إنباء الغمر بأبناء العمر

سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة
كان أولها يوم الخميس، فيها كائنة شمس الدين محمد المعروف بابن الادمي الجوهري، كان أحد طلبة العلم واشتغل كثيراً، وتنزل في بعض المدارس، ثم ترك فلزم التسبب بالبضاعة، فاتفق أنه حضر مجلس جوهر الخازندار فأراد أن يطريه، فقال له: أنت سئلت لهذه الوظيفة ويوسف عليه السلام سأل فيها فأنظر كم بين السائل والمسؤل! وأعاد ذلك مرة أخرى، فقال: فانظركم بين المقامين. فشاع ذلك عنه فبادر إلى الحنفي واعترف فحقن دمه وحكم له باستمراره على الإسلام، ونفذ ذلك، وبلغ ذلك الشيخ يونس الالواحي فثار كعادته فاستشكى واستكثر من الاستفتاء على ذلك، فبلغ الخازندار فشق عليه وتوعد يونس. قلت: واستمر ابن الأدمي على حالته وتنصل من ذلك، وتالم لما نسب إليه من ذلك ومن غيره.
وفيها أعيد ناصر الدين بن عز الدين البكري إلى قضاء الفيوم عوضاً عن رجب بن العماد الفيومي، ثم صرف وأعيد رجب بعناية جوهر الخازندار.
وفيها في المحرم قدم السيد الشريف تاج الدين بن عبد الله الحسيني الشيرازي رسولاً من قبل السلطان شاه رخ بن تيمور وقدم هدية للاشرف، وسأل أن يؤذن له في كسوة البيت الحرام، وكانت الهدية ثمانين ثوباً من الحرير الاطلس وألف قطعة فيروزج، وتاريخ كتابه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، ولقيت السيد المذكور فوجدته

(3/534)


فاضلاً متواضعاً، ذكر لي انه تزوج بنت السيد الشريف الجرجاني صاحب التصانيف وأن السيد الشريف المذكور ذكر له انه اشتغل بالقاهرة، وأخذ عن أكمل الدين وغيره، وأقام بالخانقاه السعيدية أربع سنين، ثم خرج إلى بلاد الروم ثم لحق ببلاد العجم ورأس هناك، وكان قدومه من جهة الحجاز فحج ووصل مع الحجاج، ثم عقد الموكب وأحضر الرسول المذكور ومعه ولده وذكر أنه رزقه من بنت الشريف الجرجاني وهو كهل من أبناء الثلاثين وله فضيلة أيضاً، ثم في اثناء صفر أحضر الرسول والقضاة المصرية ودار بينهم كلام يتعلق بالرسالة المذكورة، وانفصل المجلس على أن السلطان اعتذر من الإجابة خشية أن يتطرق إلى ذلك غيره من الملوك، وقنع الرسول بهذا الجواب، ثم جهز معه أقطوه الذي كان دويدار صغيراً ثم صار مهمندار السلطان رسولاً من قبل سلطان مصر بهدية وجواب، وسافروا من طريق الشام، وأظهر السلطان بعد ذلك حنقاً على القضاة في عدم مبالغتهم في الرد على الرسول فيما احتج به على تعين غجابة مرسله وكانوا استفتوا على ذلك أهل العلم بالقاهرة فأجابوا، وتواردت أجوبتهم على المنع، ومنهم من أجاب من قبل أن يسال بل كتب السؤال والجواب بخطه معاً، فمن عجيب ذلك أن بعضهم كتب لا يجوز ذلك لما فيه من تعطيل الوقف، وكتب الآخر لا يجوز لسلطان مصر الإجابة لذلك لما فيه من الافتيات على سلطان مصر - إلى غير ذلك من الاستدلالات الواهية، كل ذلك زعموا لطلب مرضاة السلطان، فقدر الله تعالى أنه لم يعجبه شيء مما كتبوا به أجمعين، ولم أعرج في جوابي إلا على ما تقدم من أن ذلك يفضي إلى تسليط غيره لطلب ذلك - فينخرق السياج وترتفع الخصومة،

(3/535)


ولما شاع غضب السلطان من القضاة تحرك صالح البلقيني في العود إلى القضاء، وذكر القاضي - شمس الدين بن القاضي زين الدين التفهني الذي كان أبوه في وظيفة القضاء بالقاهرة أن يستقر في وظيفة أبيه، فيقال إنه مال إلى ذلك وسعى أو سعى له فيه، ولم ينبرم لواحد منهما أمر - والأمر بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار.
وفي المحرم شرع الأمير سودون المحمدي في عمل سقف الكعبة بأمر الملك الأشرف. فبدأ فيه في نصف الشهر وعمله سقفاً جديداً، فشرع فيه أوائل شهر ربيع الأول منها، وهدم منارة باب السويقة وعمرها جديدة فوجد فيها مالاً.
وفي أوائل صفر صرف بهاء الدين أبو البقاء محمد بن القاضي نجم الدين ابن حجي عن قضاء الشام، وقرر شهاب الدين ابن المحمرة عوداً على قدر التمس منه أن يدفع للسفر بذلك خمسمائة دينار، فامتنع وصمم، فغضب السلطان وأمر بنفيه إلى القدس بطالاً أو مكة قاضياً، فأجاب إلى مكة واستمهل إلى رجب أو شوال، فسعى حينئذ لسراج الدين عمر بن موسى بن حسن الحمصي الذي كان نائب الحكم باسيوط من الصعيد ثم ولي قضاء طرابلس، فأجيب ساعيه بمال جزيل وأرسل إليه خلعته وصرف شمس الدين محمد بن شهاب الدين بن الكشك عن قضاء الحنفية بدمشق أيضاً، وقرر شمس الدين الصفدي على مال جزيل، وتوجهت خلعة الصفدي أيضاً وفي وسط صفر قصر الوزير المستقر عن قرب وهو امين الدين إبراهيم بن مجد الدين عبد الغني ابن الهيصم الذي ناظر الدولة وكان أبوه ناظر الخاص ومن قبل في الديوان المفرد فقصر في تجهيز المرتبات السلطانية، فهجم جماعة من المماليك الجلب على داره

(3/536)


فنهبوا ما وجدوا فيها، ثم توجهوا إلى منزل الاستادار وهو كريم الدين عبد الكريم بن تاج الدين عبد الوهاب بن كاتب المناخات فنهبوا ما وجدوا فيه أيضاً، ثم توجهوا إلى منزل - ناظر الجيوش زين الدين عبد الباسط بن خليل فأفحشوا في نهب ما قدروا عليه منها، فلما أصبحوا بكر الوزير والأستادار فشكيا حالهما، ثم أراد ناظر الجيش أن يحضر بين يدي السلطان فمنعه وراسله بأن يتوجه إلى الإسكندرية حتى تنكسر شوكة المماليك، فصعب ذلك عليه وراسل السلطان يستعفيه، فأعفاه وأمره بالحضور فحضر، واستقر الحال على أنه يتكفل بأمر الوزير ويسعفه في جمع ما يحتاج إليه وستمر الاستادار على حاله، ثم بعد يومين استقر جانبك دويدار ناظر الجيش في وظيفة الاستادراية وقبض على الاستادر وصودر واستتر الوزير. فأمر السلطان ناظر الدولة - وهو سعد الدين إبراهيم بن كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين كاتب حكم في الكلام في الوزارة، فلما أصبح ألزمه السلطان بأن يستقر وزيراً.
فامتنع فأمر بضربه، وضرب ضرباً مبرحاً، وتوجه إلى منزله ملزوماً بتكفية الوزارة، وكان ذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر، فصار ينظر في أمور الوزارة إلى أن استقر أخوه جمال الدين يوسف فباشر بشدة وعسف، واستقر قبطي يقال له ابن قطارة في نظر الدولة وألزمه بسد الأمور، ثم في يوم الأربعاء ضرب الاستادار ضرباً مبرحاً وعصر وألزم بخمسين ألف دينار، فشرع في بيع دوره ودواليبه وقماش أهله وعرض مماليكه وجواريه للبيع.
وانتهت زيادة النيل في سابع عشري توت إلى عشرين ذراعاً ونصف ذراع، وانفتق من الخليج فتق فنفذ إلى ناحية شبراً ومنية الشيرج، فغرق من ذلك شيء كثير، وبقي الناس أياماً في شدة.
وصرف والي الشرطة عمر أخو التاج الشويكي عن ولايته وأعيد دولات خجا الذي كان استقر في سنة ست وثلاثين وصرفه نائب الغيبة، فأعيد وباشر سد المقطع المذكور.

(3/537)


وفي ربيع الآخر قدم أرغون شاه من الشام وهو الذي كان ولي الوزارة قبل ذلك بالقاهرة، واستقر عوض الحمصي بطرابلس ولد قاضيها شهاب الدين وهو صدر الدين محمد بن أحمد بن محمد النويري ببذل ثلاثمائة دينار.
وفي ربيع الآخر قبض قرقماش نائب حلب على ولد ناصر الدين ابن صدر الباز التركماني بسبب أن أباه نزع ابن أخيه من نيابة مرعش وكان السلطان قرره فيها، فانتمى إلى نائب حلب فكاتب فيه، فأذن له أن يسير إلى مرعش ويقرره في نيابته ويخرج من عائده، فتوجه لذلك فوقع بينهم مناوشة، فكسرهم وقبض على ابن ناصر الدين المذكور وجماعة وأحضرهم إلى حلب وكاتب بذلك، فعاد إليه الجواب عن ذلك.
وفي جمادى الأولى أول يوم منه أمر السلطان القضاة بقراءة كتب الاوقاف بالمدارس الكبار والخوانق وأتباع شرط الواقفين فيها وشدد في ذلك، فلما كان يوم الأربعاء رابعه اجتمعوا بالشيخونية وقرئ كتاب الوقف فقال لهم الشافعي: يقام ناظر بشرط الواقف ليعمل بالشرط وينفذ تصرفه. فانفصلوا على ذلك، ثم حضر المشايخ والطلبة يوم الثلاثاء حادي عشره عند السلطان، فقال لهم: ما فعلتم؟ فقالوا: الحال يتوقف على ناظر يتكلم. فقال للشيخ: أنت ناظر! فقال: وكذلك كاتب السر، فأمر كاتب السر في الكلام معه، فحضروا يوم الأربعاء وقرئ شرط الواقف فتكلموا أولاً في البيوت فوجدوا الشرط أن يسكنها العزاب، فوجد من المترددين نحو العشرين، فأمر أن يخرج من المتزوجين بعددهم ويسكن المترددون ووعدوا بأن يحضر لكتابة ذلك من يوثق له فلم يحضر أحد، وحضروا يوم العشرين بالصالحية فقرئ كتاب وقف الناصري، فترددوا فيمن يستحق النظر هل هو الشافعي أو المالكي! ونزل إلى الشيخونية جمدار فأخبر الشيخ وهو في الحضور أن السلطان رسم أن كل أحد على حاله فسروا بذلك وقرؤا للسلطان، ثم تبين للسلطان أن الذي قام في ذلك كان فيه هوى وتعصب، وأشير عليه بترك الناس على حالهم، وأن الذي يصل إليهم من المعاليم هو من جملة أموال المسلمين وهم مستحقون

(3/538)


إلى غير ذلك من الاعتذارات إلى أن أمر بترك ذلك وخمدت الكائنة واستمر الامر على ما كان.
في المحرم قدمت هدية قرا يلك وفيها دراهم مكتوب عليها سكة السلطان الأشرف. وفيه استقر جانبك الذي كان نائباً بالإسكندرية حاجباً عوضاً عن بردبك الإسماعيلي بحكم نقله إلى دمياط، ونودي يوم النوروز بزيادة إصبعين فصار على أربع عشرة إصبعاً من الذراع العشرين ولا يحفظ مثل ذلك فيما مضى.
وفيه استمر إسكندر بن قرا يوسف على قلعة شاهين وكان الأمير بها من قبل أن يستمر رمضان وقد قدمت بسبب عصيانه عليه، وهي على مسيرة يومين من تبريز فاستمر فيها إلى الآن، فحاصرها إلى أن نفد زاده ومات في الحصار، فملكها الإسكندر واستنقل نساءه بها.
وفيها رفع داود الكيلاني التاجر عن قاضي مكة أموراً عظيمة من الظلم والأحكام الباطلة، وسعى في أن يقرر في نظر الحرم عوضه على مال بذله فأجيب، فراجع أمير مكة وذم داود المذكور وذكر أنه أمر سودون المحمدي الذي جهز من القاهرة لترميم البيت والحرم أن ينظر في ذلك إلى أن يعود المرسوم من القاهرة، فأجيب بتقرير سودون المذكور في ذلك.
وفيها استقر سفر الذي تجهز من مصر لقبض المكوس الهندية بجدة في البحر وبطل السفر من البر، وكان للناس فرح كبير لأن كثيراً من المسلمين يحبون المجاورة بمكة فكان السفر في هذه الأيام يحصل لهم به صيام رمضان بمكة والعمرة والمجاورة وفي غضون ذلك يحصل للكثير منهم المكاسب، وجدد في هذه السنة مرسوم بأن لا يؤخذ من تجار الهند إلا العشر من كل شئ معهم بضاعة من غير تكليف للدرهم الفرد، فإن وجد منهم مصري أو شامي يؤخذ منه الخمس عقوبة

(3/539)


لهم على مخالفة الأمر، وإن وجد يمني أخذ جميع ماله، واتفق أن قرئ هذا المرسوم تجاه الحجر الأسود، ثم راجع أمير مكة السلطان في ذلك حتى أمر بالتسوية بين الجميع بعد ذلك.
وفي ليلة التاسع والعشرين من صفر سقط صبي لعبد الرحمن بن فيروز عمره ست سنين من منزلهم الذي على الخليج الناصري في الماء فغرق، فتتبعوه في الماء فلم يقدروا عليه، فبعد يومين وجدوه في بركة في آخر الخليج فدفنوه، فلما كان بعد ذلك ظهروا على أن جارية لهم سوداء غضبت من أمه فألقته في الماء وهو نائم، فتحيلوا عليها حتى أقرت كيفية ذلك، فرفعوا الأمر إلى بعض نواب المالكي فحكم بتغريقها في المكان الذي ألقت فيه الصبي، فألقوها موثقة بالكتاف، فتخبطت في الماء قليلاً وانغمست فماتت، وذلك في تاسع عشرى الشهر المذكور. وانتهت زيادة النيل على ما زعم القياس إلى عشرين ذراعا ونصف والحس لا يقبل ذلك بل لم يكمل العشرين ولكن الري كان عاماً في جميع البلاد العالية.
شهر ربيع الأول أوله الثلاثاء الموافق لثامن بابة، ونقص النيل نحو الذراع، وتشاغل الناس بزرع البرسيم على العادة، وفيه ادعى على والي الشرطة عند المالكي بأنه ضرب شخصاً حتى مات، فأجاب بأنه أتى به إليه وهو سكران فضربه الحد وما زاد عليه وأقيمت البينة بذلك، فدرأ عنه القتل، وبلغ السلطان ذلك فأنكره، واتفق أن أولياء المقتول أبرؤا الوالي وطاح دم ذلك القتيل.

(3/540)


وفي أول يوم - منه - استقر يوسف بن كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بن كاتب جكم في الوزارة وخلع عليه، وهرع الناس للسلام عليه، وخلع على أخيه - إبراهيم - خلعه الرضا واستقر في نظر الخاص، واستمر الأستادار في المصادرة فعرض جميع عقاراته وكل ما يملكه للبيع، واستقرت مصادرته على عشرين ألف دينار. فسلم للتاج أستادار الصحبة على المال المذكور، فأقام في منزله حتى أورد نحو أربعة ألف دينار؛ وعمل المولد السلطاني يوم الخميس الثالث منه.
وفيه أغار ولد قرايلك على معاملة ملطية ودوركي ونهب شيئاً كثيراً، وتوجه أبوه للإغارة على الرها.
وفي أواخر جمادى الآخرة استقر تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ابن نصر الله القبطي ناظر الإصطبل في الوزارة بعد القبض على جمال الدين يوسف ابن كريم الدين ابن كاتب جكم ومصادرته، وكان يوسف قد استعفى بسبب قلة المتحصل وكثرة المصروف، فأعفاه السلطان ولكنه قبض عليه وعلى أخيه ناظر الخاص وصادرهما على مال يقال إنه ثلاثون ألف دينار، ثم خلع في صبيحة ذلك اليوم يوم الإثنين السابع عشرى جمادى الآخرة على ناظر الخاص مستمراً، وأمر الخطير أن يتكلم في الوزارة بغير ولاية إلى أن يرى من يتكلم، فتكلم في ذلك يوم الأحد ويوم الأثنين، ثم خلع عليه يوم الثلاثاء بالوزارة، وشرع ناظر الخاص وأخوه في بيع أملاكهم ورزقهم من أراضي وعقار، ثم خفف عنهما من مال المصادرة نحو النصف، واستمر ناظر الخاص، واستقر أبو الحسن بن تاج الدين في نظر الإصطبل عوض والده.

(3/541)


من الحوادث
فيها تولية دولات خجا كشف منفلوط واستقرار علاء الدين علي ابن محمد ابن الطبلاوي الذي كان والياً في الأيام الناصرية فرج وبعدها في الولاية، وكان له مدة طويلة خاملاً، فاستقر في سابع عشر جمادى الأولى.
وفيها استقر جلبان نائباً بطرابلس نقلاً من حماة، واستقر قانبائي الحمزاوي في نيابة حماة نقلاً من إمرته بالقاهرة، واستقر خجا سودون عوضاً عن قانبائي، وأضيف إقطاع سودون خجا للوزير تقوية له.
وفي هذا الشهر جدد سودون المحمدي سقف الكعبة وأتقنه، وحمل إليه من الرخام من القاهرة لمرمة الحجر وشاذروان البيت.
وفيها كانت الوقعة بين الأمراء وبين عرب هوارة فقتل منهم جماعة، فعين السلطان يوم السبت أول يوم من جمادى الآخرة وهو السادس من كانون الثاني كريم الدين الذي كان أستادارا ووزير كاتب المناخات فتوجه لكشف الوجه القبلي وألبس خلعة بزي الأمراء وفرح الناس بذلك، وصحبه محمد الصغير الذي كان كاشفاً قبله ودويداراً في خدمته، وأمر على الدم ولي الكشف القبلي أيضاً والوجه البحري مرة أخرى، واستمر ناظر الخاص رأس نوبة بين يديه فتوجه إلى الصعيد فأصلح أحوال العرب ورجع، والسبب في ذلك أن تغري برمش أمير آخور خرج في السرحة التي جرت بها العادة فالتزم له الكاشف واسمع محمد الصغير بمقدار من المال عن السرحة، فبلغ ذلك أكابر العرب فتحالفوا على أن لا يعطوا أحدً شيئاً ووقع بينهم تناوش، فراسل أمير آخور السلطان، فجرد له جماعة من أكابر الأمراء فتوجهوا في هذه السنة وكان ما سيأتي.

(3/542)


وفيها وثب فياض بن ناصر الدين محمد بن دلغادر على ابن عمه حمزة أمير مرعش فأخرجه واستقر بها بغير تولية من السلطان، فتوجه الأمير قرقماس نائب حلب فقبض على فياض المذكور وولاها لابن عمه حمزة بك بن علي بن بك بن دلغادر، فبلغ ذلك ناصر لدين بك والد فياض المذكور وهو يومئذ أمير الأبلستين وقيصرية فشق عليه، وجهز قرقماس فياضاً المذكور إلى القاهرة فسجن بالقلعة.
فبعث ناصر الدين زوجته خديجة والدة فياض تشفع في ولدها وجهز معها هدية ومفاتيح قيصرية وأن يكون زوجها ناصر الدين بك نائباً عن السلطان فيها، فوصلت حلب في رمضان فوصلت القاهرة في آخر شوال، فقبلت هديتها وأفرج عن ولدها وأعطي نيابة مرعش، واستقر أبوه على حاله بقيصريه، وكان إبراهيم بن قرمان راسل السلطان أن يعطيه قيصرية على أن يحمل كل سنة عشرة آلاف دينار وغيرها، فأمره قرقماس نائب حلب أن يتجهز إلى أخذها ويسلمها لابن قرمان، فوقع لصاحبها ما ذكر فبطل ذلك، وفي أثناء ذلك لجأ حمزة إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك واجتمع جانبك الصوفي الذي كان أميراً بمصر وسجن بالإسكندرية وهرب من أول الدولة الأشرفية بعد أن اختفى ثلاث عشرة سنة واستمرار السلطان في التنقيب عليه، فجز داوداره ومحمد بن كند غدي ابن رمضان إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر بالأبلستين فحلفاه على أنه إذا قدم عنده جانبك الصوفي لا يسلمه ولا يخذله، ثم اجتمع جانبك بسليمان بن دلغار فتلقاه هو وأمراؤه وأمراء قلماس بن كبك ومحمد ابن قطلبك ونزلوا بملطية فجاء إليهم ناصر الدين بك ثم توجهوا جميعاً إلى محمد بن قرا يلك وهو بقلعة كركر فقواهم ثم نازلوا قلعة ديركي وضايقوا أهلها بالحصار وجاء قاصد شاه رخ إلى قرا يلك يأمره بالمسير إلى قتال إسكندر بن قرا يوسف فترك جابي بك الصوفي ومن معه بدوركي وتوجه بجماعته إلى ملطية فحاصرها فمشى عليه إسكندر وأغار على أرزن الروم فأخذها ففر قرا يلك إلى آمد فأقام بها ثم خرج إلى ارقنين فلما كان في صفر سنة تسع وثلاثين التقى إسكندر بن قرا يوسف وقرا يلك على أرزن الروم، فخرج على قرا يلك كمين لإسكندر فهزمه، فلما كاد يؤخذ رمى بنفسه في خندق المدينة فغرق، فطلع به أولاده بعد ذلك فدفنوه هناك، فجاء إلى اسكندر من عرفه بذلك، فأرسل من

(3/543)


أخرجه من قبره بعد ثلاثة أيام وحز رأسه ورأس اثنين من أولاده، وثلاثة من ألزامه وأرسلهم إلى القاهرة فنصبت على باب زوبلة، وذلك في ربيع الأول وزينت القاهرة فرحاً بذلك، وأكرم السلطان قصاد الإسكندر وأعطاهم مالاً وقماشاً بقدر عشرة آلاف دينار، وكتب سليمان بن دلغادر إلى جانبك الصوفي بأنه معه معيناً له على مقاصده، فاغتر بذلك فاجتمعا بملطية، فبالغ في إكرامه والمناصحة له، وأقاما على ذلك مدة، ثم خرجا يوماً للصيد والتنزه فأبعدا في ذلك، وكان جانبك قد رتب فرسانه وجماعته على حصار ديركي، فقبض أصحاب سليمان على جانبك وقيدوه، وسرى به سليمان على الدمس ليلة كاملة حتى صبح الأبلستين فسجنه، وراسل السلطان الملك الأشرف يعلمه بالقبض عليه.
وفيها جرد أربعة أمراء من الألوف إلى عرب البحيرة، والسبب في ذاك أن وكانت طائفة من عرب لبيد قحلت بلادهم فدخلوا البحيرة وصالحوا أهلها، فمكنوهم من التوجه إلى عرب محارب بالوجه القبلي، فنزلوا في الأراضي التي بارت من الزرع وطلع فيها مرعى يقال له الكتيح - بكاف ومثناة ومهملة مصغر - فلم يمكنهم الكائف من الرعي فيه إلا ببذل مال، فأنفقوا من ذلك ووقع بينهم قتال، فكان ذلك سبب بعث الأمراء فنهبوا منهم كثير من جمالهم وفروا من أيديهم، فرجع الأمراء في شعبان.
وفي رمضان الوافق لبرمودة من أشهر القبط عند دخول فصل الصيف وقع بمصر مطر غزير دلفت منه البيوت وجاء سيل عظيم بحيث أقام بالصحراء أياماً.

(3/544)


وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي ورأيت في كتاب ورد من أرض الحبشة فيه: وفي أول رجب أي سنة ثمان وثلاثين غزا الأمير خير الدين أخو السلطان مدلاي بن سعد الدين بلاداً للقرم فتح سبعة أبواب من أبواب الحطى وانتصر عليهم، وقتل أميراً من ألزام الحطى وحرق بلادهم، وأخذ من المال غنيمة شيئاً كثيراً وقتل منهم عدداً كثيراً، ورجعوا ومعهم من الذهب والفضة والزرد والدروع والوصفان كثير، ولم يسوقوا شيئاً من الإبل والبقر والغنم ولا العجائز والشيوخ بل جعلوا عليهم علامات، وخربوا ست كنائس وعدة قرى ورد ألف بنت من المسلمين، ووصفوا خير الدين بعدل كثير والرخاء عندهم كثير.
وفيها مات الحطى ووقع الخلف بعده. ثم اتفقوا على صبي صغير وسلطانهم مدلاي عادل خير.
وفيها وقع الوباء في بلاد المسلمين والكفار فمات به خلق كثير جداً، وفي شوال منها خرج خير الدين أيضاً غازياً.
وفيها في شعبان راجت الفلوس التي ضربها السلطان عن كل درهم ثمانية عدداً منها وأبطل الفلوس الأول، وصار الرطل من هذه بحساب سبعة وعشرين درهماً ومن القديمة بثمانية عشر، فكانت تؤخذ من الباعة وتحمل لدار الضرب لتضرب جديدة وتمشي الأمر على ذلك ولكنها قليلة لعدم الاعتناء بكثرتها لقلة المتحصل منها.
وفيها نقل قانصوه النورزي من نيابة طرسوس إلى الحجوبية بحلب، ونقل الحاجب طوغان إلى إمرة مائة بدمشق، وقرر يوسف ابن فلدوا في نيابة طرسوس.
وفي ربيع الأول استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء حلب نقلاً من قضاء طرابلس عوضاً عن بهاء الدين ابن حجي، ويقال إنه بذل ثلاثة آلاف دينار، واستقر

(3/545)


شمس الدين محمد بن علي بن عمر بن علي بن مهنا بن أحمد الصفدي في قضاء دمشق عوضاً عن شمس الدين بن الكشك، وشرط عليه بذل ألفي دينار، فلما وصل إليه التوقيع والخلعة امتنع ورحل إلى القاهرة مستعفياً، وكان قد أقام في قضاء طرابلس مدة طويلة، ثم ولي قضاء دمشق عوضاً عن شهاب الدين ابن الكشك ثم صرف وأعيد ابن الكشك، فلما رحل السلطان إلى جهة حلب قرره لما رجع في عدة بلاد نزعها من نواب ابن الكشك واستمر ابن الكشك في القضاء، فلما مات ابن الكشك أمل أن يعود فقدم عليه ولد ابن الكشك على مال كثير بذله واستقر هذه المدة اللطيفة ثم صرف، فلما امتنع ابن الصفدي من الوالية بالشرط المذكور واستعفى أعفي ورجع إلى دمشق من فوره على ما بيده من المدارس واستمر ابن الكشك ثم ألزم ابن الصفدي بالتوجه إلى صفد فسار إليها فيما قيل، ولد في ذي القعدة سنة 775، وذكر أنه سمع موطأ القعنبي على ابن حبيب الكمال قرأ عليه ابن فهد منتفى منه وقرأه عليه كاملاً صاحبنا البقاعي ثم ظهر بطلان لهما ورجعا عن روايته لاشتباهه عليهما.
وفيه ثار شمس الدين الهروي على القاضي علم الدين صالح، وادعى أن بيده وظائف كثيرة بغير شروط الواقفين، فتعصب له ناظر الجيش ودافع عنه، واستمر على ما بيده واندفع الهروي بذلك، ثم عمل ناظر الجيش مولده في السابع والعشرين من الشهر أرسل إليه فأصلح بينهما - والله المستعان.
شهر ربيع الآخر أوله الأربعاء بالرؤية، في أوائله منع الوالي السقائين من الملء من الخليج الحاكمي ثم الناصري، ونقص الماء إلى أن صار في مقدار الوفاء، فكانت مدة ما انتفع أهل البلد بالخلجان نحو المائة يوم، وفي الرابع منه وقعت زلزلة لطيفة وزالت بسرعة.

(3/546)


وفي أوله وصلت البنادقة وهم تجار القطائع من الفرنج الذي يسمونها القطائع فتأخروا عن عادتهم نحو العشرين يوماً ولم يصلوا في العام الماضي، وعجلوا عن عادتهم في الذي قبله بنحو الشهرين، ولم يحفظ ذلك فيما مضى بل الذي تمادى عليه حالهم أنهم يصلون في أول العشر الثاني من بابة ويرجعون في أوائل هاتور، فألزم السلطان التجار بعدم البيع إلى أن يباع ما يتعلق به، وطلب من الفرنج أن يشتروا منه الفلفل بمائة وعشرين كل جمل، فامتنعوا وتراضوا مع نائب الإسكندرية إلى أن يشتروا منه ثلاثمائة جمل بسعر كل جمل بمائة، ومشوا ولم يشتروا من المسلمين جملاً واحداً، وكسدت بضائع التجار واشتد أسفهم وشق عليهم ذلك مشقة شديدة - والأمر بيد الله.
وفي السادس منه - ووافق ثاني عشر هاتور - أمطرت السماء وقت العصر، وسرح السلطان في هذا اليوم ورجع وقد صاد، وفي أواخر امشير في العشر الأخير من رجب وقع برد شديد، وحصل المطر أياماً وسر الناس بذلك، وتمادى البرد نحوا من عشرة أيام أشد مما كان في طوبة وكهيك، ثم عاد فراح الوقت كما كان، وفي الجملة من نحو ثلاثين سنة ما عهد أقل برداً من فصل الشتاء في هذه السنة.
وفي نصف شوال أعيد التاج الوالي إلى ولاية القاهرة وعزل ابن الطبلاوي، وفيه قطعت إصبع عبد القدوس بن الجيعان لما تكرر منه من التزوير. وفيه اهتم السلطان بأمر الجسور وأمر بإتقانها، وندب لذلك تمرباي الدوادار الثاني والوزير فاجتهدا في ذلك، ثم ضاق بالوزير الحال في المصروف فاستعفى وكان ما سنذكره.

(3/547)


وفيها نازل اصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد الموصل فراسل صاحبها رمال قرا يلك، فأمده بودله محمود في مائتي فارس، فأنزلهم عنده كالمسجونين فراسل محمود أباه، فأمده بأخيه محمد بن قرايلك في ألف فارس، فنزل على الموصل ولم يمكن من رؤية أخيه، وكان قرا يلك برأي العين فتوجه على نصيبين، فبلغه إن إسكندر بن قرا يوسف قصد محاربته بعد فراره من شاه رخ ملك الشرق.
وفي التاسع عشر من جمادى الآخرة سافر تغري برمش أمير آخور إلى سرحة الصعيد في تجمل كبير ونزل معه غالب الأمراء فودعوه ووقع له مع عرب الصعيد وقعة قتل فيها من أصحابه جماعة، وبعث يطلب نجدة، فأمر تمراز رأس نوبة بالتوجه إليه، وأمر كل أمير مقدم أن يرسل معه عشرين مملوكاص وتكمل له من غير المقدمين ثلاثمائة، وسافر في سابع جمادى الآخرة.
وفي أول شعبان أمر السلطان القاضي الشافعي إذا حضر المجلس لسماع الحديث إن يحضر صحبته فلقة وعصى، ومن تعدي في كلامه أو أساء الأدب أدب وأكد في ذلك.
وفي رمضان أمر السلطان بترك أكثر الخلع التي قررت لمن يحضر سماع الحديث، ثم شفع فيهم وقيل له: لو كان هذا قبل أن يحضروا، فإن كان ولا بد وقد قضوا المدة كلها تصرف لهم هذا العام ثم يعلموا ويقطعوا فيما يستقبل، فأمر بالصرف لهم.
وفي أواخر رمضان حضر عند السلطان شريف من الشام ومعه أوراق بخط الشيخ علاء الدين البخاري فيما يتعلق بالنسيمي وشيخه فضل الله، وأن بالشام ومصر جماعة على عقيدته، وأنه تصدى لتتبعهم وكشف عورتهم، وأنه وجد بالقاهرة شخصاً منهم، فقرئ كتاب الشيخ علاء الدين فأمر السلطان بإحضار الرجل وما في بيته من ورق ففعل ذلك، وهذه هي الطائفة المبتدعة المعروفة بالحروفية ثم بالنسيمية، فلما كان في رابع شوال عقد مجلس

(3/548)


بالقصر عند السلطان وأحضرت الكتب وبعضها من كلام شيخه وهي باللسان الفارسي فقرأ من أول واحد منها شيئاً يسيراً وفسره بالعربي وهي مقالة مركبة من قول المشبهة والاتحادية، فقرأ الشافعي خط الشيخ علاء الدين وفيه أن شعر الإنسان في وجهه ورأسه سبعة شهور: شعر أجفانه الأربعة وحاجباه ورأسه، وأن في وجهه سا آخر سبعة، وأن عقد أصابعه في اليدين أربعة عشر. فذلك عدد حروف المعجم ونحو من هذا. وفيه أن الإلهية انتقلت من الله لآدم ومن آدم لآخر إلى أن انتقلت لفضل الله وكلاماً من هذا حاصله إن الله هو الحروف؛ ثم أحضر الرجل فسئل عنها فقيل إنه شراها من حصن كيفا بثلاثين درهماً ولا يعتقد شيئاً مما فيها وأعلن بالشهادتين والتبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام وصرح بكفر من صنف هذه الكتب وشيخه أو يعتقد ما فيها، فقال له الشافعي إن كنت صادقاً فاحرق هذه الكتب بيدك.
فامتثل ذلك بعد أن حاد عن الجواب وباشر إحراق ذلك بنفسه، ثم سأل السلطان: هل على إثم إذا أخرجت هذا ومثاله من بلادي؟ فقال: لا، فنودي من عرف من أهل مذهب النسيمي ووجد عنده شيء من كتبه وأحضره للسلطان كان له مائة دينار، ثم أمر فنودي أن يخرج جميع العجم من القاهرة والقلعة بأسرهم ولا يتأخر منهم إلى ثلاثة أيام، ثم لم يتم ذلك. وفي يوم الأحد ثاني عشر شعبان أشيع موت زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي، وكان مولده في المحرم سنة 755 واشتغل على أبيه وغيره، وسمع من الصدر ابن غنوم جزءاً من الخلعيات سنة بضع وستين بسماعه من العراقي أنا ابن عماد، وسمع الكثير من شيوخ ذلك العصر بحلب وغيرها، وقدم مع أبيه دمشق فأسمعه من ... ،

(3/549)


وأجاز له جماعة تفرد بالرواية عنهم لكني لا أعلم أنه حدث عنهم بشيء غير جزء أو جزءين ثم ظهر أنه لم يمت إذ ذاك، فذكر لي ابن فهد أنه توجه إليه هو وغيره من الرحالة كالبقاعي وابن الإمام في هذه السنة فمات بعد وصولهم إليه بقليل، وكان قدومه القاهرة سنة بضع عشرة فاستوطنها وولي نيابة الحكم، ثم ولي قضاء دمنهور الوحش والبحيرة فاستقرت قدمه بها بعد منازعات، وأقام على ذلك بغير منازعة أكثر من عشر سنين، وكان فاضلاً يستحضر أشياء في الفقه ويذاكر بأشياء حسنة، وله نظم حسن ومدحي قديماً وحديثاً، واستهل شهر رمضان الخميس ووافق برمهات.
وفيها وصلت هدية نائب الشام وفيها مائة وخمسون فرساً وعشرة قطرة جمال وألف ثوب بعلبكي ومثلها بطان وخمسون قباء سمور ووشق وعشرة آلاف دينار ونعالاً خيل من ذهب ومسامير فضة، قيل إن في كل نعل خمسين ديناراً، وقيل إن مجموع قيمتها ثلاثين ألف دينار، وكان قدومهم سابع عشر ذي الحجة.
وفي سادس شهر رمضان هبت ريح شديدة باردة وتراب كثير عم القاهرة وسقط عدة من الدور، وفي الثالث عشر منه أمطرت ليلاً، وتمادى ذلك في أول النهار مع رعد وبرق. وذلك عند حلول الشمس برج الثور، ثم تمادى المطر ذلك اليوم كله لكن بغير توالي حتى توحلت الأرض كلها ووكفت البيوت، ثم أمطرت صبيحة ذلك اليوم بعد الفجر مطراً غزيراً جداً حتى وكفت البيوت وفسدت الأمتعة والزروع - والأمر لله وحده!

