير «11» وإفلاسه وعدم موجوده، بل يلح فى طلب حقه؛ فعند ذلك أخذ أبو الخير النحاس فى مرافعة أبى العباس المذكور، بأن الذي

(15/376)


بيده من المال إنما هو من [جملة] «1» ذخائر الصفوى جوهر القنقبائى الخازندار، وقد بقيت عند أبى العباس بعد موت جوهر، ولا زال أبو الخير يجتهد فى ذلك، إلى أن توصل إلى السلطان، وأنهى فى حق أبى العباس ما تقدم ذكره، وعليه محاققة ذلك وإظهار الحق فى جهته؛ فلما سمع السلطان كلامه مال إليه وقال له: قد وكلتك فى طلب الحق من أبى العباس.
[136] فنزل أبو الخير فى الحال من بين يدى السلطان، وقد صار مطالبا بعد ما كان مطلوبا، وادعى على أبى العباس المذكور بدعاو كثيرة، يطول الشرح فى ذكرها؛ وخدمه السعد فى إظهار بعض موجود جوهر من عند أبى العباس المذكور، فحسن ذلك ببال السلطان، ونبل أبو الخير فى عين السلطان، ووكله بعد مدة فى جميع أموره؛ كل ذلك فى سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتردد [أبو الخير] «2» النحاس إلى السلطان، وحسن حاله من لبس القماش النظيف وركوب الحمار، واكتسى كسوة جيدة، كل ذلك وأبو الخير يلح فى طلب المال من أبى العباس، ثم التفت إلى غير ذلك مما يعود نفعه على السلطان، وبقى بسبب ذلك يكثر الطلوع إلى القلعة، وصار يتقرب إلى السلطان بهذه الأنواع؛ فمشى أمره وظهر عند العامة اسمه «3» ؛ واستمر على ذلك إلى سنة ثمان وأربعين، فركب فرسا من غير لبس خفّ ولا مهماز، وصار يطلع إلى القلعة فى كل يوم مرة بعد نزول أرباب الدولة من الخدمة، ويتقاضى أشغال السلطنة.
كل ذلك وأعيان الدولة لا تلتفت إليه، ولا يعاكسه أحد فيما يرومه، لعدم اكتراثهم به وإهمالهم أمره، لوضاعته لا لجلالته؛ فاستفحل أمره بهذه الفعلة، وطالت يده فى الدولة، فأول ما بدأ به أخذ فى معارضة السفطى، وساعده فى ذلك سوء سيرة السفطى وملل السلطان منه، فولىّ عنه وكالة بيت المال، ثم أخذ أمره يتزايد بعد

(15/377)


ذلك، على ما سيأتى ذكره مفصلا. وقد استوعبنا حاله فى تاريخنا «المنهل الصافى» بأطول من هذا إذ هو كتاب تراجم لا غير، [وأما أمره فى تاريخنا «حوادث الدهور» فهو مفصّل باليوم والساعة من أول أمره إلى آخره «1» - انتهى] » .
ثم فى يوم السبت أول جمادى الأولى، برز المرسوم الشريف باستقرار خير بك الأجرود المؤيدى، أحد مقدمى الألوف بدمشق، فى أتابكية دمشق، بعد موت الأمير إينال الششمانى الناصرى، وأنعم السلطان بإقطاع خير بك المذكور، على الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى، أحد أمراء العشرات [ورأس نوبة] «3» بالقاهرة، أعنى «4» الملك الظاهر خشقدم عز نصره «5» .
ثم فى يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة، خلع السلطان على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، ناظر الدولة باستقراره فى الوزارة عوضا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ «6» ، بحكم طول مرضه، وهذه ولاية الصاحب أمين الدين الثانية للوزر.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين [شهر] رجب، برز المرسوم الشريف، على يد الأمير إينال أخى قشتم المؤيدى، باستقرار الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى نائب حماة، فى نيابة حلب، عوضا عن الأمير برسباى الناصرى، بحكم استعفائه عن نيابة حلب، لطول لزومه الفراش. ورسم أيضا بنقل الأمير بيغوت، من صفر خجا المؤيدى الأعرج نائب صفد إلى نيابة حماة، عوضا عن تنم المذكور، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يلبغا الجاركسى أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة؛ ورسم باستقرار الأمير يشبك الحمزاوى نائب غزة، فى نيابة صفد؛ ورسم باستقرار طوغان

(15/378)


العثمانى حاجب الحجاب بحلب، فى نيابة غزة، عوضا عن يشبك الحمزاوى، واستقر فى حجوبية حلب الأمير جانبك المؤيدى المعروف بشيخ، أحد أمراء طرابلس.
ثم فى يوم الخميس أول شعبان، قدم الشريف بركات بن حسن بن عجلان، ونزل الملك الظاهر [جقمق] «1» إلى لقائه بمطعم الطيور بالرّيدانية، خارج القاهرة، وبالغ السلطان فى إكرام بركات المذكور، وقام إليه ومشى له خطوات، وأجلسه بجانبه، ثم خلع عليه، وقيّد له فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش، وركب مع السلطان، وسار إلى قريب قلعة الجبل، فرسم له السلطان بالعود إلى محلّ أنزله به، وهو مكان أخلاه له المقرّ الجمالى «2» ناظر الخواص، ورتب له الرواتب الهائلة، وقام الجمالىّ المذكور بجميع ما يحتاج إليه بركات، من الكلف والخدم السلطانية وغيرها، وكان أيضا هو القائم بأمره، إلى أن أعاده إلى إمرة مكة [137] والسّفير بينهما [الخواجا] «3» شرف الدين موسى التتائى «4» [الأنصارى] «5» التاجر.
ثم فى يوم الخميس سابع شهر رمضان، خلع السلطان على الأمير بيسق اليشبكى، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة دمياط، بعد عزل الأمير بتخاص «6» العثمانى الظاهرى برقوق.
ثم فى يوم الخميس رابع عشره، خلع السلطان على أبى الخير النحاس المقدم ذكره، باستقراره فى نظر الجوالى، عوضا عن برهان الدين بن الديرى.
ثم فى يوم الخميس خامس شوال، خلع السلطان على الأمير تمراز من بكتمر المؤيدى المصارع، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة القدس، بعد عزل خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن.
ثم فى يوم الاثنين أول ذى القعدة، أنعم السلطان أسنباى الجمالى الظاهرى جقمق

(15/379)


الساقى، بإمرة عشرة، بعد موت إينال أخى قشتم، وأنعم بوظيفة أسنباى السقاية على جانم الظاهرى جقمق.
ثم فى يوم الأربعاء ثالثه، برز الأمر [الشريف] «1» بحبس الأميرين المقيمين بالقدس الشريف، وهما: شادّ بك الجكمى المعزول عن نيابة حماة، وإينال الأبوبكريّ الأشرفى، فحبسا بقلعة صفد.
ثم فى يوم الاثنين ثامن ذى القعدة، استقر شاهين الظاهرى ساقيا، عوضا عن جكم قلق سيز بحكم تغير خاطر السلطان عليه.
[ما وقع من الحوادث سنة 852]
ثم فى محرم سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة رسم السلطان للأمير يشبك طاز المؤيدى أحد أمراء دمشق، بحجوبية طرابلس عوضا عن يشبك النوروزى.
ثم فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم، وصل الركب الأول من الحاج، صحبة الأمير الطّواشى عبد اللطيف المنجكى ثم العثمانى، مقدم المماليك السلطانية، وأصبح قدم من الغد أمير حاج المحمل الأمير تنبك البردبكى حاجب الحجاب بالمحمل.
ثم فى يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم [المذكور] «2» رسم السلطان بنفى الأمير قراجا العمرى الناصرى، أحد المقدمين بدمشق، إلى سيس «3» ، وأنعم بتقدمته على الأمير مازى الظاهرى [برقوق] «4» نائب الكرك كان.

(15/380)


ثم فى يوم الخميس ثامن عشرين صفر، رسم بإطلاق قيزطوغان من محبسه بقلعة دمشق، بشفاعة الأمير جلبان نائب دمشق. وفيه أيضا رسم بمجيء كسباى الدّوادار المؤيدى المجنون، من طرابلس إلى القاهرة، بشفاعة جرباش قاشق.
ثم فى يوم الأحد أول شهر ربيع الأول، رسم السلطان بتبقية الأمير قيزطوغان فى الحبس، وردّت المراسيم التى كانت كتبت بإطلاقه بواسطة زين الدين يحيى الأشقر الأستادار.
ثم فى يوم الاثنين ثانى ربيع الأول، عاد الأمير جلبان إلى محل كفالته بدمشق.
ثم فى يوم الثلاثاء ثالثه، عزل السلطان الأمير عبد اللطيف [زين الدين] «1» الطواشى «2» [العثمانى] «3» عن تقدمة المماليك السلطانية، وخلع على الطواشى جوهر النوروزى نائب مقدم المماليك باستقراره فى تقدمة المماليك عوضا عن عبد اللطيف المذكور. ثم «4» فى يوم الخميس خامسه، استقر عوضه نائب مقدم المماليك مرجان العادلى [المحمودى] «5» .
ثم فى يوم السبت حادى عشرينه، استقر أبو الخير النحاس فى نظر الكسوة، عوضا عن السفطى؛ ثم فى يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر، عزل السلطان السفطىّ عن قضاء الديار المصرية.
ثم فى يوم الخميس رابعه، استقر برهان الدين إبراهيم بن ظهير، فى نظر الإسطبل السلطانى، عوضا عن برهان الدين إبراهيم بن «6» الديرى «7» . وفيه ولى الشيخ [شرف الدين] «8» يحيى المناوى، تدريس قبة الشافعى، عوضا عن السفطى.

(15/381)


وفى يوم السبت سادسه، نكب شمس الدين محمد الكاتب، وعزّر وامتحن حسبما ذكرناه فى الحوادث مفصلا.
ثم فى يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر، أعيد قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر إلى القضاء، بعد عزل السفطى، واستقر أيضا فى مشيخة الخانقاه البيبرسية، على عادته، ولبس خلعتهما من الغد فى يوم الاثنين.
ثم فى يوم الخميس حادى عشره، استقر أبو الخير النحاس ناظر البيمارستان المنصورى عوضا عن السفطى. ثم فى يوم [138] الاثنين لبس السفطى كاملية خضراء «1» بسمّور، بعد أن حمّل مبلغ خمسة آلاف دينار وخمسمائة دينار، بسبب أنه ادّعى [عليه] «2» أنه تناولها من وقف الكسوة.
ثم فى يوم الاثنين ثانى عشرين ربيع الآخر المذكور، عزل الأمير تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع عن نيابة القدس.
وفى هذا الشهر طلق السلطان زوجته خوند الكبرى مغل بنت البارزى.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرين جمادى الأولى المذكور «3» خلع السلطان على الأمير قانى باى الحمزاوى، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، باستقراره فى نيابة حلب، ثانيا بعد عزل الأمير تنم المؤيدى عنها، وقدومه إلى القاهرة، على إقطاع قانى باى [الحمزاوى] «4» المذكور؛ واستقر يونس العلائى الناصرى نائب قلعة الجبل، مسفّر قانى باى، فصالحه السلطان عنه، بمبلغ كبير من الذهب؛ لقلة موجود قانى باى [المذكور] «5» .
وفيه استقر الأمير بيسق اليشبكى أحد أمراء العشرات بالقاهرة، فى نيابة قلعة

(15/382)


دمشق، بعد موت شاهين الطّوغانى، وفرّق السلطان إقطاع بيسق، على كسباى المجنون المؤيدى وغيره، بواسطة المقر الجمالى ناظر الخواص الشريفة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشره، برز الأمير قانى باى الحمزاوى، إلى محل كفالته بحلب.
ثم فى يوم الأحد رابع عشرين جمادى الآخرة، أمر السلطان بنفى الأمير تمراز المصارع المعزول عن نيابة القدس، إلى دمشق، ثم شفع فيه وأعيد بعد أيام، بعد أن أخرج السلطان إقطاعه إلى أزبك من «1» ططخ الساقى الظاهرى «2» ، والإقطاع إمرة عشرة؛ واستقر خشقدم السيفى سودون من عبد الرحمن فى نيابة القدس، عوضا عن تمراز المذكور، واستقر إينال الظاهرى الخاصّكى ساقيا، عوضا عن أزبك من ططخ» .
ثم فى يوم الاثنين خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور، عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر نفسه عن قضاء الشافعية، ولم يلها بعد ذلك، إلى أن مات. وخلع السلطان فى يوم الثلاثاء سادس عشرينه، على قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، وأعيد إلى قضاء الديار المصرية عوضا عن ابن حجر [المذكور] «4» .

