النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
[ما وقع من
الحوادث سنة 858]
واستهلت سنة ثمان وخمسين وثمانمائة.
وأول السنة يوم الثلاثاء «1» ، فأحببت أن أذكر في أوّل هذه السنة أسماء
أعيان أرباب الوظائف من الأعيان والأمراء والقضاة والمباشرين، ليعلم
الناظر في هذه الترجمة كيف تكون تقلبات الدهر، وتغيير الدولة بعد أن
ينظر المتأمل في ترجمة الملك المنصور عثمان في السنة الخالية، ولم يمض
بين من سمى في تلك السنة وبين من سمى فى هذه السنة إلا بعض أشهر، لأن
المنصور والأشرف هذا كلا منهما ولى في هذه السنة، أعنى سنة سبع وخمسين
وثمانمائة، وما قلناه في السنة الخالية معناه في ترجمة المنصور عثمان،
على أنا لا نذكر إلا جماعة الأعيان لا غير، ولو ذكرنا كلّ من تغير من
أرباب الوظائف من الخاصكيّة والأجناد الذين أخذوا الإقطاعات والوظائف
لطال الشرح في ذلك، وخرجنا عن المقصود، ولنعد إلى ما هو المقصود فنقول:
(16/72)
أما الخليفة فهو القائم بأمر الله حمزة،
وهو المذكور أيضا في [السنة] «1» الخالية.
وكذلك القضاة الأربعة فهم على حالهم كما ذكرناه في ترجمة المنصور أيضا
«2»
وكذلك نواب البلاد الشاميّة، فالجميع على حالهم كما ذكرناه في ترجمة
المنصور أيضا.
وتغيّر نائب الإسكندرية، فإنه كان في تلك السنة برسباى البجاسى، والآن
هو جانبك النّوروزىّ.
وأما أرباب الوظائف من أمراء مائة «3» .
فالأمير الكبير تنبك البردبكى الظاهرى.
وأمير سلاح خشقدم الناصرى المؤيّدى.
وأمير مجلس طوخ من تمراز الناصرى غليظ الرّقبة.
والأمير آخور الكبير جرباش المحمدى الناصرى كرد.
والدّوادار الكبير يونس السيفى آقباى نائب الشام.
ورأس نوبة النّوب قرقماس الأشرفى الجلب.
وحاجب الحجّاب جانبك القرمانى الظاهرى.
فهؤلاء هم أرباب الوظائف من مقدمى الألوف.
وبقية مقدمى الألوف هم:
المقام الشهابى أحمد بن السلطان، وهو يجلس رأس ميسرة فوق أمير سلاح.
(16/73)
والأمير جانم الأمير آخور- كان- وهو يجلس
تحت أمير سلاح فوق بقية الأمراء.
ثم خيربك الأجرود المؤيّدى «1» .
ثم برسباى البجاسى.
فهؤلاء جميع مقدمى الألوف بالديار المصرية، وهم أقل من النصف من أمراء
الظاهر برقوق.
وأما أرباب الوظائف من أمراء الطبلخانات وغيرهم:
فشاد الشراب خاناه جانبك من قجماس الأشرفى المعروف بدوادار سيّدى.
والخازندار «2» جانبك من أمير الأشرفى الظريف.
ونائب القلعة قانى باى الناصرى الأعمش أمير عشرة.
والزّردكاش نوكار الناصرى أمير عشرة والتّجمّل به هتكة «3» .
والحاجب الثانى بتخاص العثمانى الظاهرى- برقوق- أمير عشرة.
وأستادار الصحبة يشبك الأشقر الأشرفى من جملة الأجناد.
وكانت هذه الوظائف المذكورة في سالف الأعصار لا يليها إلا أمير مائة
مقدّم ألف، ولهذا قدمنا ذكرها على غيرها مما سنذكره، فتنازل ملوك
زماننا هذا حتى ولى بعضها الأجناد، وقد أبطل الملوك أيضا عدّة وظائف
جليلة كان لا يليها إلا أمير مائة مقدّم ألف، مثل نيابة السلطنة، لأن
آخر من وليها من العظماء تمراز الناصرى الظاهرى في دولة الناصر فرج.
(16/74)
ورأس نوبة الأمراء، وآخر من وليها نوروز
الحافظى في دولة الناصر فرج أيضا، وكانت هذه الوظيفة تضاهى الأتابكيّة.
ومثل أمير جاندار، فإن الأمير ألجاى اليوسفى صاحب الوقعة مع الأشرف
شعبان انتقل إليها من وظيفة رأس نوبة النّوب.
وأما ما ذهب من الوظائف التي كان يليها أمراء الطبلخانات والعشرات مثل
شاد الدواوين، وأمير منزل، وشادّ القصر السلطانى، والمهمندار، ومقدّم
البريدية، وشادّ العمائر- وإن كان بعض هذه الوظائف مستمرة- فإنه لا
يليها إلا الأحداث من الناس، بحيث إنها صارت كلا شىء «1» ، وقد خرجنا
عن المقصود في نوع الاستطراد، ولنعد إلى ما كنا فيه.