(3/550)


وهبت ريح شديدة وقت العصر من اليوم الماضي حتى انتصف النهار ثم انجلت عن قرب.
وفيه استقر.. في كشف الوجه القبلي، وصرف كريم الدين ودخل القاهرة، وفي آخر يوم من رمضان خطبت بجامع عمر بن العاص، قايضت الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى بما كان معي من خطابة جامع الأزهر بما معه من نصف خطابة جامع عمرو، وكان أكثر الفاكهة في هذه السنة غير ناجب بسبب كثرة الماء ولفقده في البساتين، ثم تأخر المطر في الشتاء كله فكان الورد قليلاً وكذا المشمش والليمون حتى بيعت الليمونة الواحدة بنصف درهم، وأمطت في عشي يوم الجمعة سابع شوال قبل المغرب مطراً خفيفاً، ووافق ذلك الحادي عشر من بشنس والشمس يومئذ في أواخر برج الثور، وأمطرت أيضاً يوم السبت بعد أن هبت ريح عاصف بتراب ثم انجلت، واستمر البرد في طرفي النهار شديداً بنحو ما كان في فصل الشتاء أو دونه يسيراً ولكن في وسط النهار وفي جوف الليل يقع فيهما بعض الحر، وتأخر لبس الصوف إلى يوم الجمعة سابع شوال المذكور فتأخر عن العام الماضي نحو عشرين يوماً، وزاد النيل في غير أوانه في اول العشر الثالث من بشنس، وتعجل بنحو عشرين يوماً، وغرقت بعض الأمتعة.
وفي الثامن عشر من شوال طيف بالمحمل وخرج إلى بركة الجب وأميرهم تمربائي الدوادار الثاني وأمير الأول المحتسب صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، ورحلوا من البركة الحادي والعشرين منه، وفي أواخر بشنس من الأشهر القبطية زاد النيل قبل أوان عادته زيادة عظيمة، وغرق غالب ما زرع من المقاث البطيخ والسمسم وغيره في الجزائر وفسد للناس شيء كثير من

(3/551)


البطيخ ونحوه، ثم عادت الزيادة في أوائل بؤنة، وكل ذلك قبل الوقت الذي جرت فيه العادة بالزيادة. فلما كان الثاني عشر من بؤنة وهو أول وقت المعتاد زاد أيضا بحيث بلغت الزيادة في المدة المذكورة نحو ستة أذرع ثم نقص نحو ذراع ونصف، ثم لما كان في الخامس والعشرين من بؤنة وهو اليوم الذي جرت فيه العادة بابتداء القياس وجد الماء قد بلغ إلى أحد عشر ذراعاً وعشرة أصابع وقد كان قد بلغ ثلاثة عشر ذراعاً لكن نقص في أول العشر الأخير، وهذا شيء لم يعهد مثله بمصر، وأكثر ما وصل إلى يوم الخامس والعشرين إلى عشرة أذرع ولكنها لم تفتح زيادتها قبل الأوان، وزاد في اليوم السادس والعشرين إصبعين، وفي الذي بعده إصبعين ثم ثلاثة، ثم توقف عن الزيادة من ثامن عشري بؤنة إلى رابع أبيب، ثم زاد فيه إصبعاً وإصبعاً ثم إصبعين وتمادى، وكان نقص سبعة عشر إصبعاً، وتحرك سعر القمح فازداد كل يوم شيئاً إلى أن وصل إلى مائتين وخمسين بعد إن كان بمائة وثمانين، وفي آخر يوم من المحرم وهو اليوم الثاني من أيام النسىء كانت الزيادة خمسة أصابع فانتهى إلى تسعة عشر ذراعاً وأربعة أصابع، وصادف أنه كان في العام الماضي في مثل هذا اليوم من أيام النسيم كان انتهى إلى هذا القدر سواء، وهذا من عجائب الاتفاق، وفي أول ذي القعدة وصل الخبر من شيراز من شاه رخ بأنه جهز إلى مكة كسوة للكعبة وهي التي كان عقد المجلس بسببها في أوائل هذه السنة وجهزت الرسل بالأجوبة، فجهز هو الكسوة من قبل أن يعود عليه الجواب وانزعج السلطان وكان من سيأتي ذكره.
وفي الرابع والعشرين من ذي القعدة كسرت عدة جرار تزيد على المائتين من الخمور فيها كبار تسع الواحدة نحو القطار، وذكر أنها لشخص يقال له أبو بكر بن الشاطر سمسار

(3/552)


القماش الإسكندراني، وكان لكسرها في وسط البحر رجة واجتمع فيه خلق كثير. والسبب فيه أنه عثر عليه في بعض الحواصل بساحل بولاق فاستعان بأناس من الجند.
فهجموا على الذين عثروا عليهم فضربوهم، فهربوا فحولوا جميع ذلك إلى مركب وانحدروا بهم إلى قرب شبرا، فتوجه إليهم الوالي فقبض عليهم. فتمكنوا منهم وأخذوا الجرار، فرجعوا بأهالي الساحل فكسروها وكان يوماً مشهوداً.
وفيها وقع بين جماعة من نواحي الزبداني فتنة، فقتل خطيب الجامع وجماعة نحو الستة عشر نفساً، واتهم بذلك زين الدين بن صادر الاستادار فبلغ السلطان ذلك فأرسل يستدعيه ويأمره أن يحضر معه بتقدمة، فبادر إلى الحضور، فلما وصل إلى قطيا جهز السلطان عمر الوالي وأمره أن يقتله حال اجتماعه به، فلاقاه إلى بليس فقتله وحمل رأسه إلى السلطان، وهو عبد الرحمن بن محمد بن صادر، ولي الأستادارية في المستأجرات والحمامات السلطانية، وكان أستادار جقمق دويدار الملك المؤيد بالقاهرة، وتنقلت به الاحوال بعده إلى أن مات عن نحو من سبعين سنة. وفيه خرج عرب بني لام على المبشرين بالوجه فقتلوا منهم اثنين وسلم المبشر وهو بيرم خجا القرشي، فدخل في الثامن والعشرين من ذي الحجة وليس معه شيء من الكتب، وذكر أنه نهب لهم أشياء وأنه كان معه نفائس حصلها فجاء مسلوباً، وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة خرج شهاب الدين ابن المحمرة على مشيخة الصالحية بالقدس، فصادف قدوم عز الدين القدسي فالتقيا بالخانقاه الناصرية، ودخل

(3/553)


عز الدين يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة القاهرة، واستمر بها على نيابة القضاء فقط، وصرف عز الدين الناعوري عن قضاء حمص وأضيف ذلك إلى قاضي الشام.

ذكر من مات
في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
أحمد بن عبد الخالق بن عبد العزيز، الاسيوطي شهاب الدين، سمع من أبيه ومن عبد الرحمن بن القارئ وأجاز له، وكان يواظب التكسب بالشهادة في جامع ظاهر الوراقين، وكتب في الاستدعاآت بأخرة وحدث به وسمع الفضلاء، ومات في ثاني عشر ربيع الآخر.
أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن سلطان كلبركة شهاب الدين أبو المغازي، أقام في مملكته أربع عشرة سنة وكان خيراً، له مآثر بمكة، واستقر بعده ابنه ظفر شاه واسمه حميد أيضا.
أحمد بن عمر، البلبيسي البزاز شهاب الدين، مات في يوم الجمعة ثاني عشر رجب

(3/554)


وقد جاوز الثمانين، وكان من خيار التجار ثقة وديناً وأمانةً وصدق لهجة، وله عدة مجاورات بمكة، وسمع الحديث الكثير وأنجب أولاداً رحمه الله تعالى.
إبراهيم السلطان أمير زه ابن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور خان صاحب شيراز، كتب الخط المنسوب قارب ياقوت، ومات في رمضان، ووجد عليه أبوه وأهل شيراز.
أحمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير، البلقيني شهاب الدين، ابن أخي شيخنا سراج الدين، مات في السادس والعشرين من رجب بعلة السل، ولد سنة ست وتسعين، ولما ترعرع كان بان عم أبيه القاضي جلال الدين قاضياً وقد استناب أباه فتعلم القرآن، وحفظ كتباً. ودربه أبوه في توقيع الحكم، واشتغل في القراآت والعربية، وكان حسن الصوت بالقرآن، أم بالمدرسة الملكية بالقرب من مشهد الحسين، ووقع في الحكم، ثم ناب في القضاء بأخرة، وخدم ابن الكويز وهو كاتب السر ثم ابن مزهر، فأثرى وصارت له وجاهة وحصل جهات، ثم تمرض أكثر من سنة، ودفن عند أبيه بمقابر الصوفية. أحمد بن محمد، ناصر الدين المعروف ابن أمية الحكم، وكان ينوب في الحكم بمصر وعدة بلاد من البهنساوية، وكان له مدة منقطعاً بمرض عرض له فالج فانقطع بسببه.
أحمد بن محمد - الماجري المصمودي الشيخ ...
أحمد الحنبلي شهاب الدين الحلبي المعروف بالخازوق، ولي قضاء الحنابلة بها مراراً، وفي سنة خمس صرف وتقرر ابن الرسام، فدخل القاهرة ليعود إلى القضاء فتعذر ذلك مدة إلى أن قرر، فلما وصل لدمشق ضعف فتوصل إلى حلب في محفة فدخلها مريضاً، فاستمر على ذلك إلى أن مات بعد دخوله حلب بقليل.

(3/555)


إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم، البيضاوي الزمزمي. المؤذن بمكة، يكنى أبا الطاهر ويلقب مجد الدين، ولد سنة ست وستين، وأجاز له صلاح الدين ابن أبي عمر وعمر بن أميلة وأحمد ابن النجم وحسن بن مقبل وآخرون، وكان يتعانى النظم، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بالآلة، ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدين المرجاني ومهر، وكان فاضلاً، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا، وكان قليل الشر مشتغلاً بنفسه وعياله مشكور السيرة ملازماً لخدمة قبة العباس، وله سماع من قدماء المكيين، وحدث بشيء يسير، سمعت من نظمه، وأخوه إبراهيم ولد سنة 777، وأجاز لي في سنة 787 النشاوري والشهاب ابن ظهيرة وآخرون، واشتغل في عدة فنون، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيهما.
أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس، رفيقي زكي الدين المهجمي الأصل ثم المصري، ولد بعد السبعين بيسير، ونشأ في حال بزة وترفه، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين ولازم الشيوخ، وسمع معي من عوالي شيوخي مثل البرهان الشامي وابن الشيخة وابن أبي المجد وبنت الأذرعي وغيرهم فأكثر جداً، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرحلة الشامية، ورافقني في الاشتغال على الأبناسي والبلقيني والعراقي وغيرهم.
ثم دخل اليمن في سنة ثمانمائة فاستمر بالمهم وبعدن إلى أن عاد من قريب فسكن مصر، ثم ضعف بالذرب واختل عقله جداً - وثم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان المنصوري، فأقام به نحو شهرين ومات، وصليت عليه ودفنته بالتربة الركنية بيبرس في سلخ المحرم.

(3/556)


باني سنقر بن شاه رخ بن تيمور صاحب مملكة كرمان، مات في ذي الحجة.
أبو بكر الشيخ تقي الدين اللوبياني الفقيه الشافعي، أحد الفضلاء الشافعية بدمشق فباشر تدريس الشامية الجوانية وغيرها، ومات في شوال.
حسين بن علي بن سبع، المالكي شرف الدين وبدر الدين البوصيري، ولد سنة 45، وسمع على المحب الخلاطي أكثر الدارقطني أنا الدمياطي وصفة التصوف لابن طاهر خلا من أول الزهد إلى آخر الكتاب، وسمع أيضا على عز الدين بن جماعة غالب الأدب المفرد للبخاري، وعرض على مغلطاي شيئاً من محفوظه وأجاز له، وكان من الطلبة بالشيخونية، وحدث، سمع منه رضوان وابن فهد والبقاعي وغيرهم، واجاز لابني محمد ومن معه، ومات في ربيع الأول.
طرباي الظاهر نائب طرابلس، وبها مات في يوم السبت ثالث رجب فجأة.
خضر بن أحمد، اصله من.. وكان يتجر في الزيت ثم في البر يجلبه ويبيعه، وأنجب ابنه إبراهيم صاحبنا، وذكر أن مولده سنة سبع وأربعين فبلغ التسعين وكان عجز بأخرة وانقطع فآواه ولده إلى أن مات.

(3/557)


زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسني، قتل في حرب وقعت بينه وبين أمير المدينة مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز في شهر رجب، وقتل معه جمع من بني حسين، منهم ابن عزيز بن هيازع الذي كان أبوه أمير المدينة، وكان زهير فاتكاً يقطع الطريق ومعه جماعة، كما تقدم في حوادث سنة أربع وثلاثين.
عبد الله بن سلمان المحلي جمال الدين أحد موقعي الحكم، وقد ناب في الحكم في بعض الجهات وفي بعض النواحي بالقاهرة قليلاً، مات في يوم الاثنين ثاني عشر رجب.
عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي زين الدين، ولد في رمضان سنة 789، وأسمعه عمه الكثير من ابن المحب وابن عوض وابن داود وابن الذهبي وابن العز، مات فجأة في 14 شهر ربيع الآخر، فمن مسموعه على ابن العز السادس من مسند أنس من المختارة للضياء والثاني والسبعين منها، وسمع على ابن داود الثاني من أمالي المحاملي رواية ابن أبي عمر ابن مهدي أنا سليمان ابن حمزة.
عبد الرحمن بن نجم الدين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى ابن عبد المحسن، المسند زين الدين أبو زيد القبابي ثم المقدسي الحنبلي، ولد في 13 شعبان سنة 49، وأجاز له أبو الفتح الميدومي وجل شيوخ شيخنا.
العراقي، وسمع من الشيخ تقي الدين السبكي وصلاح الدين ابن أبي عمر وابن أميلة وصلاح الدين

(3/558)


العلائي وناصر الدين التونسي والتباني وابن رافع وأحمد بن النجم إسماعيل والخلاطي وابن جماعة ومغلطائي وابن نباتة والرساوي وحسن بن هبل، وشيوخه بالسماع والإجازة نحو المائة وخمسين نفساً خرجت له عنهم مشيخة، وأجاز لي غير مرة، مات في سابع شهر ربيع الآخر ببيت المقدس، وقد أكثر عنه الرحالة وقصد لذلك، وبلغ سبعين سنة إلا قليلا، وتفرد بأكثر مشايخه.
عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب، الفوي الأصل ثم المكي العلامة النحوي جلال الدين أبو المحامد الشهير بالمرشدي، ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين بمكة، وأسمع على النشاوري والأميوطي والشهاب بن ظهيرة وغيرهم، ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض شيوخنا، ومهر في العربية، وقرأ الأصول والمعاني والفقه، وكان نعم الرجل مروءة وصيانة؛ ومات في يوم الجمعة 24 شعبان، وكثر الأسف عليه.

(3/559)


علي بن طيبغا بن حاجي بك، التركماني الشيخ علاء الدين العينتابي الحنفي، كان فاضلاً وقوراً، مهر في الفنون، وقرره السلطان الأشرف مدرساً وخطيباً بالتربة التي أنشأها بالصحراء؛ مات في طريق الحجاز ودفن بالقرب من الينبع.
علي بن محمد بن موسى بن منصور، المحلي ثم المدني الشيخ نور الدين، كان مولده في جمادى الأولى سنة 754 بالمدينة، وسمع علي ابن حبيب وابن خليل وابن القارئ وأبي البقاء السبكي وغيرهم، وأجاز له ابن أميلة وابن هبل وابن أبي عمر، وحدث باليسير وأجاز لنا: ومات يوم مات في الثالث من شوال وليس ببلاد الحجاز أسند منه.
عمر البسطامي المقيم بالعارض بسفح المقطم، كان كثير الذكر مستمراً عليه لا يفتر عنه لسانه، وتحكى عنه كرامات، وللناس فيه اعتقاد وعمر نحو التسعين.
.... تقدم في التي قبلها فيحرر.
فاطمة بنت خليل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسية ثم القاهرية زوج غازي الحنبلي، ولدت في ... وأجاز لها أكثر شيوخ القباني الذين ذكروا قبل، وخرجت لها مشيخة اضفتها إلى مشيخة القباني، وحدثت بأخرة، سمع منها الطلبة؛ وماتت في أول يوم من جمادى الأولى وقد تفردت عن بعضهم.
محمد بن المنصور بن أبي فارس بن عبد العزيز بن المنتصر ملك الغرب عم

(3/560)


أبيه الحسين، وكان فاضلاً ذكياً شاطراً، يحفظ المذهب وكثيراً من معاني الحديث، وكحل.
محمد بن عبد الله بن عبد القادر، الشيخ نجم الدين الواسطي السكاكيني، يقال إنه قرأ على العاقولي ومهر في القراآت والنظم والفقه، يقال إنه أقرأ الحاوي ثلاثين مرة، وله شرح على منهاج البيضاوي، ونظم بقية القراآت العشر وتكملة للشاطبي على طريقته حتى يغلب على سامعه انه نظم الشاطبي وخمس البردة وبانت سعاد؛ مات بمكة في سادس عشري شهر ربيع الآخر.
محمد بن علي، جمال الدين التوريزي التاجر، تنقلت به الاحوال، وتولى ببلاد اليمن التحدث في المتجر السلطاني بعدن ثم صرف، وكان تسحب من القاهرة من ديون ركبته في سنة 24 ولم يعد إليها، ومات في هذه السنة بمكة، وهو أخو على المذكور قبل بسنتين المقتول سنة أربع وثلاثين.
محمد بن محمد بن عمر، تقي الدين بن شيخنا سراج الدين البلقيني؛ مات في أول ليلة الثاني عشر من شوال، ودفن صبيحة ذلك اليوم الأربعاء على أبيه وجده، وكان مولده سنة تسع وثمانين مات أبوه وهو طفل فرباه جده، وحفظ القرآن وصلى بالناس وهو صغير له نحو عشر سنين، ودرس في المنهاج، ولازم الشيخ كمال الدين الدميري وغيره، وكان ذكياً حسن النغمة، ونشا في إملاق، ولما ولي عمه القضاء نبه قليلاً، وولي

(3/561)


بأخرة نيابة الحكم بمنية الأمراء وغيرها من الضواحي، ودرس بعد موت عمه جلال الدين في الفقه بجامع طولون، وتمول بملازمة ناظر الجيوش عبد الباسط، وحصل وظائف وإقطاعات ورزقاً، وصار كثير المال جداً في مدة يسيرة. وسيرته مشهورة وسبب تقدمه عند المذكور مشهور، وتقدم في الصلاة عليه عمه علم الدين وله نحو الخمسين، وخلف ولداً كبيراً وآخر صغيراً وابنتان، وقد حدث عن جده بشيء يسير، قرأ بعض الطلبة عليه كتاب الجمعة للنسائي بسماعه من جده أنا إسماعيل البلقيني بسنده.
محمد ناصر الدين بن الشيرازي نقيب الجيوش، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر عن بضع وخمسين سنة، وكان تام القامة كثير المداراة محبباً إلى الناس لكنه كان مسرفاً، وله في هذه الوظيفة مدة طويلة.
تقي الدين بن الجيعان أخو كاتب ديوان الجيش، وكان ساكنا وقوراً يباشر في عدة جهات....، وكانت جنازته حافلة، وكثر التاسف عليه.
عماد الدين السرميني موقع الدست بدمشق، وكان فاضلاً ذكياً، مات في شوال وقد بلغ الأربعين أو قاربها.
الحطي ملك الحبشة الكافر - لا رحم الله فيه - بغرز إبرة.

(3/562)


سنة تسع وثلاثين وثمانمائة
استهلت بالخميس، ووافق ذلك رابع مسري من شهري القبط. وبلغت زيادة النيل فيه إلى دون خمسة عشر ذراعاً. ثم وقع الوفاء وكسر الخلج في يوم الاثنين خامس المحرم ووافق ثامن مسري، وكان نظير ذلك في العام الماضي في سابع مسري، وزاد من الذراع - السابع عشر أربعة اصابع، وباشر ذلك ولد السلطان، وكان يوماً مشهوداً، وسر الناس بذلك، وتباشروا بانحطاط السعر - فلله الحمد.
واستمرت الزيادة بعد ذلك إلى أن كان في آخر يوم من مسري قد انتهى إلى تسعة عشر ذراعاً سوى إصبع واحد. ولم يعهد مثل هذا فيما مضى من السنين سوى في السنة الماضية - فالله المحمود على كل حال.
وفيه وصل إلى حلب رسل من قبل جانبك الصوفي، فبلغ السلطان ذلك فجهز لنائبها بقتلهم فقتلوا، ثم تبين أن ذلك كان في آخر - في السنة الماضية، وكان النيروز يوم الثلاثاء، خامس صفر، وكانت السنة القبطية كبيساً ولم يلعب أحد فيه لنهي السلطان عن ذلك وبلغت زيادة النيل فيه تسعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً، وساوى العام الماضي في ذلك وزاد ثلاثة أصابع ثم زاد في أول يوم من توت إصبعين، وفي الثاني إصبعاً، وكان في العام الماضي قد نقص في أول يوم من توت أربعة أصابع ومع ذلك فلم ترو عدة بلاد من الجيزية التي كان من شأنها أن تروى من ستة عشر لفساد الجسور - والأمر لله! ثم يسر الله أن زاد حتى وفي قدر العام الماضي ولم يكن أحد يظن ذلك، وانتهت زيادة النيل في أول يوم من بابة إلى عشرين إصبعاً، ورئي شهر ربيع الأول ليلة

(4/9)


السبت، وثبت ذلك فلم ينقص منه إلى الرابع من شهر ربيع الآخر سوى قدر ذراع، ودخل هاتور من الأشهر القبطية وهو على ثباته، وتأخر زمان الزرع عن العادة، وضج الناس من ذلك، وغلا السعر في القمح وغيره إلى أن بلغ القمح نحو الدينار ثم تناقص.
وفيها استدعى شاه رخ قرا يلك وأمره بقتال إسكندر فكان ما حكيناه في السنة الماضية، ووصل أحمد بن شاه رخ نجدة لقرا يلك، فلقوا إسكندر على ميافارقين، فقتل من الفريقين جمع جم، وانهزم إسكندر إلى بلاد الروم، فوصل إلى أفشر وكاتب صاحب مصر فقام متوليها بخدمته، ودل عليه أحمد بن شاه رخ، فسار في طلبه فتبعه العسكر فانهزم ودخل توقات من بلاد الروم، فأرسل صاحبها يستأذن ملك الروم مراد بن محمد بن عثمان - في أمره -، فأرسل إليه هدية بما قيمته عشرة آلاف دينار وأمر بإكرامه، فإلى أن يصل إليه ذلك جرى على عادته من الفساد والنهب، فشق ذلك على متولى توقات وراسل صاحبه، فأمر برد الهدية وإخراج إسكندر من بلاده، فسار إلى جهة بلاد القرانية، وراسل شاه رخ ملوك الروم وجهز لهم خلعاً وأمرهم بطرد اسكندر وملك أحمد بن شاه رخ ملك الروم وتزوج بنت قرايلك، ولما وصل الخبر للسلطان شرع في التجهيز للسفر وعرض أجناد الحلقة، وفي الثالث من شهر ربيع الأول خلع على شرف الدين أبي بكر بن سليمان الحلبي سبط ابن العجمي كبير الموقعين ونائب كتابة السر بكتابة السر بحلب، وقرر ولده مكانه في جهاته، وهو معين الدين عبد اللطيف، وجهز إلى كاتب السر بها زين الدين

(4/10)


عمر بن السفاح بالحضور، لأن كاتب السر ابن السفاح بحلب كتب يحذر من - غائلة - قرقماس وأنه يريد الخروج عن الطاعة، ففطن قرقماس فراسل يطلب الحضور، وصادف توجه النجاب بطلبه فسبق قاصده، فعرف السلطان براءته مما رمى به وأذن له في المجئ، وحنق على ابن السفاح وعزله من كتابة السر وأمره بالقدوم، ثم شفع فيه أن يستمر بطالاً، وتوجه شرف الدين، واتفق قدوم قرقماس على الهجن في أربعة عشر يوماً في سادس ربيع الأول، فلما قدم أكرم.
وفي صبيحة وصوله خلع أمير سلاح مكان جقمق، وخلع على إينال الجكمي الأمير الكبير بنيابة حلب. وعين جقمق الذي كان أمير سلاح في وظيفته، وعوتب قرقماس بأنه راسل جانبك الصوفي، فتنصل وكان ما سيأتي، ثم سافر إينال الجكمي وشرف الدين في الرابع عشر من شهر ربيع الأول إلى مدينة حلب، - وخلع على جقمق مكان الجكمي قبل ذلك - في السابع منه، وخلع عليه أيضاً بنظر المارستان - في السادس عشر منه -، والعجب أنه بعد ثلاث سنين ولي السلطنة في هذا الشهر، وحضر المولد السلطاني في الثالث عشر منه وجلس رأس الميمنة وجلس قرقماس رأس الميسرة، ثم جاء ولد السلطان فجلس فوقه وكان السرور طافحاً على جقمق وقرقماس مكتئب.
وفي حادى عشر ربيع الآخر وصل الخبر بموت قصروه نائب الشام، فقرر مكانه إينال الجكمي الذي توجه قريباً إلى حلب، وتوجه القاصد إليه بنقله عن حلب إلى دمشق، وقرر تغرى برمش أمير آخور التركماني نائباً بحلب، فسار في أول الشهر إلى جهة حلب وخرج في بحمل زائد، وقرر عوضه جانم أخو السلطان الأشرف من أمه أمير آخور، وخلع عليه في سابع جمادى الأولى - أيضاً -، وأمر تغرى بردى المؤذى تقدمة، وورد كتاب صاحب حصن كيفا يخبر فيه بمنازلة شاه رخ تبريز وإذعان إسكندر بن قرا يوسف له، ثم ظهر أن إسكندر انكسر ودخل شاه رخ تبريز ونزل من رساع يشتى

(4/11)


فيها، وأرسل عسكراً مع ولده إبراهيم يتبع إسكندر فدخل اسكندر بلاد صاحب مصر واستأذنه في الإقامة بها، فأجابه الأشرف لذلك، فأرسل إليه هدية وآثره بجملة من المال، وورد كتاب نائب ملطية يخبر فيه بإمساك جانبك الصوفي، وتاريخه ثامن عشر ربيع الأول، ثم أحضرت رأس عثمان بن قرايلك وولده وعلقتا بباب زويلة - وذكر نائب ملطية في كتابه أنه - وقع بينه وبين قوم آخرين من التركمان حرب فسقط عن فرسه في المعركة - فغرق - فلم يشعر به إلا بعد يومين - فعرف، وكوتب السلطان فأمر السلطان بإحضار رأسه - وشرح نائب ملطية أموراً - كثيرة -، فأرسلت إليه هدية وأمر، ووصل قاصد ابن دلغادر يخبر بإمساك جانبك - الصوفي -، ووصل جمال الدين يوسف بن عبد الله الكركي قريب ابن الكويز الذي كان ولي كتابة السر بعد موته قدر نصف سنة ختام سنة ست وعشرين وأوائل سنة سبع وعشرين، ثم صرف وولي أخيراً نظر الجيش بالشام فاستمر فيه، ثم صرف ثم أعيد مدة فوصل مطلوباً في أول يوم من شهر ربيع الآخر فتوعك، واستمر إلى أن خلع عليه يوم السبت سادس جمادى الأولى بكتابة سر الشام وصرف من نظر الجيش، فاستقر فيها بهاء الدين بن حجى وكان وليها مرة قبل هذه، وفي أواخر شهر ربيع الآخر غلا سعر القمح فتزايد وقل الخبز من الحوانيت فضجت العامة، فأمر السطان بفتح الشؤن - والبيع - منها، فمشى الحال قليلاً وتزايد السعر إلى أن بلغ القمح أربعمائة والفول مائتين والشعير مائة وسبعين، وسكن الحال بوجود ذلك وبيع الرغيف الذي زنته نصف رطل بدرهم ونصف قنطار من الدقيق - ويسمى عندهم بطه - بمائة وعشرة، وهذا كله والري قد شمل الأرض قبلها وبحررنها فكيف لو كان فيه تقصير! اللهم الطف بعبادك يا رب العالمين.
وفيها وقع الطاعون ببرصا فدام أربعة أشهر، وفيه قبض على جانبك الصوفي وقد تقدم ذكر ظهوره في السنة الماضية فاتفق أنه توجه هو قرمش الأعور وابن سلامش وابن قطلبك إلى محمد بن قرايلك فقواهم، فنازلوا قلعة

(4/12)


دوركي ونهبوا ما حولها، ثم توجه محمد إلى أبيه بأمر شاه رخ لقتال إسكندر، وتوجه جانبك ومن معه إلى ملطية فحاصروها، فأظهر له سليمان بن ناصر الدين بن دلغادر أنه معه، فكتب إليه أن يقدم عليه، فقدم في مائة وخمسين فارساً، فتلقاه جانبك فأظهر له المناصحة حتى اطمأن إليه، ثم غدر به وقبض عليه وتوجه له ليلاً حتى دخل الأبلستين، وكتب إلى نائب حلب يعلمه بأنه قبض عليه في سابع عشر ربيع الأول ويقر في مقابلته خمسة آلاف دينار، فجهز نائب حلب كتابه إلى السلطان بمصر، وجهز ناصر الدين قاصده إلى ولده سليمان أن يرسل إلى صاحب مصر بالإعلام بذلك - ويخبر جنبك ليتخذ عنده يداكي يطلق ولده فياضاً ولم يكن بلغه إطلاقه، ففي غضون ذلك وصلت إليه خديجة وابنها فياض، وأرسل جانبك كتاباً إلى يلبان نائب درنده يستميله، فقبض على قاصده وسجنه وأرسل بكتابه إلى الأشرف، فتحقق غدر ابن دلغادر، ووقع الإرجاف بأمر جانبك، وكثر القال والقيل لا سيما ممن يتعصب له، وكان ناصر الدين قبل ذلك نازله تغري برمش نائب حلب، ففر منه فأمر أهل الأبلستين بالرحيل منها وأحرقها. ونهب العسكر من بقي بها. فكانت غيبته خمسين يوماً.
وفي شوال رجع شاه رخ إلى الشرق، واستناب بتبريز شاه جهان وأنعم عليه بجميع نساء إسكندر بن قرايوسف، ووجد مع جانبك بعد القبض عليه كتاب شاه رخ يحرضه على أخذ البلاد الشامية ويعده بأنه يرسل إليه ولده أحمد نجدة له بالعساكر، فقلق صاحب مصر من ذلك وكتب إلى نواب الشام بالاستعداد.
وفي ربيع الآخر نودي بعرض أجناد الحلقة، فعرضوا على السلطان فقال: اخرجوا كلكم، من قدر على فرس ركب فرساً، ومن قدر على حمار ركب حماراً، وفي سابع عشره ورد الأمير شاهين الأيدكاري وصحبته قصاد إسكندر بن قرا يوسف ومعهم راس قرا يلك ورأس ولديه، فأمر السلطان بالرؤوس فطيف بها وزينت القاهرة - وعلقت الرؤوس على باب زويلة وحمل إلى الإسكندر مال.