(15/383)


ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر رجب، رسم السلطان بإطلاق إينال الأبوبكريّ من حبس صفد، وتوجّهه إلى القدس بطالا.
ثم فى يوم الأربعاء خامس [شهر] «1» رجب، منع ولى الدين السفطى من طلوع القلعة، والاجتماع بالسلطان؛ ثم رسم بتوجهه إلى بيت قاضى القضاة الحنفى، للدعوة عليه، فتوجه وادعى عليه جماعة، بحقوق كثيرة، فحلف عن بعضها ثلاثة «2» أيمان، واعترف بالبعض، ثم نقل إلى القاضى المالكى، وادّعى عليه أيضا بدين فصالح المدعى على ثلثمائة دينار.
ثم رسم السلطان بمنع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين.
ثم عزل السفطى عن مشيخة المدرسة الجماليّة، ودرس التفسير بها. ثم فى يوم ثالث عشرينه، رسم بمجيء السفطى إلى بيت قاضى القضاة علم الدين [صالح] «3» البلقينى الشافعى ليدعى عليه الزينى قاسم المؤذى الكاشف، بسبب حمامه التى بباب الخرق «4» ، وكان السفطى اشتراها منه فى أيام عزه، فحضر السفطى إلى مجلس القاضى، وادعى عليه قاسم، بأنه «5» كان أوقفها قبل بيعها، وأن الشراء لم يصادف محلا، وأنه أكرهه «6» على تعاطى البيع، وخرج قاسم لإثبات ذلك، ولما خرج السفطى من بيت القاضى، عارضه شخص آخر وأمسكه من طوقه وعاد به إلى مجلس القاضى، وادعى عليه أنه غصب منه خشبا وغيره، فأنكر السفطى، فطلب تحليفه والتغليظ عليه، فصالحه على شىء، ومضى إلى داره؛ وأخذ فى السعى إلى أن أعاده السلطان إلى مشيخة الجمالية على عادته.
ثم فى يوم الخميس سابع عشرين [شهر] «7» رجب، أمر السلطان ناصر الدين محمد بن

(15/384)


أبى الفرج، نقب الجيش، أن يأخذ السفطى، ويمضى به إلى بيت قاضى القضاة الشافعى، ثانيا، لسماع بيّنة الإكراه منه لقاسم الكاشف، فتوجّه السفطى وسمع ذلك، وذكر أن له دافعا «1» وخرج ليبديه، فبلّغ بعض أعداء السفطى السلطان أنه يمتنع من التوجه إلى الشرع، ووغّر خاطر السلطان عليه، فأمر السلطان قانى بك السيفى يشبك ابن أزدمر [139] أحد الدوادارية، فى يوم الأحد سلخ [شهر] «2» رجب، أن يتوجه إلى السفطى ويأخذه ويمضى به إلى حبس المقشرة «3» ، ويحبسه به مع أرباب الجرائم، فتوجه إليه قانى بك المذكور، وحبسه بالمقشرة، وقد انطلقت الألسن بالوقيعة فى حقه، ولولا رفق قانى بك به لقتلته «4» العامة فى الطريق. ومن لطيف ما وقع للسفطى، أنه لما حبس بسجن المقشرة، دخل إليه بعض الناس، وكلمه بسبب شىء من تعلقاته، وخاطبه الرجل المذكور «5» بيامولانا قاضى القضاة، فصاح السفطى بأعلى صوته:
«تقول لى قاضى القضاة! أما تقول: يالص يا حرامى يا مقشراوى!» فقال له الرجل:
«يالص يا حرامى يا مقشراوى!» .
ثم فى يوم الاثنين أول شعبان، وصل الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى المعزول عن نيابة حلب، وطلع إلى السلطان، وقبّل الأرض، فأكرمه السلطان وخلع عليه، وأجلسه تحت أمير مجلس جرباش الكريمى، وأنعم عليه بإقطاع قانى باى الحمزاوى، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش؛ كل ذلك بعناية عظيم الدولة الصاحب جمال الدين ناظر الخاص لصحبة كانت بينهما.
وفى هذا اليوم، أخرج ولىّ الدين السفطى من سجن المقشرة، وذهب ماشيا من

(15/385)


السجن إلى بيت قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى ثم توجّه منه راكبا إلى المدرسة الصالحية، وحضر قاضى القضاة أيضا بالصالحية، فلم ينفصل له أمر، وأطلق من الغد من الترسيم.
ثم فى يوم الاثنين ثامن شعبان، رسم السلطان لقاضى القضاة بدر الدين [محمد] «1» ابن عبد المنعم البغدادى الحنبلى، بطلب السفطى، وسماع الدعوى عليه والترسيم عليه، بسبب الحمّامين والفرن والدكاكين بحارة زويلة، فإنه ظهر أنهم كانوا فى جملة وقف الطّيبرسية، فتجمّل القاضى الحنبلى فى حق السفطى، فلم يعجب ذلك أعداءه، وعرّفوا السلطان بذلك، فرسم فى يوم السبت ثالث عشر شعبان بتوجهه إلى حبس المقشرة ثانيا، بسبب الدكاكين والحمامين التى بحارة زويلة، ثم شفع فيه.
ثم فى يوم السبت سابع عشرين شعبان ادّعى على القاضى ولى الدين السفطى، بمجلس القاضى ناصر الدين بن المخلّطة المالكى، بحضور قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، بسبب الحمّامين وما معهما، وخرج على الأعذار.
ثم فى يوم الأربعاء أول شهر رمضان، حضر السفطى وغرماؤه «2» ، والقاضى ناصر الدين بن المخلطة عند قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، وانفصل المجلس أيضا على غير طائل، وادعى السفطى أن السلطان رسم بأن لا يدّعى عليه عند ابن المخلطة، وكان ذلك غير صحيح، فلم يسمع له ذلك، ولا زال الحنبلى يعتنى به، حتى صالح جهة وقف طيبرس، بألف دينار. ثم فى يوم السبت خلع السلطان على السفطى كاملية بفرو سمّور، بعد أن حمّل أربعة آلاف دينار.
ثم فى يوم الجمعة ثالث [شهر] «3» رمضان، أنعم السلطان على مملوكه سنقر الخاصّكى، المعروف بالجعيدى، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير صرغتمش القلمطاوى،

(15/386)


زيادة على ما بيده من حصة بشبين «1» القصر.
ثم فى يوم السبت سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل الأمير سونجبغا اليونسى بالمحمل، وأمير الركب الأول الأمير قانم المؤيدى التاجر.
ثم فى يوم الاثنين عشرين شهر رمضان، خرج الأمير جانبك الظاهرى، المتكلم على بندر جدّة، إليها بمماليكه وحواشيه على عادته فى كل سنة.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة استقر الأمير خير بك النّوروزى، حاجب صفد فى نيابة غزة، بعد عزل طوغان العثمانى عنها، وذلك بمال كبير بذله له فى ذلك، لوضاعة خير بك المذكور فى الدولة.
واستهل ذو «2» الحجة أوله الأحد، فيه ظهر الطاعون فى الديار المصرية وأخذ فى التزايد.
وفى يوم الخميس خامس ذى الحجة، استقر [علاء الدين] «3» على بن إسكندر ابن أخى زوجة كمشبغا الفيسى، معلم السلطان، على العمائر، عوضا عن [الناصر] «4» محمد ابن حسين بن الطولونى، بحكم وفاته.
ثم فى يوم السبت حادى عشرينه [140] ، استقر الحكيم ابن العفيف الشهير بقوالح «5» ، أحد مضحكى المقر الجمالى ناظر الخواص، بسفارته فى رئاسة الطب والكحل بمفرده.

(15/387)


ثم فى يوم الأحد ثانى عشرين ذى الحجة المذكور، استقر علاء الدين على بن محمد ابن آقبرس، فى حسبة القاهرة، عوضا عن يرعلى الخراسانى، بمال بذله فى ذلك، وكان أصل ابن آقبرس هذا عنبريّا «1» بسوق العنبر، فى حانوت، ثم اشتغل بالعلم، وتردد الأكابر، واتصل بالملك الظاهر جقمق فى أيام إمرته، وناب فى الحكم عن القضاة الشافعية، إلى أن تسلطن [الملك] «2» الظاهر جقمق، فصار «3» ابن آقبرس هذا من ندمائه، وولى نظر الأوقاف وعدة وظائف أخر، وكان أيضا من جملة مبغضى السفطى وممن يعيب عليه أفعاله القبيحة من البلص والطلب من الناس، وسمّاه «الهلب» ؛ على أن ابن آقبرس أيضا كان من مقولة [السفطى] «4» وزيادة.
[ما وقع من الحوادث سنة 853]
ثم فى يوم الخميس حادى عشر محرم سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ضربت رقبة أسد الدين الكيماوى، بمقتضى الشرع، بعد أمور وقعت له «5» ، ذكرناها مفصلا فى تاريخنا «حوادث الدهور [فى مدى الأيام والشهور] » «6» .
وفى هذا الشهر، تشاكى الأمير تمراز المؤيدى نائب القدس كان، وناظر القدس

(15/388)


عبد الرحمن بن الديرى، فمال السلطان على ابن الديرى وبهدله، فأمر به فجعل فى عنقه جنزير، إلى أن شفع فيه عظيم الدولة الجمالىّ ناظر الخواص الشريفة «1» .
ثم فى يوم السبت ثالث عشره، توجه تمراز المذكور «2» ، وعبد الرحمن [ابن الديرى] «3» وأبو الخير النحاس، إلى بيت ناظر الخاص المذكور، وجلسوا بين يديه إلى أن أصلح بينهما، وأنعم على كل منهما بفرس مسروج، وأنعم على أبى الخير بشىء، فقبّل الثلاثة يده وخرجوا من عنده، وأبو الخير يوم ذاك فى تنبوك»
عزه «5» وعظم تعاظمه على جميع أرباب الدولة، إلا الصاحب جمال الدين [هذا] «6» فإنه معه على حالته الأولى إلى الآن.
[هذا] «7» وقد فشا أمر الطاعون بالقاهرة وتزايد، ثم أهلّ صفر من سنة ثلاث وخمسين، يوم الأربعاء، فيه عظم الطاعون، ومات فى هذا الشهر جماعة كبيرة من الأمراء، وأعيان الدولة، على ما سيأتى ذكره فى الوفيات من هذا الكتاب.
ثم فى يوم الأحد ثانى عشر صفر، أعيد القاضى برهان الدين إبراهيم بن الديرى إلى نظر الإسطبل السلطانى، بعد موت برهان الدين بن ظهير.
وفى يوم الاثنين ثالث عشره استقر الأمير جرباش الكريمى الظاهرى أمير مجلس، أمير سلاح «8» ، بعد موت الأمير تمراز القرمشى الظاهرى؛ وفيه أيضا استقر الأمير تنم المعزول عن نيابة حلب، أمير مجلس، عوضا عن جرباش المذكور؛ وفيه أنعم

(15/389)


السلطان على الأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدّوادار الثانى، بإمرة مائة وتقدمة ألف، بعد موت تمراز القرمشى، وصار من جملة أمراء الألوف؛ وأنعم بإقطاعه على الأمير يونس الأقبائى «1» شادّ الشراب خاناه، والإقطاع إمرة طبلخاناه، وأنعم بإقطاع يونس على الأمير «2» [السيفى] «3» جانبك رأس نوبة الجمدارية الظاهرى جقمق، وعلى مغلباى طاز الساقى الظاهرى أيضا، لكل واحد منهما إمرة عشرة.
ثم فى يوم الخميس سادس عشر صفر، استقر الأمير تمربغا الظاهرى جقمق، دوادارا ثانيا، عوضا عن دولات باى المقدم ذكره، على إمرة عشرة- وفيه أيضا، أنعم السلطان على قانى باى المؤيدى الساقى، المعروف بقراسقل «4» ، بإمرة عشرة، بعد موت إينال اليشبكى.
ثم فى يوم الاثنين عشرين صفر، ووافقه أول خمسين النصارى «5» ، تناقص الطاعون.
ثم فى يوم الخميس ثالث عشرينه، أنعم السلطان على الأمير يشبك الفقيه المؤيدى،

(15/390)


بإقطاع الأمير بختك «1» الناصرى بعد موته، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على الشهابى أحمد، من الأمير الكبير إينال العلائى، وكلاهما إمرة عشرة. وفيه أيضا، أنعم السلطان على مغلباى الشهابى رأس نوبة الجمدارية، بإمرة عشرة، عوضا عن مغلباى الساقى، بعد موته، وكان مغلباى أخذ الإمرة [141] قبل موته بأيام يسيرة، حسبما تقدم ذكره.
وفى يوم الخميس هذا، أنعم السلطان بإقطاع الأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، بعد موته، على الأمير تنم أمير مجلس، وأنعم بإقطاع تنم على الأمير جرباش المحمدى الناصرى الأمير آخور الثانى المعروف بكرت، وصار من جملة المقدمين؛ وأنعم بإقطاع جرباش المذكور ووظيفته الأمير آخورية الثانية، على الأمير سودون المحمدى المؤيدى، المعروف بسودون أتمكجى «2» ؛ وأنعم بإقطاع سودون [أتمكجى] «3» المذكور، على الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة، بسفارة المقر الجمالى «4» ناظر الخواص. وفيه أيضا استقر الأمير قانى باى الجاركسى الدّوادار الكبير، أمير آخور كبيرا، بعد موت الأمير قراخجا الحسنى، وكان السلطان رشح الأمير أسنبغا الطّيارى للأمير آخورية، فألح قانى باى فى سؤال السلطان، على أن يليها اقتحاما على الرئاسة، ولا زال به حتى ولّاه؛ واستقر أيضا دولات باى المحمودى المؤيدى دوادارا كبيرا، عوضا عن قانى باى الجاركسى بمال كبير بذله فى ذلك.
ثم فى يوم الثلاثاء ثامن عشرين صفر، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين محمد السنباطى، باستقراره قاضى قضاة المالكية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن التنسى، بحكم وفاته، وكان السنباطى هذا يلى قضاء

