إنباء الغمر بأبناء العمر
سنة ثلاث وثمانين
وسبعمائة
فيها ابتدأ الطاعون بالقاهرة، فأول من مات من الأمراء أيدمر الشمسي،
فأعطيت إمرته لأنس والد برقوق في المحرم. ثم مات علي بن قشتمر، فتقرر
مكانه تغرى برمش.
وفيها في صفر قبض على الشمس المقسي وتسلمه بهادر المنجكي بخمسمائة ألف
درهم وأطلق إلى منزله، واستقر في وظائفه كريم الدين بن مكانس، وكان
السبب في ذلك أن برقوق لما استقر في تدبير المملكة أخرج كثيراً من
البلاد المتعلقة بالدولة لجماعة من جهته، فضاق الحال على الوزير
فاستعفي، فغضب منه وولي غيره وقبض على صهره علم الدين يحيى ناظر الدولة
وعلى شمس الدين بن غراب وغيرهما، وانتهز ابن مكانس الفرصة فالتزم
بالتكفية، فقرر وزيراً فباشر على هوج فيه.
وفيها قبض على سيف المقدم وصودر على مائتي ألف درهم، واستقر عوضه أحمد
العظمة، فقال الشاعر:
مضى المقدم سيف ... بنغمة وبتهمه.
وكان لحماً سميناً ... فأبدلوه بعظمه.
وفيها تزايد الطاعون في صفر، وتناهى في أواخر ربيع الأول، وقرأت بخط
صارم الدين بن دقماق أنه سمع الشيخ علياً الروبي حن حضر من الفيوم إلى
القاهرة في أواخر صفر وكان للناس فيه اعتقاد زائد، وتهرع الناس إليه
للزيارة يقول: إن الطاعةن يرتفع في آخر ربيع الآخر، فوقع كما قال.
وفيها عاد ابن التنسي إلى ولاية القضاء عوضاً عن ابن الريغي، ثم استقر
ابن الريغي عوضاً عن ابن التنسي، ثم تكرر ذلك منهما.
(1/231)
وفيها استقر سودون الشيخوني مقدم ألف. وفي
المحرم خلع على القاضي ولي الدين بن أبي البقاء وأعيد إلى دمشق على
وظيفة القضاء فوصل في سادس صفر، وكذا خلع على الكمال المعري واعيد إلى
حلب على وظيفة القضاء فوصلها في ثامن صفر.
وفيها استقر الشيخ أصلم في مشيخة سرياقوس عوضاً عن أبيه نظام الدين.
وفيها خرج الحجاج في شهر رجب.
وفيها مات السلطان الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان في شهر ربيع
الأول، وكانت المملكة باسه وهو محجوب، وعاش ثلاث عشرة سنة منها في
المملكة خمس سنين وأربعة أشهر، وقرر مكانه أخوه حاجي بن الأشرف وعمره
ست سنين وأربعة أشهر ولقب الصالح.
وفيها ضيق قرط على العرب فحضر إلى ايتمش ومن معه من الأمراء المجردين
بالبحيرة خمسة من أمراء العربان ومعهم ستمائة فارس وجماعة من الرجال،
فأقبلوا عليهم وطيبوا قلوبهم، ثم أرسل بدر بن لام إلى بلوط نائب
الإسكندرية يطلب الأمان وأن يحضر صحبته إلى القاهرة فلم يتم ذلك، ثم
حضر رحاب أمير تروجة وجماعة من أمراء البحيرة صحبة قرط إلى القاهرة
طائعين فخلع عليهم واستمر قرط بدمنهور يعمر ما خرب منها ويوطن أهلهان
ولم يهرب منهم غير بدر بن سلام.
وفيها في رجب جهز برهان الدين إبراهيم الدمياطي الذي كان نقيب الحكم
عند المالكية،
(1/232)
ثم ولي بعد ذلك نظر المواريث إلى الحبشة
رسولاً من قبل السلطان، وكان السبب في ذلك أن بعض الحبشة وصلوا إلى قرب
أسوان وأفسدوا في نواحيها وخاف منهم أهلها فطالعوا السلطان بذلك، فأرسل
إلى بترك النصارى اليعاقبة متى بن سمعان فتهدده، فأرسل من جهته رسلاً
لكشف الخبر، ثم كتب إلى ملك الحبشة ينكر عليه ويأمره أن لا يحدث
حادثاً، وجهز إبراهيم المذكور من جهة السلطان بالكتب.
وفي صفر ورد الخبر إلى دمشق بعزل القاضي برهان الدين التادلي قاض
المالكية واستقرار الشيخ برهان الدين الصنهاجي عوضه، فامتنع البرهان
وصمم فبقي المنصب شاغراً إلى أن استقر علم الدين القفصي في جمادى
الأولى.
وفيها هبت ريح عظيمة بدمشق فأتلفت كثيراً من الأشجار وقلعتها بعروشها،
وشاهد أهل دمشق من ذلك هؤلاء عظيماً.
وفيها استقر حضر شخص عجمي عند برقوق وأخبره أن النيل يتوقف من مستهل
جمادى الأولى فلا يزيد بعد ذلك شيئاً، فأمر بحبسه، فاتفق أن النيل زاد
في ذلك اليوم خمسة عشر إصبعاً وفي اليوم الذي يليه ستة عشر فأحضر
العجمي وأمر بضربه، فضرب مقترحاً مائة عصى وجرس، فشفع فيه مأمور الحاجب
فأطلق، وأوفى النيل في عاشر الشهر المذكور ولله الحمد.
وفيها غضب برقوق على جمال الدين المحتسب وأمر بنفيه فخرج، ثم شفع فيه
فأعيد إلى بيته بطالاً، وكان ذلك في أوائل شعبان، وكان السبب فيه أن
برقوق تكلم بالتركي في حق القضاة بسبب من الأسباب نقل له عن بعضهم
فقال: ما هم مسلمين، فذكر ذلك جمال الدين لصدر الدين بن منصور قاضي
الحنفية فذكره ابن منصور لبرهان الدين بن جماعة واستشاره في عزل نفسه
فسكنه، وركب ابن جماعة إلى برقوق فذكر له ذلك، فغضب على جمال الدين
وعزله، وقرر في الحسبة تاج الدين المليجي ثم أعيد جمال الدين إليها في
ذي القعدة.
(1/233)
وفيها استقر سعد الدين بن البقري في نظر
الخاص والخليلي مشير الدولة، فأحدث فلوساً وأمر الناس بالمعاملة بها،
فلم يمش له فيه حال فتركت.
وفيها غضب السلطان على علم الدين البساطي فعزله عن قضاء المالكية،
واستشار فيمن يوليه مكانه، فأشار عليه ابن جماعة بجمال الدين عبد
الرحمن بن خير الإسكندراني فولاه، وقيل: كان السبب في عزله أنه وقع منه
في بعض المجالس كلام تغير منه ابن جماعة فتكلم مع أكمل الدين في أمره
وسعى في عزله حتى عزل.
وفيها أمسك كريم الدين بن مكانس وأخوته وأهينوا وصودروا، وتولى الوزارة
علم الدين سن إبرة، وكان السبب في ذلك أن ابن مكانس فتك في الناس وبالغ
في الظلم وألزم المباشرين كلهم بجامكية شهرين وظلم التجار وأخذ منهم
أموالاً جمة، فاستغاثوا بأهل الدولة حتى رفعوا أمورهم للسلطان فعزله في
رمضان عن نظر الخاص، واستقر عوضه سعد الدين بن البقري، ثم عزل عن
الوزارة واستقر علم الدين سن إبرة، ثم صرف في ذي القعدة فاستقر شمس
الدين كاتب آرلان في ديوان برقوق، وكان ابن مكانس أشار بتوليته وزارة
الشام خوفاً منه، فأرسل إليها، ثم استعيد واستقر في ديوان برقوق عوضاً
عن علم الدين بن قارورة، وارتفع في هذه السنة سعر القمح إلى أربعين
فأعيد محمود إلى الحسبة.
وفيها ولي صلاح الدين خليل بن عبد المعطي حسبة مصر بعد أن سعى أن يكون
نقيباً عند الحنفية فلم يجب. وفي جمادى الأولى خرج نظر الأوقاف عن
القاضي برهان الدين بن جماعة ووليه فخر الدين إياس الحاجب، واستقر
سودون الشيخوني حاجباً كبيراً بعد علي بن قشتمر، ومات أمير سلاح علان
فأعطى أنس والد برقوق تقدمته.
وفيها استقر شهاب الدبن ابن أبي الرضي الشافعي في قضاء حلب بعد موت
المعري.
(1/234)
وفيها جردت العساكر إلى الشام بسبب
التركمان ومقدم العساكر يونس دوادار برقوق، فكسروا التركمان على مرعش،
وقتل منهم خلق كثير، وذلك من ابتداء جمادى الأولى إلى شعبان بعد أن فر
خليل بن دلغادر وأخوته وهم كانوا السبب في هذه الحركة لأنهم كانوا
جمعوا جموعاً كثيرة فوصلوا إلى العمق وإلى تيزين وخاف أهل حلب منهم،
وكاتب اينال اليوسفي، فجردت العساكر من دمشق ومن جميع المماليك، ومشوا
على التركمان من حلب إلى عينتاب، ثم إلى مرعش، ثم إلى أبلستين، ثم إلى
ملطية، والتركمان تفر منهم وتتحصن بالجبال المنيعة إلى أن وصل هزمهم
إلى أطراف بلاد الروم، ولما بلغ العسكر في نهب ما قدروا عليه وانتهوا
إلى ملطية كاتبوا بذلك فأذن لهم في الرجوع.
وفيها كانت حلب الوقعة بين العسكر الحلبي والتركمان فانكسر العسكر، ثم
وقع بهم نائب حلب اشقتمر وانتصف منهم، ثم لما توجه يونس الدوادار إلى
الشام بسلطنة الصالح أمر العسكر الشامي بالتوجه إلى غزو التركمان،
فجمعوا العربان والجند وتوجهوا إلى جهة حلب فخرجوا في ربيع الآخر، فلما
كان في ثامن جمادى الأولى وهم بمرعش هبط جماعة من التركمان عليهم من
مكان عال فوقع بينهم وبين شرف الدين الهدباني ومن معه من الأكراد وعرب
بني كلاب مقتلة فانكسر التركمان وجرح الهدباني وأسر، ثم أفلت. ثم وقعت
الوقعة الكبرى في حادي عشرة فاستظهر الترك وانكسر التركمان وانهزموا
أقبح هزيمة بعد أن قاسى العسكر شدة في سلوك المضايق والأوعار وشدة
البرد، وأما كبير التركمان سولى بن دلغادر فنجا وقطع الفرات إلى خرت
برت، وانتهبت العسكر من التركمان شيئاً كثيراً، وأرسل خليل بن دلغادر
ومن معه يطلبون الأمان.
وفيها فتحت مدينة دوركي واستقر في إمرتها إبراهيم بن محمد بن شهري.
(1/235)
وفي رجب نفي مأمور الحاجب ثم أعطي نيابة
حماة عوضاً عن طشتمر الشعباني.
وفي رمضان أحضر يلبغا الناصري إلى مصر واستقر أمير سلاح رأس الميسرة،
واستقر جركس الخليلي مشير الدولة، ثم في شوال قرر في نيابة حلب عوضاً
عن أينال اليوسفي، واستقر يونس الدوادار بأمرة يلبغا وأمر الوزير أن لا
يتكلم في شيء إلا بعد مراجعته.
وفي جمادى الأولى عقد الجسر بحجارة مقنطرة على نهر بردى عند جامع
يلبغا، وكان قبل ذلك خشباً عمله الطنبغا دوادار قزدمر، ثم عمل نظيره
مقابه على نهر الخندق وحصل به رفق كبير.
وفيها في ذي الحجة شاع أن ابن قرنميط وكان رأس ميسرة بالقاهرة، وقد فعل
ما لا يحصى فجاء تائباً إلى زاوية الشيخ إسماعيل الأنبابي، فبلغ برقوق
فأرسل حسين الكوراني إليه فقبض عليه وعلى اثنين من أتباعه، فسلخوا
وحشوا تبنا وعلقوا بباب زويلة.
وفي حادي عشر ذي الحجة وسط قرط رحابا أمير العرب وثلاثة معه وعلقت
رؤوسهم بباب زويلة.
وفيها ارتفع السعر بالحجاز حتى بلغت الغرارة أربعمائة درهم.
وفيها كائنة ابن القماح البزاز بقيسارية جركس، وكان قد تعامل هو
والبواب فصار يفتح له القيسارية بالليل ويغقل عليه فيفتح حوانيت الناس
ويأخذ منها ما يريد إلى أن كثر ذلك وافتضح، فعثروا عليه، فأمسك وضرب
بالمقارع هو وولده وسجنا بخزانة شمائل،
(1/236)
وكانت سلامته من القطع من العجائب، وفي ذلك
يقول بدر الدين بن الصاحب مضمناً وكان بلغه أنه عثر فسقط فانلكسرت يده:
قالوا بأن يد القماح قد كسرت ... فأعلنت أختها بالويل والغير.
تأخر القطع عنها وهي سارقة ... فجاءها الكسر يستقصي عن الخير.
وقد اهتدم ذلك برمته من البيتين السائرين في تاريخ ابن خلكان:
إن العماد بن جبريل أخا علم ... له يد أصبحت مذمومة الأثر.
تأخر القطع إلى آخره.
وفيها في جمادى الأولى حضرت رسل حسين بن أويس صاحب بغداد وتبريز إلى
برقوق، وهم: قاضي البلد الشيخ زين الدين علي بن عبد الله بن سليمان بن
الشامي المعري المقانعي الآمدي الشافعي، وشرف الدين عطاء بن الحسين
الواسطي الوزير، وشمس الدين محمد بن أحمد البرادعي، فأكرموا غاية
الغكرام، وذكر المقانعي أنه غرم على سفرته عشرة آلاف دينار وأنه جاء في
مائة عليقة، وكان يكثر الثناء على أهل الشام وتردد الكبار للسلام عليهم
حتى القضاة، ورتب لهم برقوق رواتب كثيرة، وطلبهم عنده مرة ومد لهم
سماطاً حافلاً، وكان تسفيرهم في العشر الآخر من رجب.
وفيها كانت الوقعة بالتركمان وزعيمهم ابن دلغادر، أوقع بهم العسكر
الشامي ومعهم نائب حلب ونائب دمشق في جمادى الأولى، فانكسروا كسرة
شنيعة وقتل منهم جماعة، ثم رجع العسكر التركماني فهزموا العسكر، وجرح
نائب ملطية منطاش وتمرزق الجيش، ووقع التركمان في النهب، وقتل جوبان
الجركسي، وكان من قدمائهم، له ذكر في الحوادث سنة خمسين وسبعمائة، وكان
من أتباع الفخر إياس، وولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم الحجوبية بحلب.
(1/237)
وفيها ابتدئ في عمارة المدرسة الظاهرية بين
القصرين، فابتدئ بهدم خان الزكاة بين القصرين، وحصل للناس بذلك مشقة
زائدة.
وفيها في شهر رمضان أمطرت السماء مطراً عظيماً حتى صار باب زويلة خوضاً
إلى بطون الخيل، وخرج سيل عظيم من جهة طرا فغرق زرعها، وأقام الماء
أياماً، ولم يعهد الناس ذلك بالقاهرة.
وفيها ظهر نجم له ذؤابة قدر رمحين من جهة القبلة، وذلك في شعبان.
وفيها أمسك شخص يقال له الحاج علي السروري وجد عنده رؤوس بني آدم، فضرب
وجرس.
وفيها أجرى الماء إلى الميدان بسوق الخيل وإلى الحوض الذي على بابه،
وكان له نحو من سبعين سنة منقطعاً.
وفيها في شهر رمضان قام شخص يقال له ابن نهار إلى ابن جماعة فأمسك
بعنان بغلته عند العنبرانيين وقال له: حمت في بغير حكم الشرع، فرجع ابن
جماعة إلى برقوق فشكاه إليه، فاتفق أنه كان مفكراً في أمر من أمور
المملكة، وزاد ابن نهار في الإساءة على ابن جماعة بحضرة برقوق فلم يرد
عليه، فرجع ابن جماعة إلى التربة فأقام بها وعزل نفسه من الحكم، فبلغ
ذلك الأمير فأنكر القصة واعتذر بالفكرة التي كان فيها، فأرسل إلى ابن
نهار فأحضره، وعقد له مجلس فأفتى البلقيني ووافقه العلماء بتعزيره،
فعزر وضرب بحضرة برقوق بالمقارع، وأرسل قطلوبغا الكوكاي وإياس
الصرغتمشي إلى ابن جماعة فترضياه، وطلع معهما إلى برقوق، فقام إليه
وترضاه، واعتذر إليه وأعاده إلى القضاء وقال له: من تكلم في حقك بكلمة
ضربته بالمقارع، فقبل ذلك ونزل.
وقرأت بحط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه ما نصه: وفي شهر رمضان
تسلط
(1/238)
شخص يقال له ابن هار على القاضي ابن جماعة
بالإساءة والسب وكتب فيه تصنيفاً، واستمر على ذلك مدة حتى لقي ابن
جماعة قد خرج من عند برقوق فشتمه ولعنه، فأمسكه ابن جماعة ودخل به إلى
برقوق وقال له: هذا قال لي كذا وكذا، فلم يحبه، فعزل نفسه ونزل إلى
تربة الشيخ جمال الدين الأسنائي ظاهر باب النصر يسافر منها إلى القدس
فقام الأمراء الذين حضروا ذلك مثل قطلوبغا الكوكاي وسودون الشيخوني
وإياس الصرغتمشي وسألوا برقوق في عقد مجلس فذكر قصته، وفي آخرها أنه
جرس ونفي.
وفيها ثار جماعة على الملم الأشرف صاحب اليمن فأرادوا الفتك به وتولية
خاله المظفر، فعرف بهم وأراد القبض عليهم فهربوا إلى الدملوة فخرج
عليهم العرب فأمسكوهم وأحضروهم إليه فاستتابهم وعفا عنهم، وقيل: كان
ذلك في السنة التي قبلها.
وفيها وقع بين العادل صاحب الحصن وبين السليمانية ورئيسهم غرز الدين،
وأعانه صاحب بدليس وجميع حكام ديار بكر ومن جملتهم سيف الدين اليحي
صاحب جزيرة ابن عمر، فعرف غرز الدين بكثرة العساكر فأرسل أباه بهاء
الدين في الصلح، فاجتمع أبوه بصاحب أرزن فجمع بينه وبين العادل فأقبل
عليه ورحل عنهم.
وفيها في شعبان كائنة الشيخ شمس الدين القونوي، وكان مقيماً بزاويته
بالمزة، وللناس فيه اعتقاد، وكان شديد الإنكار على أهل الظلم، ورسائله
إلى الحكام لا ترد، فاتفق أن الحاجب يلو نائب الغيبة بدمشق عزل ابن
بلبان من ولاية البر وكتب فيه إلى مصر
(1/239)
بما يعتمده محضراً، فجاء الجواب بالتنكيل
به، فبلغه فهرب إلى زاوية الشيخ شمس الدين القونوي فاستجار به فأجاره
ابن الشيخ فغضب الشيخ، وكان الشيخ يشطح في حقه وحق غيره فبلغ الحاجب
فغضب وأرسل إليه الجمادرة ليحضروا الشيخ وابنه والوالي فمنعوا أنفسهم
ووقع بينهم مقاتلة فشج الشيخ في رأسه، ثم غلبوا فأحضروا إلى الحاجب،
فأحضر القضاة وعرضوا عليهم أمرهم، وأحضروا السلاح الذي قاتلوا به، وأمر
بكتب محضر بصورة الحال فأنكر الشيخ أن يكون عرف بحضور ابن لبان وإنما
ابنه فعل ذلك، فانفصل، الحال على أن ضرب الوالي وابن الشيخ وسجنا
بالقلعة، وتوجه الشيخ إلى منزله، وذلك في شعبان، وحصل للشيخ من ذلك غم
كثير وأقام في زاويته بالمزة وأقصر مما كان فيه من الإنكار ومراسلة
الأمراء، وكان للناس فيه اعتقاد كبير، ورسائله إلى الحكام لا ترد. فلما
كان في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وصل المرسوم السلطاني إلى الشيخ
بالتعظيم والإكرام وبطلب الذين قاموا عليه وتمكينه من تعزيرهم، ووصل
إليه كتاب بالتعظيم والتبجيل والإكرام وبطلب الدعاء منه، فأحضر النائب
إليه أربعة فربط واحداً منهم في شجرة وأمر بسجن آخر، وزال ما عند من
الانكسار ورجع إليه إلى حالته الأولى.
