بستة عشر ألف دينار، وصار للسلطان من تركته
مال كثير، وكذا من تركة خوند زوجة يلبغا الناصري، وقيل: وصل ثمنها
قدر عشرين ألف دينار، وكان مرضه بالقولنج في أوائل السنة فتعافى،
ثم انتكس مراراً إلى أن مات، وكان شهماً يحب الصيد، وفيه عصبية
وخلقه سيء إلى الغاية، واتفق أنه كان أنشأ مكاناً بالقرب من
الأخفاقيين يجعله مدرسة، وعجل ببناء صهريج، وابتدأ في عمل سبيل
لسقي الماء تكمل في مدة ضعفه، وجرت لشمس الدين الرازي بسبب إثبات
وقفية داره في مرض موته إهانة من جهة السلطان واستقر جوهر اللالا
زماماً بعد موت خشقدم مضافاً لوظيفته.
سعد بن محمد بن جابر العجلوني ثم - الأزهري الشيخ مات في شوال،
وكان خيراً ديناً سليم الباطن، ولكثير من الناس فيه اعتقاد، وذكر
عنه كرامات، وكانت بيده إمامة المدرسة الطيبرسية المجاورة للجامع
الأزهر.
صالح بن محمد بن موسى المغربي الزواوي الشيخ صالح كان خيراً ذاكراً
لكثير من الفقه ملازماً لحضور مجالس العلم، وجاور بالمدينة الشريفة
مدة وحصلت له جذبة، وقدم القاهرة وسكن بتربة الظاهر بالصحراء، وحسن
ظن كثير من الناس فيه، ثم سكن القاهرة وتنزل يدرس الحديث بالمؤيدية
ورتب له في الجوالي، ودخل في وصايا
(4/28)
كثيرة لكن لم نسمع عنه سوءاً في تصرفه وكان
يصل إليه من سلطان المغرب كل سنة مبلغ، وكان شهماً يقوم في الحق
عند الظلمة ولا يبالي بهم، وذكر انه سمع من ... وأجاز لأولادي،
ومولده تقريباً سنة ستين، رأيت بخطه: ولدت أوان الستين وسبعمائة،
ومات في ليلة الأربعاء ثامن عشري رجب.
عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر، المصري ثم الدمشقي زين
الدين، واسم الفخر محمد بن علي، تفقه قليلاً، واسمعه أبوه الكثير
من مشايخ عصره. فسمع على الكمال ابن حبيب سنن ابن ماجة، وعلى ابن
المحب جزء العالي أنا الحجاز وعشرة الحداد أنا إبراهيم بن صالح،
وعلي الصلاح بن أبي عمر مسند عائشة من مسند أحمد، ومات في جمادى
الآخرة.
عبد الرحمن بن علي بن محمد، الحلبي الحنفي الشريف ركن الدين
المعروف بالدخان، اشتغل بدمشق وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء
استقلالاً بعد موت ابن الكشك، وكان ماهراً في فروع مذهبه، مات في
ليلة الأحد 7 المحرم.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد، العدناني الشهير
بالبرشكي صاحبنا المحدث الرحال الفاضل زين الدين، أخذ ببلاده عن
... وعن جماعة، ورحل إلى المشرق قديماً سنة ست عشرة فحج، وحمل عن
المشايخ وأجاز له الشيخ برهان الدين الشامي قديماً، وكان حسن
الأخلاق لطيف المجالسة كريم الطباع رحمه الله
(4/29)
تعالى.
عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله
ابن عمر بن حياة بن قيس، الحراني الأصل الدمشقي نزيل.... عز الدين
أبو العز ويدعى محمداً، كان كثير العبادة ملازماً للصلاة في الليل،
وله اشتغال بالعلم وتصانيف ونظم ونثر، ويذكر عنه كرامات وكلام في
الرقائق. مات في 13 جمادى الأولى.
عبد الملك بن علي بن أبي -، المنى البابي نزيل حلب ويعرف بالشيخ
عبيد، ولد في حدود سنة سبعين، واشتغل بالفقه والعربية والقراآت
وكان حفظ المنهاج، واشتغل على الشيخ بيرو والقاضي شرف الدين
الأنصاري وشمس الدين النابلسي، وكان يشغل في الجامع الكبير بحلب،
وأخذ عنه جمع جم، وناب في الخطابة بالجامع، ولم يكن صيناً، مات في
جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة جداً، وعاش ستين سنة وقد تقدم في
العربية والقراآت وشغل الناس كثيراً، وناب في الخطابة والإمامة
بالجامع مدة إلى أن مات.