(4/13)


وفي آخر الشهر سابع عشر منه تجهز شاذ بك راس نوبة بمال وفرس وسرج ذهب وكنبوش مزركش إلى سليمان بن دلغادر وابنه ناصر الدين ليسلما - جانبك الصوفي، فجاء الخبر بعد قليل - بأنهما أخذا المال وأطلقا جانبك، قدم شاذ بك في حادي عشر رجب بذلك، فشق على السلطان وكاتب أهل البلاد بالشام ونادى في العسكر بالتجهيز للسفر، وكاتب ملك الروم أن يتأهب للترافق معه على قتال شاه رخ، ثم جهز السلطان جماعة من الأمراء وهم الأمير الأتابك جقمق الذي ولي السلطنة بعده والد يدار أركماس الحاجب الكبير ويشبك ونائب القلعة تنبك وتغري بردى البكلمشي المعروف بالمؤذي - وقرا قجا الحسني - الذي صار أمير آخور وتاني بك نائب القلعة وتغري برمش الذي صار دويدار كبيراً، وخجا سودون وألف فارس من مماليكه وألف فارس من جند الحلقة، وأنفق فيهم سبعة عشر ألف دينار، وتوجهوا إلى حلب فالتقوا بأميرها تري برمش وساروا جميعاً، وقبض على مملوك لابن دلغادر توجه من جهتهم ليكشف حال أهل حلب فدلهم على جانبك الصوفي أنه مقيم بالأبلستين، فتوجهوا ففر منهم جانبك، وهجموا البلد فاحتملوا - ونهبوا ما فيها وعادوا إلى حلب، وتخلف عنهم خجا سودون بعينتاب، فاجتمع جاني بك ومن معه على أن يكبسوه فلاقاهم فوقعت بينهم محاربة شديدة انجات عن أخذ قرمش الأعور وجماعة معه، وفر جانبك وسجن قرمش ومن أسر معه بقلعة حلب، ثم جهزت رأس قرمش بعد قتله إلى القاهرة.
وفي رابع عشري رمضان قدم اسلماس بن كبك التركماني إلى القاهرة مراغماً لجانبك الصوفي، فأكرمه السلطان وخلع عليه وجهزه إلى بلاده، وقرر شاذ بك في نيابة الرها عوضاً عن أينال الاجرود وأمر بإحضار أينال.
وفي هذه السنة أكثر السلطان من النزول إلى الصيد، ونزل غير مرة إلى الضواحي، ومنها إلى جامع عمرو فصلى ركعتين، وإلى خليج الزعفران مرة وغير ذلك.
وفي ثالث عشري ربيع الآخر رسم بعقد مجلس بالقضاة ليتشاوروا في جمع المال لقتال اللنك، ثم أعفوا من ذلك وأشار السلطان بأن من ينسب إلى الغنى يجهز ما يقدر عليه من المقاتلة، وقرر على القاضي الشافعي خمسة عشر وعلى الحنفي عشرة ونحو ذلك.

(4/14)


وفي أواخر شهر ربيع الآخر شاع أن شاه رخ قاصد البلاد الشامية، فنودي في أجناد الحلقة بالعرض فعرضوا عند الدويدار الكبير، وحصل لهم مشقات كبيرة خصوصاً لصعاليكهم، واستمر التشديد عليهم.
وفيه خلع علي ولي الدين محمد بن تقي الدين أبي القاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد بن عبد القادر الششيني نزيل المحلة نديم السلطان ناظر الحرمين عوضاً عن سودون المحمدي وشيخ الخدام بالمدينة عوضاً عن بشير التنمي، ثم خلع على الصاحب كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين ابن كاتب المناخات بالنظر علي الكارم بجدة، وشرع في التجهيز صحبة ابن قاسم، وخلع على يلخجا الثاني أخو الطنبغا الصغير - بشادية جدة عوضاً عن نكار، وخرجوا وصحبتهم جماعة لقصد العمرة والمجاورة وهو الركب الرحبي في نحو أربعمائة جمل، وساروا في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة، ووصل نكار إلى القاهرة محتفظاً به، ويقال إنه أهين وصودر على مال، وكان نكار المذكور توجه إلى جدة فلم ينجع كما نجع من قبله، فسخط عليه لسوء تصرفه.
وفي جمادى الأولى وصل الخبر من اقطوه الذي كان توجه رسولاً إلى شاه رخ بأنه وصل إلى حلب وصحبته رسل من شاه رخ، فأجيب بالإذن لهم في المجئ، فلما كان في جمادى الآخرة وصل اقطوه سالماً كما سيأتي.
وفي ذي الحجة وصلت هدية ملك بنجالة إلى السلطان فغرق المركب، وقام الصاحب كريم الدين ومن معه إلى أن استخرجوا الشاشات من البحر وأصلحوها بالقصار وجهزوها وفات ما عدا ذلك،

(4/15)


وكان أصلها أن السلطان جهز هدية إلى ملك بنجالة فمات، فأرسل ولده أحمد بن أبي المظفر جواب الهدية بتحف كثيرة، فاتفق أن الريح ألقتهم بجزيرة قرب ديبة، فمات الطواشي الذي من جهة السلطان، فاحتاط صاحب ديبة على موجوده وترك الهدية، فوصلت إلى جدة فغرقت دون ذلك، فبلغ السلطان فشق عليه وأمر بالقبض على كل من وصل مكة من بنجالة، فقبض عليهم وعلى أموالهم حتى أفتكوها بغرامة ما فسد من الهدية.
ودخل فصل الشتاء في يوم الأربعاء السابع عشر من كيهك وقد اشتد البرد بالديار المصرية جداً كاشد ما عهد في وسط الشتاء، وكان برد ذلك في الثالث والعشرين من جمادى الأولى، وكان ابتداء شدة البرد في يوم العشرين منه قبل انفصال الشمس عن القوس بثلاثة ايام، وتزايد البرد مع عدم الهواء والسحب وما جرت به العادة في الشتاء بمصر بل الهواء غير مزعج الهبوب مع شدة برده، وأكثر ما تهب من جهة الشرق عن يسار القبلة.
وفي الحادي والعشرين من كيهك صار الماء الذي في البرك وبقايا الخلجان جليداً، فجمع منه شيء كثير جداً بحيث صار أصحاب المزايل يجمعونه فيبيعونه، والناس يتسارعون إلى شرائه والتناول منه ويظنون أنه من جملة الثلج، وكثر ذلك جداً بحيث لم يسمع ينظير ذلك في هذه الأعصار، وكان الأمر في العام الماضي قبل هذه الأيام بالعكس من استمرار الحر وعدم البرد البتة - فسبحان من له الملك.

(4/16)


وفي السادس عشر منه صرف خليل نائب الإسكندرية عن الإمرة والنظر، وذكر لنا خليل بن شاهين المذكور أنه في ولايته أبطل ما كان مقرراً على الباعة لجهة الحسبة وهو في كل شهر ثلاثون ألفاً يحمل إلى ديوان النيابة، ونقش ذلك في رخامات جعلت على أبواب البلد، وأنه وجد ابن الصفير الناظر على الثغر أخذ ما بالمجانيق التي بقاعة السلاح من الرصاص فعمر به حماماً له، فطالع بذلك السلطان فأمر بانتزاعه منه فانتزع، وعمر بالمجانيق كما كانت، وجدد بها واحداً كبيراً ووضعه على برج يقال له الضرغام، ووصف لنا ما بالقاعة من العدد فكان شيئاً كثيراً وأمراً مهولاً حتى أنه قيل إنه في بعض الكائنات احتيج إلى أخذ ورق منها فأخرجت منها خمسة آلاف فلم يؤثر في كثرتها.
وفي العشرين منه استقر سرور المغربي ناظراً وقاضياً بالثغر ولبس الخلعة بذلك، وبلغني أنه عوتب فقال إن الجمع بينهما جائز لأن الذي ينظر عليه ليس مكساً بل هو زكاة الأموال من المسلمين، وما يؤخذ من الكفار ليس بمكس، ثم بعد يوم أهين وضرب على ما بلغني، ثم قرر اقباي اليشبكي الدويدار في إمرة الإسكندرية، ثم قرر خليل المذكور في نظر دار الضرب بالقاهرة عوضاً عن ابن قاسم وكان قد استناب فيها أخاه فصرف.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الآخرة منها - أو في شهر رجب وصل أقطوه الدويدار الذي كان رسولاً إلى شاه رخ ابن تمرلنك وصحبته رسل منه، فاجتمع بالسلطان في يومه ثم وصل الرسل يوم الأربعاء وانزلوا بالقاهرة، ثم أخذ منهم الكتاب فقرئ وفيه إنكار ما يصنع بمكة من اخذ - المكوس والتحذير من أمر إسكندر ابن قرا يوسف والإذن له في دخول هذه البلاد وأن يخطب له بمصر وتضرب السكة باسمه والتغليط في ذلك والتهديد، وصحبة الرسول خلعة بنيابة مصر وتاج، ثم راسله القاصد بان معه كلاماً مشافهةً، فأحضر يوم السبت فأداه، فأمر - بضربه وضرب رفيقه، فضربا ضرباً مبرحاً وغمسا في ماء البركة في شدة البرد ولكن بثيابهما حتى كادا يهلكان غماً، ثم أمر بإخراجهما فأعيدا إلى المكان الذي أنزلا فيه، ثم أمر بنفيهما إلى مكة في البحر، فحجا وتوجها إلى العراق،

(4/17)


وعزم السلطان على السفر إلى البلاد الحلبية بالعساكر، وكاتب الأشرف بن عثمان أن يكون عوناً على شاه رخ، وجهز المراسيم إلى بلاد الشام بتجهيز الإقامات، وكتب إلى جميع المدن الكبار بتجهز العساكر واستخدام جند من كل بلد - فالله يختم بخير.
وفيها أدير المحمل على خلاف العادة، وأمر مشايخ الخوانق أن يركبوا في صوفيتهم بغير رماحة وأن يلاقوا المحمل من الجامع الجديد إلى الرميلة ويرجع القضاة من هناك.
وفيها وقعت بقرب عسفان بين سرية من أمير مكة وبين بعض العرب من بطون حرب، فتحيل عليهم العرب وأظهروا الهزيمة فرجعوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة وانهزم من بقي، وممن قتل الشريف ميلب بن علي بن مبارك بن رميثة، وغنموا منهم اثنين وثلاثين فرساً وجملة من السلاح.
وفي يوم الخميس السابع من شهر رجب استقر شيخ الشيوخ محب الدين محمد بن الشيخ شرف الدين عثمان المعروف بابن الأشقر في كتابة السر الشريف عوضاً عن القاضي كمال الدين ابن البارزي.
واستقر ولده شهاب الدين أحمد في مشيخة الشيوخ بسرياقوس عوضاً عن والده وباشر، وهرع الناس للسلام عليه فركب هو مسرعاً فطاف على كبراء الدولة فسلم عليهم ورجع ونظر في الأمور، ورجع من يسلم عليه يتوجع للمنفصل على العادة.
وفي رمضان نقل قانصوه إلى دمشق بتقدمة ألف عوضاً عن جانبك المؤيدي لموته، ونقل حسن ناظر القدس على إمرة قانصوه بدمشق.
وفي جمادى الآخرة صرف أمين الدين القسطلاني عن قضاء المالكية بمكة وأعيد أبو عبد الله النويري.

(4/18)


وفي رجب أوقع تغري برمش نائب حلب بالتركمان بمدينة مرعش، فقتل منهم جماعة وأسر جماعة وغنم منهم غنيمة كثيرة، ورجع إلى حلب سالماً.
وفيها في الخامس من جمادى الآخرة استقر جمال الدين ابن الصفي الكركي كاتب سر دمشق عوضاً عن يحيى بن المدني بحكم عزله، واستقر بهاء الدين بن حجي في نظر الجيش عوضاً عن جمال الدين، واستقر الشريف بدر الدين محمد بن علي بن أحمد الجعفري في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن الشريف ...
وفيها نازل اسكندر بن قرا يوسف أرزن الروم فأخذها، وفر منه قرا يلك إلى آمد بعد ليلة إلى أرقنين.
وفيها وقع بين طوائف من الإفرنج حروب هائلة، وأنجد المنتصر صاحب تونس بعض الطوائف وكانت أمه منهم، فكانت النصرة لهم على الباقين.
وفيها حصر العرب مدينة تونس، وكان المنتصر ضيق عليهم ومن معهم - ومنعهم من دخول تونس، فانتمى إليهم ابن عمه زكرياء بن محمد بن أبي العباس وأمه بنت أبي فارس، وكان المنتصر مريضاً فأنجد عثمان أخو المنتصر أخاه، وكانت بينهم مقتلة عظيمة.

(4/19)


وفيها عزل جمال الدين يوسف بن أبي أصيبعة من نظر الجيش بحلب، وأضيف لزين الدين ابن السفاح كاتب السر.
وفي ذي الحجة خرجت طائفة من العرب من غزة على مبشري الحاج ففتكوا بهم وسلبوهم، فمشوا حتى وقعوا على بعض ذوي الدول من جهينة، فآووهم وكسوهم وحملوهم إلى القاهرة، وحج في هذه السنة أمير ديبه وبلاد الهند، واسمه حسن بن أبي بكر بن حسن الشهير بابن بدر ويلقب الناصر.
وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان وفشا الطاعون بهراة حتى سمعت اقطعوه الذي كان رسولا إلى شاه رخ ملك الشرق يقول - إنه سمع وهو عند شاه رخ أن عدة من مات بهراة ثمانمائة ألف. وتوجه شاه رخ في جمع عظيم لقتال اسكندر بن قرا يوسف، والسبب في ذلك أن اسكندر كان نازل قلعة شماخي من بلد شروان وقاتل صاحبها خليل ابن إبراهيم الدربندي مدة، فاغتنم غيبة اسكندر في الصيد فهجم على عسكره فقتل منهم ناساً واسر ولد اسكندر وابنته وزوجته، فبعث بالابن إلى شاه رخ فسيره إلى سمرقند، ووقف خليل بنت اسكندر وزوجته في الخرابات مع البغايا، فلما عاد اسكندر غلب على شماخي

(4/20)


حتى خربها ونهب ما بها من الأموال وأفحش في القتل والسبي، فهرب خليل واستنجد بشاه رخ فخرج في نصرته، وظفر اسكندر ببنت خليل وامرأته فوقفهما في البغايا، وألزم واحدة منهما أن تمكن خمسين رجلاً يزني بها جزاء ما فعل خليل، وكان خروج شاه رخ في ربيع الأول فنزل على قزوين في رجب، وأمر فيروز شاه أمير الأتراك أن يتوجه إلى البلاد ما بين قزوين إلى السلطانية إلى تبريز وسائر العراقين وينادي بعمارة ما خرب من البلاد وزراعة ما تعطل من الأرض وغراس البساتين وحط الخراج عمن زرع إلى خمس سنين وإعانة الزراع والفلاحين بالبذر والمال.
فلما بلغ آبهان بن قرا يوسف خبره راسل شاه رخ بأنه في طاعته فكف عنه - ثم أرسل شاه رخ ولده أحمد إلى ديار بكر في ذي الحجة، وأقام على قرا باغ وجد في عمارة تبريز، واظهر العدل إلى أن كان ما سنذكر في السنة المقبلة.
وفي هذا الشهر نزلت الشمس برج الحمل في يوم الأحد ثالث عشري شعبان في النصف من برمهات من أشهر القبط، وانقضى فصل الشتاء والبرد أشد ما كان كنحو الذي كان في طوبة من اشهر القبط وهو كانون من أشهر الروم، ثم بعد ثلاثة أيام هجم الحر دفعة واحدة فدام على ذلك سبعة أيام، ثم عاد البرد على الحال واستمر في رمضان إلا أنه في العشر الأخير منه تناقص ووقع بعض الحر.
وفي يوم الخميس سادس عشري شعبان برز الأمراء بمقدمة العسكر المجرد إلى حلب إلى الريدانية وخرج آخرهم يوم الجمعة، وهم سبعة أمراء فيهم الأتابك والدويدار الكبير والحاجب الكبير فتوجهوا، فلما استهل شهر رمضان بيوم أشيع خروج بقية العسكر مع السلطان ثم فتر العزم.

(4/21)


وفي شهر رجب اجتمعت طائفة من عرب بني حرب ومنازلهم حول عسفان بعد أن كانوا يفرقون في أعمال ... فنهبوا غنماً لبعض أهل مكة، فقبض ابن عجلان على الغنم وردها لأصحابها وأنكر عليهم.
فاعتذروا بأنهم اتفقوا مع والده حسن بن عجلان إن لا حرج عليهم من قبله فيما يفعلونه في غير الحرم، فأنكر ذلك وأمر بالغارة عليهم، فخرج إليهم طائفة من أهل مكة منهم أخوه علي بن حسن ووزيره سليمان وميلب بن علي بن مبارك بن رميثة وخرج أرنبغا مقدم المماليك المقيمين بمكة من قبل سلطان مصر ومعه عشرون مملوكاً، وذلك في الثالث عشري من شهر رجب، فأوقعوا بهم فقتلوا منهم طائفة وانهزم الباقون واستاقوا إبلاً كثيرةً واشتغل من طلب النهب، فكمن لهم بعض من انهزم في مضيق فأخذوهم على غرة، فقتل ميلب وفر أرنبغا وقتل من أهل مكة نحو الثلاثين ومن الترك ثمانية أنفس ونهب جميع ما معهم ودخلوا مكة في أسوأ حال، وفاز العرب بالغنيمة وتوجهوا إلى بلادهم فصادفهم وصول الوزير وولي الدين بن قاسم ويلخجا الذي قرر شاداً على البهار بجدة، فبلغهم طرف من الفضة فأخذوا حذرهم، فمروا بمكان الوقعة فدفنوا بعض القتلى وتوجهوا خائفين فلم يلقوا أحداً ودخلوا مكة سالمين في أول يوم من شعبان، فتوجه أرنبغا ومن بقي معه من الترك إلى القاهرة، فدخلوها في أوائل العشر الثاني من شهر رمضان، وذكروا أنه وصل إلى مكة ناس من التجار ومعهم بضائع من قبل شاه رخ ابن اللنك أمر بيعها بمكة وتفرقتها فيها صدقة على من عينه من أهل مكة، وان المتكلم على البضائع من قبل سلطان مصر أساء عشرتهم وأخذ منهم عشور ما معهم وكاتب السلطان يستأذنه في تمكينهم من بيع ما أحضروه ومن تفرقته.
وفي السابع من شهر رمضان قرر خليل الذي كان نائب الإسكندرية في الوزارة وصرف تاج الدين الخطير وكان قد أظهر العجز، فاتفق أن لحم المماليك الاجلاب تأخر فرجموه فسعى في الاستعفاء فأناط السلطان الأمر بناظر الجيش، فتروي في الأمر ثم قرر هذا، فباشر دون الشهر ثم عجز وقصر -، فتغيظ السلطان فتلافى ناظر الجيش الأمر

(4/22)


وآل الأمر - إلى أن صرف خليل عن الوزارة، وتكلم ناظر الجيش في ذلك إلى أن يصل كريم الدين ابن كاتب المناخات - من جدة، فأقام ناظر الدولة يتصرف ويراجعه، واستمر الحال إلى أن قدم كريم الدين، واستهل شوال يوم الأربعاء، فلبس السلطان الأبيض، وذلك قبل العادة القديمة بأسبوعين - فإن العادة جرت أن يكون ذلك في ثامن بشنس فوقع هذا في الثالث والعشرين من برمودة.
وفي ليلة السبت ثاني ذي القعدة ولد علي بن محمد ابن كاتبه، أنشأه الله صالحاً في دينه ودنياه، وأمطرت في صبيحة هذا اليوم بعد طلوع الشمس واستمر في طول النهار أحياناً، وذلك في رابع عشري بشنس، وكان تقدم قبل ذلك سموم حارة في معظم النهار في الجمعة التي قبلها وفي الليل واضر ذلك بكثير من الخضراوات. وفيه نودي بمنع ضرب أواني الفضة وآلاتها، وشدد على من يحمل الدراهم المضروبة إلى الحجاز، لان التجار يستفيدون فيها لرغبة الهنود في الفضة فلذلك قلت بأيدي الناس.
وفيه استقر شمس الدين الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق على مال يحمله، وكان قدم القاهرة ليخف عنه فزيد عليه.
وفي ليلة السبت خامس عشري الشهر هبت هواء باردة بحيث عاود الناس لبس الصوف وخصوصاً في الليل وفي أوائل النهار، وذلك عند انفصال فصل الربيع ودخول فصل الصيف.
واستهل شهر - ذي الحجة بالسبت وكنا تراءيناه فتعسرت رؤيته ثم ثبت في اليوم الثاني.
وفي يوم الخميس سادس ذي الحجة نودي على البحر، وكانت القاعدة يومئذ سته أذرع وستة عشر إصبعاً.
وفيها وصل حمزة بك بن علي بن دلغادر فوقف بين يدي السلطان، فقبض عليه وسجن.

(4/23)


وفيها وقعت بين خجا سودون ومن معه من جيش حلب وبين قرمش ومن معه من اتباع جانبك الصوفي بعينتاب وقعة كبيرة أمسك فيها قرمش وجماعة ممن فر إلى جانبك، وسر السلطان بذلك لما وصل إليه الخبر -.
وفيها على ما قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه بلغه في مجاورته بمكة هذه السنة أن أندراس الحطي صاحب مملكة الحبشة الكفرة مات في الطاعون العظيم الذي وقع في بلاد الحبشة حتى مات بسببه من لا يحصى من المسلمين والنصارى، وأقيم بعده ولد له صغير، فغزاهم شهاب الدين أحمد الملقب بدلاي ملك المسلمين بالحبشة، فغنم وسبى وفتح عدة قرى، واستنقذ الباني وهي بلدة من بلاد المسلمين كان العدو غلب عليها، فأنزل بها ألف بيت من المسلمين، وأقام أخاه خير الدين في بلد ركله، ونشر العدل وأمنت الطريق في زمانه - ولله الحمد.
وفي هذه السنة فشا الوباء في بلاد اليمن سهلها وجبلها إلى صعدة وصنعاء، وفي مقابلها من بلاد بربر والحبشة والزنج.

ذكر من مات
في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم أمير زاه بن شاه رخ صاحب شيراز، وكان قد ملك البصرة، وكان فاضلاً حسن الحظ جداً، مات في رمضان.
أحمد بن شاه رخ ملك الشرق، مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة

(4/24)


وأرزن الروم فحزن عليه أبوه، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز وكرمان، وهذا كان أعهدهم، ويقال له أحمد جوكي.
أحمد بن عبد العزيز، الشبكي ثم الشيرازي الشيخ همام الدين، قرأ على الشريف الجرجاني، قرأ عليه المصباح في شرح المفتاح، وقدم بمكة فنزل في رباط اشت، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحد منهم بشيء وخرجوا يمشون، فلما برزوا سقط السقف الذي كان فوقهم وكان حسن التقرير قليل التكلف مع لطف العبارة وكثرة الورع عارفاً بالسلوك على طريق كبار الصوفية، وكان يحذر من مقالة ابن العربي وينفر عنها، مات في خامس عشري شهر رمضان.
أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد، الزاهدي الخباز المعمر العابد شهاب الدين، خادم ضريح الشيخ رسلان لدمشق، ذكر أنه ولد سنة 739، واسمع من زينب بنت الكمال وغيرها فقرؤا عليه بإجازتها ولم يظهر له سماع؛ ومات في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان.
إسماعيل بن عبد الخالق، الأسيوطي مجد الدين ابن الشيخ، كان وقوراً، ملازماً حانوت الشهود، قليل الشر، وله سماع وحضور وإجازة من عبد الرحمن بن القارئ؛ مات في ثاني المحرم.

(4/25)


بابي سنقر بن شاه رخ صاحب كرمان، مات في ذي الحجة، وكان ولي عهد أبيه، وفيه شجاعة موصوفة.
تاج بن سينا بن عبد الله، الشويكي - بالشين المعجمة والكاف مصغر نسبة إلى الشويكة مكان ظاهر دمشق - المعروف بالتاج الوالي، وقديماً كان يعاني خدمة الأكابر في الحاجة، وذكر لي أنه كان يخدم الشيخ شهاب الدين ابن الجابي بدمشق، ذكر لي مراراً ما يدل على أن مولده كان بعد الخمسين، واتصل بالملك المؤيد قبل سلطنته بعد أن اتصل بالأمير الطنبغا القرمشي فخدمه وراح عليه، فلما استقر في الملك بالقاهرة ولاه الشرطة فباشرها، وفوض إليه في أثناء ولايته أمر - الحسبة، فكان في مباشرته ذلك الغلاء المفرط، ثم في أواخر الدولة صرف عنها واستقر استادار الصحبة، وفي مرض موت المؤيد أعيد، وحصل له في أوائل دولة الأشرف

(4/26)


انحطاط منزلة وهو مستمر على الولاية ثم خدم الأشراف فراج عليه أيضاً واستقر معه مضافاً إلى الولاية المهمدارية وأستادار الصحبة وشاد الدواوين والحجوبية ونظر الأوقاف العامة وغير ذلك، فأما الشرطة فكان الذي يباشرها عنه غالباً أخوه عمر، ثم في الآخر صار كالمستبد ثم صرف واستقر غيره ثم صرف مرة أخرة وأعيد ابن الطبلاوي، ثم صرف ومات وهو على هذه الوظائف كلها، مات بعلة - بعسر البول في آخر يوم العشرين من المحرم، وبلغني أنه كان لقي منه شدائد، وكان يعتريه قبل هذا بحيث أنه شق مرة فخرجت حصاة كبيرة وأفاق دهراً، ثم عاوده ثم كانت هذه القاضية، وكان حسن الفكاهة، ذرب اللسان لا يبالي بما - يقول، وتنقل عنه كلمات كفر مخلوطة بمجون لا ينطق بها من قبله دون - ذرة من إيمان، فإن كان ... مرضاً نفعه فإنه كان كثير الصدقة والبر المستمر، ولم يتعرض السلطان لماله وترافع أخوه عمر وزوجته وقرر عليها خمسة آلاف دينار، ثم أعفيت من ذلك باعتناء أهل الدولة.
جلبان خوند الجركسية زوج السلطان ووالدة ولده يوسف الذي قرر أميراً كبيراً وهو مراهق، وكانت من جواريه فأعتقها وتزوجها وحظيت عنده، وحجت سنة أربع وثلاثين، فكانت في عظمة زائدة مفرطة، وماتت بعلة الصرع في يوم الخميس ثاني شوال، وقد أقدم السلطان من أهلها عدداً كثيراً أحضرهم من بلاد الجركس وأقطعهم وخولهم، وخلفت من الأمتعة والملابس والنقد شيئاً كثيراً جداً يقال يقرب من سبعين ألف دينار.
الحسين الإمام العلامة المفتي الأمير ابن أمير المسلمين أبي فارس، الحفصي، وكان أخوه لما مات في العام الماضي استقر ولده في المملكة، ثم أراد الحسين الثورة فظفر به فقتله وقتل أخوين له، وعظمت المصيبة بقتل الحسين، وكان فاضلاً مناظراً ذكياً - ذكر لي ذلك صاحبنا الشيخ عبد الرحمن البرشكي رحمه الله تعالى.
خشقدم الخصي الظاهري كان خازندار السلطان ثم صرف عنها، واستقر زماماً إلى أن مات، وخلف مالاً جزيلاً يقارب مائة ألف دينار، منه غلال مخزونة قومت

(4/27)


بستة عشر ألف دينار، وصار للسلطان من تركته مال كثير، وكذا من تركة خوند زوجة يلبغا الناصري، وقيل: وصل ثمنها قدر عشرين ألف دينار، وكان مرضه بالقولنج في أوائل السنة فتعافى، ثم انتكس مراراً إلى أن مات، وكان شهماً يحب الصيد، وفيه عصبية وخلقه سيء إلى الغاية، واتفق أنه كان أنشأ مكاناً بالقرب من الأخفاقيين يجعله مدرسة، وعجل ببناء صهريج، وابتدأ في عمل سبيل لسقي الماء تكمل في مدة ضعفه، وجرت لشمس الدين الرازي بسبب إثبات وقفية داره في مرض موته إهانة من جهة السلطان واستقر جوهر اللالا زماماً بعد موت خشقدم مضافاً لوظيفته.
سعد بن محمد بن جابر العجلوني ثم - الأزهري الشيخ مات في شوال، وكان خيراً ديناً سليم الباطن، ولكثير من الناس فيه اعتقاد، وذكر عنه كرامات، وكانت بيده إمامة المدرسة الطيبرسية المجاورة للجامع الأزهر.
صالح بن محمد بن موسى المغربي الزواوي الشيخ صالح كان خيراً ذاكراً لكثير من الفقه ملازماً لحضور مجالس العلم، وجاور بالمدينة الشريفة مدة وحصلت له جذبة، وقدم القاهرة وسكن بتربة الظاهر بالصحراء، وحسن ظن كثير من الناس فيه، ثم سكن القاهرة وتنزل يدرس الحديث بالمؤيدية ورتب له في الجوالي، ودخل في وصايا

(4/28)


كثيرة لكن لم نسمع عنه سوءاً في تصرفه وكان يصل إليه من سلطان المغرب كل سنة مبلغ، وكان شهماً يقوم في الحق عند الظلمة ولا يبالي بهم، وذكر انه سمع من ... وأجاز لأولادي، ومولده تقريباً سنة ستين، رأيت بخطه: ولدت أوان الستين وسبعمائة، ومات في ليلة الأربعاء ثامن عشري رجب.
عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر، المصري ثم الدمشقي زين الدين، واسم الفخر محمد بن علي، تفقه قليلاً، واسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره. فسمع على الكمال ابن حبيب سنن ابن ماجة، وعلى ابن المحب جزء العالي أنا الحجاز وعشرة الحداد أنا إبراهيم بن صالح، وعلي الصلاح بن أبي عمر مسند عائشة من مسند أحمد، ومات في جمادى الآخرة.
عبد الرحمن بن علي بن محمد، الحلبي الحنفي الشريف ركن الدين المعروف بالدخان، اشتغل بدمشق وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالاً بعد موت ابن الكشك، وكان ماهراً في فروع مذهبه، مات في ليلة الأحد 7 المحرم.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد، العدناني الشهير بالبرشكي صاحبنا المحدث الرحال الفاضل زين الدين، أخذ ببلاده عن ... وعن جماعة، ورحل إلى المشرق قديماً سنة ست عشرة فحج، وحمل عن المشايخ وأجاز له الشيخ برهان الدين الشامي قديماً، وكان حسن الأخلاق لطيف المجالسة كريم الطباع رحمه الله

(4/29)


تعالى.
عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ابن عمر بن حياة بن قيس، الحراني الأصل الدمشقي نزيل.... عز الدين أبو العز ويدعى محمداً، كان كثير العبادة ملازماً للصلاة في الليل، وله اشتغال بالعلم وتصانيف ونظم ونثر، ويذكر عنه كرامات وكلام في الرقائق. مات في 13 جمادى الأولى.
عبد الملك بن علي بن أبي -، المنى البابي نزيل حلب ويعرف بالشيخ عبيد، ولد في حدود سنة سبعين، واشتغل بالفقه والعربية والقراآت وكان حفظ المنهاج، واشتغل على الشيخ بيرو والقاضي شرف الدين الأنصاري وشمس الدين النابلسي، وكان يشغل في الجامع الكبير بحلب، وأخذ عنه جمع جم، وناب في الخطابة بالجامع، ولم يكن صيناً، مات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة جداً، وعاش ستين سنة وقد تقدم في العربية والقراآت وشغل الناس كثيراً، وناب في الخطابة والإمامة بالجامع مدة إلى أن مات.
عبد الولي بن محمد بن الحسن، الخولاني الإمام ولي الدين، ولد بغرب من التغلن، ولازم بتعز الإمام رضي الدين ابن الخياط والإمام جمال الدين محمد بن عمر العوادي والفقيه أحمد بن عبد الله الحرازي والفقيه وحيد الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الزوفري وقرأ عليهم الفقه،

(4/30)


ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي وأخذ عنه النحو واللغة، وجاور معه بمكة وبالطائف ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخياط، ومات بالطاعون أيضاً.
عثمان بن قطلبك بن طرغلي، التركماني المعروف بقرايلوك، كان أبوه من أمراء التركمان بديار بكر وتأمر هو بعده، وكان شجاعاً أهوج، وله مع الترك والعرب وقائع، ولما طرق اللنك البلاد انتمى إليه، ودخل في طاعته فاستنابه في بلاده، وحضر معه فتح البلاد الشامية، ووقعت له وقعة مع جكم لما ولي السلطنة بحلب فقتل جكم في الوقعة وقوي قرا يلك واستولى على ماردين وقتل صاحبها وهو آخر أهل بيته، وكان بينه وبين حديثه بن سيف بن فضل أمير العرب، وكانت بينه وبين حميد بن نعير عداوة، فنصر قرا يلك هذا فكبس حديثة بالقرب من شيزر، فكاتب الملك المؤيد قرا يوسف في الغارة على قرا يلك وسار المؤيد من مصر، فلما بلغ ذلك قرا يلك ترامى على المؤيد وانتمى إليه فأرس إلى قرا يوسف فشفع فيه فرجع عنه، ثم صار قرا يلك يغير على بلاد قرا يوسف فخنق منه وكبسه، ففر منه إلى حلب فتبعه، فجفل أهل حلب من قرا يوسف وفروا على وجوههم إلى الشام ثم إلى مصر، ثم كبس قرا يلك على بيرم النائب بأرننكان فقتله، واتفقت وفاة قرا يوسف ثم المؤيد، وغلب قرا يوسف على أرزنكان، وكانت له وقعة مع برسباتي قبل أن يلي السلطنة وبرسباتي يومئذ نائب طرابلس انكسر فيها برسبائي، وبسبب هذه الوقعة غزا برسبائي في سلطنته آمد، وكانت له وقعة أخرى مع برهان الدين قاضي سيواس قتل فيها البرهان، واستمر قرا يلك أميراً مدة وملك الديار ديار بكر، وشرع في إيواء من هرب من السلطان الأشرف فجهز له عسكراً في سنة 32 فتوجهوا لجهة آمد، فكبس هابيل بن قرا يلك وهي في طاعة السلطان فأخذها عنوة واستباحها، فوصل العسكر فأسروه، ثم جهز للقاهرة فاتفق موته بالطاعون سنة 33 ثم غزا الملك الأشرف آمد ففر قرا يلك واستمر الأشرف يحاصر آمد، ثم رجع إلى الديار المصرية واستمر قرا يلك على حاله في نهب القوافل وقطع الطريق، ثم إن قرا يلك جهز من نهب

(4/31)


التركمان الذين حول حلب فتجهز له الأشرف نفسه فلم يتم له أمر وأذعن للصلح، ثم اتفق أن إسكندر بن قرا يوسف فر من مروان شاه ولد اللنك فبلغ خبره قرا يلك فتبعه، فلما تلاقوا كسره إسكندر كسرة شنيعة وانهزم قرا يلوك فوقع في خندق البلد وهي ارزن الروم، فنزل إليه جماعة من جهته فاحتملوه ودلي من بالقلعة لهم الجبال فربطوه ورفعوه، فمات في العشر الأخير من صفر في هذه السنة وقد بلغ التسعين او زاد عليها وذكر لي الشيخ بدر الدين بن سلامة أنه لما استولى على ماردين استصحبه، قال: فوجدته في عيشة شظة إلى الغاية وفي غالب زمانه مشتغل بالشر، وتفرق أولاده بعدة بلاد وانكسرت شوكتهم جداً، فجهز ولده علي بك ينتمي إلى سلطان مصر ويلتزم أن يكون من جهته.
علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن الحسين الحسني إمام الزيدية مات وأقيم ولده بعده فمات عن قرب بعد شهر، فقام بقصر صنعاء عبد بن عبيد الإمام يقال له سنقر وأراد إن يجعلها مملكة بالشوكة، فأنف الزيدية من ذلك وثاروا عليه وأقاموا مهدي بن يحيى ابن حمزة قريب الإمام، وجده مزة هو أخو محمد - جد صلاح، ويقال إن أم الإمام راسلت صاحب زبيد الملك الظاهر تسأله أن يرسل أميراً على صنعاء، ولم يتحقق ذلك إلى الآن.
فيروز قطب الدين فيروز شاه بن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق ابن طبق شاه صاحب هرمز والبحرين والحسا والقطيف.
قصروه نائب الشام كان من بقايا مماليك الظاهر برقوق، تقدم في دولة الأشرف وولي أمير آخور في أول دولته، ثم ولاه نيابة طرابلس، ثم نقل إلى حلب في سنة ثلاثين فاستمر إلى سنة 37، ثم نقل لنيابة دمشق بعد موت جارقطلي في شعبان منها، وكان عاقلاً فاستمر إلى أن مات ليلة الأربعاء - في ثالث ربيع الآخر.