ورأس نوبة ثان يشبك الناصرى، وتعد سبعة من طبلخانات رءوس النوب، وأما
العشرات من رءوس النّوب فكثير جدا، وكان جميع رءوس النّوب في أوائل
سلطنة برقوق أربعة لا غير، ثم صاروا في دولة الناصر فرج بعد تجريدة
الكرك سبعة، فنقول: ما تجدّد من كثرة رءوس النّوب يكون عوضا عما ذهب من
تلك الوظائف، فيقول القائل لا نسلم، وأين رونق تلك الوظائف المتعددة
كثرة من [رونق] «2» وظيفة واحدة؟! وكذلك كانت الحجّاب ثلاثة: حاجب
الحجّاب، وحاجب ميسرة، وهو أيضا مقدم ألف، والحاجب الثالث. فأول من
زادهم الظاهر برقوق، وجعلهم خمسة حجاب أمراء عشرات، لا هذه الحرافيش
الذين يلونها اليوم «3» الجهلة الفسقة «4» .
الدوادار الثانى تمراز الإينالى الأشرفى بإمرة عشرين، وهو من مساوى
الدهر.
والأمير آخور الثانى خيربك الأشقر المؤيدى أمير عشرين أيضا.
(16/75)
والزّمام والخازندار الطواشى الرومى فيروز
النّوروزى أمير طبلخاناه.
ومقدّم المماليك السلطانية الطّواشى لؤلؤ الرّومى الأشرفى أمير عشرة.
ونائبه عنبر، عتيق التاجر نور الدين الطّنبذى، جنديا بغير إمرة.
ونقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج بعد أن ولى الأستادارية
قبل تاريخه.
ووالى القاهرة على بن إسكندر، ووليها بالبذل.
(16/76)
ذكر أعيان مباشرى
الدولة من المتعممين
كاتب السّرّ محبّ الدين بن الشّحنة الحنفى.
وناظر الجيش والخاص معا، عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب
جكم.
والوزير سعد الدين فرج بن النحّال.
والأستادار على البرددار بن الأهناسى
ووظيفة نظر الدولة ونظر المفرد كل منهما تلاشى أمرهما حتى صارت كلا
شىء، سكتنا عن ذكر ذلك لوضاعة قدر من يليها.
قلت: ولو سكتنا عن ذكر من يلى الوزر «1» أيضا لكان أجمل، غير أنه لا
يسعنا إلا ذكرها لمحلها الرّفيع في سائر الأقطار- فلا حول ولا قوة إلا
بالله العلى العظيم.
وأما ذكر نظر الجوالى، والإسطبل السلطانى، والبيمارستان، والكسوة،
وخزائن السلاح، والخزانة الشريفة، وأشباههم ليس لذكرهم هنا محل، لكونهم
في غير هذه الرّتبة.
وفي مثل هذا المحل لا يذكر إلا أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوى
الرياسات، وقد ذكرنا تلك الوظائف كلها في تاريخنا الحوادث، إذ هو محل
ضبط الولايات والعزل- انتهى.
وفي يوم الأحد سادس محرم سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ورد الخبر على
السلطان من حلب بوفاة الأمير على باى بن طرباى العجمى المؤيّدى أتابك
حلب، فرسم السلطان باستقرار الأمير آقبردى السّاقى الظاهرى نائب قلعة
حلب أتابكا بحلب عوضه.
(16/77)
واستقرّ في نيابة قلعة حلب الزّينى قاسم بن
جمعة القساسى «1» ، وأنعم بتقدمة قاسم المذكور- وكان أخذها قبل ذلك عن
سودون القرمانى بمدة يسيرة- على الأمير يشبك البجاسى «2» .
واستقرّ مكان يشبك البجاسى في دوادارية السلطان بدمشق خشكلدى الزينى
عبد الرحمن بن الكويز.
وفي يوم الاثنين حادى عشرين المحرم أيضا وصل إلى القاهرة تقدمة الأمير
قانى باى الحمزاوى نائب حلب، تشتمل على جماعة يسيرة من المماليك ومائة
فرس لا غير «3» .
قلت: وهذا كثير ممن أشيع عنه العصيان ثم أظهر الطاعة في الظاهر، والله
متولى السّرائر، وقد أوضحنا أمر قانى باى هذا في غير هذا المحل مع
السلطان الملك الأشرف إينال بأوسع من هذا.
ثم في صفر رسم بسفر الأمير زين الدين الأستادار إلى القدس بطالا، فلما
خرج إلى ظاهر القاهرة قبض عليه، وأخذ إلى القلعة، وصودر ثانيا، وعوقب
ووقع له أمور، آخرها أنه ولى الأستادارية- مسئولا في ذلك- فى يوم
الثلاثاء رابع عشر صفر، وعزل علىّ بن الأهناسى.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وخمسين
المذكورة ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل بغير قماش
الخدمة «4» ، ونزل إلى جهة
(16/78)
قبّة النصر خارج القاهرة، ثم عاد من باب
النصر، وشقّ القاهرة وخرج من باب زويلة حتى طلع إلى القلعة، وهذا أوّل
ركوبه من يوم تسلطن.