عبد الولي بن محمد بن الحسن، الخولاني الإمام ولي الدين، ولد بغرب
من التغلن، ولازم بتعز الإمام رضي الدين ابن الخياط والإمام جمال
الدين محمد بن عمر العوادي والفقيه أحمد بن عبد الله الحرازي
والفقيه وحيد الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الزوفري وقرأ عليهم
الفقه،
(4/30)
ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي وأخذ عنه
النحو واللغة، وجاور معه بمكة وبالطائف ومهر إلى أن صار مفتي تعز
مع ابن الخياط، ومات بالطاعون أيضاً.
عثمان بن قطلبك بن طرغلي، التركماني المعروف بقرايلوك، كان أبوه من
أمراء التركمان بديار بكر وتأمر هو بعده، وكان شجاعاً أهوج، وله مع
الترك والعرب وقائع، ولما طرق اللنك البلاد انتمى إليه، ودخل في
طاعته فاستنابه في بلاده، وحضر معه فتح البلاد الشامية، ووقعت له
وقعة مع جكم لما ولي السلطنة بحلب فقتل جكم في الوقعة وقوي قرا يلك
واستولى على ماردين وقتل صاحبها وهو آخر أهل بيته، وكان بينه وبين
حديثه بن سيف بن فضل أمير العرب، وكانت بينه وبين حميد بن نعير
عداوة، فنصر قرا يلك هذا فكبس حديثة بالقرب من شيزر، فكاتب الملك
المؤيد قرا يوسف في الغارة على قرا يلك وسار المؤيد من مصر، فلما
بلغ ذلك قرا يلك ترامى على المؤيد وانتمى إليه فأرس إلى قرا يوسف
فشفع فيه فرجع عنه، ثم صار قرا يلك يغير على بلاد قرا يوسف فخنق
منه وكبسه، ففر منه إلى حلب فتبعه، فجفل أهل حلب من قرا يوسف وفروا
على وجوههم إلى الشام ثم إلى مصر، ثم كبس قرا يلك على بيرم النائب
بأرننكان فقتله، واتفقت وفاة قرا يوسف ثم المؤيد، وغلب قرا يوسف
على أرزنكان، وكانت له وقعة مع برسباتي قبل أن يلي السلطنة
وبرسباتي يومئذ نائب طرابلس انكسر فيها برسبائي، وبسبب هذه الوقعة
غزا برسبائي في سلطنته آمد، وكانت له وقعة أخرى مع برهان الدين
قاضي سيواس قتل فيها البرهان، واستمر قرا يلك أميراً مدة وملك
الديار ديار بكر، وشرع في إيواء من هرب من السلطان الأشرف فجهز له
عسكراً في سنة 32 فتوجهوا لجهة آمد، فكبس هابيل بن قرا يلك وهي في
طاعة السلطان فأخذها عنوة واستباحها، فوصل العسكر فأسروه، ثم جهز
للقاهرة فاتفق موته بالطاعون سنة 33 ثم غزا الملك الأشرف آمد ففر
قرا يلك واستمر الأشرف يحاصر آمد، ثم رجع إلى الديار المصرية
واستمر قرا يلك على حاله في نهب القوافل وقطع الطريق، ثم إن قرا
يلك جهز من نهب
(4/31)
التركمان الذين حول حلب فتجهز له الأشرف
نفسه فلم يتم له أمر وأذعن للصلح، ثم اتفق أن إسكندر بن قرا يوسف
فر من مروان شاه ولد اللنك فبلغ خبره قرا يلك فتبعه، فلما تلاقوا
كسره إسكندر كسرة شنيعة وانهزم قرا يلوك فوقع في خندق البلد وهي
ارزن الروم، فنزل إليه جماعة من جهته فاحتملوه ودلي من بالقلعة لهم
الجبال فربطوه ورفعوه، فمات في العشر الأخير من صفر في هذه السنة
وقد بلغ التسعين او زاد عليها وذكر لي الشيخ بدر الدين بن سلامة
أنه لما استولى على ماردين استصحبه، قال: فوجدته في عيشة شظة إلى
الغاية وفي غالب زمانه مشتغل بالشر، وتفرق أولاده بعدة بلاد
وانكسرت شوكتهم جداً، فجهز ولده علي بك ينتمي إلى سلطان مصر ويلتزم
أن يكون من جهته.
علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن الحسين الحسني إمام
الزيدية مات وأقيم ولده بعده فمات عن قرب بعد شهر، فقام بقصر صنعاء
عبد بن عبيد الإمام يقال له سنقر وأراد إن يجعلها مملكة بالشوكة،
فأنف الزيدية من ذلك وثاروا عليه وأقاموا مهدي بن يحيى ابن حمزة
قريب الإمام، وجده مزة هو أخو محمد - جد صلاح، ويقال إن أم الإمام
راسلت صاحب زبيد الملك الظاهر تسأله أن يرسل أميراً على صنعاء، ولم
يتحقق ذلك إلى الآن.
فيروز قطب الدين فيروز شاه بن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق ابن طبق
شاه صاحب هرمز والبحرين والحسا والقطيف.
قصروه نائب الشام كان من بقايا مماليك الظاهر برقوق، تقدم في دولة
الأشرف وولي أمير آخور في أول دولته، ثم ولاه نيابة طرابلس، ثم نقل
إلى حلب في سنة ثلاثين فاستمر إلى سنة 37، ثم نقل لنيابة دمشق بعد
موت جارقطلي في شعبان منها، وكان عاقلاً فاستمر إلى أن مات ليلة
الأربعاء - في ثالث ربيع الآخر.
(4/32)
كبيش بن جماز الحسيني كان قصد القاهرة
ليتولى إمرة المدينة، فظفر به قوم لهم عليه ثأر فقتلوه قبل أن
يدخلها.
مانع بن علي بن عطية بن منصور - أمير المدينة النبوية مات فتنازع
العجل بن عجلان وعلي بن مانع في الإمرة ثم استقرت الإمرة لوميان بن
مانع عوض أبيه، وكان قتله في جمادى الآخرة.
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر، الفوي الأصل المكي جمال الدين
بن عبد الوهاب بن أحمد، أبو المحامد المرشدي، ولد في ربيع الأول
سنة سبعين وسبعمائة، واسمع على النشاوري وأبي الفضل النويري
والأميوطي وغيرهم، ورحل إلى القاهرة فسمع بها الكثير، وطلب بنفسه
فسمع على التقي ابن حاتم، وقرأ الألفية على الحافظ زين الدين
العراقي وأذن له، وله إجازة من مسندي الشام كالصلاح ابن أبي عمر
وابن أميلة وغيرهما، وخرج له الشيخ خليل الأقفهسي أربعين والجمال
بن موسى فهرستاً، وصحب المجد الشيرازي وحفظ عنه من اللغة شيئاً
كثيراً وصار يتعانى ذلك في كلامه وفي مراسلاته، ومات في حادي عشري
شهر رمضان وقد قارب السبعين، ولم يتأخر في مكة من له المعرفة
بالفقه والنحو مع الديانة والصيانة نظيره.