(4/32)


كبيش بن جماز الحسيني كان قصد القاهرة ليتولى إمرة المدينة، فظفر به قوم لهم عليه ثأر فقتلوه قبل أن يدخلها.
مانع بن علي بن عطية بن منصور - أمير المدينة النبوية مات فتنازع العجل بن عجلان وعلي بن مانع في الإمرة ثم استقرت الإمرة لوميان بن مانع عوض أبيه، وكان قتله في جمادى الآخرة.
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر، الفوي الأصل المكي جمال الدين بن عبد الوهاب بن أحمد، أبو المحامد المرشدي، ولد في ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة، واسمع على النشاوري وأبي الفضل النويري والأميوطي وغيرهم، ورحل إلى القاهرة فسمع بها الكثير، وطلب بنفسه فسمع على التقي ابن حاتم، وقرأ الألفية على الحافظ زين الدين العراقي وأذن له، وله إجازة من مسندي الشام كالصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وغيرهما، وخرج له الشيخ خليل الأقفهسي أربعين والجمال بن موسى فهرستاً، وصحب المجد الشيرازي وحفظ عنه من اللغة شيئاً كثيراً وصار يتعانى ذلك في كلامه وفي مراسلاته، ومات في حادي عشري شهر رمضان وقد قارب السبعين، ولم يتأخر في مكة من له المعرفة بالفقه والنحو مع الديانة والصيانة نظيره.
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن الأمانة، الأبياري ثم القاهري القاضي بدر الدين، ولد في حدود الستين وقدم القاهرة مع أبيه واشتغل، فذكر لي أنه قرأ على الشيخ عبد الخالق الأسيوطي وأن الأسيوطي أخبره أن الشيخ سراج الدين البلقيني قرأ على الأسيوطي في مبتدأ أمره وكان الأسيوطي قد عمر، وهو والد إسماعيل وأحمد المقدم ذكرهما قريباً،

(4/33)


وسمع الشيخ بدر الدين المذكور من عبد الله الباجي ومن السراج الكومي وبطبقتيهما وأكثر عن شيوخنا، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني وابن الملقن والعراقي، واشتغل في الفقه والحديث والعربية ومهر، وسكن المدرسة الصالحية ووقع فيها لي الحكام مدة ثم ناب عن القضاة، واستمر إلى أن كان كثير النواب في آخر عمره، وحج قبل موته بقليل، ودرس للمحدثين في المنصورية، وولي عدة وظائف، ودرس بالكهارية، وتصدى للفتيا وللاشتغال بالفقه وغيره، وأضيف إليه قضاء الجيزة مدة وغيرها، وكان قليل الشر حسن المحاضرة والمذاكرة، يستحضر كثيراً من أخبار القضاة الذين أدركهم وما جرياتهم، وله نوادر ظريفة، حضر معنا سماع الحديث بالقلعة يوم الأحد إلى العصر ورجع إلى بيته فأقام يوم الاثنين وهو طيب إلى أن دخل الليل فصلى العشاء ودخل الفراش فقال: أجد غما، فلم يلبث أن مات فجأة وقد قارب الثمانين - رحمه الله تعالى! واتفق أن بعض الناس شكك أهله وأولاده في موته، وقال لهم: هذا به سكتة ويب أن تختبروا أمره لئلا تدفنوه حياً، فأحضروا طبيباً فجسه وأمر بفصده، فامتنع الفاصد حتى اجتمع ثلاثة من الأطباء وقالوا إن ذلك لا يضر ففصد فخرج منه دم كثير، ثم فصد في الذراع الآخر فخرج منه دم كثير أيضا، فترك إلى أن أمسى ثم إلى أن اصبح فأروح، فاتفقوا على موته، ودفن ثامن عشر شعبان ضحى يوم الأربعاء، وخلف أربعة أولاد ذكور.
محمد بن أبي بكر بن محمد بن الخياط، الحافظ الجليل المفتي حافظ البلاد اليمنية جمال الدين ابن الإمام رضي الدين، ولد سنة ... وتفقه بأبيه وغيره حتى مهر، ولازم الشيخ نفيس الدين العلوي في الحديث، فما مضى إلا اليسير حتى فاق عليه حتى كان لا يجاريه في شيء، وتخرج بالشيخ تقي الدين الفاسي، وأخذ عن

(4/34)


القاضي مجد الدين الشيرازي واغتبط به حتى كان يكاتبه فيقول: إلى الليث ابن الليث والماء ابن الغيث، ودرس جمال الدين بتعز وأفتى، وانتهت إليه رياسة العلم بالحديث هناك، وأخذ عن الشيخ شمس الدين الجزري لما دخل اليمن بأخرة، ومات بالطاعون في هذه السنة.
محمد بن عمر بن أبي بكر تاج الدين ابن الشرابيشي، مات في يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن يوم الاثنين العشرين منه وقد أسن وتغير عقله، سمع الكثير من الشيخ بهاء الدين ابن خليل، ورأيت قراءته عليه في صحيح البخاري سنة سبعين وبلغ بضعاً وثمانين سنة، وطلب الفقع وكتب الكثير بخطه الحسن المتقن، ولازم شيخنا ابن الملقن، وأكثر عن شيخنا العراقي، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السبط والطبقة ومن أصحاب أصحاب المحب ثم أصحاب الفخر - ودار على الشيوخ وسمع معي كثيراً ولم يمهر ولكن كان يستحضر شيئاً كثيراً من الفوائد الفقهية والحديثية، وكان يعلق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة حتى حصل من ذلك جملة كثيرة، ثم تسلط عليه بعض أهله فمزقوا كتبه بالبيع تمزيقاً بالغاً، لأنهم كانوا يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحررها فيبيعونها تفاريق وكذلك الكتب التي لم تجلد يبيعونها كراريس بالرطل، وضاعت كراريسه وفوائده، وقد تصدى للأسماع، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات رحمه الله تعالى، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرة.
محمد بن محمد بن أبي فارس، المنتصر أبو عبد الله، مات في 21 صفر بتونس، ولم يهن في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن، واستقر بعده شقيقه عثمان فقبض على الهلالي القائد وفتك ف أقاربه بالقتل، فخرج عليه عمه أبو الحسن صاحب بجاية.

(4/35)


يحيى بن يحيى بن أحمد بن حسن، القبابي شمس الدين أبو زكريا المصري، ولد في أواخر سنة ستين أو في أول التي قبلها، وقدم القاهرة فاشتغل بها وحفظ التنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب، وحضر دروس البلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم، واشتغل في علم الحديث على العراقي، ولازم عز الدين بن جماعة في قراءة المختصر ومحب الدين بن هشام في العربية، وطاف على الشيوخ في الدروس، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل، فأثنى شهاب الدين الزهري، قرأ عليه نصف المختصر وأذن له، وتكلم على الناس بالجامع، وسكن بعد الفتنة العظمى بيت روحاء فأقام بها، ودخل مصر حين دخل إليها مع الشاميين، ثم عاد فلازم عمل الميعاد، وكان فصيحاً مفوها فاجتمع عليه العامة وانتفوا به، وقرأ صحيح البخاري عند نوروز، ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة واستمر في ذلك، ولم يكن في أحكامه محموداً، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضر وهو مستمر على الحكم، وكان يؤخذ بيده فيعلم بالقلم ويكتب عنه الفتوى ثم يكتب هو اسمه، وكان فصيحاً ذكياً مشاركاً في عدة فنون، جيد الذهن، لين العريكة، سهل الانقياد، قليل الحسد مع المروءة والعصبية، وقد أقبل في أواخر عمره على إقراء الفقه فدرس في المنهاج والتنبيه والحاوي بالجامع حلاً لكل منها في أشهر قليلة من غير مطالعة، وكان قد درس بالرواحية، وناب في تدريس الشامية البرانية، اجتمع في

(4/36)


ذي الحجة سنة ست وثلاثين بالعادلية الصغرى، وذكر أنه قرأ على شيوخنا العراقي والبلقيني وغيرهما، وسمع من ابن المحب، وسمعت عليه جزء الخلفاء، من حديثه وسمع على شيئاً ومات في صفر، نقلت غالب ترجمته من كتاب القاضي تقي الدين الأسدي إلي - أبقاه الله تعالى.
طاهر بن عبد الله، المراكشي الشيخ المغربي نزيل مكة، مات بها في شوال، وكان قرا على عبد العزيز الحلفاوي قاضي مراكش وغيره، وكان خيراً ديناً صالحاً.

(4/37)


سنة أربعين وثمانمائة
استهلت ليلة الاثنين، ووصل شاه رخ إلى السلطانية فنزلها وعزم على الإقامة بها حتى يبلغ غرضه من اسكندر بن قرا يوسف، وفي عاشر المحرم أعيد لأجناد الحلقة ما كان أخذ منهم بسبب التجريدة، وقبض على التاج الخطير وصرف من أستادراية ولد السلطان، وقرر عوضه في الوزارة ناظر الخاص.
وفي حادي عشرية طرق مينا الإسكندرية ثلاثة أغربة من الكتيلان وأخذوا مركبين، فخرج إليهم آقباي النائب فراماهم حتى استعاد أحد المركبين، وأحرق الفرنج الأخرى، وتحارب مركب للجنوية مع مركب الكتيلان فانهزم الكتيلان.
وفيها حصر أبو الحسن بن أبي فارس صاحب بجاية قسطنطينية، فخرج صاحب تونس عثمان - إلى قتاله وهو ابن أخيه،

(4/38)


وفي الثامن عشر منه أو في النيل وكسر الخليج وصادف التاسع عشر من مسري، وباشر ذلك يوسف بن السلطان، ووصل رأس قرمش الأعور - وكمشغبا الظاهري - فعلقتا بباب زويلة، ثم أمر السلطان أن تلقيا في السراب الحاكمي، وكان قبض عليهما بيد خجا سودون المؤيدي - بعينتاب، وكان جمعاً عسكراً وكبساً العسكر المصري فكسروا وأسروا -.
وفي هذه السنة رخص العسل النحل إلى أن بيع بتسعمائة القنطار وعادته ألف وخمسمائة، وكانت جميع الغلال وأصناف المطعومات والفواكه رخيصة، وجاء الزرع في غاية الخصب والنماء في الزرع بالغ جداً، واستمر وقوع الفناء في عسكر اللنكية فرجعوا إلى بلادهم، ووصل الحاج فشكوا من أميرهم كثيراً فلم ينجع ذلك، ومن جملة قبائحه التي حكوها أنه طلب من التجار في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة مالا يجبى منهم فامتنعوا، فرحل بالناس في آخر الحادى عشر ليفوت عليهم البيع بمنى في الثامن عشر والثالث عشر، فكانت من أفحش الفعلات فإنه فوت عليهم المبيت والرمي.
واستهل صفر ليلة الأربعاء، واستهل ربيع الأول ليلة الخميس، وفي شهر ربيع الأول قام الشيخ ناصر الدين محمد بن علي الطبناوي في هدم الدير الذي في بحرى، وحضر المولد النبوي، وأخرج محضراً يتضمن أن النصارى يحجون إليه في كل

(4/39)


سنة، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين للفرجة والتجارة من لا يحصى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف بعرفة، وأفتى العلماء بهدم ذلك الدير وإزالة تلك العادة، ففوض السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتفق أنه يقوم في ذلك حق القيام حتى كان ذلك في السنة المقبلة فهدم - ولله الحمد.
وفيه هرب سليمان بن عثمان مع جماعة من الروم والتركمان في غراب وكان مقيماً بالقلعة من سنة آمد، فلما عرف السلطان ذلك شق عليه فأرسل في آثارهم فأتى بهم، فحبس الصبي وقطع أيدي قوم وقتل آخرين، وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان كان عمه مراد صاحب برصا قبض على والده أرخن بك وكحله وسجنه، وكان له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته، فأدخل إليه جارية وهو في السجن فحملت منه، فلما مات أرخن في السجن فر المملوك طوغان هذا بسليمان وأخته شاه زاده إلى حلب، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما إليه وأخبره خبرهما، فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة، فأمر بسليمان أن يمشي في خدمة ولده يوسف، وأقامت أخته في القلعة لتكبر ويتزوجها السلطان أو ولده، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فر سليمان وأخته ومن انضم إليهما فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة رشيد لينزلا في مركب إلى بلاد الروم، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهم فقبض عليهم وعلى من في المركب وعدتهم خمسة وستون رجلاً، فوسط طوغان مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان صحبوهم وقد قطعت أيدي الباقين ولا ذنب لهم البتة لأنهم تجار رافقهم أولئك، فلما جاء الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشى التجار على أنفسهم فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الإستيلاء عليهم ونهبهم فظنوا أنهم حرامية، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع الحرب بينهم فغلبوهم وأسروهم وكان ما كان.

(4/40)


وفي السادس من شهر ربيع الأول استقر - الصاحب - كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين - ابن كاتب المناخات - في الوزارة على قاعدته، فباشر مباشرة حسنة وفرح الناس به، واستقر معه أمين الدين ابن الهيصم ناظر الدولة على عادته، وكانت الوزارة منذ صرف عنها خليل بن شاهين لم يستقر فيها أحد بل عذق أمرها بناظر الجيش، فأقام ناظر الدولة عنه متحدثاً وأحال مصروف كل جهة على متحصل جهة من الجهات وكل جهة لم يف متحصلها بها أكملها من عنده، فاستمر الحال على ذلك إلى أن قدم.
وفيه نودي بمنع لبس الزموط الحمر وعملها وهي التي يلبسها العرب ويسموه الشاشبة فنودي بذلك، فوقف له جماعة ممن اشترى الصوف لذلك فصمم على المنع، ثم رفع له بعض الغلمان من الهجانة وغيرهم فأغلظ لهم القول واستمر على المنع ونودي أن لا يحمل أحداً سلاحاً، وفيه وصل العسكر المجرد إلى الأبلستين فوصلوا إلى تجاه سيواس فوجدوا - في تاسع عشره جانبك ومن معه فقدموا -. وفيه قتل جاسوس وجد معه كتب من جانبك الصوفي. وفيه وقع بين الهنود الذين يقيمون بظاهر - المدرسة - الصالحية لإصلاح شعور اللحى، وثب رجل هندي على رجلين فقتلهما قدام الصالحية، وذلك أنه تقاتل مع واحد فقتله ثم مر برجل يصلح شاربه فضرب الذي يصلح في كتفه فوقع ميتاً وحصل للرجل فزع - فحمل

(4/41)


إلى بيته - فمات هو والقاتل فصاروا أربعة فقبض عليه فقطعت يده ثم قتل، ونودي بعد غد أن لا يبقى أحد من الهنود بالقاهرة.
وفيه عين خليل الذي أمر بالإسكندرية أن يكون شاداً على المكوس بجدة وأميراً على المماليك المجردين بمكة وأمر ابن المرأة بالسفر، وسافر خليل ومن معه من البر ونودي للناس بالسفر صحبتهم.
واستهل ربيع الآخر ليلة الجمعة، ففي السادس عشر منه جمع الخازندار الجزارين وأشهد عليهم أن لا يشتروا اللحم إلا من ذبائح السلطان، فصار يذبح لهم كل يوم ما يحصل عند السلطان من الغنم المحضر من البلاد.
وفي الخامس من ربيع الآخر فقد سليمان بن أرخن بن كرجى بن أبي يزيد بن عثمان وأخته شاه زاده - وقد تقدم خبر عنهما في سنة ست وثلاثين، فكان مملوكهما الذي أحضرهما اتفق معهما أن يسير بهما إلى بلادهما وواطئوا على ذلك جماعة من تجار الروم، فأخذهما طوغان فتوجه بهما إلى الغراب فتوجهوا إلى رشيد، فلما عرف الأشرف بالقصة كاتب نواب البلاد بطلبهما، فحاربهم شاد رشيد بحضرة قاصد السلطان، فحبسوا بالريح فاتفق أن الريح هبت عاصفة فصادف وصول نائب الإسكندرية فقبض عليهم، وجهز جميع من في الغراب من التجار وغيرهم، ثم أمر بقطع أيدي بقية التجار وهم نحو الخمسين، وأدب سليمان بالضرب تحت رجليه، ونظر إلى أخته فاستحسنها - فعقد عقده عليها وابتكرها، وقد تزوجها - بعده - الملك الظاهر جقمق.

(4/42)


واستهل جمادى الأولى ليلة السبت، فيه قدمت رسل مراد بن محمد بن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية، وفي سابع عشرة قدم الأمراء الذين جردوا لحلب، فهرع الناس للسلام عليهم ثم طلعوا القلعة فخلع عليهم، وفي صبيحة قدم الأمراء المجردون إلى البحيرة وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم البلوى التركماني ومحمد بن بكار ابن رحاب وقد دخل في الطاعة، وفيه رفعت يد القاضي الحنفي من وقف الطرخي، وأمر أن يحاسب على متحصله وأن يتحدث فيها جوهر الخازندار، ثم بطل ذلك وأعيدت للقاضي.
وفيه نودي من له ظلامة فليحضر إلى باب السلطان في يومي الثلاثاء والسبت، وأمر القضاة أن يحضروا مجلس الحكم في المظالم، فحضروا يوماً واحداً ثم بطل ذلك.
وفي سابع جمادى الأولى خرج الركب الحجازي وأميرهم خليل الذي - كان - ناب في الإسكندرية ومعه نحو السبعين من المماليك ليقيم بهم بمكة عوضاً عن الذي كان فيها وخرج معه عدد كثير من الحاج والتجار، ورحلوا من خليج الزاعفران في التاسع منه.
وفي الخامس عشر منه وصل الأمراء - الذين كانوا بحلب - وفيهم جقمق الأمير الأمير الكبير الذي ولي السلطنة بعد هذا بسنتين والدويدار الكبير أركماس الظاهري، وتأخر منهم خجا سودون فلم يحضر.
وفي يوم السبت تاسع عشر منه حضر القضاة الأربعة بأمر السلطان مجلس الحكم وتكلم الشافعي معه في عدة حكومات بين حكم الشرع فيها، ثم لما فرغوا أمرهم السلطان أن يبطلوا الوكلاء من أبوابهم فأجابوا بالإمتثال، ثم تكلموا في الذين يعاملون بالربا وما

(4/43)


الحكم فيهم، فقال - له - الشافعي: الحيلة في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي فليفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي، ثم سأل عن النواب فقال له الشافعي: كان السلطان أمر قبل السفر بعشرين وهم الآن أربعون لكن كل اثنين في نوبة ثم سأل من الرسل وأمر أن لا يعطي الرسول إلا ثلثين وانصرفوا، ثم لم يعد يطلبهم إلى مجلس حكم بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء، فبطل ذلك.
واستهل جمادى الآخرة ليلة الاثنين، فيه أرسل ناصر الدين بن دلغادر ولده سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم بن قرمان، وكان ابن قرمان قد أخذ منه - قيصرية ونازل صاحب أماسية وهو من حاشية ابن عثمان، فجهز مع سليمان عسكراً وندب معه صاحب توقات وأمره بمحصارة قيصرية ويسلمها لابن دلغادر، وجهز عيسى أخا إبراهيم على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم، فبلغ ذلك صاحب مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان.
وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكي ورقة إلى كاتب السر يستعفي من القضاء، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره إن يعين قاضياً غيره ويستمر بمعاليم القضاء له - دون الذي تعين، فلما بلغ ذلك ولد القاضي قام وقعد وسعى عند علي باي الخازندار وأنكر أن يكون أبوه كتب الورقة، فبلغ ذلك كاتب السر فصعب عليه نسبتهم إياه إلى الكذب، وأخرج الورقة فوجدوها بخطه الذي لا يرتاب فيه، ومع ذلك فاعتنى بهم على باي، ولم يستطع كاتب السر يوسع في القضية كلاماً رعاية لخاطر الخازندار المذكور فإنه كان يومئذ من أقرب الناس منزلة عند السلطان، فاستقر الحال على أنه تحيل للسلطان أن يعيد ولاية المالكي فأجابهم لذلك، واستمر في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين - كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

(4/44)


وفيه رخص القمح إلى أن بيع بمائة وأربعين إلى مائة، فأمر السلطان بشراء القمح وحزره فغلا السعر - ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفيه قدم شرف الدين ابن الأشقر من حلب، فلما كان في الثالث من شعبان استقر ولده تقي الدين عبد اللطيف - في كتابة السر بحلب وخلع عليه، واستمر والده نائباً لكاتب السر على عادته. وفيه توجه الوزير وناظر الجيش وأينال الأجرود ويشبك الحاجب لحفر خليج الإسكندرية ثم عادوا وقد قرروا الأمر، وفوض السلطان لآقبغا التمرازي أن يباشر حفره فتوجه، وجهز معه المال الذي جبوه من البلاد بسبب ذلك ومائتي قطعة من الجراريف والمقلقات وستمائة رأس بقر.
واستهل شهر رجب ليلة الثلاثاء في أواخره وهو العاشر من أمشير والطالع سعد بلع، هبت الريح المريسية شديدة البرد اليابس مع شعث، فكان البرد أشد ما وقع في هذا الفصل، ودام ذلك إلى آخر الشهر، ومضى طوبة معتدلاً ليس فيه برد شديد أصلاً، وهذا بخلاف العادة المعهودة، ولم يزل البرد شديداً إلى يوم نزلت الشمس الحوت وهو سابع عشر أمشير فخف قليلاً، ثم في اليوم - الذي يليه - كان الطالع سعد السعود، فوقع المطر وهبت الريح الباردة ودام المطر ليلة الأربعاء وفي يومها وفي ليلة الخميس، ثم صحت في صبيحة عن أوحال في البلد كثيرة وصلح الزرع - ولله الحمد.

(4/45)


وفيه استقر خليل بن شاهين الذي كان أمير الإسكندرية أمير الحاج - وفي رجب توجه جانبك الدويدار والقاضي عبد الباسط إلى شبرار الخيام فهدما الكنيسة المحدثة. وفي يوم الجمعة ثاني شعبان توجه القاضي كمال الدين البارزي إلى قضاء دمشق وسار معه من حاشيته جمع جم، وتأخر أهله وصغار ولده بمنزلهم بالقاهرة، ونزل عن قضاء دمياط لجوهر الخازندار، وكان ابن قاسم قد نزل له عنه وتعوض عنه في مقابلة خمسين ألف درهم فيما قيل، فسأله جوهر أن ينزل له عنه فلم يسعه إلا الإجابة ولا وسع القاضي الشافعي إلا الإمضاء، وسار جوهر في ذلك أحسن من سيرة ابن قاسم وصار يكتب على الكتب التي يحتاج إليها إلى دمياط الداعي جوهر الحنفي، ولم يل القضاء خصى قبله.
وفي يوم الأحد الرابع من شعبان ابتدئ بقراءة البخارى بالقلعة على العادة وحضر الجماعة كلهم، وكان الأمير ... يفرد الأعيان من الجماعة على حدة ومن عداهم على حدة ليقل اللغط، ثم بدا للسلطان أن يحضروا الجميع وينصتوا لسماع الحديث، ففعلوا ولم يتكلم أحد إلا أن الشافعي رد على القارئ مواضع من الأسانيد أسماء يبدلها أو يحرفها من سبق

(4/46)


اللسان، وحضر في المجلس - الثاني - القاضي علم الدين البلقيني بسعى.. منه في ذلك، وكان يظن أن الأمر على العادة ليشغب كعادته فوجدهم ألزموا السكوت، فلما كان في المجلس الثالث وقع في الليل مطر غزير فكير الوحل في الطرقات.
وفيه استقر أينال الأجرود أمير صفد عوضاً عن يونس وأن يقيم يونس بطالاً بالقدس، واستقر قراجا شاد الشر بخاناة في إمرة إينال، واستقر إينال الخازندار شاد الشربخاناة، واستقر على باى خازندارا عوضاً عن إينال، وهذان الشابان نشأ عند السلطان نشأة حسنة فأحبهما وقربهما ومولهما - فصار لهما - الجاه والحرمة الوافرة - وكان لهما بعده ما سنذكره في الحوادث.
وفي شعبان نودي بأن يجتمع الذين قطعت أيديهم من الذين كانوا رفقة سليمان ولد ابن عثمان، فاجتمعوا ظناً منهم أنه ينفق فيهم توسعة على رمضان، فجعل كل إثنين في قرمة خشب وأنزلوا في مركب إلى البحر لينفوا إلى بلاد الروم، فكثر ضجيجهم ودعاءهم - ولله الأمر.
وفي عاشر رمضان - جاءت أخبار - من جهة ابن عثمان ومن جهة جانبك الصوفي فعزم السلطان على السفر، واستهل رمضان ليلة الجمعة بعد أن ترأوه فلم يتحدث أحد برؤيته، وأوقد غالب أهل البلد المنائر بغير رؤية فنودي لهم بإطفائها، فأصبح الناس فأفطر الكثير منهم، ثم أرسل السلطان ثلاثة أنفس من المماليك ذكروا أنهم رأوا الهلال، فلما سمع الناس بذلك بادروا، فما تعالى النهار حتى ثبت عند ثلاثة من الحكام ونودي بالإمساك،

(4/47)


واستمر البرد.
وفي يوم الإثنين الرابع منه نزلت الشمس الحمل، واستمرت الأيام رطبة ويأتي الحر أحياناً في أثناء النهار وفي أثناء الليل. وفي عاشره عقد - مجلس - مشورة بسبب التوجه إلى البلاد الشمالية من أجل ابن دلغادر وجانبك الصوفي وشاع بأن ابن عثمان قصد نصرتهم، فاستقر الأمر على أن يتوجه نواب الشام نجدة لإبن قرمان إبراهيم ويطالعوا بما تجدد.
وفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان ختم البخارى على العادة، وكان علاء الدين الرومي سعى في مشيخة الشيخونية عوضاً عن باكير وألحوا على السلطان في أمره، فامتنع وقال إنه كثير الشر ولا يحتمله أهل الشيخونية، وأمر أن يرتب له في الجهات السلطانية مرتبات، وعند القاضي الشافعي في الأوقاف ألفا وخمسمائة، وعند الحنفي النصف من ذلك، فلم يقنع بذلك وشرع في الحط على شيخنا فأكثر فوقع منه قبيل مجلس الختم أن بحث في شئ فتكلم باكير، فرد عليه ثم بالغ إلى أن كفره، فرد عليه الشافعي ووافقه الجماعة ووافقهم السلطان، فسكت الرومي على مضض ثم شرع في كتابة أسئلة ودسها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية - فسلمها للشافعي فقرأها - وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يعد، فذكر الشافعي للحاضرين أن أول الورق مقسماً بأيمان عظيمة أن - أعلم - أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول الله، وكلاماً آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع من سمع ذلك على ذمه.

(4/48)


ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رمضان أمر السلطان بعقد مجلس بسبب منازعة إبراهيم السفارى مع جهة الحرمين في جزيرة قاو من الصعيد وكانت بيد مستحقي الحرمين وشرف الدين السفارى مستأجرها منهم، ثم ادعى في سنة أربع وثمانين أنها وقف أبيه وسأل في كتابة محضر فسطر ثم بطل، فلما كان في سنة ست وثلاثين بعد موت شرف الدين قام إبراهيم هذا وهو صهره فأكمل المحضر المذكور عند المالكي قبل السفر إلى آمد وثبت، فلما عاد العسكر قام المستأجر على الأمراء إلى أن استمرت في يد مستحقي الوقف فلما كان في السنة الماضية سأل إبراهيم السفاري عقد مجلس فرسم له عند كاتب السر فحضر القضاة الأربعة، فحكم الحنفي بإبقاء الوقف في يد مستحقي الحرمين وبإلغاء ما يخالف ذلك، فلما كان في شهر رجب هذه السنة أحضر إبراهيم محضراً من الصعيد فيه حكم قاضي هو بأن الجزيرة المذكورة اشتراها السفارى الكبير من بيت المال ووقفها على ذريته، فنفذ ذلك الحنفي وضمنه حكما بناه على حكم المالكي الأول، فقام في نقض ذلك زمام الدور السلطانية جوهر نيابة عن ناظر الحرمين، وأوصل القصة بالسلطان، وأوضح له تناقض الحنفي في المسألة، فرسم بعقد مجلس عنده فعقد، فلما تبين له الحال قطع المستند الذي بيد إبراهيم بحضرة الحنفي وغيره وأبقى الجزيرة المذكورة بيد مستحقي الحرمين، فلما انقضى المجلس طلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ له حقه من علاء الدين الرومي، فأذن له.
وفي يوم السبت طلب شرف الدين أبو بكر بن إسحاق الملطي شيخ الشيخونية علاء الدين علي بن موسى الرومي لمجلس الحكم وادعى عليه أنه كفره بمجلس الحديث بحضرة السلطان والعلماء في يوم الاثنين ثامن عشرة ونسب أنه قال: الوجوب والإيجاب متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فأنكر الرومي ذلك فخرج الملطي على البيان، ثم عقد مجلس بحضرة السلطان في القصر يوم الاثنين خامس عشريه، فتنازعا قليلاً فقام الحنفي فأصلح بينهما، وذكر أن ذلك بإشارة السلطان، وانفصل الأمر على ذلك،

(4/49)


فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذي طلبوه إلى اشرع أنزلوه عن فرسه وجروه على الأرض وقطعوا فرجيته وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفر من العامة يصيحون عليه يا رافضي! كفرت، فأمر بإحضارهم، فأحضر منهم اثنان فضربا بحضرته ثم أطلقا، وانفصل الأمر على ذلك، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرية، وافتتح القاضي علم الدين البلقيني بالسعي، فدس الحمصي الذي صرف عن قضاء الشام وحضر إلى القاهرة ليسعى في العود فكتب قصة يطلب فيها تولية قضاء الشافعية بمصر وكتابة السر بها أو نظر الجيش بالشام، فقال قائل: لأي معنى عزل عن الشام؟ فقال بعض من رتب في القول: إذا وعد هذا ببذل الكثير فغيره يبذل ذلك ويستقر وهو أحمق منه، وهو كان صاحب الوظيفة فأصغى السلطان لذلك، ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى انسلخ شهر رمضان.
وفي أول شوال جدد الساعي للقاضي علم الدين السؤال، فأمر السلطان بعض الخاصكية أن يتكلم مع كاتبه في بذل شيء، فامتنع، فلما كان في يوم الخميس خامسه صرف كاتبه عن القضاء واستقر القاضي علم الدين البلقيني، وفي يوم السبت السابع منه رسم بعقد مجلس بعلماء الحنفية بسبب شرط الشيخونية، فأحضرت أربعة كتب وهي الهداية والبزدوي والمفتاح والكشاف، وذكر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له إنه لم يبق أحد يعرف يقرر هذه الكتب، فوقع بينهم الكلام وبدر القاضي الشافعي فقال: يا مولانا السلطان! هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء، وليس في الدنيا مثلهم، وما منم إلا من يعرف - يقرر هذه الكتب، فمن ادعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونرده عليه، فأعجب السلطان ذلك، وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي، فلما لم يجب عن ذلك كلمة وظهر منه الرجوع عن ذلك ظهر للسلطان أنه تكلم يعرض لأجل الرومي، ففصل الأمر وانقضى المجلس.

(4/50)


وفي يوم الأربعاء توجه القاضي المستقر إلى مصر على العادة، وكان استقر في نقابة الحكم بشخص يقال له حسن الأميوطي وكان رسولاً في الحكم، فنقم عليه شيء فصار يتوكل في المحاكمات، ثم اتصل بالقاضي المستقر، فلما كان هذا اليوم طلع إلى القلعة ومعه شيء من الذهب الموعود به فخلع عليه قباء بطراز، فاستمر لابسه وهو راكب قدام القاضي من مصر إلى القاهرة في الشارع، وتعجب الناس من ذلك. وفيه نزلت صاعقة بحدة فأتلفت شيئاً كثيراً، ووقع حريق وهلك نحو المائة نفس، وتلف لبعض التجار مال كثير، ومن العجائب أن البضاعة المتعلقة بالسلطان سالمة، ويقال إن غالب الأبنية المتجددة في جدة احترقت واحترق أيضاً مركبان بما فيهما من البضاعة، ووقعت وقعة بين القواد وجانبك شاد جدة فجرح عدة، ثم أصلح بينهم من كان أمير مكة، وفي العشر الأخير منه موافقاً لأوائل بشنس من اشهر القبط زاد النيل زيادة كثيرة وشاهدت المقياس واعتبرته فوجدت الماء في نصف الذراع الثامن هذا وقد بقي للأمد المعتاد أكثر من أربعين يوماً.
وفي السابع عشر منه طيف بالمحمل وخرج الحاج وفي الظن أنهم قليل، فاجتمع في بركة الجب خلائق بحيث أنهم صاروا ثلاثة ركوب. الأول ولد الدويدار الكبير وأمير المحمل غرس الدين خليل الذي كان أمير الإسكندرية، وتوجه جمع كثير من الركبين صحبة جماعة من الخاصكية، وسافر الأول يوم الأحد.