وفي يوم الاثنين سادس عشر «1» شهر ربيع الآخر ثارت فتنة بسوق الخيل بين
المماليك الظاهرية- جقمق- وبين المماليك الأشرفية- برسباى- بالدبابيس
«2» ، وأصبح كل من الطائفتين مستعدة للأخرى، فلم يقع شىء ولله الحمد،
وقد ذكرنا كيفية الفتنة المذكورة في تاريخنا الحوادث.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه عزل السلطان لؤلؤ الأشرفى عن تقدمة
المماليك السلطانية، وأعاد إليها الطواشى مرجانا المحمودى «3» بمال
أخذه من مرجان، وإلا فأيش هو الموجب لعزل الرئيس بالوضيع إلا هذا
المعنى؟!
ثم في يوم الأحد سادس جمادى الأولى عزل السلطان تمراز الأشرفى عن
الدّواداريّة الثانية لأمر اقتضى ذلك، وقد أراح الله الناس منه؛ لسوء
خلقه، وحدّة مزاجه، وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة في غير هذا المحل.
وفي يوم الخميس سادس «4» عشر جمادى الأولى المذكورة وصل الأمير جلبّان
الأمير آخور نائب الشام إلى القاهرة بعد أن احتفل أرباب الدّولة به،
وطلع إلى ملاقاته كلّ أحد، حتى المقام الشهابى أحمد، وطلع إلى القلعة
ودخل إلى السلطان بالقصر الأبلق المطلّ على الرّميلة بالخرجة، فلما رآه
السلطان قام إليه واعتنقه، بعد أن قبل جلبّان الأرض بين يديه، ثم أجلسه
السلطان على ميسرته فوق ولده المقام الشهابى أحمد، ولم يطل جلوسه حتى
طلب السلطان خلعته، وخلع عليه خلعة الاستمرار بنيابة دمشق على
(16/79)
عادته «1» فى مكان جلوسه بالخرجة المذكورة،
ولم يقع ذلك لأحد من النواب، لأن العادة أنه لا يخلع السلطان على من
يخلع عليه إلا بالقصر الأبلق من داخل الخرجة.
ثم قام السلطان وخرج إلى القصر، ولم يدع جلبّان المذكور أن يقف، بل
أمره أن يتوجّه إلى حيث أنزله السلطان، فنزل محمولا لضعف به ولكبر سنه
أيضا، ونزل غالب الأمراء الأكابر وأرباب الدولة بين يديه إلى أن أوصلوه
إلى الميدان الكبير بطريق بولاق تجاه بركة الناصرى، ومدّ له مدّة
هائلة، وترددت الناس إليه نهاره كلّه، واستمر إلى يوم الأحد عشرينه،
فقدّم إلى السلطان تقدمة، وكانت تقدمة هائلة، تشتمل على: عشرة مماليك،
ومائتى فرس، منها اثنان بقماش ذهب، والباقى على العادة، وعدة حمالين،
منها ستون حمالا عليها قسىّ، كل حمال خمسة أقواس، ومنها مائة وعشرون
حمالا بعلبكيا، على كل حمال خمسة أثواب، النصف منها عال موصلى، وستون
حمالا عليها أبدان سنجاب «2» ، وعشرة حمالين وشق «3» ، وعدّة حمالين
عليها أثواب صوف ملوّنة، وعدة حمالين عليها شقق حرير ملوّن، وأثواب
مخمل تزيد على مائة حمال، وطبق مغطى فيه ذهب مبلغ عشرة آلاف دينار على
ما قيل.
فقبل السلطان ذلك، وخلع على أرباب وظائف جلبّان المذكور خلعا سنيّة،
وفرّق السلطان من الخيول على أمراء الألوف جميعهم على قدر مراتهم.
(16/80)
وفي هذا اليوم أيضا رسم السلطان لنقيب
الجيش أن يخرج الأمير تمراز الإينالى الأشرفى الدوادار الثانى إلى
القدس بطّالا، فنزل وتوجّه به من يومه إلى خانقاه سرياقوس، قلت «1» :
[السريع]
ما يفعل الأعداء في جاهل ... ما يفعل الجاهل في نفسه
فإن تمراز هذا كان في الدولة الظاهرية- جقمق- من جملة الأمراء والعشرات
وكان ممن لا يؤبه إليه، حتى مات الظاهر، وثار مع الملك الأشرف إينال
لما وثب على الملك المنصور عثمان مع من انضم إليه من المماليك الظاهرية
والأشرفية وغيرهم، فلما تسلطن الأشرف قرّب تمراز هذا، وجعله دوادارا
ثانيا، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وصار له كلمة في الدولة وحرمة
وافرة، وهابته الناس لشراسة خلقه وحدة مزاجه، وباشر الدوادارية أقبح
مباشرة من الظلم والعسف والإخراق بالناس والبطش بحواشيه وأرباب وظائفه
ومماليكه، حتى تجاوز الحد، وما كفاه ذلك حتى صار يخاطب السلطان بما
يكره، وبقى في كل قليل يغضب ويعزل نفسه، ووقع ذلك غير مرّة، فلما زاد
وخرج عن الحد عزله السلطان، ولزم داره أياما، ثم خرج إلى القدس بطّالا
«2» .
وفي «3» يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب
(16/81)
أمين الدين بن الهيصم باستقراره وزيرا على
عادته أولا، بعد عزل فرج بن النّحال، وكان أحقّ بها وأهلا لها.