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن الأمانة، الأبياري ثم القاهري
القاضي بدر الدين، ولد في حدود الستين وقدم القاهرة مع أبيه
واشتغل، فذكر لي أنه قرأ على الشيخ عبد الخالق الأسيوطي وأن
الأسيوطي أخبره أن الشيخ سراج الدين البلقيني قرأ على الأسيوطي في
مبتدأ أمره وكان الأسيوطي قد عمر، وهو والد إسماعيل وأحمد المقدم
ذكرهما قريباً،
(4/33)
وسمع الشيخ بدر الدين المذكور من عبد الله
الباجي ومن السراج الكومي وبطبقتيهما وأكثر عن شيوخنا، ولازم الشيخ
سراج الدين البلقيني وابن الملقن والعراقي، واشتغل في الفقه
والحديث والعربية ومهر، وسكن المدرسة الصالحية ووقع فيها لي الحكام
مدة ثم ناب عن القضاة، واستمر إلى أن كان كثير النواب في آخر عمره،
وحج قبل موته بقليل، ودرس للمحدثين في المنصورية، وولي عدة وظائف،
ودرس بالكهارية، وتصدى للفتيا وللاشتغال بالفقه وغيره، وأضيف إليه
قضاء الجيزة مدة وغيرها، وكان قليل الشر حسن المحاضرة والمذاكرة،
يستحضر كثيراً من أخبار القضاة الذين أدركهم وما جرياتهم، وله
نوادر ظريفة، حضر معنا سماع الحديث بالقلعة يوم الأحد إلى العصر
ورجع إلى بيته فأقام يوم الاثنين وهو طيب إلى أن دخل الليل فصلى
العشاء ودخل الفراش فقال: أجد غما، فلم يلبث أن مات فجأة وقد قارب
الثمانين - رحمه الله تعالى! واتفق أن بعض الناس شكك أهله وأولاده
في موته، وقال لهم: هذا به سكتة ويب أن تختبروا أمره لئلا تدفنوه
حياً، فأحضروا طبيباً فجسه وأمر بفصده، فامتنع الفاصد حتى اجتمع
ثلاثة من الأطباء وقالوا إن ذلك لا يضر ففصد فخرج منه دم كثير، ثم
فصد في الذراع الآخر فخرج منه دم كثير أيضا، فترك إلى أن أمسى ثم
إلى أن اصبح فأروح، فاتفقوا على موته، ودفن ثامن عشر شعبان ضحى يوم
الأربعاء، وخلف أربعة أولاد ذكور.
محمد بن أبي بكر بن محمد بن الخياط، الحافظ الجليل المفتي حافظ
البلاد اليمنية جمال الدين ابن الإمام رضي الدين، ولد سنة ...
وتفقه بأبيه وغيره حتى مهر، ولازم الشيخ نفيس الدين العلوي في
الحديث، فما مضى إلا اليسير حتى فاق عليه حتى كان لا يجاريه في
شيء، وتخرج بالشيخ تقي الدين الفاسي، وأخذ عن
(4/34)
القاضي مجد الدين الشيرازي واغتبط به حتى
كان يكاتبه فيقول: إلى الليث ابن الليث والماء ابن الغيث، ودرس
جمال الدين بتعز وأفتى، وانتهت إليه رياسة العلم بالحديث هناك،
وأخذ عن الشيخ شمس الدين الجزري لما دخل اليمن بأخرة، ومات
بالطاعون في هذه السنة.
محمد بن عمر بن أبي بكر تاج الدين ابن الشرابيشي، مات في يوم الأحد
تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن يوم الاثنين العشرين منه وقد أسن وتغير
عقله، سمع الكثير من الشيخ بهاء الدين ابن خليل، ورأيت قراءته عليه
في صحيح البخاري سنة سبعين وبلغ بضعاً وثمانين سنة، وطلب الفقع
وكتب الكثير بخطه الحسن المتقن، ولازم شيخنا ابن الملقن، وأكثر عن
شيخنا العراقي، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السبط والطبقة ومن
أصحاب أصحاب المحب ثم أصحاب الفخر - ودار على الشيوخ وسمع معي
كثيراً ولم يمهر ولكن كان يستحضر شيئاً كثيراً من الفوائد الفقهية
والحديثية، وكان يعلق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ
والأئمة حتى حصل من ذلك جملة كثيرة، ثم تسلط عليه بعض أهله فمزقوا
كتبه بالبيع تمزيقاً بالغاً، لأنهم كانوا يسرقون المجلدات مفرقات
من عدة كتب قد أتقنها وحررها فيبيعونها تفاريق وكذلك الكتب التي لم
تجلد يبيعونها كراريس بالرطل، وضاعت كراريسه وفوائده، وقد تصدى
للأسماع، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات
رحمه الله تعالى، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرة.
محمد بن محمد بن أبي فارس، المنتصر أبو عبد الله، مات في 21 صفر
بتونس، ولم يهن في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن، واستقر بعده
شقيقه عثمان فقبض على الهلالي القائد وفتك ف أقاربه بالقتل، فخرج
عليه عمه أبو الحسن صاحب بجاية.