وفيها كائنة الشيخ شمس الدين محمد بن خليل الجزري الحنبلي المنصفي كان
إمام مدرسة الضياء بسبب فتواه بشيء من مسائل ابن تيمية فأحضره ولي
الدين قاضي دمشق وأراد ضربه ثم سجنه فشفع فيه الحنبلي ومنعاه من
الفتوى، وذلك في رمضان.
ذكر من مات
في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة من الأعيان.
إبراهيم بن حسين بن الملك الناصر أخو الملك الأشرف شعبان كان خيراً
ديناً، وقد ذكر للسلطنة فلم يتم ذلك، مات في جمادى الآخرة.
(1/240)
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن
عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي، شهاب الدين، نزيل
حلب، ولد سنة سبع وسبعمائة، وتفقه بدمشق قليلاً، وناب في بعض النواحي
في الحكم بها، ثم تحول إلى حلب فقطنها، وناب في الحكم بها، ثم ترك
وأقبل على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس وجمع الكتب حتى اجتمع
عنده منها ما لم يحصل عند غيره، وظفر من النقول ما لم يحصل لأهل عصره
وذلك بين في تصانيفه، وتعقب المهات للأسنوي بقدر حجمها، والذي بيضه
منها إلى النكاح في أربع مجلدات وهو ثبت في النقل وسط في التصرفات قاصر
في غير الفقه وأجاز له القاسم بن عساكر والحجار وغيرهما، وسمع من
الكمال بن عبد وطائفة وجمع له شهاب الدين بن حجي مشيخة وتفقه بشيوخ
عصره ومهر في الفن وكان اشتغاله على كبر، وله في ذلك حكاية ومنام ذكرها
في خطبة كتابه التوسط، وسأل السبكي أسئلة شهيرة اسمها الحلبية وصنف
شرحين على المنهاج وجمع على الروضة كتاباً سماه التوسط والفتح بين
الروضة والشرح أكثر فيه من النقولات المفيدة، وانتهت إليه رئاسة العلم
بحلب، مات في نصف جمادى الآخرة بعد أن حصل له عرج وقليل صمم وضعف بصره،
وله شعر فمنه ما حكاه ابنه عبد الرحمن عنه وأخبرني أنه سمعه يقول: رأيت
في المنام رجلاً وقف أمامي وهو ينشد:
كيف ترجو استجابة لدعاه ... قد سددنا طريقه بالذنوب.
كيف لا يستجيب ربى دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه.
(1/241)
مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتكالي في كل
خطب عليه.
قال: وانتهبت وأنا أحفظ الأبيات الثلاثة، قرأت بخط الشيخ تقي الدين بن
قاضي شهبة أن جمال الدين الطيماني أخبره أنه ذكر في مجلس الشيخ سراج
الدين البلقيني شيئاً استغربه فقال: من أين هذا؟ قال فقلت له: من القوت
للأذرعي، فطلبه فأحضرته فبقي عنده أياماً، ثم قال لي: رحمه الله لقد
أفد، قلت: ولقد كنت أتعجب حين أطالع في تصحيح المنهاج لشيخنا وأجده
يوافق الأذرعي في مواضع إلى أن وفقت على هذه الحكاية فعرفت أنه استعان
بكلامه.
أحمد بن عبد الله المزي، شهاب الدين، كان رجلاً صالحاً حج ماشياً، وكان
يصوم مع ذلك، مات في ربيع الأول سقط من سطح فمات شهيداً.
أحمد بن علي بن عبد الله الفارسي، شهاب، كان فاضلاً خيراً ديناً، مات
في شهر ربيع الأول.
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن واقد، شهاب الدين بن المحدث شمس
الدين، سمع من القاسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما وحدث،
وولي نقابة الحكم، مات بدمشق في رجب.
أحمد بن عبد الله التونسي، أبو العباس، مشهور بكنيته، وكان أحد الفضلاء
بزي العجم.
أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي، الشيخ ركن الدين القرمي، ويقال له
أيضاً: قاضي قرم، قدم القاهرة بعد أن حكم بالقرم ثلاثين سنة، فناب في
الحكم، وولي إفتاء دار العدل، ودرس بالجامع الأزهر وغيره، وجمع شرحاً
على البخاري، استمد فيه من شرح شيخنا لبن الملقن، رأيت بعضه، وكان يزن
بالهنات، مات في شهر رجب، سمعت الشيخ عز الدين بن جماعة يقول سمعت
الشيخ ركن الدين يقول: شرف العلم من ستة أوجه: موضوعه، وغايته، ومائله،
ووثوق براهينه، وشدة الحاجة إليه، وخساسة مقابه.
(1/242)
قال لنا الشيخ عز الدين: ولما ولي الشيخ
ركن الدين التدريس قال: لأذكرن لكم في التفسير ما لم تسمعوه، فعمل
درساً حافلاً فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه،
فبادر إلى السراج الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده
وحكم بإسلامه، فاتفق أنه بعده حضر درس السراج الهندي ووقع من السراج
شيء فبادر الركن وقال: هذا كفر، فضحك السراج حتى استلقى وقال: يا شيخ
ركن الدين! تكفر من حكم بإسلامك! قال: فأخلجه.
أحمد بن محمد بن أبي العمران المحزومي الشافعي، أحد الفضلاء، مات
شاباً.
أحمد بن محمد الأرموي الصالحي، كان من بقايا الأكابر، مات في رجب.
إسحاق بن عاصم، ويقال لعاصم أيضاً: محمد الهندي، نظام الدين، شيخ
الخانقاه الناصرية بسرياقوس، كان ذا همة عالية مع لطاقة الذات وحسن
الصفات، مات في ربيع الآخر بسرياقوس، وحمل إلى داره تحت قلعة الجبل
فدفن بها.
إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي، المعروف بابن
الكشك، عماد الدين، قاضي دمشق، وليه بعد القاضي جمال الدين بن السراج
فباشر دون السنة وتركه لولده نجم الدين. ودرس بعدة مدارس بدمشق، وكان
جامعاً بين العلم والعمل وكان مصمماً في الأمور حسن السيرة، عمر حتى
جاور التسعين، مات في شوال أو بعده بدمشق من هذه السنة.
آقتمر عبد الغني التركي، تنقل في الإمرة، وتقلبت به الأحوال، وأول ما
ولي طبلخاناة في حياة شيخون، ثم أعطى تقدمة ألف واستقر خزندارا، ثم ولي
نيابة طرابلس في سلطنة الناصر حسن سنة تسع وخمسين، ثم أعاده يلبغا إلى
أن استقر حاجباً كبيراً، ثم ولي نيابة الشام
(1/243)
في صفر سنة ثمان وخمسين، ثم أعيد إلى
القاهرة حاجباً، ثم استقر في نيابة السلطنة بمصر سنة خمس وسبعين، ثم
ولي نيابة طرابلس ثم صفد، ثم عاد إلى الحجوبية سنة ثمان وسبعين، ثم
استقر نائب الغيبة لما حج الأشرف، ثم قبض عليه وسجن، ثم أعطي إمرة
بغزة، ثم عاد إلى النيابة في سنة تسع وسبعين، ثم قرر أميراً كبيراً إلى
أن مات وهو أمير كبير، رأس الميسرة في جمادى الآخرة، وكان ليناً سليم
الصدر متواضعاً يرجع إلى خير.
أنس بن عبد الله الجركسي، والد برقوق، كان كثير البر والشفقة لا يمر به
مقيد إلا ويطلقه ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ
ابنه بعمارتها، مات في شوال ودفن بتربة يونس ثم نقل إلى المدرسة وأعطي
ولده الشيخ جلال الدين التباني ثلاثين ألف درهم فحج عنه وقيمتها إذ ذاك
ألف وخمسمائة مثقال ذهباً، ويقال: إنه جاوز التسعين، واستقر في تقدمته
قطلوبغا الكوكاي.
ايدمر الشمسي عز الدين، أحد كبار الأمراء، مات في صفر مطعوناً، وكان من
أمراء الناصر أمره طبلخاناة، ثم تقدم إلى أن كان رأس الميمنة، وكان لين
الجانب.
آلان بن عبد الله الشعباني، أحد كبار الأمراء، مات في رجب، والعامة
يقول: علان بالعين المهملة بدل الهمزة، وكان أصله من مماليك حسن، وكان
شجاعاً فأمر تقدمة بعد فتنة بركة، واستقر أمير سلاح حتى مات.
أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر بن سعد الله بن مسعود الخليلي ثم
الصالحي الحنبلي، عماد الدين، ولد سنة خمس وسبعمائة في صفر وسمع بعد
العشرين وعني بالحديث، وطلب بنفسه، وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص
وقال: من فضلاء المقادسة، مليح الكتابة، حسن الفهم، له إلمام بالحديث،
وقرأ بنفسه قليلاً، ونسخ لنفسه ولغيره كثيراً انتهى.
(1/244)
وحدث عن الحجار وعن أبي نصر بن الشيرازي
وأبي الحسن بن هلال وغيرهم، مات في جمادى الأولى بدمشق.
جوكان الجركسي، ذكر في الحوادث وقد تقدم في السنة التي قبلها.
جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن مسوك الهكاري، تكنى أن أبيها سمعت
من ابن الصواف مسموعه من النسائي وسمند الحميدي ومن علي بن القيم ما
عنده من صحيح الإسماعيلي، وكانت خيرة دينة، أكثر الطلبة عنها، ماتت في
صفر.
حسام بن أبي الفرج أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن
عبد الرحمن بن ميمون بن محمد بن حسان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن
حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت، الفرغاني النعماني، نزيل بغداد،
اشتغل كثيراً، وسمع الحديث من سراج الدين عمر بن علي القزويني، وله من
أبي الفضل صالح بن عبد الله بن جعفر بن الصباغ إجازة، وأعاد بمشهد أبي
حنيفة ببغداد، نقلت نسبه من خط ابن أخيه القاضي تاج الدين البغدادي لما
قدم علينا من بغداد بعد العشرين وثماني مائة، وكان محمد قد قدم في
أواخر زمن المؤيد فاراً من ابن قرا يوسف لأنه كان آذاه وجدع أنفه، ففر
منه إلى القاهرة وألب عليه، فهم المؤيد بغزو بغداد وصمم على ذلك ثم
خانه الأجل، فتحول تاج الدين بعد موت المؤيد إلى دمشق وولي بها بعض
المدارس، ومات بها في وكان تاج الدين حدث بمسند أبي حنيفة جمع أبي
المؤيد محمد بن محمود بن محمد
(1/245)
الخوارزمي بروايته عن عمه عن ابن الصباح عن
مؤلفه وبروايته عن عبد الرحمن بن لاحق الفيدي عن علي بن أبي القاسم بن
تميم الدهستاني إجازة عن مؤلفه سماعاً.
حسين بن أويس بن حسين، صاحب تبريز وبغداد، قتل بمواطاة أخيه أحمد
بإشارة الشيخ خجا الكجحاني، وكان حسين شهماً شجاعاً، واستقر بعده أحمد
في السلطنة، وقيل: كان ذلك في ربيع الآخر من السنة التي بعدها، وسيأتي.
داود بن زكريا التكروري، الشيخ زين الدين العباسي، من أصحاب الشيخ أبي
العباس الضرير، وكان ممن يعتقد، مات في أواخر ذي الحجة.
سيف بن عبد الله المقدم، كان رأساً في الظلم، مهيناً، مات تحت العقوبة.
طشتمر بن عبد الله الشعباني، كان حاجباً صغيراً بدمشق، وناب في قلعة
الروم سنة سبع وستين، وولي الحجوبية بدمشق سنة تسع وسبعين وبعدها، ثم
ولي نيابة حماة، ومات بعينتاب في رجب، وكان صارماً شهماً.
عبد الله بن حسين بن طوغان، جمال الدين بن الأوحدي، كان خيراً كثير
التلاوة وافر العقل، وانجب ولده شهاب الدين أحمد، مات في صفر.
عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن عتيق الأنصاري، جمال الدين
بن حديدة، ولد سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وسمع على ابن شاهد الجيش
وإسماعيل التفليسي وابن الأخوة وغيرهم، وعني بالحديث وكتب الأجزاء
والطباق، وجمع كتاباً سماه المصباح المضيء في معرفة كتاب النبي وكان
خازن الكتب بالخانقاه الصلاحية بالقاهرة، وربما سمي
(1/246)
محمداً، وكان يذكر أنه سمع من الحجار ولم
يظفروا بذلك مع أنه حدث عنه بالثلاثينات بقوله، ومات في شعبان.
عبد الله القبطي، المعروف بالرقيق، كان كاتباً موصوفاً بالمعرفة، خدم
عند اينبك، ومات في صفر مطعوناً.
عبد الوهاب بن عبد الله القلعي، مؤذن جامع القلعة وجامع شيخون، كان
موصوفاً بحسن الصوت وطيب النغمة، مات هو ومحمد بن حسن البصري جميعاً،
وكانا متناظرين.
عثمان بن محمد بن أيوب بن مسافر الإسعردي، الخواجا، التاجر في
المماليك، هو الذي أحضر والد برقوق إلى القاهرة، وهو الذي أحضره من قبل
أبيه في دولة الأشراف، وكان قد سعى في إبطال مكس الرمان بدمشق، فاجيب
إلى ذلك، وكان له جاه وصيت في البلاد، وعمر بدمشق قيسارية مليحة، مات
في رجب، وأسف عليه برقوق وصلى عليه وأكثر البكاء عليه.
عرفك بن موسى بن عرفك بن بدر بن محمد بن محمود بن رماح بن محمود
المخزومي من عرب المشارقة، المعمر جاوز المائة، فقرؤوا عليه بالإجازة
العامة من الفخر بن البخاري وغيره، وكان يكنى أبا حميضة، وكان يذكر أنه
رأى الشجاعي ولا جين ويعرف القنص.
عطية بن منصور بن جماز الحسني، أمير المدينة، مات هو وأخوه نعير وابن
أخيه هبة بن جماز بن منصور في هذا العام.
علان، تقدم في الهمزة.
علي بن شعبان، تقدم في الحوادث.
(1/247)
علي بن عبد الله اللحفي، المعروف بالمكشوف،
ويقال له: أبو لحاف، لأنه كان مكشوف الرأس شتاءً وصيفاً، وكان شامياً
سكن مصر، ويذكر عنه كرامات كثيرة، مات في صفر.
علي بن أبي الفضل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن فلاح الإسكندري ثم
الدمشقي، العطار، علاء الدين، كان من بيت الرواية والفضل، ولد سنة سبع
وتسعين وستمائة، وسمع من القاضي نجم الدين بن صصرى مشيخته تخريج
العلائي، ومن علاء الدين بن العطار أربعي النووي، وكان لما كبر نزل
الحانوت وافتقر، وانقطع بمسجد إلى أن مات في ربيع الأول وله بضع
وثمانون سنة، وحدث، ولو أسمع على قدر سنه لكان من أعلى أهل عصره
إسناداً.
علي بن قشتمر التركي، ولي نيابة الكرك ثم الإسكندرية، وأمر تقدمة بمصر
بعد الأشرف، واستقر حاجباً ثانياً إلى أن مات في شهر ربيع الأول،
واستقر في تقدمته تغرى برمش، وترك لأولاده عدة إقطاعات.
عمر بن إسماعيل بن عمر بن كثير، عز الدين بن عماد الدين، عني بالفقه،
وكتب تصانيف أبيه، وولي الحسبة مراراً ونظر الأوقاف، ودرس بعده أماكن،
وعاش خمساً وأربعين سنة، مات في رجب.
عمر بن عثمان بن أبي القاسم عبد الله بن معمر، كمال الدين المعري،
اشتغل قليلاً، وعني بالفقه، ويقال: إن شرف الدين البارزي أذن له فولي
قضاء بلده ثم طرابلس ثم حلب في سنة ثلاث وخمسين، ثم تكررت ولايته لها
وأقام مرة من سنة تسع وخمسين إلى سنة إحدى وسبعين، ثم ولي دمشق بعد تاج
الدين البكي إلى أن عزل منها سنة خمس وسبعين، ثم أعيد في سنة تسع
وسبعين، ثم عزل، ثم أعيد إلى أن مات. قال ابن حجي: سمعنا منه، وكان
يحفظ الدرس جيداً، ويذاكر بأشياء حسنة، وخلف مالاً طائلاً، وقد حدث عن
الحجار وغيره، ولم يكن مشكوراً في الحكم ولا متورعاً فيه، بل
(1/248)
كان يأخذ الرشوة ظاهراً على ما قيل، مع أنه
كان يكثر الصوم والحج والعبادة، ومن العجيب أنه ولي دار الحديث
الأشرفية انتزعها من الحافظ عماد الدين بن كثير مع أن شرطها أن تكون مع
أعلم أهل البلد بالحديث، فمقته الطلبة وعدوا عليه غلطات وفلتات، منها
أنه قال: الجهبذ فنطق بها بضم الجيم وفتح الهاء، وكان طلق الوجه كثير
السكون كثير المال والسعي، وكان يكتب خطاً حسناً، ونسخ بخطه كتباً،
وكان يحفظ الدرس جداً ويذاكر بوفيات وغيرها، وكان عارفاً بالأحكام
والمصطلح، كثير التودد والمروءة، عاش إحدى وسبعين سنة، وأول ما ولي
قضاء بلده في سنة ثلاث وثلاثين، فكان يقول: ليس في قضاء الإسلام أقدم
هجرة مني، مات في رجب.
فاطمة بنت أحمد بن الرضي الطبري، أم الحسن، سمعت على جدها تساعياته
وغيرها وحدثت، ماتت في ذي الحجة أو في أوائل شوال.
فاطمة بنت الشهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي
والدها المكية ثم المدينة، سمعت على جدها لأمها الرضي الطبري الكثير،
وسمعت على أخيه الصفي حضوراً، وأجاز لها الفخر التوزري والعفيف الدلاصي
وأبو بكر الدشتي والمطعم وآخرون، وكانت خيرة، ماتت في شوال عن ثلاث
وسبعين سنة.
فرج بن قاسم بن أحمد بن لب، أبو سعيد الثعلبي الغرناطي، برع في العربية
والأصول، وشارك في الفنون، وأقرأ ببلده وأفاد، وولي خطابة الجامع
بغرناطة، أخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي وذكر أنه مات في
هذه السنة تقريباً، ورأيت له تصنيفاً في الباء الموحدة.
(1/249)
محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي،
أمين الدين بن الشماع، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من وزيره
مسند الشافعي بفوت يسبر وصحيح البخاري، وسمع على التقي محمد بن عمر
الحريري تفسير الكواشي بروايته عنه، ودرس في الفقه، وأذن له الشريف
البارزي في الإفتاء، وناب عن عز الدين بن جماعة، وولي قضاء القدس عن
السبكي الكبير، ثم ترك وجاور بمكة فمات بها في نصف صفر.
محمد بن حسب الله، الزعيم، التاجر، كان واسع الملاءة كثير الثروة
مشهوراً بمعرفة التجارة، إلا أنه كان كثير الربا، مات بمكة.
محمد بن حسن المصري، رئيس المؤذنين بالجامع الأزهر وغيره، وكان مشهوراً
بحسن الصوت وطيب النغمة، مات في شهر ربيع الأول، ومات معه رفيقه عبد
الوهاب كما مضى.