وفي يوم الاثنين هذا أيضا خلع السلطان على مملوكه صهره الأمير بردبك
الدوادار الثانى باستقراره في الدواداريّة الثانية عوضا عن تمراز
الأشرفى المقدّم ذكره.
وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة استقرّ القاضى تاج الدين عبد
الله ابن المقسى كاتب المماليك السلطانية عوضا عن الصاحب سعد الدين فرج
بن النّحال.
قلت: وتاج الدين هذا مستحق لأعظم الوظائف؛ لما اشتمل عليه من حسن الخلق
والخلق.
وفي يوم الجمعة ثانى عشرين شهر رجب سافر الأمير بردبك الدوادار الثانى
إلى القدس الشريف، وصحبته كسوة مقام سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام
التي صنعها السلطان الملك الأشرف هذا، وخرج بردبك المذكور من القاهرة
بتجمل زائد، ومعه جماعة من الأعيان، مثل القاضى شرف الدين الأنصارى،
ناظر الكسوة ووكيل بيت المال، والسيفى شاهين الساقى وغيرهما.
وفي يوم الخميس سادس شعبان وصل إلى القاهرة الأمير برشباى الإينالى
المؤيّدى، أحد أمراء الطبلخانات المتوجّه قبل تاريخه في الرسلية إلى
ملك الروم السلطان محمد بن عثمان، وعليه خلعة ابن عثمان المذكور، وهو
لابس لبس الأروام وخلعهم على العادة «1» .
وفيه رسم السلطان بتعويق جوامك أولاد الناس والمرتبين من الضعفاء
والأيتام على ديوان السلطان، وعرضهم السلطان وقطع جماعة كبيرة، وبينما
هو في ذلك وصل
(16/82)
الأمير بردبك من القدس، وحذّر السلطان من
الدعاء عليه، ونهاه عن هذه الفعلة فانفعل «1» له، وترك كل واحد على
حاله، ونودى بذلك بشوارع القاهرة، فعدّ من محاسن بردبك المذكور.
وفي يوم السبت حادى عشر ذى القعدة اختفى الوزير أمين الدين بن الهيصم،
لعجز متحصّل الدولة عن القيام بالكلف السلطانية، فتغيّر السلطان بسبب
ذلك على جماعة «2» ، وقبض على الأمير زين الدين الأستادار في يوم
الاثنين وحبسه بالقلعة، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج
نقيب الجيش «3» باستقراره في الأستادارية عوضا عن زين الدين على كره
منه في الوظيفة، مضافا إلى نقابة الجيش، وخلع على سعد الدين فرج بن
النحال باستقراره وزيرا على عادته، وهذه ولاية فرج الثانية للوزر،
وأنعم عليه بكتابة المماليك، وعزل القاضى تاج الدين المقسى.
ثم في يوم الأربعاء خامس عشر ذى القعدة ضرب السلطان زين الدين
الأستادار، وألزمه بجملة كبيرة من المال، فأخذ زين الدين في بيع قماش
بدنه وأثاث بيته، ثم أخذه الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وتسلمه
من السلطان، ونزل به إلى بيته، فدام عنده أيّاما، ثم رسم له بالتوجه
إلى داره، وأنه يسافر إلى القدس، فتجهّز زين الدين وخرج إلى القدس في
يوم الجمعة ثانى ذى الحجة.
ثم في يوم الاثنين خلع السلطان على شخص من الأقباط يعرف بابن النجار
«4» ، واستقرّ به ناظر الدّولة «5» بعد شغورها مدة «6» طويلة، وصار
رفيقا للوزير فرج «7» .
(16/83)
وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة نزلت
المماليك الجلبان الأشرفية من الأطباق، وهجمت دار الأستادار الأمير
ناصر الدين محمد بن أبى الفرج، ونهبوا جميع ما كان له في داره «1» من
غير أمر أوجب ذلك، فلم يسع الأستادار إلا الاستعفاء، فأعفى بعد أمور.
وخلع السلطان على قاسم الكاشف بالغربية وغيرها بالأستادارية عوضا عن
ابن أبى الفرج المذكور. قلت: وهذا أول ظهور أمر «2» مماليك الأشرف
الجلبان «3» ، وما سيأتى فأعظم.
[ما وقع من الحوادث سنة 859]
وفي يوم الأحد ثانى محرم سنة تسع وخمسين وثمانمائة أشيع بين الناس وقوع
فتنة، وكثر كلام الناس في هذا المعنى حتى بلغ السلطان ذلك، فلم يلتفت
السلطان لقول من قال.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين المذكورة وصل مملوك
الأمير جانبك الناجى للمؤيّدى نائب غزّة يخبر بموت الأمير جلبّان نائب
الشام، ثم وصل بعد ذلك سيف جلبّان المذكور على يد يشبك المؤيّدى الحاجب
الثانى.
ثم في يوم الخميس خامس عشرين صفر رسم السلطان للأمير قانى باى
الحمزاوى- نائب حلب- بأن يستقرّ في نيابة الشّام عوضا عن جلبّان بحكم
وفاته، وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يونس العلائى الناصرى،
المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية.
