إنباء الغمر بأبناء العمر
سنة ثمان وسبعين
وسبعمائة
فيها تمرض السلطان ثم تعافى ثم انتكس، ثم لازمه الشيخ جار الله الحنفي
والشيخ أبو البركات المالكي فتعافى فشكر للشيخ جار الله فولاه قضاء
الحنفية بعد عزل شرف الدين بن منصور نفسه، وكان أهل الخانقاه سعيد
السعداء قد رافعوه فعزل عن المشيخة في المحرم فلم يلبث أن ولي القضاء
في شهر رجب منها، وفي أثناء ذلك كان ابن آقبغا آص تكلم في إعادة ضمان
المغاني فبلغ ذلك برهان الدين بن جماعة فغضب وامتنع من الحكم فتكلم
الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره مع السلطان في ذلك فأنكره السلطان
وأمر بإبطال ذلك من مصر والشام وقبض بعد مدة يسيرة على ابن آقبغا آص
ونفي إلى الشام وصودر، وكان ضمان المغاني من القبائح الشنيعة ما كان
أحد يقدر يعمل عرساً حتى يغرم قدر عشرين إلى ثلاثين مثقالاً ذهباً
وكانوا بمصر والقاهرة لا تغيب مغنية عن بيتها ولو إلى زيارة أهلها إلا
أن أخذ الضامن منها رشوة وأما بلاد الريف فكان للمغاني حارة مفردة يعمل
فيها من الفساد جهراً ما يقبح ذكره. ومن اجتاز بها غلطاً ألزم أن يزنى
بخاطئه، فإن لم يفعل فدى نفسه بشيء، وأبطل الأشرف أيضاً ضمان القراريط،
وكان مكساً يؤخذ من كل باع داراً ولو تكرر بيعها في الشهر الواحد
مراراً لا بد أن يأخذ الضامن على ذلك مكساً معلوماً، ولا يستطيع أحد من
الشهود أن يكتب خطه في مكتوب دار حتى يرى الختم في المكتوب.
وفيها نفي التاج الملكي إلى الكرك ثم شفع فيه فأعيد، وقرر ابن الغنام
في الوزارة.
(1/127)
وفيها قرر الشريف بكتمر في ولاية القاهرة
ثم عزل وقرر حسين بن علي الكوراني.
وفيها غرق الحسينية ظاهر القاهرة، انقطع من الخليج الحاكمي بجوار بيت
ابن قائماز فغرقت الحسينية إلى أن بلغ الماء جامع ابن شرف الدين، فقيل:
خربت بسبب ذلك نحو ألف دار.
وفيها تجهز السلطان الملك الأشرف إلى الحج فأرسل أخوته وأولاد أعمامه
جميعاً إلى الكرك فسجنوا بها وأرسل معهم سودون الشيخوني ليقيم عندهم
محتفظاً بهم، وأرسل آقتمر الحنبلي إلى الصعيد في جماعة أمراء لحفظ
البلاد من العرب، وأرسل عدة من الأمراء إلى سائر الثغور لحفظها أيضاً.
وفيها خرج السلطان في تجمل زائد إلى الغاية طالباً للحج فأقام بسر
ياقوس يوماً ثم سافر في الثاني والعشرين من شوال، فلما وصل عقبة أيلة
في مستهل ذي القعدة خامر عليه الأمراء الذين صحبته وأكثر مماليكه
وكانوا طلبوا منه أن ينفق عليهم نفقة اخترعوها فامتنع فداروا على
الأمراء فمن أجابهم ألزموه بالركوب معهم ومن امتنع تهددوه بالقتل
(1/128)
وركبوا بغتة فناوشهم الخاصكية القتال إلى
الليل، فلما بلغه ذلك هرب راجعاً إلى القاهرة، وكان الذين خلفهم
بالقلعة قد تواعدوا مع الذين خامروا عليه بالعقبة أنهم يسلطنون ولده
علياً ففعلوا ذلك بأن اتفقوا وجاؤوا إلى الزمام فأخبروه أن السلطان مات
وطلبوا منه أن يخرج لهم ولده علياً فامتنع فهجموا عليه وكسروا بابه
ونهبوا بيته وأمسكوه وأخرجوا الصبي قهراً فأقعدوه بباب الستارة. ثم
أركبوه إلى الإيوان وأرسلوا إلى الأمراء الذين بالقاهرة فامتنعوا من
الحضور فأنزلوا الصبي إلى الأصطبل ولقبوه بالعادل ثم بعد يومين
بالمنصور فصعد إليه الأمراء وأحضروه إليه أكمل الدين وضياء الدين
القرمي وحلفوا له، فأمسكهم بعض القائمين بالأمر وهم طشتمر اللفاف
وقرطاي وأسندمر وأينبك، وحبسوهم بالقلعة وقروا آقتمر عبد الغني نائب
السلطنة، ثم عهد إلى الأمراء الأكابر، ولما أرادوا سلطنة علي عارضهم
الضياء القرمي ووعظهم وقال لهم: إن الأشراف أستاذكم قد أحسن إليكم
وأخرجكم من السجن وأعطاكم الأموال فكيف تكون هذه مجازاته منكم؟ فلم
يقبلوا منه بل هموا بقتله فردهم عنه قرطاي ورجع إلى بيته فتحول إلى
القاهرة، وفي غضون ذلك وصل قازان الصرغتمشي فأخبر بكائنه السلطان
بالعقبة فأرسلوا إلى قبة النصر فوجدوا أرغون شاه وصرغتمش ويلبغا وغيرهم
من الأمراء الذين كانوا صحبة السلطان وهربوا معه قد وصلوا صحبته على
الهجن فغلب عليهم النوم هناك فكبسوا عليهم فقتلوهم، وهرب السلطان لما
دهموه هو ويلبغا الناصري، ثم استخفى السلطان عند آمنة بنت
(1/129)
عبد الله امرأة ابن المستوفي المغينة كان
يعرفها قبل ذلك فأخفته، ثم دلهم عليه بعض الناس فكبسوا البيت فوجدوه قد
اختفى في البادهنج فأمسكوه واطلعوه إلى القلعة فتولى أينبك تقريقه على
الذخائر وضربه تحت رجليه نحواً من سبعين ضربة بالعصي، ثم خنق في خامس
ذي القعدة ودفن بالقرب من الست نفيسة ثم نقل إلى تربة أمه. وكان الأشرف
هيناً ليناً محباً في المال في أهل الخير والفقراء والصلحاء والعلماء
مذعناً للأمور الشرعية، ملك أربع عشرة سنة وشهرين ونصفاً، وكانت الدنيا
في زمانه طيبة آمنة.
وفيها ظهر رجل بدمشق يقال له: حسن النووي، يدعى إخراج الضائع فكان
يتحيل في الإطلاع على بعض الأمور فيخبر بها، فارتبط عليه الناس إلى أن
سئل عن سرقة فدل على رجل فظهرت عند غيره فاستفتى عليه فأفتى بتأديبه
فضربه الحاجب وشهره.
وفيها ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء،
وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون.
وفيها شكى أهل بعلبك من نائبهم فولى نائب دمشق غيره فوصل من مصر نائب
غيره، فقيل لهم إنه أخو الذي شكوا عليه وإنه أضمر لهم سوءاً، فباتوا
منه وجلين فمات في الطريق قبل أن يصل إليهم وفرج عنهم.
(1/130)
وفيها كان بين أبي حمو وبين قريبه أبي زيان
حروب بتلمسان، وآل الأمر إلى أن انقضت جموع أبي زيان فنزل بتوزر فأكرمه
يحيى بن ملوك ثم لحق بتونس فأكرمه متوليها.
وفيها عقب استقرار على ولد الأشراف في السلطنة لقب الملك المنصور،
وعمره إذ ذاك ثمان سنين، واستقر.
واستمر آقتمر الحنبلي نائب السلطنة وطشتمر أتابك العساكر عوضاً عن
أرغون شاه وقرطاي رأس نوبه عوضاً عن صرغتمش وأسندمر أمير سلاح وأينبك
أمير آخور واستقر قرطائي عوضاً عن صرغتمش واينبك عوضاً عن يلبغا
السابقي وأقاموا خليفة من أولاد عم المتوكل لغيبة المتوكل بالعقبة
وحمزة بن علاء الدين بن فضل الله عوضاً عن أخيه بدر الدين في كتابة
السر ثم أخرج طشتمر الدويدار إلى نيابة الشام وعزل بيدمر.
وفي شعبان منها خسف الشمس والقمر جميعاً فطلع القمر خاسفاً ليلة السبت
رابع عشرة ثم انجلى بسرعة قبل الفراغ من صلاة المغرب وكسف من الشمس بين
الظهر والعصر يوم السبت ثامن عشرينه أكثر من نصفها واستمرت إلى بعد
العصر فصلى للشمس ولم يصل للقمر.
وفيها أبطلت المعاملة بالفلوس العتق من دمشق.
وفيها ولي القاضي محب الدين بن الشحنة الحنفي القضاء بحلب عوضاً عن
جمال الدين إبراهيم بن العديم.
وفيها استقر ناصر الدين ابن القاضي سري الدين في قضاء المالكية بحلب ثم
عزل قبل وصوله إليها بابن القفصى.
(1/131)
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب وطرابلس حتى
بيع المكوك بستمائة درهم وأكلت الكلاب وغيرها وبيع الشيء الذي كان يباع
بدرهم بأربعين درهماً ولما فر السلطان من العقبة اضطرب الناس فانحدر
القاضيان برهان الدين الشافعي وجار الله الحنفي إلى القدس فأقاما فيه
إلى أن سكنت الفتنة ثم قدما القاهرة يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة
ورجع أكثر الرؤساء إلى القاهرة. وتوجه بهادر المشرف بمن بقي إلى مكة
وأخذت خزائن السلطان فنهبت ورجع طشتمر والخليفة وتقي الدين بن ناظر
الجيش وكان سافر معهم عوضاً عن أبيه لضعفه وبدر الدين كاتب السر وبدر
الدين الأخنائي قاضي المالكية والشيخ سراج الدين البلقيني وصحبتهم حريم
السلطان إلى أن دخلوا القاهرة فلما دخلوا أنكر طشتمر ما جرى وركب إلى
قبة النصر وأراد أن يسلطن الخليفة فلم يوافق على ذلك فاقتتلوا معه
فانكسر ثم أعطى النيابة بدمشق وتوجه إليها في عاشر ذي القعدة. وجددت
البيعة في ثامن ذي القعدة للملك المنصور ثم ثار المماليك الذين أعانوا
الأمراء على قتل الأشرف فطالبوهم بالنفقة التي وعدوهم بها وهي على ما
قيل لكل نفر خمسمائة دينار فماطلوهم فجاهروهم بالسوء فلما خشوا على
أنفسهم أمروا بمصادرة المباشرين والتجار ودام ذلك مدة وكان ما أخذ من
المودع الحكمي مائتي ألف دينار فيما قيل ومن مثقال الجمالي مائة ألف
دينار ومن صلاح الدين بن عرام نحو خمسين ألف دينار وما أخذ من الوزير
وناظر الخاص وغيرهما من الدواوين جمل مستكثرة. وعمد قرطاي إلى الخزائن
فأنفدها النفقات والهبات وكان كثير السخاء وأنفق على المماليك كل واحد
خمسمائة دينار عشرة آلاف درهم فضة
(1/132)
نقرة وكانت عدتهم ثلاثة آلاف من الأجلاب
وغيرهم وقيل بل ألفين وقيل بين ذلك.
قال ابن حجى: رئي هلال شوال بجميع بلاد الشام حتى السواحل ليلة
الثلاثاء إلا دمشق فلم ير بها لغيم حال دونه فعيدوا يوم الأبعاء.
وفيها قرر علم الدين البساطي في قضاء المالكية بعد عزل بدر الدين
الأخنائي وذلك في سابع عشرين ذي القعدة وكان الذي سعى له في ذلك
إبراهيم بن اللبان شاهد ديوان قرطاي فاستنابه البساطي فصار أكبر النواب
وتعاظم إلى الغاية، وكان البساطي ينوب عن الأخنائي في الشارع الأعظم
وليس من بيت نائب السلطنة آقتمر.
وفيها في العشرين من ذي القعدة ولي جمال الدين محمود القيسري حسبة
القاهرة بعد عزل شمس الدين الدميري وكان جمال الدين ولي الخطابة بمدرسة
الجاي وكان بدر الدين ابن أبي البقاء لما توجه السلطان إلى الحج توجه
إلى دمشق لزيارة أخيه ولي الدين فناب عنه عشرة أيام ووصل الخبر بما جرى
للسلطان فبادر إلى الرجوع إلى مصر فآل الأمر إلى ولايته القضاء كما
سيأتي.
وفيها أخذ بيرم خواجا الموصل بالأمان بعد حصار أربعة أشهر وزوج ابنته
للأمير بيرم الذي كان غلب على الموصل واستناب أخاه بردخجا على الموصل.
وفيها استقر تقي الدين بن محب الدين في نظر الجيش عوضاً عن أبيه
والأشرف إسماعيل صاحب اليمن في السلطنة عوضاً عن أبيه
(1/133)
والبرهان الصنهاجي في قضاء المالكية بدمشق
عوضاً عن الماروني وناصر الدين بن أبي الطيب في كتابة السر بحلب عوضاً
عن ابن مهاجر والظاهر عيسى بن المظفر داود صاحب ماردين في السلطنة
عوضاً عن أبيه والله المستعان.
ذكر من مات
سنة ثمان وسبعين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني الأصل ثم الدمشقي، ولد
سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على عمر بن القواس معجم ابن جميع وتفرد
به عنه كاملاً، وسمع من محمد بن مشرف الدين الفزاري صحيح البخاري ومن
تاج العرب بنت المسلم بن علان فوائد سختام سنة أربع وسبعمائة، وأجاز له
ابن عساكر وجماعة، وكان يؤم بمشهد أبي بكر كأبيه وجده، حسن الحظ
والقراءة، وعنده سكون وانجماع، مات في ذي الحجة.
إبراهيم بن إسحاق بن يحيى بن إسحاق فخر الدين الآمدي الأصل ثم الدمشقي،
ولد بدمشق سنة خمس وتسعين وستمائة أيضاً، وسمع من ابن مشرف والتقي
سليمان وابن الموازيني وأبي يعلى بن القلانسي وغيرهم، وأجاز له من
بغداد بن رويدة وغيره ومن دمشق بن عساكر وإسماعيل الفراء ومن
الإسكندرية الغراقي خرج له صدر الدين ابن إمام المشهد عنهم مشيخة وقد
ولي نظر الأوقاف والأيتام ثم نظر الجيش بدمشق والجامع وغير ذلك من
المناصب الجليلة وكان مشكور السيرة معظماً عند الناس وحصل له في آخر
عمره صمم وحدث بمصر ودمشق، ومات في ربيع الأول.
إبراهيم بن عبد الله العجمي أحد من كان يعتقد بدمشق.
إبراهيم بن مالك التروجي برهان الدين المالكي أحد الفضلاء بالقاهرة ناب
في الحكم، ومات في شعبان.
(1/134)
أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب
الدين ولد سنة ست أو سبع وتسعين، وسمع من الفخر التوزري وتفرد بالسماع
منه ومن الصفي والرضي الطبريين وغيرهما وكان إليه أمر زمزم وسقاية
العباس، مات عن ثمانين سنة وأشهر.
أحمد بن سليمان بن عبد الله الصقيلي بفتح المهماة وكسر القاف بعدها
تحتانية ساكنة أخذ عن الشيخ شمس الدين بن اللبان وغيره ودرس وأفاد وكان
خيراً صالحاً ولي خطابة المدينة ثم رجع إلى القاهرة، مات في ربيع الآخر
بجامع الحاكم.
أحمد بن عبد الرحيم التونسي شهاب الدين أبو العباس صاحب الشيخ جمال
الدين بن هشام النحوي كان عالماً بالعربية تخرج به الفضلاء ومات في
ثالث عشر شعبان.
أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني المحدث شهاب الدين، ولد سنة سبع
عشرة وسبعمائة، وسمع بدمشق من أحمد بن علي الجزري والذهبي وبمصر من
الميدومي وبالقدس من علي بن أيوب وغيره وحصل الكتب والأجزاء ودار على
الشيوخ ورافق الشيخ زين الدين العراقي كثيراً وأسمع أولاده وصنف لغات
مسلم وشرح الإلمام ودرس في الحديث بالمنكوتمرية وولي خانقاه الطويل،
وناب في الحكم وكان محمود الخصال، مات في جمادى الآخرة. وذكر لنا الشيخ
سراج الدين البلقيني أنه رآه في المنام على هيئة حسنة.
أحمد بن عيسى الحرامي بمهملتين أمير حلى كان شجاعاً جواداً ممدحاً وفيه
يقول قاسم بن العليف:
أنت من جملة الكرام ولكن ... فيك أشياء لم تنلها الكرام.
تعرف الرمز بالتشكي ومن لم ... يعرف الرمز لم يفده الكلام.
(1/135)
أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسيني كاتب
الإنشاد بحلب ونقيب الأشراف بها، وكان مشكور السيرة مات بحلب في هذه
السنة وعاش أزيد من سبعين سنة.
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، سبعة
في نسق سابعهم ابن أبي بكر بن إبراهيم بن جماعة الزهري أبو البركات بن
النظام القوصي ثم المصري، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من الواني
والدبوسي والختني والحجار وغيرهم وحدث، مات في شهر رجب.
إسماعيل بن خليفة بن عبد المعالي الحسباني ثم الدمشقي عماد الدين
الفقيه الشافعي أصله من نابلس، ولد سنة ثمان عشرة تقريباً وقدم هو
والشيخ علاء الدين حجى بن موسى بن أحمد من حسبان إلى الشام ثم انقطع
إسماعيل إلى الشيخ تقي الدين القلقشندي فلازمه بالقدس ثم قدم دمشق سنة
ثمان وثلاثين فلازم ابن النقيب وغيره وتقدم وأجازه الفخر المصري
بالإفتاء ومهر وسمع من المزي وبنت الكمال والجزري وغيرهم، وكتب على
المنهاج وشرحه نحواً من عشرين مجلدة، وكان الشهاب الأذرعي يكاتبه في
المشكلات وناب في الحكم بدمشق عن أبي البقاء وعن البلقيني وكانت نفسه
قوبة في العلم، وله مشاركة في غير الفقه، ومات في ذي القعدة، وهو والد
صاحبنا شهاب الدين قاضي دمشق، قال العثماني قاضي صفد في ترجمته: تفرد
بالإفتاء مع وجود الأطواد، قال: وشرحه على المنهاج قدر عشرين مجلدة،
وقال ابن حجى: كان ممن قام على تاج الدين السبكي وكان مشاراً إليه
بجودة النظر وصحة الفهم وفقه النفس وقوة المناظرة، قال: وقد رأيت
مجلداً بخطه من شرحه على المنهاج، وقد نقل الأذرعي
(1/136)
وكأنه انتسخه لنفسه ولم يشهر هذا الكتاب
فإنه كان ضنيناً به لكثرة ما فيه من النقول والمباحث ثم إن ولده لم
يمكن أحد منه حتى احترق في الكائنة العظمى بدمشق، قال: ولما مات أثبت
ابن الجزري محضراً بأن شرط واقف جامع التوبة أن يكون الخطيب حافظاً
للقرآن وأن شهاب الدين ولد عماد الدين لا يحفظ القرآن فقرر في الخطابة
بحكم ذلك في غيبة شهاب الدين بمصر، فقدم ومعه توقيع بالخطابة فانتزعها
من ابن الجزري.
إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح القلقشندي، نزيل بيت المقدس،
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وتفقه بمصر ودمشق ثم صاهر الحافظ صلاح الدين
العلائي على ابنته، ودرس بالصلاحية بعد العلائي وكان العلائي في حياته
يراجعه في الفقهيات، وتخرج به العماد الحسباني وعلاء الدين حجى
وغيرهما، وكان ديناً خيراً مثابراً على الخيرات فاضلاً مستحضراً للفقه
حتى كان يقال إنه يحفظ الروضة وحدث بالصحيح لمسلم عن الشريف موسى
وبالصحيح عن الحجار، مات في رجب وأرخه الزبيري سنة سبع.
إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأيوب عماد الدين بن الملوك، سمع من قريبه
عبد القادر ومن أبيه إسماعيل وإبراهيم بن الخيمي وابن سيد الناس وغيرهم
وحدث، مات في شهر رجب.
وفيها مات من الأمراء اسنبغا عبد الغني واسنبغا العزي والطنبغا
الإبراهيمي وأرغون شاه الجمالي
(1/137)
وفخر الدين إياس المارديني وجركتمر الأشرفي
وجرجي البالسي.
بهادر التاجي بالمثناة نسبة لتاج الدين ثم سمي عبد الله جمال الدين،
كان فاضلاً في الفقه، مات في جمادى الآخرة بدمشق.
أبو بكر المازري المالكي قاضي دمشق وسيأتي في التي بعدها.
حسن بن عبد الله المليكشي المغربي الفقيه المالكي، كان فاضلاً كثير
العلم مع هوج فيه أعاد بالناصرية وغيها، مات يوم عرفة.
حسن بن علي البعلبكي الملاعقي كان يجيد صنعة الساعات ويصنع الأرباع،
مات في ربيع الآخر.
حماد الأصبهاني المصري، أحد من كان يعتقد بمصر، انقطع بسطح الجامع
الأزهر في السطوح، ومات في ذي الحجة.
خليل بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحي الأمير غرس الدين خليل أخو
الملك الأشرف، مات قبله في شعبان.
خليل بن قوصون، كان أحد الأبطال بالقاهرة وكان سبط الملك الناصر محمد
بن قلاوون.
داود بن صالح الملك المظفر بن الملك الصالح صاحب ماردين، ولي السلطنة
(1/138)
بماردين وهو ابن ثمانية أعوام وثمانية
أشهر، ومات في ربيع الآخر وله سبع وأربعون سنة، ولما استقر ولده الظاهر
عيسى في المملكة مفوضاً لوزير أبيه موسى فقبض عليه الظاهر بعد ثلاثة
أشهر، وكان ظالماً غاشماً ففرح أهل البلد بذلك.
ذكي الخوارزمي أخو جرمل دوادار بيدمر، كان موصوفاً بالجودة، مات في
جمادى الأولى.
سالم بن إدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي صاحب ظفار، كان أحد الفرسان،
قتل في شهر رجب.
سليمان بن داود بن يعقوب بن أبي سعيد الحلبي المعروف بابن المصري. كان
فاضلاً في النظم والنثر، كتب في الإنشاء ونظك الشعر الحسن، وله الشفعية
في مدح خير البرية، وهي التي يقول فيها الشيخ بدر الدين البشتكي:
عصت جنود معانيها الورى وغدت ... مطيعةً لسليمان بن داود.
وهو عم صاحبنا شمس الدين بن المصري.
وفيها مات من الأمراء شاهين أمير علم وصرغتمش الخاصكي، وطاز العثماني،
وطيدمر البالسي، وطيغتمر العثماني.
(1/139)
شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحي
الملك الأشرف صاحب الديار المصرية وما معها، مات مقتولاً في ذي القعدة،
وقد تقدم ذكره في الحوادث، عاش أربعاً وعشرين سنة.
عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني الملك
الأفضل بن المجاهد بن المؤيد بن المظفر بن المنصور صاحب زبيد وتعز ولي
سنة أربع وستين. وقام في إزالة المتغلبين من بني ميكائيل إلى أن استبد
بالمملكة وكان يحب الفضل والفضلاء، ألف كتاباً سماه نزهة العيون، وغير
ذلك، وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة، مات في شهر ربيع الأول وقيل في شعبان.
عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن سعيد الحلبي ثم المصري جمال
الدين بن كمال الدين بن الأثير، ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع من الحجار
ووزيره، وحدث بالصحيح، وكان ماهراً في العربية، وقد ولي كتابة السر
بدمشق، ثم انقطع للعبادة بالقاهرة، ومات بها في جمادى الآخرة.
عبد الله بن محمد بن الصائغ تقي الدين بن نور الدين، ولد سنة ثلاث
وسبعمائة، وسمع من إسحاق الآمدي والحجار وغيرهما، أجاز له ابن مكتوم
وعلي بن هارون وغيرهما، وكان أحد الرؤساء بدمشق منور الشيبة حسن
الصورة، مات في رجب.
عبد الله بن مشكور تاج الدين ناظر الجيش بحلب ثم بدمشق، وكان يحسن إلى
الفقراء ويحبهم وفيه مروءة، وله بالقدس آثار حسن، مات في جمادى الآخرة.
عبد الرحمن بن سلطان بن الزعبوب. مات في رمضان.