محمد بن شكر، الشاهد بدمشق، كان يحج كثيراً، يقال: حد خمساً وثلاثين
حجة، مات في جمادى الأولى.
محمد بن عبد الله بن العماد بن إبراهيم بن النجم أحمد بن محمد بن خلف،
فخر الدين الحاسب، سمع من التقي سليمان والحجار وطبقتهما، واشتغل
بالفقه والفرائض والعربية، وأفتى ودرس، وكان حسن الخلق تام الخلق، فيه
دين ومروءة ولطف وسلامة باطن، مهر في الفرائض والعربية، وكان عارفاً
بالحساب، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم ذلك، مات راجعاً من القدس بدمشق.
محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي، المؤذن، ولد سنة اثنتي
عشرة أو ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع البخاري على عيسى المطعم وأبي بكر بن
عبد الدائم وغيرهما، وحضر على التقي سليمان وسمع وهو كبير من المزي
والجزري والسلاوي وغيرهم، وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق، وابن مخلفو
ونحوه، وحسن الكردي، وعلي بن عبد العظيم الرسي، وعبد الرحيم الميساوي،
وابن المهتار، والوداعي وابن مكتوم، وابن النشو، والشريف موسى،
(1/250)
والرشيد بن المعلم وغيرهم من مصر
والإسكندرية، وخرج له ابن حجي مشيخة وقال: إنه كان أوحد عصره في
التلقين، وكان على طريقة السلف من السكون والتواضع والعفة وكف اللسان،
وكان عارفاً بعلم الميقات، ويقرئ الناس متبرعاً، مات في شعبان.
محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان بن عباد، شمس الدين، شيخ
زاوية قرية جبرين، مات في صفر، سمع من عمر أبيه صافي بن نبهان جزأين
وحدث. سمع منه البرهان سبط بن العجمي، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في
تاريخ حلب.
محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزرندي
الحنفي، قاضي المدينة بعد أبيه، كان فاضلاً متواضعاً، يكنى أبا الفتح،
وهو بها أشهر.
محمد بن عمر بن عيسى بن أبي بكر الكناني المصري، زين الدين، سمع من
وزيرة والحجار، وكان خيراً. ولي نيابة الحكم، وسمع منه نور الدين على
ابن شيخنا سراج الدين بن الملقن بقراءة أبي زرعة بن العراقي.
محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشراريبي، الملقب طقطق ولد سنة سبع عشرة
وسبعمائة، وسمع من المزي وغيره وحدث، وكان شيحاً ظريفاً، يحفظ أشعاراً،
ويذاكر بأشياء، ويتردد غلى مدارس الشافعية، مات في جمادى الآخرة.
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمالي السرائي
الأصل الدمشقي، ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع
وسبعمائة، وقدم الشام كثيراً، وعني بالحديث على كبر وطلبه وقتاً، وسمع
من الميدومي أظنه بالقدس ونحوه، وكتب بخطه وهو خط حسن، ونظم الشعر
المقبول، وكتب عنه ابن سند وجماعة، منهم سبط بن العجمي، وكان ديناً
خيراً، يكنى أبا حامد، وأبا المجد، وأبا الفياض، وكان فاضلاً، له نظم
جيد، ومشاركة في العلم، وورع زائد. ولم يكن يملك شيئاً إلا
(1/251)
ما هو لابسه، وكان تارة يمشي بطاقية ولا
يتكلف هيئة مع التواضع والبشاشة وحسن الخلق والخلق، وكان العلماء
يترددون إليه، ولا يقوم لأحد، ولا يملك شيئاً ولا يقتنيه.
محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين بن السيوري، انتهت إليه الرياسة في
حسن الضرب بالعود، وكان عارفاً بالموسيقى حسن الخط، مليح العشرة، وله
أقطاع تعمل في السنة ألف دينار، وكان يقول إنه من ذرية عمار بن ياسر،
رضي الله عنه، مات في صفر.
محمد بن محمد بن دقيق، شمس الدين بن ولي الدين، ناب في الحكم، وولي بعض
الخوانق.
محمود القازاني، شاد الاوقاف بدمشق، قتل في تجريدة التركمان في جمادى.
نعير بن منصور. وابن أخيه هبة بن جماز، تقدما في عطية.
يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي، كان عارفاً بالفقه والأصول
والعربية، انتفع به الناس، ومات في صفر.
يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي، ولي الدين الحنبلي،
كان فاضلاً في الفقه، وامتحن مراراً بسبب فتياه بمسألة ابن تيمية في
الطلاق، وكذا في عدة من مسائله، وقد حدث عن الحجاز وابن الرضي والشرف
بن الحافظ وغيرهم، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية، وسجن بسبب ذلك،
ولا يرجع حتى بلغه أن الشيخ شهاب الدين بن المصري، حط على ابن تيمية في
درسه بالجامع فجاء إليه فضربه بيده وأهانه، مات في تاسع عشر صفر.
يوسف بن أبي راجح محمد بن إدريس بن غانم بن مفرح العبدري، جمال الدين
الشيبي الحجبي، شيخ الحجبة، مات بمكة.
(1/252)
سنة أربع وثمانين
وسبعمائة
فيها في المحرم وقع الطاعون بدمشق، وتزايد في صفر حتى قارب الثلاثمائة،
ثم تناقص، ويقال: جاوز الأربعمائة، ثم تناقص في ربيع الآخر إلى ثمانين.
وفيها في المحرم وقع الغلاء بمصر، وارتفع السعر إلى أن بيع القمح بمائة
درهم الأردب، وعدمت الأقوات، ثم فرج الله تعالى عن قرب، ودخل الشعير
الجديد وانحط القمح إلى أربعين.
وفي المحرم استقر كمشبغا الحموي في إمرته.
وفيها لما كثر الغلاء أمر برقوق الحكام أن لا يحبس أحد على دين لأجل
الغلاء وأفرج عن المحابيس.
وفيها رضي برقوق على بيدمر ورده إلى نيابة الشام وذلك في صفر، وهي
المرة السادسة، وكان الذي أجضره من الإسكندرية بكلمش العلائي فوصل في
الحادي والعشرين من المحرم فخلع عليه بنيابة الشام.
وأرسل اشقتمر النائب الذي كان قبله إلى دمشق بطالاً. ودخل بيدمر الشام
في شهر ربيع الأول فاحتفل به أهل الشام وفرحوا بولايته جداً، وكان يوم
دخوله يوماً مشهوداً وجاوزوا الحد في ذلك.
وفيها شرع جركس الخليلي في عمل جسر بين الروضة ومصر كان طوله مائتي
قصبة في عرض عشرة، وحفر في وسط البحر خليجاً إلى فم الخليج الناصري
عنده موردة الجيش وكان غرضه بذلك أن يستمر النيل في جهة بر مصر فلم يتم
مراده، بل كان ذلك أعظم الأسباب في عكس ما قصده وانطرد النيل عن بر مصر
حيث كان ينشف نصفه فنشف كله إلى قرب المقياس. ثم بعد عشرين سنة حفر
النيل بغير سعي أحد وصار يلبث قليلاً قليلاً إلى هذه
(1/253)
الغاية، ولم يلزم الخليلي أحداً من الناس
فيما انفقه على هذا الجسر بغرامة درهم فما فوقه، فأنشد ابن العطار في
ذلك:
شكت النيل ارضه ... للخليلي فأحضره.
ورأى الماء خائفاً ... أن يطأها فجسره.
وفيها عمل الخليلي على النيل طاحوناً تدور في الماء فاستأجرها منه بعض
الطحانين فحصل منها مالاً عظيماً لكثرة من كان يأتي إليه برسم الفرجة.
وفيها في ثالث المحرم استقر سودون الشيخوني حاجب الحجاب، وأعطى إمرة
تغرى برمش وأرسل تغرى برمش إلى القدس بطالاً، واستقر أيدكار حاجب
الميسرة.
وفيها حضر الشيخ علي الروبي من الفيوم إلى مصر، وحصل للناس فيه محبة
زائدة واعتقاد مفرط، وسارعوا إلى الاجتماع به وهو في الجيزة.
وفيها امتنع القاضي برهان الدين بن جماعة من الحكم، وذلك في صفر،
والسبب فيه أن تجراً مات وخلف ملاً كثيراً فثبت عند القاضي برهان الدين
أن له ورثة، فمنع أهل المواريث من التعرض للمال فغضب برقوق من ذلك
وراسله في تسليم المال، فصمم وبلغه أن برقوق طلب من يوليه القضاء، فذكر
له الشيخ برهان الدين الأبناسي، فاختفى، فوقف البرهان عن الحكم بين
الناس، وسعى بدر الدين بن أبي البقاء في العود إلى المنصب وبذل مالاً،
وأن لا يتعرض للتركة المذكورة فأجيب واستقر في سلخ صفر وتوجه برهان
الدين بن جماعة إلى القدس في ثالث عشر ربيع الأول. وقرر ابن أبي البقاء
في أمانة الحكم بالقاهرة شهاب الدين الزركشي مضافاً إلى أمانة الحكم
بمصر وقرر في نظر
(1/254)
الأوقاف بمصر شمس الدين بن الوحيد عوضاً عن
زين الدين الزواوي، وفي نظر الأوقاف بالقاهرة جمال الدين العجمي عوضاً
عن تقي الدين الأسنائي.
وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: في أول سنة أربع وثمانين
سأل برقوق من يختص به أن يطلب له رجلاً جيداً يوليه قضاء الشافعية فذكر
له جماعة منهم الشيخ برهان الدين الأبناسي، فطلبه مع موقعه أوحد الدين
وعرفه القصة فواعده على أن يجيء إليه ويتوجه معه إلى الإصطبل، فهرب
واختفى، فأقام على ذلك أياماً وابن جماعة لا يعرف بشيء من ذلك بل يظن
أن ذلك لأمر آخر، فلما أيسوا منه طلب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء
فأعيد إلى القضاء في يوم الخميس تاسع عشرين صفر، واستمر معه تدريس
الشافعي، وتوجه ابن جماعة إلى القدس انتهى.
ويقال: إن برقوق كان يعرف قوة نفس برهان الدين بن جماعة فخشي أن لا
يوافقه إذا رام أن يتسلطن ويعارضه فلا ينتظم امره، فعمل على عزله
وتولية من لا يخالفه لكونه هو الذي أنشأ ولايته، وكان الشيخ برهان
الدين الأبناسي يقول إنه لما واعد أوحد الدين ودخل إلى منزله ففتح
المصحف فخرج: " قال رب السجن أحب لي مما يدعونني إليه ". فأطبقه وتغيب.
وفيها صرف همام الدين ابن الشيخ الاتقاني من قضاء الحنفية بدمشق، وأعيد
نجم الدين بن الكشك، وكان وصل الخبر بعزله وولاية النجم فامتنع النواب
من الحكم، فأنكر عليهم الهمام واستمر يحكم حتى قدم النجم فتوجه الهمام
إلى النائب، وكان غائباً عن البلد ثم رجع معزولاً. وكان الهمام من
عجائب الدهر في الجهل والخبط وقلة الدين.
وفيها استقر تقي الدين الزبيري في نيابة الحكم بالقاهرة، وقد تولى
القضاء استقلالاً بعد ذلك.
(1/255)
وفيها انكسر الجسر من جهة المنشية عند
المريس فنزل الماء إلى البركة التي هناك، ففاضت على الميدان، فلم يركب
السلطان تلك السنة إلا ميدانين خاصة.
وفيها حضر رسل صاحب إشبيلية من عند ملك الكيتلان يسألون السلطان
الشفاعة في صاحب سيس، فأرسله إليهم مكرماً.
وفيها حضر رسول سيس ومعه كتاب يخبر فيه بأن الأرمن الذين هناك مات
كبيرهم فأمروا عليهم زوجته فحكمت فيهم مدة ثم عزلت نفسها فاتفق رأيهم
على أن يفوضوا أمرهم لصاحب مصر فيختار لهم من يوليه عليهم، فانتقى لهم
برقوق واحداً من الأرمن الأسارى الذين يسكنون بالكوم ظاهر القاهرة
ويبيعون الخمور، فأخذوه معهم فملكوه عليهم.
وفيها في ربيع الآخر ولي بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر كتابة السر
بدمشق عوضاً عن فتح الدين بن الشهيد، وهرب ابن الشهيد بعد أن طلب،
فأمسك ولده تاج الدين ورسم عليه، ثم ظهر لما ولي بيدمر فقرر عليه مال
ورسم عليه بالعذراوية ثم بالدماغية، ثم أطلق وهرب ابن منهال الذي استقر
كاتب لكونه ألزم بوزن ما التزم به من المال فلم يقدر على ذلك فاستقر
عوضه ابن مزهر.
وفيها ولي القضاء بالقدس خير الدين الحنفي، وهو أول حنفي قضى به.
وولي القضاء بغزة موفق الدين رسول الحنفي، وهو أول حنفي قضى بها، وهذان
من طلبه الحنفية بالشيخونية، وكان الثاني أولاً ينوب عن الهمام
الاتقاني بدمشق.
(1/256)
وفي رمضان من هذه السنة خلع الملك الصالح
حاجي من السلطنة، وكانت مدة مملكته سنة ونصفاً ونصف شهر وبويع برقوق
بالسلطنة ولقب الملك الظاهر وكني أبا سعيد، ولم تنتطح في ذلك عنزان
وكان يعمل في تدبير المملكة من بعد مسك بركة إلى أن أفنى المماليك
الأشرفية نفياً وقتلاً، وقرب الجراكسة وأبعد الترك. ثم طلب القضاة
والعلماء والأمراء واستشارهم في أمر المملكة وأن الأمور اضطربت لصغر سن
السلطان وطمع المفسدون في الأمر، فاجمعوا على طاعته وبايعوه، وذلك يوم
الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان، وخطب له بالجامع يوم الجمعة حادي عشرة،
وتوجه البريد إلى البلاد فبويع له بدمشق في يوم الخميس سابع عشريه،
وخطب له يوم الجمعة ثامن عشريه، واستقر أيتمش أتابك العساكر، والجوباني
أمير مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور وسودون الشيخوني نائب السلطنة،
وقزدمر الحسني رأس نوبة ويونس في الدويدارية.
وفي يوم سلطنته انحط سعر القمح فاستبشر الناس بذلك. وأدخل الملك الصالح
داخل الدور وقرأ تقليد الظاهر يوم الاثنين رابع عشريه.
وفي ربيع الأول هرب ابن مكانس الوزير من الترسيم، فبلغ برقوق فغضب على
شاد الدواوين بهادر الأعسر وحبسه بخزانة شمائل ثم شفع فيه فأطلق، وبالغ
في أذية أخوة ابن مكانس وأقاربه، وبسط عليهم العذاب وضربوا بالمقارع
وهجموا على حريمهم وهجموا على بيوت معارفهم، واستقصوا في التفتيش عليه
من الكنائس والديور فلم يقعوا به.
وفي شعبان أراد جماعة من مماليك برقوق ومماليك أولاد السلاطين الفتك
ببرقوق، وأنذره
(1/257)
الشيخ الصفوي وهو يكبسه، فقعد، فدخل أحدهم،
فوثب برقوق فضربه ضربة انقلب، ثم نزل إلى باب الإصطبل وطلب الأمراء
وتتبع الذين أرادوا الفتك به، فسجن منهم ونفي، وغضب على الأبغا
العثماني لأنه بلغه أنه اطلع على القضية وأخفاها عنه، فنفاه إلى
طرابلس، وأعطى إمرته لشخص من أقاربه قدم عليه من الجراكسة وهو قجماس.
وفي ربيع الآخر منها جهزت التجريدة إلى الفيوم بسبب صد عرب البحيرة عن
الدخول إلى الصعيد، فتجهز خمسة أمراء من المقدمين ومن تبعهم، فتوجهوا
إلى أن تحققوا أن العرب توجهوا إلى جهة برقة، فرجعوا في جمادى الأولى.
وفيها كائنة الشيخ صدر الدين على ابن العز الحنفي بدمشق، وأولها أن
الأديب علي بن أيبك الصفدي عمل قصيدة لامية على وزن بانت سعاد وعرضها
على الأدباء والعلماء فقرظوها ومنهم صدر الدين علي بن علاء الدين بن
العز الحنفي، ثم انتقد فيها أشياء فوقف عليها علة ابن أيبك المذكور
فساءه ذلك ودار بالورقة على بعض العلماء فأنكر غالب من وقف عليها ذلك
وشاع الأمر فالتمس ابن أيبك من ابن العز أن يعطيه شيئا ويعيد إليه
الورقة فامتنع، فدار على المخالفين وألبهم عليه، وشاع الأمر إلى أن
انتهى إلى مصر، فقام فيه بعض المتعصبين إلى أن انتهت القضية للسلطان
فكتب مرسوماً طويلاً، منه: بلغنا أن علي بن أيبك مدح النبي صلى الله
عليه وسلم بقصيدة وأن علي بن العز اعترض عليه وأنكر أموراً منها التوسل
بالنبي صلى الله عليه وسلم والقدح في عصمته وغير ذلك وأن العلماء
بالديار المصرية خصوصاً أهل مذهبه من الحنفية أنكروا ذلك، فتقدم بطلبه
وطلب القضاة والعلماء من أهل المذاهب ونعمل معه ما يقتضيه الشرع من
تعزير وغيره، وفي المرسوم أيضاً بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن
حزم وداود ويدعون إليه، منهم القرشي
(1/258)
وابن الجائي والحسباني والناسوفي، فتقدم
بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي وقطع معلوم،
ويقرر في وظائفهم غيرهم من أهل السنة والجماعة وفيه وبلغنا أن جماعة من
الشافعية والحنابلة والمالكية يظهرون البدع ومذهب ابن تيمية فذكر نحو
ما تقدم في الظامرية، فطلب النائب القضاة وغيرهم فحضر أول مرة القضاة
ونوابهم وبعض المفتين فقرأ عليه المرسوم، وأحضر خط ابن العز فوجد فيه
قوله: حسبي الله، هذا لا يقال إلا لله، وقوله: اشفع لي، قال: لا يطلب
منه الشفاعة، ومنها: توسلت بك، قال: لا يتوسل به، وقوله: المعصوم من
الزلل، قال: إلا من زلة العتاب، وقوله: يا خير خلق الله، الراجع تفضيل
الملائكة، إلى غير ذلك فسئل فاعترف ثم قال: رجعت عن ذلك وأنا الآن
أعتقد غير ما قلت أولاً: فكتب ما قال وانفصل المجلس، ثم طلب بقية
العلماء فحضروا المجلس الثاني وحضر القضاة أيضاً، وممن حضر: القاضي شمس
الدين الصرخدي، والقاضي شرف الدين الشريشي، والقاضي شهاب الدين الزهري،
وجمع كثير، فأعيد الكلام فقال بعضهم: يعزر، وقال بعضهم: ما وقع معه من
الكلام أولاً كاف في تعزير مثله، وقال القاضي الحنبلي: هذا كاف عندي في
تعزير مثله، وانفصلوا ثم طلبوا ثالثاً وطلب من تأخر وكتب أسماؤهم في
ورقة، فحضر القاضي الشافعي، وحضر ممن لم يحضر أولاً: أمين الدين
الأتقى، وبرهان الدين بن الصنهاجي، وشمس الدين بن عبيد الحنبلي وجماعة،
ودار الكلام أيضاً بينهم، ثم انفصلوا ثم طلبوا، وشدد الأمر على من تأخر
فحضروا أيضاً وممن حضر: سعد الدين النووي، وجمال الدين الكردي، وشرف
الدين الغزي، وزين الدين بن رجب، وتقي الدين بن مفلح، وأخوه، وشهاب
الدين بن حجي، فتواردوا على الإنكار على ابن العز في أكثر ما قاله ثم
سئلوا عن قضية الذين نسبوا إلى الظاهر وإلى ابن تيمية فأجابوا كلهم
أنهم لا يعلمون في المسمين من جهة الاعتقاد إلا خيراً، وتوقف ابن مفلح
في بعضهم، ثم حضروا خامس مرة واتفق رأيهم على أنه لا بد من تعزير ابن
العز إلا الحنبلي،
(1/259)
فسئل ابن العز عما أراد بما كتب؟ فقال: ما
أردت إلا تعظيم جناب النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره أن لا يعطى
فوق حقه، فأفتى القاضي شهاب الدين الزهري بأن ذلك كاف في قبول قوله وإن
أساء في التعبير، وكتب خطه بذلك، وأفتى ابن الشريشي وغيره بتعزيره،
فحكم القاضي الشافعي بحبسه فحبس بالعذراوية، ثم نقل إلى القلعة، ثم حكم
برفع ما سوى الحبس من التعزيرات، ونفذه بقية القضاة، ثم كتبت نسخة
بصورة ما وقع وأخذ فيها خطوط القضاة والعلماء وأرسلت مع البريد إلى
مصر، فجاء المرسوم في ذي الحجة بإخراج وظائف ابن العز، فأخذ تدريس
العزية البرانية شرف الدين الهروي، والجوهرية على القليب الأكبر:
واستمر ابن العز في الاعتقال إلى شهر ربيع الأول من السنة المقبلة.