وخلع السلطان في اليوم المذكور على الأمير جانم الأشرفى باستقراره في
نيابة
(16/84)
حلب عوضا عن قانى باى الحمزاوى على كره من
جانم المذكور في ذلك «1» ، واستقرّ مسفّر جانم الأمير بردبك الدّوادار
الثانى وصهر السلطان مع توجه بردبك أيضا إلى تركة الأمير جلبّان بدمشق.
وأنعم السلطان بإقطاع جانم المذكور على الأمير يونس العلائى المقدم
ذكره، وهو إمرة مائة وتقدمة ألف.
وأنعم بإقطاع يونس المذكور على الأمير بردبك الدوادار، وصار «2» بردبك
أمير طبلخاناه، وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على أرغون شاه وتنبك
الأشرفيين، كل واحد منهما أمير خمسة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرين صفر من سنة تسع وخمسين وثمانمائة المذكورة
استقرّ شمس الدين نصر الله بن النجار ناظر الدّولة وزيرا عوضا عن سعد
الدين فرج بن النحال بحكم عزله، فلم تر عينى فيما رأيت ممن لبس خلع
الوزارة أقبح زيّا منه، حتى إنه أذهب رونق الخلعة مع حسن زىّ خلعة
الوزارة وأبّهة صفتها، ولو منّ الله سبحانه وتعالى بأن يبطل اسم الوزير
من الديار المصرية في هذا الزمان كما أبطل أشياء كثيرة منها لكان ذلك
أجود وأجمل بالدولة، ويصير الذي بلى هذه الوظيفة يسمى ناظر الدولة، لأن
هذا الاسم عظيم وقد سمى به جماعة كبيرة من أعيان الدنيا قديما وحديثا
في سائر الممالك والأقطار، مثل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى وغيره،
إلى الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وهلم جرا، إلى القاضى الفاضل عبد الرحيم،
ثم بنى حنّاء وغيرهم من العلماء والأعيان، إلى أن تنازلت ملوك مصر في
أواخر القرن الثامن حتى وليها في أيامهم أوباش الناس وأسافل الكتبة
الأقباط، وتغير رسومها، وذهب بهم أبّهة هذه الوظيفة الجليلة التي لم
يكن في الإسلام بعد الخلافة أجل منها ولا أعظم، وصارت بهؤلاء
(16/85)
الأصاغر في الوجود كلا شىء، وليت مع ذلك
كان يلى هذه الوظيفة من هؤلاء الأسافل من يقوم بما هو بصدده، بل يباشر
ذلك بعجز وضعف وظلم وعسف، مع ما يمدّه السلطان بالأموال «1» من الخزانة
الشريفة «2» ، فليت شعرى لم لا كان ذلك مع من هو أهل للوزارة وغيرها-
فلا قوة إلا بالله.
وباشر ابن النجّار الوزر أشرّ مباشرة، وأقبح طريقة، ولم تطل أيّامه،
وعجز وبلغ السلطان عجزه، فلما كان يوم الخميس أول شهر ربيع الآخر طلب
السلطان الوزراء الثلاثة ليختار منهم من يوليه، وهم: ابن النجّار الذي
عجز عن القيام بالكلف السلطانية، والصاحب أمين الدين بن الهيصم، وسعد
الدين فرج بن النحّال، فوقع في واقعة طريفة، وهى أن السلطان لما أصبح
وجلس على الدكّة من الحوش استدعى أوّلا ابن النجّار، فقيل له: هرب
واختفى، فطلب أمين الدين بن الهيصم، فقيل له: مات فى هذه الليلة، وإلى
الآن لم يدفن، فطلب فرج بن النحّال، فحضر، وهو [الذي] «3» فضل من
الثلاثة، فكلّمه السلطان أن يستقرّ وزيرا على عادته، فامتنع واعتذر
بقلّة متحصّل الدّولة، وفي ظنّه أن السلطان قد احتاج إليه بموت ابن
الهيصم وتسحّب ابن النجّار، وشرع يكرّر قوله بأن «4» لحم المماليك
السلطانية المرتب لهم في كل يوم ثمانية عشر ألف رطل، خلا تفرقة الصّرر
التي تعطى لبعض المماليك السلطانية وغيرهم، عوضا عن مرتب اللحم، فلما
زاد تمنّعه أمر به السلطان فحطّ إلى الأرض وتناولته رءوس النّوب بالضرب
المبرح «5» إلى أن كاد يهلك، ثم أقيم ورسم عليه بالقلعة عند الطواشى
فيروز الزّمام والخازندار إلى أن عملت مصالحة وأعيد للوزر.
وفي يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير
قانم من صفر خجا المؤيّدى المعروف بالتّاجر بإمرة مائة وتقدمة ألف
بالديار المصرية بعد موت
(16/86)
خيربك الأجرود المؤيّدى، وأضيف إقطاع
المذكور وهو إمرة طبلخاناه إلى الدّولة.