(1/140)
عبد الرحيم بن محمد بن علي بن عبد الواحد
أبو نعيم بن الشيخ أبي أمامة بن النقاش، مات شاباً لم يبلغ العشرين
ومات أبوه وهو صغير ونشأ في صيانة، واشتغل وتمهر، فرأت بخط صهره الشيخ
علاء الدين الحلبي أنه لم يحفظ عنه أنه خرج من البيت وحده قط لا لحاجة،
ولا لغيرها، وكثر التأسف عليه.
عبد المؤمن بن عبد الله التركي الساقي، كان اسمه آقوش، وكان جيد الحظ،
فتقدم إلى أن أمر عشرين بغزة، ثم استقر سلحدارا بالقاهرة، ثم صيره
الأشرف رأس نوبة السقاة، مات في هذه السنة بعد الأشرف.
عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي، فخر الدين بن شمرنوخ الشافعي،
قاضي حلب وليها غير مرة، ومات بها في شعبان عن ست وخمسين سنة، وكان ولي
قضاء طرابلس ثم نقل إلى حلب لما نقل الكمال المعري إلى دمشق، وقيل: إنه
بذل في ذلك خمسة آلاف دينار. وأثنى عليه ابن حبيب وقال: حكم بطرابلس ثم
بحلب عشرين سنة، وكان موصوفاً بالرئاسة والفضل والإحسان والتواضع والبر
ومعرفة الأحوال.
عثمان بن عمر بن عمار بن معمر الجيلي الشافعي، أحد نبهاء الطلبة بدمشق،
ولد في حدود الثلاثين، وتعانى الفقه، وسمع الحديث، وكان ملازماً للطلب
عديم الشر. وذكر أنه رأى ابن جملة في المنام فسأله عن ثواب القراءة إلى
الميت هل يصل إليه؟ قال: نعم، مات في صفر.
علي بن أبي بكر البعلبكي بن اليونيني، نزيل حماة، كان مدرس العصرونية،
وكان يفيد ويفتي إلى أن مات عن نيف وستين سنة.
(1/141)
علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي،
نور الدين، أحد رواة الصحيح عن الشيخين، حدث بغزة، وولي القضاء بها مدة
أنا، عنه الشيخ الغزي بالإجازة، ومات في هذه السنة.
علي بن ذي النون الاسعردي ثم الدمشقي، صاحب الخان المشهور بقرب الكسوة
كان من كبار التجار وعمر هذا الخان فنفع الناس به، ومات في ذي القعدة.
علي بن عبد الله بن السدار، أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في رجب،
ويحكي عنه عجائب في المكاشفات وغيرها، ودفن بزاويته بخوخة أيدغمش.
علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي، علاء
الدين بن عز الدين بن شمس الدين بن وجيه الدين، ولد سنة عشر وسبعائة،
ومسع من ابن مشرف ووزيره وهي ابنة عم جد والده، وحدث عنهما بالصحيح،
وكان خيراً، مات في ربيع الآخر.
قلت: وهو أخو شيختنا فاطمة بنت المنجا التي أكثرت عنها، عاشت بعده
بضعاً وعشرين سنة حتى كانت خاتمة المسندين بدمشق.
علي بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي العشائر الحلبي الخطيب، كان
فاضلاً، له ثروة ظاهرة، ولي نظر الأوقاف بحلب وأنشأ بها دار قرآن،
وانجب ولده الشيخ ناصر الدين بن عشائر، ومات أبوه محمد بن هاشم سنة
ثمان وثلاثين.
علي بن يوسف بن صالح الحسباني، علاء الدين، تفقه بطرابلس، كان مشهوراً
بالفضل جيد الفهم، مات في رجب.
عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم الحلبي ثم
الدمشقي ثم المزي،
(1/142)
ولد سنة ثمانين على ما كتب بخطه لكن وجد له
حضور فيها فيحتمل أن يكون ولد في التي قبلها ولكن وجد بخط البرزالي أن
مولده في رجب سنة اثنتين وثمانين، وهذا هو المعتمد ولعل ذاك أخ له
وأسمع على الفخر ابن البخاري جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخة تخريج
ابن الظاهري وذيلها للمزي والشمائل، وتفرد بالسنن والجامع والذيل. رحل
الناس إليه، وكان صبوراً على السماع، وأم بجامع المزة مدة، وحدث نحواً
من خمسين سنة، وسمع من العز الفاروثي بعض الذرية الطاهرة، وسمع أيضاً
من الصوري وابن القواس وابن عساكر والعز الفراء وأبو جعفر بن المفسر
وجماعة، وخرج له الياسوفي مشيخة لطيفة حدث بها، وكان صبوراً على
السماع، ربما أسمع غالب النهار ولا يعتب وقارب المائة، مات في ربيع
الآخر. وكان خيراً، ذكر أنه قرأ القراءات على ابن نصحان، وكان عنده فضل
ودين وخير، وله شعر وسط وهو القائل:
ولي عصا من جريد النخل أحملها ... بها أقدم في نقل الخطى قدمي.
ولي مآرب أخرى أن أهش بها ... على ثمانين عاماً لا على غنمي.
عمر بن محمد بن أبي بكر بن يوسف الحموي، ولد سنة خمس وسبعمائة، وسمع من
نخوة بنت النصيبي الثاني من المستخرج لأبي نعيم علي البخاري وحدث، مات
في جمادى الآخرة.
عمر السلفي الشافعي من فقهاء المقادسة، مات في رجب.
عائشة خاتون بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون المعروفة بخوند القردمية،
عمرت
(1/143)
وكان المثل يضرب بكثرة أموالها، فلم تزل
تسعى في إتلافها إلى أن ماتت على مخدة من ليف في جمادى الأولى.
قطلوبغا المنصوري، حاجب الحجاب، كان مشكور السيرة.
القطب العجمي، نزيل دمشق، أحد الزهاد، كان مقصوداً لإقراء التصوف،
ويعمل بعد الجمعة ميعاداً بالجامع بدمشق، وللناس فيه اعتقاد زائد،
ورسائله لا ترد، مكات في شوال.
قبلائ الحاجب بدمشق، مات في ربيع الآخر.
محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفر بدر الدين
السلمي المصري ابن السكري، سمع من وزيره مسند الشافعي وحدث به، وكان
خيراً حسن البشر، وله إجازة من جماعة من المصريين سنة ثلاث عشرة، مات
في رمضان. وقد ذكره البرزالي فيمن كان بمصر من المسندين في سنة تسع
وعشرين وسبعمائة.
محمد بن براق المصري، أحد الموقعين بديوان الإنشاء، كان متقدماً عند
بدر الدين بن فضل الله كاتب السر.
محمد شاه بن دنيا، جمال الدين الساقي، كانت أمه من خطايا الناصر فقرره
في ديوان المماليك السلطانية بأقطاع ثقيل. وكانت أمه تدعي أنه ابن
الناصر ولكن لم يعترف به أخوته، واستمر هو طرخانا، وأحب الاشتغال فلازم
موفق الدين الحنبلي وحبب إليه كلام ابن تيمية فكان يتغالى في تحصيله
ويتعصب له مع أنه كان شافعي المذهب، مات في ذي الحجة.
محمد بن عبد الغني بن يحيى بن عبد الله الحراني، بدر الدين بن تقي
الدين الحنبلي، كان فاضلاً في مذهبه وولي بعض المدارس، وذكر للقضاء فلم
يبق، وسمع من علي بن القيم وزينب بنت شكر والشريف الموسوي وغيرهم، مات
في رجب وله سبع وسبعون سنة.
محمد بن عبد القاهر بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد القادر بن الحسن بن
علي بن المظفر ابن علي بن القاسم الشهرزوري أبو حامد، أخذ عن المزي
ولازمه وسمع من جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم ونحوهم وحصل وطلب، وكان
حسن الخط دقيقه منور الشيبة أعوج العنق، من بيت كبير مشهور كانوا أعيان
الموصل،
(1/144)
وله شعر نازل فمنه:
أبا من فاق أفضالاً وفضلاً ... علينا وهو للأصحاب محسن.
تفضل واقض شغلي فهو سهل ... عليك وأنت تحسن كيف تحسن.
مات في ربيع الآخر.
محمد بن علي بن أحمد بن أبي رقيبة المصري المجود، ولد بعد سنة سبعمائة،
ولازم الشيخ عماد الدين بن العفيف إلى أن مهر في طريقته في الخط
المنسوب، وأخذ عن الشيخ شمس الدين ابن صاعد الأكفاني وغيره، وناب في
الحسبة، وأدب الملك الكامل شعبان بن الناصر، ثم ولي حسبة مصر، وقرب من
قلب الأشرف شعبان جداً، مات في وسط السنة.
محمد بن علي بن أحمد الحسيني الشريف فخر الدين النقيب، وهو ابن قاضي
العسكر، كان جواداً كثير اللهو، وقد سمع من أصحاب النجيب وحدث باليسير،
مات في رجب كهلاً.
محمد بن علي بن عيسى بن أبي القاسم بن منصور الحلبي ثم الدمشقي بدر
الدين بن قوالح، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر وهو في الثالثة على
أبي الفضل بن عساكر صحيح مسلم، وسمع البخاري من أبي الحسين اليونيني
وعلي بن القواس عمل يوم وليلة لبن السني بفوت، ودرس في المعزية أكثر من
ستين سنة حتى أن الشيخ نجم الدين القحقازي كان منزلاً عنده، ومات قبله
بمدة طويلة وحدث ابن قوالح وتفرد وكان يركب البغلة ويرخي العذبة ويتجمل
في ملبسه ولكنه كان قليل الحظ في العلم قاله ابن حجى.
محمد بن علي بن محمد اليونيني البعلبكي، بدر الدين بن اسلار الحنبلي،
(1/145)
ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة، وسمع من
الحجار والقطب اليونيني، وتفقه بابن عبد الهادي وابن القيم وغيرهما،
وجلس للشغل بجامع بعلبك، وكان طويل الروح حسن الشكل طوالاً، يخضب
بالجناء، فاضلاً كثير الاستحضار، واختصر كتاباً في الفقه سماه السرقيل
وعلق بخطه كثيراً، مات في ربيع الأول.
محمد بن عمر ويقال ابن محمود بن أبي بكر بن محمود الخراساني الأصل
الدمشقي، شيخ خانقاه القصاعين، سمع من ابن مشرف والحجار صحيح البخاري
وحدث، مات في ربيع الأول. قال ابن حجى: رأيت بيده ثبت سماعه للصحيح،
وسام أبيه مكشوط، كان عمر، فصير محموداً أو بالعكس، فذكر لي أنه كان
يتسمى بهما جميعاً.
محمد بن عمر المصري، شمس الدين بن الجوخي، كان عارفاً بالموسيقا، ويعلم
أهل الوعظ الألحان، وينظم وسطاً، وكان يؤدب في سبيل الظاهر بيبرس بين
القصرين.
محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز القرشي
نصير الدين أبو المعالي بن المؤرخ شمس الدين الجزري، ولد سنة ثلاث عشرة
وسبعمائة، وأسمع من المطعم وابن الشيرازي والقاسم بت مظفر وغيرهم، ثم
طلب بنفسه بعد الثلاثين فقرأ الكثير وسمع وكتب الأجزاء واشتغل بالفقه
وربما كتب على الفتوى، وكان السبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله، وله همة
عالية، وولي مباشرة الأيتام، وكان مشكور السيرة، مات في جمادى الآخرة.
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد، الأرتاحي الأصل المصري بهاء الدين
بن فتح الدين بن وجيه الدين بن المفسر، سمع الناسخ والمنسوخ من ابن
مكرم ومن الحجار ووزيرة صحيح البخاري، وولي وكالة بيت المال والحسبة
بمصر مراراً وبالقاهرة كذلك، وكان مشكور السيرة مهاباً في مباشرته، مات
في رجب وله ثمانون سنة.
(1/146)
محمد بن محمد بن الشامية الموقع، تقدم في
التي قبلها.
محمد بن أبي محمد بالحمصي التاجر، اشتغل بالفقه وتعانى النظم، كتب عنه
ابن حجى من نظمه وأرخ وفاته في المحرم.
محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي الأصل محب الدين ناظر
الجيش، ولد في سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة
ولازم أبا حيان والتاج التبريزي والبرهان الرشيدي وغيرهم، وحفظ المنهاج
والألفية وبعض التسهيل، وتلا بالسبع على الصائغ، ومهر في العربية
وغيرها ودرس فيها وفي الحاوي، وكان قد سمع من الشريف موسى ومن الشيخ
علي بن هارون والشيخ نصر المنبجي وست الوزراء وغيرهم، وحدث وأفاد، وخرج
له الياسوفي مشيخة، وشرح التسهيل إلا قليلاً واعتنى بالأجوبة الجيدة عن
اعتراضات أبي حيان وشرح تلخيص المفتاح شرحاً مفيداً، ودرس بالمنصورية
في التفسير بعد الرشيدي، وكانت له في الحساب يد طولى، ثم ولي نظر
الجيش، وكان في أول أمره مقلاً وأول مبا باشر عند الأمير حنكلي بن
البابا ناظر ديوان، ثم ولي ديوان منكلي بغا الفخري، ثم ولي نظر البيوت
في دولة السلطان حسن، ثم ولي نظر الجيوش في سنة تسع وخمسين، ورفع يلبغا
منزلته وعظم قدره، وكان عالي الهمة نافذ الكلمة كثير البذل والجود
والرفد للطلبة والرفق بهم والمبالغة في السعي في قضاء حوائجهم، وتزايدت
مرتبته عند
(1/147)
الملك الأشرف، وزادت مروءته وعظمت همته
وشاع خيره وبره، وكان من العجائب أنه مع فرط كرمه في غاية البخل على
الطعام حتى قال لي القاضي كريم الدين بن عبد العزيز ناظر الجيش عنه إنه
سمعه يقول: إذا رأيت شخصاً يأكل طعامي أظن أنه يضربني بسكين هذا أو
معناه هذا مع بذله الآلاف، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه بلغت
مرتباته لأهل الخير في الشهر ثلاثة آلاف، وكان كثير الظرف واللطف
والنوادر.
قلت: لم ألق أحداً ممن لقيه إلا ويحكي عنه في المروءة والجود ما لا
يحكيه الآخر حتى من لم يكن بينه وبينه معرفة، وفي الجملة فكان من محاسن
الدنيا مع الدين والصيانة وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه
أنه كان أول أمره شاهداً عند ابن البابا، وكان عالماً بالتفسير ودرس
فيه بالمنصورية، وعمل على التسهيل شرحاً، وأول ما ولي نظر البيوت ثم
نظر الجيش، ولما تجهز السلطان إلى الحج كان هو وعك من أول شعبان واستمر
فجهز ولده تقي الدين عبد الرحمن في خدمة السلطان فاستراح هو من الفتنة
التي وقعت، ثم مات بعد قليل في ثاني عشر ذي الحجة.
موسى بن فياض بن موسى بن فياض بن عبد العزيز النابلسي أبو البركات
الحنبلي، ولد قبل القرن واشتغل ببلاده ثم قدم دمشق، وسمع من عيسى
المطعم ويحيى بن سعد وغيرهما، وولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
واستمر بها نيفاً وعشرين سنة، وهو أول حنبلي قضى بها استقلالاً، مات في
ذي القعدة بعد أن أعرض عن الحكم في سنة أربع وسبعين، واستقر ولده أحمد
مكانه وانقطع هو للعبادة.
ومات فيها من الأمراء: محمود شاه بن دنيا، وكان قد ولد على فراش الملك
الناصر وأراد الصالح إسماعيل أن يستلحقه فلم يتم ذلك.
ومحمد بن مختار،
(1/148)
ومحمد بن قمارى، ومختص الملقب شادروان
وخوند الحجازية صاحبة المدرسة برحبة العيد.
يوسف بن الحاج أحمد بن سليمان بن فرنج الصالحي جمال الدين الطحان
الحنبلي، أخذ عن ابن قاضي الجبل وشمس الدين بن مفلح وغيرهما، وسمع وحدث
ودرس وأفاد مع الدين والورع والانجماع، وكان نبيهاً سريع الإدرام حسن
الإيراد، وكان يرتفق من شهادة الجرائد، وكان محبوباً إلى الناس، مات في
شوال.
يوسف بن عبد الله بن علي بن حاتم بن محمد بن يوسف البعلي بن الحبال
الدمشقي، سمع من التاج عبد الخالق السيرة لابن هشام وتفرد بها عنه، مات
في رجب وله ثمان وتسعون سنة لأنه ولد في صفر سنة ثمانين، وسمع أيضاً من
الحسين اليونيني وأخيه القطب وابن أبي الفتح والتاج الفزاري.
أبو عبد الله القاري المالكي المغربي، أحد الفضلاء، ناب في الحكم، ومات
بالإسكندرية.
(1/149)
سنة تسع وسبعين
وسبعمائة
فيها وقعت الفتنة بين أينبك وقرطاي، وذلك أن قرطاي لما استقر أتابك
العساكر صاهره أينبك فعظم قدره ثم غدر أينبك بصهره وتمالأ مع جماعة من
المماليك مثل بركة وبرقوق ومن نضم إليهما، ووعد كلاً من هذين بإمرة
طبلخانات، وأركب السلطان فحضر الأمراء إلى الإصطبل فرطب قرطاي ومن معه
من الأمراء كسودون الجركسي وقطلوبغا البدري ومبارك شاه الطازي وقطلوبغا
جركس وغيرهم، فأحسوا بالغلبة، فهرب قرطاي وأرسل يطلب نيابة حلب وهو
بسرياقوس فأجيب إلى ذلك وذلك في أواخر صفر، ثم أمسك جماعة من الأمراء
الذين كانوا معه واستمر آقتمر الحنبلي نائب دمشق وآقتمر عبد الغني نائب
السلطنة بمصر وأينبك أتابك العساكر ودمرداش اليوسفي رأس
(1/150)
نوبة وقطلوبغا أخو أينبك أمير آخور وأطلمش
الأرغوني دوادارا كبيراً، وأسكن أينبك مماليكه مدرستي حسن والأشرف،
وأعطى كلاً من ولديه أحمد وأبي بكر تقدمه ألف. وكان استقراراً أينبك في
ثاني عشرين صفر، وأشاع العوام أن بعض الأمراء ركب على أينبك ولم يكن
لذلك حقيقة، فأمر ابن الكوراني الوالي أن يسمر طائفة منهم، فيقال إنه
أخرج من الحبس جماعة ممن وجب عليهم القتل فسمرهم ووسطهم بعد أن نادى
عليهم: هذا جزاء من يكثر الفضول، ثم التمس من الخليفة أن يولي أحمد بن
يلبغا السلطنة لأن أم أحمد كانت تحته فامتنع وقال: ما اعزل ملك ابن ملك
وأولى ابن أمير! فقال له: إن أحمد ما هو إلا ابن السلطان حسن فإن أمه
كانت حاملاً به منه لما قتل فأخذها يلبغا ولم يشعر بذلك فولد أحمد على
فراشه، فقال الخليفة: هذا ما يثبت، فزبره أينبك وغضب منه وأمر بإمساكه
ونفاه إلى قوص، وقرر قريبه زكريا بن الواثق في الخلافة ثم لم يلبث إلا
نصف شهر حتى جاءت الأخبار من بلاد الشام بمخامرة النواب وموافقتهم
لطشتمر وأنهم جمعوا جمعاً كبيراً وكان اتفاقهم على ذلك في ربيع الأول،
فتجهز أينبك إلى قتالهم وخرجت مقدمته في سادس عشرين شهر ربيع الأول،
وهم أخوة قطلوبغا وأحمد بن أينبك ويلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي وبلاط
الصغير وتمرباي الحسني وجماعة منهم بركة وبرقوق وبوري الأحمدي في آخرين
وأخرج معه السلطان ورضي على الخليفة المتوكل وأعاده إلى الخلافة
واستصحبه معه وخرج ببقية العسكر في ربيع الآخر،
(1/151)
واتفق أن ذلك كان وقت وفاء النيل فتفاءل
المصريون على أينبك بالكسر فإنه خرج في ليلة الكسر فلم يلبث الجاليش أن
رجعوا في ثاني ربيع الآخر من بلبيس خوفاً من الأمراء الذين صحبتهم وكان
ذلك مكيدة من يلبغا الناصري فإنه قال: يا أخي أينبك! احترز على نفسك
فإن بركة وبرقوق يريدان قتلك، فلم يكذبه وفر في الحال. ففر قطلوبغا في
ثلاثة أنفس إلى أخيه، ويقال إن كتب الأمراء وردت من الشام إلى من بمصر
بتوبيخهم على تامير أينبك فرجعوا إلى أنفسهم وأجابوهم بالاعتذار وأنهم
معهم، فأطلع السلطان إلى القلعة ثم ركب قطلقتمر العلائي والطنبغا
السلطاني ليلاً ومعهما جمع كثير إلى قبة النصر في ثالث ربيع الأول
فتوجه إليهما قطلوبغا في مائتي نفس فأمسكوه وانكسر عسكره، فلما بلغ ذلك
أينبك هرب فرجع الأمراء إلى الإصطبل، وتحدث قطلقتمر في المملكة ذي ذلك
اليوم خاصة ثم أمسك في اليوم الذي يليه لأنه كان نزع لباس الحرب فاجتمع
الأمراء الذين قاموا معه وأشاروا عليه بتقرير سلطان كبير من أولاد
الناصر يكون مالك أمره، فامتنع ثم طلع في ذلك اليوم الأمراء الذين
كانوا خامروا على أينبك وهم يلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي وبلاط
الصغير ومن الطبلخانات برقوق وبركة وغير هؤلاء فتكلموا مع قطلقتمر
المذكور في أمر المملكة فزاد الكلام ونقص إلى أن قبضوا عليه وأمسك معه
الطنبغا السلطاني ومبارك شاه الطازي فأرسلوا إلى الإسكندرية واستقل
بالكلام يلبغا الناصري وبرقوق العثماني وبركة الجوباني فركب الثلاثة
وأمسكوا دمرداش اليوسفي وتمرباي الحسني ونحوهما فأرسلوا الجميع إلى
الإسكندرية
(1/152)
ولم يكن في الثلاثة أكبر من يلبغا الناصري
وإنما كانت إمرة برقوق وبركة طبلخانات عن قرب ثم تقدما واستقر بركة
أمير مجلس وبرقوق أمير آخور أتابكا فحضر من الشام في ثاني شهر جمادى
الأولى، وخرج السلطان لتلقيه فاستقر أتابك العساكر وحضر صحبته سودون
الشيخوني وتمرباي الدمرداشي وكانا قد نفيا إلى الشام واستقر يلبغا
الناصري أمير سلاح وتمر باي الدمرداش رأس نوبة وبرقوق أمير آخور وبركة
أمير مجلس وانتظم الحال على ذلك واستبد برقوق وبركة بالحكم، وانطاع
لهما طشتمر وذلك في ثالث جمادى الأولى، وكان ابتداء تقدمة برقوق إلى
إمرة مائة في سادس ربيع الآخر، وكذلك بركة، وكان يلبغا الناصري استقر
أمير آخور فانتزعه برقوق وسكن الإصطبل وسكن بركة بيت شيخون واستبد
بالحكم واستقر في نيابة الشام آقتمر الحنبلي وفي نيابة حلب اشقتمر وفي
نيابة حماة منكلي بغا البلدي، وكان كل هؤلاء مع طشتمر لما عزم على
التوجه لمصر لنزع أينبك، وفي الخامس من المحرم استقر قرطاي أتابك
العساكر عوضاً عن طشتمر اللفاف لما مات، واستقر مبارك شاه الطازي رأس
ولي جار الله قضاء الحنفية وانفصل صدر الدين بن منصور من دمشق، وفي
العشرين من صفر أحضر أولاد الناصر من الكرك، وكان الأشرف سيرهم إليها
لما حج وهم أولاد حسن وأولاد حسين وأولاد حاجي فنزلوا الدور بالقلعة
على عادتهم. ير مجلس وانتظم الحال على ذلك واستبد برقوق وبركة بالحكم،
وانطاع لهما طشتمر وذلك في ثالث جمادى الأولى، وكان ابتداء تقدمة برقوق
إلى إمرة مائة في سادس ربيع الآخر، وكذلك بركة، وكان يلبغا الناصري
استقر أمير آخور فانتزعه برقوق وسكن الإصطبل وسكن بركة بيت شيخون
واستبد بالحكم واستقر في نيابة الشام آقتمر الحنبلي وفي نيابة حلب
اشقتمر وفي نيابة حماة منكلي بغا البلدي، وكان كل هؤلاء مع طشتمر لما
عزم على التوجه لمصر لنزع أينبك، وفي الخامس من المحرم استقر قرطاي
أتابك العساكر عوضاً عن طشتمر اللفاف لما مات، واستقر مبارك شاه الطازي
رأس ولي جار الله قضاء الحنفية وانفصل صدر الدين بن منصور من دمشق، وفي
العشرين من صفر أحضر أولاد الناصر من الكرك، وكان الأشرف سيرهم إليها
لما حج وهم أولاد حسن وأولاد حسين وأولاد حاجي فنزلوا الدور بالقلعة
على عادتهم.