(4/51)


وفي ثالث عشري شوال قتل شخص كان نصرانياً فأسلم ثم ارتد فعرض عليه الإسلام فامتنع فقتل.
وفي آخر شوال أحضر شخص ثلاث شعرات ذكر أن تاجراً أوصى أن يدفع ذلك للسلطان ومات بحلب فاستدعى النائب والقضاة وسلمها لهم، ففرح بها - السلطان وأراد أن يبني لها زاوية ويتركها فيها لتزار كما يزار الآثار التي بمصر ثم..
واستهل شهر - ذي القعدة بالاثنين، وفيه اصطلح ابن عثمان وابن قرمان، وعاد نائب حلب من مرعش، ووقع بين حمزة ابن قرايلكو صاحب ماردين وبين أصبهان بن قرا يوسف حرب انهزم فيها أصبهان ومن معه وأقام شخصاً بالقلعة فولاه -.
وفي يوم الأربعاء شهد جماعة برؤية الهلال تلك الليلة، فلم يقبل القاضي شهادتهم ورددهم وبين القاضي الحنفي، فبلغ السلطان ذلك فذكر إن اثنين من المماليك أخبرا السلطان بذلك وأنه ارتقب الهلال ليلة الخميس فغاب قبل العشاء، فاستدلوا بذلك - على بطلان شهادة من شهد برؤيته ليلة الأربعاء، وقوي عندهم ذلك أن أهل التقويم أطبقوا على أن رؤيته يوم الأربعاء غير ممكنة في العادة لأنه تغيب على نحو ثلث ساعة، واستمر الحال على ذلك إلى أن ضحي جماعة من الناس يوم الجمعة اعتماداً على من رأى ليلة الأربعاء، وانتشر الأمر وكثر عدد من ينسب إلى الرؤية، وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتماداً على من شهد ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكور بأنهم فعلوا ذلك محاباة للسلطان لما جرت العادة من نظيرهم بخطبتين في يوم، فنقض عليهم بأن القاضي ولي الدين العراقي خطب في شوال سنة وهي ول سنة تقرر فيها الأشرف في السلطنة ثم لم يزل مستقيماً في مملكته إلى الآن، وكثرت الشناعة بسبب ذلك - والله المستعان،

(4/52)


وعيد جماعة يوم الجمعة وصلوا في بيوتهم العيد، وأفطر جمهور الناس يوم الجمعة خشية أن يكون هو يوم العيد، واتفق أهل الشام والقدس وما حولهما على أن أول ذي الحجة يوم - الأربعاء.

ذكر من مات
في سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي، دخل بلاد العجم وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره وأقام بمكة، فكان حسن الخلق كثير البشر بالطلبة، انتفعوا به كثيراً في عدة فنون وجلها المعاني والبيان، وكان يقررها تقريراً واضحاً، مات في آخر المحرم.
أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عمر بن عثمان البوصيري الشيخ شهاب الدين نزيل القاهرة، ولد في المحرم سنة 762، واشتغل قليلاً وسكن القاهرة، ولازم شيخنا العراقي على كبر فسمع نه الكثير، ثم لازمني في حياة شيخنا فكتب عني لسان الميزان والنكت على الكاشف، وسمع على الكثير من التصانيف وغيرها، ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية وفي الأجزاء، وكتب - على نسخ الفردوس ومسند الفردوس وعلق بذهنه من أحاديثهما أشياء كثيرة وكان يذاكر بها، واشتغل في النحو قليلاً على بدر الدين القدسي، ولم يكن يشارك في شيء منه ولا من الفقه، وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة مع حدة الخلق. وجمع أشياء، منها زوائد سنن ابن ماجة على الكتب الأصول الستة، وعمل زوائد المسانيد العشرة وزائد السنن الكبير للبيهقي، وجمع من مسند الفردوس وغيره أحاديث، وأراد أن يذيل بها على الترغيب والترهيب للمنذري ولم يبيضه وسماه تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب،

(4/53)


ولم يزل مكباً على الاشتغال والنسخ إلى أن مات في ليلة الثامن عشري المحرم بمدرسة السلطان حسن بالرميلة وله ثمان وسبعون سنة.
أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السمسار المعروف بابن المحمرة شيخ الصلاحية شهاب الدين، ولد في صفر سنة 767، وحفظ القرآن صغيراً والعمدة والمنهاج وكان ذكياً، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ زين الدين العراقي، ودار على الشيوخ وقتاً، وكتب بعض الطباق، ثم تشاغل بالجلوس في رحبة العيد وتقرر في المخبز بالخانقاه الصلاحية ولازم السالمي فقرأ له بنفسه على جمع من الشيوخ عدة من الكتب، وسمع قديماً من عبد الله بن علي الباجي وتقي الدين ابن حاتم ونحوهما، ثم أكثر عن شيوخنا البرهان الشامي وابن أبي المجد، ثم استنابه القاضي جلال الدين في الحكم، فأقبل على ذلك بكليته واقتنى مالاً وعقاراً، وكان كثير الدربة في الحكم حسن التجمل جداً، فاتفق أن الملك الأشرف قرر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام بعد قتل أبيه فسار سيرة سيئة، فاتصل ذلك بالسلطان فعرض ذلك على القاضي علم الدين البلقيني فاستعفى، فذكر شهاب الدين للسلطان فعرفه بحسن شكله فقرره وذلك في سنة 32، فتوجه وسار سيرة حسنة، فلم يزل على ذلك حتى وقع بينه وبين كاتب السر القاضي كمال الدين بدمشق البارزي فسعى عليه فاستقر في القضاء وعاد إلى القاهرة. ثم لم ينشب القاضي كمال الدين أن نقل إلى كتابة السر

(4/54)


من دمشق إلى القاهرة، واستمر شهاب الدين بالقاهرة إلى أن شغرت مشيخة الصلاحية فصرف الشيخ عز الدين القدسي عنها، فسار إليها في ذي الحجة سنة 38 فباشرها إلى أن مات في يوم السبت - 4 شهر ربيع الآخر، قال القاضي تقي الدين الشهبي ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها، وولي بعض البلاد فحصل منها مالاً، وصار يتجر بعد أن كان مقلاً يتكسب من شهادة المخبز بالخانقاه الصلاحية، ولما ولي قضاء دمشق سار سيرة مرضية بحسب الوقت، ولم يعدم من يفتري عليه إلا أنه كان متساهلاً بحيث - لا يبحث عن القضايا الباطلة، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئاً ولا ينكر على ما يصدر من نوابه مع اطلاعه على حالهم.
أحمد بن محمد بن رمضان - المكي الشاعر المعروف بالحجازي

(4/55)


أبو العباس، ذكر لي أنه ولد سنة 771 تقريباً بجياد مكة، فولع بالأدب وقدم الديار المصرية في سنة ست وثمانين وسبعمائة صحبة زكي الدين الخروبي وتردد، ثم استقر بالقاهرة وتكسب بمدح الأعيان، فكان ينشد قصائد جيدة منسجمة غالبها في المديح، فما أدري بمدح الأعيان أكان ينظم حقيقة أو كان ظفر بديوان شاعر من الحجزيين فكان يتصرف فيه! وإنما ترددت فيه لوقوعي في بعض القصائد على إصلاح في بعض الأبيات عند المخلص أو اسم الممدوح فيكون فيه زحاف أو كسر - والله يعفو عنه! وأظنه مخطئاً في سنة مولده فإنه كان اشتد به الهرم وظهر عليه جداً - فالله أعلم.
أحمد البابي شهاب الدين - بباء موحدة - نسبة إلى باب والبزاغة، وكان يصحب القاضي صدر الدين المناوي، وتقدم في ولايته القضاء ثم ولي تدريس الشريفية بالقرب من الجودرية وسكن بها إلى أن مات وقد جاوز الثمانين.
أرغون شاه النوروزي، وكان ولي أستادارية السلطان بدمشق، وولي الوزارة بمصر ثم الأستادراية، ثم أعيد إلى دمشق على إمرة؛ مات في حادي عشر رجب.
أقباي اليشبكي، كان من مماليك يشبك واستقر بعد ذلك دويدار صغيراً وولي نيابة الإسكندرية في العام الماضي وكان متواضعاً بشوشاً كثير الحرص على التحصيل ولم يحمد في ولايته المذكورة، ومات في يوم السبت 21 ذي القعدة، واستقر عوضه - زين الدين عبد الرحمن ابن علم الدين بن الكويز في نيابة الإسكندرية

(4/56)


فاستقر يوم الخميس ثالث ... وسافر يوم الخميس -.
بردبك الإسماعيلي، من مماليك الظاهر برقوق أحد الأمراء العشرات، مات في جمادى الأولى.
أبو بكر - بن عتوق بن أبي بكر السوهائي زكي الدين الشاهد بمصر، سمع في سنة 79 على ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن إدريس الحراوي الطبردار - قطعة من كتاب - الخيل للدمياطي بسماعه لجميعه منه، ومات في....
حمزة بك بن علي بك بن ناصر الدين ابن دلغادر، مات مسجوناً بقلعة الجبل في ليلة الخميس السابع والعشرين من - جمادى الأولى.
سليم بن عبد الرحمن، الجنائي الشيخ سليم، واصله من عسقلان ويقال له، الأزهري، لسكناه بجامع الأزهر، وهو أحد من كان يعتقد بالقاهرة، وكان شهماً، جاوز الستين بأربع، وحج مرات، وكانت جنازته مشهودة، ومات أخوه الشيخ علي الجناني قبله بقليل وكان خيراً وأظنه جاوز الثمانين.

(4/57)


عائشة ست العيش بنت القاضي علاء الدين الحنبلي، ولدت سنة 61 وحضرت على جدها فتح الدين القلانسي أكثر الغيلانيات وغيرها - وسمعت من القاضي عز الدين ابن جماعة والقاضي موفق الدين الحنبلي جزءين من حديث أبي الحسن بن بشران ومن ناصر الدين الحراوي الجزء الأول من فضل الخيل للدمياطي، ولها أجازة من محب الدين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، أكثر عنها الطلبة بأخرة، وكانت خيرة وتكتب خطاً جيداً، وهي والدة القاضي عز الدين ابن قاضي المسلمين برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي.
عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله، المروزي الأصل زين الدين ابن الخراط نزيل القاهرة، الأديب الشاعر، موقع الدست، اشتغل على أبيه وغيره بحلب، ولد بحماة في سنة 77، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها، واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب واشتهر، وأكثر من مدح الأكابر من أهل حلب، ومدح حكم بقصائد طنانة

(4/58)


فأجازه واختص به ونادمه، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين محمد إلى القاهرة صحبة القاضي ناصر الدين ابن البارزي فسعى لأخيه في كتابة السر بطرابلس فوليها، ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر في كتابة الإنشاء، ثم ولي وظيفة الإنشاء بعد ابن حجة، وكانت بيده وظائف تلقاها عن أبيه فاستمرت معه، وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه إلى أن مات، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة، سمعت من نظمه وصار حتى بلغز في النعام نثراً من إنشائه فأجبته، وكان كثير النفور من الناس جداً، بلغني أنه قارب السبعين مات في ليلة الثلاثاء ثاني المحرم - وقد تقدم ذكر أبيه.
عبد الرحمن القاضي نور الدين بن الشيخ جلال الدين نصر الله، البغدادي أخو قاضي القضاة محب الدين، كان ينوب في الحكم عن اخيه، وناب قبل ذلك على ابن المغلي، وكان في ابتداء أمره حريراً بحانوت على باب القصر، ثم جلس في الشهور إلى أن ناب عن أخيه فحكم فيه، ثم ولي قضاء صفد استقلالاً فأقام بها سبع سنين، ثم حج في أواخر شعبان سنة 37 وجاور سنة ثمان، ورجع إلى القاهرة في أول سنة 39، فأقام بها ينوب عن أخيه إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان، وكان الجمع في جنازته وافراً، ولم اصل عليه لأنه أخرج وقت صلاة الجمعة وأنا صليت في جامع القلعة بالسلطان، ومولده في سنة 783، وقدم مع أبيه بعد التسعين وهو أصغر الإخوة، وله سماع من بعض شيوخنا، وكان حسن المودة كثير البشاشة، وفي كثير من أحكامه مقال - والله يعفو عنه!

(4/59)


وأجاز له في استدعاء بخط أخيه القاضي محب الدين ابن المحب وجماعة من شيوخ الشام في سنة 786، وذكر لي أخوه أنه سمع معه على تقي الدين ابن حاتم كتاب الشفاء، ولم يخلف ولداً، وقرأت بخط أخيه أنه مات له ثلاثة عشر ولداً.
عبد الرحمن الحلبي القاضي تاج الدين المعروف بابن الكركي بحلب ومولده.. وسمع من ... وولي قضاء حلب مدة ثم نزل عن ذلك، واستمرت بيده جهات قليلة يتبلغ منها إلى أن مات في يوم 22 من شهر رمضان، وكان يسكن القاهرة مدة وناب عني ثم حج وتوجه، ولفقيته بحلب ما توجهت إليها صحبة السلطان، وأجاز لأولادي - رحمه الله.
علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن منصور بن حجاج بن يوسف الحسني العلوي الشريف صاحب صنعاء الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن ابن الإمام صلاح الدين أقام في الإمامة بعد أبيه ستاً وأربعين سنة وأشهراً بصنعاء وصعدة وعدة حصون، ومات في 7 صفر، واستقر بعده ابنه الناصر صلاح الدين محمد فمات بعد ثمان وعشرين يوماً، فاجتمع الزيدية على رجل يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدي والجميع زيدية.
قرقماس بن عذراء بن نعير بن حيار بن مهنا.
كمشبغا الظاهري أمير عشرة، وهو أيضاً ممن قام بنصر جانبك الصوفي إلى أن أخذ في هذه السنة كما قدمنا في الحوادث -.
عبد الوهاب تاج الدين بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، مات في ثاني ذي القعدة بدمشق -.
عيسى بن قرمان، قتل في محاربته مع أخيه إبراهيم.
قرمش الأعور، كان من مماليك الظاهر برقوق، وتنقلت به الأحوال وتامر، ثم كان مع تنبك البجاسي لما خامر على السلطان، ثم ظهر مع جانبك الصوفي في السنة الماضية، فلما كان العسكر المجرد بحلب وصل خجا سودون إلى عينتاب فطرقه قرمش فكانت بينهما

(4/60)


وقعة قبض فيها على قرمش فقتل. فحملت رأسه إلى القاهرة فطيف بها، ووصل العسكر المجرد إلى سيواس فلم يظفروا بجانبك ولا بابن دلغادر بل انهزما أمامهم إلى بلاد الروم.
قصروه وكان من مماليك الظاهر برقوق، وتنقلت به الأحوال إلى أن استقر في إمرة آخور الكبير في أول دولة الأشرف، ثم نقل إلى نيابة طرابلس في سنة خمس وعشرين، ثم نقل إلى نيابة حلب سنة ثلاثين، فلما كانت سفرة آمد وعاد الأشرف إلى القاهرة ولاه نيابة دمشق، ونقل منها جار قطلي إلى القاهرة، ونقل قصروه إلى حلب في شعبان سنة سبع وثلاثين - فسار فيها سيرة حسنة، وعمر قبة كبيرة في مقام الأنصاري ووقف عليها وقفاً.
محمد بن أحمد بن محمود القاضي شمس الدين الحنفي المعروف بابن الكشك، مات معزولاً عن القضاء.
محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي الشافعي صاحبنا الشيخ شمس الدين، كان خطيباً بجامع يونس بالقرب من قنطرة السباع بين مصر والقاهرة، وكان ديناً خيراً

(4/61)


مقبلاً على شأنه لازمني نحو ثلاثين سنة وكتب أكثر تصانيفي، منها أطراف المسند، وما كمل من شرح البخاري وهو أحد عشر سفراً، والمشتبه ولسان الميزان، وكتب الأمالي وهي في قدر أربع مجلدات بخطه، وتخريج الرافعي وعدة تصانيف، وكتب لنفسه من تصانيف غيري، واشتغل بالعربية، ولم يكن له نهمة في غير الكتابة، وكان متقللاً من الدنيا قانعاً باليسير صابراً قانتاً قليل الكلام، كثر الثناء عليه من جيرانه، مات في يوم الثلاثاء ثاني عشر رمضان وتأسفوا عليه - رحمه الله.
محمد بن محمد بن أحمد، المناوي الأصل الشيخ شمس الدين الجوهري المعروف بابن الريقي، مات في يوم الخميس خامس شوال، وكان قد حصلت له ثروة من قبل بعض حواشي الناصر فرج من النساء، واكثر من القراءة على الشيخ برهان الدين البيجوري فقرأ عليه الروضة وفي الرافعي الكبير وفي الرافعي الصغير وغير ذلك، ولازم دروس القاضي ولي الدين العراقي، وكان كثير التلاوة والإحسان للطلبة، وكانت جنازته مشهودة.
محمد بن محمد بن علي بن أدريس ين أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن، مجد الدين أبو الطاهر العلوي - نسبة إلى نبي علي بن بلي بن وائل - التعزي الشافعي، ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة. وقرأ القرآن وشدا شيئاً من العربية ونظم الشعر، وأحب طلب الحديث فاخذ عن الجمال بن الخياط بتعز، وحضر عند الشيخ مجد الدين الشيرازي وأجاز له، وحج سنة تسع وثلاثين فسمع بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر على السماع ليلاً ونهاراً وكتب بخطه كثيراً، ثم بغته الموت فتوعك أياماً، ومات يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة، وكان ينظم سريعاً.

(4/62)


محمد بن موسى بن عمر بن عطية، اللقائي الأزهري المالكي، ولد سنة 774 - كذا بخطه، ونشأ مع أبيه وحفظ القرآن وقرأ به في الجوق وكان حسن الصوت، ثم طلب الحديث وقتاً وكتب أسماء السامعين واعتمدوا عليه في ذلك، ثم اتصل بشرف الدين الدماميني خين ولي نظر الجيش، ثم بفتح الله حين ولي كتابة السر فلازمه إلى أن استقر شاهد ديوانه وغلب عليه، ثم لما زالت دولته واستقر ابن - البارزي خدمه ولازمه إلى أن غلب أيضاً عليه، واستقر في ديوانه لا يقطع أمراً دونه إلى أن مات، فخدم ابنه وابن الكويز، ثم انفصل عنه وباشر في عدة جهات، وكان كثير التودد والإحسان للفقراء والمحبة في أهل الخير والصلاح، مات يوم الاثنين خامس شعبان بمنزلة جوار جامع الأزهر، وكانت جنازته حافلة، صلوا عليه بالجامع الأزهر، وكان الجمع كثيراً، ثم مشوا إلى مصلى باب النصر فصليت عليه، وحضر جميع مباشري الدولة ناظر الجيش فمن دونه.
محمد بن يوسف بن أبي بكر بن صلاح، القاضي شمس الدين الحلاوي الدمشقي، وكان يذكر أن أصلهم من حلب وأنهم نسبوا إلى المدرسة الحلاوية بها، وكان كثير من الناس يذكرون أن أباه كان يبيع الحلوى الناطف في طبق، وولد له هذا في سنة 765، وكان للناس فيه اعتقاد فنشأ ولده بين الطلبة، واسمعه من جماعة من الشيوخ، وكان يذكر أنه سمع من الحافظ عماد الدين ابن كثير وابن أميلة ونحوهما من أهل ذاك العصر، فوجد سماعه من ابن كشك لبعض الصحيح وحدث به، ثم قدم القاهرة

(4/63)


وتوصل إلى خدمة الأمير يشبك، وصحب ابن غراب، وعمل التوقيع عند يشبك، وولي نظر الأحباس مدة والحسبة غير مرة، ثم ولي وكالة بيت المال سنة سبع وعشرين بعد موت ابن التباني إلى أن مات، وكان قد مرض مرضاً طويلاً نحو الخمسة أشهر، أصابه فالج فبطل نصفه، وتنقلت به الأمراض إلى أن مات في ليلة الجمعة سادس شوال، وكان كثير المجازفة في النقل، واستقر بعده في وكالة بيت المال القاضي نور الدين مفلح ناظر المارستان وفيه قيل:
إن الحلاوي لم يصحب أخاً ثقة ... إلا محا شؤمه منه محاسنهم
السعد والفخر والطوخي لازمهم ... فأصحبوا لا ترى إلا مساكنهم
يعني سعد الدين ابن غراب وأخاه فخر الدين وبدر الدين الطوخي، فزاد عليهم المصنف رحمة الله:
وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى ... والبدر والنجم رب اجعله ثامنهم
يعني صلاح الدين ابن الكويز وأخاه علم الدين وبدر الدين بن محب الدين المشير والنجم ابن حجي.
محمد بن شاه بن الشيخ شمس الدين الفناري الحنفي الرومي، كان ذكياً، وحج في سنة بضع وثلاثين ودخل القاهرة، ثم رجع إلى بلاد ابن قرمان فمات.
محمد المغربي الأندلسي النحوي الشيخ شمس الدين الذي ولي قضاء حماة وأقام بها مدة، ثم توجه إلى الروم فاقام بها وأقبل الناس عليه، وكان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار عارفاً بعدة علوم خصوصاً العربية، وقد قرأ في علوم الحديث على وكان حسن الفهم،

(4/64)


مات في شعبان ببرصا من بلاد الروم.
محمد بن ... بن الشيخ عبد القادر الكيلاني، الشيخ شمس الدين مات في رابع صفر.
محمد المعروف بالبلدي الشيخ شمس الدين، كان خيراً وبيده نظر المارستان بمكة، وكان يخدم الفقراء ويبالغ في ذلك بنفسه، وكان دأبه المشي بين الناس للإصلاح بينهم وتأليف قلوبهم فألموا لفقده، وكانت وفاته في يوم الخميس سلخ ربيع الأول.
موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان، الشافعي الشيخ شرف الدين السبكي، مات في سابع عشر ذي القعدة، وكان متصدياً لشغل الطلبة بالفقه جميه نهاره، وأقام على ذلك نحو العشرين سنة ولم يخلف بعده في ذلك نظيره، وأظنه بلغ

(4/65)


السبعين وكان سناطاً.
نعمة الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الرحيم، الجرهي - بفتح الجيم والراء الخفيفة، مات وله دون الثلاثين سنة، ولد بشيراز وسمع الكثير وحبب إليه الطلب وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر عني وعن الشيوخ وفهم وحصل كثيراً من تصانيفي ومهر فيها، وكتب الخط الحسن وعرف العربية، ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد ورجع هو وأخوه قاصدين إلى مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا ونجا أخوه، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدة، فاتفق وقوع الحريق بها فاحترق مع من احترق لكنه عاش وفقد رجليه معاً فإنهما احترقا، وعاش هو لعمره وذلك في شوال منها، وكانت وفاة نعمة الله في رجب أو شعبان ظناً.

(4/66)


1 8 - //الجزء التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
قرأت بخط القاضي الحنبلي: لم ير الهلال ليلة الجمعة إلا أن شخصاً يقال له العاملي يقرأ المواعيد ذكر أنه رآه ولم يوجد من يوافقه، وفي يوم الجمعة صلى بجامع الحاكم بعد الصلاة على ميت ...
وفيه - فرقت كتب الحجاج، وفيها أن الوقفة يوم الجمعة، وكان قدوم الهجان بذلك بعد العصر يوم الخميس قبل ذلك، ولم يحضر المبشر على العادة خشية من العرب الذين يقطعون الطريق.
وفي يوم الاثنين استقر سراج الدين عمر الحمصي في قضاء طرابلس وخلع عليه، وركب معه القاضي الشافعي وناظر الجيش.
وفي العاشر منه ثار جماعة من المماليك الأشرفية الجلبان وقصدوا نهب - بيت ناظر الجيش، فأنذر بهم فاحترز وتحول من بركة الرطلي ونقل أمتعته، فهجموا منزله ببركة الرطلي فنهبوا ما وجدوا - فيه وهم دون المائة ورجعوا -، وخشي الوزير من النهب فاختفى، ثم صارا يحضران مع الموكب ويرجعان مختفيين، قراسلهم السلطان بالمنع مما فعلوه، فلم يجيبوا وراموا أن يزاد جوامكهم واللحم؛ ثم سكنت القضية.

(4/67)


وفيه وصل بدوي فأخبر أن الحاج حصل لهم في الذهاب عطش ومات منهم كثير من الجمال ولم يحضر معه من كتبهم إلا اليسير، فحصل لجماعة ممن له معرفة من الحاج اضطراب إلى أن وصل في السادس عشر جماعة سبقوا من العيون فذكروا أن بني لام خرجوا على شاهين الذي كان توجه لعمارة البئر بالعيون فقتلوه ونهبوا الإقامة المجهزة من القاهرة وأن الحجاج بخير، ثم وصل من سطح العقبة جماعة في يوم العشرين فأخبروا أن الركب الأول يدخل يوم السبت وأن المحمل يتأخر بسبب احترازهم من العرب.
وفي سابع عشر صفر وقع لعز الدين بن القاضي جمال الدين البساطي تغيظ على بعض العامة فعزره فشكاه للسلطان، فتعصب أمير آخور الصغير فأدب العامي فضربه ضرباً مبرحاً، فحمله أخوه على جمال الدين وزعم أنه أشرف على الموت، فآل الأمر إلى أن أمر السلطان بضرب البساطي فضرب ضرباً مبرحاً، وشق ذلك على غالب الناس.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول نودي على النيل بما كان نقص وهو إصبعان، ثم نودي يوم الخميس بإصبع تكملة أربع عشرة من أحد وعشرين ذراعاً، وكان ذلك موافقاً لتاسع عشري توت من الأشهر القبطية، وانتهت الزيادة في سلخه إلى خمسة أصابع من أحد وعشرين ذراعاً، واستمر ثابتاً مدة، واشتد الحر نحو العشرة أيام إلى أن طلع نجم السماك يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر الموافق لبابة من الأشهر القبطية فهبت الهواء الباردة وسكن الحر.
وفيها غلب على صنعاء اليمن سنقر مولى علي بن صلاح ملكها الذي انتقل بالوفاة، فعصى سنقر المذكور على الإمام الذي استقر بعد على ابن صلاح بصعدة، فسار

(4/68)


الغمام لمحاربة سنقر المذكور كما سيأتي بيانه في السنة التي بعدها وآل الأمر إلى أن المملكة صارت لسنقر وصيرها ملكاً.
وفيها ورد كتب صاحب الحبشة يذكر فيه أن البطرك الذي عندهم من قبل البطرك الساكن بمصر مات ويلتمس من السلطان أن يأمر البطرك أن يجهز إليهم من عنده بدله ويذكر فيه مودة ومحبة وتوصية بمن بمصر وأعمالها من النصارى، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فبعث نصرانياً يسمى مخاييل، ومن قبل أن يسافرا حضر عندهما جماعة من الحبشى نصارى فشكوا أنهم كانوا في دير وأن قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة وهرب من بقي، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير وتركها أهلها من أجل تخريبها، فرفعوا قصة إلى السلطان فأذن في ذلك، ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي وهو حينئذ بدر الدين العيني فكتب لبعض من ينوب عنه بالتوجه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك ففعل، فكان في سنة 844 ما سأذكره.
وفي شهر ربيع الآخر قبض على جانبك الصوفي بعد أن كان تحول عند مرزابك إلى جهة ابن قرايلك -، فما زال تغري برمش النائب بحلب - يكاتبه في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينار ليقبض عليه، فبلغ ذلك جانبك الصوفي - ففر بمن معه فتبعوه - فجرح في المعركة وقبض عليه، وكوتب النائب فجهز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب وكاتب السلطان في ذلك، فاتفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه، فوصلت السرية فقبض المال وحز رأسه وجهزت إلى حلب ثم إلى القاهرة،

(4/69)


ووصلوا بها أول جمادى الأولى، وطيف - بها في القاهرة واستقرت النفوس، وحصل لمن كان يهوى هواه ما لا مزيد عليه من الحزن، وبطلت الملحمة وتبين كذب من افتراها - والأمر كله بيد الله تعالى.
وفي يوم الخميس سابع عشرة رفع جماعة أن نور الدين بن سالم أحد نواب الشافعي حكم عليه في قضية، فطلبه السلطان فحضر، فسأله عن الشهود: لم لم يكتب أسماؤهم في الحكم؟ فأجاب بأن ذلك ليس شرطاً، فعارضه بعض من حضر، فأمر بضربه فضرب بحضرته وأخذ شاشه وأهين إهانة صعبة، فخرج وهو مكسور الخاطر لكونه مظلوماً، وكثر التأسف عليه، ولم يكن إلا اليسير حتى وعك السلطان وتمادى أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلاً.
وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر بحماة وحلب وحمص، ثم تحول إلى دمشق في أواخر الشتاء ودخل الديار المصرية في أوائل شهر رمضان، فكان في ابتدائه يموت في اليوم - نحو العشرين، ثم بلغ في آخره نحو الثمانين، ثم بلغ في أول شوال إلى المائة، ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه، وفي العشر الآخر من شهر رمضان توجه جكم ختن السلطان بإذنه إلى الوجه

(4/70)


البحري فهدم دير المغطس وهو دير روماني من قبل الإسلام لكنهم يبالغون في تعظيمه ويخصون له يوماً معيناً كالعيد، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليم مشاة وركباناً، ويتشبهون بالحجاج، ويجتمع حوله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم الكبار، ويعلنون فيه بسب أكابر المسلمين كالصحابة خصوصاً خالد بن الوليد، وقد تقدم في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعيه في هدمه فلم يتفق، فقيض الله في هذا الشهر هذا الرجل وهو جركسي قريب العهد بالإسلام لكن إسلامه قوي، فعرفه بعض الصلحاء بالقضية ففهمها، فقام فيها إلى أن أذن السلطان للقضاة بالحكم بهدمه بعد إن كان المالكي في تلك المرة - قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه وأشرف على الحكم، فدسوا عليه من أخافه بأن للسلطان غرضاً في ترك هدمه وإبقائه مغلقاً، فجبن وركن لمن زعم له أن السلطان حكم بإغلاقه إلى إن يسر الله في هذا الوقت هدمه - ولله الحمد.
وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطان من يحضر مجلس الحديث عن سبب الطاعون، فذكر له بعضهم فشو الزنا، فأمر بمنع النساء هن الخروج من بيوتهن إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللاتي لا بد لهن منها وشدد في ذلك.
وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان صرف كاتب السر صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين - ابن نصر الله عن الحسبة، واستقر دولات خجا الذي كان ولي الشرطة في سنة ست وثلاثين في سفرة آمد. وفيه أخرج الشيخ سرور المغربي من القاهرة بأمر السلطان إلى الإسكندرية. وفي هذا اليوم ظهر جراد كثير جداً بعد العصر، جاء من قبل المشرق، حتى كاد النهار يظلم، فدام ساعة وسار نحو المغرب، فلم يبق له أثر من قبل المغرب، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته ثم انقضى أمره.

(4/71)


وفي أواخر شهر رمضان كتب مرسوم بإضافة المواريث الحشرية من النصارى إلى بيت المال بعد أن كن البطرك يتناولها بمراسيم يقررها له الكتاب من قديم الزمان، وكلما أبطلوه أعادوها مراراً.
شوال، أوله الخميس، في أوله اشتد البرد جداً بحيث أنه كان أشد مما كان في فصل الشتاء وعاد الناس إلى لبس الفراء ونحوها، وفشا الطاعون فزاد على المائة، وصلينا في الجامع الحاكمي بعد الجمعة على خمسة أنفس جملة، وكان أول ما بدا اشتد - في نواحي الجامع الطولوني ثم في الصليبة ثم فشا في القاهرة - ولله الأمر.
ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه كل يوم، ثم في العشر الأوسط إلى ثلاثمائة.
وفي السادس منه استقر كاتبه في الحكم بالديار المصرية على عادته.
وفي النصف منه توجهت ليلى لزيارة أهلها بحلب، فأكملت في عصمتي خمس سنين سواء ووقعت الفرقة، وعادت في رجب ثم أعيدت إلى العصمة.
وفي العاشر منه عاود السلطان ضعفه بالقولنج وسوء المزاج وفساد المعدة، فانقطع عن الموكب والخدمة إلى.. وأدير المحمل في يوم الاثنين تاسع عشرة وأميرهم آقبغا التركماني، وأبطل جماعة من الناس السفر لاشتغالهم بالطاعون، وكان فطر النصارى في الثامن عشر، وأمطرت في التاسع عشر مطراً خفيفاً، ثم كثر في الليل وأرعدت وأبرقت ونزل الماء كأفواه القرب، وهو في - اليوم الثالث من نزول الشمس الثور، وأصبحت المدينة ملأى بالوحل ونزل الماء، وقد تقدم نظير هذا في مثل هذا اليوم من سنة ست وعشرين وثمانمائة.