ثم في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة كانت وقعة المماليك الظاهرية
الجقمقيّة مع الملك الأشرف إينال، وسبب هذه الفتنة ثورة المماليك
الأجلاب أوّلا، وأفعالهم القبيحة بالناس، ثم عقب ذلك أن السلطان كان
عيّن تجريدة إلى البحيرة، نحوا من خمسمائة مملوك، وعليهم من أمراء
الألوف الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح، والأمير قرقماس رأس نوبة
النّوب، وعدّة من أمراء الطبلخانات والعشرات، ورسم لهم السلطان بالسفر
فى يوم الاثنين، هذا ولم يفرّق السلطان على المماليك المكتوبة «1»
للسفر الجمال على العادة، فعظم ذلك عليهم، وامتنعوا إلى أن أخذوا
الجمال.
وسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور، وتبعه الأمير قرقماس
فى عصر نهاره، وأقاما ببرمنبابة تجاه بولاق، فلم يتبعهم أحد من
المماليك المعيّنة معهم بل وقف غالبهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظرون
تفرقة الجمال عليهم «2» ، إلى أن انفضّ الموكب السلطانى، ونزلت الأمراء
إلى جهة بيوتهم، فلما صار الأمير يونس الدوادار بوسط الرّميلة احتاطت
به المماليك الأجلاب، وعليه الكلفتاة وقماش الخدمة وداروا حوله وهم في
كثرة «3» ، وأرادوا الكلام معه بسبب زيادة جوامكهم، وأنه يكلّم
السلطان، فتبين لمماليك يونس الغدر بأستاذهم، فتحلّقوا عليه ومنعوهم من
الوصول إليه، فصار يونس في حلقة من مماليكه، ومماليكه في حلقة كبيرة من
المماليك الأجلاب، وطال الأمر بينهم، ويونس لا يستطيع الخروج، وتحقق
الغدر، فأمر مماليكه بأشهار سيوفهم ففعلت ذلك، ودافعت عنه، وجرح من
المماليك الأجلاب جماعة، وقطع أصابع بعضهم، وشقّ بطن آخر على ما قيل،
فعند ذلك انفرجت ليونس فرجة خرج منها غارة إلى جهة داره، ونزل بها،
ورمى عنه قماش الموكب، ولبس قماش الرّكوب،
(16/87)
وطلع من وقته إلى القلعة من أعلى الكبش،
ولم يشق الرّميلة، وأعلم السلطان بخبره، فقامت لذلك قيامة المماليك
الأجلاب، وقالوا: «نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوف» ، وثاروا
على أستاذهم ثورة واحدة، وساعدهم جماعة من المماليك القرانيص وغيرهم
لما في نفوسهم من السلطان لعدم تفرقة الجمال وغيرها، ووقفوا بسوق الخيل
وأفحشوا في الكلام في حقّ السلطان، وهددوه إن لم يسلم لهم الأمير يونس،
والسلطان لا يتكلم إلى أن حرّكه بعضهم، فأرسل إليهم بالأمير جانبك
الناصرى المرتد، والطواشى مرجان مقدّم المماليك السلطانية، فسألاهم عن
غرضهم، فقالوا بلسان واحد: «نريد غريمنا الأمير يونس» ، وخشّنوا في
القول، فعاد جانبك بالجواب، فأرسل السلطان إليهم ثانيا بنو
كارالزردكاش، فأعادوا له القول الأول، ثم ساقوا غارة إلى بيت يونس
الدّوادار «1» ، فمنعوهم مماليكه من الدخول إلى دار يونس، فجاءوا بنار
ليحرقوا الباب، فمنعوهم من ذلك أيضا، فعادوا إلى سوق الخيل، فوافوا
المنادى ينادى من قبل السلطان بالأمان، فمالوا على المنادى بالدبابيس،
فسكت من وقته، وهرب إلى حال سبيله.
هذا وقد طلعت جميع أمراء الألوف إلى عند السلطان، والسلطان على حالة
السكوت غير أنه طلب بعض مماليكه الأجلاب الأعيان، وكلمه بأنه يعطى من
جرح من الأجلاب ما يكفيه، وأنه يعطى للذي قطعت أصابعه إقطاعا ومائة
دينار «2» ، فلم يقع الصلح، وانفضّ الأمر على غير طائل لشدة حرّ
النهار.
ولما تفرّقت المماليك نزلت الأمراء إلى دورهم، ما خلا الأمير يونس
الدوادار، فإنه بات في القلعة.
فلما أصبح يوم الثلاثاء أول شهر رجب ضرب السلطان الكرة مع الأمراء
بالحوش السلطانى من القلعة، وفرغ من ذلك، وأراد كل أمير أن ينزل إلى
داره، فبلغهم أن
(16/88)
المماليك الأجلاب وقوف على حالهم الأول
بسوق الخيل «1» بغير سلاح كما كانوا في أمسه «2» ، فلما تضحّى النهار
أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء، وهم: الأمير يونس العلائى أحد مقدمى
الألوف، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش رأس نوبة ثان، ويلباى
الإينالى المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات، ورأس نوبة، وبردبك البجمقدار
أحد الطبلخانات أيضا ورأس نوبة، فنزلوا إليهم من القلعة فما كان إلا أن
وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم، وأخذوهم بعد
كلام كثير، ودخلوا بهم إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب
السلسلة، ورسّموا عليهم بعضهم.