وأحدث من يومئذ عقب صلاة الصبح التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم،
أمر القاضي الشافعي بذلك المؤذنين ففعلوه.
وفي الرابع من ذي القعدة طلب ابن الزهري شمس الدين محمد بن خليل
الحريري المنصفي فعزره بسبب فتواه بمسألة الطلاق على رأي ابن تيمية
وبسبب قوله: الله في السماء، وكان الذي شكاه القرشي فضربه بالدرة وأمر
بتطويفه على أبواب دور القضاة، ثم اعتذر ابن الزهري بعد ذلك وقال: ما
ظننته إلا من العوام لأنهم أنهوا إلى أن فلاناً الحريري قال كيت وكيت،
حكى ذلك ابن حجي، وهذا العذر دال على أنه تهور في أمره ولم يثبت فلله
الأمر.
ومن اطرف ما يحكي عن المنصفي أن بعض الناس اغتم له مما جرى فقال: ما
أسفي إلا على أخذهم خطي بأني أشعري فيراه عيسى بن مريم إذا نزل.
وفيها كان الحاج بمكة كثيراً بحيث مات من الزحام بباب السلام أربعون
نفساً أخبر الشيخ ناصر الدين بن عشائر أنه شاهد منهم سبعة عشر نفساً
موتى بعد أن ارتفع الزحام
(1/260)
وان شيوخ مكة ذكروا أنهم لم يروا الحاج
أكثر منهم في تلك السنة، وكانت الوقفة يوم الجمعة بلا ارتياب عندهم،
ولكن وقع للشيخ زين الدين القرشي أنه قيل عنه انه ضحى يوم الجمعة لأجل
شهادة من شهد برؤية هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فلم يصم يوم الخميس
وضحى يوم الجمعة، وشاع عنه أنه أمر بذلك فبلغ القضاة فشق عليهم ورفعوا
أمره للنائب فطلبه النائب فتغيب ثم حضر واخبر بأنه لم يضح واعترف بأنه
لم يصم احتياطاً للعبادة واستدل بأشياء تدل على قوة ما ذهب إليه وخالفه
جماعة في ذلك وانفصل الحال، وكان استجار بالأمير تمرباي فأرسل إلى
القضاة فكفوا عنه، ثم أحضر النقل من مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم
النخعي أنهم كانوا يرون صوم يوم عرفة إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم النحر
وأنه أفطر لذلك الأمر وذكر لهم أن ابن تيمية نقل الإجماع أنه لا يعتبر
بذلك الشك وأن هذا الأثر يرد عليه فعورض بأن الأخذ بالأثر المذكور
يخالف مذهب الشافعي لعدم قوله بصوم يوم الشك من رمضان ولم يلتفتوا إلى
الاحتياط المذكور.
وفي شعبان انتهت زيادة النيل إلى إصبع من أحد وعشرين ذراعاً.
وفي رمضان استعفى طشتمر الدويدار من نيابة صفد فأعفى وتحول إلى القدس
بطالاً.
وفيها استقر محمود شاد الدواوين وكان قبل ذلك استادار سودون باق.
وفيها حججت مع زكي الدين الخروبي، وكانت وقفة الجمعة وجاورنا، فصليت
بالناس في السنة التي تليها، وقد كنت ختمت من أول السنة الماضية
واشتغلت بالإعادة في هذه السنة فشغلنا أمر الحج إلى أن قدر ذلك بمكة،
وكانت فيه الخيرة.
وفي تاسع شوال صرف بدر الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر، واستقر
أوحد الدين عوضه فيها، وكان أوحد الدين موقع برقوق وله به معرفة قديمة
فجازاه.
(1/261)
وفيه قدم الشيخ أبو زيد بن خلدون من المغرب
فأكرمه السلطان.
وفي ذي القعدة أسلم أبو الفرج الأسعد كاتب الحوائج خاناة فسماه
السلطان: موفق الدين، وولاه نظر ديوان أولاده، وتقدم واشتهر ذكره.
وفيها وقع بين الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ بدر الدين بن الصاحب
في الخشابية بجامع مصر بحث ألزمه فيه البلقيني بالكفر، فجرى بينهما
كلام كثير وتولد منه شر كبير، فقام على ابن الصاحب جماعة وادعوا عليه
عند المالكي، فسعى له آخرون عند اكمل الدين، حتى نقل القضية إلى القاضي
الشافعي، وأقام مدة في الترسيم حتى حكم بحقن دمه، واستمر في وظائفه
وعاش بعدها مدة. فحدثني بعض من سمع الشيخ سراج الدين يجهر بصوته بين
القصرين وابن الصاحب مع الرسل الموكلين به سائراً مع البلقيني وهو
يقول: يا معشر المسليمن! هذا كفر، فيقول ابن الصاحب: يا معشر المسلمين!
هذا رأى الشيخ ذلك عدل إلى قوله: يا معشر المسلمين! هذا قال: غن نبيكم
مت هو مدفون بالمدينة، وكان البحث بينهما في شيء من ذلك، وتعصب له
جماعة منهم الفاضل محمد النحاس المصري فقال فيه:
لبدر الدين بين الناس فضل ... فمذهبه الصحيح بلا اعوجاج.
فأشرق في سماء العلم بدرا ... فأطفأ نوره نور السراج.
وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى بولاق التكرور فاجتاز من الصليبة
وقناطر السباع وفم الخور، وكان عادة السلاطين قبله من زمن الناصر لا
يظهرون إلا في الأحيان ولا يركبون إلا من طريق الجزيرة الوسطانية، ثم
تكرر ذلك منه وشق القاهرة مراراً، وجرى على ما ألف في زمن الإمرة.
وأبطل كثيراً من رسوم السلطنة، وأخذ من بعده بطريقته في ذلك إلى أن لم
يبق من رسمها في زماننا إلا اليسير جداً.
وفيه استسلم الظاهر أبا الفرج الذي استوزره بعد ذلك، وكان كاتب الحوائج
خاناة
(1/262)
واللحم، فاتفق أن المعلمين في اللحم ضجروا
من تأخر حقهم، فغضب الظاهر على الوزير علم الدين سن إبرة وضربه وأمر
بإحضار أبي الفرج فحضر وهو فزع فعرض عليه الإسلام فبادر إليه فلقبه
موفق الدين وخلع عليه وأركبه فرساً بكنبوس ذهباً.
وفيه هرب الطنبغا السلطاني نائب البلستين إلى سيواس.
وفيها بنى السلطان قناطر بني منجا فأحكم عمارتها.
وفيها غضب السلطان على قرط فظقر به فأهانه وصادره ونودي على ولده حسين،
وذلك في ذي الحجة.
وفيها ولي عبد الرحمن بن رشد المغربي المالكي القضاء بحلب عوضاً عن علم
الدين القفصي.
وفيها وقع الخلف بين أحمد بن عجلان صاحب مكة وبين الأشرف صاحب اليمن
بسبب المحمل اليمني، فغضب الأشرف عليه ومنع التجار من الاجتياز عليه،
فسافروا من جهة سواكن، فضاق ابن عجلان من ذلك فتشفع إليه حتى رضي عنه
وأطلقهم.
وفيها قتل حسين بن أويس اغتيالاً اغتاله أحمد بن أويس أخوه سلطان
بغداد، وكان استنابه على البصرة وتوجه إلى تبريز فمالأ أحمد الأمراء
عليه حتى قتل واستقل بالسلطنة.
ذكر من مات
في سنة أربع وثمانين وسبعمائة من الأعيان.
أحمد بن أحمد بن أحمد بن فضل الله شهاب الدين بن عز الدين بن شهاب
الدين، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق، وكان قد اشتغل ومهر، وكان مقداماً،
مات في جمادى الأولى، ومات أبوه قبله بشهر.
(1/263)
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد
الرحمن الحنبلي، شهاب الدين بن تقي الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة،
وسمع من ابن مشرف والتقي سليمان وغيرهما، وله إجازة من جماعة، وكان له
حانوت يبيع فيه القز بالصالحية، وكان مباشر الأوقاف، مات في المحرم وله
اثنتان وثمانون سنة.
أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن فضل الله، شهاب الدين بن بهاء الدين،
كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق، وكان قد اشتغل ومهر، مات في جمادى الأولى،
ومات أبوه قبله بأشهر، وكان له اشتغال بالفرائض والعربية والأدب، وكان
شهماً مقداماً، وعاش أبوه بعده نحو نصف شهر وقد باشر عن ولده كتابة
السر.
أحمد بن علي بن يحيى بن عثمان بن نحلة، شرف الدين الدمشقي، ولد سنة
أربع وسبعمائة، وحضر على حسين الكردي وسمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد
الدائم وأبي بكر بن النحاس وغيرهما وحدث، وكان من كبار العدول بدمشق
تحت الساعات، ثم انقطع ببستانه، مات في رمضان وله ثمانون سنة.
أحمد بن محمد بن خلف البهوتي المصري، سمع على الواني وحدث، وكان كثير
التلاوة.
أحمد بن موسى بن أحمد بن حسن بن يوسف بن محمود القاضي، شهاب الدين
العينتابي الحنفي، والد القاضي بدر الدين محمود، رأيت بخط ولده أنه ولد
في حدود سنة عشرين، وأنه كان يستحضر الفروع ويعرف أمور السجلات
والمكاتيب، وأنه ناب في الحكم نحواً من ثلاثين سنة، وأنه مات في رجب
هذه السنة، وقدم ولده بدر الدين محمود إلى القدس سنة ثمان وثمانين وله
من العمر ستة وعشرين سنة فصادف الشيخ علاء الدين السيرامي يزور القدس
فقدم معه إلى القاهرة فنزله في الظاهرية ثم جعله خادماً بها، فلما مات
العلاء أخرجه جركس الخليلي بسبب عرض له ثم صحب جكم بعد موت الظاهر فسعى
له في الحسبة فوليها في أول ذي الحجة سنة إحدى وثمانمائة.
(1/264)
أمير غالب بن أمير كاتب بن أمير عمر بن
العميد بن أمير غالب الفارابي الاتقاني، همام الدين بن قوام الدين،
اشتغل قليلاً بالشام، وكان بزي الجند، وله أقطاع ثم ولي الحسبة في ذي
الحجة سنة تسع وسبعين فبدت منه عجائب، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين
وانتزع التداريس من علماء الحنفية، وكان مع فرط جهله وقلة دينه جواداً
سليم الصدر، ويحكى عنه أحكامه أشياء تشبه ما يحكى عن قراقوش وأطم حتى
أنه حلف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أنه يدفع لها ما حلفت عليه،
وحكى لي عنه ابن الفصيح وكان نقيباً عنده مساوي من الإسراف على نفسه،
وكان ابن جماعة يحكي عنه أنه قدمت له قصة فيها فلان له دعوى شرعية على
شخص يسمى أسد فكتب إن كان وحشياً فلا يحضر مات في جمادى الأولى أو ربيع
الأول عن خمسين سنة.
إياس الصرغتمشي، تنقلت به الأحوال إلى أن صار دوادار مخدومه، ثم نفي
بعده إلى مصنات ثم أعاده يلبغا وجعله مقدم المماليك، ثم جعله سندمر
دواداره، ثم رتبه الأشرف لولده على دويدارا ثم نقل إلى الحجوبية وأضيف
إليه نظر الأوقاف في السنة الماضية فاستمر فيها إلى أن مات في ربيع
الآخر، واستقر بعده سودون الشيخوني.
أمين الدين الحنبلي الحلبي، كان فاضلاً في مذهبه كثير الاستحضار جداً
مشهوراً بالعلم والديانة، اتفق أنه في أواخر عمره استغاث به شخص فنزل
إليه من بيته فضربه بسكين فقتله وقتل قاتله في الحال.
حسين بن أويس بن الشيخ حسن النوين بن حسين بن آقبغا بن ايلكان بن
(1/265)
القان، غياث الدين، ولي السلطنة بالعراق
بعد أبيه، واستخلف أخاه أحمد على البصرة، فلما اختلف عليه الأمر وتوجه
من بغداد إلى تبريز توجه أحمد ومالأ الأمراء حتى اغتال أخاه حسيناً
بتبريز وقام بالسلطنة وذلك في صفر ربيع الآخر، وكان شهماً شجاعاً حسن
السياسة.
زبالة البارقاني، نائب قلعة دمشق، تنقل في الولايات، وكان مشكور السيرة
متواضعاً، مات في شعبان وقد جاوز السبعين.
صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون
التنوخي الحنفي، تقي الدين بن خطيب النيرب، ولد سنة عشرين أو قبلها،
وحضر على زينب بنت ابن عبد السلام مسند انس للحنيني، ثم سمعه عليها
وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم وحدث، وكان يشهد عند جامع
تنكز، وفيه انجماع وسكون، مات مطعوناً في جمادى الأولى.
عباس بن عبد المؤمن بن عباس الكفرماوي الحارمي، قاضي جبة عسال، ولد قبل
العشرين، وحضر عند الشيخ برهان الدين بن الفركاح، واشتغل قديماً، وولاه
السبكي الكبير قضاء الخليل، وسمع من الجزري وابن النقيب وحدث، وتولى
عدة بلاد، ثم ناب بدمشق عن ولي الدين بن أبي البقاء، ثم ولي قضاء صفد
في رمضان سنة ثمانين ومات في رجب.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن راجح، موفق الدين، كان
شاباً ذكياً ملازماً للدرس، ومات شاباً بعد والده بسنة.
عبد الله بن محمد الصفدي ثم الدمشقي، شاهد الحكم للحنفية، مات في ربيع
الأول، وكان مشكور السيرة.
عبد الله بن موسى بن علي الجبرتي، جمال الدين الفقيه الزاهد، مات في
رمضان بالشام، وكان رجلاً صالحاً.
عبد الرحمن بن حمدان، العينتابي زين الدين، ولد بعينتا من نابلس، وقدم
(1/266)
الشام لطلب العلم، فتفقه بابن مفلح وغيره،
وسمع من جماعة، وتميز في الفقه، واختصر الأحكام للمرادي مع الدين
والتعفف.
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي، ولد سنة
اثنتين وثلاثين، وتفقه بابن قاضي الجبل وغيره، وسمع من جماعة، وولي دار
الحديث الأشرفية بالجبل، وناب عن ابن قاضي الجبل قليلاً، ومات في ذي
الحجة.
عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي، عز الدين المصري،
سمع علي الدبوسي وغيره، وعني بالفقه، ودرس في حياة ابن عدلان، ويقال إن
الشيخ سراج الدين قرأ عليه في بداية أمره، وتفقه به جماعة، ومات في ذي
الحجة وجاوز الثمانين.
عبد الكريم بن محمود بن علي بن إبراهيم، جلال الدين القيصري، شيخ
خانقاه خاتون بدمشق، كان معروفاً بالكرم، وحج في هذه السنة ورجع مع
أمير الحاج المصري، فمات في أواخر ذي الحجة.
عبد الوهاب بن أحمد بن علم الدين بن محمد بن أبي بكر الأخنائي، بدر
الدين بن كمال الدين الشافعي ثم المالكي، ولي القضاء، وحدث عن صالح
الأشهى وعبد الغفار السعدي وغيرها، وعزل في أواخر عمره سنة تسع وسبعين
فأقام معزولاً، ثم حج وجاور في الرجبية سنة ثلاث وسبعين، ثم رجع فتوعك
إلى أن مات في سادس عشر رجب، وكان عزل سنة تسع وسبعين بالبساطي.
علي بن تمربغا التركي، ابن نائب الكرك، كان شجاعاً عارفاً بفنون الحرب
كلها، مات هو وابنه محمد في ليلة واحدة.
(1/267)
علي بن عمر بن محمد بن الشيخ تقي الدين
محمد بن علي القشيري، علاء الدين، موقع الحكم، وكان كبير اللحية وفيه
يقول الشاعر:
لعلاء الدين ذقن ... تملأ الكف وتفضل.
فاعمل الغربال منها ... لدقيق العيد وانخل.
مات في صفر.
عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي، زين الدين، خطيب طرابلس، ولد سنة ست
وعشرين وكان يقرأ الصحيح قراءة حسنة، ويفهم الحديث، وله عناية يضبط
رجاله، مات في المحرم بحماة وقد جاوز الستين.
غازي بن محمد بن أحمد بن عمر الشراريبي، الفلاح، نزيل المزة، جاوز
المائة فقرؤوا عليه بإجازته العامة عن الفخر علي، وكان جلداً قوي
الهمة، يدور البلد ويسأل الناس، مات في جمادى الأولى.
قيس بن يمن بن قيس الصالحي، البياع، سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد
الدائم ويحيى بن سعيد وجماعة وحدث، مات في ذي الحجة.
محمد بن إبراهيم بن راضي الصلتي، شمس الدين، ولد سنة عشر، واشتغل وقرأ
كتباً، ثم قدم دمشق فاشتغل بالشامية، ثم دخل مصر بعد السبعين وولي
القضاء بقوص وغيرها، ثم رجع، ومات بمصر في المحرم وقد جاوز السبعين.
محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي، ولد قبل الأربعين، وسمع الحديث
من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره حتى برع وأفتى، كان إماماً في العربية
مع العفة والصيانة والذكاء وحسن الإيراد، مات في شوال.
محمد بن إبراهيم جمال الدين بن الجلاد الزبيدي، أحد المباشرين بتلك
البلاد.
(1/268)
محمد بن أحمد بن يحيى بن فضل الله، نجم
الدين العدوي، كبير الموقعين بدمشق، وقد سمع من محمد بن أبي بكر بن عبد
الدائم وغيره، ومات في شوال، وكان له مند ولي توقيع الدست ثلاثين سنة
وساء.
محمد بن طريف، الشيخ شمس الدين الغزي، كان يذكر بالخير والصلاح، مات في
ذي الحجة.
محمد بن عبد الله الأرزكاني، شرف الدين، أحد فضلاء العجم، شرح المشارق
والكشاف، وانتفع به أهل تلك البلاد، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام
أبي البقاء، وقرأ عليه الكشاف وغيره، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدين بن
الصائغ في شرحه للمشارق شيئاً كثيراً.
محمد بن محمد بن أحمد بن سليمان القفصي، حضر علي الحجار في الرابعة سنة
ثمان وعشرين، وكان بزي الجند، وهو والد القاضي علم الدين القفصي الذي
ولي قضاء المالكية.
محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب، موفق الدين بن فخر الدين المقدسي،
سبط الشيخ صلاح الدين بن أبي عمر، اشتغل وحفظ المقنع، وكان يستحضره،
وكان خيراً متواضعاً، مات في ربيع الآخر.