(4/35)
يحيى بن يحيى بن أحمد بن حسن، القبابي شمس
الدين أبو زكريا المصري، ولد في أواخر سنة ستين أو في أول التي
قبلها، وقدم القاهرة فاشتغل بها وحفظ التنبيه والألفية ومختصر ابن
الحاجب، وحضر دروس البلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم، واشتغل
في علم الحديث على العراقي، ولازم عز الدين بن جماعة في قراءة
المختصر ومحب الدين بن هشام في العربية، وطاف على الشيوخ في
الدروس، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل، فأثنى شهاب الدين الزهري، قرأ
عليه نصف المختصر وأذن له، وتكلم على الناس بالجامع، وسكن بعد
الفتنة العظمى بيت روحاء فأقام بها، ودخل مصر حين دخل إليها مع
الشاميين، ثم عاد فلازم عمل الميعاد، وكان فصيحاً مفوها فاجتمع
عليه العامة وانتفوا به، وقرأ صحيح البخاري عند نوروز، ثم ناب في
الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة واستمر في ذلك، ولم يكن
في أحكامه محموداً، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضر وهو مستمر
على الحكم، وكان يؤخذ بيده فيعلم بالقلم ويكتب عنه الفتوى ثم يكتب
هو اسمه، وكان فصيحاً ذكياً مشاركاً في عدة فنون، جيد الذهن، لين
العريكة، سهل الانقياد، قليل الحسد مع المروءة والعصبية، وقد أقبل
في أواخر عمره على إقراء الفقه فدرس في المنهاج والتنبيه والحاوي
بالجامع حلاً لكل منها في أشهر قليلة من غير مطالعة، وكان قد درس
بالرواحية، وناب في تدريس الشامية البرانية، اجتمع في
(4/36)
ذي الحجة سنة ست وثلاثين بالعادلية الصغرى،
وذكر أنه قرأ على شيوخنا العراقي والبلقيني وغيرهما، وسمع من ابن
المحب، وسمعت عليه جزء الخلفاء، من حديثه وسمع على شيئاً ومات في
صفر، نقلت غالب ترجمته من كتاب القاضي تقي الدين الأسدي إلي -
أبقاه الله تعالى.
طاهر بن عبد الله، المراكشي الشيخ المغربي نزيل مكة، مات بها في
شوال، وكان قرا على عبد العزيز الحلفاوي قاضي مراكش وغيره، وكان
خيراً ديناً صالحاً.
(4/37)
سنة أربعين
وثمانمائة
استهلت ليلة الاثنين، ووصل شاه رخ إلى السلطانية فنزلها وعزم على
الإقامة بها حتى يبلغ غرضه من اسكندر بن قرا يوسف، وفي عاشر المحرم
أعيد لأجناد الحلقة ما كان أخذ منهم بسبب التجريدة، وقبض على التاج
الخطير وصرف من أستادراية ولد السلطان، وقرر عوضه في الوزارة ناظر
الخاص.
وفي حادي عشرية طرق مينا الإسكندرية ثلاثة أغربة من الكتيلان
وأخذوا مركبين، فخرج إليهم آقباي النائب فراماهم حتى استعاد أحد
المركبين، وأحرق الفرنج الأخرى، وتحارب مركب للجنوية مع مركب
الكتيلان فانهزم الكتيلان.
وفيها حصر أبو الحسن بن أبي فارس صاحب بجاية قسطنطينية، فخرج صاحب
تونس عثمان - إلى قتاله وهو ابن أخيه،
(4/38)
وفي الثامن عشر منه أو في النيل وكسر
الخليج وصادف التاسع عشر من مسري، وباشر ذلك يوسف بن السلطان، ووصل
رأس قرمش الأعور - وكمشغبا الظاهري - فعلقتا بباب زويلة، ثم أمر
السلطان أن تلقيا في السراب الحاكمي، وكان قبض عليهما بيد خجا
سودون المؤيدي - بعينتاب، وكان جمعاً عسكراً وكبساً العسكر المصري
فكسروا وأسروا -.
وفي هذه السنة رخص العسل النحل إلى أن بيع بتسعمائة القنطار وعادته
ألف وخمسمائة، وكانت جميع الغلال وأصناف المطعومات والفواكه رخيصة،
وجاء الزرع في غاية الخصب والنماء في الزرع بالغ جداً، واستمر وقوع
الفناء في عسكر اللنكية فرجعوا إلى بلادهم، ووصل الحاج فشكوا من
أميرهم كثيراً فلم ينجع ذلك، ومن جملة قبائحه التي حكوها أنه طلب
من التجار في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة مالا يجبى منهم
فامتنعوا، فرحل بالناس في آخر الحادى عشر ليفوت عليهم البيع بمنى
في الثامن عشر والثالث عشر، فكانت من أفحش الفعلات فإنه فوت عليهم
المبيت والرمي.