كل ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوف على بعد، لا يختلطون بهم،
لينظروا ما يصير من أمرهم، فلما وقع ما ذكرناه تحققوا خروجهم على
أستاذهم، وثار ما عندهم من الكمائن التي كانت كامنة في صدورهم من الملك
الأشرف إينال لما فعل بابن أستاذهم الملك المنصور عثمان، وحبس
خچداشيتهم، وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباى، فانتهزوا
الفرصة، وانضافوا إلى المماليك الأجلاب، وعرّفوهم أن الأمر لا يتم إلا
بحضرة الخليفة ولبس السلاح، فساق قانى باى المشطوب أحد المماليك
الظاهرية من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وكان في
الخليفة المذكور خفة وطيش، فمال إليهم، ظنا أنه يكون مع هؤلاء وينتصر
أحدهم ويتسلطن، فيستفحل أمره ثانيا أعظم من الأوّل، وسببه أنه كان لما
ولّاه الظاهر جقمق الخلافة بعد أخيه المستكفى بالله سليمان صار تحت
أوامر الظاهر، لأنه هو الذي استخاره وولاه الخلافة، فلما ثار إينال على
المنصور عثمان وطلبه وجاء إلى عنده قوى أمر إينال بمجيء الخليفة عنده،
فلما تسلطن عرف إينال له ذلك، ورفع محلّه أضعاف ما كان أوّلا، وزاده
عدة إقطاعات، وصارت
(16/89)
له حرمة وافرة في الدولة إلى الغاية، فلما
كانت هذه الفتنة ظن في نفسه أنه يوافقهم، فإذا تسلطن أحد منهم رفع
محلّه زيادة على ما فعل إينال، ويصير الأمر كلّه بيده، وما يدرى بأن
لسان الحال يقول له:
[الرجز]
خير الأمور الوسط ... حبّ التناهى غلط
ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع
ولما حضر الخليفة عندهم تكامل لبسهم السلاح، وانضافت إليهم خلائق من
المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرهم من الجياع الحرافيش، فلما
رأت الأجلاب أمر الظاهريّة حسبوا العواقب، وخافوا زوال ملك أستاذهم،
فتخلوا عن الظاهريّة قليلا بقليل، وتوجّه كل واحد إلى حال سبيله، فقامت
الظاهرية بالأمر وحدهم، وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلّى
عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة؟!.
هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السّلسلة من
الإسطبل السلطانى، وتناوش القوم بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر
عليهم السلطانية، وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم، بل كانوا تشتتوا قبل
الصدمة أيضا، وهجموا السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير
سلاح، وأخذوا الأمراء المرسّم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم،
وطلعوا بهم إلى السلطان.
فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن، وأمر بحبسه بالبحرة من
قلعة الجبل، وخلعه من الخلافة بأخيه يوسف في يوم الخميس ثالث شهر رجب
المذكور، ثم سفّر الخليفة القائم بأمر الله المذكور في يوم الاثنين
سابع رجب إلى سجن الإسكندرية فسجن بها مدة سنين، ثم أطلق من السجن،
وسكن بالإسكندرية إلى أن مات بها في أواخر سنة اثنتين وستين وثمانمائة.
(16/90)
ولما بلغ الأمير خشقدم أمر هذه الفتنة عاد
من برّمنبابة، وطلع إلى القلعة، ومعه رفيقه قرقماس رأس نوبة النوب في
يوم الأربعاء، وحضرا الموكب في باكر يوم الخميس، ثم عادا إلى برّمنبابة
بمخيّمهما، ثم فرّق السلطان الجمال على المماليك السلطانيّة، وسافروا
صحبة الأميرين المذكورين «1» إلى ما عيّنوا إليه، وتفرقت من يوم ذاك
أجلاب السلطان فرقتين: فرقة وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق
وابنه، وفرقة اشتراهم هو في أيام سلطنته.
وقويت الفرقة الذين اشتراهم على الفرقة الظاهرية، ومنعوهم من الطلوع
إلى القلعة، والسكنى بالأطباق، وقالوا ما معناه: إنكم سوّدتم وجوهنا
عند أستاذنا، وأظن ذلك كلّه زورا وبهتانا مع أن الأشرف كان هو لا يقطع
فيهم قربته بهذا ولا بغيره، وهو مستمر على محبتهم كما كان أولا، فلعمرى
إذا كان هذا فعلهم به وهو راض، فما عساه يرجعهم عن ظلم غيره؟! فهذا
مستحيل.
ولما انتهت الوقعة وخلع السلطان الخليفة أمسك جماعة من المماليك
الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل، ونفى بعضهم واختفى بعضهم، وأخرج
قوزى السّاقى الظاهرى- وكان تأمر عشرة- ومعه عشرين مملوكا من المماليك
الظاهرية إلى البلاد الشامية، مع أن قوزى المذكور لا في العير ولا في
النّفير، وسافروا في يوم الجمعة تاسع شهر شعبان، وسكن الأمر كأنه لم
يكن، لحسن سياسة السلطان فى تسكين أخلاط الفتن- انتهى.