وفيها أمر بنفي بيدمر من صفد إلى طرابلس ثم شفع فيه فأقام بالقدس
بطالاً.
وفيها قرر بيدمر الخوارزمي في نيابة الشام بعد موت آقتمر.
(1/153)
وفي تاسع عشر شهر ربيع الآخر حضر أينبك
وحده إلى بلاط الصغير فتوجه معه إلى يلبغا الناصري فأرسله إلى سجن
الإسكندرية، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:
من بعد عز قد ذل أينبكا ... وانحط بعد السمو من فتكا.
وراح يبكي الدماء منفردا ... والناس لا يعرفون أين بكا.
وفي ليلة الرابع من رجب سكر قطلقتمر أخو أينبك وهو في السجن، وقام
ليبول فسقط من طاق في المكان فمات سكراناً، ودفن في صبيحة ذلك اليوم من
غير غسل ولا صلاة وكان هو رأس هذه الفتنة كلها لأنه أكبر الأسباب في
القيام على الأشرف، وأراد بلاط الصيد فغدا إلى الجيزة فأرسل إليه برقوق
يخيره في أي نيابة أراد من البلاد فامتنع وأراد إثارة الفتنة فوجد
المعادي قد عوقت عليه فتوجه إلى الكرك بطالاً.
وفي ذي الحجة وقعت الوحشة بين الأميرين برقوق وبركة وبين أتابك العساكر
طشتمر، وكان يحب السلامة ويكره القتال، وكان يسلم للأميرين جميع ما
يختارانه من ولاية وعزل وأمر ونهى وغير ذلك، فطمعا فيه وصارا يقترحان
عليه إبعاد واحد بعد واحد من أمرائه وخواصه فيفعل ما يقترحانه عليه إلى
أن كان آخر ذلك أن أمراه بنفي كمشبغا رأس نوبته، فأراد تسليمه لهما
فامتنع ودخ عليه مماليكه ليلة عرفة ملبسين وقالوا له: إن لم تركب معنا
قتلناك، فوعدهم وصرفهم ودخل إلى بيت الحريم ثم أقفل الباب، فركب من كان
لبس من مماليكه إلى الرميلة وبلغ ذلك الأميرين فركبا ودقت الكوسات
وتكاثر مماليك طشتمر على أولئك فكسروا طلب بركة وعدة من أطلاب الأكراء
وظهرت من تقطاي الطواشي خادم طشتمر شجاعة عظيمة وحمل في مائتي نفس
فكسرهم وهو يقول: أين أصحاب الخصى؟
(1/154)
فاتفق أن جاءت في كمشبغا رأس نوبة طشتمر
نشابة فنحرته فحمل إلى طشتمر وهو في السياق فقال له: انظر كيف قاتلت
عنك حتى قتلت؟ فقال: قتلت نفسك ورحت إلى النار وخربت بيتي، وفتحت باب
فتنة كان قد أغلق، فمات كمشبغا من ساعته وانكسر أصحاب طشتمر بعده لأنه
ما كان ركب أصلاً فلما رأى ذلك جعل في رقبته منديلاً وركب من إصطبله
إلى برقوق وهو إذ ذاك زوج ابنته بغير سلاح وسلم نفسه له وقال: أنا أحب
أن أكون فدى المسلمين فاصنع بي ما شئت، وقبض عليه وعلى أطلمش الدويدار
وجماعة من حواشيه، وسيره إلى الإسكندرية ونفى تقطاي وجماعة معه إلى قوص
واستقر برقوق في ثالث عشر ذي الحجة أتابك العساكر ولم يتحول من
الإصطبل، واستقر أخوه قرادمرداش أمير آخور، وسكن في جانب الإصطبل، ثم
قبض برقوق في نصف ذي الحجة على يلبغا الناصري، وسيره إلى الإسكندرية،
وقرر أينال اليوسفي رأس نوبة مكان يلبغا الناصري.
وفي هذه السنة تزايد الرخاء بمصر حتى بيع بدرهم واحد أربعة وعشرون
رغيفاً بارداً والقنطار الجبن الجاموسي بثلاثين درهماً، وبيع بدرهم
أربعون حبة من البيض وأمثال ذلك، وفي ذلك يقول شيخنا بدر الدين بن
الصاحب:
إن برقوق لغصن ... كعبة في الناس أخضر.
وفي العشرين من جمادى الأولى استقر الشيخ برهان الدين الأبناسي في
مشيخة سعيد السعداء بعد وفاة علاء الدين السراي بعناية شمس الدين
المقسي ناظر الخاص، وفي ثالث عشرين جمادى الأولى أعيد القاضي علم الدين
البساطي إلى قضاء المالكية فصرف
(1/155)
بدر الدين الأخنائي وكان البساطي عزل في
صفر، وأعيد البدر ثم صرف البدر في رجب، وأعيد العلم، وفي رجب صرف التاج
النشو من الوزارة واستقر كريم الدين بن الرويهب.
وفي صفر قبض على يلبغا النظامي. وفيه استقر سودون الشيخوني حاجباً،
وكذلك بلوط الصرغتمشي. وفيه نفي منكلي بغا الأحمدي البلدي وكان نائب
طرابلس إلى الكرك ثم نقل إلى دمشق أميراً بها.
وفيها أفرج عن يلبغا الناصري وكان نفي إلى الشام فاستقر أمير طبلخانات،
وفي شعبان عزل القاضي برهان الدين بن جماعة نفسه عن القضاء لوقوع هذه
الفتن، وكان قد انقطع عن حضور الموكب فعين الأمير طشتمر الشيخ سراج
الدين البلقيني مكانه فنزل الشيخ سراج الدين لولده بدر الدين عن ق (ضاء
العسكر ونزل ولده بدر الدين لأخيه جلال الدين عن توقيع الدست ولم يتم
لطشتمر ما أراد من تولية البلقيني بسعي بدر الدين بن أبي البقاء عند
الأميرين بكة وبرقوق فقرراه في الولاية في ثامن عشر شعبان واسترضيا
الشيخ سراج الدين بتدريس الشافعي والشيخ ضياء الدين بتدريس الفقه
والحديث بالمنصورية عوضاً عن بدر الدين، وتوجه ابن جماعة إلى القدس على
الخطابة والتدريس كعادته، وكان طشتمر يميل إلى الشيخ سراج الدين
البلقيني فاتفق معه أن يعزل ابن جماعة ويقرره في القضاء فنزل
(1/156)
البلقيني عن قضاء العسكر لولده بدر الدين
وباتوا ليلة من الليالي يقرروا نواب البلاد والنواب بالقاهرة حتى قيل
إن بدر الدين طرق على أبيه الباب نصف الليل فقال له: غلطنا في تولية
فلان فإنه جرى منه كذا واتفقنا على تقرير غيره فيما عيناه له فأصبح بدر
الدين بن أبي البقاء قاضياً فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري
وأجازنيه لما حضر طشتمر واستقر أتابك العساكر في جمادى الآخرة شرع
الشيخ سراج الدين البلقيني في الحط على ابن جماعة واستعان على ذلك
بالضياء القرمي فذكرا فيه معائب وأنه يستحق العزل، واستكتبا في ذلك عدة
من الفقهاء في محضر وتقرر أن ابن البلقيني يستقر قاضي الشافعية فعورض
طشتمر في ذلك، واستقر بدر الدين بن أبي البقاء كما ذكرنا.
وفيها استقر علم الدين القفصي في قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن البرهان
الصنهاجي وكمال الدين المعري في الحكم بحلب عوضاً عن جلال الدين بن نجم
الدين الزرعي.
وفيها استقر في الوزارة كريم الدين بن الرويهب عوضاً عن التاج الملكي،
ثم عزل في شوال واستقر في الوزارة صلاح الدين بن عرام الذي كان نائب
الإسكندرية، واستقر بالملكي ناظر الدولة.
وفيها استقر في نيابة حلب منكلي بغا البلدي عوضاً عن اشقتمر ثم أقبل
كمشبغا واستقر بمرتبته.
وفيها قتل بدر الدين المنشي الذي كان الصالح صاحب حصن كيفا فوض إليه
أمر المملكة وكان قتله وهو يصلي التراويح في شهر رمضان ليلة إحدى
وعشرين، وكان قد ضعف عن تدبير المملكة وأشرفت البلاد على الخراب فاتفق
الجند على قتله فقتلوه بغتة ثم أعلموا
(1/157)
الصالح بذلك، فاستقر الرأي على تفويض
المملكة للملك العادل عز الدين سليمان، وكان قد حج في تلك السنة فتأخر
الأمر إلى حضوره في السنة التي تليها.
وفيها استقر الشيخ زاده بن أبي أويس في سلطنة بغداد واستمر أخوه حسين
مقيماً بتبريز.
وفيها ولي قضاء المالكية بحماة رجل يقال له: شمس الدين الأدمي، كان
نقيب الحكم عند القفصى فثار يه المالكية بدمشق وعقدوا له مجلساً عند
النائب وحرروا أنه جاهل وأنه شاهد زور وأنه كاتب مكس، فكاتب النائب فيه
فتوجه إلى مصر ثم رجع بتوقيع بالاستمرار على ولايته فباشر في السنة
المقبلة وفي شوال سمر تكا السلحدار بأمر برقوق لأنه كان أخبر طشتمر
بأنه يريد أن يقبض عليه وأنكر تكا ذلك وحلف ثم أمر بإطلاقه، وفيه أمر
شركس الخليلي وتكلم في أمور المملكة، وفيه استقر عبد الله بن الحاجب
والي القاهرة، وصرف تقي الدين بن محب الدين عن نظر الجيش وأضيفت إلى
التاج الملكي.
وفيها نازل أبو العباس بن أبي سالم المريني صاحب فاس أبا بكر بن غازي
بن يحيى بن الكاس الوزير، وكان غلب على عيتابة واستقل بإمارتها فحاصره
أبو العباس إلى أن قبض عليه فقتله طعناً بالخناجر حتى مات،
(1/158)
وكان أبو بكر المذكور استوزره عبد العزيز
بن أبي الحسن المريني في سنة ثمان وستين فقام بأموره أتم قيام حتى مات
سلطانه فقرر في السلطنة ولده محمداً وهو صبي وحجر عليه واستبد بالأمور،
فثار عليهم أبو العباس هذا في سنة خمس وسبعين ولم تزل الحري دائرة
بينهم إلى أن غلب أبو العباس على فاس في سنة ست وسبعين بعد أن أمر أبا
بكر ثم قبض عليه فأخرجه إلى عيتابة فأقام بها مسجوناً فاغتنم الفرصة
ووثب على أميرها واستقل بإمارتها إلى أن نازله أبو العباس فخرج عليه
بالعساكر في هذه السنة.
ذكر من مات
في سنة تسع وسبعين وسبعمائة من الأعيان
أحمد بن إبراهيم بن وهيبة الصلتي قاضي حمص وبعلبك، ولد سنة ثمان وعشرين
واشتغل ومهر، مات في جمادى الآخرة وله إحدى وخمسون سنة رحمه الله.
أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري الشهير بالبلبيسي
الملقب سمكة كان عارفاً بالفقه والعربية والقراءات، وكان الأسنوي يعظمه
وهو من أكابر من أخذ عنه، واشتغل وبرع وأذخ عن علماء عصره، وسمع من
الميدومي وغيره، ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث، وقرأ بالروايات،
وكان خيراً متواضعاً. مات في المحرم.
أحمد بن قوصون التركي أحد الأمراء، وكان ساكناَ خيراً ديناً، مات في ذي
الحجة.
أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني أبو جعفر الغرناطي الأندلسي ارتحل إلى
الحج فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى فتصاحبا وترافقا إلى أن صارا
يعرفان بالأعميين، وسمعا في الرحلة من أبي حيان وأحمد بن علي الجزري
والحافظ المزي وغيرهم، وكان أبو جعفر شاعراً ماهراً عارفاً بفنون
الأدب، وكان رفيقه عالماً بالعربية مقتدراً على النظم، واستوطنا البيرة
من عمل حلب، وانتفع بهما أهل تلك البلاد، ونظم أبو عبد الله البديعية
فشرحها
(1/159)
أبو جعفر، وصنف أبو جعفر أيضاً في العروض
والنحو وكان أبو جعفر كثير العبادة، مات عن سبعين سنة.
أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد أحد المشهورين بالصلاح والكرامات من
أهل اليمن، كان محافظاً على التقوى معظماً في النفوس، ويقال إنه اجتمع
هو ورجل من الزيدية فتوافقا على دخول الخلوة وإقامة أربعين يوماً بغير
أكل ولا شرب، فضج الزيدي من رابع يوم فأخرج وثبت ابن الصياد إلى آخر
الأربعين فتاب الزيدي على يده هو وجميع من معه، مات في شوال وله أربعون
سنة.
إسماعيل بن سلطان الكردي، أحد من كان يعتقد بدمشق. وكان يأكل من كسب
يده وله نظم، مات في شوال.
آقتمر الحنبلي الصالحي كان من مماليك الصالح إسماعيل، وولي رأس نوبة في
دولة المنصور بن المظفر ثم خازن دار في دولة الأشرف ثم تقدم في سنة
سبعين ثم نفاه الجاي إلى الشام ثم أعيد بطالاً ثم استقر رأس نوبة ثم
نائب السلطنة بعد منجك، ثم عزل منها في أواخر دولة الأشرف لإنكاره على
بعض خواصه ثم أعيد بعد الأشرف ثم نفاه أينبك إلى الشام ثم قرره في
نيابة الشام بعد مجيء طشتمر إلى مصر إلى أن توفي في هذه السنة في شهر
رجب، وكان يعرف أولاً بالصاحبي، وكان يرجع إلى دين وخير وعنده وسواس
كثير في الطهارة وغيرها، فلقب لذلك الحنبلي، وكان يحب الأمر بالمعروف
وإزالة المنكر، واتفق في آخر عمره أن بعض مماليكه قبضوا على
(1/160)
امرأة أنكروا أمرها فاستغاثت وظن بعض
العامة أنهم أرادوا بها الفساد فرجموهم فأدموا وجه أحدهم فشكوا إلى
النائب فأمسك من وجد في ذلك المكان وأمر بقطع أيديهم فشفعوا فيهم فأمر
بضربهم بالمقارع فضربوا، وغالبهم برئ فابتهلوا بالدعاء عليه فلم يقم
إلا دون الشهر ومات، وكانت إمرته على دمشق عاماً واحداً وشهراً، ومات
في جمادى الأولى.
أبو بكر بن بهادر بن سنقر الشاعر أسد الدين، كان كثير الهجاء وبلغ
ديوانه مجلدات وكان شيعياً وكان يلقب أسد الدين وسيف الدين وكان له
أقطاع وكان قد سمع من ابن مشرف ويقال كان صحيح العقيدة إلا أنه يحب أهل
البيت وسلك في شعره طريق الإغراب وكان يوسوس عند النية ليقرنها
بالتكبير في أول الصلاة فربما كرر التكبير حتى يفرغ الإمام من الرباعية
وكان يدعى أنه يجتمع بالجن ويقال إنه اجتمع بابن تيمية فقال له: بلغني
أنك تفضل بلالاً على علي، فقال ابن تيمية: أنا ما فضلته ولكن الله
فضله، قال: في أين؟ قال: في قوله تعالى: " لا يستوي منكم من أنفق من
قبل الفتح وقاتل ". فقال له: في الاستدلال بهذه الآية على المدعي نظر،
قال: اجلس أقرره لك، فأبى وقال:: بلغني أنك ما ناظرت أحداً فقطعك، ومات
في جمادى الأولى.
أبو بكر بن دانيال عماد الدين، مات في ربيع الأول.
أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني زين الدين المالكي قاضي دمشق بعد
موت المسلاتي ثم قاضي حلب ثم عزل واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات،
(1/161)
وكان سمع من ابن مشرف مشاركاً في العلوم
إلا أنه كان بذيء اللسان مع حسن صورته، مات فجاءة في شوال بدمشق وبلغ
الستين.
أبو بكر بن يحيى بن غازي بن يحيى بن الكاس وزير صاحب فاس، تقدم ذكره في
آخر الحوادث.
أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي ثم الدمشقي يعرف بابن
أبي القاضي، سمع من عمه العماد على ابن أحمد الطرسوسي القاضي الحنفي
وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما، مات في شوال.
الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف
بابن الهبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع من الفخر بن
البخاري الجزء الثاني من الحربيات ومن التقى الواسطي الجزء الثاني من
مسند أبي بكر لابن صاعد وأجاز له، وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه
ومن فاطمة بنت سليمان والدشتي وعثمان الحمصي وعيسى المغازي وغيرهم، حدث
بالكثير ورحل الناس إليه، مات في صفر.
حسن بن عبد الله الكناني رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، كان إليه
المنتهى في حسن الصوت وطول النفس، مات في عاشوراء بدمشق.
حسن بن علي بن موسى الحمصي بدر الدين، سمع من أبي بكر بن قوام والعلم
سليمان المنشد والبرزالي وغيرهم، ودرس بالخاتونية وناب في الحكم، وكان
حسن الشيبة والخط، مات في تاسع ذي القعدة.
الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن شويخ بن عمر الدمشقي
الأصل الحلبي أبو محمد بدر الدين، ولد بحلب سنة عشر وأحضر في الشهر
العاشر
(1/162)
من عمره على إبراهيم وعبد الرحمن وإسماعيل
بني صالح العجمي عشرة الحداد بسماعهم على يوسف بن خليل وأحضر على بيبرس
العديمي وغيره، ورحل فسمع بالقاهرة جزء ابن عرفة على محمد ابن إبراهيم
بن معضاد أنا النجيب وسمع بها من محمد بن غالي وعبد المحسن بن الصابوني
ويحيى بن المصري وغيرهم، واشتغل وبرع إلى أن صار رأساً في الأدب
والشروط، ثم انتقى وخرج وأرخ وتعانى في تواليفه السجع وكتب الشروط على
القضاة وناب في الحكم ووقع في الإنشاء وصنف فيها ونسخ البخاري بخطه،
واشتهر بالأدب فنظم ونثر وجمع مجاميع مفيدة ثم لزم منزله بأخرة مقبلاً
على التصنيف والإفادة فمنها: درة الأسلاك في دولة الأتراك، وتذكرة
النبيه في أيام المنصور وبنيه وكل منها منثور، وكان دمث الأخلاق حسن
المحاضرة حميد المذاكرة وهو القائل:
وبي من بنات العرب هيفاء قدما ... متى لاح حنى الغصن في الورق الخضر.
إذا مال في الطرف بالكنانة ... يقول منادي خدها يا بني النضر.
مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر شهر ربيع الآخر بحلب عن تسع وستين سنة وهو
والد الشيخ زين الدين طاهر وقد ذيل على تاريخ أبيه.
خديجة بنت أحمد بن الطنبا المعروف أبوها بابن الحلبة سمعت من العماد
البالسي وابن مشرف وهدية بنت عساكر وغيرهم، وحدثت وهي والدة شيخنا عمر
البالسي، ماتت بحلب في رجب.
داود الكردي أحد من كان يعتقد بدمشق وكان لا يخالط أحداً ولا يقطع
التلاوة يتلو القرآن كلمة كلمة ويتدبرها ويقوم الليل ولا يخرج من جامع
تنكز بدمشق إلا نادراً، مات في شوال.
دنيا بنت الأقباعي المغنية الدمشقية، اشتهرت بالتقدم في صناعتها
فاستدعاها
(1/163)
الملك الناصر حسن على البريد فأكرمها ثم
وفدت على الملك الأشرف فحظيت عنده وهي كانت من أعظم الأسباب في إسقاط
مكس المغاني، سألت السلطان في ذلك فأجاب إليه ثم أراد ابن آقبغا آص
إعادتها فتكلم الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ ضياء الدين مع الأشرف
وهو ضعيف فأنكر على ابن آقبغا آص ذلك واستمر إبطاله.
راشد بن عبد الله بن صالح التفتي قرية بعجلون، سكن دمشق، وكان كثير
التلاوة جداً يجهرها، ويذكر أنه من ذرية معاذ ويغلط في ذلك فإن معاذاً
لم يعقب، وكان يقرئ القآن، قرأ عليه خلق كثير ولم يكن لسانه يفتر، مات
في ربيع الآخر.
زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس
الموصلية، سمعت من عيسى المطعم وابن النشو وغيرهم، وحدثت بالكثير، ماتت
في شعبان.
صالح بن أحمد بن عمر بن يوسف بن أبي السفاح الحلبي صلاح الدين أبو
النسك كان يتعانى الكتابة فباشر وكالة بيت المال ونظر الأوقاف بحلب
وكان رئيساً عالي الهمة حسن العشرة مشكور السيرة.
ومن إنشاده وما أدري هل هوله أو لغيره:
لا نلت من الوصال ما أملت ... إن كان متى ما حلت عن يحلت.
أحببتكم طفلاً وها قد شبت ... أبغي بدلاً ضاق على الوقت.
وكان قد تضعف في هذه السنة فخرج إلى الحج فمات ببصرى في شوال وله سبع
وستون سنة، أرخه طاهر بن حبيب.
(1/164)
طشتمر اللفاف التركي تأمر في أخر دولة
الأشراف ثم كان ممن قام مع قرطائ في تلك الفتنة واستقر أتابك العساكر
ثم سكن في بيت أرغون شاه واحتاط على جميع موجوده، فلما ضعف في أول هذه
السنة وثقل في المرض أوصى أن جميع موجوده ملك ورثة أرغون شاه، مات في
ثالث المحرم مطعوناً.
طلحة بن محمد بن عثمان الشرمساحي تقي الدين موقع الحكم، تقدم في صناعته
وبرع في فنه وولي ضهادة الخزانة وصاهر أبا البقاء وعظمت منزلته وقد حدث
عن بعض أصحاب النجيب، مات في عاشر المحرم، وهو عم صاحبنا عز الدين ابن
أبي طلحة.
عبد الله بن العلامة فخر الدين محمد بن علي بن إبراهيم المصري ثم
الدمشقي جمال الدين بن الفخر المصري الفقيه الشافعي أبوه، ولد بعد سنة
ثلاثين وأسمع على زينب بنت الكمال وجماعة فطلب بنفسه وكتب، مات في
شعبان، وكان رئيساً محتشماً كريم النفس، خلف له أبوه مالاً كثيراً
فأذهبه في النفقات وعني بالفقه على كبر وكان عند موت أبيه مشتغلاً
بالتجارة فاستقر جمال الدين ابن قاضي الزبداني في تدريس الدولعية
فباشرها نيابة عنه وشغله في المنهاج وغيره إلى أن تأهل ودرس وقد طلب
الحديث بنفسه وقرأ وكتب واسمع أولاده.
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي أخو العلامة الحافظ شمس
الدين، سمع مع أخيه من التقي سليمان كتاب العلم للمروزي ومن المجدي
الفرج لابن أبي الدنيا ومن الحجار الأمالي لابن عفان ومن أبي نصر بن
الشيرازي وابن سعد، مات في جمادى الآخرة وكان أحد شهود مجلس الحكم
الحنبلي ويكتب خطاً حسناً.
عبد السلام بن محمد بن محمود بن روزبه بن إبراهيم الكازروني ثم المدني،
أحد الفضلاء بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم مات في ربيع
الأول.
(1/165)
علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن
محمد بن تميم البعلبكي المقريزي علاء الدين ولد بدمشق وسمع بها واشتغل
حنبلياً ثم قدم القاهرة بدر الدين بن الصائغ ونزوج ابنته أسماء سنة خمس
وستين وكتب التوقيع والشهادة بالديوان عند آقتمر عبد الغني المعروف
بالحنبلي النائب بديار مصر، وكان عاقلاً سنياً متديناً وهو والد
العلامة تقي الدين، ومات في خامس عشرين رمضان.
علي بن الجمال محمد بن أبي بكر العبدري الشيبي، إمام مقام الحنفية
بمكة. عني بالعلم في أواخر ذي القعدة بخليص وحمل إلى مكة ودفن بها.
أبو العباس الطرابلسي، كان فاضلاً ببلاده، مات في رمضان.
فاطمة بنت أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري أم الحسن بنت أبي
العباس بن الرضي الإمام، سمعت من جدها الرضي وحدثت، وماتت في هذه
السنة.