واستهل صفر ليلة الأربعاء، واستهل ربيع الأول ليلة الخميس، وفي شهر
ربيع الأول قام الشيخ ناصر الدين محمد بن علي الطبناوي في هدم
الدير الذي في بحرى، وحضر المولد النبوي، وأخرج محضراً يتضمن أن
النصارى يحجون إليه في كل
(4/39)
سنة، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين
للفرجة والتجارة من لا يحصى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف
بعرفة، وأفتى العلماء بهدم ذلك الدير وإزالة تلك العادة، ففوض
السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتفق أنه يقوم في ذلك حق القيام
حتى كان ذلك في السنة المقبلة فهدم - ولله الحمد.
وفيه هرب سليمان بن عثمان مع جماعة من الروم والتركمان في غراب
وكان مقيماً بالقلعة من سنة آمد، فلما عرف السلطان ذلك شق عليه
فأرسل في آثارهم فأتى بهم، فحبس الصبي وقطع أيدي قوم وقتل آخرين،
وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان
كان عمه مراد صاحب برصا قبض على والده أرخن بك وكحله وسجنه، وكان
له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته، فأدخل إليه جارية وهو في
السجن فحملت منه، فلما مات أرخن في السجن فر المملوك طوغان هذا
بسليمان وأخته شاه زاده إلى حلب، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما
إليه وأخبره خبرهما، فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة، فأمر
بسليمان أن يمشي في خدمة ولده يوسف، وأقامت أخته في القلعة لتكبر
ويتزوجها السلطان أو ولده، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فر
سليمان وأخته ومن انضم إليهما فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة رشيد
لينزلا في مركب إلى بلاد الروم، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهم فقبض
عليهم وعلى من في المركب وعدتهم خمسة وستون رجلاً، فوسط طوغان
مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان صحبوهم وقد قطعت أيدي
الباقين ولا ذنب لهم البتة لأنهم تجار رافقهم أولئك، فلما جاء
الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشى التجار على أنفسهم
فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الإستيلاء عليهم
ونهبهم فظنوا أنهم حرامية، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع الحرب بينهم
فغلبوهم وأسروهم وكان ما كان.
(4/40)
وفي السادس من شهر ربيع الأول استقر -
الصاحب - كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين - ابن كاتب المناخات -
في الوزارة على قاعدته، فباشر مباشرة حسنة وفرح الناس به، واستقر
معه أمين الدين ابن الهيصم ناظر الدولة على عادته، وكانت الوزارة
منذ صرف عنها خليل بن شاهين لم يستقر فيها أحد بل عذق أمرها بناظر
الجيش، فأقام ناظر الدولة عنه متحدثاً وأحال مصروف كل جهة على
متحصل جهة من الجهات وكل جهة لم يف متحصلها بها أكملها من عنده،
فاستمر الحال على ذلك إلى أن قدم.
وفيه نودي بمنع لبس الزموط الحمر وعملها وهي التي يلبسها العرب
ويسموه الشاشبة فنودي بذلك، فوقف له جماعة ممن اشترى الصوف لذلك
فصمم على المنع، ثم رفع له بعض الغلمان من الهجانة وغيرهم فأغلظ
لهم القول واستمر على المنع ونودي أن لا يحمل أحداً سلاحاً، وفيه
وصل العسكر المجرد إلى الأبلستين فوصلوا إلى تجاه سيواس فوجدوا -
في تاسع عشره جانبك ومن معه فقدموا -. وفيه قتل جاسوس وجد معه كتب
من جانبك الصوفي. وفيه وقع بين الهنود الذين يقيمون بظاهر -
المدرسة - الصالحية لإصلاح شعور اللحى، وثب رجل هندي على رجلين
فقتلهما قدام الصالحية، وذلك أنه تقاتل مع واحد فقتله ثم مر برجل
يصلح شاربه فضرب الذي يصلح في كتفه فوقع ميتاً وحصل للرجل فزع -
فحمل
(4/41)
إلى بيته - فمات هو والقاتل فصاروا أربعة
فقبض عليه فقطعت يده ثم قتل، ونودي بعد غد أن لا يبقى أحد من
الهنود بالقاهرة.