(15/391)


الإسكندرية، فلما مات ابن التنسى، طلب وولى القضاء؛ وجميع من ذكرنا [وفاته] «1» هنا ماتوا بالطاعون.
ثم فى يوم الخميس أول شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الطّواشى فيروز النّوروزى الزّمام والخازندار، باستقراره أمير حاجّ المحمل.
ثم فى يوم الاثنين خامس [شهر] «2» ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطّيّارى باستقراره رأس نوبة النوب، بعد موت الأمير تمرباى التّمربغاوى، بالطاعون.
وفى أواخر [هذا] «3» الشهر، قلّ الطاعون بالقاهرة، بعد أن مات بها خلائق كثيرة؛ فكان من جملة من مات للسلطان فقط: أربعة أولاد من صلبه، حتى لم يبق له ولد ذكر، غير المقام الفخرى عثمان.
ثم فى يوم الثلاثاء سابع عشرين [شهر] «4» ربيع الأول، أخذ السلطان من السفطى ستة عشر ألف دينار، وسبب ذلك أن قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى، كان [وصيّا] «5» على تركة قاضى القضاة بدر الدين [بن] «6» التنسى المالكى، فلما عرض موجوده، وجد فى جملة أوراقه ورقة فيها ما يدل على أنه كان للسفطى عنده ستة عشر ألف دينار وديعة، ثم وجد ورقة أخرى، فيها ما يدل على أن السّفطى، أخذ وديعته، وبلغ السلطان ذلك، فرسم بأخذ المبلغ منه- قلت: لا شلت يداه! «والذي خبث لا يخرج إلا نكدا» - فحملت بتمامها إلى السلطان، ولم يرض السلطان بذلك، وهو فى طلب شىء آخر فتح الله عليه، وهو أن السلطان صار يطلب السفطى بما وقع منه من الأيمان، أنه ما بقى يملك شيئا من الذهب، ثم وجد له هذا المبلغ، فصار للسلطان مندوحة بذلك فى أخذ ماله.
فلما استهل شهر ربيع الآخر يوم الجمعة، وطلع القضاة للتهنئة بالشهر، تكلم السلطان معهم فى أمر السفطى، وما وقع منه من الأيمان الحانثة، واستفتاهم فى أمره،

(15/392)


وحرّض القضاة على مجازاته؛ فنزلوا من عند السلطان على أن يفعلوا معه الشرع، وبلغ السفطىّ ذلك فخاف وأخذ فى السعى فى رضى السلطان؛ وخدم بجملة مستكثرة، ورضى السلطان عنه، ثم تغير عليه، وأخذ منه فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر ربيع الآخر عشرة آلاف دينار، كانت له وديعة عند بعض القضاة، فأخذها السلطان، وهو مطالب بغيرها.
ثم فى يوم الخميس رابع عشره، أفحش السلطان فى الحطّ على السفطى، وبالغ فى ذلك، بحيث أنه قال: «هذا ليس له دين، وهذا استحق القتل بما وقع منه من الأيمان الفاجرة، بأن ليس له مال ثم ظهر له هذه الجمل الكثيرة، وقد بلغنى أن له عند شخص آخر، وديعة مبلغ سبعة وعشرين ألف دينار» ؛ وظهر من كلام السلطان أنه يريد أخذها، بل وأخذ روحه أيضا، كل ذلك مما يوغّر أبو الخير النحاس خاطر السلطان عليه، وبلغ السفطىّ [142] جميع ما قاله السلطان، فداخله لذلك من الرعب والخوف أمر عظيم «1» ؛ ومع ذلك بلغنى أن السفطىّ فى تلك الليلة تزوج بكرا ودخل بها واستبكرها، فهذا دليل على عدم مروءته «2» ، زيادة على ما كان عليه من البخل والطمع، فإنى لم أعلم أنه وقع لقاض من قضاة مصر ما وقع للسفطى من البهدلة والإخراق وأخذ ماله، مع علمى بما وقع للهروى وغيره، ومع هذا لم يحصل على أحد ما حصل على هذا المسكين، فما هذا الزواج فى هذا الوقت! «3»
ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشرين [شهر] «4» ربيع الآخر [المذكور] «5» ، رسم بنفى يرعلى العجمى الخراسانى المعزول عن الحسبة، ثم شفع فيه المقرّ الجمالى ناظر الخواصّ، فرسم له السلطان بلزوم داره بخانقاه سرياقوس؛ ويرعلى هذا أيضا من أعدآء النحاس.

(15/393)


ثم فى يوم السبت سلخه، أنعم السلطان على أسندمر الجقمقى السلاح دار، بإمرة عشرة، بعد موت الأمير أركماس الأشقر المؤيدى.
ثم فى يوم الاثنين ثانى جمادى الأولى، خلع السلطان على مملوكه الأمير أزبك من ططخ الساقى، باستقراره من جملة رؤوس النّوب، عوضا عن أركماس الأشقر، المقدم ذكره.
وفيه استقر الزينى عبد الرحمن بن الكويز، أستادّار السلطان بدمشق، عوضا عن محمد بن أرغون شاه النّوروزى بحكم وفاته.
ثم فى يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى [المذكور] «1» استقر علىّ بن إسكندر أحد أصحاب النحاس، فى حسبة القاهرة، وعزل ابن أقبرس عنها، لتزايد الأسعار فى جميع المأكولات.
ثم فى يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الأولى [المذكور] «2» ، خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة، فيها نحو الأربعمائة مملوك وعدة أمراء، ومقدم الجميع الأمير الكبير إينال العلائى الناصرى، وصحبته من الأمراء المقدمين، تنم أمير مجلس، وقانى باى الجاركسى أمير آخور، وعدة أخر من الطبلخانات والعشرات.
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشرينه، عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى الشافعى، عن القضاء، لسبب حكيناه فى تاريخنا «حوادث الدهور» إذ هو كتاب تراجم وضبط «3» حوادث ووفيات «4» لا غير «5» . ثم أعيد قاضى القضاة علم الدين، فى يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة.

(15/394)


ثم فى يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة، سافر الأمير قانم من صفر خجا المؤيدى، المعروف بالتاجر، رسولا إلى ابن عثمان «1» متملّك بلاد الروم، صحبة قاصد ابن عثمان الواصل قبل تاريخه.
ثم فى يوم السبت تاسع عشره، رسم السلطان بنفى الأمير سودون السودونى الحاجب، فشفع فيه، فأمر السلطان بإقامته بالصحراء بطّالا. وكان سبب نفى السّودونى، أنه كان له مغلّ، فكلمه علىّ بن إسكندر المحتسب فى بيع نصفه، وتخلية نصفه، لقلة وجود الغلال بالساحل، فامتنع سودون السودونى من ذلك، فشكاه أبو الخير النحاس للسلطان، فأمر بنفيه. وقد تقدم أن سودون السودونى هذا، كان ضرب أبا الخير النحاس فى يوم واحد علقتين ليخلّص منه مال أبى العباس الوفائى.
ومن ظريف ما وقع لسودون السودونى هذا، مع أبى الخير النحاس، من قبل هذه الحادثة أو بعدها، أنه لما صار من أمر أبى الخير ما صار، خشيه سودن السّودونى، مما كان وقع منه فى حقه قديما، فأراد»
أن يزول ما عنده، ليأمن شرّه، فدخل إليه فى بعض الأيام، وقد جلس أبو الخير النحاس فى دست رئاسته، وبين يديه أصحابه وغالبهم لا يعرف ما وقع له مع سودون السودونى «3» [المذكور] «4» ، فلما استقر بسودون الجلوس، أخذ فى الاعتذار لأبى الخير فيما كان وقع منه بسلامة باطن على عادة

(15/395)


مغفّلى «1» الأتراك، وساق الحكاية فى ذلك الملأ من الناس من أولها إلى آخرها، وأبو الخير ينقله من ذلك [الكلام] «2» إلى كلام غيره، ويقصد كفّه عن الكلام، بكل ما تصل قدرته إليه، وهو لا يرجع عما هو فيه، إلى أن استتم الحكاية؛ وكان من جملة اعتذاره إليه، أن قال له، ما معناه: «والله يا سيدى القاضى، أنا رأيتك شاب فقير، من جملة الباعة، وحرّضونى «3» عليك، بأنك تأكل أموال الناس، فما كنت أعرف أنك تصل إلى هذا الموصل، فى هذه المدة اليسيرة؛ وو الله [لو كنت] «4» أعرف أنك تبقى رئيس، لكنت وزنت [143] عنك المال» . وشرع فى اعتذار آخر، وقد ملأ النحاس مما سمع من التوبيخ، فاستدرك فارطه بأن قام على قدميه واعتنق السودونى، وأظهر له أنه زال ما عنده وأوهم أنه يريد الدخول إلى حريمه حتى مضى عنه إلى حال سبيله؛ وتحاكى الناس ذلك المجلس أياما كثيرة «5» . هذا ما بلغنا من بعض أصحاب النحاس، وقد حكى غير واحد هذه الحكاية على عدة وجوه، وليس هذا الأمر من أخبار تحرر، وما ذكرناه إلا على سبيل الاستطراد- انتهى.
وفى هذه الأيام توقف ماء النيل عن الزيادة، بل تناقص نقصا فاحشا، ثم أخذ فى زيادة ما نقصه، فاضطرب الناس لذلك، وتزايدت الأسعار إلى أن أبيع الإردب القمح بأربعمائة درهم «6» .

(15/396)


ثم فى يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، وصل الأمير جانبك الظاهرى نائب جدة، وخلع السلطان عليه خلعة هائلة، ونزل إلى داره، وبين يديه وجوه الناس على كره من أبى الخير النحاس.
ثم فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، خلع السلطان على الشيخ يحيى المناوى، باستقراره قاضى قضاة الشافعية، بعد عزل قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى.
ثم فى يوم الخميس خامس عشرة، استقر الأمير يرشباى الإينالى المؤيدى الأمير آخور الثالث، أمير آخور ثانيا بعد موت سودون أتمكجى، وأنعم عليه بطبلخاناته، واستقر الأمير سنقر الظاهرى الجعيدى أمير آخور ثالثا، وهو فى التجريدة بالبحيرة.
ثم فى يوم الثلاثاء عشرينه، رسم السلطان بأن يكتب مرسوم شريف إلى دمشق، بضرب الزينى عبد الرحمن بن الكويز، وحبسه بقلعة دمشق، وله سبب ذكرناه فى «الحوادث» «1» .
ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين [شهر] «2» رجب، استقر علاء الدين بن آقبرس ناظر الأحباس، بعد عزل قاضى القضاة بدر الدين محمود «3» العينى عنها، لكبر سنه، فلم يشكر ابن أقبرس على ما فعله لسعيه فى ذلك سعيا زائدا، وكان الأليق عدم ما فعله لأن مقام كل منهما معروف فى العلم والقدر والرئاسة.
ثم فى يوم الخميس تاسع عشرين [شهر] «4» رجب [المذكور] «5» ، جرت حادثة غريبة، وهو أنه لما كان وقت الخدمة السلطانية، أعنى بعد طلوع الشمس بقدر عشرة «6» درج، وقفت العامة بشوارع القاهرة من داخل باب زويلة إلى تحت القلعة، وهم يستغيثون

(15/397)


ويصرخون بالسبّ واللعن ويهددون بالقتل، ولا يدرى أحد ما الخبر، لعظم الغوغاء «1» ، إلى أن اجتاز «2» علىّ بن إسكندر محتسب القاهرة فلما رأوه أخذوا فى زيادة ما هم فيه، وحطوا أيديهم فى الرّجم، فرجموه من باب زويلة، إلى أن وصل إلى باب القلعة أو غيرها، بعد أن أشبعوه سبا وتوبيخا بألفاظ يستحى من ذكرها، فلما نجا «3» علىّ منهم، وطلع إلى القلعة، استمروا على ما هم عليه بالشوارع، وقد انضم عليهم جماعة كثيرة من المماليك السلطانية، وهم على ما هم عليه، غير أنهم [صاروا] «4» يعرضون بذكر أبى «5» الخير النحاس، ووقفوا فى انتظاره إلى أن يطلع إلى القلعة، وكان عادته لا يطلع إليها إلا بعد نزول أعيان «6» الدولة، وكان أبو الخير قد ركب من داره على عادته، فعرّفه بعض أصحابه بالحكاية، فخرج من داره وسار من ظاهر القاهرة، ليطلع إلى القلعة، إلى أن وصل بالقرب من باب الوزير، بلغ المماليك الذين هم فى انتظاره أنه قد فاتهم، فأطلقوا رؤوس خيولهم غارة، والعامة خلفهم، حتى وافوه فى أثناء طريقه، فأكل ما قسم له من الضرب بالدبابيس، وانهزم أمامهم «7» ، وهم فى أثره، والضرب يتناوله وحواشيه، «8» وهو عائد إلى جهة القاهرة، وترك طلوع القلعة لينجو بنفسه، واستمر على ذلك إلى أن وصل إلى جامع أصلم «9» بخط سوق الغنم، فضربه شخص من العامة على رأسه فصرعه عن فرسه، ثم قام من صرعته ورمى بنفسه إلى بيت أصلم الذي بالقرب من جامع أصلم، وهو يوم ذاك سكن يشبك الخاصّكى الظاهرى جقمق، من طبقة الزّمام.