محمد بن محمد بن علي بن يوسف الأسناوي، الخطيب جمال الدين، قدم مصر سنة
إحدى وعشرين، وسمع علي الحجار، وتفقه بالقطب السنباطي وابن القماح وابن
عدلان وغيرهم، وأخذ العربية عن أبي الحسن والد شيخنا سراج الدين بن
الملقن، ودرس وأفتى، وشرح التعجيز في الفقه، وناب في الحكم، وكان
عالماً خيراً ذا مهابة وصيانة وعفاف قائماً بالحق حتى أنه كتب على قصة
سئل فيها
(1/269)
أن يحضر يلبغا وهو إذ ذاك صاحب المملكة
يحضر أو وكيله فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده، ويقال: إن ذلك كان
بطريق الامتحان من يلبغا، وأنه لما أن جاءه الرسول قال له: " قل له:
إني أصالح غريمي " فقال الرسول: " والله ما أقدر إلا أن تروح معي أو
وكيل أو الغريم يقول: قد أرضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم، وأرسل
إلى القاضي ذهباً وبغلة، فرد ذلك، فاشتد اغتباطه به وعاتقاده فيه، وكان
في سمعه ثقل بأخرة ولذلك يقال له: الأطروش، مات في ثامن ربيع الأول.
محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل، الفراء الحمصي ثم الحلبي، المعروف
بابن رياح، ويعرف أيضاً بالقيم وبالفقيه، ولد بحمص سنة ست وسبعمائة.
وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء، وكان مشكوراً في صناعته،
وحدث بصحيح البخاري عن ابن الشحنة وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص،
ومات في جمادى الآخرة في السنة.
محمد بن محمد بن الكامل، ناصر الدين بن صلاح الدين، مات في رمضان
بدمشق.
محمد بن محمد بن يوسف المرادي، شرف الدين الحنبلي، سبط القاضي جمال
الدين، ولد قبل الأربعين، وأخذ عن جده، ونخرج بابن مفلح، وسمع الحديث
من جماعة، ولم يكن بالصين، مات في ربيع الآخر.
محمد بن النظام محمود، جلال الدين، إمام منكلي بغا، كان عارفاً بالفقه
والأصول والعربية والنظم. أخذ عن بهاء الدين الإخميمي وأبي البقاء،
وتصدر بالجامع، وكان بزي الجند، مات في رمضان، وكان يعرف قديماً بابن
صاحب شيراز، وحفظ الحاوي الصغير وغير ذلك.
مفتاح الزيني السبكي، مولى زين الدين عبد الكافي، والد تقي الدين
السبكي،
(1/270)
كان تقي الدين يركن إليه وكلمته نافذة
عنده، وسمع مع أولاده من زينب بنت الكمال وغيرها وحدث، مات في جمادى
الآخرة.
همام الدين، هو أمير غالب، تقدم.
شمس الدين بن غراب، الكاتب القبطي، مات في صفر، وهو والد سعد الدين
الذي بلغ الرتبة في الآمرية.
كريم الدين عبد الكريم بن عبد الله بن الرويهبة القبطي المصري، ولي
الوزارة ثلاث مرات وغيرها، وقد تقدم شرح حاله في الحوادث.
جهان طيي، الجحفلية، والدة الملك الأشرف، قامت بتدبير أمر ولدها قبل أن
يترعرع، وكانت حسنة التدبير كثيرة العطاء والإحسان إلى العسكر والتقرب
من قلوب الرعية.
(1/271)
سنة خمس وثمانين
وسبعمائة
فيها في المحرم حضر يلبغا الناصري نائب حلب إلى القاهرة، فخرج سودون
النائب إلى ملتقاه في أكثر العسكر، فحضر الموكب بدار العدل، فخلغ
السلطان عليه استقراراً، وركب عن يمينه أيتمش وعن يساره الجوباني، ثم
توجه إلى بلاده في عاشر الشهر.
وفيها طلب السلطان شمس الدين إبراهيم القبطي، المعروف بكاتب أرلان،
فعرض عليه الوزارة فامتنع، فألزمه، فاشترط شروطاً كثيرة أجيب إليها حتى
وضع السلطان يده على يد نفسه وقال للأمراء: انظروا إلى يد الوزير فقد
جعلتها فوق يدي مبالغة منه في تنفيذ كلمته، فسلك في وزارته مل لم يسلكه
أحد قبله في الضبط وترك القبط في أضيق من سم الخياط ودقق عليهم الحساب،
ولم يتناول من الرواتب غير شيء يسير جداً، ولم يزل يسوس القضايا إلى أن
حصل في بيت المال جملة كثيرة جداً مع تغليق المعاملين وتقديم رواتب
المماليك وجوامكهم، وفتح الطواحين بمصر بعد أن كانت مغلقة، وأعاد
المخابز السلطانية، وملأ حواصل الحوائج خانات من جميع الأصناف، وكان
إذا ركب ركب وحده ولا يترك أحداً يركب معه لا مقدم ولا غيره، وجرى بينه
وبين ناظر الخاص ابن البقري وجركس الخليلي مشير الدولة منازعة ومفارضة
آل أمره فيها إلى أن منع السلطان الخليلي من الكلام في الدولة، ولما
استقر في الوزارة لم يلبس ما جرت به عادة الوزراء يلبسه من القبع
الزركش والعنبرية وغير ذلك. وقرر علم الدين الحزين مستوفي الدولة عوضاً
عن أمين الدين ابن حنيص.
وفي صفر وصل رسل بغداد أحمد بن أويس، فأحضروا بدار العدل وقدموا هديتهم
فخلع عليهم وأنزلوا بدار الضيافة.
وفيه أفرج عن الأمير قرط، فتوجه إلى بيته بطالاً.
وفيه وقعت بين قبلاي نائب الكرك وخاطر أمير العرب بها مقتلة، فانكسر
قبلاي وخلص
(1/272)
خاطر من كان قبلاي أمسكه قبل ذلك منهم، ثم
تحيل قبلاي على خاطر إلى أن حضر عنده فذبحه ولده غدراً.
وفيها حضر سالم الدوكاري التركماني إلى نائب حلب طائعاً فأمره السلطان
بإرساله إلى مصر، ولم يكن أطاع ملكاً قبله.
وفي جمادى الأولى نزل السلطان إلى النيل فخلق المقياس وكسر الخليج
بحضرته، ولم يباشر ذلك بنفسه سلطان قبله من زمن الظاهر بيبرس.
وفيها أمر السلطان جمال الدين المحتسب أن يتحدث في الأوقاف الحكمية
فتحدث فيها فشق ذلك على القاضي الشافعي فتحدث مع أحد الدين فراجع له
السلطان فقال: أنا ما وليت جمال الدين وعزلت الشافعي وغنما أمرته أن
يتحدث معه في عمارة ما تهدم، ثم شافه السلطان القاضي بذلك وقال له: أنت
الناظر وهذا ينوب عنك في ذلك، فسأله المحتسب أن يكون الأمير قديد معه
في العمارة، وبالغ من بيده شيء من الأوقاف في إصلاحه خوفاً من الغهانة،
وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:
يا من أكلتم من جني أوقافنا ... لحماً طرياً فاصبروا لقديد.
وفيه عمل أهل برمة وهم نصارى عرساً بالمغاني والملاهي على عادتهم فقام
المؤذن يسبح على العادة فأنزلوا، فبلغ ذلك الخطيب فانتصر للمؤذن وساعده
الإمام فأهانهما أهل البلد، فتوجهوا إلى القاهرة وشكوا الأمر للنائب،
فأرسلهم إلى صاحب برمة وهو جركس الخليلي فضرب الثلاثة وحبسهم، فبلغ ذلك
السلطان من جهة ناصر الدين بن الميلق الواعظ فتغيظ على الخليلي وأمره
بإطلاقهم وإنصافهم من غرمائهم، فأحضر من
(1/273)
برمة جماعة من المسالمة فشهد عليهم
بالزندقة، فضرب القاضي المالكي رقاب ستة أنفس، وسر المسلمون بذلك، وقد
قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أن ابن خير حكم بضرب
رقابهم بحضور القضاة فضربت في المجلس وكان سودون النائب حاضراً بين
القصرين، قال: ثم قام بعض المالكية وادعى أنه خالف مذهبه وبالغ في
التشنيع يعني ابن جلال الدميري وجرى على ابن خير ما لا خير فيه، ثم إنه
استفتى أهل العلم الموجودين قي ذلك الوقت فأفتوا بتصويب فعله وانتصر
على خصمه.
وفي جمادى الآخرة نازل الفرنج بيروت في عشرين مركباً، فراسلوا نائب
الشام فتقاعد عنهم واعتل باحتياجه إلى مرسوم السلطان، فقام إينال
اليوسفي فنادى الغزاة في سبيل الله، فنفر معه جماعة فحال بين الفرنج
وبين البحر وقتل بعضهم، ونزل إليه بقية الفرنج فكسرهم وقبض من مراكبهم
ستة عشر مركباً، فسر المسلمون بذلك سروراً عظيماً، ولما بلغ السلطان
قبل ذلك تحرك الفرنج جهز عدة أمراء لحفظ الثغور من الفرنج كرشيد ودمياط
وغيرهما، فلما توجهوا إلى بيروت وكسروا بها حصلت الطمأنينة منهم، وممن
توجه من المطوعة القاضي المالكي ومعه المغارية والشيخ شمس الدين
القونوي ومعه خلائق من المطوعة، ثم جمع القاضي الشافعي جمعاً من
الفقهاء وتوجه، وكان الفرنج قد دخلوا صيداء فوجدوا المسلمين قد نذروا
بهم فأحرزوا أموالهم وأولادهم بقرية خلف الجبل، فوجد الفرنج بعض
أمتعتهم فنهبوها وأخذوا ما وجدوا من زيت وصابون وأحرقوا السوق وقصدوا
بيروت فتداركهم المسلمون، ثم وصل النائب وانكسر الفرنج بحمد الله
تعالى، ثم عاد الفرنج إلى مباهلة بيروت فطرقوها في شعبان، فتيقظ لهم
أهلهم فحاربوهم وراموهم، ونزل طائفة من الفرنج فوجدوا بالساحل خمسة عشر
نفساً فقتلوهم، ثم قتل من الفرنج جماعة، فوصل النائب من دمشق بعد
انقضاء الوقعة ورجوع الفرنج بغيظهم لم ينالوا خيراً.
(1/274)
وفيها ابتدأ الأمير أيتمش بإنشاء مدرسته
التي بالقرب من القلعة.
وفي صفر عزل القاضي الحنفي بدمشق نوابه بسبب بدر الدين القدسي، ثم أعاد
واحداً منهم وهو تقي الدين الكفري، فشاع الخبر أن النائب تعصب للكفري
وكاتب فيه ليلى القضاء استقلالاً ثم وصل الخبر بذلك واستقر في ربيع
الأول.
وفيها أراد جماعة القيام على السلطان ونزعه من الملك وساعدهم على ذلك
الخليفة المتوكل وغيره، فبلغه ذلك فأمسك الخليفة وسجنه وخلعه من
الخلافة فوضها لقريبه عمر بن إبراهيم بن الواثق، ورتب له ما كان
للمتوكل، ولقب الواثق، أو المستعصم، وسمرقرط بن عمر الكاشف وإبراهيم بن
قطلقتمر وغيرهما وكان الذي نم عليهم بذلك صلاح الدين محمد بن محمد بن
تنكز وأخبره بأنهم اتفقوا مع الخليفة وجمعوا ثماني مائة نفس وتواعدوا
على قتل السلطان إذا نزل للعب الكرة بالميدان، وقيل إن بدر بن سلام كان
وافقهم على ذلك فأرسل السلطان لما سمع بذلك إلى سودون النائب فأخبره
بما قيل فبرأهم من ذلك وقال: إن الخليفة رجل عاقل لا يصدر منه شيء من
ذلك، فأمر السلطان بإحضاره، وإحضار قرط وإبراهيم بن قطلقتمر فقررهم على
ما بلغه، فأنكروا فشدد على قرط وهدده فأقر فالتفت إلى الخليفة فقال: ما
يقول هذا؟ قال: يكذب، ثم قرر السلطان إبراهيم بن قطلقتمر فأقر بنحو ما
أقر به قرط فسأل الخليفة فأنكر، فجعل إبراهيم يحاققه ويذكر أمارات وهو
مصر على الإنكار إلى أن غضب السلطان وسل السيف وأراد ضرب عنقه فحال
بينهما سودون النائب، ثم أمر بتسمير الثلاثة، فقال له سودون النائب:
متى سمرنا الخليفة رجمتنا العامة، فوافقه بعض من حضر، ثم عقد مجلس
بالعلماء والقضاة فلم يصرح أحد منهم بوجوب قتل أحد من المذكورين
(1/275)
فانفصل المجلس وحبس الخليفة في القلعة وقيد
بقيد ثقيل وأمر بتسمير قرط وإبراهيم فتسلمها حسين بن علي الكوراني والي
القاهرة فطاف بهما مصر والقاهرة، ثم استأذن عليهما العصر فأمر
بتوسيطهما فوسط قرط، ثم وقعت الشفاعة في إبراهيم فحبس بالخزانة وحبس
معه حسين بن قرط بن عمير.
وفيها خرج سلام بن التركية مع العرب بالوجه البحري، وتوجهوا إلى جهة
الفيوم ومعهم إبراهيم بن اللبان، وكان يوقع عند بعض الأمراء فاتفق مع
الذين أرادوا الخروج على السلطان، وأشعر بهم العرب وأظهر للعرب أنه
قريب الخليفة وتعمم بزي الخليفة فهرعوا إليه، فصار يأمر وينهى، فجهز
السلطان إليهم أربعة أمراء، فلما بلغهم ذلك توجهوا إلى جهة الصعيد
وتبعوهم، وكان ما سيأتي ذكره.
وفيها حصر أبو العباس بن أبي سالم المريني مدينة تادلة وخرب قصرها، ثم
ملك مراكش وعاد إلى فاس، وخرج لغزو أبي حمو بتلمسان ففر عنه.
وفيها زاد النيل زيادة عظيمة إلى أن تهدمت به بيوت كثيرة وانفتح مقطع
بالزريبة فبادر إليه أيدكار الحاجب وحسين الوالي فأحضروا المراكب وسدوه
بأبواب وصواري وأخشاب فلم ينسد إلا بعد أيام، ورتب السلطان جماعة من
الأمراء والمماليك بالإقامة بجوانب البحر والخلجان لحفظ الجسور.
وفيها حضر رسل صاحب سنجار، ورسل صاحب قيسارية، ورسل صاحب بتكريت
بهداياهم، وتضمنت كتبهم سؤال السلطان أن يكونوا تحت حكمه ويخطبوا
باسمه، فاجيب سؤالهم وكتب لهم بذلك تقاليد، وخلع على رسلهم.
وفيها قبض على سعد الدين بن البقري ناظر الخاص، وذلك في تاسع رمضان،
واتفق أنه كان في بيته عرس بعض بناته، وقد تجمع عندهم النساء بالحلي
والحلل، فأحيط بهم، ولم يسمع
(1/276)
بمثل كائنته، ونهب جميع ما عنده، وأهين هو
وضرب بالمقارع بحضرة السلطان، وباع موجوده إلى أن بلغ ما حمل من منزله
ثلاثمائة ألف دينار وأمر السلطان الوزير أن يباشر نظر الخاص فامتنع
وأصر، فاستقر في نظر الخاص أبو الفرج موفق الدين الذي تقدم ذكر إسلامه
قريباً، ثم أعيد الضرب على ابن البقري في ذي القعدة فضرب تحت رجليه
ثلاثمائة عصى وعلى ظهره مقترح مثلها وعلى إسته مثلها، وصار من شدة
الضرب يمرغ وجهه في الحصباء إلى أن أثر ذلك في وجهه أثراً لم يزل إلى
أن مات بعيد دهر طويل وأثر ذلك ظاهر فيه.
وفي رجب جدد للمحمل ثوب أطلس معدني وصبغ وعمل عليه رنك السلطان، وذلك
بعناية الخليلي، وفيه دخل السلطان المارستان المنصوري بين القصرين وعاد
المرضى وسأل عن أحواهم.
وفي شوال أطلق إبراهيم بن قطلقتمر فأرسله السلطان إلى والده، وشفع
سودون في الخليفة ففك قيده، ثم في ذي الحجة أسطن في بيت الخليلي
بالقلعة، وأذن لعياله في الاجتماع به.
وفي رمضان أمر السلطان بإطلاق من في الحبوس من اهل الديون وقام جركس
الخليلي في المصالحة بينهم.
وفي صفر ولي مسعود قضاء حلب، وعزل ابن أبي الرضا، فباشر خمسة أشهر ثم
رافعوه، فعزل وحبس بالقلعة.
وفيها استقر برهان الدين بن جماعة في قضاء الشام بعد موت ولي الدين بن
أبي البقاء، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه استقر
فيه مع وظائفه التي بالقدس فاستناب فيها وباشر القضاء بدمشق بعظمة
ورئاسة، واشترى بها بستاناً بالمزة، وصرف على عمارته مالاً كثيراً،
ووقع بينه وبين إينال اليوسفي فانتصر البرهان انتهى.
(1/277)
وذكر لي غيره أن البرهان كان حضر من القدس
إلى دمشق ثم رجع فوصل كتاب السلطان إلى نائب الشام بيدمر يذكر فيه أنه
يعرض منصب القضاء على البرهان فإن أجاب ألبس الخلعة التي صحبة البريدي،
فأرسل إليه بيدمر البريدي فرجع من مرحلتين وعرض عليه ذلك فأجاب وقال لو
ولاني السلطان قضاء قرية لقبلتها، وكان سبب ذلك ما تقدم من الإشاعة عنه
التي أوجبت عزله أنه لا يوافق على تولية برقوق السلطنة، فألبسه بيدمر
الخلعة واستأذنه في التوجه للقدس فأذن له فتوجه مسرعاً وخطب بهم خطبة
وداع ورجع هو وأهله فأقام بدمشق إلى أن مات، ويقال إنه لم يجد في
المودع الحكمي شيئاً فما زال بحسن سياسته ونزاهته وعفته إلى أن امتلأ
ووجد فيه لما مات جملة من الأموال النقد وغيره.
وفيها اشترى السلطان أيتمش البجاسي من ورثة جرجي أستادار بجاس، وذلك أن
أستاذه بجاس مات قبل أن يعتقه واستحق ميراثه ورثة أستاذه جرجي فصار
أيتمش مرقوقاً لهم، فسأل السلطان في شراه منهم فاشتراه منهم بمائة ألف
درهم، ثم أعتقه وأمر له بأربعمائة ألف درهم وعد ذلك من الغرائب فإن
جرجي مات سنة اثنتين وسبعين، فأقام أيتمش سبع عشرة سنة في الرق يتصرف
الأحرار إلى أن صار أكبر الأمراء بالديار المصرية.
وفيها فوض أمر نقابة الأشرف والنظر عليهم لعبد الرحيم الطباطي، وكان
القاضي الشافعي قبل ذلك ينظر فيه.
وفيها خرج سعد الدين بن أبي الغيث صاحب ينبع على ركب المغاربة بوادي
العقيق وطلب منهم مالاً، فتكاثروا عليه وقيدوه، فقام العرب الذين كانوا
معه فقاتلوهم فقلت بينهم مقتلة عظيمة، ثم جاء التكرور فساعدوا المغاربة
فكثرت القتلى، ونهبت من المغاربة والتكرور أموال عظيمة، فبلغ ذلك بهادر
أمير المحمل فقام في لم شعث هذه القضية وتسكين هذه الفتنة إلى أن هدأت.
(1/278)
وفيها خرج زامل النووي على ركب العراق في
ثمانية آلاف نفس فنهبهم ومنعهم من التوجه إلى مكة حتى جبوا له عشرين
ألف دينار عراقية.