وفيه عين خليل الذي أمر بالإسكندرية أن يكون شاداً على المكوس بجدة
وأميراً على المماليك المجردين بمكة وأمر ابن المرأة بالسفر، وسافر
خليل ومن معه من البر ونودي للناس بالسفر صحبتهم.
واستهل ربيع الآخر ليلة الجمعة، ففي السادس عشر منه جمع الخازندار
الجزارين وأشهد عليهم أن لا يشتروا اللحم إلا من ذبائح السلطان،
فصار يذبح لهم كل يوم ما يحصل عند السلطان من الغنم المحضر من
البلاد.
وفي الخامس من ربيع الآخر فقد سليمان بن أرخن بن كرجى بن أبي يزيد
بن عثمان وأخته شاه زاده - وقد تقدم خبر عنهما في سنة ست وثلاثين،
فكان مملوكهما الذي أحضرهما اتفق معهما أن يسير بهما إلى بلادهما
وواطئوا على ذلك جماعة من تجار الروم، فأخذهما طوغان فتوجه بهما
إلى الغراب فتوجهوا إلى رشيد، فلما عرف الأشرف بالقصة كاتب نواب
البلاد بطلبهما، فحاربهم شاد رشيد بحضرة قاصد السلطان، فحبسوا
بالريح فاتفق أن الريح هبت عاصفة فصادف وصول نائب الإسكندرية فقبض
عليهم، وجهز جميع من في الغراب من التجار وغيرهم، ثم أمر بقطع أيدي
بقية التجار وهم نحو الخمسين، وأدب سليمان بالضرب تحت رجليه، ونظر
إلى أخته فاستحسنها - فعقد عقده عليها وابتكرها، وقد تزوجها - بعده
- الملك الظاهر جقمق.
(4/42)
واستهل جمادى الأولى ليلة السبت، فيه قدمت
رسل مراد بن محمد بن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية، وفي سابع
عشرة قدم الأمراء الذين جردوا لحلب، فهرع الناس للسلام عليهم ثم
طلعوا القلعة فخلع عليهم، وفي صبيحة قدم الأمراء المجردون إلى
البحيرة وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم البلوى التركماني ومحمد بن
بكار ابن رحاب وقد دخل في الطاعة، وفيه رفعت يد القاضي الحنفي من
وقف الطرخي، وأمر أن يحاسب على متحصله وأن يتحدث فيها جوهر
الخازندار، ثم بطل ذلك وأعيدت للقاضي.
وفيه نودي من له ظلامة فليحضر إلى باب السلطان في يومي الثلاثاء
والسبت، وأمر القضاة أن يحضروا مجلس الحكم في المظالم، فحضروا
يوماً واحداً ثم بطل ذلك.
وفي سابع جمادى الأولى خرج الركب الحجازي وأميرهم خليل الذي - كان
- ناب في الإسكندرية ومعه نحو السبعين من المماليك ليقيم بهم بمكة
عوضاً عن الذي كان فيها وخرج معه عدد كثير من الحاج والتجار،
ورحلوا من خليج الزاعفران في التاسع منه.
وفي الخامس عشر منه وصل الأمراء - الذين كانوا بحلب - وفيهم جقمق
الأمير الأمير الكبير الذي ولي السلطنة بعد هذا بسنتين والدويدار
الكبير أركماس الظاهري، وتأخر منهم خجا سودون فلم يحضر.
وفي يوم السبت تاسع عشر منه حضر القضاة الأربعة بأمر السلطان مجلس
الحكم وتكلم الشافعي معه في عدة حكومات بين حكم الشرع فيها، ثم لما
فرغوا أمرهم السلطان أن يبطلوا الوكلاء من أبوابهم فأجابوا
بالإمتثال، ثم تكلموا في الذين يعاملون بالربا وما
(4/43)
الحكم فيهم، فقال - له - الشافعي: الحيلة
في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي فليفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي،
ثم سأل عن النواب فقال له الشافعي: كان السلطان أمر قبل السفر
بعشرين وهم الآن أربعون لكن كل اثنين في نوبة ثم سأل من الرسل وأمر
أن لا يعطي الرسول إلا ثلثين وانصرفوا، ثم لم يعد يطلبهم إلى مجلس
حكم بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء، فبطل ذلك.