(15/398)


ومن غريب الاتفاق، أن أبا الخير النحاس كان قبل تاريخه بمدة يسيرة، شكا يشبك هذا صاحب الدار إلى السلطان، وشوّش عليه غاية التشويش، حتى أخذه أغاته «1» الأمير فيروز الزّمام، وبعثه إلى أبى الخير النحاس، على هيئة غير مرضية، فصفح عنه أبو الخير خوفا من خجداشيته، ومنّ «2» عليه؛ والمقصود أن [144] أبا الخير، لما ضرب وطاح عن فرسه، وكان الضارب له عبد أسود «3» ، وأخذ عمامته من على رأسه، فلما رأى «4» أبو الخير نفسه فى بيت يشبك المذكور، هجمت العامة عليه، ومعهم المماليك، إلى بيت يشبك، وكان غائبا عن بيته، وقبضوا عليه وأخذوا فى ضربه والإخراق به، وعرّوه جميع ما كان عليه، حتى أخذوا أخفافه من رجليه، واختلفت الأقوال فى الإخراق به، فمن الناس من قال: أركبوه حمارا عريانا وأشهروه فى البيت المذكور، ومنهم من قال أعظم من ذلك، ثم نجا منهم، ببعض من ساعده منهم، وألقى بنفسه من حائط إلى موضع آخر، فتبعوه أيضا، وأوقعوا به وهو معهم عريان، وانتهبوا جميع ما كان فى بيت يشبك المذكور.
ووصل يشبك إلى داره، فما أبقى ممكنا «5» فى مساعدة النحّاس، وما عسى يفعله مع السواد الأعظم؟ وكان بلغ السلطان أمره، فشق عليه ذلك إلى الغاية، فأرسل إليه جانبك والى القاهرة، نجدة، فساق إليه، حتى لحقه وقد أشرف على الهلاك، وخلصه منهم؛ وأراد «6» أن يركبه فرسا فما استطاع أبو الخير الركوب لعظم ما به من الضرب فى رأسه ووجهه وسائر بدنه، فأركبه [عريانا وعليه ما يستره] «7» على بغلة، وأردفه بواحد من خلفه على البغلة المذكورة، وتوجّه به على تلك الهيئة، إلى بيت الأمير تمربغا الدّوادار

(15/399)


الثانى، بالقرب من جامع سودون من زادة، والعامة خلفه وهم ينادمونه بأنواع السبّ ويذكرون له فقره وإفلاسه وما قاساه من الذل والهوان، إلى أن وصل إلى بيت تمربغا [المذكور] «1» بغير عمامة على رأسه، فأجلسه تمربغا بمكان تحت مقعده، واستمر به إلى الليل، فقام «2» وتوجه إلى داره مختفيا خائفا مرعوبا.
وأنا أقول: لو مات أحد من شدة الضرب، لمات أبو الخير [المذكور] «3» فى هذا اليوم، كل ذلك بغير رضى السلطان، لأن المماليك والعامة اتفقوا على [أبى الخير المذكور وعلى الفتك به] «4» ، وقلّ أن يتفقوا على أمر، فكان هذا اليوم «5» من الأيام المشهودة بالقاهرة، لأنى ما رأيت ولا سمعت بمثل هذه الواقعة، وقد سبق كثير من إخراق المماليك لرؤساء الدولة ونهب بيوتهم وأخذ أموالهم، ومع هذا كله لم يقع لأحد منهم بعض ما وقع لأبى الخير هذا، فإن جميع الناس قاطبة كانت عليه، وكل منهم لا يريد إلا قتله وإتلافه.
وأنا أقول إنهم معذورون فيما يفعلونه، لأنه كان بالأمس فى البهموت «6» من الفقر والذل والإفلاس، وصار اليوم فى الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان، ومع هذا الانتقال العظيم، صار عنده شمم وتكبر، حتى على من كان لا يرضى أقل غلمانه أن يستخدمه فى أقل حوائجه، وأما على من كان من أمثاله وأرباب صنعته، فإنه لم يتكبر عليهم، بل أخذ فى أذاهم والإخراق بهم، حتى أبادهم شرا، وأنا أتعجب غاية العجب من وضيع يترأس، ثم يأخذ فى التكبر على أرباب البيوت وأصحاب الرئاسة الضخمة، فما عساه يقول فى نفسه! والله «7» العظيم، إننى كنت إذا دخل علىّ الفقيه الذي أقرأنى القرآن فى صغرى، على أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة، أستحى أن أتكلم

(15/400)


بين يديه بفضيلة أو علم من العلوم، لكونه كان يعرفنى صغيرا لا فقيرا، فكيف حال هؤلاء مع الناس، كانوا يرتجون خدمة [أصاغر] «1» خدمهم؛ فليس هذا إلّا عظم الوقاحة، وغلبة الجنون لا غير- انتهى.
ثم فى يوم السبت ثانى شعبان، عزل السلطان علىّ بن إسكندر عن حسبة القاهرة، ورسم لزين الدين يحيى الأستادّار بالتكلم فيها، فباشر زين الدين الحسبة من غير أن يلبس لها خلعة، وكانت سيرة علىّ بن إسكندر ساءت «2» فى الحسبة إلى الغاية.
وأما أبو الخير النحاس، فإنه استمر فى داره «3» بعد أن قدم إليها من الليل من بيت الأمير تمربغا «4» إلى يوم الاثنين ثالث شعبان، طلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه كاملية مخمّل أحمر بمقلب سمّور، ونزل إلى داره وهو فى وجل من شدة رعبه من المماليك والعامة، لكنّه شق القاهرة فى نزوله، ولم يسلم من الكلام، وصار بعض العامة يقول: «أيش هذه البرودة!» ، فيقول آخر: «إذا اشتهيت أن تضحك على الأسمر لبّسه أحمر!» ، هذا وأبو الخير [145] يسلم فى طريقه على [الناس من] «5» العامة وغيرها؛ فمنهم من يرد سلامه، ومنهم من لا يرد سلامه، ومنهم من يقول بعد أن يولى بأقوى صوته: «خيرتك والّا ينحسوها» ، أعنى رقبته. ولم ينزل معه أحد من أرباب الدولة إلا المقر الجمالى ناظر الخواصّ الشريفة، قصد بنزوله معه أمورا لا تخفى على أرباب الذوق السليم، لأنه لم يؤهّله «6» قبل ذلك لأمر من الأمور، فما نزوله الآن معه، وقد وقع فى حقه ما وقع؟
ثم فى يوم الاثنين حادى عشر شعبان، قدم الأمراء من تجريدة البحيرة صحبة

(15/401)


الأمير الكبير إينال العلائى، وخلع السلطان على أعيانهم الثلاثة الأمير الكبير إينال، وتنم المؤيدى أمير مجلس، وقانى باى الجاركسى الأمير آخور.
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر شعبان، برز الأمير جرباش الكريمى [الظاهرى برقوق] «1» أمير سلاح «2» ، إلى بركة الحاج على هيئة الرّجبيّة، وصحبته قاضى القضاة بدر الدين بن عبد المنعم [البغدادى] «3» الحنبلى، والزينى عبد الباسط بن خليل الدمشقى، وجماعة كثيرة من الناس.
ثم فى يوم السبت سابع شهر «4» رمضان، اختفى «5» السّفطى، فلم يعرف له مكان، بعد أمور وقعت له مع قاسم الكاشف؛ فعمل السلطان فى يوم الاثنين سادس عشره عقد مجلس بين يديه بالقضاة والعلماء بسبب حمام السّفطى، وظهر السفطى من اختفائه «6» ، وحضر المجلس، وانفصل عقد المجلس «7» على غير طائل، واختفى السفطى ثانيا من يومه فلم يعرف له خبر.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، فيروز النّوروزى «8» [الرومى] «9» الزّمام الخازندار، بالمحمل، وأمير الركب الأول، الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى؛ وحجّ فى هذه السنة من الأعيان: الأمير طوخ من تمراز المعروف بينى بازق، أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، وينى بازق باللغة التركية:
أى غليظ الرقبة «10» ، وخرج تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع، صحبة الحاج، واستقر

(15/402)


فى مشدّيّة «1» بندر جدّة، عوضا عن الأمير جانبك الظاهرى، حسبما نذكره من أمره ثانيا «2» فيما «3» يأتى مفصلا، إن شاء الله تعالى.
[ثم] «4» فى يوم السبت تاسع عشره، استقر القاضى ولىّ الدين الأسيوطى، فى مشيخة المدرسة الجماليّة، بعد تسحّب ولىّ الدين السّفطى واختفائه.
ثم فى يوم الاثنين العشرين من ذى القعدة، استقر الأمير جانبك اليشبكى والى القاهرة، فى حسبة القاهرة، مضافا لما معه من الولاية وشدّ الدواوين والحجوبية؛ وجانبك هذا أحد من رقاه المقر الصاحبى ناظر الخاص المقدم ذكره.
[ثم] «5» فى يوم الخميس ثالث عشرين ذى القعدة أيضا، نودى بالقاهرة على ولى الدين السّفطى، بأن من أحضره إلى السلطان يكون له مائة دينار، وهدّد من أخفاه بعد ذلك بالعقوبة والنكال.
ثم فى يوم الخميس ثامن ذى الحجة، وصل الأمير يشبك الصوفى المؤيدى، نائب طرابلس، إلى القاهرة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فحال وقوفه «6» رسم السلطان بتوجّهه إلى ثغر دمياط بطّالا، وذلك لسوء سيرته فى أهل طرابلس. وفيه عزل السلطان الأمير علان جلّق المؤيدى عن حجوبية حلب، لشكوى «7» الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب عليه، ثم انتقض ذلك، واستمر علّان على وظيفته.
ووقع فى هذه السنة- أعنى ثلاث وخمسين- غريبة، وهى أنه مات فيها من ذوات الأربع، مثل الأغنام والأبقار وغيرها، شىء كثير «8» ، من عدم العلوفة، لغلو الأسعار

(15/403)


والفناء، فأيقن كلّ أحد بتزايد أثمان الأضحية، فلما كان العشر الأول من ذى الحجة، وصل إلى القاهرة من البقر والغنم شىء كثير، حتى أبيعت بأبخس الأثمان.
ثم فى يوم تاسع عشر ذى الحجة المذكور، سمّر نجم الدين أيوب [بن حسن بن محمد نجم الدين بن البدر ناصر الدين] «1» بن بشارة، وطيف به، ثم وسّط من يومه، ووسّط معه شخص آخر من أصحابه، وقد ذكرنا سبب القبض عليه وما وقع له فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى «2» الأيام والشهور» ، إذ هو محله «3» .
ثم فى يوم السبت رابع عشرينه، عزل السلطان الأمير علان المؤيدى، عن حجوبية حجاب حلب، لأمر وقع بينه وبين نائب حلب، الأمير قانى باى الحمزاوى، ورسم بتوجّه علان المذكور إلى مدينة طرابلس بطالا، واستقر عوضه فى حجوبية حلب قاسم بن جمعة القساسى، وأنعم بإقطاع قاسم على الأمير جانبك المؤيدى المعروف بشيخ، المعزول أيضا [146] عن حجوبية حلب قبل تاريخه، والإقطاع إمرة طبلخانات بدمشق. وفيه رسم السلطان لما ماى السيفى بيبغا المظفرى، أحد الدّواداريّة الصغار، بالتوجه إلى ثغر دمياط، وأخذ الأمير يشبك الصوفى منه وتحبّسه بثغر الإسكندرية مقيّدا؛ ووقع ذلك.
ثم فى يوم الخميس خامس عشرين ذى الحجة، رسم باستقرار الأمير يشبك النّوروزى، حاجب حجاب دمشق، فى نيابة طرابلس، عوضا عن يشبك الصوفى المقبوض عليه قبل تاريخه، وولاية يشبك المذكور طرابلس، على مال كبير بذله له، وحمل إليه التقليد والتشريف بنيابة طرابلس، الأمير أسنباى الجمالى الساقى الظاهرى

(15/404)