(4/72)


وفيه أمر بكسر أواني الخمر، فأخبرني المحتسب دولات خجا أنه كسر في يوم واحد ثلاثة وستين ألف جرة وأنه سئل بمال جزيل الإعفاء من ذلك، فلم يستطع مخالفة الأمر لشدة فحص السلطان على ذلك، وفي آخره توجه العسكر المصري من حلب إلى جهة الروم.
وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه غضب السلطان على رئيسي الطب شمس الدين أبي البركات بن عفيف بن وهبة بن يوحنا بن وفا حلب - الملكي الأسلمي وزين الدين خضر الإسرائيلي لاتهامه إياهما أنهما غلطا عليه فيما وصفاه له - من الأدوية، فأمر بتوسيطهما فوسطا بالحوش، وذكر أن ابن العفيف استلم وتشهد، وأن الآخر مانع عن نفسه وعالج وسأل أن يفدي نفسه بخمسة آلاف دينار، فلم يجب، وقتلا.
وفي صبيحة يوم الأحد سلمت جثتهما لأهلهما، فدفناهما وراحاه من وزن الذهب - وعد ذلك من الأعاجيب.
وفيه غضب على عمر والي الشرطة وصودر على مال ثم أعيد، واشتد بالسلطان الضعف لعدم تناول الغذاء وساءت أخلاقه، وصار يأمر بأشياء فيها ضرر لبعض من يلوذ به فيظهر المأمور الامتثال ولا يفعل، واتفق أن ناظر الجيوش القاضي زين الدين - عبد الباسط انقطع يوماً بسبب ظلوع في ذراعه ثم عوفي وركب وفرح الناس -، واستمر كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله - ضعيفاً منقطعا من يوم الجمعة ولم يظهر فيه الطاعون إلا أن مرضه شديد الحدة. فلما كان يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة طلب السلطان الخليفة والقضاة والأمراء والخاصكية والمماليك السلطانية والأجناد، وعهد السلطان بالسلطنة لولده وكتب عهده، ولقب

(4/73)


الملك العزيز جمال الدين يوسف -، وأشهد السلطان على نفسه بذلك برضا أهل المملكة وإمضاء الخليفة، واشهد على نفسه أنه جعل الأمير الكبير - جقمق نظام مملكة ولده يوسف - وكتب له بذلك ورقة مفردة، وشهد فيها على السلطان بالتفويض وعلى الخليفة بالإمضاء، وانفق على المماليك السلطانية فجعل - لكل شخص ثلاثون ديناراً وأنفض المجلس، وخلع على نور الدين الإمام السويفي بوظيفة الحسبة عوضاً عن دولات خجا، وهرع الناس للسلام عليه.
وفي الرابع من ذي القعدة تناقص البرد وتزايد الحر وخف الموت من ضواحي القاهرة إلا من الجهة البحرية والشرقية فتزايد فيهما كما كان في الغربية والقبلية فيقال جاوزوا الألف في كل يوم ومعظمهم أطفال ورقيق من جميع الأجناس.
وفي النصف من ذي القعدة بدأ الطاعون في النقص فصار ينقص في كل يوم نحو الأربعين والخمسين والثلاثين، وتمادى على ذلك إلى أن كان في العشرين منه، فكانت عدة الاموات بمصلى باب النصر مائة بعد أن كانت بلغت الخمسمائة، ثم تناقص إلى ستين في ثاني عشري ذي القعدة وكانت بلغت بمصلى المؤمني نحو الثلاثمائة، ثم تناقص ذلك إلى ثلاثين.
وفي العاشر من ذي القعدة ناول العسكر المصري الابلستين، ثم توجهوا إلى مدينة اقشر فنازلوها وأميرها سالم بن الحسن وكان يقطع الطريق على التجار، فهدموا بعض قلاعها وكان هذا المكان - معداً لقطاع الطري، وتوجه العسكر المصري منها في أواخر الشهر بعد أن - قرروا بها نائباً.
وفي السادس والعشرين من ذي القعدة هبت ريح شديدة، وأثارت تراباً كثيراً بحيث ملأت البيوت والشوارع، ودامت من الليل إلى آخر النهار.

(4/74)


وفي العشر الأخير من ذي الحجة وكان أوله الاثنين قصد العسكر المصري أرزن الروم، فأرسل إليهم صاحبها يعقوب بك بن قرا يلك ولده وزوجته وقضاة بلده يبذل الطاعة وصحبتهم دراهم مضروبة باسم الأشرف من ذلك قبل إن يصل لكنهم حين مروا فدخلوا البلد فزينوها لهم ونزلوا بالمرج وأتتهم الضيافة، واستقر يعقوب نائباً بها نائباً من قبل السلطان هو وابن أخيه جهانكير بن علي بك بن قرايلك، ورحل العسكر منها في أول يوم من المحرم.

ذكر من مات
في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة الكاتب سعد الدين بن كريم الدين ابن سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم، مات في ليلة الجمعة ثامن عشر شهر - ربيع الأول ولم يبلغ الثلاثين، وكان استقر في نظر الخاص السلطاني ووكالة السلطان الخاص عقب موت والده فباشرها إلى أن مات، وكان علته مرض السل، وعرض له في أثناء ذلك قولنج وحصل له صرع ولم يكثر -، واتهم طبيبه بأنه دس عليه سماً، وكانت جنازته حافلة، صلى عليه بالزميلة ونزل السلطان وكثر الثناء عليه، وكان قليل الأذى، كثير البذل، طلق الوجه، نادرة في طائفته، واستقر بعده في وظيفته أخوه جمال الدين يوسف يوم السبت، وهرع الناس للسلام عليه.

(4/75)


أحمد بن صالح شهاب الدين الشطنوفي العامل بمودع الحكم بالقاهرة، وكان يجيد الكتابة والضبط، وللجهة به جمال، فتلاشى الأمر بعده جداً - ولله الأمر، ذكر لي ولده شمس الدين محمد وهو من النجباء أن مولد والده في..، وذكر لي غيره أنه جاوز الثمانين، مات في ليلة الجمعة حادي عشري ذي القعدة.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن شهاب الدين المادح المعروف بالقرداح الواعظ وكان قد انتهت إليه رياسة الفن ولم يكن في مصر والشام من يدانيه في هذا الوقت، فإنه كان طيب النغمة، عارفاً بالموسيقى، يجيد الأعمال ويتقنها، ولا ينشد غالباً إلا معرباً،

(4/76)


ومهر في علم الميقات، وكان ينظم نظماً وسطاً، سمعت منه ومدحني مراراً. وكان يعمل الألحان وينقل كثيراً منها إلى ما ينظمه، فإذا اشتهر وكثر العمل به تحول إلى غيره، وهو أحد مفاخر الديار المصرية ولم يخلف بعده مثله، ذكر لي أن مولده سنة ثمانين، وكان قد أسرع إليه الشيب والهرم، وخلف كتباً كثيرة تزيد على ألف مجلد، وخلف مالاً جزيلاً خفي غالبه على ورثته.
أركماس دويدار الأمير الكبير، وكان خدم دويدار عند بيبغا المظفري قبل أن يلي وظيفة الأمير الكبي، ثم خدم عند يشبك الأعرج الساقي بعد أن كان أميراً كبيراً، وكان حسن السياسة، عارفاً بالأمور، مشكور السيرة، قليل الشر، وولي نظر الأوقاف بعد موت - قطلوبغا حجي، ومات في المحرم.

(4/77)


برسباي السلطان الملك الأشرف، مات في عصر يوم السبت بعد أن أقام أكثر من عشرين يوماً ملقى على قفاه لا حراك به إلا في بعض الأحيان يحرك بده كالعابث أو ينطق بما لا يفهم، وصار يجرع السويق ونحوه بالمسعط، فلا ينزل إلى جوفه من ذلك إلا اليسير، وكان قبل ذلك قد أفرط به الإسهال حتى انحطت قوته، ثم عرض له الصرع فأقام في أول مرة زماناً طويلاً بحيث أرجف بموته ثم أفاق منه مختبلاً، ثم عاوده بعد سبعة أيام فازداد انحطاطاً، واستمر يعاوده حتى يئس منه كل من حوله من النساء والرجال والأطباء، وفي كل نوبة من الصرعة يرجف بموته ويتهيا الناس لذلك ثم يتحرك، وكان في غضون ذلك في أوائل ذي الحجة خرج وجلس على لسانه مع بعض الحاشية يأمرهم أن يحلفوا لولي العهد ولده يوسف الملك العزيز، قكان أول من حلف ممن حضر تمربائي الدويدار ثم إينال المشد ثم على باي الخازندار، ثم تواردوا على الإيمان لولي العهد ولنظام الملك فعرضوهم طبقة بعد طبقة إلى أن تعالى النهار جداً، ثم انصرفوا واصبحوا على ذلك فأرسل كل قاض نائباً من عنده حضر التحليف، والمباشر للتحليف القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي نائب كاتب السر، فاستوعبوا في يومين آخرين من بقي،

(4/78)


وكان من تأخر الأمراء عن الصلاة بالجامع ثم اجتماعهم وصلاتهم يوم الخميس الخامس من هذا الشهر وهم على حذر، ثم اجتمعوا لصلاة العيد، وخلع ولي العهد على الأمير الكبير جرت له عادة بالخلع، ثم اجتمعوا لصلاة الجمعة ثاني عشر الشهر وقد اطمأنت نفوسهم، فلما كان يوم الست الثالث عشر من ذي الحجة مات السلطان قبل العصر، فاجتمعوا بعد العصر بباب الستارة، وجلس ولي العهد وطلب القضاة والأمراء والجند، فاجتمعوا كلهم فعقدوا له البيعة بالسلطنة، ولقب الملك العزيز كما تقدم، ثم ألبس خلعة الخلافة وأركب الفرس ورفعت على رأسه القبة، ومشى الامير الكبير بالغاشية إلى أن دخل القصر الكبير فأجلس على الكرسي وجلس حوله الخليفة والقضاة، ثم وقف جميع الامراء وأهل الدولة من المباشرين وغيرهم، وقرأ كاتب السر عنوان التقليد، وادعى كاتب السر عند الشافعي عن السلطان إن الخليفة فوض إليه السلطنة على قاعدة والده وسأل الحكم بذلك فاستوفيت فيه شروط الحكم وحكم ونفذه القضاة، وركب السلطان إلى داخل الدور، وخرج الخليفة والقضاة والأمراء - والجند أجمعين إلى باب القلعة؛ وأخرج الأشرف في التابوت فوضع على المصطبة الكبرى، وتقدم الشافعي للصلاة عليه، فلما أكملوا الصلاة توجهوا به إلى تربته التي أنشأها بالصحراء فدفن بها قبل أن تغرب الشمس، ولم يتوجه معه من حاشيته إلا عدد يسير، وكثر ترحم العامة عليه، وبالغوا في سب الخازندار لما رواه في الجنازة ورموه بكل سوء، فبات بالتربة ورجع إلى القلعة فدخلها أول ما فتحت، وحضرنا الصبحة فوجدنا عدداً يسيراً من الجند وبعض الفقهاء، فلما ختم وانصرفنا اجتمع الأمراء ورؤساء الدولة عند السلطان وقرروا أمور من يسافر بخلع النواب بالبلاد، فلما كان يوم الاثنين النصف من الشهر شرعوا في تجهيز القصاد إلى البلاد لتحليف أمرائها والإذن للأمراء المجردين في الرجوع..،

(4/79)


وكان برسباي يخدم دقماق الذي مات أخيراً بحماة، ودقماق كان من مماليك الظاهر برقوق، فيقال إنه الذي أعتق برسباي، ثم صار برسباي من أتباع نوروز، ومن قبل ذلك كان مع جكم، ثم صار مع شيخ بعد قتل الناصر وحضر معه إلى مصر فولاه نيابة طرابلس، ثم غضب منه فاعتقله عند نائب دمشق، فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد استصحبه إلى القاهرة وقرره دويدارا كيرا فباشر، وسلطنته في ربيع الآخر سنة خمس وعشرون، وأكرم الصالح محمد بن ططر - وقرنه بولده فكانا يركبان جميعاً إلى أن ماتا بالطاعون سنة ثلاثين.
واتفق في أيام سلطنته من السعد في حركاته ما لا يوصف بحيث أنه لم يقم أحد إلا وقتل من غير أن يجهز له عسكراً أو يباشر له حرباً، وفتحت في أيامه قبرس وأسر ملكها - وقد سبق خبرها في الحوادث.
بلقيس بنت بدر الدين محمد بن شيخنا سراج الدين البلقيني، ماتت في ذي القعدة، وكانت لها شهرة تغني عن ذكرها، وهي لسان أهل بيتها، وسلكت أكثر من عشرين سنة طريق التصوف، ولبست الخرقة من جماعة وتسمت بالشيخة ووقع في ذلك أضحوكات - وبالله المستعان! وأظنها جاوزت الستين.

(4/80)


أبو بكر بن عبد الله بن أيوب بن أحمد، الملوي المصري الشاذلي الشيخ زين الدين، ولجده أيوب زاوية بملوي وكان معتقداً، واما هذا فولد سنة 762، وصحب الفقراء وتلمذ للشيخ حسن الحيار ثم لازم صاحبه صلاح الدين العلائي، وصار يتكلم على الناس بزاوية الحيار بقنظرة الموسكي ويفسر القرآن برأيه على قاعدة شيخه، فضبطوا عليه اشياء ورفع إلى القاضي جلال الدين فمنعه من الكلام إلا أن قرا من تفسير البغوي وشبهه واجتمع بي بسبب ذلك فوجدته حسن السمت إلا أنه عرى عن العلم، وكان فيما ذكر لي هو أنه رأي أن في قوله تعالى: كذبت قوم هود المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود، إن الضمير في قوله أخوهم للمرسلين، قلت: بل لعاد، قال: لا، لا يليق بالنبي أن يوصف بأنه أخو الكفرة، قلت: فقد قال في الآية الأخرى: واذكر أخا عاو، فسكت، وله نظائر لذلك إلا إنه كان كثير الذكر والعبادة، يتكسب في التجارة في الغزل، ولجماعة من الناس فيه اعتقاد كبير، مات في ليلة الجمعة الخامس من ذي الحجة، وكانت جنازته حافلة، وهو أخو شمس الدين رئيس الأذان بجامع ابن طولون الذي يقال له المسجل.
جاني بك الصوفي الظهري صاحب الحوادث والوقائع، مات في يوم الجمعة 15 ربيع الآخر، واختلف في قتله.
جاني بك السيفي أحد أمراء الطبلخاناة المعروف بالتور، مات بمكة في شعبان وكان ولي بندر جدة شاداً.
تمراز المؤيدي نائب صفد ثم غزة، مات محبوساً بسجن الإسكندرية في 23 جمادى الآخرة.
إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز، مات منفياً عن بلاده مذبوحاً ذبحه ابنه في 2 ذي الحجة.
أحمد بن قرطائي الشهابي سبط بكتمر الساقي، مات في الطاعون ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة، ومولده في شعبان سنة 786، وكان ناظماً حسن النظم حلو المحاضرة جيد المذاكرة شمساً جداً، ومن نظمه:
حتى العذر وافاه من بعدهجر بوصلي ... وقال صف لي عذارى فقلت ناحب علي
دولات جا الذي استقر في الحسبة وكان والي القاهرة، مات يوم الأحد ثاني ذي القعدة بالطاعون.
سودون بن عبد الرحمن نائب الشام ثم أتابك العساكر، مات بطالاً بثغر دمياط في يوم السبت العشرين من المحرم ولم يخلف مثله،

(4/81)


آق بردا البجاسي نائب غزة، مات في خامس المحرم -.
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر، الطرابلسي القاضي تاج الدين أبو محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين، ولي أبوه قضاء الحنفية وناب عن أخيه أمين الدين في الحكم، واستمر ينوب عمن ولي بعده إلا ابن العديم وولده فإنه لم ينب عنهما رعاية لأخيه، وولي إفتاء دار العدل، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره، وأقعد في أواخر عمره وحصلت له رعشة في بدنه ثم فلج فحجب، وأقام على ذلك نحو سنتين إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرم، وكان سمع ن ابن مناع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه ن عيسى المطعم، وسمع عنا على البرهان الشامي وغيره، وحدث قليلاً قبل موته، وكتب في الاستدعاآت.
عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد، الزنكلواني الشيخ عبد الملك الرجل الصالح، وكان يسكن بدار مجاور جامع عمرو بن العاص ويؤدب الأطفال ويكثر من تلاوة القرآن والصيام، ويذكر عنه مكاشفات كثيرى، ومات في ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى ولم يجاوز الستين فيما قيل، وهو ابن خال برهان الدين الزنكلوني أحد نواب الحكم، وفي ذلك اليوم.. بجوار مشهد الست زينب خارج باب النصر، وكان صالحاً وللناس فيه اعتقاد.

(4/82)


علي بن محمد بن عبد الرحمن، نور الدين الصهرجي، مات في شوال عن نحو السبعين، وهو من قدماء الطلبة الشافعية، وكان مشهوراً بالخير ويتكسب بالشهادة.
علي بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، البخاري العجمي علامة الوقت علاء الدين، مولده في سنة 779 ببلاد العجم، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلا عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن الشيخ سعد الدين التفتازاني وغيره، ورحل إلى الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلاء حتى برع في المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية وصار إمام عصره، وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكة فأقام بها، ودخل مصر فاستوطنها، وتصدر للإقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من مذهب وانتفعوا به علماً وجاهاً ومالاً، ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه، وكان ملازماً للإشغال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بذات الله مع ضعف كان يعتريه، وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان في الإقامة بمصر مراراً فلم يقبل، وسار إليها فأقام بها حتى مات في رمضان، ولم يخلف بعده مثله لما اشتمل عليه من العلم والورع والزهد والتحري في مأكله ومشربه وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره، ولما سافر السلطان إلى آمد ركب إليه وزاره أول ما دخل دمشق.
علي بن مفلح، الحنفي نور الدين ناظر المارستان ووكيل بيت المال، مات يوم الجمعة 22 ذي القعدة عن نحو السبعين، وكان عارفاً بصحبة الرؤساء كثير الخدمة لهم، كثير التودد لأصحابه والإعانة لهم، وفيه لبعض الطلبة خير وبر، وكان قد ولي مشيخة الجامع الجديد بمصر مدة.

(4/83)


علي بن موسى بن إبراهيم، الرومي الحنفي العلامة علاء الدين، تخرج بالشريف الجرجاني والتفتازاني إلى أن برع وتصدر للإقراء ودخل مصر، فاستقر في مشيخة الأشرفية الجديدة وجرت له مع علماء مصر مناظرات، وبالجملة فكان عالماً محققاً، عارفاً بالجدل، إماماً في المعقول، بارعاً في علوم كثيرة، إلا إن يستخف بكثير من علماء مصر، مات في يوم الأحد 20 من رمضان -.
علي بن موسى بن إبراهيم، الشيخ علاء الدين الرومي صاحب الوقائع المشهورة في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد الباهي، الشيخ تاج الدين النويري، نزيل مصر بالنخالين منها، وكان يخدم الشيخ زين الدين البوشي المجذوب، ثم انقطع في منزله وصار يظهر منه بعض الخوارق، وللناس فيه اعتقاد زائد، وأضر قبل موته بمدة، وصار مكانه من جميع جوانبه بنالا وهو مستمر فيه إلى أن مات في رمضان، وأظنه بلغ السبعين أو دونها.
محمد - ولد شهاب الدين البنهاوي التاجر، مات في ذي القعدة، واستولى المتحدث عليه على موجود أبيه، ولعله يزيد على عشرين ألف دينار، فقام اثنان فادعيا أنهما ولدا عمه عصبة، فصالحهما على شيء وصالح ناظر الخاص على شيء آخر، ومجموع ذلك لا يجيء قدر الثلث من الموجود، وكان المخبر بذلك من باشر عرض الموجود وبيعه وضبطه، ومع ذلك فلم يلتفت المذكور لذلك وركب طرف الإنكار، وإن الذي خصه هو الذي استولى عليه من غير زيادة.
محمد صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله كاتب السر بالديار المصرية -، مات بالطاعون، تمرض خمسة أيام، وولي أبوه في يوم الخميس وظيفته وهرع الناس للسلام عليه وباشر -، واتفق انحطاط السلطان في المرض إلى أن ثقل فيه وكان ما تقدم، وكان صلاح الدين أولاً يلقب غرس الدين واسمه خليل، ثم غيره أبوه في الدولة المؤيدية واستمر، ونشأ صلاح الدين - فهماً يقظاً فتعلم الخط المنسوب والحساب، وولي شاد المارستان والحجوبية في الدولة الناصرية فرج، وولي إمرة طبلخاناة في الدولة المؤيدية، وولي نديم الأشرف ثم كتابة السر عن أبيه وظائفه كلها كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة، وولي الأستادارية الكبرى مرتين في أيام ططر وأيام الأشرف ثم استعفى - وباشر عن أبيه في وظائفه كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة نيابة، وولي إمرة طبلخناة، ثم ولي الأستادارية بتقدمة ألف ثم استعفى، ثم نادم السلطان بعد ابن قاسم فولاه الحسبة ثم كتابة السر، فلم يقم بها إلا دون السنة، وكان كثير البشاشة وحلاوة اللسان وينسب إلى التزيد في القول - عفا الله تعالى عنه

(4/84)


مات في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة بالطاعون، ومولده في رمضان سنة تسعين وسبعمائة، وعاش إحدى وخمسين سنة رحمه الله -.
محمد بن الحسن بن محمد، الفاقوسي الرئيسي ناصر الدين كبير الموقعين بديوان الإنشاء، ولد في ليلة الجمعة خمس وعشرين صفر سنة سبعمائة وثلاث وستين - وكان قديم الهجرة، وباشر الوظائف الكبار، ووقع عن القضاة أولاً ثم في الدرج ثم في الدست، ثم ولي نظر الديوان الخاص بخاص السلطان وديوان المشاجرات والذخيرة السلطانية مدة، وعلت منزلته في الدولة الناصرية، ثم انحطت في الدولة المؤيدية ولكنه يتماسك، ثم انحطت في الدولة الأشرفية، وانقطع عن الخدمة في أواخر عمره، وكان رئيساً جليلاً، سمع الحديث الكثير وحدث بأخرة، وله حكايات في ضيق العطن مع سماحة نفس وصدقة، وكان ينظم نظماً وسطاً وكذلك إنشاءه، وخطه أجود من إنشائه، مات في يوم الثلاثاء سابع عشري شوال - رحمه الله تعالى.

(4/85)


وفيه مات للأمير الكبير ثلاثة أولاد: ذكر وانثيان، فدفن البنتين في يومه ودفن الصبي صبيحة هذا اليوم.
وفيه مات للقاضي الحنفي بنت أخرى.
محمد بن الخضر بن داود بن يعقوب بن يوسف بن أبي شديد، الحلبي شمس الدين ابن أخي الرئيس سليمان بن داود الأديب الشهير بابن المصري، ولد بحلب قبل السبعين، وأسمع على الكمال بن حبيب والظهير ابن العجمي وعمر بن أيدغمش وغيرهم ونشأ بها، وتكسب بالشهادة ثم بالتوقيع، وكانت له فضيلة ويرجع إلى ديانة، وقدم القاهرة بعد اللنك فأقام بها دهراً، وعمل التوقيع عند جمال الدين ثم في ديوان الإنشاء عند ناظر الجيش، ثم تحول إلى بيت المقدس واستقر شيخ المدرسة الباسطية به، ومات هناك وله نيف وسبعون سنة، وسمع مني وكتب في الإملاء ومن شرح البخاري، وقرأ على المقدمة، ومن كتابي في الصحابة، وأجاز لي في استدعاء أولادي، وطارحني بأبيات وهو في بيت المقدس فأجبته، وأنشدني لغزاً لغيره في المسك وسألني جوابه، ففعلت - والله يرحمه؟ واستقر بنوه في جهاته التي بالقاهرة.
محمد بن عمر بن محمد ناصر الدين الطبناوي - بفتح المهملة والموحدة وتخفيف النون - نسبة إلى طبنا من عمل سخا، ذكر لي أنه ولد سنة 753، وكان أبوه مذكوراً يقال له ركن الدين، فنشأ في محبة الفقراء وتقدم فيهم، وكان مطاعاً عند الأمراء والأكابر، وقد ذكرت قصته في الحوادث - في هدم الدير المعروف بالمغطس وأنه قام في ذلك سنة أربعين فاتفق من خذل السلطان عن - الأمر بهدمه بعد أن كان انطاع لذلك لكنه أمر بإغلاقه، ثم قدر أنه أذن بهدمه في هذه السنة، فبادر الشيخ وأعوانه إلى ذلك فهدم، وقدم الشيخ القاهرة مراراً وله أتباع، وهو على طريقة حسنة من العبادة والتوجه والرغبة في الخير، وكان اجتماعي الأخير به في أول ذي الحجة من هذه السنة، وذكروا أن والدته كانت من الصالحات ويؤثر عنها كرامات ولها شهرة في تلك البلاد.

(4/86)


محمد بن عمر، الميموني الشافعي الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين، ولد في حدود السبعين، واشتغل بالفقه، وكان أبوه نقيب الزاوية المعروفة بالخشابية ومات وهو صغير، وتنزل في الوظائف ثم ترك وسلك طريق الفقر وجلس في زاوية، ثم ترك ذلك وأكثر الحج وكان يديم التلاوة ووقعت له مع القاضي الحنفي كائنة ذكرت في حوادث سنة تسع وعشرين، ونجا منها بعد إن حكم بإراقة دمه، وعاش إلى هذه الغاية فمات بالقولنج بالمارستان.
محمد بن محمد بن محمد، الشيخ علاء الدين البخاري الحنفي، كان من أهل الدين والورع وله قبول عند الدولة، وأقام بمصر مدة طويلة، وتلمذ له جماعة، وكان يتقن فن المعاني والبيان ويذكر أنه أخذه عن الشيخ سعد الدين، ويقرر الفقه على المذهبين، وانتفعوا به كثيراً، ثم تحول إلى دمشق فاغتبطوا به، وكان كثير الامر بالمعروف، مات بدمشق - رحمه الله؟؟؟؟؟؟ وبلغني أنه قارب السبعين، قرأت بخط الشريف تاج الدين عبد الوهاب الدمشقي: مات شيخنا علاء الدين البخاري نزيل دمشق صبيحة يوم الخميس 23 رمضان سنة 841 بالمزة.
شمس الدين العماري - بفتح المهملة وتشديد الميم - أحد نواب الحكم الحنفي، وكان سار مع كاتب - الشام سودون من عبد الرحمن إماماً فناب في الحكم بالشام، ورجع بعد إن انفصل المذكور، ولم يكن بالمحمود عفا الله تعالى عنه.
يحيى بن سعد الله بن عبد الله، الكاتب المعروف بابن بنت الملكي شرف الدين صاحب ديوان الجيش، مات في ذي القعدة بالطاعون ولم يكمل الخمسين، واستقر أخوه عبد الغني في وظيفته مشاركاً لأولاده -.

(4/87)


سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة
شهر الله المحرم - أرخوه على عادة العدد يوم الأربعاء، ثم تبين أن أوله الثلاثاء بعد ستة أيام.
وفي يوم السبت خامسه استقر أينال الشاد دويدار عوض تمرباي، واستقر تمرباي من الأمراء المقدمين، واستقر بعد ذلك - على باي شادا عوضاً عن اينال، واستقر جكم خال السلطان خازندار عوضاً عن هلي باي، واستقر في وكالة بيت المال شهاب الدين ابن الشيخة شاهد القيمة، وعينت وظيفة نظر المارستان لولي الدين السنطي ثم لمحب الدين بن الأشقر ثم لسراج الدين العبادي فقيه الملك العزيز، ثم لم تتم لواحد منهما إلى أن، استقرت لابن الأشقر.
وفي يوم السبت خامسه استقر في ولاية القاهرة واحد من الخاصكية يقال له دمرداش، ثم استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في شهر ربيع الأول.
وفي يوم السبت الرابع عشر من المحرم استقر الشيخ سعد الدين شيخ المؤيدية في قضاء الحنفية عوضاً عن القاضي بدر الدين العيني بحكم عزله وركب الناس معه، ولم يركب معه أحد من الأمراء ولا من المباشرين إلا أن ناظر الجيش وكاتب السر وناظر الخاص والأستادار لحقوه بالمها مرتين ولم يسيروا معه بل وقفوا معه عند الأشرفية حتى قرب منهم ثم توجهوا أمامه فوقفوا عند الصالحية على العادة ودخل القضاة، وتوجه

(4/88)


ناظر الجيش ومن معه، ورجع المستقر إلى منزله، وهرع الناس للسلام على المنفصل، وحصل للمنفصل قهر عظيم لأنه لم يكن يظن أن ذلك يقع، ووقع في هذا اليوم لناظر الجيش إساءة من مملوك من مماليك السلطان ثم تكرر ذلك، وصار لا يركب إلا مع جماعة يحمونه من معرتهم - وانخرقت تلك الحرمة واتضعت تلك الكلمة وجرى بين جوهر الخازندار مع بعض الخاصكية كلام أغلظ له فيه، ونسبه إلى انه كان السبب في تلك المظالم، وانحطت منزلته جداً وعظم قدر جوهر الزمام، ولم يتأثر الخازندار لما قيل فيه ومشى على طريقته، وتسلط كثيرمن الجند على ناظر الجيش وكرروا الإساءة عليه بالقول والفعل والتهديد، وكلما رام تلك الصفة التي كان عليها في زمن الأشرف عورض - ولله الامر.
وفي أوله تصدى الأمير الكبير نظام المملكة للحكم بين الناس في كل يوم وبسط العدل، ولم يمنع أحداً طلب الشرع من التوجه حيث أراد من الحكام سواء كان نائباً أو مستقلاً، واستقر عنده شهاب الدين ابن العطار دويدار وكان عند تمرباي الدويدار، وهو مشكور السيرة كثير التودد والعقل.
وفيها خرج على الحاج عرب بلي فأخذوا نحواً من ألفي جمل كانت مع العرب من جهينة وغيرها، فمنها كثير من الحاج العزاوي والشامي ومعهم الكثير من بهار المصريين ومن أمتعتهم وهداياهم وذلك عند الوجه، فأخذوا الجمال ورموا ركابها وأخذوا نفائس ما معهم، فتوصل الكثير منهم حفاة عراة إلى بئر الأزلم فمات الكثير منهم هناك،

(4/89)


وسئل أمير الركب آقبغا التركماني أني قيم بالأزلم حتى بتكامل الذين سلموا من الموت، فامتنع ورحل من أول النهار فهلك الذين وصلوا بعدهم ولم يجدوا من يرفدهم ومات أكثرهم فكانت قصة شنيعة، وتوصل بعضهم إلى عيون القصب فركب البحر من جزيرة عينون ودخل الحاج أولاً فأولاً، فأول من وصل الترك الذين كانوا بمكة في العام الماضي ومعهم جمع كثير في الحادي والعشرين، ووصل قبلهم طائفة في السابع عشر تقدموا من المويلجة، ووصل جماعة تقدموا من نخل في الثاني والعشرين، ودخل الركب الأول في الثالث والعشرين والمحمل في الرابع والعشرين، وانطلقت ألسنتهم بذم أمير الركب وأنه كان السبب فيما صنع عرب بلي لكونه أرسل أحد الرئيسين مبشراً، وزنجر الآخر فغضب قومه وفعلوا ما فعلوا ولم يعاتب أمير الركب فضلاً أن يعاقب، ثم تبين أن العرب الذين حملوا البهار سلموا، ووصل معهم جمع كثير من الحجاج وذكروا أن بقيتهم ركبوا البحر وأنه لم يمت منهم إلا القليل.
وفيه استقر كل من عبد الرزاق الطرابلسي وسراج الدين العبادي إماماً للسلطان فصاروا خمسة، وكان عبد الرزاق إمامه قبل السلطنة.

(4/90)


وفيه توجه جماعة لتلقيد أمراء البلاد على ما كانوا عليه.
وفيه استقر فارس الخادم الرومي شيخ الخدام بالمدينة الشريفة عوضاً عن ولي الدين بن قاسم، وتوجه من جهة البحر إلى الينبع ليسير منها إلى المدينة.
وفي آخره وصل الخبر من العسكر المصري أنهم رجعوا من أرزنكان في أول يوم من المحرم، ووصلوا مدينة حلب في الخامس -، وجهزوا القاصد بأخبارهم وتوجههم إلى جهة حلب بعد - أن لم يبق في الجهة التي قصدوها أحداً عاصياً، وكل ذلك قبل أن يبلغهم خبر موت السلطان.
وفيه وثب نائب حلب - تغري برمش على ثقل بعض الأمراء المجردين فنهبه ورجع إلى جهة ملطية خارجاً عن الطاعة، ووصل الخبر من بقية الأمراء بذلك إلى القاهرة في الثالث من صفر، ثم تبين فساد النقل المذكور واستمرار المذكور على الطاعة.
صفر - أوله الخميس، نزل ناظر الجيش من القلعة فلاقاه جماعة من المماليك نحو العشرة، فأساءوا عليه بالسب ثم سل أحدهم الدبوس وقصد ليضربه، فلاقاه عنه الأستادار وهو مملوكه جاني بك، فاجتمع من المماليك آخرون وتكاثروا، فدكس فرس لجهة القلعة ونزل عنه ودخل الجامع فتفرقوا، ثم توجه إليه الوزير وغيره فأخذوه معهم إلى بيته فأقام به، وحصل بذلك من كسر حرمته ما حصل له به القهر العظيم ولكنه تدارك ذلك، وألبس خلعة صبيحة يوم الجمعة ونزل إلى بيته وهرع الناس للسلام عليه.