قرطاي بن عبد الله التركي أكبر القائمين على الأشرف وكان من مماليك طاز
ثم كان ممن خدم عند يلبغا، فلما قتل يلبغا وأبعد من كان من جهته إلى أن
ولي طشتمر الدويدار، فأعاد جماعة منهم هذا فاستقر رأس نوبة عند ولد
السلطان وقدمه الأشرف، ثم كفر نعمته وأزال دولته وقتله وفرق الخزائن
فمزقها في أسرع وقت ثم لم يتمتع بذلك بل مات بطرابلس قتيلاً وكان قد
اتفق مع جماعة على الخروج على نائب الشام فعلم بذلك فأرسل من خنقه في
رمضان.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الشامي جمال الدين أبو الفضل نزيل المدينة،
تفقه بالعماد الحسباني وأخذ عن أبي العباس العنابي وتقي الدين بن رافع،
وسمع من ابن أميلة
(1/166)
وغيره، وتخرج بالعفيف المطري وسمع بمصر
وغيرها. وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة فيقال إنه دس
عليهما سم بسبب من الأسباب فقتلهما فمات الشامي في صفر ثم الكازروني
بعده بأيام وقد حدث باليسير ولم يكمل الأربعين.
محمد بن سليمان بن العماد السيرجي، تنقل في الولايات بدمشق ما بين
توقيع الدست مكان أبيه والحسبة وغيرها، وكان قد حج في هذه السنة فمات
في ذي الحجة قبل أن يصل إلى مكة.
محمد بن علم الدين صالح الأسنوي بدر الدين ناظر الأوقاف، جاور مكة فمات
بعد رجوع الحلج في ذي الحجة.
محمد بن عبد الله الطرابلسي الحلبي الشافعي الفروع الحنبلي الأصول،
صاحب بن القيم، حمل عنه الكثير، وكان فاضلاً مشهوراً وذهن جيد، وله نظم
حسن، وكان قصيراً جداً، ولم يكن يعاشر الفقهاء، ودرس بالظاهرية. مات في
رمضان.
محمد بن عبد الله المنوفي الفقيه المالكي، كان أبوه أحد المعتقدين،
وكان من الفضلاء، مات في رمضان.
محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي مجد الدين أبو سالم، جال
في بلاد العجم ولقي العلماء بها واشتغل بالمعاني وغيرها وقال الشعر،
وكان يذكر أنه سمع المشارق من محمد بن محمد بن الحسن بن أبي العلاء
الفيروزابادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري المعروف
بالحنفية عنه وحدث بشيء من ذلك بحلب ومن نظمه:
أبا سالم اعمل لنفسك صالحاً ... فما كل من لاقى الحمام بسالم.
مات في ربيع الأول.
(1/167)
محمد بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن
الجزري الأصل الياسوفي ثم الدمشقي، سمع من أحمد بن الجزري، وصار نقيباً
بالدرس وحدث، قال الشهاب ابن حجى، كان لا بأس به، مات في ربيع الأول
وله نحو خمسين سنة.
محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي مجد الدين الإسكندراني الأصل، موقع
الحكم، سمع من الواني والمزي وغيرهما، وتفقه بالمجد الزنكلوني وأخذ عن
ابن هشام وعني بالحساب فكان رأساً فيه وفي الشروط، وانتهت إليه معرفة
السجلات، وكان يوقع عن المالكية وينوب عن الحنفية، عاش ستين سنة.
محمد بن محمد بن أحمد بن المغربل البصروي نزيل دمشق سمع من الشيخ شرف
الدين الفزاري غالب سنن النسائي ومن علاء الدين الوداعي وغيرهما،
واعتنى بالفقه والعربية، مات في جمادى الآخرة وقد أسن فإنه أدرك الشيخ
برهان الدين الفزاري، وأخذ عن ابن مسلم الحنبلي، وقد حدث قديماً حتى أن
الشيخ شهاب الدين بن الشيخ زين الدين القرشي ولي مشيخة الكندية، وحضر
عنده أبو البقاء وغيره فحدث في الدرس عن هذا المغربل وهو حاضر وهو لا
يشعر: قال ابن حجى: ولم يتفق لي السماع من المغربل إلا بهذه الطريق.
محمد بن محمد بن علي بن الشمس أحمد بن خلكان الأربلي الأصل ثم الدمشقي
بدر الدين، سمع من الحجار وغيره، وحدث عن الحيلي بالمنتقي من البيهقي،
ومات في ربيع الآخر عن اثنتين وستين سنة كان مولده سنة سبع عشرة
وسبعمائة.
محمد بن محمد بن مشرف بن منصور بن محمود شرف الدين الزرعي قاضي عجلون
كان من الفضلاء حسن السيرة مات بدمشق في ربيع الأول.
(1/168)
محمد بن محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان
البعلي شمس الدين بن بدر الدين السلاوي يعرف بابن الشقراء ولد بعد سنة
سبعمائة، وسمع في سنة سبع سبعمائة من شمس الدين ابن أبي الفتح وبعد ذلك
من القطب اليونيني ومن جماعة، وحدث، أخذ عنه الياسوفي وابن حجى
وغيرهما، وكان رجلاً خيراً مات في جمادى الأولى.
محمد بن مكيال اليمني بدر الدين أمير حرض والمهجم وغيرهما من بلاد
اليمن زمن المجاهد، ثم خرج عليه وادعى أنه حسني وخطب له بالسلطنة على
المنابر ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فر فلجأ
إلى الإمام الزيدي بصعدة فأقام عنده حتى مات في هذه السنة.
محمود بن أحمد الحلبي الجندي الخلعي إمام فارس اشتغل كثيراً بحلب ومهر
وحفظ كتباً وبحث وقرأ ثم قدم دمشق فمت بها وهو شاب وله دون الأربعين.
ميمون أبو وكيل التونسي المالكي أحد الفضلاء بالقاهرة.
(1/169)
سنة ثمانين وسبعمائة
في أولها مات أينبك في السجن بالإسكندرية، ووهم من أرخه في الماضية،
وكان الوصول بخبر موته في يوم عاشوراء وصودرت زوجته على مال عظيم جداً
وأهينت إلى الغاية.
وفيها في المحرم استقر كريم الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضاً عن
التاج الملكي، ثم استقر في سادس صفر عوضاً عن ابن عرام في الوزارة نقلا
من نظر الدولة، واستقر أخوه فخر الدين في نظر الدولة.
وفيها أعيد تقي الدين بن محب الدين إلى نظر الجيش في تاسع عشر صفر وعزل
التاج الملكي وصودر. وفي ثامن المحرم قبض على ابن آقبغا آص وصودر على
مائة ألف ثم اعتقل بالكرك.
وفيها كان الحريق العظيم بدار التفاح ظاهر باب زويلة فعمل في الفاكهيين
والنقليين والبراذعيين ولولا أن السور منع النار النفوذ لاحترق أكثر
المدينة فاهتم بأمره بركة وركب بنفسه وركب معه دمرداش الأحمدي وأيتمش
وغيرهما إلى أن خمد بعد ثلاثة أيام وأقام الناس في شيل التراب ثلاثة
أشهر، وعمل فيه زين الدين طاهر بن حبيب الموقع قطعة منها:
بباب زويلة وافي حريق ... أزال معاني الحسن المصون.
وما برح الخلائق في ابتهال ... لمحى الأرض من بعد المنون.
(1/170)
إلى أن قال في لطف خفي ... وفضل عناية يا
نار كوني.
وعمل شهاب الدين بن العطار:
حانوت غازي ونائب الحنفي ... قد أشعلا النار في الدجى الساري.
ولا عجيب من احتراقهما ... فقد أتى قاضيان في النار.
وفيها أفرج عن يلبغا الناصري، واستقر في تقدمة ألف بدمشق، ثم نقل إلى
نيابة طرابلس.
وفي عاشر صفر استقر تاج الدين الرملي وزيراً بالشام، وقد عاش هذا إلى
أن ولي نظر الدولة فدام فيها إلى أن امت بعد أربعين سنة من هذا الوقت.
وفيها قبض على تمرباي رأس نوبة تحيل عليه بركة حتى أمسكه ونفاه إلى
الإسكندرية واستقر بركة في وظيفته وباشر نظر المارستان واستناب جمال
الدين العجمي عوضاً عن بدر الدين الأفقهسي واستقر دمرداش في وظيفة بركة
وهي أمير مجلس، واستقر الطنبغا الجوباني على تقدمة تمرباي وتتبع برقوق
مماليك الجاي وحواشيه فنفاهم إلى قوص وإلى الشام وإلى الإسكندرية وغير
ذلك وقد قيل كان عدد من نفاه منهم ثماني مائة نفس وأهينوا إلى الغاية
فكانوا
(1/171)
يجعلون يد هذا ويد هذا في خشبة ويحسبهما في
خزانة شمائل، ووسط منهم جماعة وسمر آخرين، ثم قبض على جماعة من مماليك
الأمراء أرادوا إثارة فتنة ثم قبض على جماعة من الأشرفية فحبسوا.
وفي سادس ربيع الأول صودر سيف الدين المقدم على مائة ألف دينار فأورد
منها قدر النصف ثم شفع فيه واستمر وقبض على محمد بن يوسف المقدم فضرب
بحضرته حتى مات.
وفيها أضيفت حسبة مصر لجمال الدين العجمي عوضاً عن الشريف عاصم، فقرر
فيها رفيقه سراج الدين عمر الفيومي.
وفيها ولي الشريف مرتضى نظر الأشراف، فطلب من الشريف شرف الدين علي بن
فخر الدين نقيب الأشراف كتاب وقف الأشراف فامتنع من إرساله فأهانه
الأمير برقوق جداً وعزله عن النقابة، وقرر فيها الشريف عاصماً.
وفي سابع عشر شهر ربيع الآخر كائنة الشيخ سراج الدين بن الملقن وكان
ينوب في الحكم، فتكلم برقوق في من يوليه قضاء الشافعية عوضاً عن بدر
الدين بن أبي البقاء لسوء سيرته، وكان الشيخ سراج الدين يتردد إلى
برقوق فذكره للولاية ومن عزمه أن لا يغرمه شيئاً فذكر ذلك لبعض أصحابه
فبلغ الخبر بدر الدين بن أبي البقاء فسعى ببذل
(1/172)
مال جزيل فلم يلتفت برقوق لذلك وصمم على
ولاية ابن الملقن فبلغه ذلك فأشار عليه بعض أصحابه أن يرضى بركة لئلا
يفسد عليه الأمر بسعي ابن أبي البقاء، فكتب له ورقة بأربعة آلاف دينار
لبركة فلما شاور برقوق الأمراء في تولية ابن الملقن وأثنى عليه بالدين
والفضل فقال له بركة: يا آغا! اصبر علي حتى أقبض منه الذي وعدني به،
فتغيظ من ذلك وأخذ الورقة وأمر بإحضار ابن الملقن وجميع العلماء، فتكلم
كل أحد بما يهوى، فأخرج برقوق الورقة وقال للشيخ سراج الدين: هذا خطك؟
فقال: لا، وصدق في ذلك فإن الورقة لم تكن بخطه وإنما كتبها الذي أشار
عليه على لسانه، فازداد غيظه عليه وأهانه وسلمه للمقدم محمد بن يوسف
وأمره أن يخلص منه المال الذي وعده به في الورقة، فاتفق أن المقدم
المذكور كان وقع في واقع فرفع أمره إلى ابن الملقن فحكم بحقن دمه فرعى
له ذلك، فلما كان يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر اجتمع البلقيني
والركراكي وطائفة من العلماء وسألوا الأمير في الشيخ سراج الدين فوعدهم
بأن يطلقه فصمم البلقيني وقال: لا أتوجه إلا به، فسلمه له فنزل به وكان
ابن الملقن قد دخل في رأسه دخان المنصب فولي وعزل وعين جماعة لوظائف،
فلم يتم له شيء من ذلك، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كان السبب
في سعي ابن الملقن أن برقوق كان طلب من يقرأ عنده عليه البخاري في
رمضان سنة تسع وسبعين، فذكروه له فاجتمع به وصارت بينهما صداقة، فلما
استقر بدر الدين بن أبي البقاء استنابه في الصالحية وأعطاه الشرقية
لقربه من برقوق فتاقت نفسه إلى المنصب، فذكر القصة وذكر أنه أهين في
ذلك المجلس وأنه لما سئل أجاب بأنه سعى لتعيين ذلك عليه فأمر برقوق
القاضي بدر الدين بعزله وسلمه لشاد الدواوين فبقي عنده إلى أن خلص في
أول جمادى الآخرة.
وفي ربيع الأول سعى الشيخ شمس الدين العليمي في مشيخة الخانقاه الأسدية
بدمشق
(1/173)
وكانت بيد الشيخ صدر الدين الياسوفي،
وأعانه على ذلك الشيخ حب الله فانتزعها من الصدر فاتفق أن العليمي قبض
عليه والي الشرطة في خامس عشر شهر ربيع الآخر في بيت نصراني وبين يديه
باطية خمر فحمله إلى الحاجب فأقام عليه الحد واتفق أن الذين وشوا به
كانوا من أتباع الياسوفي فانتصر له النائب فرسم عليهم وعلى الياسوفي
وقرر في مشيخة الأسدية الشيخ شمس الدين بن سند.
وفي ربيع الآخر قام جماعة على الشيخ شمس الدين الحنفي القونوي المقيم
بالمزة ورفعوا إلى السلطان أنه يقع في العلماء حتى في الصحابة، فرسم أن
يعقد له مجلس بدمشق فطلبه النائب وادعى عليه فلم يثبت عليه شيء فأطلق
وعظم قدره بعد ذلك.
وفيها استقر أمير غالب بن أمير كاتب همام الدين بن قوام الدين الإتقاني
في قضاء الحنفية بدمشق، وكان مذكوراً بالفسق والجهل.
وفيها نازل الفرنج طرابلس في عدة مراكب فالتقاهم يلبغا الناصري فهزمهم
فإنه أمر العسكر أن يتأخروا فطمع فيهم الفرنج وتبعوهم إلى أن بعدوا عن
البحر فرجع عليهم بالعسكر فهزمهم وقتل منهم جماعة وكان فتحاً مباركاً
لأنه استطرد لهم إلى أن صاروا في البر فضرب عليهم مريحاً فقبض على
أكثرهم وقتل منهم جمع كثير وفر من بقي إلى المراكب فاقلعوا بها هاربين.
وفيها نازل مبارك الطازي نائب البلستين خليل بن دلغادر التركماني ومن
معه فانكسروا فتبعهم فردوا عليه فكسروه وأمسكه خليل فضرب عنقه صبراً.
(1/174)
وفي جمادى الأولى قبض على الشمس المقسي
ناظر الخاص وصودر على مال جزيل ونقل ما في منزله فوجد من جملته ألف بدن
سنجاب، وأضيف نظر الخاص لابن مكانس مع الوزارة.
وفيه ظهر كوكب له ذؤابة وبقي يرى في أول الليل من ناحية الشمال وفي آخر
الليل من ناحية الجنوب.
وفيها تحدث بركة في نظر الأوقاف وتكلم معه فيها كمال الدين المحتسب
وانتزعوا جميع الأوقاف من الشافعي حتى جامع ابن طولون، وذلك في شهر
رجب.
وفيها في شعبان سعى شمس الدين ابن أخي جاز الله في مشيخة سعيد السعداء
وكانت بيد الشيخ برهان الدين الأبناسي فحج في السنة الماضية، واستناب
صديقه الشيخ زين الدين العراقي وجاور، فقام جماعة من أهلها فرافعوا
الشيخ برهان الدين وذكروا أنه يهمل أمرها، وقال قوم منهم: أعرض عنها،
فقرر بركة شمس الدين المذكور عوضاً عنه، وسعى جماعة ممن يتعصب للشيخ
برهان الدين في عقد مجلس وساعدهم الشيخ سراج الدين البلقيني فما أفاد،
واستقر ابن أخي الجار.
وفيها أطلق طشتمر من سجن الإسكندرية ونقل إلى دمياط، فأقام بها بطالاً
مطلقاً.
وفيها استقر كمشبغا اليلبغاوي في النيابة بدمشق وصرف بيدمر وسجن
بالإسكندرية.
وفيها أغار قرط أمير أسوان على أولاد الكنز فأمسك منهم أحد عشر نفساً
من أكابرهم وأحضرهم إلى القاهرة فقتلوا، وهو أول من تعرض لهم وكانوا
يسكنون خارجاً عنها وهم من ذرية بعض عبيد بني عبيد أصحاب القصر
بالقاهرة، وكاتب بذلك كبير الدولة فعلقت الرؤوس بباب زويلة، وأرسل
صحبتهم نحو المائتي نفس فاسترقوا وبيعوا فانفتح منهم على
(1/175)
أهل البلاد باب شر وآل الأمر إلى أن خربت
أسوان بأيديهم وجلا عنها أهلها زماننا هذا واستولى بقاياهم عليها.
وفيها استقر موسى بن قرمان كاشف الوجه القبلي وأمر تقدمة ألف وكوتب
بملك الأمراء، وهو أول من صنع له ذلك وذلك بعد قتل مراد الكاشف من
عربان البحيرة بدر بن سلام ومن معه.
وفيها استقر تمرباي الدمرداشي في نيابة حماة عوضاً عن كمشبغا.
وفيها أفرج عن قزدمر من المرقب وعن ابن أخيه يلك وأقاما بطرابلس ثم
نقلا إلى دمشق ثم عين قزدمر لنيابة حلب فلم يتم ذلك، ثم أعطى إقطاع
حطط، ثم استقر حطط في نيابة حماة لما انتقل تمرباي إلى نيابة حلب.
وفيها قبض على اشقتمر نائب حلب وسجن بالإسكندرية ثم أفرج عنه ونقل إلى
القدس بطالاً، واستقر في نيابة حلب منكلي بغا الأحمدي، ثم قبض عليه في
رجب وسجن بالقلعة، ونقل تمرباي من نيابة حماة إلى نيابة حلب.
وفيها قدم الشيخ أمين الدين الحلواني فأنزل في دار الضيافة، وحصل له من
الأمراء فتوح كثير فشرع في عمل السماعات وإنفاق ما يدخل عليه من الفتوح
في ذلك فانثال عليه الناس وكثر زائروه ومعتقدوه، وذكر أنه دخل إلى بلاد
برغال وأهلها كفار فدعاهم إلى الإسلام فأسلم غالبهم على يده.
(1/176)
وفيها توجه شخص من أهل الصلاح يقال له: عبد
الله الزيلعي إلى الجيزة، فبات بقرب أبو النمرس فسمع حس الناقوس فسأل
عنه فقيل له إن بها كنيسة يعمل فيها ذلك كل ليلة حتى ليلة الجمعة وفي
يومها والخطيب على المنبر، فسعى عند جمال الدين المختسب في هدمها فقام
في ذلك قياماً تاماً إلى أن هدمها وصيرها مسجداً، وفي جمادى الآخرة
تكلم تغرى برمش الحاجب الكبير في الوزير ابن مكانس وشدة عسفه وظلمه،
فقال له بركة: أصلح أنت نفسك! فغضب ورمى قباه ولزم بيته، ثم نقل إلى
حلب حاجباً فسار إليها.
وفي أواخر شوال قبض على فخر الدين بن مكانس وأخيه الوزير وأهينا وصودرا
ثم هربا، واستقر التاج الملكي في الوزارة والشمس المقسي في نظر الخاص،
وكان ابن مكانس في مباشرته أهوج شديد الجور وإحداث المظالم حتى أنه قبل
القبض عليه بقليل توجه بنفسه إلى بركة الحاج وأمر المقومين أن يحضروا
أوراق مكس الجمال التي معهم ومن لم يحضر ورقه ألزم بإعادة المكس، فحصل
بذلك للحجاج ضرر كبير، وهو أول من أحدث ذلك فعوجل وكان قبل ذلك بقليل
بلغه أن بقيسارية جركس كثيراً من القماش بغير ختم فأغلقها في ليالي
العيد ثمانية أيام ففاتهم الموسم وكثر دعاؤهم عليه.
وفيها أمسك ابن التركية أمير عربان البحيرة، فقبض عليه أيدمر والي
البحيرة وسجن وتوجه جمع كثير من الأمراء إلى الصعيد لتتبع العربان،
فهربوا فرجعوا بغير طائل، وكان الأمير مراد استقر في كشف الصعيد في
ثالث عشر صفر، وهو أول من ولي ذلك بتقدمة ألف، فوقع بينه وبين بدر بن
سلام أمير عرب البحيرة وقعة انجلت عن قتل مراد فنقل في مركب إلى
القاهرة في شعبان. واستقر موسى بن قرمان أمير الأمراء بالوجه القبلي،
وهو أول من عملها وقرر في خدمته حاجباً أمير أربعين وذلك في سادس
رمضان.
(1/177)
وفيها كانت بين تمرباي نائب حلب وبين
التركمان وقعة كبيرة فيها كسرة شنيعة، وارتفعت رؤوس التركمان من يومئذ
ومنعوا العداد من هذا التاريخ.
وفيها ولي ناصر الدين أحمد بن التنيسي قضاء الإسكندرية وصرف عز الدين
بن الريغي، وكان استقر بعد موت أبيه ثم صرف بعد قليل، وعاد ابن الريغي
ثم صرف، وعاد ابن التنيسي في ذي الحجة منها، وصارا يتنازعان ذلك مدة
إلى أن نقل ابن التنيسي إلى القضاء بالقاهرة كما سيأتي.
وفيها جهز الأشرف صاحب اليمن المحمل إلى مكة ومعه كسوة للكعبة، فحال
أمير الركب المصري بينهم وبين كسوة الكعبة وكادت تقع الفتنة ثم خمدت
بلطف الله تعالى بعناية صاحب مكة، وحصل له بسبب ذلك من اليمنيين ذكر.
وفيها حمل إلى المارستان رجل كان منقطعاً بين النهرين في عريش، فمرض
فبقي ملقى على الطريق أياماً فحمله بعضهم إلى المارستان، فنزل فيه ثم
مات فغسل وصلى عليه وحمل إلى المقبة، فلما أدخل القبر عطس فأخرج، ثم
عوفي وعاش، وصار يحدث الناس بما رأى وعاين، وكانت هذه كائنة غريبة
بدمشق في جمادى الآخرة.
وفي السادس عشر من ذي الحجة كان قد تكلم الأمراء في إبطال الأوقاف من
أراضي الديار المصرية بسبب أن الواقفين يشترون الارض بطريق الحيلة ثم
يوقفونها، فعقد لذلك مجلس حضره أهل العلم والأعيان، فقال برقوق: ما
أضعف عسكر المسلمين إلا هذه الأوقاف، والصواب استرجاعها، فأنكر الشيخ
أكمل الدين ذلك وتكلم معه ومع بركة التركي إلى أن نفر فيه بركة وأظهر
الغضب، فبدر الشيخ سراج الدين البلقيني وقال: أما أوقاف الجوامع
والمدارس وجميع ما للعلماء والطلبة فلا سبيل إليه، ولا يحل لأحد نقضه
لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك، وأما ما وقف على عويشة وفطيمة واشترى
لأمثالهم من بيت المال بالحيلة، فينبغي أن ينقض إذا تحقق أنه أخذ بغير
حق، فقال بدر الدين بن أبي البقاء القاضي: الأرض كلها للسلطان يفعل
فيها ما يشاء، فرد عليه بدر الدين ابن الشيخ سراج الدين وقال: بل
السلطان كآحاد الناس لا يملك من الأرض شيئاً إلا كم كما يملكه غيره،
فكثر اللغط وانفصلوا على غير شيء
(1/178)
إلا أن الشيخ أكمل الدين بعد ذلك بالغ في
الرد على من أراد إبطال شيء من الأوقاف وقبح فعل ذلك، وساعده الشيخ
ضياء الدين القرمي إلى أن سكن الحال.
وفيها اسستقر أوحد الدين موقع برقوق في نظر خزانة الخاص بعد موت علاء
الدين بن غراب.
وفي شوال رمى ابن الحاجب عبد الله بطيراً فصرعه وادعة لبركة وشرع في
تجهيز التقدمة على العادة، والعادة في ذلك أن يقدم من يفعل ذلك للأمير
الذي يدعي له تقدمة هائلة تساوي قدر ألفي دينار، فذكر بعض الأمراء
لبركة أن عبد الله بن الحاجب هذا قدم لصرغتمش قبل هذا التاريخ أضعاف
ذلك، فغضب بركة وأخذ التقدمة وأمر بنفيه هو وولده إلى الشام بطالين، ثم
شفع عنده فيهما فأمر بردهما فبذلا عشرة آلاف دينار، فأمر عبد الله
أربعين وأقام ابنه بطالا.
وفيها في خامس عشرين ذي الحجة وجدت ورقة عند برقوق فيها أن غلام الله
مشد الشربخانات يريد أن يكبس عليكم في صلاة الجمعة مع العبيد، فأمر
الخطيب أن يوجز الخطبة، واتفق حضور قرط من أسوان ومعه كتب من غلام الله
إلى أولاد الكنز يحرضهم على المجيء فقبض على غلام الله وسجن.