جقمق، ورسم السلطان بإعادة الأمير جانبك الناصرى إلى حجوبية دمشق، عوضا عن يشبك النّوروزى.
وفرغت هذه السنة والديار المصرية فى غاية ما يكون من غلو الأسعار. وفى هذه السنة أيضا، ورد الخبر بوقوع خسف بين أرض سيس وطرسوس، ولم أتحقق مقدار الأرض التى خسفت. وفيها أيضا كان فراغ مدرسة زين الدين الأستادّار، بخط بولاق على النيل، ولم أدر المصروف على بنائه من أى وجه، ومن كان له شىء فله أجره.
[ما وقع من الحوادث سنة 854]
واستهلت سنة أربع وخمسين وثمانمائة الموافقة لحادى عشرين مسرى، والناس فى جهد وبلاء من غلو الأسعار، وسعر القمح ثمانمائة درهم الأردب، وقد ذكر سعر جميع المأكولات فى «حوادث الدهور» «1» .
ولما كان يوم السبت أول محرم سنة أربع وخمسين المذكورة، وصل الأمير بردبك العجمى الجكمى المعزول عن نيابة حماة من ثغر دمياط، وطلع إلى القلعة، وأنعم السلطان عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق.
وفى هذه الأيام وصلت إلى القاهرة رمّة «2» قاسم المؤذى الكاشف، غريم السّفطى ليدفن بالقاهرة.
ثم فى يوم الخميس ثالث عشر المحرم، وصل الأمير جرباش الكريمى، أمير سلاح من الحجاز، وتخلف قاضى القضاة بدر الدين الحنبلى عنه مع الركب الأول من الحاج، وكان الزينى عبد الباسط بن خليل، سبق الأمير جرباش من العقبة، ودخل القاهرة قبل تاريخه، وخلع السلطان على جرباش المذكور كاملية بمقلب سمّور، وخرج من عند السلطان، ودخل إلى ابنته زوجة السلطان، وهى يوم ذلك صاحبة القاعة

(15/405)


[الكبرى بالدور السلطانية] «1» وسلّم عليها، ثم نزل إلى داره [المعروفة بالبيت الكبير تجاه القلعة] «2» .
ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرينه، عقد السلطان عقد مملوكه الأمير أزبك من ططخ، على ابنته من مطلقته خوند بنت البارزى، وكان العقد بقلعة الدّهيشة، بحضرة السلطان بعد نزول الأمراء من صلاة الجمعة من غير جمع «3» .
ثم فى يوم الخميس رابع شهر صفر «4» ، استقر أبو الفتح [الطيبى] «5» أحد أصحاب أبى الخير النحاس [بسفارته] «6» ، فى نظر جوالى دمشق، ووكالة بيت المال بها، على أنه يقوم فى السنة للخزانة الشريفة بخمسين ألف دينار، على ما قيل، وما سيأتى من خبر أبى الفتح، فأعجب.
وفى هذه الأيام «7» ، ظهر رجل من عبيد قاسم [الزين] «8» الكاشف، [الملقب بالمؤذى] «9» وشهر بالصلاح، وتردد الناس لزيارته، حتى جاوز أمره الحد، وخشى على الناس من إتلاف عقائدهم، فأمر السلطان الأمير تنبك حاجب الحجاب، أن يتوجه إليه، ويضربه ويحبسه، وصحبته جانبك الساقى والى القاهرة. فلما دخلا عليه، تهاون الأمير تنبك فى ضربه خشية من صلاحه، وبلغ «10» السلطان ذلك، فرسم بنفيه إلى ثغر دمياط بطّالا، ومسفّره «11» جانبك الوالى، وتولى «12» خشقدم الطّواشى الظاهرى [الرومى] «13»

(15/406)


ووالى القاهرة ضرب العبد المذكور وحبسه، وقد أوضحت أمر هذا العبد وما وقع له فى تاريخنا «الحوادث» فلينظر هناك «1» . ثم رسم السلطان بعد مدة، بقدوم الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أحد المقدمين بدمشق، إلى القاهرة، واستقراره فى حجوبية الحجاب، عوضا عن تنبك المذكور، ورسم للأمير علّان المؤيدى، المعزول عن حجوبية حلب، بإقطاع خشقدم المذكور بدمشق.
ثم فى يوم الثلاثاء سادس عشر صفر، رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأمير آخور قريب الملك الأشرف برسباى «2» من القدس الشريف، وحبسه بسجن الكرك، وكان جانم المذكور، حبس عدة سنين، ثم أطلق وجاور بمكة سنيّات، ثم سأل فى القدوم إلى القدس، فأجيب، وقدمه، فتكلم فيه بعض أعدائه [147] إلى أن حبس بالكرك ثانيا.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشر صفر، قدم الأمير قانم التاجر المؤيدى من بلاد الروم إلى القاهرة، [وكان توجه إليها فى العام الماضى كما سلف.] «3»
ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين صفر المذكور، نودى بالقاهرة بأن لا يلبس النصارى واليهود على رؤوسهم أكثر من سبعة أذرع من العمائم، [لكونهم تعدوا فى ذلك وزادوا عن الحد] «4» ؛ وفى هذه الأيام تزايد أمر النحّاس وطغى [وتجبر] «5» ، ونسى ما وقع له من البهدلة والإخراق.
وفى يوم الاثنين، رسم السلطان بالإفراج عن عبد قاسم الكاشف، من حبس المقشرة وتوجّهه إلى حيث شاء، ولا يسكن القاهرة.
ثم فى يوم السبت ثانى عشر شهر ربيع الأول، ورد الخبر بموت الأمير شاد بك الجكمى، المعزول عن نيابة حماة، بالقدس بعد مرض طويل.

(15/407)


ثم فى يوم الخميس سادس عشره، وصل إلى القاهرة الأمير خشقدم المؤيدى من دمشق، وقبّل الأرض وأنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن تنبك البردبكى الحاجب، بحكم نفيه إلى دمياط. وفى هذا اليوم كان مهمّ الأمير أزبك وعرسه على بنت السلطان بالقاهرة، فى بيت خالها القاضى كمال الدين بن البارزى، ولم يعمل بالقلعة.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين شهر ربيع الأول، المذكور، استقر خشقدم عوضا عن تنبك المقدم ذكره فى حجوبية الحجاب.
ثم فى يوم الخميس ثانى شهر ربيع الآخر، أنعم السلطان على تمراز الأشرفى الزّردكاش كان، بإقطاع على باى الساقى الأشرفى، بحكم وفاته، قلت: بئس البديل، وإن كان كل منهما أشرفيّا «1» ، فالفرق بينهما ظاهر.
وفى هذه الأيام عظم أمر النحاس، حتى أنه ضاهى المقرّ الصاحبىّ ناظر الخواص، فى نفوذ الكلمة فى الدولة، لأمور صدرت بينهما يطول الشرح فى ذكرها، وليس لذلك فائدة ولا نتيجة؛ وملخص ذلك أن أبا الخير عظم فى الدولة، حتى هابه كلّ أحد من عظماء الدولة إلا المقر الجمالى، فأخذ أبو الخير يدبر عليه فى الباطن، ويوغر خاطر السلطان عليه، بأمور شتى، ولم ينهض أن يحوّل السلطان عنه بسرعة، لثبات قدمه فى المملكة، ولعظمه فى النفوس، كلّ ذلك والمقرّ الجمالى لا يتكلم فى حقه عند السلطان بكلمة واحدة، ولا يلتفت إلى ما هو فيه، وأبو الخير فى عمل جد مع السلطان فى أمر الجمالى المذكور، بكلتا يديه. وبينما هو فى ذلك، أخذه الله من حيث لا يحتسب، حسبما يأتى ذكره مفصلا إن شاء الله تعالى.
ومن غريب الاتفاق، أنه دخل عليه «2» قبل محنة أبى الخير النحاس «3» بمدة يسيرة،

(15/408)


رجل من أصحابه، وأخذ فى تعظيم المذكور، وبالغ فى أمره، حتى قال إنه قد تم له كل شىء طلبه، فأنشدته من باب المماجنة [المتقارب] :
إذا تم أمر «1» بدا نقصه ... توقّ زوالا «2» إذا قيل تمّ
وافترقنا، فلم تمض أيام حتى وقع من أمره ما وقع.
ثم فى يوم الاثنين، ثالث عشر شهر ربيع الآخر المقدم ذكره، نفى الأمير سودون الإينالى «3» [المؤيدى] «4» المعروف بقراقاش، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، لأمر مطول ذكرناه فى «الحوادث» «5» .
وفى هذه الأيام، برز المرسوم الشريف بعزل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدى الأعرج، عن نيابة حماه، لأمور مطولة ذكرناها فى «الحوادث» «6» من أولها إلى آخرها، وإلى حضوره إلى القاهرة، [وما وقع له] «7» ببلاد الشرق وغيره. ورسم للأمير سودون الأبوبكريّ المؤيدى أتابك حلب، باستقراره عوضه فى نيابة حماه، وأنعم بأتابكية

(15/409)


حلب على الأمير على باى العجمى المؤيدى، وأنعم بتقدمة على باى المذكور، على إينال الظاهرى جقمق، وقد نفى قبل تاريخه من الديار المصرية.
ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار
ولما كان يوم الأحد حادى عشر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين المذكورة، أحضر السلطان إلى بين يديه مماليك الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدى أمير مجلس، وعيّن منهم نحو العشرة، ورسم بحبسهم بسجن المقشرة، بسبب تجرّئهم على أستاذهم المذكور، وشكواه عليهم، فلما أصبح من الغد فى يوم الاثنين ثانى عشره، انفض الموكب السلطانى، ونزل الأمير تنم المذكور صحبة الأتابك «1» إينال العلائى وغيره من الأمراء، فلما صاروا تجاه سويقة منعم «2» ، احتاطت بهم المماليك [148] السلطانية الجلبان، وخشّنوا لتنم فى القول، بسبب شكواه على مماليكه، فأخذ الأتابك إينال فى تسكينهم، وضمن لهم خلاص المماليك المذكورة من حبس المقشرة، فخلوا عنهم، ورجعوا غارة إلى زين الدين يحيى الأستادّار، فوافوه بعد نزوله من الخدمة بالقرب من جامع الماردانى «3» ، وتناولوه بالدبابيس، فمن شدة الضرب ألقى بنفسه «4» عن «5» فرسه، وهرب إلى أن أنجده الأمير أزبك الساقى، والأمير جانبك اليشبكى الوالى، وأركباه على فرسه، وتوجّها به إلى داره.
فلما فات المماليك زين الدين رجعوا غارة إلى جهة القلعة، ووقفوا تحت الطبلخانات بالصّوّة «6» ، فى انتظار أبى «7» الخير النحاس، وبلغ النحاس الخبر،

(15/410)


فمكث نهاره عند السلطان بالقلعة لا ينزل إلى داره، فشقّ ذلك على المماليك، واتفقوا على نهب دار أبى الخير النحاس، فساروا من وقتهم إلى داره على هيئة مزعجة، فوجدوا باب داره قد غلقه «1» مماليكه وأعوانه، وقد وقفت مماليكه بأعلى بابه لمنع المماليك من الدخول؛ فوقع بينهم بعيض قتال، ثم هجمت المماليك السلطانية على بابه الذي كان من بين السورين، وأطلقوا فيه النار، واحترق الباب وما كان عليه من المبانى، ودخلوا إلى البيت، وامتدت الأيدى فى النهب، فما عفّوا ولا كفّوا، وأخذوا من الأقمشة والأمتعة والصينى والتحف ما يطول الشرح فى ذكره «2» ، واستمرت النار تعمل فى باب أبى الخير، إلى أن اتصلت إلى عدة بيوت بجواره «3» ، ولم تصل النار إلى داره، لأنها كانت فوق الريح، وأيضا كانت بالبعد عن الباب، وهى الدار التى عمّرها قديما صلاح الدين بن نصر الله، وانتقلت بعده إلى أقوام كثيرة، حتى ملكها النحاس هذا وجدّدها وتناهى «4» فيها.
ثم حضر والى القاهرة وغيره لطفى النار، فطفيت بعد جهد؛ ولما انتهى أمر المماليك من النهب، وعلموا أنه لم يبق بالدار ما يؤخذ، توجّهوا إلى حال سبيلهم، وقد تركوا [بيت] «5» النحاس خاليا من جميع ما كان فيه، بعد أن سلبوا حريمه جميع ما كان عليهن «6» من الأقمشة «7» وأفحشوا فى أمرهن، من الهتكة والجرجرة، والهجم عليهن «8» وعادوا من دار النحّاس وشقوا باب زويلة، وقد غلقت عدة حوانيت بالقاهرة، لعظم ما هالهم من النهب فى بيت النحاس، فمضوا ولم يتعرضوا لأحد بسوء، وباتوا تلك الليلة، وأصبحوا يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى المذكور، ووقفوا بالرملة

(15/411)