وانسلخت هذه السنة ومضت في غاية الرخاء حتى بيع اللحم الضأني السليخ
بثمانين درهماً القنطار، والبقري بخمسين درهماً القنطار، والسمن بستة
عشر القنطار، والقمح من ثمانية إلى خمسة عشر الإردب، والشعير من ستة
إلى ثمانية الإردب.
وفيها وقع بين نعير بن حيار بن مهنا وابن عمه عثمان بن قارا فتنة،
فساعد يلبغا الناصري عثمان فكسر نعير ونهبت أمواله حتى قيل إن جملة ما
نهب له ثلاثون ألف بعير.
وفيها سار يلبغا الناصري بالعساكر الحلبية وبعض الشامية إلى جهة
التركمان فنازلوا أحمد بن رمضان التركماني فتواقعوا عند الجسر على
الفرات، فانكسر التركمان وأسر إبراهيم بن رمضان وابنه راشد، فوسطهم
يلبغا الناصري، ثم تجمع التركمان وواقعوا الناصري عند أذنة فانكسر
العسكر وقلعت عين الناصري وجرح، ثم تراجع العسكر ولم يفقد منه إلا
العدد اليسير فطردوا التركمان إلى أن كسروهم، فغدر التركمان بنائب حماة
وبيتوه، فانهزم، ثم ركب يلبغا الناصري فهزمهم.
وفيها حضر نصراني القاضي ولي الدبن بن أبي البقاء بدمشق فاعترف بأنه
أسلم ثم ارتد وسأله بأن يضرب عنقه، فهم بذلك، فلما رأى القتل أسلم، ثم
ارتد فحمل إلى المالكي فضرب عنقه بدمشق في صفر.
وفيها قبض على بيدمر نائب الشام وحبس بصفد، وفيه يقول الشاعر:
نائب الشام قد نفى ... صفدا بعد ما اجتهد.
والشيطان لم تزل ... بعد شعبان في صفد.
(1/279)
وفيها مات سيف الدين الحبى صاحب جزيرة ابن
عمر في رجب، واستقر بعده أخوه عز الدين أحمد، وعلي طنزة ولده عبد الله
بن سيف الدين وعلي فيل ولده أبو بكر.
وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالزرقية، وأعانه على ذلك جمع من النجمية
وغيرهم.
ذكر من مات
في سنة خمس وثمانين وسبعمائة من الأكابر.
إبراهيم بن خضر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي، برهان الدين، كان
مؤذناً ببيت المقدس، ثم قدم دمشق، وأخذ عن الشيخ صدر الدين بن منصور،
وصحب إسندمر نائب الشام، فلما مات ابن الربوة ولاه خطابة جامع يلبغا
لأنه كان الناظر عليه لكونه أخا الواقف، ثم نزل عنه لولده تقي الدين
فنازعه شمس الدين الكفري ثم اشتركا وانفرد المقدسي بالإمامة إلى أن
مات، وكانت وفاة إبراهيم برهان الدين في سادس عشر ذي القعدة.
إبراهيم بن رمضان التركماني، كان مقدماً على العساكر لما واقعهم عسكر
حلب مع يلبغا الناصري كما مضى في الحوادث، وكان من تحت يد أخيه أحمد بن
رمضان في ثالث العشرين من ذي الحجة.
إبراهيم بن عبد الله، المعروف بابن الفار بالفاء وبتشديد الراء الكركي،
كان من الزهاد العباد حسن الآداب، صحبه ناصر الدين بن الغرابيلي ولم
يزل معه حتى مات في هذه السنة.
إبراهيم بن علي الصرخدي، برهان الدين، ناب في الحكم بحلب ثم دمشق، ومات
في رمضان.
(1/280)
أحمد بن عبد الله التهامي، شهاب الدين،
قاضي الشرع بزبيد، قضى بها نيفاً وخمسين سنة، ومات في جمادى الآخرة.
أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله
الكلبي، أبو بكر بن جزي، أجاز له أبو عبد الله بن رشيد وابن ربيع وابن
برطال ومن مصر الحجار وابن جماعة، وسمع من الوادياشي وابن الزيات وأبي
عبد الله بن سالم وأبي بكر بن مسعود وغيرهم، وكان عالماً بالفقه
والفرائض والعربية والنظم، وشرح الألفية وغيرها، وولي الخطابة بغرناطة
والقضاء بها، ونظمه سائر كأبيه.
أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي، شهاب الدين الحنفي،
المعروف بابن خضر، ولد سنة ست وسبعمائة، كان يدري الفقه والأصول، ودرس
بأماكن، وسمع من عيسى المطعم والحجار وغيرهما، وكان فاضلاً، حدث بدمشق،
ومات بها في رابع عشر رجب عن ثمانين سنة بنقص يسير، وكان جلداً قوياً،
ولي إفتاء دار العدل بدمشق وهو أول من وليه، وشرح الدرر للقونوي في
مجلدات.
أحمد بن بحي بن مخلوف بن مري بن فضل الله بن سعد بن ساعد، شهاب الدين
الأعرج السعدي، اشتغل بالعلم، وتعاني الأدب ونظم الشعر وهو صغير، وأدب
الأطفال، ومن الاتفاق الذي وقع أنه أنشد لما ماتت أم الأشرف وهي إذ ذاك
زوج الجاي اليوسفي: ماتت أم الأشرف:
فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشور موت اليوسفي.
(1/281)
فاتفق أن كان ذلك في سنة ست وسبعين، وهو
القائل:
وكيف يروم الرزق في مصر عاقل و ... من دونه الأتراك بالسيف والترس.
وقد جمعته القبط من كل وجهة ... لأنفسهم بالربع والثمن والخمس.
فللترك والسلطان ثلث خراجها ... وللقبط نصف والخلائق في السدس.
وله في علم الدين صالح لما مات:
على كل ميت إذ يموت نوادب ... وما ثم من يبكي على موت صالح.
فإن جميع الناس سروا بموته ... سرور ثمود يوم ناقة صالح.
أرغون دوادار طشتمر، مات بحمص.
إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي، المحدث
الفاضل، ولد سنة عشرين، وسمع من القطب اليونيني وطائفةوعني بالحديث
ورحل في طلبه إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وقرأ بنفسه، وكتب الكثير، ونظم
النهاية لابن الأثير في غريب الحديث، ونظم طبقات الحفاظ للذهبي وخرج،
وألقى المواعيد وحدث، وتخرج به جماعة، ومات في العشر الآخر من شوال.
أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، حضرت
على عيسى المطعم وغيره، وسمعت من الحجار وجماعة وحدثت.
أيدمر بن صديق الخطائي، عز الدين، أخو طغيتمر النظامي، كان أحد الأمراء
الكبار بالقاهرة، مات مجرداً بالقاهرة.
بلاط الصغير، أحد أكابر الأمراء بطرابلس، مات في جمادى الأولى.
تمرباي بن عبد الله التركي الحسني، نائب صفد، كان أحد الأمراء الكبار
بالقاهرة، تقدم عند الأشرف، وتنقل في الولايات والنيابات،
(1/282)
قال ابن حجي: كان شاباً، عنده شهامة، ومات
وهو نائب صفد بغتة.
حسن بن منصور بن ناصر، بدر الدين الزرعي، ناب في الحكم عن تاج الدين
السبكي ومن بعده، وكان أبوه قاضي نابلس فأرسله إلى القدس ليشتغل فأخذ
عن تقي الدين القلقشندي وغيره، ثم تنبه، وولي القضاء في بعض البلاد، ثم
استوطن دمشق، وناب في الحكم، وكان عنده تصميم وقوة نفس بحيث كان يعزل
نفسه أحياناً، وباشر الأوقاف مباشرة حسنة، وعين مرة لقضاء حلب، مات في
صفر.
حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر، قطب الدين الدهقلي الشيرازي، نزيل
دمشق، سمع الكثير، واسمع أولاده، وكتب الطباق بخطه، أخذ عن أصحاب الفخر
وغيرهم، ثم سكن الهند، ثم مات غريقاً، وهو والد شيخنا عبد الرحمن.
زينب بنت العماد محمد بن الضياء محمد بن علي البالسي، سمعت من أبيها
سنة ثمان وسبعمائة، وكانت تذكر أنها سمعت من عمتها ست الخطباء، ماتت في
صفر وقد جاوزت الثمانين.
سليمان بن أحمد الكناني العسقلاني، علم الدين الحنبلي، اشتغل بالعلم
وبرع في المذهب فافتى ودرس، وصاهر موفق الدين وناب عنه إلى أن صار كبير
النواب، مات في جمادى الآخرة.
عائشة بنت الحسن بن علي الدمشقية، ولدت بعد العشرين، وسمعت بإفادة
ولدها العلامة شمس الدين بن الجزري من أصحاب الفخر، وماتت في ربيع
الآخر من هذه السنة.
عبد الله بن أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي، ولي الدين، أبو ذر بن
بهاء الدين، ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة، واحضر على يحيى بن فضل الله
ومحمد بن غالي وأبي نعيم الاسعردي وغيرهم، ثم سمع بدمشق من الجزري
والمزي وبنت الكمال وغيرهم، واشتغل بالعلم،
(1/283)
ومهر في الآداب، وناب في الحكم عن أبيه
بالقاهرة ودمشق وعن تاج الدين السبكي، ثم استقل بالقضاء بعد أبيه، وكان
ينظم جيداً ويحفظ الحاوي ويذاكر به ويدرس منه، وكان يدرس في الكشاف،
وله مشاركة جيدة في العربية، وكان قد باشر توقيع الدست، وحج سنة ثلاث
وخمسين وسنة ثلاث وستين، وكان جيد الفهم، فطناً، عارفاً بالأمور، كثير
المداراة، لين العريكة، بعيداً من الشر، صبوراً على الأذى، وكان كثير
الإحسان للفقراء سراً، قال ابن حجي رحمه الله: كان أديباً بارعاً له
نظم وقصائد طنانة وبلغني أن له ديواناً، وكان يحفظ الحاوي الصغير
ويذاكر به ويدرس منه، وله مشاركة في العربية، ومات في شوال وله خمسون
سنة وزيادة، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان فاضلاً عارفاً بدنياه
منتصراً لأصحابه.
عبد الله بن محمد نجم الدين أبي الرضا، ابن أخت القاضي برهان الدين بن
جماعة، يقال: مات مسحوراً في جمادى الآخرة.
عثمان بن أحمد الرصدي، فخر الدين، رئيس المؤذنين بجامع طولون، أخذ عن
ناصر الدين بن سمعون وصاهره، واشتهر بمعرفة الميقات، مات في جمادى
الأولى.
عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني، فخر الدين، سمع
من الحجار واشتغل بالفقه وقتاً على التاج المراكشي، وسمع من ابن الرضي
وبنت الكمال، وحفظ التسهيل، وحدث وأفاد، ومات في رجب.
علي بن محمد بن عبد المنعم الحنبلي، سبط عبد الرحمن بن صومع، نقيب
السبع مات في ربيع الأول.
علي بن محمد العقبي، رئيس المؤذنين بدمشق، مات في جمادى الأولى.
قرط بن عمير الكاشف، تقدم في الحوادث.
(1/284)
قطلوبغا الكوكائي، أحد المقدمين من
الأمراء، مات وهو صاحب الحجاب بالقاهرة في المحرم.
محمد بن أحمد بن صفر، شمس الدين الغساني، قاضي الأقضية بزبيد وليها في
زمن المجاهد واستمر بضعاً وثلاثين سنة.
محمد بن أحمد بن عثمان التشتري ثم المدني، شمس الدين، سمع الشفاء على
محمد بن محمد بن حريث وتفرد عنه به، مات في شعبان، وله خمس وسبعون سنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي، المعروف بابن
قطليشا، ولد سنة أربع عشرة، وسمع من ابن الشيرازي وغيره، وكان يشهد قسم
الغلات بالمزة وحدث، مات في جمادى الأولى عن ثلاث وسبعين سنة، روى عنه
الياسوفي وابن حجي وابن الشرائحي وآخرون.
محمد بن أحمد بن محمد بن علي، تاج الدين الخروبي، أحد التجار الكبار
بمصر، وهو صاحب المدرسة بجوار بيته بشاطئ النيل بالشون، مات مجاوراً
بمكة في أواخر المحرم.
محمد بن أزبك الفاف، أحد الأمراء، مات بالقاهرة.
محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني، سمع من أبي عبد الله القصري
وتلا عليه بالسبع، وناب في الخطابة بالمدينة، وكان خيراً، مات في تاسع
المحرم عن اثنتين وثمانين سنة.
محمد بن عبيد بن داود بم أحمد بن يوسف، شمس الدين المرادي الحنبلي، كان
ذا عناية بالفرائض، وقرأ الفقه، ولازم ابن مفلح حتى فضل، ودرس،
(1/285)
قال ابن حجي: كان يحفظ فروعاً كثيرة
وغرائب، وله ميل إلى الشافعية، وكان بشع الشكل جداً، مات في ذي القعدة.
محمد بن علي القيسري أحد المعيدي بالبادرائية وله نظم ركيك، وكان يخضب
بالسواد، مات في صفر.
محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي المنبجي، كان من فضلاء
الحنابلة، سمع الحديث، وحفظ المقنع، وأفتى ودرس، وكان يتكسب من حانوت
له، على طريق السلف مع الدين والتقشف والتعبد، مات في رمضان، وهو صاحب
الجزء المشهور في الطاعون، ذكر فيه فوائد كثيرة عمله في سنة أربع
وستين.
محمد البهنسي، الصاحب شمس الدين، ناظر الجامع الأموي، مات في ربيع
الأول، وكان فاضلاً، له نظم حسن، وكان محموداً في مباشرته، وولي نظر
المارستان، وكان له شرف نفس، يلزم بيته إذا عزل فاتفق موته وهو معزول،
وكان بيدمر يكرهه فإذا ولي النيابة عزله.
محمود بن الصفدي الغرابي نسبة إلى غرابة بفتح المعجمة وتشديد الراء ثم
موحدة من قري صفد الشافعي، اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدين المراكشي
والفخر المصري، وفضل، وتنزل بالمدارس بدمشق ثم رجع إلى صفد فأقام بها
يدرس إلى أن مات بها في صفر.
موسى بن محمد بن محمد بن الشهاب محمود، شرف الدين، أبو البركات بن بدر
الدين بن شمس الدين بن شهاب الدين، أحد الفضلاء في الأدب والكتابة، مات
بالرملة عن ثلاث وأربعين سنة، كتب الإنشاء بحلب وفاق في حسن الخط
والنثر والنظم، وناب في الحكم، وهو القائل وكتبهما على مجموع:
ومجموع كعقد الدر نظماً ... على تفضيله الإجماع يعقد.
يطابق كل معنى فيه حسناً ... فمجموعاً تراه وهو مفرد.
(1/286)
يوسف بن أحمد بن ذبيان بن أبي الحسن
البعلي، جمال الدين، التاجر، المعروف بابن طسان، كان أحد التجار
المياسير، وله إحسان وإفضال ومال، ولا يشدد في تقاضي ماله من الدين،
ويتصدق، مات في شعبان وله بضع وستون سنة.
يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري، العطار، جمال الدين
الرسام، سمع من ابن الجزري والمزي وحدث، مات في المحرم.
أمين الدين عبد الله القبطي، مستوفي المرتجع، يعرف بجعيص، مات في
المحرم.
(1/287)
سنة ست وثمانين
وسبعمائة
في أول يوم الجمعة دخل برهان الدين بن جماعة دمشق قاضياً وكان ولي في
ذي القعدة سنة خمس بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء، فخرج نائب الشام
لتلقيه إلى خان العقبة، وهو شيء لم يعهد منذ دهر، ثم لبس الخلعة، ومدحه
فتح الدين بن الشهيد بقصيدة قرأت عليه، ومدح بعده بعدة قصائد.
وفيها قدم زكي الدين الخروبي من المجاورة فأهدى للسلطان هدايا جليلة
ولغيره من الأمراء، ووقع بينه وبين شهاب الدين الفارقي أحد أعيان
التجار اليمنيين وهو أخو شرف الدين وزير صاحب اليمن فترافعا إلى
السلطان فنسب الفارقي زكي الدين إلى أمور معضلة فأخرج الخروبي كتاب
الأشرف صاحب اليمن إليه وضمنه كتاب من الفارقي يقول فيه: إن مصر آل
أمرها إلى الفساد وليس بها صاحب له قيمه فلا ترسل بعد هذه السنة هدية
فإن سلطانها اليوم أقل المماليك وأرذلهم فأمر السلطان بالقبض على
الفارقي وقطع لسانه فتسلمه شاد الدواوين وصودر ثم شفع في لسانه فأطلق
ولم يلبث بعد ذلك أن عمي، وخلع على زكي الدين خلعة معظمة واستقر كبير
التجار.
وفيها خرج موسى بن أبي عنان المريني على أبي العباس بن أبي سالم، وكان
أبو العباس قد حصر أبا حمو بتلمسان وخرب قصورها فسار عنها فرجع إليها
أبو حمو فتنكر له ابنه أبو تاشفين فخرج أبو حمو ليصلح الأعمال فجاهره
أبو تاشفين بالعصيان وقبض عليه بتلمسان وسجنه وأخذ ماله واعتقله
بوهران.
وفيها قدم بيدمر نائب الشام غلى القاهرة فأكرمه السلطان وقبل منه هديته
وتقدمته ورده إلى نيابته مكرماً.
(1/288)
وفيها في ربيع الأول ضعف الطنبغا الجوباني
أحد الأمراء الكبار فعاده السلطان في بيته.
وفيها شغر منصب القضاء للحنفية بموت صدر الدين بن منصور أكثر من أربعين
يوماً، وسعى فيه جماعة من النواب إلى أن ترجع أمر شمس الدين الطرابلسي
بعناية أوحد الدين فاستقر بعد أن عرض المنصب مرة ثالثة على الشيخ جلال
الدين التباني فامتنع كعادته.
وفيها عاد برهان الدين الدمياطي من الرسيلة إلى الحبشة، وكان قد حصل له
من صاحبها اخراق بسبب فساد حصل منه هناك ثم طرده من بلاده.
وفيها راجع السلطان ناظر الجيش تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين في
شيء فأجابه فغضب منه فأمر بضربه فبطح فضرب بين يديه نحو ثلاثمائة عصاه
فحمل إلى منزله مريضاً فأقام ثلاثة أيام ومات، واستقر في نظر الجيش
موفق الدين الذي أسلم قريباً مضافاً لنظر الخاص.
وفيها توجه شهاب الدين الطيلوني لعمارة البرجين بدمياط.
وفيها وقع في دمشق سيل عظيم، ذكروا أنهم لم يشاهدوه مثله.
وفيها ولي بدر الدين بن منهال صهر الشيخ سراج الدين البلقيني زوج ابنته
نظر المواريث فباشره أحد عشر يوماً وعزل.
وفيها اعتنى الطنبغا الجوباني بالشيخ ولي الدين بن خلدون إلى أن استقر
في قضاء المالكية عوضاً عن جمال الدين بن خير في جمادى الآخرة، وكان
قدم قبل ذلك في السنة التي مضت ليحج فلم يتهيأ له في تلك السنة، فأقام
وتعرف بالجوباني فراج عليه وجمعه على السلطان،
(1/289)
فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنه
باشر بقوة وشدة وخروج عن العادة، وعاند الخليلي وغيره من الأكابر فلم
تطل مدته.
وفيها نزل بدمشق سيل عظيم وفيها هدمت قبة القاهرة.