وفيها طغا التركمان وتجمعوا بعد كسر مبارك الطازي وقتله، فأرسل برقوق
إلى تمرباي نائب حلب أن يرسل إليهم الجيوش وجهز عسكر دمشق إليهم أيضاً
فتوجهوا فكسرهم التركمان وتبعوهم إلى الدربند وتبجحوا في ذلك، وكان
التركمان لما أحسوا بالغلبة أرسلوا منهم أربعين نفساً بالتحف والهدايا،
واظهروا الطاعة والخضوع قبل الوقعة والتزموا بدرك سائر الطوائف فلم
يقبل منهم ذلك، وأمسكت رسلهم وأخذ ما معهم وكبس في الحال على منازلهم
ونهبت أموالهم وسبيت نسؤهم فانتهكت محارمهم حتى كان الغلمان والأتباع
يقتضون الأبكار بغير إنكار،
(1/179)
فلما ألح العسكر في أتباعهم رجعوا عليهم
مستقبلين فوقفوا لهم عند مضيق فقتل من العساكر عدد كثير وجرح أكثرهم
ونهب ما معهم وهزموهم، فقيل كان جملة ما نهب ثلاثين ألف جمل محملة
وثلاثة هشر ألف فرس ونحو ذلك، فحمى التركمان واجتمعوا وأكمنوا لهم عند
مضيق يقال له فاز الملك على شاطئ البحر بالقرب من بلدة أناس وطريقه لا
يسلكها إلا جمل واحد، فلما مروا بهم أوقعوا بهم فلم ينج منهم إلا
الشارد وهلك المعظم، ويقال إن تمرباي أسر فلم يعرف فتحيل حتى أطبق وملك
التركمان بلستين واستعدوا لقصد حلب ونهبها.
وفي صفر منها استقر السلطان الملك العادل فخر الدين سليمان بن غازي في
مملكة حصن كيفا، فوض إليه ذلك أخوه الملك الصالح بعد أن أشهد على نفسه
بالرضا بذلك وخلع نفسه من الملك، وضربت الدراهم والدنانير باسم سليمان،
ورسخت قدمه في المملكة.
وفيها أمسك على سابق الدين مثقال الأشرفي زمام الأشرف شعبان كان صودر
على مال كثير على يد سيف المقدم فأخذ منه ثلاثة آلاف دينار.
وفي شوال أمر بتبطيل الوكلاء من دور القضاء.
ذكر من مات
في سنة ثمانين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الله الحكري برهان الدين المصري، ولي قضاء المدينة،
وكان عارفاً بالعربية، وشرح الألفية، ثم رجع فمات بالقدس في جمادى
الآخرة، وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس وأم عنه نيابة
بالجامع بدمشق.
أحمد بن خضر بن أحمد بن سعد بن عمار بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي
(1/180)
الحسباني السعدي شهاب الدين نزيل دمشق، كان
من أهل حسبان، وسكن دمشق فكانت له جلادة وصرامة، وكان من الشهود، ذكره
قريبه شهاب الدين بن حجى، وذكر أنه وجد شهادة عم جد أبيه على المعظم بن
العادل في سنة خمس وستمائة في وقف جامع حسبان، شهد بذلك عمار ابن غزوان
بن علي السعدي ثم أدى تلك الشهادة عند الحاكم بحسبان عبد الحق بن عبد
الرحمن سنة عشرين وستمائة، مات بدمشق.
أحمد بن سليمان بن محمد العدناني أبو العباس البرشكي بكسر الموحدة
والراء وسكون المعجمة بعدها كاف والد صاحبنا المحدث زين الدين عبد
الرحمن، روى عن الوادياشي والشريغ المغربي واشتغل ومهر، وله حواش على
رياض الصالحين للنووي في مجلد، وله تواليف، روى عنه عبد الله بن مسعود
بن علي بن القرشية وغيره من أهل تونس، ومات بها في هذه السنة.
أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر، قدم مصر بعد أن صحب الشريف
حيدر بن محمد فأقام مدة ثم رجع إلى القدس وبه مات، واشتهر على ألسنة
العوام باذار أركان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن العربي، وله اشتغال
في المعقول وذكاء، وكان كثير التقشف، وللناس فيه اعتقاد، مات في ذي
الحجة وقد أضر، وجاوز السبعين.
أحمد بن محمد بن إسماعيل الطبري المكي، سمع من الرضي الطبري وغيره
وحدث.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني بن خطيب بيت لهيا
شهاب الدين بن فخر الدين، ولد سنة تسع وسبعمائة، وسمع من الحجار
وإسماعيل بن عمر الحموي وغيرهما وحدث، وكان رئيساً وجيهاً، وله عدة
مشاركات، مات في المحرم.
أحمد بن محمد بن محمد بن حسن العزي بالعين المهملة المكسورة ثم الزاي،
كان أحد المؤذنين والقراء بالألحان، فاق أقرانه وكان وجيهاً، يتعانى
الشهادة ثم ترك، وكان شريف
(1/181)
النفس منجمعاً محبباً إلى الناس، مات في
جمادى الأولى وقد جاوز الأربعين، وهو خال الشيخ شهاب الدين بن حجى.
أحمد بن مخلص السخاوي الشيخ شهاب الدين الدمشقي، ولد سنة بضع وسبعمائة،
وسمع من السلاوي والمزي والبرزالي وغيرهم، وكان صوفياً بخانقاه خاتون
منجمعاً مقتنعاً بملك له وقفه على نفسه ثم على الخانقاه وحدث، مات في
جمادى الآخرة.
اطلمش الدوادار، مات بالإسكندرية، وكان يقال له الأرغوني، أمر أربعين
بعد قتل الأشرف ثم استقر دويدارا كبيراً، ثم قبض عليه مع طشتمر ثم أعطى
تقدمة ألف بالشام، ثم مات في ربيع الآخر.
آقبغا الجمدار خزندار الجاي، كان شجاعاً مقداماً، تقدم في زمن أستاذه
ثم نفي بعده إلى الشام ثم أعطى إمرة عشرة بمصر، ثم قبض عليه في صفر
وقتل.
بسسى مات بعد رجوعه من القاهرة.
أبو بكر بن الحافظ تقي الدين محمد بن راقع، ولد في رمضان سنة ست
وثلاثين، وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال والجزري وغيرهما وحدث، وكان
قد درس بالعزيزية بعد أبيه، مات في رجب.
الحسن بن عبد الله الصيرفي المصري كان نقيب الفقراء، وله نظم، مات في
صفر.
الحسن بن محمد بن حسن بن أحمد بن عبد الواحد الدمشقي بدر الدين بن
الزملكاني، كان من رؤساء الدمشقيين، ومات في رمضان.
(1/182)
الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم
البغدادي الفقيه الشافعي، رحل قديماً فسمع من الحجار وغيره، ثم رجع
وحدث ببغداد بصحيح البخاري عن الحجار وبتلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال
القزويني، مات في شوال.
داود بن إسماعيل القلقيلي نسبة إلى قرية بين نابلس والرملة يلقب بهاء
الدين، كان فاضلاً شافعياً يدرس ويفتي، سكن حلب. ومات في هذه السنة
ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه.
صالح بن محمد بن صالح المناوي أحد المعتقدين بالقاهرة، مات بمنية
الشيرج وبها كانت زاويته ويذكر عنه كرامات، وكان كثير الضيافة
للواردين، وللنا فيه اعتقاد كثير، مات في رمضان.
ضياء بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني ويقال له القرمي ويعرف
بقاضي القرم ويسمى أيضاً عبد الله، الشيخ ضياء الدين العفيفي، أحد
العلماء، تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين وغيره، ثم اشتغل على
أبيه والبدر التستري والخلخالي، وتقدم في العلم قديماً حتى كان سعد
الدين التفتازاني أحد من قرأ عليه، وحج قديماً فسمع من العفيف المطري
بالمدينة وكان اسمه عبيد الله فكان لا يرضى أن يكتبه فقيل له في ذلك
فقال: لموافقته اسم عبيد الله بن زياد قاتل الحسين، وكان يستحضر
المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين
والتواضع الزائد وكثرة الخير وعدم الشر والعظمة الزائدة، وكانت لحيته
طويلة جداً بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلا وهي في كيس، وكان إذا ركب
فرقها فرقتين، وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا: سبحان الخالق! فكان يقول:
عوام مصر مؤمنون حقاً لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع، ولما قدم
القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية وفي مشيخة البيبرسية وغير
ذلك، وكان لا يمل من الاشتغال حتى في حال مشيه وركوبه، ويحل الكشاف
والحاوي حلا إليه المنتهى حتى يظن أنه يحفظهما أو يقدر على سردهما،
وكان يقول: أنا حنفي الأصول شافعي الفروع، وكان يدرس دائماً بغير
مطالعة، وعظم قدره جداً في أيام دولة الأشراف، مات في ثالث عشر ذي
الحجة،
(1/183)
فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري
وهو فيما أجازنيه أن سبب موته أنه عقد عند برقوق مجلس بسبب الأوقاف
فتكلم الضياء بكلام قوي فغضب منه برقوق وأجابه بجواب خشن خاف منه على
نفسه فرجع إلى الشيخونية ثم رجع إلى بيته فمرض واستمر إلى أن مات، كتب
إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب:
قل لرب الندى ومن طلب العلم مجداً إلى سبيل السواء.
إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل فما تهتدي بغير الضياء.
فأجاب:
قل لمن يطلب الهداية مني ... خلت لمع السراب بركة ماء.
ليس عندي من الضياء شعاع ... كيف تبغي الهدى من اسم الضياء.
طلحة بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى الزبيدي المهتار، كان صالحاً، له
كرامات، مات في ربيع الآخر.
عارف بن محمد العجمي نزيل القاهرة، كان عارفاً بالموسيقى وانتهت إليه
الرئاسة في ذلك، وكان أحد الصوفية بالبيبرسية، مات في ذي القعدة.
عبد الله بن عبد الله الجبرتي صاحب الزاوية بالقرافة، أحد من يعتقد
بالقاهرة، مات في سادس عشر المحرم.
عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي نزيل الإسكندرية، ويعرف بالشيخ
نهار، كان أحد من يعتقد ببلده ويذكر عنه مكاشفات كثيرة، مات في جمادى
الأولى.
عبد الله بن محدار شاهد الإصطبل، وكان من الخواص عند ابن الغنام وولي
نظر المواريث، وكان شديد السمرة، مات رجوعه من الحج في صفر.
(1/184)
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم،
عز الدين أبو محمد بن العجمي الحلبي، سمع من أبي بكر أحمد بن محمد بن
عبد الرحمن بن العجمي مجالس ابن عبد كوية الثلاثة، سمع منه ابن ظهيرة
والبرهان المحدث وغيرهما، ومات راجعاً من الحج في ثالث المحرم، وكان
شيخاً منقطعاً عن الناس، له وقف يرتزق منه وهو من بيت كبير بحلب.
عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى
القرشي، محيي الدين ابن الزكي الدمشقي، كان من بيت كبير بدمشق، ولد
قبيل الثلاثين، وسمع من زينب بنت الكمال وغيرها، وطلب بنفسه واشتغل
وحدث، وناب في الحكم ودرس وكان من الرؤساء، مات في ذي القعدة ولم يكمل
الخمسين، وكان له نظم.
علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري، سمع من
الحجار ووزيرة، وحدث عن ابن مخلفو بالسادس من الثقفيات سماعاً قال
أخبرنا جعفر، مات في سابع عشر المحرم، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة
بالقاهرة.
علي بن عرب الطنبذي محتسب القاهرة، ولي أيضاً وكالة بيت المال ونظر
الخزانة، وحج في هذه السنة فمات بعد قضاء حجه بمكة في ثالث عشر ذي
الحجة.
علي بن كلفت، والعامة تقول كلبك شاد الدواوين، كان مشهوراً بالعفة
ويقال إنه ما ارتشى قط لكنه كان ظالماً غشوماً، مات بالطريق بين حلب
ودمشق في جمادى الآخرة فحمل إلى دمشق فدفن بها، ويقال إنه لما كان بحلب
ظلم ظلماً كثيراً فطلبه منكلي بغا النائب وأهانه وضربه فكان ذلك سبب
موته عفا الله تعالى عنه.
مبارك شاه الطازي أحد الأمراء، كان من أعيان أتباع طاز وأول ما تأمر
أربعين في شوال سنة ثمان وستين، ثم أمر تقدمة في سنة خمس وسبعين ثم كان
ممن أعان على قتل الأشرف، واستقر في أول سنة تسع وسبعين رأس نوبة، ثم
قبض عليه مع قرطاي وسجن بالإسكندرية ثم أطلق وأعطى إمرة البلستين ثم
نقل إلى نيابة غزة في أول سنة ثماني ثم أعيد إلى البلستين فقتل في صفر.
(1/185)
محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف الدمشقي
شمس الدين الحسباني، ولد بحسبان وأصله من غزة، وإنما ولي أبوه القضاء
بحسبان ونشأ هو بها وكتب بين يدي أبيه ثم ولي كتابة الحلة بدمشق، وكان
مشهوراً بالمهارة في ذلك عارفاً بالوثائق، مات في المحرم عن سبعين سنة.
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة
المقدسي الصالحي، صلاح الدين بن تقي الدين بن العز، مسند الدنيا في
عصره، ولد سنة أربع وثمانين، وتفرد بالسماع من الفخر بن البخاري، سمع
منه مشيخته وأكثر مسند أحمد والشمائل والمنتقي الكبير من الغيلانيات،
وسمع من التقي الواسطي وأخيه محمد وأحمد عبد المؤمن الصوري وعيسى
المغري والحسن بن علي الخلال والعز الفراء والتقي بن مؤمن ونصر الله بن
عياش في آخرين، وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد
والكندي وخرج له الياسوفي مشيخة وحدث بالإجازة عن النجم بن المجاور
وعبد الرحمن بن الزين وزينب بنت مكي وزينب بنت العلم، وأسمع الكثير
ورحل الناس إليه وتزاحموا عليه وأكثروا عنه، وكان ديناً صالحاً حسن
الإسماع، أم بمدرسة جده، وأسمع الحديث أكثر من خمسين سنة، وكان أولاً
يتعسر ثم سمع، وقد أجاز لأهل مصر خصوصاً من عموم فدخلنا في ذلك، مات في
شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر، ونزل الناس بموته درجة، ولد في آخر سنة
ثلاث أو أول أربع وثمانين فأكمل ستاً وتسعين سنة وأشهراً.
محمد بن أحمد بن رسول الأبناسي محتسب دمشق وليها مراراً، مات في ذي
القعدة.
محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي أبو عبد الله بن جابر
الضرير صاحب البديعية، تقدم ذكره مع رفيقه أبي جعفر الغرناطي ومات هو
في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسن الخراساني، بدر الدين بن ركن
الدين بن وحيد الدين، الخراساني الأصل الدمشقي، شيخ خانقاه الطواويس
تلقاها عن والده
(1/186)
سنة إحدى وأربعين، وكان مولده سنة عشرين
وسبعمائة، وسمع من السادجي بعض جامع الترمذي وحدث، ومات في صفر.
محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفراء الأشقر الملقب بالقزل، سمع
المزي وإبراهيم بن الفريسة والبرزالي وجماعة من أصحاب بان الدائم وحدث،
وكان دمث الأخلاق يحب أهل الحديث وأصحاب ابن تيمية، حفظ القرآن على كبر
وقد حفظ عليه القرآن جماعة، مات في ربيع الآخر.
محمد بن علي بن الجبعاء العادلي، ناصر الدين، نشأ في رياسة وتعانى
الفروسية، ومهر في لعب الأكرة، وولي إمرة عشرة ثم طبلخانات، ثم أمر
تقدمة في سنة سبع وسبعين، وولي نيابة السلطنة في أول سنة ثمانين ثم ولي
نيابة غزة في ربيع الأول منها، ثم استعفى لمرض عرض له ومات في جمادى
الآخرة منها.
محمد بن عيسى شمس الدين النابلسي قاضيها وخطيبها، هو سبط القلقشندي،
مات في جمادى الآخرة وهو من أبناء الأربعين.
محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصنعاني ضياء الدين، نزيل
المدينة، ثم كة، كان فاضلاً صاحب فنون، ويدري الفقه والعربية والأصول
وله سماع من البدر الفارقي والعفيف المطري، وكان يتعانى التجارة، مات
في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين، وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الضياء
قاضي الحنفية الآبن بمكة، وقد ادعى والده أنهم من ذرية الصنعاني وأن
الصنعاني من ذرية عمر بن الخطاب، وكان الضياء قد سمع علي الجمال المطري
والقطب بن مكرم والبدر الفارقي، وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان
كثير المال فطلب منه جماز أميرها شيئاً فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق
أنهما اجتمعا في المسجد فوقع من جماز كلام في حق أبي بكر وعمر فكفره
الضياء وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث
فأرسله إلى مصر فشنع على جماز فأمر السلطان بقتله فقتل
(1/187)
في الموسم فنهب آل جماز دار الضياء فتحول
إلى مكة وتعصب له يلبغا فقرر له درساً للحنفية في سنة ثلاث وستين
فاستمر مقيماً بمكة إلى أن مات، وكان عارفاً بالفقه والعربية شديد
التصعب للحنفية كثير الوقيعة في الشافعية.
محمد بن محمد بن عثمان بن الصفي أحمد بن محمد بن أبي بكر الطبري، سمع
من جده عثمان وجماعة بدمشق ومكة وحدث، أخذ عنه السراج الدمنهوري وغيره
وكتب الكثير وتوجه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين فأقام بها إلى أن
مات في هذه السنة.
محمود بن علي بن إبراهيم القيصري شيخ الخانقاه الخاتونية ونظر الربوة
وولي أيضاً نظر الأسرى، وكان مكيناً عند الناس كثير الإفضال والمكارم،
وقد نزل لولده عبد الملك عن المشيخة قبل موته بقليل، وكانت له مكانة
عند الناس ومكارم أخلاق، مات في شوال، سمع صحيح مسلم على السلاوي، ونزل
له صهره ابن حمويه عن مشيخة الشيوخ فما سعى فيها واستمر بالخاتوينة.
موسى بن عبد الله الأزكشي نائب السلطنة في عدة أقاليم وبالقاهرة ثم
الأستادارية والحجوبية والإشارة والكلام في أمور المملكة كلها، مات في
المحلة في ذي القعدة، وكان معروفاً بالعفة والديانة.
موسى بن محمد بن شهري بضم المعجمة وسكون الهاء التركماني، أحد أكابر
الأمراء بالبلستين والنائب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية، مت في
رمضان وقد جاوز الأربعين، وكان يحب العلم ويفهم كثيراً ويذاكر
(1/188)
ويتمذهب للشافعي، ويقال إن الباريني أذن له
في الإفتاء، وكان ذلك في سنة وفاته وقد ولي نيابة.
نهار الذي كان يعتقد بالإسكندرية هو عبد الله تقدم.
(1/189)
سنة إحدى وثماني
وسبعمائة
فيها وصل الحجاج إلى الأزلم فلم يجدوا بها الإقامة على العادة فوقع
فيهم الغلاء الشديد، وكان السبب في تأخير الإقامة أن العرب الذين جرت
عادتهم بحملها نقل لهم عن عرب بلى أنهم أرادوا نهب الإقامة فتأخروا
بمغارة شعيب، فوصل الحاج إلى المويلحة فلم يجدوا شيئاً ثم إلى عيون
القصب فلم يجدوا شيئاً فغلا الشعير حتى بيعت الويبة الشعير باثنين
وتسعين درهماً قيمتها حينئذ تزيد على خمسة دنانير هرجة، ومات من الجمال
شيء كثير، وقاسى الحجاج مشقة شديدة وتأخروا عن العادة خمسة أيام.
وفي رابع عشرين المحرم استقر قرط نائب السلطنة بالوجه القبلي وابنه
حسين والي قوص، وأوقع قرط في ربيع الآخر بالعرب فكسروه وقتلوا عدداً من
مماليكه ثم عاد فانتصر عليهم وقتل منهم مقتلة وأرسل رؤوساً إلى القاهرة
فعلقت.
وفيها توجه فخر الدين إياس في طلب برهان الدين بن جماعة لشكوى الناس من
سيرة ابن أبي البقاء فوصل في أواخر صفر فخرج بركة لملتقاه وطلع صحبته
إلى برقوق ونزل في آخر النهار في صهريج منجك، ثم طلب صبيحة قدومه إلى
القلعة وخلع عليه ونزل في موكب حافل فيه ثلاثة عشر من الأمراء الكبار
وارتجت له القاهرة بحيث كان أعظم من يوم المحمل وباشر بحرمة ومهابة
أعظم من المرة الأولى، واستعاد من البلقيني تدريس الشافعي،
(1/190)
وكان انتزعه البلقيني لما استقر ابن أبي
البقاء في القضاء، ثم إن ابن جماعة اصطلح مع البلقيني وعوضه نظر وقف
السيفي ووقف المدرسة الطقجية، وكانت مدة ولاية ابن أبي البقاء هذه
الأولى سنة وأربعة أشهر. وقرأت بخط الزبيري أن العظمة المذكورة لابن
جماعة كانت من جهة بركة، فلما تلاشى أمره لم ينفق لابن جماعة مثل
الصورة التي كانت في أيام الأشرف بعناية ابن آقبغا آص.
وفيها أمر بركة بمسك الكلاب ونفيهم إلى الجيزة وقرر على كل أمير وعلى
صاحب دكان منهم شيئاً كثيراً.
وفيها قيس المديان وجعل على كل أمير فدان فأحضر كل أمير رجالاً من عنده
فعزقوه وأصلحوه، وفي صفر قبض على مثقال الجمالي الزمام الأشرفي وسئل عن
ذخائر الأشرف بعد أن عرض على العقوية فدل على ذخيرة وجدرا فيها ثلاثين
ألف دينار ثم هدد فأقر بأخرى فيها نصف الأولى وفيها برنية فصوص من
جملتها فص عين هر زنته ستة عش درهماً ثم ضرب وسعط مراراً فلم يقر بشيء،
ثم وجدت ورقة بخط الأشرف فيها فهرسة ذخائره فاعتبرت فتحققوا أنه ما بقي
عند مثقال شيء فأطلق.
وفي ربيع الآخر أمر بركة بتسمير جماعة من قطاع الطريق فسمروا وكانوا
نحو الستة عشر نفساً.
وفيها شاع بين العامة أن بركة يريد أن يركب عليهم فتحدثوا في ذلك فأمر
بركة والي
(1/191)
القاهرة أن يقبض على الزعر والعبيد فتتبعهم
واشتد خوف العامة فأمر برقوق الوالي أن ينادي للعامة بالأمان فاطمأنوا.
وفيها قبض على مملوكين بدمشق كانا يأخذان النساء قهراً فصلبا، وذلك في
ربيع الأول.
وفيها ثار آقبغا عبد الله وجماعة معه على نائب الشام وكان قد تجرد مع
نائب حلب في عسكري البلدين بسبب التركمان فوقعت بينهم وبين آقبغا
المذكور ومن معه وقعة فكسرهم نائب الشام وهرب آقبغا إلى نعير فاستجار
به وصادف موت أخيه قارا أمير عرب آل فصل نعير عمه صول بن حيار إلى مصر
يطلب الأمان لآقبغا ويخطب الإمرة لنفسه ويلتزم الطاعة فلم يقع ذلك
الموقع وسجن صول المذكور.
وفيها أعيد اشقتمر إلى نيابة حلب فسافر في ربيع الآخر أو جمادى الأولى
وأمر برفع المكس عن أهس عزاز وأرسل الأمان إلى آقبغا فأرسله نعير فوصل
إلى حلب ثم إلى دمشق ثم استقر نائب غزة فأقام بها، وقسمت الإمرة بين
نعير وبين ابن عمه زامل.
وفيها أرسل تمر باي نائب حلب إلى الدس بطالا في جمادى الأولى.
وفي جمادى الأولى أرسل بيدمر إلى القدس بطالا أيضاً فوصلا إلى القدس
جميعاً في جمادى الآخرة.
وفيها أوفي النيل، فنزل بركة إلى كسر الخليج فحلق العامود بالمقياس
ورجع في الحراقة فصدمه مركب مقلع فكسر مقدم الحراقة ووقع شاش بركة عن
رأسه فنزل من الحراقة إلى شختور لطيف فكسر الخليج ثم رجع إلى منزله
فتشأموا له بذلك.
(1/192)
وفيها أمر بركة بسلسلة القناطر لئلا يدخل
فيها الشخاتير بالمتفرجين في بركة الرطلى وغيرها فعمل على قنطرة فم
الخور سلسلة وعلى قنطرة الفخر أخرى، ووكل بهما من يفتح السلسلة للمراكب
الكبار التي تجلب البضائع من الوجه البحري ويمنع المتفرجين. وفي ذلك
يقول ابن العطار:
هم سلسلوا البحر لا لذنب ... وأرسلوا للحجاز باشه.
وأشار بذلك إلى إرسال سودون باشا إلى الحجاز لإصلاح الطرقات في هذه
السنة.