محدقين بالقلعة، مصممين على الفتك بأبى الخير النحاس، وقد بات النحاس بالقلعة، وطلبوا تسليمه من السلطان، وعزل جوهر النّوروزى «1» عن تقدمة المماليك، وعزل زين الدين الأستادّار عن الأستادّاريّة؛ وانفض الموكب، ونزل كل من الأعيان إلى داره فى خفية، ونزل الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار الثانى، والأمير أزبك الساقى، وبرد بك البجمقدار «2» ، إلى نحو بيوتهم؛ فلما صاروا بالرملة ضربوا عليهم المماليك الجلبان حلقة، وكلموهم فى عودهم إلى السلطان والتكلم معه فى مصالحهم، فقال لهم تمربغا:
«ما هو غرضكم؟» ، قالوا: «عزل جوهر مقدم المماليك وتسليم غريمنا» ، يعنون، النحاس.
فعاد تمربغا إلى القلعة من وقته وعرّف السلطان بمقصودهم، وكان الأمير الكبير إينال قد طلع باكر النهار إلى القلعة [وصحبته الأمير أسنبغا الطيّارى رأس نوبة النّوب؛ وأما الأمير تنم، فإنه كان طلع إلى القلعة] «3» من أمسه وبات بها فى طبقة الزّمام، وأجمع رأيه أنه لا ينزل من القلعة، إلى أن يفرج عن مماليكه المحبوسين، خشية والمماليك الجلبان، فلما طلع الأمير الكبير باكر النهار، شفع فى مماليك الأمير تنم فرسم بإطلاقهم، ثم تكلم الأمير الكبير مع السلطان فى الرضى عن المماليك الجلبان، والسلطان مصمم على مقالته التى قالها بالأمس، أنه يرسل ولده المقام الفخرى عثمان وحريمه إلى الشام، ويتوجه هو إلى حال سبيله، فنهاه الأمير الكبير عن ذلك، وقام السلطان ودخل إلى الدّهيشة، فكلّمه بعض أمرائه أيضا فى أمرهم، فشقّ ثوبه غيظا منه، ونزل الأمير الكبير بمن معه إلى دورهم.
ثم كان نزول تمربغا، والمقصود أن تمربغا لما عاد إلى السلطان، وعرّفه قصد المماليك، وقبل أن يتكلم، سبقه بعض أمرائه، وأظنه الأمير قراجا الخازندار، وقال: «يجبر مولانا [149] السلطان خاطر مماليكه، بعزل المقدم، وإخراج

(15/412)


النحاس من القاهرة» ، فانقاد السلطان إلى كلامه، ورسم بعزل جوهر مقدم المماليك، وتوجّهه إلى المدينة الشريفة، وإخراج النحاس إلى مكة المشرفة؛ وعاد تمربغا إلى المماليك بهذا الخبر، فرضوا، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله؛ وتم ذلك إلى بعد «1» الظهر من اليوم المذكور. فلما كان بعد «2» الظهر، توجه جماعة من المماليك إلى الأمير أسنبغا الطّيّارى رأس نوبة النوب، وكلموه أن يطلع إلى السلطان، ويطلب منه إنجاز ما وعدهم به من إخراج النحاس وعزل المقدم؛ فركب أسنبغا من وقته، وطلع إلى السلطان وكلمه فى ذلك، فلما سمع السلطان مقالة أسنبغا، اشتد غضبه، وطلب فى الحال جوهرا مقدم المماليك ونائبه مرجان العادلى المحمودى، وخلع عليهما باستقرارهما، ورسم أن يكون النحاس على حاله أولا بالقاهرة، ورسم للأمير تغرى برمش اليشبكى الزّردكاش أن يستعد لقتال المماليك الجلبان، فخرج الزّردكاش من وقته ونصب عدة مدافع على أبراج القلعة، وصمم السلطان على قتال مماليكه المذكورين.
وبلغ الأمراء ذلك، فطلع منهم جماعة كبيرة إلى السلطان، وأقاموا ساعة بالدّهيشة، إلى أن أمرهم السلطان بالنزول إلى دورهم، ونزلوا، واستمر الحال إلى باكر يوم الأربعاء رابع عشره، فجلس السلطان بالحوش على الدّكّة، ثم التفت إلى شخص من خاصّكيته، وقال له: «أين الذين قلت عنهم؟» فقال: «الآن يحضروا» ، فقال السلطان: «انزل إليهم وأحضرهم» ، فنزل الرجل من وقته، وقام السلطان إلى الدهيشة، ونزل المذكور إلى المماليك، وأخذ منهم جماعة كبيرة، وطلع بهم إلى السلطان، فلما مثلوا بين يديه قال لهم: «عفوت عنكم، امضوا إلى أطباقكم» ، فلم يتكلم أحد منهم بكلمة.
واستمر أبو الخير بالقلعة خائفا من النزول إلى داره، وقد أشيع سفره إلى الحجاز، إلى أن كان يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى، نزل أبو الخير إلى داره على حين غفلة قبل العصر بنحو خمس درج، وانحاز بداره، وقفل الباب

(15/413)


[عليه] «1» إلى يوم الأربعاء حادى عشرينه؛ فوصل البلاطنسى «2» من دمشق، وطلع إلى السلطان، وشكا «3» على أبى الفتح الطيبى، الذي ولى وكالة بيت مال دمشق بسفارة النحاس، وذكر عنه عظائم، فعزله السلطان، ورسم بحضوره إلى القاهرة فى جنزير، ورسم لأبى الخير النحاس، بالسفر إلى المدينة الشريفة، ونزل البلاطنسى من القلعة بعد أن أكرمه السلطان، وحصل [على] «4» مقصوده من عزل أبى الفتح الطيبى.
ورسم السلطان لأبى الخير المذكور أن يكتب جميع موجوده ويرسله إلى السلطان من الغد، ورسم أيضا بعمل حسابه، وتردد إليه الصفوىّ جوهر الساقى من قبل السلطان غير مرة، وكثر الكلام بسببه، فقلق النحاس من ذلك غاية القلق، وعلم بزوال أمره، فأصبح من الغد، فى يوم الخميس ثانى عشرينه، طلع إلى القلعة فى الغلس من غير إذن السلطان، واختفى بالقلعة فى مكان، إلى أن انفض الموكب، فتحيل حتى دخل على السلطان، واجتمع به، ثم نزل من وقته، وقد أصلح ما كان فسد من أمره، وأنعم له السلطان بموجوده، وترك له جميع ما كان عزم على أخذه، واستمر بداره، وقد هابته الناس وكثر تردادهم إليه، ورسم بإبطال ما كان رسم به من عزل أبى الفتح الطيبى، وإحضاره، وأمر البلاطنسى بالسفر إلى دمشق، بعد أن لهج [الناس] «5» بحبسه فى سجن المقشرة، فتحقق الناس بهذا الأمر ميل السلطان لأبى الخير، وكفّ جميع أعداء النحاس عن الكلام فى أمره مع السلطان.
واستمر بداره والناس تتردد إليه، إلى يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور، رسم السلطان لجوهر الساقى بنزوله إلى أبى الخير النحاس، ومعه نقيب الجيش، ويمضيا به إلى بيت قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى الشافعى ليدعى عليه

(15/414)


التاجر شرف الدين موسى التّتائى الأنصارى «1» ، بمجلس الشرع، بدعاو كثيرة، ورسم السلطان لجوهر أن يحتاط بعد ذلك على جميع موجوده، فنزل جوهر المذكور من وقته إلى أبى الخير النحاس، وأخرجه من داره ماشيا ممسوكا مع نقيب الجيش، وقد ازدحم الناس على بابه للتفرج عليه والفتك به، فحماه جوهر ومن معه من المماليك [150] منهم، وأخذه ومضى، وانطلقت الألسن إليه بالسب واللعن والتوبيخ، وجوهر يكفهم عنه ساعة بعد ساعة، وهم خلفه وأمامه، وهو مار فى طريقه ماشيا إلى أن وصل بيت القاضى المذكور بسويقة الصاحب، من القاهرة، وأدخلوه إلى المدرسة الصاحبية «2» ، [المجاورة لسكن قاضى الشافعية] «3» محتفظا به، مع رسل الشرع.
وعاد جوهر الساقى وشرف الدين التّتائى إلى الحوطة على موجود أبى الخير النحاس بداره وحواصله، ووجدت العامة بغياب جوهر فرصة إلى الدخول على أبى الخير المذكور، فهجموا عليه وأخذوه من أيدى الرسل، وضربوه ضربا مبرحا، فصاحت رسل الشرع عليهم، وأخذوه من أيديهم؛ وهرّبوه إلى مكان بالمدرسة المذكورة. وأعلموا القاضى بذلك، فأرسل القاضى خلف الأمير جانبك والى القاهرة،

(15/415)


حتى حضر، وقدر على إخراجه من المدرسة المذكورة إلى بيت القاضى، وادعى شرف الدين التّتائى عليه بدعاء يطول الشرح فى ذكرها.
والسبب الموجب لهذه القضية، أن أبا الخير النحاس لما وقع له ما وقع، وأقام بالقلعة من يوم الاثنين، إلى يوم الخميس، ثم نزل قبيل العصر إلى داره، بقى الناس فى أمره على قسمين: فمن الناس من لا سلّم عليه ولاراعاه، ومنهم من صار يترجّيه ويتردد إليه، ودام على ذلك إلى أن طلع أبو الخير إلى السلطان من غير إذن، وأصلح ما كان فسد من أمره، ونزل إلى داره، وقد وقع بينه وبين شرف الدين المذكور.
وسبب ذلك أن شرف الدين كان فى هذه المدة هو رسول النحاس إلى السلطان، ومهما كان للنحاس من الحوائج يقضيها له عند السلطان، فظهر لأبى الخير المذكور، بطلوعه إلى القلعة فى ذلك اليوم، أن شرف الدين ليس هو له بصاحب، وأنه ينقل عنه إلى السلطان ما ليس هو مقصوده، بل ينهى عنه ما فيه دماره، فنزل إلى شرف الدين وأظهر له المباينة، وتوعّده بأمور، إن طالت يده، فانتدب عند ذلك شرف الدين له، ودبر عليه: وساعدته المقادير مع بغض الناس قاطبة له، حتى وقع ما حكيناه وادعى عليه بدعاو كثيرة.
واستمر أبو الخير فى بيت القاضى شرف الدين «1» فى الترسيم، وهو يسمع من العامة والناس من أنواع البهدلة والسب مالا مزيد عليه مواجهة، بل يزدحمون على باب القاضى لرؤيته، وصارت تلك الحارة كبعض المفترجات، لعظم سرور الناس لما وقع لأبى الخير المذكور، حتى النساء وأهل الذمة، وأصبح من الغد نهار الجمعة، طلب السلطان خيوله ومماليكه فطلعوا بهم فى الحال، بعد أن شقوا بهم القاهرة، وازدحم الناس لرؤيتهم، فكانت عدة الخيول نيفا على أربعين فرسا، منها «2» بغال أزيد من عشرة، والباقى خيول خاصّ هائلة، والمماليك نحو [من] «3» عشرين نفرا، واستمر شرف الدين يتتبع آثاره وحواصله،

(15/416)


هذا بعد أن أشهد على أبى الخير المذكور، أن جميع ما يملكه من الأملاك والذخائر والأمتعة والقماش وغير ذلك، هو ملك السلطان الملك الظاهر، دون ملكه، [و] «1» ليس له فى ذلك «2» دافع ولا مطعن.
ثم فى يوم السبت أول جمادى الآخرة، رسم بفتح حواصل أبى الخير، ففتحت، فوجد فيها من الذهب العين نحو سبعة عشر ألف دينار، ووجد له من الأقمشة والتحف والقرقلات «3» التى برسم الحرب، والصينى الهائل، والكتب النفيسة، أشياء كثيرة، ووجد له حجج مكتتبة على جماعة بنحو ثلاثين ألف دينار، فحمل الذهب العين إلى السلطان، وبعض الأشياء المستظرفة، وختم على الباقى، حتى تباع، ودام شرف الدين فى الفحص على موجوده، وأخرج السلطان جميع تعلقات النحاس من الإقطاعات والحمايات والمستأجرات وغير ذلك.
ثم فى يوم الأحد ثانى جمادى الآخرة، خلع السلطان على المقر الجمالى ناظر الخواص، وعلى زين الدين الأستادار، خلعتى الاستمرار، [وخلع] «4» على شرف الدين موسى التّتائى، باستقراره فى جميع وظائف أبى الخير النحاس، وهم عدة وظائف ما بين نظر البيمارستان المنصورى، ونظر الجوالى، ونظر الكسوة، ووكالة بيت المال، ونظر خانقاه سعيد السّعداء، ووكيل السلطان، ووظائف أخر دينية، ومباشرات. ولبس شرف الدين خفّا ومهمازا وتولى جميع هذه الوظائف، عوضا عن أبى الخير دفعة واحدة. قلت:
وما أحسن قول المتنبى فى هذا «5» المعنى: [الطويل]
[151]
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد

(15/417)


هذا والفقهاء والمتعممون «1» قد ألزموهم المماليك الجلبان بعدم ركوب الخيل، بحيث أنه لم يستجر أحد منهم أن يعلو على ظهر فرس، إلا أعيان مباشرى «2» الدولة، وجميع من عداهم، قد ابتاعوا البغال، وركبوها، حتى تزايد لذلك سعر البغال إلى أمثال ما كان أولا.
ثم أمر السلطان فى اليوم المذكور، بنقل أبى الخير النحاس من بيت القاضى الشافعى يحيى المناوى، من سويقة الصاحب، إلى بيت المالكى ولىّ الدين السنباطى، بالدرب الأصفر «3» ، ليدّعى عليه عند القاضى المذكور بدعاو، فأخذه والى القاهرة ومضى به من بيت القاضى الشافعى إلى بيت المالكى، وقد أركبه حمارا، وشق به للقاهرة، والناس صفوف وجلوس بالشوارع والدكاكين، وهم ما بين شامت وضاحك ثم باك، فأما الشامت فهو من آذاه وظلمه، والضاحك من كان يعرفه قديما، ثم ترافع عليه، والباكى معتبر بما وقع له من ارتفاعه ثم هبوطه؛ قلت: وقد قيل فى الأمثال: «على قدر الصعود يكون الهبوط» .
وسار به الوالى على تلك الهيئة إلى أن أدخله إلى بيت القاضى المالكى، وادعى عليه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن مصبح «4» [دلّال العقارات] «5» بدعوى شنعة «6» ، أوجبت وضع الجنزير فى رقبة أبى الخير النحاس، بعد أن كتب محضرا بكفره، وأقام الشريف البينة عند القاضى المالكى بذلك، فلم يقبل القاضى بعض البينة، واستمر أبو الخير فى بيت القاضى فى الترسيم على صفّة، نسأل الله السلامة من زوال النعم، إلى عصر يومه، فنقل إلى حبس الدّيلم على حمار، وفى رقبته الجنزير، ومر بتلك الحالة من