وفيها وقع بين الشيخ أكمل الدين وبين الشيخ شمس الدين الركراكي منازعة
في الشيخونية فعزله من الدرس، فتشفع إليه بالأمراء فامتنع فتوصل إلى أن
تشفع عنده بالسلطان فراسل أكمل الدين في ذلك فلم يجب، فتغير خاطر
السلطان على الشيخ أكمل الدين وشكى منه لجلسائه، فبلغ ذلك الشيخ أكمل
الدين فطلع إلى القلعة يوم الجمعة وصلى مع السلطان وشكى إليه صورة
الحال وأنه لم يرد رسالته إلا لما يترتب على ذلك من بهدلته عند أهل
الخانقاه وتدخل عليه إلى أن أرضاه واستمر عزل الركراكي، واستقر تاج
الدين بهرام في تدريس المالكية عوضه، ثم لم يلبث أكمل الدين أن مات في
رمضان فعاد الركراكي إلى وظيفته، واستقر عز العرب الفزاري في مشيخته
الشيخونية نقلاً من البيبرسية، واستقر في مشيخة البيبرسية عوضه شرف
الدين عثمان الكرادي المعروف بالأشقر إمام السلطان.
وفيها توجه سودون النائب وبعض القضاة إلى الكنيسة المغلقة بمصر فهدموا
منها أماكن جددها النصارى.
وفي شهر رجب ابتدئ بعمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين، واستقر جركس
الخليلي شاد العمائر بها، وأسست في المكان الذي كان خان الزكاة وهدم في
سنة ثلاث وثماني وسبعمائة فلما تكامل شيل التراب شرع في العمارة.
وفيها ورد كتاب من نائب حلب يخبر فيه أن القضاة الأربعة بحلب تخاصموا
في شيء فآل أمرهم إلى المماسكة بالذقون، ثم وردت منهم أربعة محاضر من
كل قاض محضر يتضمن فسق البقية، فقال الظاهر: لا يحل تولية الفساق، وأمر
بعزل الأربعة.
(1/290)
وفي رمضان بعد موت أكمل الدين الدعى على
برهان الدين الدمياطي عند ابن خلدون وأنه قال: لا رحم الله أكمل الدين!
فعزره بالحبس، ورفع عند ابن خلدون على تاج الدين بن الطريف وعز الدين
الطيبي أنهما أعانا على بيع وقف بأن محيا الكتابة من المكتوب وقدما
تاريخ الإجازة، فلما ثبت ذلك عنده عليهما عزرهما ومنعها من التوقيع،
وفي كائنة الطيبي يقول ابن العطار:
سمر الطيبي بتزويره ... وظن ابن خلدون لم يرقب.
وما ساقه الله إلا لأن ... يميز الخبيث من الطيب.
وفيها وصلت مركب من المغرب فيها ولد ابن خلدون وعياله وهدية من صاحب
المغرب ورسول صاحب مصر المجهز لذلك بسبب ابن خلدون، فلما وصلت المركب
إلى المينا غرقت وغرق أكثر من كان فيها وغرق مسعود رسول صاحب مصر الذي
كان توجه إحضارهم، وسلم عبد الله الساسي رسول صاحب المغرب وولدا ابن
خلدون وهما محمد وعلي وغرق للقاضي خمس بنات، وبقي من الهدية فرس وبغلة
وشيء يسير جداً.
وفيها عاد بدر الدين بن فضل الله إلى كتابة السر بعد موت أوحد الدين
وفيها مات بهادر أمير الركب فدفن بعيون القصب في قبة، فأرسل السلطان
ابن أخيه أبو بكر بن سنقر أميراً على الحج فأدركهم بمكة وحج بهم.
وفيها قدمت رسل طقتمش خان ابن أزبك سلطان الدشت، واسم كبيرهم جسن بن
رمضان، وكان أبوه نائب القرم، أرسل بهم صاحب القرم ومعهم هدية، فقبلت
وأرسلت أجوبتهم.
وفيها أوقع العادل صاحب حصن كيفا بالزرقية فصالحوه على ترك الغارة وقطع
الطريق.
وفيها راسل قرا محمد من الموصل يخطب بنت القاهر صاحب ماردين، فامتنع
فتجهز
(1/291)
بعساكر التركمان لقصد ماردين، فاستنجد صاحب
ماردين بصاحب الحصن فأنجده بأخيه الصالح المخلوع وأمره أن يشير على
صاحب ماردين بالمداراة مع قرا محمد جهد الطاقة، فبلغه ذلك فامتنع وأرسل
من فضل من العساكر فأوقع بهم قرا محمد فهزمه أمير العسكر من قبل صاحب
ماردين واسمه فياض، ثم وقع الصلح على أنه يزوج أخت صاحب ماردين وهودن
مع ذلك بمال جزيل ورحل عنهم.
ذكر من مات
في سنة ست وثمانين وسبعمائة.
إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي، المعروف بالحارمي، عرف
بذلك لكونه ولي قضاءها، اشتغل كثيراً وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء،
قال ابن حجي: كانت عنده فضيلة ويستحضر الحاوي الصغير وناب في عدة بلاد،
مات في ذي القعدة.
إبراهيم بن عيسى الحلبي، أحد فقهاء الشافعية، كان معيداً بالبادرائية
وبذلك اشتهر، قال ابن حجي: كان على سمت السلف سليم الفطرة، وخطه ضعيف
لكنه ألف كثيراً، ووقف كتبه، ومات في رمضان بطرابلس.
أحمد بن محمد بن محمد القيسي، شهاب الدين، ناظر المواريث وغيرها، مات
في رجب.
أحمد بن محمد المدني، شهاب الدين، طلب الحديث وحصل الأجزاء وكتب
الطباق، واستقر أحد أئمة القصر بالقلعة.
إسماعيل بن محمد بن
(1/292)
بردس، تحول من سنة خمس وثمانين.
بهادر بن عبد الله الجمالي، المعروف بالمشرف، كان للناصر الكبير،
فتنقلت به الأحوال إلى أن أمر طبلخانات في سلطنة الناصر حسن، ثم تقدم
في سلطنة الأشرف، واستقر أمير الحاج من سنة ثمان وسبعين إلى هذه الغاية
وصارت له معرفة قوية بالطرقات وأهلها.
حسن بن محمد بن عبد القادر بن الحافظ أبي الحسن علي بن محمد اليونيني،
سمع وحدث، ومات في ربيع الأول ببلده.
رضوان بن عبد الله الرومي، شيخ الرباط بالمدرسة الركنية بيبرس مات في
ذي الحجة، واستقر ولده علي في المشيخة بعناية السلطان، فراجعه شيخ
الخانقاه شرف الدين بن الأشقر بأنه صغير لا يصلح، فأمر بعرضه عليه فلما
رآه أعرض عنه فقرره صوفياً واستقر غيره في مشيخة الرباط.
سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد
الطائي، أبو الربيع، علم الدين البساطي المالكي، كان في ابتداء أمره
عريفاً بمكتب السبيل، موقع طشتمر حمص أخضر بحدره البقر، ثم ولي نيابة
الحكم بجامع الصالح، ثم استقل بالقضاء، وكان يدعى أنه يجتمع بالخضر وله
في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها، وكان أصله من شبرابسيون من الغربية،
ونزل عمه عثمان بساط وأخوه خالد في كفالته فولد له سليمان بها، ثم قدم
القاهرة، واشتغل وتمهر، وناب عن الأخناي، ثم سعى على بدر الدين بجاه
قرطاي بعد قتل الأشرف حتى استقل بالقضاء في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين
(1/293)
وكان متقشفاً، مطرح التكلف واستمر على ذلك،
وكان طعامه مبذولاً لكل من دخل عليه، فصرف بعد ثمانين يوماً بالبدر
الأخنائي ثم أعيد في رجب سنة تسع وسبعين واشتد في أمره، وعاند ابن
جماعة والآكمل فتمالآ عليه حتى صرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين
فلزم داره حتى مات في سادس عشر صفر.
شيخ علي شاه زاد بن أويس بن حسن بن حسين بن آقبغا، كان من جملة
الأمراء، فلما قتل أحمد بن أويس أخاه حسناً في سنة أربع وثمانين قبض
على أمراء الدولة فقتلهم وأقام أولادهم في وظائفهم، فنفرت منه قلوب
الرعية وتمالؤا عليه وأقاموا أخاه هذا سلطاناً وتوجهوا به من بغداد إلى
تبريز فالتقاهم بمن معه ومعه قرا محمد بن بيرم خوجا صاحب الموصل وهو
صهره كانت بنته تحت أحمد فالتقى بمقدمة القوم فراسله خضر شاه بن سليمان
شاه الأسلاي وكان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه وأصيب شاه زاد بسهم
فحمل إلى أخيه أحمد وبه رمق فمات.
طشتمر بن عبد الله الدوادار، مات بالقدس بطالاً.
طقج المحمدي أحد الأمراء المقدمين بالقاهرة، ثم نقل إلى دمشق فمات بها.
عبد الله بن الحاجب بيبرس، تقدم بالقاهرة في دولة أينبك، وكان خيراً
متواضعاً، وكان ولي كشف الجسور فأنكر عليه السلطان أمراً فكتب إليه
كتاباً يتهدده فيه، فخاف وغلب عليه الخوف فمرض ومات في جمادى الأولى.
عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التيمي الحلبي
الأصل، تقي الدين بن محب الدين، ناظر الجيش، ولد سنة ست وعشرين
وسبعمائة، واشتغل بالعلم، ثم باشر كتابة الدست في حياة أبيه، وتقدم في
معرفة الفن، وصنف فيه تصنيفاً لطيفاً، عليه اعتماد الموقعين إلى هذه
الغاية، وكانت له عناية بالعلم، وسمع الشفاء على الدلاصي وغيره، ثم ولي
نظر الجيش استقلالاً بعد أبيه، ومات في حادي عشر جمادى الأولى.
(1/294)
عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن
الترجمان عماد الدين الحلبي، سمع حضوراً على العز إبراهيم ابن صالح بن
العجمي في الثانية من أول عشرة الحداد إلى ترجمة أبي المكارم سنة 31،
وسمع وهو كبير على غيره، وكان ذا ثروة، وبنى مكتباً للأيتام ووقف عليه
وقفاً، سمع منه الشيخ برهان الدين المحدث، ومات يوم عيد الفطر سنة ست
وثمانين.
عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حفص الأفريقي ثم المصري، أوحد
الدين، سبط القاضي كمال الدين بن التركماني، اشتغل على مذهب الحنفية
قليلاً، وباشر توقيع الحكم، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمر، والسبب في
معرفته به أن شخصاً يقال له يونس كان أمير طبلخانات في حياة الأشرف مات
وكان أوحد الدين شاهد ديوانه فادعى برقوق أنه ابن عمه عصبته فساعده
أوحد الدين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي فلما قبض برقوق
الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور
أعطى أوحد الدين منها ثلاثة آلاف درهماً وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسون
مثقالاً ذهباً فامتنع من أخذها واعتذر أنه ما ساعده إلا لله تعالى،
فحسن اعتقاد برقوق فيه، فلما صار أمير طبلخانات استخدمه شاهد ديوانه،
ثم لما تأمر جعله موقعاً عنده فاستمر في خدمته وبالغ في نصحه. واستقر
موقع الدست مع ذلك إلى أ، تسلطن فصيره كاتب سره وعزل بدر الدين بن فضل
الله فباشرها أوحد الدين مباشرة حسنة مع حسن الخلق وكثرة السكون وجمال
الهيئة وحسن الصورة والمعرفة التامة بالأمور، وبلغ من الحرمة ونفاذ
الكلمة أمراً عجيباً لكن لم تطل مدته بل تعلل وضعف ثم اشتد به الأمر
حتى ذهبت عنه شهوة الطعام وابتلي بالقيء فصار لا يستقر في بطنه شيء إلى
أن مات في ذي الحجة ولم يكمل الأربعين.
علي بن أحمد الطيبرسي، كان استادار خوند أم الأشرف، وسئل في الإمرة
مراراً فامتنع، مات في شوال.
(1/295)
علي العريان، الشيخ علي، أحد من كان يعتقد
ويزوره الأمراء، وللعوام فيه اعتقاد كبير، وكان يركب الخيول، وله
طريقة، مات في شوال.
قرابغا العلائي، نسبة إلى الأمير علي المارديني، ولي حجوبية دمشق مدة
ونيابة الرحبة، وحج بالناس سنة سبعين، مات بدمشق في شعبان.
كافور بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهندي الطواشي، عمر طويلاً حتى زاد
على الثمانين.
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد
الله النويري نسبة إلى النويرة من عمل القاهرة المكي القاضي، كمال
الدين أبو الفضل، كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب وسمع من عيسى بن عبد
الله الحجي وجده لأمه القاضي نجم الدين الطبري والزبير بن علي وغيرهم،
ورحل إلى دمشق فسمع من المزي والجزري وغيرهم، وبرع في الفقه وغيره،
وساد أهل زمانه ببلده، وولي قضاء مكة ثلاثاً وعشرين سنة إلى أن مات في
شهر رجب وله أربع وستون سنة، وحدث بالكثير، ودرس وأفاد وأفتى، وكان
مشهوراً بالعلم والذكاء، سمعت خطبه وكلامه، وكان مولده في شعبان سنة
اثنتين وعشرين، وتفقه بالتقي السبكي والتاج المراكشي وولي الدين الملوي
وابن النقيب، وأخذ عن الجمال بن هشام في العربية، وشارك في المعارف،
وناب عن الشهاب الطبري في الحكم بمكة، ثم ولي الحكم بعد التقي الحرازي
في سنة ثلاث وستين مع الخطابة ونظر الحرم، ومات وهو متوجه إلى الطائف
في ثالث عشر رجب فحمل إلى مكة فدفن بها، وكان فصيح العبارة لسناً جيد
الخطبة متواضعاً محباً للفقراء، قال ابن حجي: كان يستحضر فقهاً كثيراً،
وبلغني أنه كان يستحضر شرح مسلم للنووي، قال: وخلف تركة وافرة، وكان
ينسب إلى كرم.
(1/296)
محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم
الصلتي، شمس الدين، ولي قضاء حمص أخيراً وكان اشتغل على أبيه بالصلت،
وكان مدرساً ثم درس بعد أبيه ثم قدم دمشق فسمع بها، وكان لا يمل من
الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد، وتنقل في قضاء البر، ولخص ميدان
الفرسان في قدر نصفه.
محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله أمين الدين الأنفي، بفتحات المالكي،
ولد سنة 713 وعني بالحديث وظهر له سماع من الحجار فحدث به وسمع من
البندنيجي وأسماء بنت صصرى وغيرهما، فطلبه بنفسه وكتب الكثير، وسمع
العالي والنازل، وأخذ عن البرزالي والذهبي، ونسخ كثيراً من مصنفاته
وغيرها، وولي قضاء حلب يسيراً، وكان يفتي على مذهب مالك، وناب في الحكم
عن السلاي خمس سنين، وولي مشيخة الحديث بالناصرية ومشيخة الخانقاه
النجمية، ثم ولي قضاء حلب في شوال سنة سبع وخمسين فأقام أربع سنين، ثم
رجع إلى دمشق فناب عن الماروني، ثم ترك، قال ابن حجي: كان حسن العشرة
يقصده الناس لحسن محادثته ويطلبه الرؤساء لذلك ويحرصون على مجالسته
لفكاهة فيه، مات في شوال عن ثمانين سنة، وقال الذهبي في المعجم المختص:
كان يحفظ كثيراً من الفوائد الحديثة والأدبية.
محمد بن علي بن منصرو بن ناصر الدمشقي الحنفي، ولد سنة سبع وسبعمائة أو
قبلها، أخذ عن أبيه والبرهان بن عبد الحق والنجم القحفازي وابن الفويرة
ورضي الدين المنطقي وجلال الدين الرازي وعلاء الدين القونوي، وسمع من
الحجار والبندنيجي وغيرهما، وحدث ودرس في أماكن، وولي قضاء مصر في
رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودرس بالصرغتمشية وغيرهل إلى أن مات
في ربيع الأول، وكان بارعاً في الفقه، صلباً في الحكم، متواضعاً، لين
الجانب.
(1/297)
محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي،
البابرتي أكمل الدين بن شمس الدين بن جمال الدين، ولد سنة بضع عشرة
وسبعمائة واشتغل بالعلم ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدين بن
العديم بالمدرسة الساوجية، فأقام بها مدة، ثم قدم القاهرة بعد سنة
أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان، وسمع من ابن عبد
الهادي والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون واختص به، وقرره شيخاً بالخانقاه
التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة، وكان قوي النفس
عظيم الهمة، مهاباً، عفيفاً في المباشرة، عمر أوقافها وزاد معاليمها،
وعرض عليه القضاء مراراً فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية
والأصول، وصنف شرح مشارق الأنوار، وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيراً
حسناً وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك، وما علمته
حدث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا ترد مع حسن البشر والقيام مع من
يقصده والإنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في
المناصب الكبار، بل كان أصحاب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين
إلى قضاء مآربه، وكان الظاهر يبالغ في تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا
يزال راكباً واقفاً على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه
في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر
رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وأراد السلطان حمل نعشه فمنعه
الأمراء وحملها أيتمش، وأحمد بن يلبغا وسودون النائب ونحوهم، وتقدم في
الصلاة عليه عز الدين الرازي ودفن بالخانقاه المذكورة.
(1/298)
محمد بن مكي العراقي عارفاً بالأصول
والعربية، فقتل على الرفض ومذهب النصيرية في جمادى الأولى، وقد تقدم
ذكره في حوادث سنة إحدى وثمانين، والله أعلم.
محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشيخ شمس الدين نزيل
بغداد، ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل
بالعلم، وأخذ عن والده بهاء الدين، ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه
اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن غيره ثم طاف البلاد فدخل مصر والشام والحجاز
والعراق، ثم استوطن بغداد، وتصدى لنشر العلم بها ثلاثين سنة، وكان
مقبلاً على شأنه معرضاً عن أبناء الدنيا، وقال ولده: كان متواضعاً
باراً لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمشي إلا على عصا منذ كان ابن
أربع وثلاثين، قال ابن حجي: كان تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة،
وصنف شرحاً حافلاً على المختصر وشرحاً مشهوراً على البخاري وغير ذلك،
وقد حج غير مرة، وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة وذكر أنه سمع بجامع
الأزهر على ناصر الدين الفارقي وذكر لي الشيخ زين الدين العراقي أنه
اجتمع به في الحجاز، وكان شريف النفس، قانعاً باليسير لا يتردد إلى
أبناء الدنيا، مقبلاً على شانه، باراً لأهل العلم، ورأيت في الدعوات أو
بعدها من شرحه للبخاري أنه انتهى في شرحه وهو بالطائف البلد المشهور
بالحجاز، كأنه لما كان مجاوراً بمكة كان يبيض فيه وما أكمله إلا
ببغداد، وذكر لي ولده الشيخ تقي الدين يحيى أنه سمع عليه جميع شرحه،
ومات راجعاً من مكة في سادس عشر المحرم بمنزلة تعرف بروض منها، ونقل
إلى بغداد فدفن بها، وكان أعد لنفسه قبراً بجوار الشيخ أبي إسحاق
الشيرازي وبنيت عليه قبة، ومات عن سبعين سنة إلا سنة، فإن مولده كان في
جمادى الآخرة سنة سبع عشرة.
(1/299)
محمود بن عبد الله الانطالي باللام، شرف
الدين الحنفي قدم دمشق فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها
مدة، ودرس بالعزية، وتصدر بالجامع، وكان من الصوفية البسطامية، مات في
رمضان، وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدين بن جماعة.
معيقل بن فضل بن مهنا أحد أمراء العرب من آل فضل.
موسى بن عبد الله تاج الدين، ابن كاتب السعدي، ولي نظر الخاص مرة
أياماً يسيرة.
يلو الشركسي العلاي نسبة إلى علاء الدين ألطنبغا الطويل كان من أتباعه،
فلما مات تأمر عشرة بمصر بواسطة قطلوبغا كوكاي، لأنه كان أخا أبيه، ثم
ترقى إلى أن أعطى تقدمة ألف، ثم تولى الحجوبية بدمشق ثم ناب في حماة،
ثم ولي نيابة صفد في أوائل هذه السنة فمات بها بعد ثلاثة أشهر في شهر
رمضان.