وفيها أمر بركة بكسر جرار الخمر بحارة الأسارى فكسر منها شيء كثير على
يد مأمور الحاجب الكبير.
وفيها فاض الخليج الناصري من يحمون الجمالي فأغرق البساتين وقنطرة
الحاجب وكوم الريش والتاج ومنية الشيرج وشبرا وانقطعت الطرق.
وفيها تكلم جار الله قاضي الحنفية في إعادة ما كان السراج الهندي سعى
فيه من إحداث مودع للحنفية وفي استنابة القضاة في البر في لبس الطرحة
في المواكب، وكان ذلك مما جرت به العادة القديمة بانفراد الشافعي به،
واتفق أن السراج أجيب إلى ذلك فشغله الضعف عنه إلى أن مات فأجيب سؤال
جار الله إلى ذلك ولبس خلعة لذلك وعين شخصاً يكون أمين الحكم ومكاناً
يكون مودعاً، فشق ذلك على برهان الدين بن جماعة وسعى في إبطاله وساعده
(1/193)
الشيخ أكمل الدين وغيره من أرباب الدولة
فعقد لذلك مجلس حافل عند برقوق في نصف جمادى الأولى، فتكلم أكمل الدين
وبالغ في مساعدة الشافعي وجرى بينه وبين جار الله مقالات كثيرة
وإساءات، وفي آخر الأمر قال أكمل الدين لبرقوق: إن في هذا الذي يطلبه
جار الله شناعة عظيمة على الحنفية وإنهم يطلبون منك ذلك تحيلاًمنهم على
إبطال الزكاة، فنفر برقوق من ذلك وأمر بإبطال ذلك، وقام مع الشافعية
الشيخ خلف الطوخي وكان برقوق يحبه ويعتقده، فلما كان في الثاني
والعشرين من جمادى الأولى خلع على ابن جماعة واستقر على قاعدته وأن لا
يخرج شيء من الأوقاف الحكمية والمودع عن أمره وحصل للعجم من ذلك غم
عظيم وشنع العامة عليهم بما ذكره أكمل الدين من قصدهم إبطال الزكاة حتى
قال ابن العطار:
أمرت تركنا بمودع حكم ... حنفي لأجل منع الزكاة.
رب خذهم فإنهم إن أقاموا ... نخش أن يأمروا بترك الصلاة.
وقال في ذلك أيضاً:
ظهر البرهان لما ... لعبت عجم بترك.
واستقام الدست حتى ... صرف الجار يبكي.
وفيها عزر جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق وعزل من نيابة الحكم
للحنفية، وذلك أن امرأة أقرت عنده بانقضاء عدتها بسقط مخلق فحكم بذلك،
ثم ادعت أنها حامل فكتب لها فرض حمل، فاستفتى عليه فأفتى علماء مذهبه
بأن ذلك مخالف لهم فأمر برقوق بعزله وتعزيره.
وفيها أمر برقوق بعزل زين الدين الإسكندري نائب الحكم من الحكم أيضاً
أو ذلك بشكوى مأمور الحاجب لبرقوق منه أنه يمنع منه الخصوم، وأمر برقوق
بشخص من العامة احتمى عند زين الدين المذكور من مأمور فضرب بالمقارع
وجرس.
(1/194)
وفيها أحضر قاضي الحنفية جار الله إبراهيم
الحلواني الوعظ فعزره وسجنه ومنعه من الكلام، وذلك أنه كان يوماً في
ميعاده يقرأ بالجامع الأزهر فأحضر له شخص يقال له القدسي كتاباً فيه من
مناقب الشافعي، فقال له: أمرك القاضي برهان الدين بن جماعة أن تقرأ هذا
الكتب على الناس، فقرأه فمر فيه أن شخصاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم
في المنام وهو يقرأ هذه الآية: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها
قوماً ليسوا بها بكافرين "، وأشار عند قوله: " هؤلاء " إلى أبي حنيفة
وأصحابه وبقية الآية إلى الشافعي وأصحابه، فبلغ ذلك بعض الحنفية فشكوه
إلى جار الله، فأحضره وعزره وأحضر القدسي فحلف أن ابن جماعة لم يأمره
بشيء من ذلك وإنما اقترح هو ذلك من قبل نفسه وأراد أن تسمع الناس مناقب
الشافعي ولم يعرف أن فيها هذه القصة فعزره الحنفي أيضاً وسجنه، ثم سعى
الشيخ سراج الدين البلقيني في أمر الحلواني إلى أن اخرج من السجن وأقام
في منزله ممنوعاً من قراءة البخاري، ثم سعى هو حتى أذن له في الكلام
على عادته، وأعانه برهان الدين بن جماعة.
وفيها سعى كمال الدين سبط صلاح الدين الخروبي في الوزارة وذلك أنه نشأ
يجب الكتابة والمباشرة فتكلم مع فقيه الأمير خضر استادار بركة فأحضره
خضر عند بركة وقرر أمره وأن يكون كمال الدين وزيراً وزوج خالته ابن
السقطي ناظر الدولة وفقيه خضر ناظر الخاص وكراي بن خاص ترك شاد
الدواوين وشخص دلال بالوراقين كان يصحبهم مقدم الدولة وضمن للأمير بركة
تكفية الدولة ستة أشهر بشرط أن يسلم له خاله
(1/195)
تاج الدين الخروبي وقريبهم ركن الدين
الخروبي وغيرهما، وضمن لبركة أن يخلص منهم مائة ألف دينار، فأجابه إلى
جميع ذلك، فبلغ ذلك أقاربه فسعوا عليه عند القبط، فوصل الأمر إلى برقوق
فأنكر ذلك وطلب المذكور وضرب بحضرته بالمقارع وضرب معه فقيه خضر وجرسا
بطراطير، وذلك في أوائل شهر رمضان بمصر والقاهرة، ونودي عليهما جزاء من
يتحدث فيما لا يعنيه، وهرب ابن خاص ترك، ثم نفي كمال الدين المذكور إلى
قوص فتغرب هناك إلى أن مات.
وفيها ادعى شخص فقير أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي فقبض عليه وسجن
بالمارستان، وكان سئل عن معجزته فقال: إن أحرف القرآن تنطق لي، وسئل
أيضاً فاعترف بنبوة محمد بن عبد الله رسول الله، وأنه أرسل بعده ليقرر
شرعه وأنه وعد بالسلطنة والحكم بالعدل، فشهد رؤساء المارستان أن في
عقله اختلالاً، فقيد زماناً ثم أطلق، وقد رأيته بعد ذلك بمدة طويلة
يستعطي الناس فلا يذكر شيئاً مما تقدم ويتأذى ممن يذكر له ذلك.
وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث
بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي والشيخ زين الدين
العراقي وغيرهما وقالوا: إن هذا لا يعرف شيئاً من الحديث، فلما حضروا
أعطى جزأ من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضر فقرأ شيئاً فصحف في مواضع
واضحة فافتضح وانفصل الأمر على ذلك، فأراد جمال الدين المحتسب ستر
القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين
إلى منزله وقرأ عليه الحديث، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ
كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله، واستمر تدريس الحديث بيده ثم
استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه.
(1/196)
وفيها استنجز بركة مرسوماً من السلطان
بالاستيلاء على تركة بن الأنصاري قاضي دمنهور وعلى تركة محمد بن سلام
التاجر، فاجتمع به برهان الدين بن جماعة فوعظه وسأله أن يترك ذلك لله
تعالى ووعده أن الله تعالى يعوضه خيراً من ذلك فأجاب سؤاله.
وفي أوائل ذي القعدة ادعى على الشيخ زين الدين عمر بن مسلم القرشي
الواعظ أنه مجسم وشهد عليه جماعة بكلام قاله يتعلق بالصفات، فرسم عليه
جمال الدين المحتسب فقام القاضي برهان الدين بن جماعة في أمره إلى أن
أطلق بعد ستة أشهر.
وفيها عكر بركة الميضاة المنسوبة له بمكة المشرفة وأمر بإصلاح بئر زمزم
وبإجراء الماء في القناة من عين الأرزق إلى الفساقي في باب المعلاة.
وفيها طب بركة الوزراء المعزولين، فنفي ابن الرويهب إلى طرسوس وابن
الغنام إلى القدس، وضرب ابن مكانس بالمقارع وهرب أخوه فخر الدين، ثم
شفع يلبغا الناصري في ابن مكانس فأطلق.
وفيها في ذي الحجة حضر جماعة من الرجال والناسء وذكروا أنهم كانوا
نصارى فأسلموا ثم اختاروا الرجوع إلى دينهم فأرادوا التقرب إلى ربهم
بسفك دمائهم ندماً على ما فعلوا، فعرض عليهم القاضي علم الدين المالكي
الرجوع إلى الإسلام فامتنعوا، فأمر بعض نوابه بسفك دمائهم فضربت أعناق
الرجال عند اللصالحية وأعناق النساء تحت القلعة في الرميلة.
(1/197)
وفيها جاء رجل جندي إلى الصالحية فنزل عن
فرسه وسأل عن القاضي المالكي وقال: أريد أن يطهرني فإني مرتد عن
الإسلام، فأمسك وأحضر إلى جمال الدين المحتسب، فضربه وسجنه وسأل
الأطباء أن كان مختل العقل أولاً فيقال، إنهم شهدوا أنه مجنون فسجن
بالمارستان.
وفيها في أوائل رجب شاع بين الناس أن شخصاً يتكلم من وراء حائط فافتتن
الناس به، واستمر ذلك في رجب وشعبان، واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو
الملائكة، وقال قائلهم: يا رب سلم! الحيطة تتكلم.
وقال ابن العطار:
يا ناطقاً من جدار وهو ليس يرى ... أظهر وإلا فهذا الفعل فتان.
لم تسمع الناس للحيطان ألسنة ... وإنما قيل للحيطان آذان.
ثم تتبع جمال الدين المحتسب القصة وبحث عن القضية إلى أن وقف على
حقيقتها، فتوجه أولاً إلى البيت فسمع الكلام من الجدار فرسم على الجندي
جار المكان وضرب غلامه وقرره وأمر بتخريب الدار فخربت، ثم عادوا بعد
ذلك وسمعوا الكلام على العادة، فحضر مرة أخرى فأمر من يخاطب المتكلم
فقال: هذا الذي تفعله فتنة للناس فإلى متى؟ قال: ما بقي بعد هذا اليوم
شيء، فمضى ثم بلغه أنه عاد وقوي الظن وأن القصة مفتعلة، فلم يزل يبحث
حتى عرف باطن الأمر وهو أنه وجد شخصاً يقال له الشيخ ركن الدين عمر مع
آخر يقال له أحمد الفيشي قد تواطأا على ذلك وصارا يلقنان زوج أحمد
الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط من قرعة تصير الصوت مستغرباً لا
يشبه صوت الآدميين، فانتهى الأمر إلى برقوق فسمرهم بعد ضرب الرجلين
بالمقارع والمرأة تحت رجلها وحصل لكثير من الناس عليهم ألم عظيم، وخلع
على جمال الدين خلعة بسبب ذلك، وقيل إن أصل ذلك أن المرأة كانت تغار من
زوجها فرتبت مع الشيخ عمر أن يتكلم لها من وراء الحائط من القرعة
وينهاه عن أذاها، فنقب الحائط إلى أن لم يصر منه سوى قشرة
(1/198)
وركب القرعة وتكلم من ورائها فقال له في
الليل بذلك الصوت المنكر: يا أحمد! اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف
فإنها امرأة صالحة وكرر ذلك، فارتاع الرجل وصالحها. فلما طالت المدة
وتراضيا أطلعته المرأة على الحيلة فانفتح لهم دكان تحصيل فصار الناس
يهرعون إلى بيت أحمد الفيشي ليسمعون الكلام واستقرت المرأة هي التي
تتكلم وأعان المحتسب على الاطلاع على أمرهم أن الكلام الذي كان يسمع
ليس فيه إخبار عن مغيب ولا عن حادث يأتي. وكان الركن عمر قد أقام بجامع
عمرو ثلاثين سنة على قدم جيد والناس يتبركون به ويزورونه، وكانت
الواقعة منهم في ثاني رجب وكان أحمد المذكور أحد العدول الجالسين
بالقرب من الجامع الأزهر وسكن بالقرب من زاوية ابن عطاء.
وفيها وقع الخلف بين الأمراء الثلاثة فتواطأ برقوق وبركة على أينال
اليوسفي فبلغه ذلك فأضمر الشر، فاتفق أن خرج بركة في شعبان إلى البحيرة
للصيد على العادة فانقطع أينال في بيته وأظهر أنه ضعيف فسلم عليه برقوق
مرة بعد مرة ثم إنه ركب مرة إلى المطعم فبلغ ذلك أينال فركب إلى
الإصطبل وذلك يوم الاثنين رابع عشرين شعبان فملك الإصطبل ونهب أصحابه
بيت برقوق واستولى على ما في خزائن برقوق وألبس من وجده من مماليك
برقوق السلاح ووعدهم بالمال والإقطاعات، وقبض على جركس الخليلي وأمر
بضرب الكوسات وطلب أينال من الزمام أن ينزل له السلطان إلى الإصطبل
فامتنع فطار إلى برقوق فخاف فقوي أيتمش عزمه وأنزله في إصطبله وألبس
مماليكه وركبوا في خدمته وطلعوا من باب الوزير وقصدوا القاعة على حين
غفلة من أصحاب أينال لاشتغالهم بالنهب فأحرقوا بابا السرو ودخلوا منه
واجتمع معهم من العامة ما لا يحصى، فساعدوهم بالعصى والحجارة لما
قاتلهم أصحاب أينال فانكسر الأينالية وأظهر أينال من الشجاعة ما لا
مزيد عليه، ووقعت في أينال نشابة من بعض مماليك برقوق فجرح فانهزم إلى
بيته مكسوراً، فأرسل برقوق في أثره فأسر وأحضر إليه فقرره ليلاً عمن
تواطأ معه من الأمراء فلم يعترف بشيء وحلف له أنه ما كان غرضه إلا الذب
عن نفسه
(1/199)
فأرسل به إلى الإسكندرية فسجنه واطمأن
برقوق ونزع السلاح ونادى للعامة بالأمان، وكاتب بركة بما اتفق فأسرع
العود وتلاقيا في الميدان وترجلا جميعاً وتعانقا وسارا إلى الرميلة ثم
افترقا إلى منازلهما.
وفيها قتل محمد بن مكي الرافض بدمشق بسبب ما شهد به عليه من الانحلال
واعتقاد مذهب النصرانية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك من القبايح وذلك
في جمادى الأولى، وأرخه بعض أصحابنا في سنة ست وثمانين فالله أعلم
وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده.
وفيها حج المحمل اليمني أيضاً أرسله الأشرف بن الأفضل.
وفيها نازل القاهر صاحب أرزن العادل صاحب حصن كيفا فأكرمه وركب معه
للصيد، وكان العادل خاله وتوجه العادل إلى اسعرد وقرر أمورها.
ذكر من مات
في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال
الطائي برهان الدين بن شرف الدين القيراطي، ولد في صفر سنة ست وعشرين،
تفقه واشتغل وتعانى النظم ففاق فيه، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على
نظم ونثر
(1/200)
في غاية الإجادة، واشتهرت مرثيته في الشيخ
تقي الدين السبكي وبالغ الصفدي في تقريظه بسببها وطارحه بأبيات طائية
أجاد القيراطي فيها غاية الإجادة، وله في محب الدين ناظر الجيش وفي تاج
الدين السبكي غرر المدايح ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدين بن
نباتة في غاية الحسن والطول، وكان مع تعانيه النظم والنثر عابداً
فاضلاً، درس بالفارسية، وكان مشهوراً بالوسوسة في الطهارة، وقد حدث عن
ابن شاهد الجيش بالصحيح وعن ابن ملوك وأحمد بن علي بن أيوب المستولي
والحسن بن السديد الأربلي وشمس الدين بن السراج، وحدث عنه من نظمه
القاضي عز الدين بن جماعة والقاضي تقي الدين بن رافع وغيرهما ممن مات
قبله، وسمع منه جماعة من شيوخنا، وله في أبي مدايح حسنة ومطارحات، مات
بمكة مجاوراً في ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة إلا أشهراً.
إبراهيم بن عبد الله التروجي، كان ديناً عابداً محباً في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يكثر من ذلك فيؤذي فلا يرجع، وكان دمث
الأخلاق، وهو الذي قام على الفارعي وكفره وادعى عليه، مات في ربيع
الأول.
إبراهيم بن محمد بن المجد البعلي برهان الدين، كان قاضي بعلبك ثم انفصل
ثم طلبه النائب طلباً مزعجاً فتحيل ودخل إلى مغارة في بيته هارباً
وأطبقها عليه فمات من ضيق النفس وكان معه مملوك له فبادر إلى الخروج
فعاش وذلك في رمضان.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي الشيخ شرف الدين المالكي
نزيل القاهرة، كان فاضلاً، قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها، ثم قدم
القاهرة في دولة يلبغا فعظمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص، وقد
ولي قضاء دمياط مدة، وحدث عن أبيه وابن الطبال وغيرهما، ولم يكن بيده
وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة
فتألم من ذلك ولزم منزله إلى أن كف بصره، فكان جماعة من تجار بغداد
يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة،
(1/201)
سمع منه من شيوخنا جماعة ومن آخر من كان
يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة خمس وعشرين
وثمانمائة.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني شهاب الدين بن
خطيب بيت لهيا ولد في رمضان سنة سبع وستمائة، وسمع من الضياء إسماعيل
بن عمر الحموي وابن الشحنة وحدث، وكان من الرؤساء مات في المحرم.
أحمد بن محمود بن محمد الجعفري النقشواني شيخ الخانقاه الشميساطية
بدمشق شهاب الدين بن تقي الدين، كان عالماً ديناً باشر المشيخة أربع
سنين ومائة يوم، مات في شوال.
إسماعيل بن زكريا بن حسن الدامغاني ثم البغدادي أحد الأمراء ببغداد،
وكانت له في عمارتها بعد الغرق والتخريب اليد البيضاء، مات في نصف رجب.
أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح بن الجبال ويعرف
بابن الصائغ وبابن عريف الصاغة حلبي الأصل دمشقي نشأ بالصالحية ويلقب
عماد الدين، مولده في أوائل سنة سبع وسبعمائة، حضر على هدية بنت عسكر
وعبد الأحد بن تيمية وغيرهما، وسمع من سليمان وعيسى المطعم وغيرهما
وحدث عنهم وعن أحمد بن ضرغام بالقاهرة وغيره، مات في ربيع الآخر، سمع
منه بمصر وكان يذاكر بأشياء حسنة وقسم ماله قبل موته بين ورثته وانقطع
يحدث ببستانه بالزعيفرية.
(1/202)
حاجي بك بن شادي أحد الأمراء بالديار
المصرية ولي طبلخانات، ومات في هذه السنة.
حسن بن عبد الله الصبان الشيخ أحد المشايخ المعتقدين، كان يسكن ظاهر
باب النصر وأقعد بأخرة وكان أبي يعتقده، وذكر لي شمس الدين الأسوطي أنه
غضب عليه فرمى بسهم في الهوى فقال أصابه فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات،
مات الشيخ حسن في ربيع الآخر.
خضر بن عبد الله الكردي المهلل، كان يدور في الأسواق بدمشق ومعه كعك في
عصا يبيعه ويرفع صوته بالتهليل ويذكر بالذكر، المأثور وكان معتقداً
للناس فيه اعتقاد وتظهر له كرامات، مات في شهر رمضان وكانت جنازته
حافلة جداً.
خطط اليلبغاوي أحد الأمراء ولي نيابة حماة وغيرها.
صالح بن عبد الله الجزيري كان يسكن بجزيرة أروى ويعتقده الناس مات في
ربيع الأول وهو غير صالح المناوي المذكور في التي قبلها.
عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي نزيل مصر الشيخ تقي الدين البغدادي
شيخ القراء قدم القاهرة قديماً وتلا على التقي الصائغ وسمع من حسن سبط
زيادة ووزيرة وتاج الدين بن دقيق العيد وجماعة، خرج له عنهم أبو زرعة
بن العراقي مشيخة وهو آخر
(1/203)
من حدث عن سبط زيادة وتصدر للإقراء مدة
وانتفع به الناس ودرس للمحدثين بالشيخونية ودرس القراءات بجامع ابن
طولون، مات في تاسع صفر، عاش تسعاً وسبعين سنة، قرأ عليه شيخنا العراقي
بعض القراءات وشرح الشاطبية ونظم غاية الإحسان لشيخه أبي حيان أرجوزة
ووقف عليها شيخه وقرظها وسميه الشيخ تقي الدين الواسطي المقري رحمهما
الله تعالى.
عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن المعمر البكري الواسطي نزيل دمشق،
قدمها في حدود الأربعين ونزل بالشميساطية، وكان عالي الإسناد في كتاب
الإرشاد للعز القلانسي، وكان معمراً.
عبد الواحد بن حسن المغربي الصنهاجي ثم الزرعي نزيل الحرمين، كان
عابداً خاشعاً معتقداً.
عثمان بن يوسف بن أحمد الطائي فخر الدين بن القواس الدمشقي، ولد سنة
خمس وتسعين وستمائة، وحضر على عمر القواس وتفرد بالرواية عنه، وسمع من
جد والده الزين أحمد وغيره، وكان من قدماء الشهود بدمشق، عاش بضعاً
وثمانين سنة، ومات في جمادى الآخرة.
عثمان الصرخدي فخر الدين، كان فاضلاً، مات في رجب رحمه الله تعالى.
علي بن إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي
ثم الدمشقي علاء الدين بن تاج الدين، سمع من الحجار وولي قضاء طرابلس،
مات في رجب
(1/204)
رحمه الله.
علي بن عمر بن منصور الحداد الدمشقي، كان فاضلاً ماهراً في الفقه رحمه
الله.
علي بن محمد بن إبراهيم بن نصر الكردي الحاسب، حضر علي الحجار وغيره،
وبرع في معرفة الحساب، مات في تاسع شوال عن اثنتين وسبعين سنة رحمه
الله.
علي بن محمد بن عرب. تقدم في التي قبلها.
علي بن صالح صاحب ماردين، قتل في شعبان، واستقر بعده أخوه عبد الرحمن.
علي بن عصفور علاء الدين الدمشقي، أحد الرؤساء بها.
عمر بن المحب عبد الله بن المحب المقدسي، عني بالحديث وسمع الكثير،
ومات في جمادى الآخرة.
عمر بن أبي القاسم بن معيبد الزبيدي تقي الدين وزير الأفضل صاحب اليمن.
قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا أمير عرب آل فضل، تقدم ذكره في الحوادث،
ومات معتقلاً، وكان ينطوي على دين وشجاعة وسلامة باطن، جاوز السبعين.
محمد بن أحمد بن الحسن الحنبلي صلاح الدين بن الشيخ شرف الدين بن شيخ
الجبل، سمع الكثير بعناية أبيه وحدث، مات في شهر رجب رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن عيسى بن المظر بن محمد عز الدين بن السيجي الأنصاري من
بيت مشهور، ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من جماعة وهو
كبير وحدث، وكان من قدماء مباشري الجامع الأموي، مات في ذي القعدة، وقد
عمر
(1/205)
رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن مزهر شمس الدين كاتب بيت المال بدمشق، كان أحد الرؤساء
بها، ولي وكالة بيت المال مدة وهو أخو بدر الدين بن مزهر الذي ولي كتبة
السر بعد هذا بمدة، قالوا: وكانت عنده جرأة ومجازفة في الكلام، مات في
شوال رحمه الله.