(15/418)


الشارع الأعظم، وعليه من الذل والصغار ما أحوج أعداءه الرحمة عليه، وحاله كقول القائل: [السريع]
لم يبق إلا نفس خافت «1» ... ومقلة إنسانها باهت
رثى «2» له الشامت مما به ... يا ويح من يرثى له الشامت «3»
قلت: وأحسن من ذا «4» ، [قول] «5» من قال:
يا من علا [و] «6» علوّه ... أعجوبة بين البشر
غلط الزّمان برفع قد ... رك ثم حطّك واعتذر «7»
ويعجبنى أيضا فى هذا المعنى، قول القائل: [البسيط]
لو أنصفوا أنصفوا، لكن بغوا فبغى ... عليهم، فكأن العزّ لم يكن
جاد الزّمان بصفو ثم كدّره ... هذا بذاك، ولا عتب على الزمن
وقد سقنا أحوال أبى الخير هذا فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» بأوسع من هذا، [إذ سياق] «8» الكلام منتظم مع سياقه «9» فى محل واحد؛

(15/419)


وأيضا قد حررنا أموره بأضبط من هذا، فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور» «1» إذ هو موضوع لتحرير الوقائع، وما ذكرناه هنا، على سبيل الاستطراد من شىء إلى شىء.
واستمر أبو الخير [بسجن الديلم إلى ما يأتى ذكره] «2» من خروجه من السجن، ونفيه، ثم حبسه، وجميع ما وقع له إلى يومنا هذا، إن شاء الله تعالى.
وفى يوم حبس النحاس بحبس الدّيلم، ظهر القاضى ولىّ الدين السفطى من اختفائه، نحو ثمانية أشهر وسبعة أيام، وطلع من الغد فى يوم الخميس سادس جمادى الآخرة، إلى السلطان، فأكرمه السلطان، ونزل إلى داره، ثم فى يوم السبت ثامنه، ندب السلطان إينال الأشرفى المتفقّه، ليتوجه إلى دمشق، لكشف أخبار أبى الفتح الطيبى والفحص عن أمره.
وفى هذه الأيام، ترادفت الأخبار من حلب وغيرها بمسير جهان شاه بن قرا يوسف، صاحب تبريز، على [معز الدين] «3» جهان گير بن على «4» بك بن قرايلك صاحب آمد، وأن جهان گير، ليس له ملجأ إلا القدوم إلى البلاد الحلبية مستجيرا بالسلطان، وأن جهان شاه يتبعه حيثما توجه، فتخوّف أهل حلب من هذا الخبر، [152] ونزح منها جماعة كثيرة، وغلا «5» بها ثمن ذوات الأربع، لأجل السفر منها، ومدلول هذه الحكايات طلب عسكر «6» يخرج من الديار المصرية إلى البلاد الشامية، فأوهم السلطان بخروج تجريدة، ثم فتر عزمه عن ذلك.

(15/420)


وفى هذه الأيام أشيع بالقاهرة أن أبا «1» الخير النحاس قد تجنّن فى سجنه، وأنه صار يخلط فى كلامه، قلت: وحقّ له أن يتجنن، فإنه كان فى شىء، ثم صار فى شىء، ثم عاد إلى أسفل ما كان، وهو أنه كان أولا فقيرا مملقا متحيلا على الرزق، دائرا على قدميه فى النّزه والأوقات، ثم وافته «2» السعادة على حين غفلة «3» حتى نال منها حظا كبيرا، ثم حطه الدهر يدا واحدة، فصار فى الحبس، وفى رقبته الجنزير، يترقب ضرب الرقبة، بعد ما وقع له من الإخراق والبهدلة وشماته الأعداء، وأخذ أمواله ما وقع، فهو معذور: دعوه يتجنن ويتفنن فى جنونه «4» .
ثم فى يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، استغاث الشريف غريم النحاس على رؤوس الأشهاد، وقال: قد ثبت الكفر على غريمى النحاس، وأقيمت البينة، والقاضى لا يحكم بموجب كفره وضرب رقبته؛ وكان الشريف هذا قد وقف إلى السلطان قبل تاريخه، وذكر نوعا من هذا الكلام، فرسم السلطان للقاضى المالكى، أنه إن ثبت على أبى الخير المذكور كفر، فليضرب رقبته بالشرع، ولا يلتفت لما بقى عنده من مال السلطان، فإن حقّ النبي صلى الله عليه وسلم أبدا من «5» حق السلطان.
فلما سمع الشريف ذلك؛ اجتهد غاية الاجتهاد، والقاضى يتثبت فى أمره؛ ثم بلغ القاضى المالكى مقالة الشريف هذه، فركب وطلع إلى السلطان واجتمع به وكلمه فى أمر النحاس، فأعاد السلطان عليه الكلام كمقالته أولا، وقال له كلاما معناه: أنّ هذا أمره راجع إليك، ومهما كان الشرع افعله معه، ولا تتعوّق لمعنى من المعانى، فقال القاضى المالكى: يا مولانا السلطان، قد فوّضت هذه الدعوى لنائبى القاضى كمال الدين بن عبد الغفار، فهو ينظر فيها بحكم الله تعالى؛ وانفض المجلس.

(15/421)


وكان السلطان قد أرسل فى أول هذا النهار جوهرا التركمانى الطّواشى، إلى أبى الخير النحاس، يسأله عن الأموال، ويهدده بالضرب وبالنكال، فلم يلتفت أبو الخير إلى ما جاء فيه جوهر، وقال: قد أخذ السلطان جميع مالى، وما بقى فهو يباع فى كل يوم.
ثم أخذ أمر الشريف المدّعى على أبى الخير النحاس، فى انحلال، من كون [القاضى] «1» الشافعى أثبت فسق القاضى عز الدين البساطى، أحد نواب الحكم المالكى، وهو أحد من شهد على أبى الخير المذكور لأمر من الأمور، ولا نعرف على الرجل إلا خيرا، ووقع بسبب ذلك أمور، وعقد مجالس بالقضاة، بحضرة السلطان، وآل «2» الأمر [على] «3» أن السلطان حبس الشريف والشهود فى الحبس بالمقشرة، وتراجع أمر أبى الخير النحاس بعد ما أرجف بضرب رقبته غير مرة، ثم رسم السلطان فى اليوم الذي حبس فيه الجماعة المذكورة، بإخراج أبى الخير النحاس من حبس الديلم، وتوجّهه إلى بيت قاضى القضاة الشافعى، فأخرجه الوالى من سجن الديلم مجنزرا بين يديه، وشق به الشارع وهو راكب خلفه، ماش على قدر مشية النحاس، إلى أن أوصله إلى بيت القاضى الشافعى، بخط سويقة الصاحب، وقد ازدحمت الناس لرؤيته، وكان الوقت قبيل العصر بنحو العشر درج؛ ومرّ أبو الخير على مواضع كان يمر بها فى موكبه أيام عزه، والناس بين يديه؛ وبالجملة فخروجه الآن من حبس الديلم، خير من توجهه إليه من بيت القاضى المالكى، والمراد به الآن خير مما كان يراد به بعد «4» ذاك.
ولما وصل أبو الخير إلى بيت القاضى الشافعى، أسلمه والى القاهرة إليه، فأمر القاضى فى الوقت، برفع الجنزير من عنقه، ثم قام بعد ساعة، شخص وادعى على أبى الخير بدعاو كثيرة شنعة، اعترف أبو الخير ببعضها، وسكت عن البعض، فحكم القاضى عند ذلك بإسلامه، وحقن دمه، وفعل ما وجب عليه من التعزير، بمقتضى مذهبه،

(15/422)


وسلمت مهجته، بعد أن أيقن كلّ أحد بسفك دمه، وذهاب روحه، وذلك لعدم أهلية أخصامه، وضعف شوكتهم، وعدم مساعدة المقر الجمالى ناظر الخواص «1» على قتله، فإنه لم يتكلم فى أمره من يوم أمسك [153] ، إلا فيما يتعلق به من شأنه، ولم يداخلهم فيما هم فيه البتة، مع أنه كان لا يكره ذلك، لو وقع، غير أنه لم يتصدّى لهذا الأمر فى الظاهر بالكلية، احتفاظا لرئاسته ودينه. وأنا أقول: لو كان أمر النحاس هذا مع ذلك الجزار جمال الدين الأستادّار، أو غيره من أمثاله، لألحقوه بمن تقدمه من الأمم السالفة، ولكن «لكل أجل كتاب» .
وبعد أن عزّره القاضى، أمر بالترسيم عليه، حتى يتخلص من تعلقات السلطنة.
ثم فى يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الآخرة، رسم السلطان بالإفراج عن الشريف غريم النحاس، وعن الشهود من حبس المقشرة؛ ورسم بنفى النحاس إلى مدينة طرسوس، محتفظا به، وأنه يقيد ويجنزر من خانقاه سرياقوس، فمضى جانبك الوالى إليه، وأخرجه من بيت القاضى الشافعى راكبا على فرس فى الثلث الأول من ليلة السبت تاسع عشرينه، وذلك بعد أن حلف أبو الخير المذكور فى أمسه يمينا مغلظا بمجلس قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، أنه لم يبق معه شىء من المال غير مبلغ يسير جدا، برسم النفقة، وأنه صار فقيرا لا يملك ما قلّ ولا جلّ، فسبحان المطلع على السرائر.
وفرغ هذا الشهر والناس فى جهد وبلاء من غلوّ الأسعار فى جميع المأكولات، وتزايد أثمل البغال، لكثرة طلابها من الفقهاء والمتعممين، لشدة المماليك الجلبان فى منعهم من ركوب الخيل.
ثم فى يوم الخميس رابع «2» [شهر] «3» رجب، برز الأمير سونجبغا اليونسى الناصرى من القاهرة، إلى بركة الحاج أمير الرجبية، وسافر فى الركب المذكور الأمير

(15/423)


جرباش المحمدى الناصرى المعروف بكرد أحد مقدمى الألوف وصحبته زوجته خوند شقراء بنت الملك الناصر فرج [وعيالهما] «1» ، وسافر معه أيضا الأمير تغرى برمش السيفى يشبك «2» ابن أزدمر الزّردكاش، أحد أمراء الطبلخانات، وعدة كبيرة من أعيان الناس وغيرهم، وسافر الجميع فى يوم الاثنين ثامنه.
ثم فى يوم الأحد رابع عشر شهر رجب، الموافق لسلخ مسرى أحد شهور القبط، أمر السلطان الشيخ عليّا «3» المحتسب أن يطوف فى شوارع القاهرة، وبين يديه المدراء «4» ، يعلمون الناس بأن فى غد يكون الاستسقاء بالصحراء لتوقف النيل عن الزيادة؛ وأصبح من الغد فى يوم الاثنين خامس عشره، وهو أول يوم من أيام النّسىء «5» ، خرج قاضى القضاة شرف الدين يحيى المناوى، إلى الصحراء ماشيا من داره بين الخلائق من الفقهاء والفقراء والصوفية، إلى أن وقف بين تربة الملك الظاهر برقوق، وبين قبة النصر، قريبا من الجبل، ونصب له هناك منبر، وحضر الخليفة وبقية القضاة، وصاروا فى جمع موفور من العالم من سائر الطوائف، وخرجت اليهود والنصارى بكتبهم، وصلى قاضى القضاة المذكور بجماعة من الناس ركعتين خفيفتين، ودعا الله سبحانه وتعالى، بإجراء النيل، وأمّن الناس على دعائه وعظم ضجيج الخلائق من البكاء والنحيب والتضرع إلى الله تعالى ودام ذلك من بعد طلوع الشمس إلى آخر الساعة الثانية من النهار المذكور، ثم انصرفوا على ما هم عليه من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، فكان هذا اليوم من الأيام التى لم نعهد بمثلها.