يحيى بن الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاون.
تاج الدين ابن وزير بيته ناظر الإسكندرية، مات بها في ربيع الآخر.
تاج الدين العزولي، مستوفي الدولة، مات في ربيع الأول.
هبة بنت أحمد بن محمد بن سالم بن صصرى، ولدت سنة إحدى عشرة أو اثنتي
عشرة وأحضرت على ست الوزراء في الثالثة من صحصح البخاري، وحدثت، ماتت
في شهر رمضان.
(1/300)
سنة سبع وثمانين
وسبعمائة
فيها وصل رسل الأسكري صاحب إصطنبول ومعهم الهدايا يسأل أن يكون لهم
قنصل بالإسكندرية كالبنادقة فأجيبوا إلى ذلك.
وفيها نفي بلوط الصرغتمشي نائب الإسكندرية إلى الكرك.
وفيها أمر السلطان أن لا يدخل أحد من الأمراء القصر إلا بمملوك واحد
ويترك بقية الأتباع خارج القصر، فامتثلوا ذلك.
وفيها ظهرت عمارة المدرسة الظاهرية.
وفي صفر وصل رسيل طقتمش خان ومعهم هدية جهزها تمرلنك مدبر المملكة،
وفيها: إنا نحب أن نكون أخوة كما كان أسلافنا مع أسلافكم.
وفيها أضيف نظر الخاص بدمشق إلى وزيرها ابن بشارة.
وفيها في شوال وصل مصر خجا التركماني أخو بيرم خجا عم قرا محمد
التركماني طائعاً، وكان له الحكم من ماردين إلى الموصل، وسأل السلطان
أن يكون من جهته وأن ينضاف إليه، فأجاب سؤاله، ثم وصل سولى بن دلغادر
التركماني إلى حلب ثم رجع هارباً.
وفي ربيع الآخر استقر نعير بن حيار في إمرة آل فضل عوضاً عن عمه.
وفيها اشترى الملك الظاهر منطاش بن عبد الله التركي من أولاد أستاذه
وأعتقه، وهو أخو تمرباي الحسني، فما كان بين ذلك وبين أن خامر وأثار
تلك الفتن إلا نحو ستين.
(1/301)
وفيها أنشأ الأمير الطنبغا الجوباني أغربة
وشواني لغزو الفرنج في البحر الرومي، واجتهد في عملهم وإصلاحهم، وساروا
إلى دمياط فوجدوا بساحلها غراباً للجنوية فكبسوا عليه وأسروا من فيه
وقتل من الفرنج نحو العشرة وأسر منهم فوق الثلاثين نفساً فبذل ثلاثة
منهم عن أنفسهم ثلاثمائة نفس قيمتها يومئذ خمسة عشر ألف دينار، ووصلت
الأغربة بالأسارى إلى بولاق في جمادى الآخرة فعرضوا على السلطان في
ثاني يوم وصولهم.
وفي جمادى الأولى عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأعيد بن خير، فكانت
ولاية ابن خلدون دون السنة.
وفي رجب كبس أولاد الكنز أسوان فقتلوا من وجدوه بها إلا القليل، وهرب
واليها إلى قوص، فأمر السلطان حسين بن قرط على أسوان فتوجه إليها.
وفيها كان الطاعون بحلب فزادت عدة الموتى فيه على ألف نفس في كل يوم.
وفيها عزل يلبغا الناصري من حلب وأحضره إلى القاهرة، فتلقاه بهادر
المنجكي إلى بلبيس فقيده ووجهه إلى الإسكندرية فسجن بها، وتوجه محمود
شاد الدواوين إلى حلب للاحتياط على موجود يلبغا المذكور، واستقر سودون
المظفري في نيابة حماة وكان السبب في عزل يلبغا أن سولى بن قراجا بن
دلغادر التركماني وهو أخو خليل صاحب الوقائع المشهورة حضر إلى حلب
طائعاً صحبة بعض البريدية فأنزله يلبغا عنده، وكاتب السلطان في أمره
فأرسل بإمساكه وتجهيزه إلى القاهرة مقيداً، فقيد فأمسك وجعل في القلعة
فحضر بريدي وعلى يده مطالعة إلى نائب القلعة بإطلاقه ولم يكن لذلك
حقيقة فاغتر نائب القلعة وأطلقه فاجتمع بيلبغا وكان ذلك بتدبيره فأمره
بالهرب، ففر ليلاً فأصبح
(1/302)
يلبغا فأظهر إنكار ذلك ذلك، وخرج بالعسكر
في طلبه، فساروا يوماً في غير الطريق التي توجه فيها، فلم يروا له
أثراً، فبلغ ذلك السلطان فاتهمه به، وكان ما كان من عزله.
وفي شعبان زلزلت مصر والقاهرة زلزلة لطيفة، وذلك في ليلة الثالث عشر
منه.
وفيه أحضرت إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان
فقط ومن تحت السرة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين، فشاهدها
الناس، وأمر بدفنها.
وفي رمضان أمر عبيد البرددار مقدم الدولة أن يلبس بزي الترك ففعل، ثم
أذن له بعد فرجع إلى شلكه الأول في السنة التي تليها.
وفيها أمسك الجوباني ثم أطلق في آخر السنة وأعطي نيابة الكرك.
وفيها ثارت فتنة بين عبيد صاحب مكة وبين التجار ونهبوا منهم شيئاً
كثيراً.
وفيها استقر محب الدين بن الشحنة في قضاء حلب بعد موت جمال الدين
إبراهيم بن العديم.
وفيها وقع الغلاء بمصر إلى بلغ القمح بخمسين درهماً كل أردب.
وفيها أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية، واستقر عوضه بحلب سودون المظفري،
ثم في السنة المقبلة عصى منطاش عليه فعجز عنه سودون المظفري فأخرج
برقوق الناصري من الإسكندرية وأعاده إلى نيابة حلب واستمر سودون
المذكور مقيماً بحلب أميراً كبيراً.
وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالتجيبية وكبيرهم عبد الله التجيبي
وأعانه صاحب ميافارقين وغرز الدين السلماني وصاحب أرزن ولكنه لم يظهر
ذلك وأغار عبد الله المذكور على الطرقات ونهب القوافل فقصده العادل
فانهزم إلى قلعة وانحصر بها مدة
(1/303)
ثم بنى العادل بمساعدة قرا محمد التركماني
قلعة تقابل التجيبي وهي ما بين دجلة وسط الدرب ويقال: إنها كانت قديمة
البناء من عهد سليمان النبي عليه السلام ثم خرجت قلعة تل ويقال لها:
قافان.
ذكر من مات
في سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن
أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم جمال الدين بن ناصر
الدين بن كمال الدين، سمع من الحجار وحدث عنه، وكان هيناً ليناً ناظراً
إلى مصالح أصحابه، ناب عن والده مدة بحلب ثم استقل بعد وفاته ومات عن
نيف وسبعين سنة.
أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي مفتي أهل اليمن في زمانه
انتهت إليه الرئاسة في ذلك، مات في شهر رجب.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المرداوي نزيل حماة، ولد بمردا وقدم دمشق
للفقه فبرع في الفنون وتميز، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة ودرس وأفاد
ولازمه علاء الدين بن المغلى وتميز به وله نظم.
أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري شهاب الدين المعروف
بابن الشيخ ولد سنة ثلاث وثلاثين وتعانى الأدب، فكان أحد الأذكياء،
وكان أديباً فاضلاً، أعجوبة في حل المترجم وهو القائل:
نادى مناد لقرط ... فطاب سمع البريه.
وشنف الأذن منه ... قرط أتى للرعيه.
(1/304)
وكان لا يسمع شعراً ولا حكاية إلا ويخبر
بعدد حروفها فلا يخطئ، جرب ذلك عليه مراراً، مات في ذي القعدة.
أحمد بن عثمان بن حسن بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن نجم الدين
الياسوفي الأصل الدمشقي المعروف بابن الجابي ولد سنة ست وثلاثين وبرع
في الفقه والأصول وسمع من أصحاب الفخر بطلبه، وكان جابي أوقاف الشامية
فعرف به، وكان اعتناؤه بالطلب بعد السبعين، فقرأ بنفسه وكتب الطباق
ونسخ كثيراً من الكتب الحديثية وصار يفهم فيه، وأخذ عن العماد الحسباني
وغيره. قال ابن حجي: كان سريع الإدراك والفهم، حسن المناظرة، كثير
الجرأة والإقدام في المحافل، وكان يجيد في بحثه ويخرج على من يباحثه،
وكان مع ذلك منصفاً سريع الانتقال وقد درس بالدماغية وأعاد بغيرها وكان
أولاً فقيراً ثم تمول واتسع وسافر إلى مصر، وحصلت له وجاهة، وصحب أوحد
الدين واختص به، ويقال إنه سم معه وتأخر عمل السم فيه إلى أن مات بدمشق
بعد عودة في جمادى الأولى، وقد جاوز الخمسين بدمشق.
أحمد بن محمد بن محبوب الدمشقي، تاج الدين، ولد سنة خمس وسبعمائة، كان
عارفاً بالتاريخ، فاضلاً مشاركاً، مات بدمشق في ذي الحجة أو في المحرم
وسيعاد.
أهيف بن عبد الله الطواشي المجاهدي، والي زبيد، خدم المؤيد فمن بعده
وعمر دهراً.
أبو بكر بن أحمد الجندي، سيف الدين بن ناظر الحرمين، كان شيخاً مباركاً
يجتمع عنده للذكر وهو بزي الجند وله أقطاع وعنده كيس وتواضع ولين جانب
وقضاء لحاجة من يقصده، وله مكانة عند النائب وغيره، وكان شكلاً حسناً
طوالاً يلبس الصوف بزي الجند مع الاعتقاد والحشمة، مات في جمادى
الآخرة.
(1/305)
أبو بكر بن علي بن أحمد بن محمد الخروبي
زكي الدين، التاجر المشهور، كان رئيساً ضخماً، ولد سنة خمس وعشرين
تقريباً ونشأ مع أبيه، فكان منقطعاً بزاويته بشاطئ النيل الغربي
بالجيزة، فلما مات عمه بدر الدين ثم مات والداه كان عصبتهما فورث مالاً
كثيراً فتعانى الرئاسة وعظك قدره في الدولة وصار كبير التجار ورئيسهم
وكثرت مكارمه ولم يمش على طريقة التجار في التقتير بل كان جواداً
ممدحاً، وله مجاورات بمكة ورأيته يجرد القرآن حفظاً في سنة خمس
وثمانين، وكان أبي قد أوصاه بي فنشأت عنده مدة إلى أن مات في المحرم
وأنا مراهق ويقال إنه مات مسموماً وأوصى بأشياء كثيرة في وجوه البر
والقربات، منها للحرمين بألفي مثقال ذهباً.
أبو بكر بن عمر بن مظفر الحلبي شرف الدين الوردي الفاضل بن الفاضل، مات
عن سبعين سنة بحلب.
أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن جميع بفتح الجيم عماد الدين البالسي،
سمع من أبي بكر بن عبد الدائم وغيره وحدث مات في شعبان.
بيليك التركي كان والي الأشمونين، مات في ربيع الآخر.
حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني شرف
الدين البعلبكي، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وقرأ وسمع الحديث ورحل فيه
وأفتى ودرس وأفاد، مات في رمضان.
شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي، كان جده مظفر صاحب درك يزد وكرمان في
زمن بوسعيد بن خربندا، ثم كان ابنه محمد فقام مقامه وأمنت الطرقات في
زمانه، ولم يزل أمره يقوى حتى ملك كرمان عنوة انتزعها من شيخ محمود
شاه، ثم تزوج محمد بن مظفر امرأة من بنات الأكابر بكرمان، فقاموا بنصره
وفر شيخ إلى شيراز، فحاصره محمد
(1/306)
بن مظفر فيها إلى أن ظفر به فقتله واستقل
بعد موت بوسعيد بملك العراق كله وأظهر العدل وكان له من الولد خمسة:
شاه ولي وشاه محمود وشاه شجاع وأحمد وأبو يزيد، فاتفقوا على والدهم
فكحلوه وسجنوه في قلعة سرية من عمل شيراز وذلك سنة ستين وسبعمائة فتولى
شاه شجاع شيراز وكرمان ويزد وتولى شاه محمود أصبهان وكروماسان، ومات
شاه ولي واستمر أحمد وأبو يزيد في كنف شاه شجاع، ثم وقع الخلف بين شاه
محمود ثم استولى شاه شجاع على آذربيجان انتزعها من أويس، ثم قتل شاه
شجاع، قتله أخاه لكونه قتل أباه، ولما مات شاه شجاع استقر ولده زين
العابدين واستقر أبو يزيد بن محمد بن مظفر عمه أتابكة، واستقر أحمد بن
محمد في كرمان وشاه يحيى بن شاه ولي في يزد وشاه منصور أخاه بتستر ثم
إنه غلب على شيراز وكحل ابن عمه زين العابدين فخرج عليه اللنك فقبض
عليه وقتله وقتل أقاربه، وكان شاه شجاع ملكاً عادلاً عالماً بفنون من
العلم، محباً للعلماء والعلم، وكان يقرئ الكشاف والأصول والعربية وينظم
الشعر بالعربي والفارسي مع سعة العلم والحلم والإفضال والكرم وكتب الخط
الفائق، وكان قد ابتلى بترك الشبع فكان لا يسير إلا والمأكول على
البغال صحبته فلا يزال يأكل.
عبد الله بن أحمد التنوسي كان يقول: إنه شريف، وله شعر حسن وأناشيد
لطيفة ومات في صعيد مصر في هذه السنة ومن شعره موالياً:
ركبت في جارية ... لم ير فيها عين.
وصحبتي جارية ... تسوى جمل من عين.
(1/307)
إلى المرج جارية ... وأنا عليها عين.
من كائنة جارية ... أو من حسد أو عين.
وله:
عذار كظل الغصن في صفحة النهر ... ووجه يريك البدر منتصف الشهر.
قضى لفؤاد الصب ما قد قضت به ... عيون المهابين الرصافة والجسر.
عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن
محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي، عفيف الدين، أبو محمد بن الزين أبي
الطاهر بن الجمال بن المحب، ولد في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
بمكة وسمع من والده وعيسى الحجي والأمين الأقشهري والوادي آشى والزبير
بن علي والجمال المطري في آخرين واجاز له الدبوسي والحجار وغيرهما،
وطلب بنفسه وقرأ على القطب بن مكرم والجمال محمد بن سالم وغيرهما، وسمع
من شهاب الدين بن فضل الله من شعره، ودخل الهند وحدث بها، ودرس في
الفقه وخطب ثم رجع وولي قضاء بجيلة وما حولها مدة ومات بالمدينة في
جمادى هذه السنة.
عبد اللطيف بن عبد الله المصري، والواعظ المعروف بابن الجعبري، كان
يتردد إلى دمشق، وبعظ في الجامع، فتزدحم عليه العامة ويتعصبون له، وكان
ظريفاً مطبوعاً غريب الأسلوب في وعظه، وربما مشى بين الصفوف يذهب ويجيء
ويقعد في أثناء ذلك، ومات بدمشق في جمادى الأولى.
عبد اللطيف بن محمد بن أبي البركات موسى بن أبي سعيد فضل الله بن أبي
الخير نجم الدين الميهني الخراساني، نزيل حلب وشيخ الشيوخ بها، مات وقد
جاوز السبعين،
(1/308)
ذكره طاهر بن حبيب في ذيله وأثنى عليه في
طريقته في الرياضة.
عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى أمير آل فضل كان شاباً كريماً شجاعاً
جميلاً يحب اللهو والخلاعة ومات شاباً.
علي بن الجنيد الفيومي الخادم بسعيد السعداء، مات في صفر.
علي بن أبي راجح محمد بن إدريس العبدري الشيبي شيخ الحجبة بمكة، مات في
صفر.
علي بن عمر بن معيبد اليمني وزير الملك الأشرف بعد أبيه.
فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشامكاني الفقيه الشافعي سعد الدين
قرأ على القاضي عضد الدين وغيره وحدث عنه بشرح مختصر ابن الحاجب
وبالمواقف وغير ذلك وصنف في الأصول والعربية وعلق ةنظم وتقدم في العلوم
العقلية، مات في جمادى الأولى.
قر بلاط الأحمدي أحد المقدمين ونائب الإسكندرية في آخر عمره.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمود البعلي الأصل الدمشقي المعروف بابن
مري، محتسب دمشق، مات في صفر عن أربع وستين سنة لأنه ولد سنة اثنتين أو
ثلاث وعشرين وأحضر على ابن الشحنة، وكان مليح الخط، باشر بالجامع
وغيره، وكان أمثل من ولي الحسبة في هذه الأعصار، وباشر قضاء العسكر
للحنفية ثم ركبه الدين وافتقر، ومات في ربيع الآخر.
محمد بن إبراهيم بن وهيبة النابلسي بدر الدين قاضي طرابلس، سمع المزي
وابن هلال وغيرهما.
(1/309)
محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد
بن عبد القاهر النصيبي شمس الدين من بيت كبير مشهور بحلب، وولي هذا
الإنشاء بحلب، وكان كثير التلاوة حسن الخط، مات في الطاعون بحلب.
محمد بن أبي كبر بن محمد التدمري الأصل الدمشقي المؤذن بدر الدين قاضي
القدس، كان ماهراً في الفقه، ولم يكن محمود الولاية، قال ابن حجي: ولي
القدس عن البلقيني وكان يكتب على الفتوى بخط حسن وعبارة جيدة إلا أنه
يتحمل للمستفتي بما يوافق غرضه، ويأخذ على ذلك جعلا، قال: وقد اجتمعت
به فأعجبني فقهه واستنباطه في اللغة واستخراج الحوادث من أصولها وردها
إلى القواعد قال: ولكنه كان متساهلاً في الصلاة فربما تركها وكان
ضنيناً بنفسه معجباً بها كثير الحط والازدراء لغيره حتى أنه في طول
المجلس الذي اجتمعت به فيه ما ذكر أحداً بخير، مات في ربيع الأول وقد
قارب السبعين.
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زين الدين عمر بن مكي بن عبد
الصمد بن أبي بكر بن عطية العثماني الأصل الدمشقي الشافعي علم الدين بن
تقي الدين بن المرحل سبط التقي السبكي، ولد سنة سبع وأربعين، وسمع من
ابن أبي اليسر وعلي بن العز عمر وغيرهما، وكان له اشتغال وفهم ودرس
بالعذراوية، وكان ينوب عن خاله تاج الدين فيها فسعى عليه من الدولة
واستقل بها، وكان مع ذلك كثير الرياسة والأدب والتواضع والمروءة
والمساعدة لمن يقصده ومات في شوال.
محمد بن عبد الله العبسي شمس الدين القاهري الأديب الفاضل، ولي استيفاء
الأحباس، وكتب في التوقيع ونظم الشعر، مات في شعبان، وهو القائل:
بي من بني الترك رشيق اهيف ... مثل الغزال مقبلا ومعرضا.
ما جاءني قط بليل زائرا ... إلا كبرق في الظلام أومضا.
محمد بن محمد بن الحسن صلاح الدين الجواشني، ولد سنة تسع وتسعين
وستمائة،
(1/310)
وسمع من البدر بن جماعة الشاطبية قرأها
عليه الكوتاتي وحدث بها ومات في سابع عشرين ذي القعدة.
محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي، تقدم في
معرفة الفرائض والعربية، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره
ورافقه الشيخ أبو زرعة بن العارقي في السمع كثيراً ومنهم من أرخه سنة
93.
محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الحسني، سمع من الطبري وغيره، وفضل في
العلم، وعاش أربعاً وسبعين سنة.
محمد بن محمد المالكي أبو عبد الله الجديدي، أحد الفضلاء الصلحاء، مات
بمكة.
محمد بن يوسف بن إبراهيم بن العجيل اليمني جمال الدين، مات في ذي
الحجة.
(1/311)
|