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق أبو عبد
الله التلمساني المالكي العجيسي ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة
وسمع بالمغرب من منصور المشدالي وإبراهيم بن عبد الرفيع وأبي زيد بن
الإمام وأخيه أبي موسى ورحل قديماً فسمع بمكة من عيسى الحجي وغيره
وبمصر من أبي الفتح بن سيد الناس وأبي حيان وغيرهما وبدمشق من ابن
الفركاح وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب لامدينة ومحمد بن محمد
بن خلف المطري وغيرهما، وكان قد تقدم في بلاده وتمهر في العربية والأدب
والأصول ثم رحل ثم رجع فتقدم أيضاً ثم قدم مصر سنة ثلاث وسبعين فدرس
بالصرغتمشية والشيخونية والنجمية بمصر، وكان يكتب خطاً حسناً، وله شرح
الشفاء رأيته بخطه لم يكمله وشرح العمدة في خمس مجلدات جمع فيه بين
كلام ابن دقيق العيد وابن العطار والفاكهاني وغيرهم، قال ابن الخطيب:
كان مليح الترسل حسن اللقاء كثير التودد طيب الحديث ممزوج الدعابة
بالوقار والفكاهة بالتنسك أبو الحسن وأقبل عليه إقبالاً عظيماً، فلما
مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين ودخل الأندلس فاشتمل عليه
سلطانها وقلده الخطابة ثم رجع إلى باب أبي عنان في سنة أربع وخمسين،
وقد عني بالحديث ولقاء المشايخ وتكثيرهم حتى بلغ عدد شيوخه ألف شيخ ثم
تقدم عند أبي سالم ثم وقعت له الكائنة المشهورة فانتهبت أمواله
(1/206)
وأقطعت رباعه واصطفيت أمهات أولاده وتمادى
به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة فركب في البحر إلى المشرق وتقدمه أهله
وأولاده في وسط رجب عام أربعة وستين، ثم كتب ابن مرزوق في حاشية تاريخ
ابن الخطيب: أنه وصل إلى تونس في رمضان سنة خمس فلقي بها من الإكرام
والاحترام أضعاف ما كان يأمله وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان
وتداريس أكثر المدارس واستمر بها إلى أن مات السلطان سنة إحدى وسبعين
فاستمر مع ولده وابن أخيه على ذلك إلى سنة ثلاث وسبعين فركب البحر في
شهر ربيع الأول فقدم القاهرة فاجتمع بالأشرف فأحسن إليه وأجرى عليه
راتباً وولي المدارس بالقاهرة، وكان حسن الشكل جليل القدر، مات في ربيع
الأول رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن هبة الله الشافعي زين الدين بن الأنصاري، كان متجملاً
كثير المال عارفاً بصحبة الأكابر وله مكارم وصدقات ومعرفة بأمور
الدنيا، وقد ولي قضاء دمنهور والبحيرة وغيرهما ومات في رجب.
محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري زين الدين الأسيوطي تفقه على
الدمنهوري، وكتب الخط الحسن وشارك في الفضائل، وولي قضاء بلده وكان
صارماً في أحكامه، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه.
محمد بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي شمس الدين بن تقي
الدين البعلبكي حضر على عيسى المطعم وأبي الفتح بن النشو وغيرهما
بعناية عمه ثم طلب بنفسه فسمع الكثير، وكان فصيح القراءة وقرأ على
البرزالي، وجلس تحت الساعات، وكان موثوقاً به بين الشهود، مات في ذي
الحجة.
محمد بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن محمد أبو عبد الله بن أبي
مروان ابن الشيخ محمد المرجاني التونسي الأصل الإسكندراني الدار نزيل
مكة ولد سنة أربع وعشرين، وكان خيراً صالحاً صاحب عبادة وانجماع ومعرفة
بالفقه وعناية بالتفسير، وكان يعرف علم الحرف مات في شوال.
(1/207)
محمد بن محمد بن غانم جمال الدين بن ناصر
الدين أحد الرؤساء بدمشق رحمه الله تعالى.
محمد بن هبة الله بن عيسى الأنصاري عز الدين بن السيرجي ولد على رأس
القرن، وسمع وهو كبير وباشر الجامع وحدث، مات في ذي القعدة.
محمد بن يوسف بن عبد الله بهاء الدين بن يونس شاهد أولاد السلطان حسن
كان أحد الرؤساء بالقاهرة مات في جمادى الآخرة.
محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازي ناصر الدين الطبردار سبط العماد
الدمياطي ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة وسمع كتاب الخيل تأليف
الدمياطي منه وسمع عليه كتاب العلم للرهبي أيضاً وتفرد بالرواية عنه
بالسماع وحدث ورحلوا إليه ومات في شهر ربيع الأول أو في رجب وله أربع
وثمانون سنة.
محمود بن أحمد بن صالح شرف الدين الصرخدي نزيل دمشق تفقه على الفخر
المصري وأفاد ودرس وكان ناسكاً خاشعاً عابداً يصفر بالحناء وانقطع
أخيراً عن حضور المدارس لضعف بصره، قال ابن حجى أخبرني أبي قال كان أول
ما قدم علينا كنا نشبه طريقه بطريق النووي، مات في مستهل ذي القعدة.
(1/208)
ياقوت الحبشي الرسولي شيخ الخدام بالحرم
الشريف النبوي يلقب افتخار الدين، مات في رمضان وقد أقام في المشيخة
إحدى وعشرين سنة.
سطلمش أحد الأمراء الكبار بمصر، عمر دهراً وحج بالناس سنة إحدى وخمسين،
وكانت له همة وعبادة، يقال إنه قارب التسعين.
(1/209)
//الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة
قرأت بخط ابن دقماق: في أوائل هذه السنة وصل بريدي من حلب فأخبر أن
شخصاً عبث بإمام جماعة وهو يصلي فانقلب وجه العابث وجه خنزير، وأنه كتب
بذلك محضر ووصل صحبته، وأنه ممن شاهد ذلك.
وفيها في ربيع الأول عمل برقوق عقيقة ولده محمد، وطلع إليه جماعة من
الأمراء فأمسكهم فلبس الباقون السلاح خوفاً على أنفسهم، وتغير خاطر
بركة لأنه بلغه أن ايتمش قال: إنه اتفق مع اينال وجماعة من الأمراء على
مسك بركة، فالتمس من برقوق أن يمكنه من ايتمش فوعده وماطله، فبلغ ذلك
ايتمش فاستشفع إليه بالشيخ أكمل الدين وغيره فرضي عنه وخلع عليه، ثم
بلغ برقوق في تاسع عشر صفر أن بركة يريد الركوب عليه فأرسل برقوق
القضاة والمشايخ إلى بركة، فسعوا بينهما في الصلح مرات إلى أن أذعن
بركة ونودي بالأمان وخلع على من سعى في الصلح من القضاة وغيرهم، واجتمع
الأمراء في الميدان ولعبوا بالأكرة، واستقر الصلح، ثم بلغ ايتمش عن
بركة ما يسوؤه فركب في يوم الاثنين سابع ربيع الأول في طائفة من
الأمراء على بركة، ومان صراي أخو بركة قد اجتمع في ذلك اليوم ببرقوق
وأعلمه أن بركة عزم على مسكه يوم الجمعة، فأذن برقوق لأيتمش ومن ممعه
بالركوب على بركة ونادى في العوام بنهب داره، فتوجهوا إلى باب بيته
فأحرقوا الباب فخرج من الباب الآخر إلى جهة الشارع وأخذ معه الوالي حتى
فتح له باب الفتوح لأنه كان أغلق الأبواب أول ما ثارت الفتنة، وشق
القاهرة متوجهاً إلى قبة النصر، واجتمع إليه أصحابه فعسكر بهم هناك
ونهب العامة كلما وجدوا في بيته، فخرج إليه ايتمش ومن معه فوقعت بينهما
وقعات كان غالب
(1/210)
الظفر فيها لعسكر بركة حتى حصن برقوق مدرسة
حسن ودار الضيافة وصهريج منجك بالفرسان، ثم عزل بهاء الدين الطبردار
والي القاهرة، وأعاد ابن الحكوراني، فبالغ في حفظ القاهرة، وفتح حوانيت
أصحاب السلاح فأخذ ما فيها، فأمد به البرقوقية، ومنع من يخرج إلى أصحاب
بركة بمأكول أو مشروب أو سلاح، وتقدم شهاب الدين بن يغمر في أصحاب بركة
فأظهر شجاعة عظيمة وإقداماً وجرأة إلى أن كسروا أصحاب برقوق عشرين مرة،
ثم كانت آخر وقعة جرت بينهم عند العروسين، وفي أثناء ذلك أرسل برقوق
سودون الشيخوني إلى بركة بخلعة بنيابة الشام فغضب منه وقال: لولا أنك
رجل جد شيخ لقتلتك لكن متى عدت ضربت عنقك، ثم استعان برقوق بالزعر
فرموا أصحاب بركة بالحجارة، ولولا إعانة البرقوقية برمي الحجارة على
أصحاب بركة لأخذوا القلعة لكنهم استظهروا على بركة ومن معه بالزعر
ففعلوا فيهم الأفاعيل من الرجم، فلما كان يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع
الأول حطم بركة بمن معه على ايتمش وأصحابه فانهزموا إلى القلعة، فتقنطر
به فرسه فركب غيره ورجع وانهزم أصحابه فتسلل أكثر من معه، والتقى يلبغا
الناصري وايتمش فانتصر ايتمش ورجع يلبغا منهزماً، فلما رأى ذلك بركة
توجه هو وآقبغا صيوان إلى جامع المقسي فاستخفى عند الشيخ محمد القدسي
فنموا عليه فأمسك في يومه، قبض عليه يونس الدوادار وطلع به إلى القلعة
فأرسله ليلة الخميس إلى الإسكندرية هو وآقتمر الدويدار وقار مرداش،
وخلع في يوم الحميس على ايتمش واستقر رأس نوبة، والطنبغا الجوباني أمير
مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور، وسلم صيوان وكان استادار بركة، وخضر
وكان رأس نوبة عنده إلى سيف المقدم فأهانهما بأنواع العذاب، وعزل جمال
الدين المحتسب بعد مسك بركة، واستقر شمس الدين الدميري محتسباً
بالقاهرة، والشريف شرف الدين نقيب الأشراف محتسباً بمصر وأفرج عن اينال
اليوسفي وأعطى نيابة طرابلس.
(1/211)
وفيها قبض على بيدمر نائب دمشق لأنه كان من
جهة بركة فأرسل بريدياً إلى الأمراء بدمشق ورأسهم حاجب الحجاب ناصر
الدين محمد بك بالقبض على نائب الشام من غير كتاب، فحضر إليه الأمراء
بسبب ذلك فامتنع وظن أن ذلك من قبل الحاجب لتعصبه عليه وتمسك بعدم وصول
كتاب بالقبض عليه، فاجتمع رأي الأمراء على محاربته فاجتمعوا ووقفوا تحت
القلعة، فخرج بيدمر في جماعته فاصطدموا فساعدته العامة فأمر الحاجب من
بالقلعة بالرمي عليهم فانهزموا، وقبض على بيدمر فقيد وسجن بالقلعة،
ووصل الخبر بذلك مع سيفه في خمسة أيام، ويقال: إنه قتل بينهم في هذه
الوقعة أكثر من عشرين نفساً، ثم قبض الحاجب ومن معه على جماعة اتهموا
بمباطنة بيدمر ثم أطلقوا، وقرر نائب طرابلس منكلي بغا الأحمدي في نيابة
حلب إلى أن مات في جمادى الآخرة، فنقل اينال اليوسفي من نيابة طرابلس
إلى نيابة حلب. وقبض ايتمش على جماعة، وقبض على الأمراء الذين قاموا مع
بركة مثل قطلبك النظامي ويلبغا المنجكي، وتمربغا الشمسي، وقرابغا الأبو
بكري، وأمير حاج بن مغلطاي، والشهاب أحمد بن يغمر وغيرهم، ووجد لبركة
في المصطبة التي كان يقعد عليها أحياناً سبعمائة ألف دينار فيما قيل،
ووجد له عند جمال الدين محمود وديعة تزيد على عشرين ألف دينار.
وفيها في صفر حضر شخص إفرنجي عند بركة قبل كائنته فادعى على شخص بحق له
في زعمه فلم يثبت عليه شيء فأخرج الفرنجي سكيناً فضرب بها الترجمان
واسمه عنان فقتله، فأمسك الإفرنجي وأحرق.
وفي الحادي والعشرين من المحرم استقر تقي الدين أبو بكر الآمدي الفقاعي
وكيل
(1/212)
بيت المال بدمشق وكان يلقن القرآن بالجامع
الأموي وله كيزان للفقاع يكريها وكان يشتري مملوكاً بعد مملوك فيعلمه
القرآن والكتابة ثم يبيعهم فيربح فيهم كثيراً، فاتفق أنه قدم منهم
واحداً لبرقوق فوقع منه موقعاً حسناً فسعى فولاه وكالة بيت المال عوضاً
عن النجم السنجاري.
وفيها كثر شر عرب البحيرة وكبيرهم بدر بن سلام فجرد لهم برقوق في جمادى
الأولى العساكر منهم أحمد بن يلبغا ومامور وايتمش والجوباني فوصلوا إلى
قرب تروجة في جمادى الأولى فوقعت بينهم وقعة، قتل فيها من العرب أكثر
من ألف وانهزموا، وكان بلغهم على أن بدر بن سلام عزم على أن يكسبهم
فأخلوا له الخيام وكمنوا قريباً منها فكبس بدر الوطاق فلم يجد فيه
أحداً فاشتغل أصحابه بالنهب فدهمهم الترك ثم سعى بدر بن سلام في الصلح
وأن يتدرك بعمارة ما خرب من البلاد ويتدرك بتعويض ما نهبه العرب، وقام
معه ابن عرام في ذلك فتوجه إليه بهادر المنجكي ومعه الأمان وقرئ على
المنبر بدمنهور، فأذعن بدر إلى الطاعة ولبس الخلعة، نودي بالأمان،
وترافق بهادر مع بدر فحضر صحبته إلى قرب القاهرة وقدم بعد أن لبس خلعة
السلطان ورجع إلى بلاده، وقيل: إن ابن عرام نائب الإسكندرية تواطأ مع
بدر بن سلام، فلما التقاه ابن عرام قال له ايتمش كبير الأمراء: إن
الجاسوس أخبره أن بدر بن سلام عزم على كبس العسكر، فأنكر ذلك ابن عرام
وقال: إن ابن سلام لا يتجاسر على ذلك، ثم أشار عليه بالاحتراز، فاتفق
رأي الأمراء على أن تركوا الوطاق وافترقوا فرقتين: فرقة فيها ايتمش
توجهت إلى الناحية التي أخبرهم ابن عرام أن ابن سلام يأتي منها، وفرقة
علان الشعباني
(1/213)
أقامت بالقرب من الوطاق فجاء ابن سلام من
غير الجهة التي ذكرها ابن عرام فلم يجد بالوطاق إلا القليل فقاتلهم
فهزمهم، وفتك العرب فيهم ونهبوا الوطاق، ثم خشي ابن سلام من رجوع
العسكر فتوجه على حمية وتخلف بعض النهابة، فدهمهم علان بمن معه، فدارت
الحرب بينهم وكسروه مرتين، ثم كسرهم في الثالثة، وأسر بني بدران وأمعن
في القتل، وأما ايتمش فإنه استقر في البرية فلم جد أحداً فرجع بمنه
معه، فالتقى بدر بن سلام راجعاً من الوطاق فهرب، وتبعه جماعة منهم فلم
يدركوه ولكن قتلوا من جماعته خلقاً كثيراً منهم ولد بدر، وراح في هذه
الوقعة الطائع بالعاصي، وخربت تروجة خراباً شديداً، وكذا غالب ما حولها
وانتهبت أموالها.
وفيها كائنة بيدمر نائب دمشق، أرسل برقوق بإمسكه فامتنع لأنه لم يرد
بذلك كتاب، وألبس مماليكه، فحاربه الحاجب فانهزم فنهبت داره وقيد وسجن،
وقتل في تلك المعركة نحو عشرين نفساً، ثم قبض على أمراء اتهموا بممالاة
بيدمر.
وفيها استقر قرط بن عمير كاشف البحيرة، فاستخدم جنداً من التركمان
والعرب وتوجه، فأوقع بالعرب وجرت له بينهم حروب كصيرة، وذلك في شوال،
فاتفق أن شاع أن قرط بن عمير قتل واتفق حضور خضر بن موسى من عربان
البحيرة فأمر بضربه بالمقارع، ثم حضر حسين بن قرط فأخبر أن أباه في
عافية وأن سلاحه نفد، فخلع على حسين وأمد أبوه بالسلاح، وجردت العساكر
تقدمهم ستة أمراء، فوقعت لهم وقعات كثيرة في شوال منها.
وفي جمادى الآخرة توقف النيل وانهبط في سادس عشر توت، فوقع الغلاء،
فأعيد جمال الدين إلى حسبة القاهرة، واستقر شرف الدين بن عرب سبط بهاء
الدين ابن المفسر محتسباً بمصر.
(1/214)
وفيه استقر الشريف بكتمر الذي كان والي
القاهرة نائباً بالبحيرة، فأقام بتروجة، وكوتب ملك الأمراء وهو أول من
كوتب بذلك ممن ولي نيابة البحيرة.
وفيها ولي طشتمر الدويدار نيابة صفد في رجب منها بعد أن أخرج من
الإسكندرية إلى دمياط قبل ذلك، فاستمر إلى رمضان سنة أربع وثمانين،
فاستعفى وطلب الإقامة ببيت المقدس بطالاً فنقل إليها.
وفيها قتل بركة بسجن الإسكندرية أمر بقتله نائبها بمقتضى مرسوم جاءه من
القاهرة، وقيل: إنه كان شاع عن ابن عرام أنه باطن بدر بن سلام فقدم
القاهرة ليتنصل من ذلك ومعه هدايا، وتقادم فقبلها منه الأمراء وقبلوا
عذره وخلع عليه، واستمر نائباً فواطأه برقوق على قتل بركة سراً فلما
رجع دس إليه من قتله وأشاع أنه وجده ميتاً، فلما بلغ ذلك أخوته تنمروا
وأرادوا القيام على برقوق فأنكر أن يكون أمر بقتله وأرسل إلى ابن عرام
فأحضر في خامس عشرين شهر رجب فقبض عليه يونس الدويدار واحتيط على
حواصله وأملاكه ووكل ناسابه، ولما توجه كشف أمر بركة فوجده مدفوناً في
المكان الذي قتل فيه، فنبش عنه فوجده قد دفن بثيابه من غير غسل ولا
صلاة عليه، ووجد في جسده ضربات إحداهن في رأسه فغسله وكفنه وصلى عليه
ودفنه في تربة بناها له. وأرسل ابن عرام في البحر الملح ثم في النيل
خشية من عرب بدر بن سلام أن يخلصوه، فأودع أول ما قدم في خزانة شمائل،
ثم أمر بتسميره وسلم للوالي فقرره على أمواله، ثم شنع عليه الأمراء
فأمر برقوق بضربه بالمقارع ونودي عليه: هذا جزاء من يقتل الأمراء بغير
إذن، فيقال: إنه أخرج ورقة من جيبه وقال: هذا خط الأمراء بالإذن في
ذلك، فلم يلتفت إليه، ثم سمر وأنزل به، فضربه مماليك بركة بالسيوف
وعلقوا رأسه على باب زويلة.
(1/215)
وفي المحرم أيضاً سعى الشهاب بن خضر
الدمشقي الحنفي في تدريس الركنية عند الهمام بن القوام قاضي الحنفية
يومئذ عوضاً عن القاضي صدر الدين بن منصور، وحكم بفسقه تهوراً، فقام
عليه حنيفة دمشق ورفعوا الأمر للنائب وأثنوا على القاضي صدر الدين،
فرسم بعقد مجلس فعقد وانفصل الأمر على إبطال حكم الهمام، وأعيد صدر
الدين إلى وظيفته، وكانت هذه الفعلة من عجائب تهور الهمام.
وفي أوائل السنة مات خطيب إخميم، وكان مشهوراً بكثرة المال، فأرسل بركة
محمد بن الدمرداشي للحوطة مع أنه خلف عدة أولاد وأقارب، ففتك الدمرداشي
في حاشية الخطيب فتكاً عظيماً. فاتفق مسك بركة، فأمر برقوق بإحضار
الدمرداشي وضربه فضرب ضرباً شديداً وأهين وصودر ونفي.
وفيها استقر صدر الدين بديع بن نفيس الطبيب التبريزي ثم البغدادي نزيل
القاهرة شريكاً لعلاء الدين بن صغير في رئاسة الطب بالقاهرة بعناية
برقوق به، وكان نفيس يهودياً فأسلم، وهو عم فتح الله بن مستعصم بن نفيس
الذي ولي كتابة السر في آخر دولة برقوق، وارتغم غالب الناس لابن صغير
لتقدمه في صناعته وحسن مباشرته للناس وتودده لهم، حتى عمل الشيخ يدر
الدين ابن الصاحب:
قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وذي تعاسة.
قلت شريك بنصف جعل ... ولم يشاركه في الرئاسة.
وعمل ابن العطار:
قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وشال رأسه.
قلت قبيح على بديع ... من أين هاذاك والرئاسة.
وفيها قبض على التاج الملكي وضرب، ثم خلع عليه بالاستمرار، ثم استعفى
من الوزارة ولبس الفقيري ولازم جامع عمرو بن العاصي، ثم أمسك في سابع
عشرين شهر ربيع الآخر وسلم
(1/216)
لبهادر الأعسر المعروف بالشاطر الزردكاش
فصادره وعذبه بأنواع العذاب إلى أن مات تحت الضرب، فقال فيه ابن
العطار:
الملكي مات واستراحت ... من نجس أغلف الوزارة.
وقالت الميضه أبعدوه ... من أين ذا الكلب والطهارة.
وأضيفت الوزارة لشمس الدين المقسي مع نظر الخاص، وقال فيه أيضاً وكان
موته اتفق يوم النيروز:
قضى الملكي في النيروز نحباً ... وراح مصادراً ومضى وسارا.
وعم المسلمين به سرور ... وتم بموته عيد النصارى.
وفي جمادى الآخرة اتفق بدمشق شيء غريب وهو وقوع المطر الغزير برعد وبرق
في خامس عشرين أيلول، وسقط برد كبار مثل البندق، وكثر جداً حتى صارت
الأرض بيضاء، وكثر الوحل، وجرى الماء في الشوارع، كل ذلك في سنة واحدة
ولم يعهد مثل ذلك قبلها.
وفيها نودي أن لا يلعب أحد الناروز، فلعبت جماعة فأمسك منهم أربعة من
العامة فضربوا بالمقارع وجرسوا.
وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة وصل أنس بن عبد الله العثماني والد
برقوق إلى القاهرة، فخرج ولده والعسكر لملتقاه فالتقاه بعكرشة ووصل
صحبته قاضي حلب كمال الدين المعري وقاضي دمشق ولي الدين بن أبي البقاء،
ونزل في ذلك بالخانقاه ومد له ولده سماطاً عظيماً وأقعده في صدره، وقعد
عن يمينه أيدمر الشمسي وعن يساره آقتمر عبد الغني وقعد برقوق دون
أيدمر، وكان أنس أعجمياً لا يعرف بالعربي ولا بالتركي حرفاً، ثم ركب
معه إلى القاهرة وأعطاه تقدمة ألف.
(1/217)
وفي ربيع الآخر أحدث السلام على النبي صلى
الله عليه وسلم تسليماً عقب أذان العشاء ليلة الاثنين مضافاً إلى ليلة
الجمعة بدمشق، ثم أحدث بعد عشر سنين عقب كل صلاة إلا المغرب، وسيأتي في
مكانه. وفيه أمر بكتابة محضر بسيرة قاضي الحنفية بدمشق، وسار به البريد
إلى دمشق فكتبوه، وكان القاضي بمصر يسعى بالمال إلى أن عاد على وظيفته.
وفيها استولى على بلاد الدشت طقتمش خان الجنكزي وقتل خاني، وكان أقام
في مملكتها عشرين سنة.
وفي ذي الحجة منها غلت الأسعار بدمشق وتأخر المطر فاستسقوا بعد صيام
ثلاثة أيام فسقوا، ووجد شخص بعد النداء مفطراً فعزر.
وفيها أمسك على امرأة تزوجت برجلين شرطت لأحدهما الليل وللآخر النهار
بحيلة احتالت بها عليهما، فاطلع عليها فجرست.
وفيها استقر صدر الدين بن منصور في قضاء الحنفية عوضاً عن أخيه شرف
الدين، وكان لما مات عرض برقوق القضاء على الشيخ جلال الدين التباني
فامتنع، فألح عليه، فأصر وأحضر معه مصحفاً وكتاب الشفاء، وتوسل بهما
إليه أن يعفيه من ولاية القضاء فأعفاه واستشاره فيمن يصلح، فعين له ابن
جماعة صدر الدين، فأرسل إليه فتشاغل بدمشق بمرض أخيه شرف الدين إلى أن
مات في شعبان، فتوجه بعده إلى القاهرة فوصلها في رمضان فولاه في ثامن
رمضان.
وفي نصف رمضان أمر أن يخفف من نواب القضاة، وأن يكون لكل قاض أربعة
نواب، إلا الحنبلي فلا يزيد على اثنين، فاستقر برهان الدين بن جماعة
بأربعة الصدر بن المناوي وابن رزين وجمال الدين الخطيب الأسناوي،
والثلاثة بالقاهرة، وفخر الدين القاياتي بمصر، واستقر الحنفي بجمال
الدين المحتسب، ومجد الدين إسماعيل البلبيسي، وشمس الدين الطرابلسي،
وشهاب الدين الشنشي الأطروشي، واستقر المالكي ببهرام، والشهاب الدفري،
وعبيد البشكالسي الثلاثة بالقاهرة، وبجمال الدين التنيسي بمصر،
(1/218)
والمتنع الحنبلي من استنابة أحد.