(15/424)


وفى هذا اليوم، ورد كتاب خير بك النّوروزى نائب غزة، يتضمن أن أبا الخير النحاس توعّك وأنه يسأل أن يقيم بغزة، إلى أن ينصل من مرضه، ثم يسافر إلى طرسوس، فكتب الجواب إليه بالتوجه إلى طرسوس من غير أن يتعوق اليوم الواحد.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشره، خرج الخليفة والقضاة الأربعة «1» إلى الاستسقاء ثانيا، بالمكان المذكور، وخرجت الخلائق، وصلى القاضى الشافعى، وخطب خطبة طويلة، وقد امتلأ الفضاء بالعالم، وطال وقوف الناس فى الدعاء فى هذا اليوم، بخلاف يوم الاثنين. وبينما الناس بدعائهم، ورد منادى البحر، ونادى بزيادة أصبع واحد من النقص، فسرّ الناس بذلك سرورا عظيما، ثم انفضّ الجمع.
وعادوا إلى الاستسقاء أيضا من الغد فى يوم الجمعة ثالث مرة، وخطب القاضى على عادته فتشاءم الناس بوقوع خطبتين فى يوم واحد، فلم يقع إلا الخير والسلامة من جهة الملك، واستمر البحر فى زيادة ونقص إلى يوم الخميس عاشر شعبان الموافق لعشرين توت «2» [154] فأجمع رأى السلطان على فتح خليج السد، من غير تخليق «3» المقياس، وقد بقى على الوفاء ثمانية أصابع لتكملة ستة عشر ذراعا، فنزل والى القاهرة ومعه بعض أعوانه، وفتح سدّ الخليج، ومشى الماء فى الخلجان مشيا هينا، فكان هذا اليوم من الأيام العجيبة، من كثرة بكاء الناس ونحيبهم، ومما هالهم من أمر هذا النيل. وقد استوعبنا أمر زيادته من أوله إلى آخره فى تاريخنا «حوادث الدهور» ، وما وقع بسببه من التوجه إلى المقياس بالقراء والفقهاء [مرارا] «4» وكذلك إلى الآثار النبوى «5» ، وتكالب

(15/425)


الناس على الغلال «1» ، ونهب الأرغفة من على الحوانيت، وأشياء كثيرة من هذا النموذج، يطول الشرح فى ذكر ها هنا «2» .
وفى هذه الأيام، ورد الخبر على السلطان بفرار تمراز البكتمرى المؤيدى المصارع، شادّ بندر جدّة، من جدة، إلى جهة الهند؛ وكان من خبره أن تمراز لما سار واستولى على ما تحصل من البندر من العشر، من الذي خصّ السلطان، بدا له أن يأخذ جميع ما تحصل عنده، ويتوجه إلى الهند عاصيا على السلطان، فاشترى مركبا مروّسا بألف دينار، من شخص يسمى يوسف البرصاوى «3» [الرومى] «4» وأشحنها بالسلاح والرجال، يوهم أنه ينزل فيها ويعود بما تحصل معه إلى مصر، فلما تهيأ أمره، أخذ جميع ما تحصل من المال وهو نحو الثلاثين ألف دينار، وسافر إلى جهة اليمن، وبلغ السلطان ذلك من كتاب الشريف بركات صاحب مكة، فعظم ذلك على السلطان، وعدّد ولاية تمراز هذا من جملة ذنوب النحّاس، ثم طلب السلطان مملوكه الأمير جانبك الظاهرى وخلع عليه باستقراره على التكلم على بندر جدّة، على عادته، ليقوم بهذا الأمر المهم الذي ليس فى المملكة من ينهض به غيره، وأعنى من تمراز، والفحص عليه والاجتهاد فى تحصيله؛ وتجهّز الأمير جانبك، وخرج إلى البندر على عادته، بأجمل زى وأعظم حرمة.

(15/426)


وأما تمراز فإنه لما سافر من بندر جدّة إلى جهة بلاد الهند، صار كلما أتى إلى بلد ليقيم به، تستغيث تجار تلك البلد بحاكمها، ويقولون: «أموالنا بجدّة، ومتى ما علم صاحب جدة أنه عندنا، أخذ جميع مالنا، بسبب دخول تمراز هذا عندنا؛ فإنه قد أخذ مال السلطان وفرّ من جدة» ، فيطرده حاكم تلك البلد. ووقع له ذلك بعدة بلاد، وتحيّر فى أمره، وبلغ مسيره على ظهر البحر ستة أشهر، فعند ما عاين الهلاك، أرمى بنفسه بجميع ما معه فى مركبه، إلى مدينة كالكوت، وحاكم كالكوت سامرىّ، وجميع أهل البلد سمرة، وبها تجار غير سمرة، وأكثرهم من المسلمين، فثار «1» التجار، واستغاثوا بالسامرىّ، وقالوا له مثل مقالة غيرهم «2» ، كل ذلك مراعاة لجهة جانبك نائب جدّة.
وكنت أستبعد أنا ذلك، إلى أن أوقفنى مرة الأمير جانبك المذكور، على عدة مطالعات، وردت عليه من السامرى المذكور، وكلّ كتاب منهم، يشتمل على نظم ونثر وكلام فحل فائق، لا أدرى ذلك لفضيلة السامرى أو من كتّابه، وفى ضمن بعض الكتب الواردة صفة قائمة مكتوب «3» فيها [عدة] «4» الهدية التى أرسلها صحبة الكتاب المذكور، والقائمة خوصة، لعلها من ورق شجر جوز الهند، طول شبر ونصف، فى عرض إبهام، مكتوب عليها بالقلم الهندى خط «5» باصطلاحهم، لا يعرف يقرأه إلا أبناء جنسهم، فى عاية الحسن والظرف- انتهى.
ولما تكلم التجار المسلمون وغيرهم مع السامرى «6» فى أمر تمراز، أراد السامرى مسك تمراز، فأحس تمراز بذلك، فأرسل إلى السامرى هدية هائلة، فأعاد عليه السامرى الجواب ب: «إن التجار يقولون إن معك مال السلطان» ، فقال تمراز: «نعم،

(15/427)


أخذت المال لأشترى به [للسلطان] «1» فلفلا» ، فقال له السامرى: «اشتر «2» به فى هذا الوقت، واشحنه فى مراكب التجار» ، فاشترى به «3» تمراز الفلفل وأشحنه فى مركبين للتجار، والباقى أشحنه فى المركب المروّس الذي تحته، وسار تمراز وقصد بندر جدّة، إلى أن وصل باب المندب من عمل اليمن، عند مدينة عدن، فأخذ المركبين المشحونين بالفلفل [155] وتوجّه بهما إلى جزيرة مقابلة الحديدة تسمى كمران «4» ، فحضر أكابر الحديدة إلى عند تمراز المذكور، وحسنوا له أخذ مملكة اليمن جميعها، فمال تمراز إلى ذلك، وخرج إلى بلدهم وأخذ معه جميع ما «5» كان له بالمركب.
ثم قال له أهل الحديدة: «لنا عدوّ، وما نقدر نملك اليمن حتى ننتصر عليه، وبلد العدو تسمى سحيّة» «6» ، فأجمع تمراز على قتال المذكورين، وركب معهم وقصد عدوّهم.
والتقى «7» الجمعان، فكان بينهم وقعة قتل فيها تمراز المذكور، وقتل معه جماعة من أصحابه، وسلم ممن كان معه شخص من المماليك السلطانية، يسمى أيضا تمراز [وهو حتى إلى يومنا هذا. فلما بلغ الأمير جانبك موت تمراز] «8» ، أرسل شخصا من

(15/428)


الخاصكية «1» الظاهرية ممن كان معه بجدة، يسمى تنم رصاص «2» ، ومعه كتب جانبك المذكور إلى الحديدة، بطلب ما كان مع تمراز جميعه، فتوجّه تنم إلى الحديدة، فتلقاه أهلها بالرحب والقبول، وسلموه جميع ما كان مع تمراز، والمركب المروّس وغير ذلك.
فعاد تنم بالجميع إلى جدة، بعد أن استبعد كل أحد رجوع المال، فأرسل الأمير جانبك يخبر السلطان بذلك كلّه، فلما ورد عليه هذا الخبر، سربه وشكر جانبك المذكور على ذلك- انتهى «3» .
ثم فى يوم الأربعاء، سابع شهر رمضان، وصل الأمير تنبك البردبكى المعزول عن حجوبية الحجاب قبل تاريخه، من ثغر دمياط، بطلب من السلطان، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان، ووعد بخير، ورسم له بالمشى فى الخدمة السلطانية على عادته أولا، لكنه لم ينعم عليه بإقطاع ولا إمرة.
وفى هذه الأيام، رسم السلطان لنائب طرسوس بالقبض على أبى الخير النحاس، وضربه على سائر جسده خمسمائة عصاة، وأن يأخذ جميع ما كان معه من المماليك والجوارى؛ وخرج المرسوم بذلك على يد نجّاب، ووقع ما رسم به السلطان.
ثم فى يوم الاثنين سادس [عشرين] «4» شهر رمضان، ورد الخبر من الشأم بضرب رقبة أبى الفتح الطيبى، أحد أصحاب أبى الخير النحاس؛ بحكم القاضى المالكى بدمشق، فى ليلة الأربعاء رابع [عشر] شهر رمضان المذكور، بعد أن ألغى حكم القاضى برهان الدين إبراهيم السوبينى الشافعى، بعد عزله بعد أمور وقعت حكيناها فى الحوادث «5» .
ثم فى يوم الاثنين سابع [عشر] شوال؛ برز الأمير تمربغا الظاهرى الدّوادار

(15/429)


الثانى، أمير حاج المحمل، بالمحمل، إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول خير بك الأشقر المؤيدى أحد أمراء العشرات، وكان الحج قليلا جدا فى هذه السنة، لعظم الغلاء بالديار المصرية وغيرها.
ثم فى يوم الخميس خامس ذى القعدة، برز المرسوم الشريف باستقرار الأمير جانبك التاجىّ «1» المؤيدى نائب بيروت، فى نيابة غزة، بعد عزل خيربك النوروزى عنها، وتوجهه إلى دمشق بطالا.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشر ذى القعدة، ورد الخبر على السلطان بموت الأمير تغرى برمش الزردكاش بمكة المشرفة؛ وكان المخبر بموته، جانبك الظاهرى الخاصكى البواب [عفريت] «2» ، فأنعم السلطان فى يوم الخميس تاسع عشره، على السيفى دقماق اليشبكى، الخاصّكى، بإمرة عشرة، من إقطاع تغرى برمش الزردكاش، وأنعم بباقيه على الأمير قراجا الظاهرى الخازندار، زيادة على ما بيده ليكمل ما بيده إمرة طبلخاناة؛ وأنعم بإقطاع دقماق، ربع تفهنة «3» ، على جانبك الأشرفى الخازندار الخاصكى، وهو بوم ذاك من جملة الدّوادارية.
ثم خلع السلطان فى يوم الاثنين ثالث عشرينه، على دقماق المذكور، باستقراره زرد كاشيّا كبيرا، عوضا عن تغرى برمش المذكور، فأقام دقماق فى الزّردكاشيّة خمسة أيام، وعزل عن الوظيفة، واسترجع السلطان منه الإمرة المنعم عليه بها من إقطاع تغرى برمش وأعيد إليه إقطاعه القديم، وقد ذكرنا سبب عزله فى «حوادث الدهور»

(15/430)


[156] مفصلا «1» ، واستقر الأمير لاجين الظاهرى زردكاشا، ولما أعيد إلى دقماق إقطاعه القديم، صار جانبك الأشرفى الخازندار بلا إقطاع، لأن السلطان كان أنعم بإقطاعه على جانبك الظاهرى البواب القادم من مكة، وساعد جانبك الأشرفىّ جماعة من الأعيان فى رد إقطاعه الأول عليه، أو ينعم عليه السلطان بالإمرة المسترجعة من دقماق، فلم يحسن ببال السلطان أخذ الإقطاع من جانبك الظاهرى؛ فحينئذ لزمه أن يعطى جانبك الخازندار هذه الإمرة المذكورة فأنعم عليه بها، فجاءت «2» جانبك السعادة بغتة، من غير أن يترشح لذلك قبل تاريخه. وخلع السلطان على السيفى قايتباى الظاهرى الخاصكى باستقراره دوادارا، عوضا عن جانبك الخازندار المذكور، فإنه كان بقى من جملة الدوادارية، غير أنه كان لا يعرف إلا بالخازندار، [و] «3» الظريف إلى يومنا هذا.
ثم فى يوم الخميس ثالث ذى الحجة، خلع السلطان على القاضى ولىّ الدين الأسيوطى «4» باستقراره فى [مشيخة] «5» المدرسة الجمالية بعد موت ولى الدين السّفطى.
ثم فى يوم الأحد ثالث عشر ذى الحجة، رسم السلطان بالإفراج عن الأمير يشبك الصوفى المؤيّدى المعزول عن نيابة طرابلس، من سجن الإسكندرية وتوجّهه إلى ثغر «6» دمياط بطّالا.
وفى يوم الاثنين رابع عشره، وصل كتاب الناصرى محمد بن مبارك نائب البيرة، يخبر أنه ورد عليه كتاب الأمير رستم، مقدم عساكر جهان شاه [بن] «7» قرا يوسف،

(15/431)


يتضمن أنه قبض على الأمير بيغوت [من صفر خجا] «1» المؤيّدى [الأعرج] «2» المتسحّب من نيابة حماه إلى جهان گير بن قرايلك، وأنه أخذ جميع ما كان معه وجعله فى الترسيم. فكتب له الجواب بالشكر والثناء عليه، وطلب بيغوت المذكور منه، وقد أوضحت أمر بيغوت هذا فى كتابنا «حوادث الدهور» من أول أمره إلى آخره «3» .