(4/91)


وفي ليلة الجمعة ثاني صفر أمطرت السماء مطراً غزيراً غير كثير فنزل البحر، وكان له من يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ما زاد شيئاً إنما ينادي بإصبع أو إصبعين تطميناً للناس فلم يناد يوم الجمعة بشيء، فلما كان بعد دخول الشهر زاد قليلاً، وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق للثالث عشر من مسري، فكان في صبيحته في العام الماضي قطع البحر واوفى وزاد من الذراع السابع عشر، وكان انتهاءه في مثل هذا اليوم من هذا العام إلى ثلاثة عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً، فالنقص بينهما ذراعان وربع ذراع، ثم من الله بوفاء النيل يوم الاثنين سادس عشري صفر، وقطع البحر في صبيحته على العادة، وكان في العام الماضي في هذا اليوم ثمانية عشر ذراعاً سواء.
وفي يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والامراء وغيرهم أن المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتة، وثم عليهم بعضهم فلبسوا السلاح وحذروا، وراسل الأتابك السلطان في ذلك والتمس أن يجهز إليه رؤوسهم وهم أربعة سماهم منهم جكم خال السلطان، فترددت الرسل في ذلك فلم يقع الإجابة، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومن حضر أنه باق على بيعته في طاعة السلطان ولكنه يلتمس من مماليك السلطان أن يقفوا عند اليمين التي حلفوها في حياة الأشرف أنهم يكونون بعده في طاعة ولده والأتابك نظام الملك، ثم أرسل السلطان إلى القضاة في يوم الجمعة، فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر، وتكرر ذلك فلم تقع الإجابة ونشبت الحرب بين الطائفتين، فعمد الأكابر إلى الأتابك فتحول معهم إلى بيت نوروز، ثم لما وقع التزامي دخل أولئك المدرسة الحسينية بالرملة وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورموا السهام، وحصروا المماليك بالإصطبل، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة في القناة التي تمد من النيل فقطعوها فباتوا في ضيق،

(4/92)


فأعاد السلطان المراسلة إلى أن حصلت الإجابة إلى ما طلبه الأتابك، وجهزوا له الأربعة فحبسهم، ونزع الطائفتان السلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك، فأحضر القضاة في يوم الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطان والأتابك على الأربعة وجهزهم للسلطان، وجهز أربعة أنفس كانوا رؤساء في مقابلة أولئك فخلع السلطان عليهم، واستمر الحال على ذلك إلى يوم الخميس، فصعدوا الجميع إلى خدمة السلطان وسكن الاتابك بالإصطبل، فلما اصبح يوم الجمعة اجتمع عدد من المماليك الجلب ونازعوا الاتابك في ذلك، وأنكروا سكناه الإصطبل ونسبوه إلى أنه يروم السلطنة فتنصل من ذلك، واتفق أنه لم يصل الجمعة مع السلطان من الطائفتين إلا النادر، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الاحد ولا الاثنين، فكثر تأذي العامة بالجلب فأمسك منهم اثنان وضربا وجرساً، فسكن شرهم قليلاً.
شهر ربيع الأول أوله السبت، في الرابع منه دخل يشبك الحاجب الكبير ضعيفاً في محفة فنزل في بيته أول النهار وهرع الناس للسلام عليه، فأقام أياماً يسيرة ثم تعافى.
وفي خامسه دخل سائر الأمراء فبادروا إلى الإصطبل، فخرج إليهم الأمير الكبير، فوقفوا جميعاً تحت القلعة، وتقدم الأمير الكبير فقبل الأرض والسلطان في القصر - يشاهدهم وقبل بقية الأمراء واحداً بعد واحد، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم، ونزلوا إلى بيوتهم وهرع الناس للسلام عليهم.
وفي يوم الخميس قبض على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم، منهم جانم أمير آخور، وجكم والثلاثة الذين كانوا قبضوا معه وعلى باي ويخشباي وأينال ومقدم المماليك ونائبه

(4/93)


وتاني بك الجقمقي نائب القلعة - وتمام ثمانية عشر نفساً منهم تاني بك الجقمقي نائب القلعة - وسفروهم إلى الإسكندرية، وأنزلوا صبيحة يوم السبت في القيود إلى شاطئ النيل، فأنزلوا في المراكب حيث أمر بهم إلى الإسكندرية -، استقر تمر باي نائب الإسكندرية وسافر على البر وتاني بك في نيابة القلعة كما كان أولاً، ووكل بالزمام وبالخازندار ثم أفرج عنهما.
وفي التاسع عشر منه جمع الخليفة والقضاة والأمراء فلما اجتمعوا بالقاعة داخل الأصطبل عند الأمير الكبير نظام الملك قال الأمير قرقماس للجماعة إن جماعة الأمراء اجتمع رأيهم على تقرير الأمير النظام في السلطنة لعجز لملك العزيز عن ترتيب المملكة ويترتب على ذلك الفساد الذي لا خفاء به، فأجابه الخليفة بأنني أعلم هذا وأشهدكم أنني خلعت الملك العزيز من السلطنة وصيرت الأمير الكبير جقمق في السلطنة، وبايعه في الحال وألبس الخلعة وصعد إلى القصر وجلس على الكرسي - وبايعه الأمراء، وحمل الأمير قرقماس القبة وخلع عليه على العادة، وقدم للخليفة الفرس والخلعة، ولبس - وركب ورجع إلى منزله، ثم صعد القضاة فسلموا على السلطان، وقررهم في وظائفهم وتوجه كل إلى بيته - فكان ما سنذكره.
وفي صبيحة يوم الأربعاء المذكور أمطرت السماء مطراً خفيفاً، وكان النيل بلغ تسعة عشر إصبعاً من تسعة عشر ذراعاً، فلما كان عند الثلث الأخير من ليلة السبت الثاني

(4/94)


والعشرين من ربيع الأول وهو السادس عشر من توت نقص يوم الجمعة - نقصاً فاحشاً، وأمطرت السماء برعد وبرق، وظهر النقص ظهرواً بيناً.
وفي يوم الخميس خلع على الدويدار الكبير على عادته، وكذا أينال الدويدار الثاني وهو الذي يباشر لعجز الكبير -، واستقر تغري بردى البكمشي في الحجوبية الكبرى وهو المعروف بالمؤذي، واستقر يشبك أمير سلاح بدل آقبغا التمرازي، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس بدل قرقماس، واستقر قرقماس أتابك العساكر، واستقر تمراز أمير آخور، واستقر بدله راس نوبة - قراقجا الحسني، وخلع على اجميع، ووكل بالزمام جوهر وسجن بالبرج، واستقر عوضه فيروز الذي كان ساقياً وغضب عليه الأشرف، ثم خلع على جوهر الخازندار على عادته وصعدت ليلة الجمعة مغل بنت البازري زوج السلطان وقد صارت خوند - من بيتهم بالخراطين إلى القلعة في محفة عند غروب الشمس وحولها المشاعل والشموع نحو من خمسين من الطواشية وجمع كثير على الحمير من النساء، واستقرت خوند الكبرى، وأسكن الملك العزيز بالقاعة البربرية، ووكل به نحو خمسين نفساً، فلما كان بعد أيام أفرج عنه واستقر داخل الدور وقرر له ما يكفيه، ثم أفرج عن جوهر الزمام ونزل إلى بيته وهو ضعيف، وشرع في بيع موجوده ليوفي مال المصادرة.

(4/95)


وفي ليلة الجمعة الاثمن والعشرين منه عمل المولد النبوي وحضر الامراء والأعيان والقراء على العادة.
وفيه ثقل سمع القاضي موفق الدين الناشري قاضي الأقضية بزبيد من بلاد اليمن وضعفت قوته، فقرر الظاهر صاحبها عوضه ولد - أخيه أبا المظفر محمد ابن الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن محمد الناشري، وهو الآن كبير البيت وعمه في الأحياء، وهو المشار إليه في الفقه، وقد قارب التسعين فإن مولده سنة 754.
شهر ربيع الآخر استهل بيوم الأحد، وفي يوم الثلاثاء خلع على القاضي محب الدين بن الأشقر الذي ولي كتابة السر بنظر المارستان عوضاً عن ابن مفلح بحكم وفاته.
وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمع من الجند وطلبوا زيادة في النفقة في جامكية الشهرية فلم يلتفت إليهم، فاجتمعوا إلى قرقماس فما زالوا به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الامراء إلا القليل، وعظم الأمراء والجند صعدوا إلى القلعة، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة من الفريقين، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته، ونودي لمن أحضره بأمرة

(4/96)


وخلعة، ورجع جماعة ممن كان معه إلى الطاعة قبل الهزيمة، وكان السلطان عزل والي الشرطة وولي علي بن الطبلاوي، فجمع له الزعر فبالغوا في القتال مع جمعة السلطان إلى أن تمت الهزيمة، وفرق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة رماها من أعلى المكان فتناهبوها وجدوا في القتال.
وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية، وتتبع جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفي بعض.
وفي التاسع منه قرئ تقليد السلطان بالقصر وجرى كلام يتعلق بالقضاة فقال الشافعي: عزلت نفسي، فقال له - السلطان: أعدتك، فقبل وخلع عليه وعلى رفقته، ورسم بإعادة الأوقاف التي خرجت عن الشافعي، وهي وقف قراقوش في ولاية العراقي ووقف تنبغا التركماني في ولاية البلقيني ووقف الأسرى في ولايته، فأعيدت بتوقيع جديد.
وفي السابع عشر منه استقر القاضي كمال الدين البارزي في كتابة السر بالقاهرة عوضاً عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، واستقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن القاضي كمال الدين. ثم ورد الخبر في أوائل جمادى الأولى أن

(4/97)


الباعوني امتنع من قبول الولاية، فقرر ص43 القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة، وسار القاصد بخلعته وتقليده.
وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه استقر تنم الذي كان خازندارا صغيراً في وظيفة الحسبة عوضاً عن نور الدين السويفي.

(4/98)


وفيه أمر السلطان القضاة بالتوجه إلى الكنيسة المعلقة والكنيسة المعروفة بشنودة وكشفتا، وهدم من المعلقة أشياء جددت ما بين شبابيك مخروطة وكتيبات مطعمة ودقيسيات، وألزموا بتكملة هدم البناء المجدد الزائد عما سبق لهم من حكم نائب الحنفي بترميمه.
وفيه ادعى على بطرك النصارى بأنه يتناول مال الموتى الحشرية من النصارى، فادعى أن معه مرسوماً من السلطان، فاستفتى السلطان القضاة، فاتفقوا على أنه من أموال بيت المال، فخلع على فتح الدين المحرقي بنظر سعيد السعداء والنظر على الترك الحشرية من أهل الذمة وشرع في استخلاص ذلك وبطلب ما سبق لاستعادته ممن تناوله ولحق النصارى من ذلك شدة شديدة.
وفيه نازل الإمام صاحب صعدة بعساكره صنعاء، فقاتل المتغلب عليها وهو سنقر التركي، وكان سنقر قد تحكم في البلاد بالشوكة وأقام هذا الإمام وزوجه بنتاً لعلي بن صلاح، فبلغ سنقراً أنه يريد القبض عليه وبادر هو فقبض عليه وسجنه، فتحيل إلى أن خلص من محبسه بصنعاء، وتوجه إلى صعدة فجمع العسكر ونازل سنقرا، فقوي عليه سنقر بمن أطاعه من أهل الشوكة، فانكسر الأمام وتحصن بقلعة يقال لها تلي، فلما بلغ ذلك زوجته استولت على صعدة وأطاعها أهلها، ثم كاتب سنقر الملك الظاهر صاحب زبيد يطلب منه عسكراً ليسلمه صنعاء ويكون هو أحد الأمراء، فبادر الظاهر لذلك وأرسل أميرين، فلما وصلا بمن معهما إلى دماء وبلغهما موت الظاهر رجعوا، وذلك في رجب.
جمادى الأولى - أوله الثلاثاء، حضرنا للتهنئة عند السلطان يوم الاثنين سلخ الشهر الماضي، فسأل السلطان أن يشهد على نفسه بما فوض لي من الولاية والأنظار وغيرها، فأشهد على نفسه بذلك بحضرة

(4/99)


القضاة، وشكوت إليه بعد ذلك ما انتزعه مني الملك الأشرف ووهب بعضه أو أكثره للقاضي علم الدين صالح بن البلقيني، فرسم بعقد مجلس بذلك - بحضرته، فتوسط ناظر الجيوش بيني وبينه إلى أن أعاد النصف وتركت له النصف.
وفي أوائله طلع الشيخ حسن العجمي لتهنئة السلطان بالشهر ومعه جماعة على العادة، فأمر بالقبض عليه وضرب بحضرته ضرباً مبرحاً وأمر بنفيه، ونودي عليه جزاء من يقتني كتب الكفر ويدور بها وشهر في البلد، وحبس محبس الجرائم، ثم ادعى عليه عند المالكي أنه وقع في حق الجناب الرفيع، فشهد عليه امام التربة الجديدة الاشرفية، فسجن لتكمل البينة، وقرر في زاويته شمس الدين الكافياجي، وتعجب الناس من كون الذي شهد عليه والذي أخذ مكانه منسوبين إلى الذي كان يقرره ويهديه.
وفي أول - العشر الأوسط منه ضرب كاتب من كتاب الوزير بسبب مال صار في جهته، فقدر أنه اصبح ميتاً بعد الضرب فاستغاث أهله، فأمر السلطان بإحضار المقدم، فضرب بحضرته بالمقارع وأرسله إلى القاضي المالكي، فعفا بعض أولياء الميت عن الدم وبقي حق ال فحبس بسبب ذلك.
وفيه قدم شخص من حلب بسبب الحروفية، ونجزت له مراسيم بالقيام عليهم - وقد نبهت على ذلك في حوادث سنة 821.
وفي الرابع والعشرين منه شكا حسين بن حسن الأميوطي نقيب ابن البلقيني، ونسب إليه أمور وكان الذي قام في أمره ولي الدين بن تقي الدين البلقيني وساعده ابن عم أبيه

(4/100)


قاسم وتبعهما جماعة، وكتب فيه محضر شهد عليه فيه بأمور معضلة بعضها يقتضي الزندقة والاستهزاء بالشريعة وأهلها وغير ذلك من ارتكاب كبائر من لواط وشرب خمر، فبلغه ذلك فاستجار بعبد الرحمن بن الكويز فسعى له، ثم قبض عليه بعض الأعوان وجمع من الشرط وذلك في أول الليل، ففر إلى بيت ابن الكويز، فأصبح القوم فرفعوا أمرهم ثانياً، فأمر السلطان الوالي ونقيب الجيش بالجد في طلبه، فلم يقدروا عليه واستمر في تواريه إلى أن كان في يوم الأربعاء - ثاني شعبان فشفع فيه الأمير تنم المحتسب والأمير دولات باي أمير آخور عند ناظر الجيش، فتكلم معي في سماع الدعوى عليه والحكم بحقن دمه فأجبتهم، فامن على نفسه وظهر ولم يقع له ولا عليه حكم إلى إن وقع من القبض على ناظر الجيش في أواخر السنة ما وقع، فتحرك حسن المذكور وساعده ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وجليس السلطان، فأوقفه للسلطان وادعى أن ولي الدين البلقيني تعصب عليه بجاهه وماله وأن الذين كتبوا في حقه رجع أكثرهم، وأظهر خطوط بعضهم بذلك، فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بالقضاة والعلماء ويفصل الأمر بينهم، فوقع ذلك في المحرم كما سياتي بيانه إن شاء الله تعالى.
جمادى الآخرة - أوله يوم الأربعاء بالرؤية.
في الثالث منه عزل السلطان ابن النقاش من الخطابة بجامع ابن طولون، وقر فيها برهان الدين ابن المليق، وذكر أنه كان يصلي خلفه أحياناً وهو أمير فلا يفصح في الخطبة ولا في القراءة في الصلاة.
وفيه حكم بهاء الدين الأخنائي بحضرة مستنبيه القاضي المالكي بقتل بخشباي الاشرفي حداً لكونه لعن أجداد حسام الدين بن حريز قاضي منفلوط بعد أن قال له: أنا شريف، جدي الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبق له أنه ادعى عليه عند بعض الشافعية بأنه شتم ناساً فيهم أشراف، وحكم ذلك النائب الشافعي بقبول توبته وحقن دمه، فلما ادعى الحسام بذلك عند المالكي طلب صورة الحكم السابقة وذكر أنها لا تمنع من سماع هذه الدعوى وفوضها لنائبه المذكور، فسمع البينة على الغائب وحكم وبقي له الحجة.

(4/101)


وفيه أشيع موت الشيخ عز الدين ابن - عبد السلام بن داود ابن عثمان المقدسي شيخ الصلاحية ببيت المقدس، فعين شهاب الدين أحمد ابن.. التبريزي الكوراني عوضه بشرط ثبوت موته، فلما كان بعد قليل حضر شرف الدين - يحيى بن العطار الذي كان استقر في مشيخة خانقاه ناظر الجيش عوضاً عن بهاء الدين ابن المصري إلى القاهرة فأخبر أن ضعف عز الدين لا يقتضي الموت وأنه فارقه في قيد الحياة.
وفي التاسع من جمادى الآخرة كان أول كيهك وهو أول الأربعينية عند المصريين فوقع فيه مطر يسير وكذلك في الليل، ثم أرعدت وأبرقت في يوم الجمعة ووقع المطر الغزير، وتواتر وانتفع به أصحاب الزرع انتفاعاً جيداً.
وفيه استقر في قضاء الشام القاضي تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة، وكان ناظر الجيش عين لوظيفة القضاء برهان الدين الباعوني وجهزت له الخلعة والتوقيع فجاء كتاب النائب يذكر أنه امتنع واصر على الامتناع فجهز توقيع المذكور.
وفيه حضرنا عند السلطان بسبب محاكمة فذكر أنه بلغه أن الشيخ زين الدين أبا هريرة ابن النقاش بني بيته الذي بجوار جدار - الجامع الطولوني من داخل السور الذي للجامع يغير حق وأنهم حكموا قديماً بهدمه، وكان السلطان أمر أولا أن يتوجه القضاة الأربعة إلى الجامع ويكشفوا حال البيت المذكور، فكشفوه وأعادوا له الجواب بأنه حكم على أولاده بسد الباب الذي فتحه في جدار

(4/102)


الجامع وكذلك المناور التي فوقه، فوجدوها قد سدت وبيضت، فقال في هذا اليوم ما ذكر فقلت له إن كان ثبت عند مولانا السلطان فليحكم بهدمه ونحن ننفذ حكمه فتوقف، فبلغ ذلك علم الدين صالح - البلقيني وكان وقع بين أخيه القاضي جلال الدين وبين ابن النقاش منازعة بسبب نظر وقف في مجلس الأمير الكبير فاستطال ابن النقاش على الجلال فغضب وقال: حكمت بفسقك وعزلتك من وظائفك لكونك بنيت بيتك في رحاب الجامع، فلم يلبث أن أعاده بعد ثلاثة أيام ولكن سطر ذلك المجلس وبقي عندهم، فتوجه البلقنيني إلى العيني واجتمعا بالسلطان وتنصحا له بذلك، فأصغى لهما وأعجبه، فلما كان عند التهنئة برجب أظهر لي - المحضر المذكور فعرفته أنه لا يفيد وكان تاريخه سنة خمس وثمانمائة فسكنا - إلى أن كان ما نذكره.
رجب الفرد الحرام - أوله الجمعة، ثم ثبت أنه رئي ليلة الخميس وأدير المحمل في النصف منه وكان حافلاً والجمع وافر.
وفي يوم الاثنين الخامس منه عقد مجلس بالقصر وادعى فيه نور الدين ابن آقبرص نائب الحكم بطريق الوكالة عن السلطان عند القاضي المالكي على منصوب عن قرقماس بحكم غيبته بالإسكندرية بالسجن بأنه بايع السلطان وحلف له ثم خرج عليه وشق العصا وشهر السلاح وقتل بسببه جماعة، فقامت البينة وحكم القاضي بموجب ما شهدت فيه، فسئل عن موجبه فقال: يجوز للسلطان قتله، فضبطوا عليه هذا الجواب وجهز بريدي إلى الإسكندرية بقتله بعد أن، يقرأ عليه المحضر ويعذر له، فقرئ عليه فاعترف بما شهدت به البينة فقتل

(4/103)


وكان قدم مع المجهزين إلى قرا يلك في سنة 32 البلاد الحلبية، ثم في النيابة سنة 37، ثم خرج في العسكر إلى دفع قرا يلك فأقام بالبيرة: ثم أرسل إليه حمزة بك بن علي بك بن دلغادر يطلب منه نجدة على عمه وهو بمرعش فوصل إليه في طائفة. فلما وصل إلى مرعش جاءه فياض بن ناصر الدين بك ومعه أميران من التركمان فجهز إلى القاهرة، ثم خرج بأمر السلطان إلى تسلم قيسارية من ناصر الدين بك بن دلغادر، ثم وصل الخبر بتأخير ذلك فرجع إلى حلب في رمضان سنة 38، ثم شاع ظهور جانبك الصوفي فجاء الأمر بتوجه قرقماس إلى مصر، فحضر واستقر أمير سلاح، واستقر أينال الجكمي في نيابة حلب بعده، وأطلق السلطان فياضاً وولاه إمرة مرعش، وكان قرقماس الشعباني من مماليك الناصر فرج، ثم تنقلت به الأحوال واستقر دويدار صغيراً في أوائل دولة الأشرف، ثم ولي إمرة مكة شريكاً لحسن بن عجلان، ثم عاد إلى القاهرة وولي الحجوبية الكبرى وباشرها بشهامة وصرامة، وكان مهيباً ويميل إلى الفقهاء ويجالسهم ويطالع كتب العلم، ثم ولي إمرة حلب بعد رجوع السلطان من آمد، ثم صرف عنها واستقر بالقاهرة أمير مجلس، ثم اتفق أن الأشرف مات وهو مع المجردين في البلاد الشمالية، فلما عادوا كان القائم في سلطنة الملك الظاهر جقمق - وخلع العزيز وحبس الأمراء الذين من جهته، ثم لم يلبث أن ثار الظاهر ومعه المماليك الأشرفية، فحاربه الأمراء الذين كانوا بدولة الظاهر، فانكسر وجرح جماعة وقتل جماعة، ثم احضروا في اليوم الثالث فأرسلوا إلى الإسكندرية - وكان ما تقدم.
وفي الرابع من رجب حضر الجماعة لقراءة البخاري بالقصر وحضر معهم السلطان، ثم انقطع وصار يحضر أحياناً وشرط عليهم عدم اللغط، واستقر برهان الدين إبراهيم بن عمر - بن حسن البقاعي قارئاً عوضاً عن نور الدين السويفي إمام الملك الأشرف، واستحسنوا قراءته وفصاحته.

(4/104)


شعبان المكرم - أوله السبت، في الثاني منه عقد مجلس بسبب بيت الشيخ أبي هريرة ابن النقاش المجاور لجامع ابن طولون، وأحضر ولداه وادعى عليهما ولي الدين السفطي بطريق الوكالة عن السلطان وعن الناظر، فأجاباه بأن والدهما استأجر المكان المذكور وحكم بالإجارة القاضي ولي الدين العراقي، وأظهرا بذلك مثبوتاً، فحضر المجلس المذكور ناصر الدين الشنشي نائب الحكم وذكروا عنه أنه كان في سنة 35 حكم بهدمه، فسئل عن ذلك فقال: الذي ثبت عندي أن الأرض المذكورة من رحاب الجامع وأنه لا يجوز فيها البناء، فسألته في المجلس: أنت تقدم لك حكم بعدم بناء ابن النقاش؟ قال: لا، فأعرض السلطان عنه وانفصل المجلس على أن القاضي المالكي ينظر في الإجارة ويعمل فيها ما يقتضيه مذهبه، فادعى عليهما السفطي صبيحة ذلك اليوم إن الإجارة التي بيدهما انقضت وأن الناظر يختار الهدم فحكم المالكي بهدم الدار المذكورة، وكان ابن النقاش وقف الدار المذكورة على صهريج بناه مجاورها، فحكم المالكي بطلان الوقف بانقضاء الإجارة ومكنهما من نقل الأنقاض وتملكها وتسوية الأرض، ثم توجه المالكي بأمر السلطان صبيحة اليوم لمذكور فحضر هدم الدار المذكورة، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس شعبان.
وفيه عصى تغري برمش التركماني - نائب حلب وأراد القبض على الأمراء بحلب وأن يملك القلعة، ففطنوا له فحاربوه، وأغلقوا القلعة، فحاصرهم فيها، وجاء الخبر بذلك إلى السلطان في الحادي عشر من رمضان، فأمر بتقليد نائب طرابلس النيابة بحلب، وأرسل إليه تقليده وخلعته مع هجان، وأمره بالمسير بالعسكر إلى حلب والقبض على تغري برمش، وكتب إلى الحاجب بحلب وكان قد فر من حلب إلى حماة بنيابة حماة، وأمر نائب حماة أن يتحول إلى نيابة طرابلس، واستشعر من نائب الشام اينال الجكمي العصيان -، فوافى كتابه في آخر اليوم

(4/105)


المذكور بما يدل على استمراره على الطاعة فاطمأن لذلك، ثم أظهر العصيان وكاتب النواب فما أطاعه أحد وواطا بعض أهل القلعة ورشاهم بجملة من المال، ففطن بهم نائب القلعة فقبض عليهم وقتلهم، وهرب واحد منهم فأعلمه، فاستغاث أهل القلعة بالعوام وسألوهم النصر، فانتحوا واجتمعوا ورجموا من يحاصر القلعة بالحجارة، وخربوا المكان الذي صعدة رماته ليرموا على القلعة منه، فهزموهم وهجموا على دار العدل، ففر النائب لا يلوي على شيء، ونهبوا ما وجدوا ولم يصل معه سوى مائة فارس، فخرج من باب أنطاكية ليس معه إلا ما هو لابسه، وأخذ له ولأتباعه من الأموال ما يفوق الوصف، وظهرت له ودائع كثيرة فاستخرجت، واستمر هو في ذهابه إلى أن وصل شيزر فنزل على علي بن صقل سر التركماني، فآواه وجمع له جمعاً وتوجهوا إلى طرابلس، وكان نائبها جلبان استشعر من تغري برمش أنه يشاققه فأخلى له طرابلس، وتوجه إلى الرملة، فدخل تغري برمش طرابلس وأخذ منها أموالاً وخيولاً. وتوجه قاصداً أينال الجكمي بدمشق فحاصروا حماة، وانضم إليهم جمع من التركمان مع علي يار وجمع من الأعزاب العزية، ثم أجمع رأيهم على الرجوع إلى حلب فنازلوها - وحاصروها في العشرين من شوال فاستعدوا للحصار، وجد تغري برمش ومن معه في حصار أهل حلب وجدوا هم في مدافعته وعاش من معه في القرى فانتهبوها، وفي غالب الأيام يستظهر أهل حلب ويقتلوا من عدوهم - جماعة، ثم حاصر المدينة من جهة الميدان سواء ولكن خربت أماكن وأحرقت بانقوسا، فلم يزالوا كذلك إلى أن خرج أهل حلب فصدقوا الحملة فانهزموا واستمروا إلى جهة الشمال فنزلوا مرج دابق،

(4/106)


وكان قد استولى على عينتاب وأسكن بها جماعة من مماليكه وأتباعه، وبلغ أهلها هزيمته من الحلبيين فوثبوا على من عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة وأخرجوهم، فلم يفجأهم إلا الخبر بانهزام اينال الجكمي ومن معه فاجتمعوا على حماة، فلما اصبحوا يقتتلوا انجفل العرب والتركمان - ورحلوا واستمر تغري برمش ومن معه، فلما تراءى الجمعان انهزم تغري برمش ومن معه فاحتووا على وطاقهم ونهبوا أثقالهم -، واستمرت هزيمتهم إلى صهيون ثم إلى الشغر ولم يبق معهم سوى مائتي نفر أو أقل ثم استمروا إلى أنطاكية، فاجتمع عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسهام وهجموا عليهم فأسروهم، وصادف ذلك - وصول الخبر إلى العسكر السلطاني وهم على خان طوغان خارج حلب، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطج فقيدهم، واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة، وكاتبوا السلطان في العشر الأخير من ذي القعدة - فوصل الخبر، يأمر بقتلهم، فقتلوا تغري برمش وابن صقل اشر في سابع عشر ذي الحجة، ثم ظهر لتغري برمش مال آخر غير ما كان أخذ له لما هرب أولاً، فقيل إن جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار؛ وكان اصل تغرب برمش وأقاربه - من أولاد التركمان ببهنسا، وكان أبوه من الأجناد يقال له أحمد بن - المصري فولد له حسن خجا وحسين بك، فلما وقعت المحنة - العظمى باللنكية مات أبوهم، وفر حسين فدخل حلب وهو مراهق، وحين بلوغه فاستخدمه بعض الأمراء ثم انتقل بعده إلى الأمير طوخ وكان يسمي نفسه لما تقرر في الخدمة تغري برمش، فلما قتل طوخ في وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغري برمش بخدمة جقمق الدويدار واستمر عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة، ثم كان في خدمته لما ولي نيابة دمشق فكان دويدار عنده، فلما أمسك جقمق الأمير برسباي الذي ولي بعد ذلك السلطنة قام تغري برمش بأمره وخدمه وهو في الاعتقال وواصله بالبر وكثرة الخدمة والإحسان - فرعى له ذلك ولما صار سلطاناً استدعى به من الشام فأمره ثم نقله فصار أمير آخور كبيراً، وكان جرده إلى حلب في سنة 32
ثم قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان،

(4/107)


ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة. قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة.
وفيه جاء الخبر بقتل بن جنقر التركماني، وكان فاتكاً يقطع الطرقات بين دمشق وحلب، وفرح الناس بذلك.
وفيه فتك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جماعة من جنده، وأسرع في سفك دمائهم وجرى في أمر التجار والباعة في البلاد التي تحت نظره على سيرة الجور والظلم الفاحش من فتح المصادرة ونحو ذلك.
وتراءى الناس الهلال ليلة الأحد وكانت بالعدد الثلاثين من شعبان فلم يروه، فلما كان بعد صلاة - العشاء بنحو ثلث ساعة حضر كتاب من نائب الحكم وهو المحب البكري أنه ثبت عنده فنودي بالصيام، وصل كتاب - نائب الحكم من بلبيس في أول النهار بمثل ذلك، وفي أثناء النهار من نائب الحكم بمنوف العليا كذلك، وكثر بعد ذلك من يخبر برؤيته ويعتذر. وحضر السلطان سماع الحديث في أول يوم في شهر رمضان.

(4/108)


وفيه صرف معين الدين بن شرف الدين موقع الدست ونائب كاتب السر عن كتابة السر بحلب وأذن له في الرجوع إلى القاهرة، واستقر فيها زين الدين عمر بن السفاح نقلاً من نظر الجيش، واستقر في نظر الجيش سراج الدين عمر الحمصي الذي كان ولي القضاء بدمشق في أيام الأشرف بعد طرابلس، وكان أولا ينوب في الحكم بأسيوط من الصعيد وسيرته مشهورة غير مشكورة ثم صرف عن ذلك.
وفي العشر الأول من رمضان - عصى نائب الشام أينال الجكمي وقبض على الحاجب الكبير بدمشق وحصر القلعة بمن فيها وأظهر الإنكار على السلطان في قتله قرقماس القتلة الشنيعة، وكان قبل ذلك وصل إليه كتاب من تغري برمش انه عصى هجم على الحاجب ليقبضه ففر منه إلى حماة فحصر القلعة ورام الاستيلاء عليها، فأظهر نائب الشام الإنكار على تغري برمش - نائب حلب حين قرأ كتابه وعابه - وجهز كتابه إلى السلطان مكراً منه و - خداعاً، فلما حضر عنده الأمراء ليشاورهم على التوجه إلى حلب لقبض على النائب بها ظنوا ذلك على ظاهره فحضروا بغير أهبة منه ومحاربته - فقبض عليهم وسجنهم -، وبلغ ذلك - نائب القلعة فعصى عليهم، وكان - لما قبض على الأمراء أطلق من وافقه على مراده وجلفه وسجن من امتنع عن قصده وخالفه -، وكل ذلك في العشر الأول من شهر - رمضان، ثم جمع من أموال الأمراء - المقبوض عليهم جملة مستكثرة -، وقبض على جماعة من التجار الأكابر وأخذ منهم أموالاً اقترضها، وشرع في استخدام العساكر، وفر منه يونس أحد الأمراء وتشاوروا في القاهرة في أمر النيابة - فاقتضت الآراء لجهة الأمير الكبير - كما سيأتي ذكره.