وفيها ابتدأ الوباء بالإسكندرية في شوال واستمر إلى آخر السنة، ويقال:
إنه كان يموت بها كل يوم مائة وخمسون نفساً.
وفيها أبطل برقوق ضمان المغاني بحماة والكرك والشوبك ومنية بن خصيب
وزفتا، وأبطل ضمان الملح بعينتاب وضمان الدقيق بالبيرة وضمان القمح
بدمياط وفارسكور، وأبطل المقرر على أهل البرلس وبلطيم، وأمر بعمارة جسر
الشريعة بطريق الشام، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعاً، وانتفع الناس به.
وفي الثالث من ذي الحجة أفرد للذخيرة والمتجر وخاص الخاص المستأجرات
والأملاك ناظراً، وهو أول من أفرد بذلك.
وفيها مات بيرم خجا صاحب الموصل، واستقر بعده أخوه مراد خجا.
وفيها في رمضان ارتد نصراني كان أسلم وتزوج مسلمة وأولدها، فرفع للقاضي
فأنكر، فقامت عليه البينة عند بعض نواب المالكي، فحكم بإسلامه فسجن،
فعسى عند مستنسبه فأنكر عليه حكمه وقال: ما أذنت له في الحكم بذلك إلا
بعد المشاورة، وأطلق المذكور من السجن، فعزل النائب نفسه، وذلك كله
بدمشق، فبلغ السلطان فرسم بعقد مجلس، فحضر النائب وادعى على مستنيبه
أنه عزره بالشتم وقال له: يا يهودي! فأنكر فأقام البينة وهي الياسوفي
والقرشي عند القاضي شهاب الدين الزهري، فاعتذر بأن للقاضي أن يعزر
بالشتم، فثبت ذلك عند الزهري وهو نائب ولي الدين الشافعي في غيبته،
وكان ولي الدين يومئذ بالقاهرة، طلب هو وكمال الدين المعري الذي كان
قاضياً قبله ثم ولي قضاء حلب ثم سعى في قضاء الشام فطلبا معاً، فلما
كان في ثامن عشر الشهر جيء بالنصراني وعقد المجلس ثانياً، فبادر ثانياً
إلى الإسلام، فحكم الحنبلي بصحة إسلامه وحقن دمه،
(1/219)
وادعى في ذلك المجلس على القاضي المالكي أن
نصرانياً آخر من القرينين رفع عليه أنه يستهزئ بالنبي صلى الله عليه
وسلم فحبسه نائب المالكي، فأطلقه المالكي فسئل عن ذلك فاعترف وأبدأ
شهباً، فطلب النصراني المذكور فاستتيب فقال: لا أرجع عن ديني، فحكم
المالكي بقتله إلا إن تاب، فقال الحنبلي: حكمت بقتله ولو تاب، فضربت
عنقه وأحرقت جثته.
وفيها في ربيع الآخر ألزمت أهل الذمة بركوب الحمير بغير إرسال الرجل
ووضع الخواتيم في أعناقهم ليتميزوا عن المسلمين في الحمام، كل ذلك
بدمشق.
وفيها أعيد فتح الدين بن الشهيد إلى وظيفته، وأمر بالترسيم على شهاب
الدين أحمد بن نجم الدين بن شهاب الدين بن فضل الله ليورد ما التزم به
على كتابة السر، وكانت مباشرته مدة يسيرة منها بنفسه شهرين فقط، فأقام
بالعذراوية مدة ثم عجز عن التكملة، فأمر بأن يضرب ليستخلص منه المال،
فضرب ضرباً عنيفاً بالعصي بعد أن كان أمر بضربه بالمقارع، فشفع فيه، ثم
أمر أن ينادي عليه في البلد: هذا جزاء من يسعى في الوظائف الكبار بما
لا يقدر عليه، فنودي عليه بذلك في المدرسة فقط بعد الشفاعة، ونفي إلى
سلمية، وكانت كائنة شنيعة جداً، وكان القدر خمسة آلاف دينار.
وفيها أعيد منكلي بغا البلدي إلى نيابة حلب، ونقل اشتقمر إلى نيابة
دمشق، واستقر اينال اليوسفي في نيابة حلب ثم صرف، واستقر يلبغا
الناصري.
ذكر من مات
في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر المرشدي، مات في شوال، وهو والد صاحبنا
جمال الدين وجد عبد الغني بن عبد الواحد المحدث.
أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان، سمع
البرزالي وابن السلعوس وغيرهما، وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان الناس
يقصدونه لسماع صوته
(1/220)
بالتنكزية، وكان إمامها، وكان أخذ القراءات
عن الذهبي وابن السلعوس وغيرهما، وكان مولده في المحرم سنة ثلاث
وسبعمائة، ومات بدمشق في صفر، والطحان الذي نسب إليه كان زوج أمه، وكان
أبوه إسكافا فمات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه، وله نظم فمنه ما
سمعه منه الشهاب بن حجى وأخبرنا به إجازة:
طالب الدنيا كظام ... لم يجد إلا أجاجا.
كلما أمعن فيه ... زاده ورداً وهاجا.
أحمد بن حسن بن منيع بن شجاع المصابري، نزيل حلب، حدث بالبخاري.
أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي، شرف الدين بن منصور، ولد
سنة سبع عشرة، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضاً عن صدر الدين بن
العز، وكان طلب إلى مصر ليتولى القضاء بعد موت ابن التركماني فقدمها
فاتفق أن ولي نجم الدين ابن العز فأقام بمصر مدة يدرس، ثم ولي القضاء
في رمضان سنة سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين فتركه ورجع إلى دمشق،
واختصر المختار في الفقه وسماه التحرير ثم شرحه، وكان مشهوراً بالفضيلة
في الأصول والفروع، حسن الطريقة، جميل السيرة، وولي القضاء بمصر سنة
سبع وسبعين، ثم انفصل وقدم دمشق في المحرم سنة تسع، وكانت عنده صرامة
وتصميم في الأمور، وكان قد سمع من محمد بن يوسف بن دولة،
(1/221)
سمع منه المسلسل عن النجيب وجزء ابن عرفة،
وسمع من عبد الرحمن بن تيمية وابنه والمزي والبرزالي وآقش الشبلي
وحبيبة بنت العز وغيرهم، مات في شعبان وله خمس وستون سنة، وهو أصغر
سناً من أخيه صدر الدين وأفقه.
أحمد بن محمد بن عبد الله البدماصي، شهاب الدين، كان فقيهاً فاضلاً
ديناً.
أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس بن سامة الدمشقي عماد الدين بن
السراج، ولد سنة خمس وسبعمائة، وسمع من الحجار، وتفقه على الشيخ شرف
الدين البارزي وأذن له في الإفتاء، وسمع من المزي والبرزالي وغيرهما،
وأثنى عليه الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين، وكان يعمل المواعيد
ويجيد الخط، مات في شوال عن سبع وسبعين سنة، وهو آخر من ترجم له الذهبي
في هذا المعجم، وكان يقرأ البخاري في كل سنة بالجامع في رمضان، ويجتمع
عنده الجم الغفير، وللناس فيه اعتقاد زائد.
بركة بن عبد الله، الأمير، تقدم في الحوادث، وكان أصله من جماعة يلبغا،
وبقي مع مماليك يلبغا الأجلاب، ثم عاد في إمرة طشتمر، وكان لما قتل
الأشرف أمير عشرة، ثم كان ممن قام مع اينبك، ثم قام عليه هو وبرقوق،
وكان من أمره ما مضى مفصلاً، وكان شجاعاً مفرط الشجاعة مشهوراً بذلك،
وكانت مدة عظمته منذ ولي أمير مجلس في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين إلى
أن قبض عليه بالقاهرة ثلاث سنين إلا شهرين.
بيبغا الصالحي، من أمراء الطبلخانات بدمشق، كان مشكور السيرة رحمه الله
تعالى.
جوكان الجركسي، كان من أقدم الجراكسة، واول أمره أنه كان من جماعة إياس
ثم ولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم حجوبية الحجاب بحلب. ثم خرج مع
العسكر
(1/222)
إلى التركمان، فقتل في أواخر هذه السنة أو
في أوائل التي بعدها، ثم تحرر لي أنه قتل في الوقعة في صفر من السنة
المقبلة.
حجى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسباني، علاء الدين الشافعي نزيل دمشق،
ولد في سنة إحدى وعشرين، وقيل قبل ذلك، وسمع من أحمد بن علي الجزري
والبرزالي وغيرهما، وأخذ الفقه أولاً بالقدس عن مشايخها، وحفظ كتباً:
التنبيه وابن الحاجب والعمدة، ثم أخذ بدمشق لما قدمها سنة 34، عن الشيخ
شمس الدين بن النقيب، وشرف الدين خطيب جامع جراح وشهد له بأنه فقيه
المذهب، وتاج الدين السبكي وشهد له بالتقدم في الفقه، وتقدم في التدريس
والفتوى وأفاد الناس، وتخرج به أهل بلده بدمشق، وكان كثير الاطلاع،
صحيح النقل، غواصاً، نقالاً، عارفاً بحل المشكلات، صحيح الفهم، سريع
الإدراك مع الرياضة وحسن الخلق، انتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق، وأول
ما حدث سنة ثمان وستين وكان متصدياً للأشغال، فارغاً عن طلب المناصب،
مواظباً على الصلاة، مطرحاً للتكلف، تاركاً للتردد إلى الأكابر، ساذجاً
من أحوال الدنيا لا يعرف صنجة عشرة من عشرين، ولا يحسن براية قلم ولا
تكوير عمامة، ومات في صفر بعلة البطن وقد جاوز السبعين.
حسن بن الشياح بمعجمه ثم تحتانية ثقيلة وآخره مهملة الصالحي، أحد من
يعتقد بدمشق، وكان له مكاشفات كثيرة، ومات في ربيع الآخر.
خليل بن علي بن عرام الإسكندراني، صلاح الدين، نائب الإسكندرية، وأول
ما ولي بها الحجوبية ثم النيابة، ثم ولي بمصر الحجوبية والوزارة مرة،
ولما أوقع الفرنج
(1/223)
بالإسكندرية كان هو إذ ذاك نائبها لكنه كان
قد حج فوقع ذلك في غيبته، ورأيت له تاريخاً جمع فيه فأوعى في التراجم
والحوادث وهو في عشر مجلدات، وولي نيابة الإسكندرية مراراً، وصودر بعد
قتل الأشرف على مال عظيم، ثم عمل أستادارية بركة، ثم أعيد إلى نيابة
الإسكندرية فجرى له ما جرى، وله مدرسة ظاهر القاهرة بالقرب من جامع
أمير حسين، وكان مرة قد تجرد عن الإمرة ولبس بالفقيري ومال إلى الفقراء
وتجرد معهم، وربما سلك على يد بعضهم وأقام بزاوية ثم رجع، وكان شهماً
فاضلاً، مات في رجب.
صراي تمر، كان مع طشتمر لما قام على الأشرف، وولي نيابة الكرك، ثم صفده
ثم قبض عليه وسجن بالكرك في سنة ثمانين، ومات في المحرم من هذه السنة.
عاصم بن محمد الحسني، نقيب الأشرف وليها مرتين، ومحتسب مصر وليها مرة.
عباس ين حسين بن بدر التميمي، الشيخ شرف الدين الشافعي، كان ينفع
الطلبة في الفقه والقراءات، ودرس بالسابقية بالقاهرة، وخطب بجامع أصلم،
مات في ذي الحجة، وكان برجله داء الفيل.
عبد الله بن عمر بن عيسى بن عمر البارنباري، جمال الدين بن تقس الدين،
درس عن أبيه بحلب، وباشر نظر الأسرى وغيرها.
عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم بن جملة، تقي الدين الحجي الصالحي، ابن
عمر الخطيب جمال الدين، سمع من الحجار وحدث، وناب في الخطابة عن ابن
عمه، وكان أكبر من بقى من بني جملة، وكان من أعيان الشاميين، وفيه بر
وإحسان، مات في شعبان عن إحدى وسبعين سنة، وكان خيراً.
(1/224)
عبد الرحمن بن يوسف بن سحلول الحلبي، شمس
الدين، كان مقرباً عند الإسعردي نائب حماة، وبنى له خانقاه على شط نهر
فويق وكان غاية في مكارم الأخلاق، وقد باشر الوظائف الجليلة بحلب، مات
في تاسع عشرين المحرم.
عبد الرحيم بن أحمد بن محمد المنهاجي، سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان،
سمع من ابن عبد الهادي في صحيح مسلم، وحدث عن جده، وكان من أطيب الناس
صوتاً بالأذان واشتهر بذلك في زمانه، مات في جمادى الأولى، وهو أخو
صاحبنا أمين الدين محمد ووالد صاحبنا شمس الدين محمد أحد الفضلاء الآن.
عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار محمود بن
عبيد بن السلار بختيار الدمشقي، أمين الدين ابن السلار، عني بالعلم
وأخذ عن التقي الصالح وجماعة، وكانت لديه معرفة بالفرائض والعربية، وله
مشاركة في الفقه، وصنف في القراءات مؤلفات مفيدة، وانتهت إليه رئاسة
الإقراء بدمشق، وله خطب جياد، وسمع من الحجار وغيره، وطلب الحديث
بنفسه، وكتب الطباق بدمشق، وكان ثقة صحيح النقل، وله نظم، وألف مؤلفات
محررة، مات في ثامن عشر شعبان عن خمس وثمانين سنة، فإن مولده كان كما
كتب بخطه في شوال، ويقال: في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأخذ
عن ابن نضحان والشهاب الحراني، وبمصر عن التقي الصائغ وتفرد به بدمشق،
وسمع من أسماء بنت صصرى وأيوب الكحال والمزي، ودخل بغداد والبصرة، وخرج
له السرمري مشيخة قرأت عليه، واستقر بعده في الإقراء بتربة أم الصالح
شمس الدين بن الجزري لكونه أولى من بقي بذلك، وحضره الأعيان وأثنوا على
درسه.
(1/225)
علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم
بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني المدلجي، نور الدين، عني بالحديث،
وجال في البلاد، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش وأبي حيان
وابن عالي والميدومي وجماعة من أصحاب الفخر بدمشق وببلاد كثيرة، وحدث
بالإجازة عن الرضي الطبري والحجار، ومهر في العربية والحديث، ودرس
بمدرسة إسماعيل بن زكريا أمير بغداد بها، وحدث عن أصحاب النجيب والفخر،
واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصاً حدثه بحديث عن آخر عنه فقال له: أنا
الفوي اسمع مني يعلو سندك، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي، وكان
عارفاً بالعربية وغيرها، وأقام بالمدينة النبوية مدة ودرس بها، مات
بالقاهرة في ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة.
علي بن زياد بن عبد الرحمن القاضي الحبكي، الفقيه الشافعي، عني بالفقه
والأصول، ودرس وأفاد، وأخذ عن أبي البقاء وعلاء الدين بن سلام وابن
قاضي شهبة وغيرهم، وكان يفتي باخرة بدمشق مع الدين والورع والملازمة
للاشتغال بالعلم، وعنده وسواس في الطهارة، مات في ذي القعدة، والحبكي
بحاء مهملة ثم موحدة ثم كاف، منسوب إلى قرية من حوران.
علي بن عبد الصمد الحلاوي، نور الدين المالكي الفرائضي، انتهت إليه
رئاسة الفرائض وكان مشاركاً في الفنون، عارفاً بالمعاني والبيان
والحساب والهندسة، مات في العشر الأخير من ذي الحجة، وكان يدرس بغير
مطالعة مع جودة القريحة وسيلان الذهن، انتفع به جماعة.
علي بن عمر بن علي بن محمد الإربلي، سبط الشيخ كمال الدين الشريشي،
علاء الدين، كان يشهد على الحكام، مات في رجب.
(1/226)
علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الدربندي
ثم الدمشقي، ولد قبل سنة تسعين وستمائة، واستقر مؤذناً بالجامع الأموي
بعد أن كانت له سياحات، ووجد له إجازة من عمر بن القواس وأحمد بن عساكر
وغيرهما، ولم يتفق له أن يحدث بها لكون ذلك لم يظهر إلا بعد موته، ثم
وجدت ابن حجى أرخ مولده سنة ثمان وثمانين.
عمر بن حمزة بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الأربلي ثم الصالحي، ابن
القطان، نزيل صفد، سمع التقي سليمان وأحمد بن عبد الدائم وابن الزراد
وابن شرف، وكان فاضلاً له مذاكرات حسنة مقرئاً للسبع، طلب الحديث، وكتب
لاكثير، وحدث، سمع منه ابن رافع وكتب عنه في ظهر معجمه ومات قبله بمدة،
وخرج له الياسوفي جزءاً، وعاش ستاً وثمانين سنة سواء.
محمد بن أحمد بن العز محمد بن التقي سليمان الحنبلي الصالحي، خطيب
الجامع المظفري، يلقب عز الدين مات في ربيع الأول.
محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي، جمال الدين الشافعي، كان
بارعاً في الأدب مشاركاً في غيره مع الصلاح والعبادة، وأشعاره سائرة
باليمن.
محمد بن حامد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي، ولد سنة اثنتين أو ثلاث
وسبعمائة، وسمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وزينب بنت شكر وغيرهما وحدث،
روى عنه الشهاب ابن حجى بالإجازة وأرخه في شعبان.
محمد بن علي بن عرام، صلاح الدين، نائب الإسكندرية، تنقل في الولايات،
وولي تقدمة ألف بالقاهرة، وكان فاضلاً عارفاً، كتب بخطه تاريخاً في عشر
مجلدات، وكان يحب الفقراء ويدنيهم، تقدم ذكر قتله في الحوادث، ويقال
اسمه: خليل كما تقدم.
(1/227)
محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد
بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الدمشقي الأسدي، شمس الدين بن نجم الدين
بن شرف الدين ابن قاضي شهبة، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة في ربيع
الأول كذا وجد بخطه، وتفقه على عمه كمال الدين وبرهان الدين ابن
الفركاح، وأخذ العربية عن الشيخ شرف الدين الفزاري، ولما مات عمه كمال
الدين سنة ست وعشرين قعد مكانه للأشغال واستمر على ذلك أكثر من خمسين
سنة على طريقة واحدة من إيثار الانجماع وعدم الالتفات إلى المناصب،
يخدم نفسه ويشتري حاجته ويحملها، ثم ولي في آخر عمره تدريس الشامية
البرانية بغير سؤال، وذلك في ذي الحجة سنة 777، ثم تركها بعد سنة
وثلاثة أشهر للشهاب الزهري وسمع من ابن الموازيني الأموال لأبي عبيد
وغير ذلك، ومسع من ست الأهل بنت علوان وست الوزير وطائفة وناب في الحكم
عن السبكي يسيراً وكان لا يتصدى لذلك. وكانوا يثنون عليه بالورع حتى أن
الشيخ شرف الدين الغزي ذكر أنه لما اجتمع بالشيخ جمال الدين الأسنوي
سأله عن شيوخ دمشق فوصف له ابن قاضي شهبة فقال: هذا مثل الشيخ مجد
الدين الزنكلوني عندنا، وكان أقعد الشاميين في الفقه وأقدمهم هجرة حتى
كان أكثر الفضلاء بها من تلامذته وتلامذة تلامذته، فمن الطبقة الأولى
ممن جضر دروسه ابن خطيب يبرود والعماد بن كثير والشهاب الأذرعي، وكتب
الأذرعي بخطه على ظهر مجلد من شرح التوسط لابن الأستاذ هذه المجلدة
لسيدي وشيخي شمس الدين ابن قاضي شهبة، وقد حدث، فسمع منه العراقي
والهيثمي وابن رجب والياسوفي وابن ظهيرة وابن حجى والبرهان الحلبي
وآخرون، مات في ثامن المحرم وقد أكمل تسعين سنة ودخل في عشر المائة،
أعاد في حلقة ابن الفركاح، وقرأ الجرجانية على الفزاري، وأول ما جلس
للأشغال بعد موت عمه مستقلاً سنة ست وعشرين، وممن جلس عنده ابن خطيب
يبرود وابن كثير، وكان اشتهر بمعرفة التنبيه وشروحه وحسن تقريره، وكذا
(1/228)
الجرجانية، ولم يكن يحضر المحافل ولا يفتي،
وكان يستحضر الرافعي وينزله على مسائل التنبيه تنزيلاً عجيباً، وعنده
انجماع وعدم معرفة بأمور الدنيا، وكانت وفاة أبيه بشهبة، وهو قاضيها
سنة سبع وعشرين، وقضى بها أربعين سنة، فعاش بعده خمساً وستين سنة.
محمد بن عمر بن محمد بن بنت المغربي، وكان ربيب القاضي بدر الدين بن
أبي البقاء، وكان جده صلاح الدين بن المغربي رئيس الأطباء، مات في ذي
الحجة.
محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود، جلال الدين بن قطب الدين قاضي
الحنفية، يلقب جار الله، ويقال له: الجار، تقدم عند الأشرف بالطب، وكان
نائباً في الحكم عن صهره السراج الهندي، وكان بارعاً في العلوم العقلية
كالطب وغيره، وحظي عند الأشرف، وقد ولي مشيخة سعيد السعداء، ثم ولي
القضاء إلى أن مات في رجب، ويقال: إنه جاوز الثمانين، وكان مشاركاً في
العربية، وفي الفقه قليلاً، وقد تقدم ف يالحوادث ما اتفق له من إرادة
إقامة المودع للحنفية، وقد ناب أولاً عن صهره السراج الهندي، واستقر في
تدريس المنصورية بعد موته في رجب سنة ثلاث وسبعين، واستقر في تدريس
جامع ابن طولون في سنة ست وسبعين بعد ابن التركماني، واستقر في قضاء
الحنفية في رجب سنة ثمان وسبعين.
محمد بن محمد بن عثمان بن أحمد بن عمر بن محمد الزرعي الأصل، يعرف بابن
شمرنوح، جلال الدين بن نجم الدين بن فخر الدين، قاضي حلب وابن قاضيها،
وهو سبط جمال الدين بن الشريشي، باشر الحكم نيابة بحلب ثم استقلالاً
إلى أن مات في ربيع الأول، وكان قليل الكلام، جميل الوجه، قوي المعرفة
بالأحكام، وقد ولي بدمشق قضاء العسكر ووكالة بيت المال.
محمد بن محمد بن هبة الله الأنصاري، زين الدين، ناب في الحكم، ومات في
ربيع الآخر.
محمد بن محمد الشاذلي زين الدين بن المواز، صهر الشيخ محمد بن وفاء،
مات في ربيع الأول.
(1/229)
محمد الحكري، شمس الدين المقرئ، قرأ على
البرهان الحكري، وناب في الحمن بجامع الصالح، وولي قضاء القدس وغزة،
مات في ذي الحجة، وذكر لي الشيخ برهان الدين بن زقاعة الغزي أنه قرأ
عليه القراءات وأذن له في الإقراء.
محمد المقدسي المجرد، أحد المؤذنين بدمشق، كان حسن الصوت، مات في رجب.
محمد بك الإسماعيلي حاجب الحجاب بدمشق، وقد ولي نيابة قلعة الروم
وغيرها، مات في هذه السنة، وكان عنده أدب وتواضع وخضوع لأهل العلم.
مختار، مقدم المماليك، مات في هذه السنة، واستقر عوضه جوهر الصلاحي.
منكلي بغا البلدي، تنقل في الولايات، فأول ما تأمر عشرة في سنة إحدى
وسبعين، ثم أعطي طبلخانات بعد قليل، ثم أعطي تقدمة في جمادى الآخرة سنة
أربع وسبعين، ثم أعطي نيابة صفد في رمضان سنة خمس وسبعين، ثم نقل إلى
نيابة طرابلس آخر السنة، ثم قبض عليه في أول سنة تسع وسبعين وسجن
بالكرك، ثم أطلق في ربيع الأول وجعل أتابك الشام، ثم ولي نيابة طرابلس،
ويقال إنه ولي نيابة حماة قبل ذلك، ثم نقل إلى نيابة حلب، ثم قبض عليه
وسجن بها، ثم أطلق وقدم في رمضان سنة ثمانين بطالاً، ثم ولي نيابة صفد
في المحرم سنة إحدى وثمانين، ثم نقل في شعبان منها إلى طرابلس ثم إلى
حلب في ربيع الأول، كما تقدم في هذه السنة، وكان صارماً شجاعاً كبير
المروءة، مات في جمادى الآخرة بحلب.
يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي، الشاعر، محي الدين، المعروف
بالمبشر مدح أمراء مكة وكتب لهم الإنشاء، كان غاية في الذكاء وسرعة
الحفظ، فحظ التنبيه في أربعة أشهر، وكان سمع من نجم الدين الطبري وعيسى
الحجي وغيرهما، وعاش سبعين سنة.
أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ، نزيل مكة، تصدى
للقراءات وأتقنها، وأقرأ الناس حتى يقال إن الجن كانوا يقرؤون عليه.
(1/230)
|