وفي يوم الأربعاء حادى عشرين شعبان ورد الخبر على السلطان بمسك الأمير
يشبك النّوروزى نائب طرابلس بأمر السلطان، لأن السلطان كان قبل تاريخه
أرسل إينال الجلبّانى القجقى الخاصكى إلى طرابلس، وعلى يده ملطفات في
الباطن،
(16/91)
بمسك يشبك المذكور وحبسه بالمرقب «1» ،
وتولى عوضه نيابة طرابلس الأمير حاج إينال اليشبكى نائب حماة، وحمل
إليه التقليد والتشريف الأمير يشبك الفقيه المؤيدى، واستقر في نيابة
حماة عوضه الأمير إياس المحمدى الناصرى نائب صفد، وحمل إليه التقليد
والتشريف الأمير قانصوه المحمدى الأشرفى، واستقر في نيابة صفد عوضا عن
إياس الأمير جانبك التاجى المؤيدى نائب غزة، وحمل إليه التقليد تمرباى
من حمزة المعروف بططر الناصرى «2» ، واستقر في نيابة غزة عوضا عن جانبك
التاجى خيربك النوروزى أحد أمراء صفد، ومسفّره سنقر قرق شبق الأشرفى
الخاصكى.
ثم رسم السلطان أيضا بنقل الأمير آقبردى الساقى الظاهرى من أتابكية حلب
إلى نيابة ملطية، بعد عزل قانى باى الناصرى، واستقر في أتابكية حلب
عوضا عن آقبردى سودون من سيدى بك الناصرى القرمانى أتابك طرابلس، وصار
مغلباى البجاسى أحد أمراء طرابلس وحاجب حجابها أتابك طرابلس عوضا عن
سودون القرمانى المذكور، وولى حجوبية طرابلس يشبك دوادار قانى باى
البهلوان- وهو رجل من الأوباش، لم تسبق له رئاسة- بالبذل، انتقل إليها
من نيابة المرقب، ثم أخرج السلطان سنطباى الظاهرى رأس نوبة الجمداريّة-
كان- منفيّا إلى طرابلس فى أوائل شهر رمضان «3» .
ثم في يوم الأحد عاشر شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان من مكة
بموت الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة، فأقرّ السلطان ولده
الشريف محمدا في
(16/92)
إمرة مكة عوضه، بسفارة الأمير جانبك
الظاهرى نائب جدّة بمكاتبته، ثم وصل نائب جدّة بعد ذلك إلى القاهرة،
وتم أمر ولاية محمد بقدومه بخمسين ألف دينار، يحمل منها عاجلا عشرين
ألف دينار، وما بقى آجلا على نقدات «1» متفرقة، هكذا حكى لى الأمير
جانبك من لفظه، هذا غير ما يدفعه الشريف محمد المذكور لأرباب الدّولة
بالدّيار المصرية ولولد السلطان وزوجته، فإن زوجة السلطان وولده صار
لهما نصيب وافر مع السلطان في كل هدية ورشوة.
ثم رسم السلطان أيضا بعزل أبى السعادات قاضى مكّة «2» ، وولاية الإمام
محب الدين الطبرى «3» إمام مقام إبراهيم عليه السلام بغير سعى.
ورسم أيضا باستقرار الشيخ برهان الدين إبراهيم بن ظهيرة «4» فى نظر حرم
مكّة، بعد عزل الشيخ طوغان الأشرفى «5» عنها، وخرج إليها الأمر صحبة
الحاج في الموسم.
وكان أمير حاج المحمل في هذه السنة الأمير بردبك البجمقدار الظاهرى،
أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، وأمير الرّكب الأول الناصرى محمد ابن
الأمير جرباش المحمدى الأمير آخور الكبير، وصحبته والدته خوند شقراء
بنت الناصر فرج بن برقوق،
(16/93)
وسافر أيضا في هذه السنة إلى الحجاز الأمير بيبرس الأشرفى- خال العزيز
يوسف- باشا [ليكون مقدما] «1» للمماليك السلطانية المجاورين بمكة
المشرفة.
وفي أوائل ذى القعدة رسم السلطان بهدم «2» تربته التي كان أنشأها أيّام
إمرته «3» وإعادتها مدرسة، وخلع على الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الجيش
والخاص بالنظر على عمارتها.
وفي عشر ذى الحجة- وهو يوم عيد الأضحى- صلى السلطان صلاة العيد بالجامع
الناصرى بقلعة الجبل، ثم خرج من الجامع بسرعة، وذهب إلى الحوش
السلطانى، ونحر ضحاياه به.
وكانت العادة أن السلطان إذا خرج من صلاة العيد جلس بالإيوان ومعه
الأمراء وذبح به، ثم «4» يتوجّه من الإيوان إلى باب الستارة وينحر به
أيضا ويفرّق ما يذبحه «5» ثم بعد ذلك يتوجه إلى الحوش ويذبح به، فلم
يفعل السلطان شيئا من ذلك، خوفا من مماليكه الأجلاب، فإنهم رجموه في
العام الماضى وأخرقوا به وبأمرائه غاية الإخراق، ورجموه وهجموا عليه
حيث كان ينحر الضحايا حتى إنه قام من مقامه فزعا بعد أن أصاب جماعة من
الأعيان الرجم.
وفرغت هذه السنة وقد قوى أمر المماليك الأجلاب. |