(4/109)


وفي يوم الاثنين ثالث عشري رمضان استقر الأمير الكبير آقبغا التمرازي في نيابة الشام وخلع عليه بالقصر، وعين جماعة من الأمراء والجند للمسير إلى قتال نائب الشام كان أينال الجكمي الخارج عن الطاعة -، ثم وصل الخبر بأن الذي كان في طرابلس تركها لما وصل تغري برمش نائب حلب إليها، وجاء فيمن أطاعه إلى الرملة فكاتبه السلطان يستحثه على الوصول بالعساكر لتمهيد البلاد الشامية.
وفي ليلة الاثنين من شهر رمضان تراءى الأنس الهلال على العادة وحضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية فلم يروا شيئاً وأصبحوا صائمين، فشاع أن العزيز يوسف ابن برسباي - هرب من قاعة محبسه من القلعة وهرب معه الطواشي الذي كان يخدمه والجارية، وقلق السلطان بسبب ذلك واتهم به جماعة من مماليك أبيه، فبلغ ذلك اينال الأشرفي - فخشي على نفسه فوزع قماشه وتسحب بالليل وبات جماعة من الأمراء ملتبسين بالرميلة، وشاع أن الفتنة تقع يوم العيد، فصلى السلطان العيد بالقصر الكبير، وحضر الأمراء كلهم فصلى بعضهم بالجامع وبعضهم بالقصر، وخطبت بهم بعد الصلاة على منبر لطيف -، وخلع على من له من عادة من الأمراء والقضاة وانصرفوا إلى منازلهم.
شوال أوله الثلاثاء، في يوم السبت خامسه استعفى أركماس الظاهري الدويدار الكبيرمن الخدمة وكرر ذلك، فأعفاه السلطان فطرد الشرطة من بابه وخرج أقطاعه.
فلما كان في يوم الخميس

(4/110)


عاشره استقر تغري بردى الحاجب في وظيفته، وأمر اسنبغا الطياري الدويدار الثاني تقدمة، وقرر في وظيفته رأس نوبة كبيراً، وأخرج تمراز من وظيفة الأمير آخور - من الإصطبل على إمرته، وقرر شاهين في وظيفة دولات باي، وقرر سيدي محمد ولد السلطان في إمرة قراجا بعد القبض على قراجا وحبسه بالإسكندرية، وخرج الأمراء إلى الريدانية وهم الأمير الكبير نائب الشام آقبغا التمرازي وقرا قجا الحسني وتمربائي الظاهري ومن انضم إليهم من الجند، وبقيت وظيفة الأمير الكبير شاغرة ثم عينت ليشبك أمير سلاح، وجاء الخبر بأن الأمراء بالشام تسحبوا من الشام هرباً من النائب ووصلوا إلى الرملة وكاتبوا بذلك واستحثوا على حضور العساكر إليهم، وكان السبب في ذلك أنهم ندموا على طواعية نائب الشام فاجتمعوا وحاربوه وحاربهم فكسرهم، وفر أينال الششماي إلى القلعة فتحصن بها، وخرج الباقون إلى الرملة، واغتنم بهاء الدين ابن حجي كاتب السر إذ ذاك الفصة فخرج من دمشق مسرعاً على الخيل إلى صفد ثم إلى الرملة، ثم قدم القاهرة في اليوم العشرين من شوال.
وفي هذا اليوم وصل طوغان وكان قد توجه إلى الصعيد لإفساد الجند الاشرفية على السلطان، فأعلمهم بأن الملك العزيز خلص وأن الجند اجتمعوا عليه، ووصلت إليهم كتب نائب الشام بأنه واصل، وأطمعهم بأنهم إذا توجهوا إلى القاهرة لوافي نائب الشام بعساكره وينضم إليهم بقيتهم المقيمين بالقاهرة فأصغوا إلى ذلك، ثم ظهر لهم خلاف ذلك وأن العزيز هرب ولم يعرف له مكان فرجعوا عما هموا به، وقبض يشبك على طوغان المذكور وجهزه في مركب مقيداً، فوصل إلى القلعة في هذا اليوم،

(4/111)


وكان السلطان قبل ذلك قبض على قانباي اليوسفي لأنه قيل له إنه صديق طوغان، فضربه فلم يقر بكبير أمر فسجنه حتى وصل طوغان، فعصرا جميعاً فأقرأ بالواقعة، وأن قانباي كان رأساً في هذه الفتنة، وأنه هو الذي أطمع السلطان العزيز وأعلمه بخبر النواب، وانه لم يصل القاهرة حتى اتفقوا الجميع على العصيان، وذكر طوغان أنه فارق العزيز بنواحي الشهداء بغلس، ثم ظهر كذبه وأنه أقام بمشهد ذي النون ثلاثة أيام وبمصر في قاعة بين المطابخ بنواحي سوق شنودة سبعة عشر يوما، فلما بلغه خبر إمساك طوغان وإحضاره خرج.
وفي يوم الثلاثاء عشريه رحل الركب الأول من بركة الجب.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر منه - رحل الركب مع أمير المحمل تنبك أحد الأمراء المقدمين وقد استقر في الحجوبية الكبرى قبل سفره، وكان الحاج كثيراً جداً حتى كانوا خمسة، ركوب الأول والمحمل والتكادرة والمغاربة والينابعة.
وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال لبس السلطان الأبيض ووافق نصف برمودة من أشهر القبط فسبق العادة قبل شهر، واستمر البرد في أول النهار بقوة وابتدأ الموت بالطاعون، وفي هذا اليوم قبض على أينال الجكمي نائب الشام وأصعد إلى القلعة بدمشق مقيدا، وكان السبب في ذلك أن نائب الشام آقبغا التمرازي رحل من غزة في النصف

(4/112)


من شوال، ثم تلاحق به الأمراء واجتمعوا جميعاً يوم الأربعاء ثالث عشري شوال بالخربة، واجتمعوا بالنواب الذي كانوا مقيمين بالرملة وتقدم نائب الشام ومن معه من النواب، وتأخر بقية الأمراء ومن معهم من المماليك السلطانية، ولم يكن بينهم إلا قدر ميلين فالتقوا بأينال الجكمي ومن معه، فحمل عليهم أينال الجكمي - بمن معه فقتل صرغتمش دوادار جلبان ووقع طوخ نائب غزة عن فرسه وقتل جماعة، وتمت عليه الكسرة حتى وقع سنجق نائب الشام وكان قاصداً نائب الشام وصل إلى الأمراء والمماليك السلطانية قبل أن يلحقوا به، فصادف لحوقهم به ما وقع لمن كان معه من الهزيمة، فرجع بهم وحمل على أينال ومن معه - فألقوا كثيراً من الجند الذي كانوا مع أينال الجكمي - وقبضوا على ولد قانصوه النوروزي وكان من الشجعان المشهورة، وانهزم أينال الجكمي وتمزق جمعه ونزل العسكر كله في شقحب، واتفق أن جانبك دويدار برسباي الحاجب أدرك أينال الجكمي وهو منهزم وقد أصابته في بدنه عدة جراحات وضعف من كثرة ما سال منه من الدم، فالتجأ إلى ضيعة فنزل في بستان منها، فهجم عليه فقبض عليه واركبه فرسه وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه وساقه إلى أن أدخله قلعة دمشق، ورجع إلى العسكر وهم نزول بشقحب يوم الخميس فاعلمهم الخبر، ففرحوا واطمأنوا - فطلبوا ودخلوا الشام يوم الجمعة خامس عشري شوال في أبهة عظيمة. وجهزوا المبشر إلى السلطان بالخبر.
قرأت هذا الفصل من كتاب بعض المماليك السلطانية إلى بعض أصدقائه: ووسط طوغان بعد أن ضرب ضرباً مبرحاً - فاقر أن اركماس الدويدار الكبير كان معهم وقانباي اليوسفي وخرمان، فضرب قانباي وخرمان ضرباً مبرحاً. وذكر لي ولي الدين السفطي أن السلطان أرسله إلى ابن الديري يستفتيه في أمر طوغان وما ظهر منه من الفساد، فأفتى بجواز قتله وأرسل له معه النقل في عدة مواضع، فأمر بتوسيطه لذلك؛ ثم اشتد الخطب على كثير من الناس ممن اتهم بإخفاء الملك العزيز فكبست بيوتهم ونهب بعضها، وكان منهم ناظر الدولة أمين الدين بن الهيصم، فلما كان في ليلة الأحد

(4/113)


السادس والعشرين من شوال ظفر بالملك العزيز ومعه جندي وأخذا ماشيين قاصدين مكاناً يأويان فيه من شدة ما وقع من الطلب وذلك بين العشاءين، فأحضرا إلى الإصطبل وطلع بهما ولد السلطان إليه، فأكرمه وبيته عنده، وهرع الناس لتهنئة السلطان بالظفر به.
ثم تبين أن العزيز كان أوى إلى شخص من مماليك أبيه فعمل عليه الحيلة حتى أطلعه للسلطان ليحظى بذلك عنده.
وفي السابع والعشرين من شوال أحضر أينال الأشرفي -.
فقيد وأرسل إلى السجن بالإسكندرية، وتوجه شهاب الدين أحمد - ابن العطار إلى الإسكندرية بسبب ما يتعلق بالبهار السلطاني وبيعه -.
وفي سلخ شوال ورد الخبر بقتل أينال الجرود نائب صفد في معركة وقعت لنائب الشام أينال الجكمي -، ثم ظهر أن ذلك كذب من بعض الاشرفية، وتحقق أن الجكمي خرج عن دمشق وأن العساكر الظاهرية رحلوا بأمر السلطان من الرملة في النصف من شوال قاصدين نائب الشام، وترك الشام وعصى نحو تدمر -.
واستهل شهر ذي القعدة يوم الخميس وتحدث الناس برؤيته ليلة الأربعاء، واستقر جوهر الخازندار زماماً عوض فيروز

(4/114)


الساقي -، وفي أول يوم منه استقر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام مضافاً لكتابة السر ولبس الخلعة بذلك، وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور.
وفي الثاني منه صلى في الجامع الحاكمي على ثلاثة أنفس ماتوا بالطاعون -.
وفي الثامن منه طلب القاضي بهاء الدين بن القاضي عز الدين عبد العزيز بن مظفر البلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جارية أفسدها عبده فغابت عن سيدتها قدر سبعة أيام ثم وجدتها سيدتها فتسلمتها بشاهدين منه ثم هرب العبد، فاتهم بهاء الدين بسيدة الجارية، فاتصل الأمر بالدويدار الصغير فطلبه ليوفق بينهما، فتعاظم فأوصل الأمر بالسلطان ونسب المذكور إلى أمور معضلة وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة إلى غير ذلك من القبائح، فلما وصل أمر بتجريده وضربه بالمقارع، فجرد - فشفع فيه ناظر الجيش فبطح وضرب نحواً من مائة عصا وسلم للدويدار الكبير، وأمر أن يصادره على مال، فتسلمه إلى نزله وأهانه واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار، ثم شفع فيه إلى أن انحطت إلى ألف واحدة وأنعم بها على الدويدار، وكان مما أهين به أن أركب حماراً وفي عنقه باشه وخنزير - وهو مكبوب على وجهه إلى الدويدار وكانت كائنة شنيعة وكثرت القالة فيه مع ذلك، وبلغني أنه مع هذه الشدة في بأو عظيم ورقاعة مفرطة وأصر على عدم الإعطاء وكرر تهديده، فلما طال عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار، فبذلها وبذل معها أشياء أخر وخلص بعد سبعة أيام وعزل من نيابة الحكم، وكنت كلمت السلطان في أمره بعد صلاة الجمعة فقال: والله لولا أنت لكنت حرقته بالنار لما صنع وكأنهم قرروا عنده أنه كان

(4/115)


هو المفسد للجارية - والله يأخذ بحق من افترى عليه ورماه بهذا البلاء حتى تمت عليه هذه المحنة، وبلغني أن قريبه لم ينفعه في هذه الكائنة بشئ - ولا قوة إلا بالله.
وفي التاسع منه وصلت بطاقة بالوقعة بين إينال الجكمي والعسكر المصري وأنه انهزم، وهرع الناس لتهنئة السلطان بذلك - وقد شرحتها قبل في حوادث الشهر الماضي - وحصل عند المتعصبين للأشرفية قلق كبير وهم عظيم بهذه الكائنة.
وفي السابع عشر من ذي القعدة كانت الوقعة يوم الجمعة بين تغرى برمش الذي كان نائب حلب وبين العسكر المصري. وكانوا بعد أن أمسكوا إينال الجكمي توجهوا إلى حماة وبها نائب حماة وقد جمع بها جمعاً جما، فكانت الكسرة عليهم ونهب هو ومن معه، وفر هو إلى أن التجأ بقلعة شيزر، ووصل الخبر بذلك في الخامس والعشرين منه يوم السبت.
وفي العشرين من ذي القعدة وهو التاسع من بشنس من أشهر القبط والرابع من أيار من أشهر الروم فشا الموت بالطاعون بالقاهرة بعد أن كان فشا في قرى مصر البحرية وكثر بالإسكندرية وتروجة والبحيرة والغربية ومنوف - العليا - والمحلة وعدة قرى، ووصل في اليوم بالقاهرة إلى ثلاثين، - ثم وصل في العشرين من ذي القعدة في اليوم إلى الخمسين ثم إلى الستين -، ثم تناقص إلى الأربعين - والثلاثين والعشرين - فما دونها ثم رجع إليها، وأكثره في الرقيق والأطفال ثم تناقص إلى العشرين في أول ذي الحجة.

(4/116)


وفي السابع والعشرين من ذي القعدة وصلت رأس أينال الجكمي - نائب الشام - وطيف بها على رمح، واتفق قبل هذا بيسير أن ذكرنا وقعة بين العسكر المصري وتغرى برمش نائب حلب ومن انضم معه بالقرب من حماة، فانكسر النائب وهرب إلى الجبل الأقرع، فظفر به بعض التركمان - فكبسه - وأسره هو ومن معه ووصل الخبر بذلك في أول يوم من ذي الحجة يوم الجمعة، وفرح الناس بذلك لحصول الأمن ورفع الحرب والطمأنينة في الطرقات، - وتوجه العسكر المصري لتمهيد أمور البلاد الشامية، وكان من أمره أنه في شهر رمضان حاصر القلعة وأظهر العصيان لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر وبها قانباي البهلوان وبرسباي الحاجب وفارس نائب القلعة واختلف عليهم التركمان، ثم استشعر نائب القلعة بأن أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان فقبض عليهم وقتل بعضهم واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب في الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوام من جيرانهم، فاجتمعوا ورجموا المقاتلة بالحجارة، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وساعدوا فانكسر جماعة النائب، وبلغه الخبر فركب جريدة وخرج من البلد ولم يصحبه أحد بفرش ولا فرس ولا خيمة وليس معه سوى ثياب بدنه.
وقرأت كتاباً كتبه إلى القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية من حلب يذكر فيه قصة تغرى برمش نائب حلب ملخصه أنه أظهر العصيان في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها، فامتنع عليه نائبها فألح عليهم بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، فركب أهل حلب عليه ونزل الأمير حطيط نائب القلعة ومن معه وساعدهم من بالبلد من الجند والعامة، فوقع بينهم قتال شديد ساعة من نهار أفضى فيه الأمر إلى خذلان تغرى برمش، فخرج من حلب على جرائد الخيل في نحو مائة فارس، واستمر في هزيمته حتى دخل شيزر فنزل على طور على ابن صقيل سر فجمع جمعاً من التركمان والعرب وسار إلى طرابلس ففر منه نائبها، ودخلها هو فأقام بها أياماً واستخرج من أهلها مالاً كثيراً، ثم رجع ومعه ابن صقل سز وعلي يار التركماني وأمير العرب، ونزل بالميدان ظاهر حلب وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف وكاتب أهل حلب بالدخول معه، فأعلنوا بمخالفته وقفلوا دونه الأبواب وصمموا على طاعة الملك الظاهر، فحاصرهم واستحضر

(4/117)


آلات الحصار من مكاحل وسلالم وغيرها، واشتد الخطب يوم الثلاثاء ثاني عشرى شوال، فحصل من جماعته من الفساد ما لا يعبر عنه، فأحرقوا الزروع وأخربوا القرى من شيزر إلى حلب، ونودي بقتاله ونشبت بينهم الحرب فقتل من الطائفتين جماعة، وفي جميع ذلك كانوا مستظهرين عليه، واستمر على ذلك إلى يوم الأحد رابع ذي القعدة، فرحل عن حلب بعد أن أيس من الظفر بها، وخرج أهلها في أثره فنهبوا آلات الحصار، وسار هو إلى أن نزل مرج دابق، فأقام به إلى يوم الجمعة تاسع ذي القعدة وعاد إلى ناحية حلب فرمى شرفها يوم السبت ولم يقاتل ونزل من الجهة القبلية، ثم بلغه طروق العسكر المصري فرحل يوم الأحد إلى ناحية حماة، فالتقى العسكران بقرب الرفاعي، فلم يلبث أن انكسر هو وابن صقل سز ففر إلى الجهة الغربية، وانهزمت العرب إلى الجهة الشرقية، وذلك في السادس عشر من ذي القعدة، ثم توجه إلى جهة بالس واستمر إلى الشغر ثم إلى الجبل الأقرع فنزل على ابن حنوص التركماني وكان معه، فأضافه ثم باطن عليه الفلاحين بتلك النواحي وأمسكوه وأمسكوا معه طور غلى وجماعة فوصلوا إلى حلب وأدخل طور على جمل، وذلك في يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة، فأودع هو وتغرى برمش بالقلعة - انتهى ملخصا -.
وقرأت بخطه أيضاً أن النائب المذكور في هذه الكائنة ظهر منه من سوء الطوية ما لا يعبر عنه، وأنه ومن معه أفسدوا من الزروع ودورهم شيئاً كثيراً بالتحريق وغيره بحيث أنه أفحش في غالب ما حولها من القرى وأنه لما كسر الكسرة الأخيرة غنم العسكر المصري من المواشي ما لا يدخل تحت الحصر بحيث بيع الجمل بثلاثين درهماً والشاة بخمسة دراهم.
وفيه أن المذكور لما نزل الجبل الأقرع بات ليله وتوجه بكرة الأحد تاسع عشر ذي القعدة قاصداً أنطاكية فوصل إلى دربند هناك، فاجتمع عليه وعلى من معه جماعة من

(4/118)


الفلاحين فقاتلوهم فأمسكوا عليهم المضايق إلى أن قبضوا عليهم فسلبوا جميع من معه وتركوهم، وأما النائب وطور غلى بن صقل سز فإنهم راسلوا أهل حلب، فبادر قطبح الأمير الكبير بحلب والحاجب ونائب حماة فتسلموهما من الذين أسروهما ورحلوا إلى حلب فوصلوا في ثالث عشر ذي القعدة، فسجن إلى أن وصل الأمر من السلطان بقتلهما، فضربت عنق تغرى برمش بحضرة نائب القلعة ووسط طور غلى تحت القلعة وذلك في السابع عشر من ذي الحجة.
ومن خطه أن الخطبة بحلب استمرت في طول هذه الفتنة باسم الملك الظاهر.
شهر ذي الحجة - الحرام أوله الجمعة - في أوائل هذا الشهر شكا القاضي علم الدين - صالح - البلقيني إلى السلطان أن الملك الأشرف كان قد أنعم عليه بألفي دينار، وأنه بعد موت الأشرف استعيد منه أحد الألفين فأنعم عليه بإعادتهما له فلما قضهما استأذنه أن يحضر عنده في كل أسبوع يوم الأحد ويعمل بحضرته ميعاداً فأذن له، فعمل في السابع عشر منه ميعاداً على طريقته في مدرسة والده فلم يعجبه، فلما حضر في الأحد الذي يليه منع من ذلك فرجع خائباً، وكان في أثناء ذلك قد أظهر زهواً عظيماً وهرع إليه ناس ممن يؤثر ولايته وظنوا أن الإذن في ذلك يوصله إلى الغرض، فانحزم ما أملوه وبطل - ولله الأمر -.
وفي صبيحة يوم الخميس ثامن عشرى ذي الحجة قبض على ناظر الجيش عبد الباسط ابن خليل بن يعقوب الشامي، وكان قد عظم قدره في دولة الأشرف جداً بحيث صار هو مدبر المملكة، ثم لما مات الأشرف قام في سلطنة ولده، ثم صار بعض الخاصكية يذمه وقاموا عليه مراراً ليؤذوه وهو ينتصف منهم إلى أن تغيرت الدولة، ثم حظى عند الملك الظاهر واستمر على طريقته في الإستبداد بالأمور ومخالفة الملك فيما يرومه،

(4/119)


فلم يحتمل له ذلك واحتاط به لما طلع إلى الخدمة، وأحاطوا على منزله فقبضوا على ولده وبعض حريمه وأصعدوا إلى القلعة ليقرروا على أحواله، وفر غالب أتباعه منهم القائم بأموره شرف الدين ابن البرهان - وقبض على بعضهم -، وبرز فخر الدين التوريزي له ساعة القبض عليه فادعى عليه أنه يستحق في ذمته ثلاثين ألف دينار فأنكر فرسم عليه - له -، ويقال إنه ذكر له أنه كاتب نواب الشام الذين عصوا، فأنكر ذلك فعوق في قاعة في الحوش السلطاني.
وفي يوم الجمعة جعل أربعة من أتباعه في البرج وهم موسى بن البرهان كاتبه وموفق الدين كاتب الجيش وإبراهيم - الصغير - كاتب الباب وولد القاضي أذرعات ويقال له ضفدع وجعل ولده في طبقة والأستادار جانبك عند أستاذه وأرغون دويداره معه ثم طلب منهم المال، فقرر على موسى عشرة آلاف دينار، وعلى موفق الدين خمسة آلاف دينار، وأطلق إبراهيم الكاتب وضفدع بعد أيام، ثم أحضر الشريف حسن الإسكندراني من الإسكندرية بسبب أنه تاجر لناظر الجيش فعوق في البرج أيضاً، ثم أطلق موسى وموفق الدين وسلما لشهاب الدين - أحمد - بن العطار الدويدار فشرعا في بذل المال؛ وشرع ناظر الجيش في بيع موجوده وباع على السلطان ما في ملكه من الفلفل وهو ألف جمل بأربعين ألف دينار، وحمل من النقد قريباً منها، وباع أشياء كثيرة من نفائسه،

(4/120)


ومن نوادر ما يحكى أن الحاج لما قدموا في العشر الأخير من المحرم أخبر جماعة منهم أنه شاع وهم بالينبع يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة أن السلطان فبض على ناظر الجيش وهو اليوم المذكور بعينه - وممن أخبرني بذلك القاضي ظهير الدين الطرابلسي.....

ذكر من مات
في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان.
أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المالكي شهاب الدين ابن تقى الدين المعروف بابن تقى، وكانت أمه أخت القاضي تاج الدين بهرام فكان ينسب إليها ولا ينسب لأبيه، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها: أحمد ابن أخت بهرام، وكذلك يسجل عليه ولا يذكر أبوه، وسألت مرارا عن سبب ذلك فقيل لي إنه كان لا يحمد في شهادته الشهاب المذكور، وكان فاضلاً مستخضراً للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها، مشاركاً في جميع ذلك، فصيحاً عارفاً بالشروط والأحكام، جيد الخط، قوي الفهم، ولكنه كان زرى الهيئة مع ما ينسب إليه من كثرة المال،

(4/121)


وخلف ولدين ذكرين وأنثى، وقد عين للقضاء مراراً فلم يتفق، مات في الثاني عشر من ربيع الأول، وما أظنه بلغ الستين، ثم قيل لي إنه ولد سنة 784، وأول ما ناب في الحكم في سنة أربع وثمانمائة، وكان في صباه آية في سرعة الحفظ بحيث أنه كان يحفظ الورقة الواحدة من مختصر ابن الحاجب من مرتين أو ثلاثة بغير درس واشتهر عنه ذلك.
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد القاضي علم الدين بن القاضي تاج الدين ابن القاضي علم الدين بن القاضي كمال الدين بن القاضي برهان الدين الأخناتي - المالكي -، مات في ليلة الأربعاء خامس عشرى رمضان مطعوناً وكان من أعيان نواب القاضي المالكي ورام ولاية القضاء فلم يتفق له، وكان ضعفه عقب وفاة البساطي، واستقر ابن التنسي وقد ثقل هو في الضعف، ومولده قبيل التسعين فجاز الخمسين، وكان يتعانى الأدب ويتولع بالنظم، وصحب تقى الدين ابن حجة مدة.
تغرى برمش نائب حلب - تقدم ذكره في الحوادث -.
إينال الجكمي نائب الشام - تقدم ذكره في الحوادث -.
جوهر اللالا عتيق أحمد بن جلبان وكان قبله لعمر بن بهادر، ثم اتصل بخدمة الملك الأشرف وهو أمير فتنقل معه، وقرره لالا ولده محمد الأكبر ثم ولده يوسف، - ثم تقرر زماما بعد موت حسن قدم مضافاً للوظيفة الأخرى - فلما تسلطن العزيز فخم أمره وشمخت نفسه وظن أن الأمور تدور عليه، فانعكس عليه الأمر وقبض عليه في

(4/122)


أول الدولة الظاهرية وسجن بالبرج، ثم أفرج عنه وهو ضعيف بمرض القولنج ثم حصل له الصرع إلى أن مات في الحادى والعشرين من جمادى الأولى، وعمر مدرسة حسنة بالمصنع ودفن بها.
حسن بن محمد بن أحمد بن علي بن حجر، مات في صبيحة الأحد ثالث عشرى شعبان وله دون السنة.
حسن بن.. الكشكلي الكركي بدر الدين، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة بالقاهرة، وكان قد باشر نظر القدس والخليل مدة في أيام المؤيد وغيره، وكان عارفاً بالمباشرة مشكوراً.
داود بن علي بن بهاء الدين الكيلاني التاجر بالإسكندرية شرف الدين، مات في الرابع من ذي القعدة وأوصى على أولاده ولده الكبير علياً فمات بعده بأيام قلائل، وكان على هذا قد ولى قضاء جدة ولم يكن بالمتصون، وما أظنه أكمل الثلاثين، وأما أبوه قمن أبناء السبعين، وكان وجيهاً في التجار، وقد رأس في بعض السنين في سلطنة الأشرف بجدة.
عبد الله الملك الظاهر بن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب اليمن، مات في سلخ شهر رجب، واستقر ولده إسماعيل بن الظاهر وبه حينئذ نحو العشرين.
علي بن عبد الرحمن - بن محمد - الشيخ نور الدين الشلقامي، وهو أسن من بقى من الفقهاء الشافعية، وذكر لي أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنائي وكان من أعيان الشهود، وله فضيلة ونظم، مات راجعاً من الحج بالقرب من السويس، وكان خرج من الحجاج فقوى عليه الضعف فعجز عن ركوب المحارة، فركب البحر من السويس إلى الينبع وعجز عن التوجه صحبة الحاج، فأقام حتى رجعوا فعاد معهم في

(4/123)


البر، فمات قبل دخول القاهرة وقد بلغ إثنتين وتسعين سنة، فإنه ذكر لي أن مولده في الطاعون الكبير سنة 749 أو في حدودها.
علي بن عبد الكريم نور الدين الكتنى، مات وقد قارب السبعين أو جاوزها وكان عارفاً بالكتب وأثمانها وكان أبوه آخر من بقي بسوق الكتب وما رأيت مثله في الإحسان إلى الطلبة وأما ولده هذا فما سلك طريق أبيه بل تشاغل غالباً بغير الكتب، وقد ناب في الحكم مرة، وترك وتعلل عدة سنين.
علي بن محمد بن قحر - بضم القاف وسكون المهملة بعدها راء - الزبيدي الفقيه العالم الفاضل موفق الدين، ولد سنة 758 واشتغل بالفقه فمهر فيه، وتقدم إلى أن صار مفتي زبيد وفقيهها والمرجوع إليه في ذلك، - مات في الثاني من شوال -.
قرقماس الشعباني - تقدم في الحوادث -.
محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن علي البساطي المالكي القاضي شمس الدين، وكان يكتب بخطه الطائي، وظهر

(4/124)


أنها نسبة لبعض قرى بساط، مات بعد العصر يوم الخميس الثاني عشر من شهر رمضان، أصابه صرع فغشى عليه فصرخوا عليه ثم تحرك، فأمرهم الطبيب أن لا يشرعوا في جهازه، ثم أصبح ميتاً فأخرجت جنازته، وكانت له مدة طويلة يتمرض بالقولنج يثور به فينقطع أياماً ثم يسكن عنه فيفيق، وكان في أوائل رجب قد نصل وركب وتصرف وحكم وحضر مجلس السلطان ثم انقطع قليلاً، ثم عوفى وركب أول يوم من رمضان إلى القلعة وحضر سماع الحديث وسلم على السلطان مع الجماعة عقب الفراغ بعد العصر، وفرح السلطان بعافيته، وحضر معنا مجلساً بالصالحية بأمر السلطان يوم الثلاثاء ثالث شهر رمضان وهو في عافية تامة وقد صام، واستمر متماسكاً يكتب على الفتاوى ويسمع الدعاوى ويعلم على القصص وغيرها للنواب إلى صبيحة يوم الخميس وإلى أن ثار عليه الوجع في آخر النهار فقضى، وكان مولده في جمادى.... سنة ستين وسبعمائة فأكمل إثنتين وثمانين سنة و.. أشهر وأياماً، وكان في شبيبته نابغة في الطلبة واشتهر أمره وبعد صيته واشتغل في فنون، وذكر لي أنه سمع الحديث على عبد الرحمن ابن البغدادي وغيره ولم يكثر بل لم يطلب أصلاً ولا اشتغل له، وكان عارفاً بفنون المعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين وصنف فيهما تصانيف وفي الفقه أيضاً، وولى تدريس الفقه بالشيخونية ودام فيه أكثر من ثلاثين سنة، ثم قايض بها التدريس بالظاهرية البرقوقية وناب في الحكم عن ابن عمه جمال الدين يوسف البساطي وغيره مدة وكان بحالة هينة من قلة الشئ، ثم نوه به الأمير ططر فذكره عند الملك المؤيد فولاه مشيخة التربة الظاهرية عقب موت حاجى فقيه سنة تسع عشرة ثم ولاه القضاء عقب وفاة جمال الدين الأقفهسى في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين، فأقام فيه نحو عشرين

(4/125)


سنة متوالية بقية مدة المؤيد وولده والظاهر ططر وولده والأشرف برسباي وولده وهذه القطعة من سلطنة الظاهر، ورافقه الأشرف برسباي وولده وهذه القطيعة من سلطنة الظاهر، ورافقه من القضاة خمسة من الشافعية وهم البلقيني والعراقي وصالح وكاتبه والهروي، ومن الحنفية أربعة وهم ابن الديري والتفهيى وابن الديري، ومن الحنابلة ثلاثة وهم ابن المغلى والمحب البغدادي وعز الدين القدسي، وفي هؤلاء من صرف وعاد - غيره -، وجاور في مكة سنة كاملة في دولة الأشرف وهو على ولايته، وعين ابن تقى مرة للولاية في كائنة علاء الدين البخارى المذكورة - في الحوادث -، فلم يتم له أمر واستعفى في السنة الماضية، ثم ندم واستمر به الأشرف بعناية على باي الخازندار، وكانت وفاته في الليل وصلى عليه وقت ربع النهار بمصلى باب النصر، ودفن بتربة بني جماعة بالقرب من تربة سعيد السعداء، وأمطرت السماء بعد الفراغ من دفنه مطراً غزيراً، وعين السلطان للقضاء بعده الشيخ عبادة الزرزاري، وسعى ولد الميت في وظائفه التي كانت معه قبل أن يلي القضاء، فأجيب إلى بعضها كمشيخة التربة الظاهرية بالصحراء، ودعى عبادة إلى تولية الحكم فامتنع وتغيب، فلما كان يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر المذكور خلع على القاضي بدر الدين بن القاضي ناصر الدين بن التنسي، وركب القضاة معه والمباشرون على العادة إلى الصالحية واستقر في الوظيفة.
محمد بن أبي بكر - المالكي - الكتامي بضم الكاف وتخفيف المثناة نسبة إلى حارة كتامة من القاهرة، شمس الدين، مات فجأة على ما قيل، مات في الثاني والعشرين من ذي القعدة، وكان نقيب الحسبة عند القاضي بدر الدين العيني، ثم صار نقيب الحكم عنده إلى

(4/126)


أن عزل، فاستمر يتردد إليه وهو معزول إلى أن أدركه الموت، وكان قد شارف الثمانين وهو جلد، ويكثر تلاوة القرآن، ويقال: خلف مالاً كثيراً - عفا الله تعالى عنه.
محمد بن زين بن عبد الله شمس الدين بن زين الدين، المرساوي الأصل الجرائحي المعروف بابن الديفي التباني، اشتغل في علم الجراحة وتحول إلى الديار المصرية قديماً فسكن التبانة، وتقدم في صناعته واستقر في الرياسة، وطعن في السن وفي شعر لحيته السواد الكثير وكان يدعى أنه جاوز المائة، وقرائن الحال تشعر أنها من الدعوى المحال.
محمد بن سعيد بن كبن - بفتح الكاف وتشديد الموحدة الثقيلة بعدها نون، جمال الدين، مات بعدن من بلاد اليمن وكان قاضيها في السابع من رمضان، وكان فاضلاً، ولي القضاء بعدن نحواً من أربعين سنة تخللها ولاية القاضي عيسى اليافعي مدداً مفرقة، وكان جمال الدين فاضلاً مشاركاً في علوم كثيرة، واسف الناس عليه لما

(4/127)


كان فيه من المداراة وخفض الجناح ولين الجانب والإصلاح بين الخصوم، ولعله قارب الثمانين.
محمد بن القاضي بهاء الدين البرجي بدر الدين، مات في ذي الحجة في الحمام، وكان أبوه قد ولي الحسبة مراراً ووكالة بيت المال والكسوة، وصاهر البلقيني ثم ولده بدر الدين، وصارت له وجاهة ثم خمل، ثم نبه قليلاً في دولة المؤيد بعناية ططر، فجعله ناظر العمارة بالمدرسة المؤيدية، وعظم لما تسلطن، ثم لما لم تطل مدته استمر خاملاً، ثم مات بعد بيسير، وكان بدر الدين هذا قد تزوج بنت بدر الدين البلقيني ثم فارقها، وكان كثير الصلف، وباشر في عدة جهات، وكان يلقب بعزيق - بمهملة وزاي وقاف - مصغر، لقبه بذلك ناصر الدين بن كليب وكان جارهم، وكان قد جاوز الخمسين.
موسى بن علي بن جميع، الصنعاني الأصل العدني - شرف الدين ابن نور الدين، كان قد استقر في وظيفة أبيه بعدن وهي الرياسة على التجار في المتجر السلطاني، وكان حاذقاً عارفاً بالمباشرة والكتابة فصيحاً لسناً، وقد قدم القاهرة في وسط الدولة الناصرية من نحو ثلاثين سنة أو أكثر، ولم يكن صيناً، مات في شعبان.
يحيى الملك الظاهر بن الملك الناصر أحمد بن عبد الملك - الأشرف إسماعيل، صاحب تهامة اليمن، مات في يوم الخميس سلخ رجب، وأقيم بعده ولده الأشرف إسماعيل في يوم الجمعة مستهل شعبان منها ليلاً، فقتل أكابر أهل الدولة فمنهم برقوق وكان كبير المماليك الأتراك، وعدة من رؤساء الجند وعدة من الأجناد الذين يدعون السقاليب حتى أضعف المملكة، وأثر ذلك حتى خرجت الأعزاب العازبة - بالعين المهملة والزاي - عن الطاعة وضعف أمر تلك البلاد جداً.

(4/128)


يحيى المغربي المالكي، قاضي المالكية بدمشق، محيي الدين، مات وقرر بعده شرف الدين يعقوب بن ... المغربي، وكتب توقيعه في ذي الحجة.
يخشباي الأشرفي، ضربت عنقه في الثامن من ذي الحجة، أخرج من السجن، وادعى عليه بأنه سب شريفاً من أهل منفلوط، وهو حسام الدين محمد بن حريز قاضيها، وثبت ذلك عليه بالقاهرة، واتصل بقاضي الإسكندرية فاعذر إليه فأنكر، ثم حلف أنه لم يفعل فقيل له إن الإنكار لا يفيد بعد قبول الشهادة، فاستسلم للقتل، فشهدوا عليه بعدم الدافع وضربت عنقه.
يوسف ولد كاتب السر، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة وقد راهق، ولم يكن له الآن ولد ذكر غيره، واشتد أسفه عليه، وكانت جنازته حافلة جداً.
يونس بن حسين بن علي الواحي نزيل القاهرة الشيخ شرف الدين، سمع من عبد الرحمن بن القارئ

(4/129)


وناصر الدين الطبردار وغيرهما وحدث، وكان يذكر أن مولده سنة 757، وعرض العمدة على الشيخ جمال الدين الأسنوي، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني، وكان يحب الأمر بالمعروف ويشدد في ذلك مع قصوره في العلم، ويتخيل الشيء أحياناً فيلح في كونه لا يجوز، أنكير قديماً كون ملك الموت يموت واستفتى القدماء، وكان سمع في ميعاد الشيخ سراج الدين شيئاً من ذلك - فصار الشيخ وآل بيته يمقتونه من ذلك الوقت، وسمع الخطيب يذكر في خطبة الجمعة في ذكر عمر أنه منذ أسلم فر الشيطان منه، فأنكر عليه وقال: لا تقل: منذ أسلم، يقع في ذهن العامي أن في ذلك نقصاً لعمر، واستفتى في ذلك فبالغ، وسمع مدرساً يذكر مسألة الصرف وقول أبي سعيد لابن عباس: إلى متى تؤكل الناس الربا؟ فاشتد إنكاره ونزه ابن عباس عن ذلك واستفتى، واجتمع عنده من الفتاوي من هذا الجنس مالو جلد لجاء في خمس مجلدات، وجمع لنفسه مجاميع مفيدة لكنه كان عرياً من العربية فيقع له اللحن الفاحش، وكان كثير الابتهال والتوجه. ولا يعدم في طول عمره عامياً يتسلط عليه وخصوصاً ممن يجاوره - والله يعفو عنه؟ وقد حدث في آخر عمره واستحلى ذلك وأعجب به وحرص عليه - رحمه الله.
خوند بنت الملك المؤيد زوج قرقماس الشعباني، ماتت في التاسع عشر من جمادى الأولى، وكانت نفساء عن سقط أسقطته عند كائنة زوجها، فاستمرت في الضعف إلى أن ماتت، ولم تخلف سوى ولد ذكر له نحو سبع سنين، واسندت وصيتها لزوجها.

(4/130)