واستهل جمادى الآخرة ليلة الاثنين، فيه أرسل ناصر الدين بن دلغادر
ولده سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم
بن قرمان، وكان ابن قرمان قد أخذ منه - قيصرية ونازل صاحب أماسية
وهو من حاشية ابن عثمان، فجهز مع سليمان عسكراً وندب معه صاحب
توقات وأمره بمحصارة قيصرية ويسلمها لابن دلغادر، وجهز عيسى أخا
إبراهيم على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم، فبلغ ذلك صاحب
مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان.
وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكي ورقة إلى
كاتب السر يستعفي من القضاء، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره إن
يعين قاضياً غيره ويستمر بمعاليم القضاء له - دون الذي تعين، فلما
بلغ ذلك ولد القاضي قام وقعد وسعى عند علي باي الخازندار وأنكر أن
يكون أبوه كتب الورقة، فبلغ ذلك كاتب السر فصعب عليه نسبتهم إياه
إلى الكذب، وأخرج الورقة فوجدوها بخطه الذي لا يرتاب فيه، ومع ذلك
فاعتنى بهم على باي، ولم يستطع كاتب السر يوسع في القضية كلاماً
رعاية لخاطر الخازندار المذكور فإنه كان يومئذ من أقرب الناس منزلة
عند السلطان، فاستقر الحال على أنه تحيل للسلطان أن يعيد ولاية
المالكي فأجابهم لذلك، واستمر في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في
رمضان سنة اثنتين - كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
(4/44)
وفيه رخص القمح إلى أن بيع بمائة وأربعين
إلى مائة، فأمر السلطان بشراء القمح وحزره فغلا السعر - ولا حول
ولا قوة إلا بالله.
وفيه قدم شرف الدين ابن الأشقر من حلب، فلما كان في الثالث من
شعبان استقر ولده تقي الدين عبد اللطيف - في كتابة السر بحلب وخلع
عليه، واستمر والده نائباً لكاتب السر على عادته. وفيه توجه الوزير
وناظر الجيش وأينال الأجرود ويشبك الحاجب لحفر خليج الإسكندرية ثم
عادوا وقد قرروا الأمر، وفوض السلطان لآقبغا التمرازي أن يباشر
حفره فتوجه، وجهز معه المال الذي جبوه من البلاد بسبب ذلك ومائتي
قطعة من الجراريف والمقلقات وستمائة رأس بقر.
واستهل شهر رجب ليلة الثلاثاء في أواخره وهو العاشر من أمشير
والطالع سعد بلع، هبت الريح المريسية شديدة البرد اليابس مع شعث،
فكان البرد أشد ما وقع في هذا الفصل، ودام ذلك إلى آخر الشهر، ومضى
طوبة معتدلاً ليس فيه برد شديد أصلاً، وهذا بخلاف العادة المعهودة،
ولم يزل البرد شديداً إلى يوم نزلت الشمس الحوت وهو سابع عشر أمشير
فخف قليلاً، ثم في اليوم - الذي يليه - كان الطالع سعد السعود،
فوقع المطر وهبت الريح الباردة ودام المطر ليلة الأربعاء وفي يومها
وفي ليلة الخميس، ثم صحت في صبيحة عن أوحال في البلد كثيرة وصلح
الزرع - ولله الحمد.
(4/45)
وفيه استقر خليل بن شاهين الذي كان أمير
الإسكندرية أمير الحاج - وفي رجب توجه جانبك الدويدار والقاضي عبد
الباسط إلى شبرار الخيام فهدما الكنيسة المحدثة. وفي يوم الجمعة
ثاني شعبان توجه القاضي كمال الدين البارزي إلى قضاء دمشق وسار معه
من حاشيته جمع جم، وتأخر أهله وصغار ولده بمنزلهم بالقاهرة، ونزل
عن قضاء دمياط لجوهر الخازندار، وكان ابن قاسم قد نزل له عنه وتعوض
عنه في مقابلة خمسين ألف درهم فيما قيل، فسأله جوهر أن ينزل له عنه
فلم يسعه إلا الإجابة ولا وسع القاضي الشافعي إلا الإمضاء، وسار
جوهر في ذلك أحسن من سيرة ابن قاسم وصار يكتب على الكتب التي يحتاج
إليها إلى دمياط الداعي جوهر الحنفي، ولم يل القضاء خصى قبله.
وفي يوم الأحد الرابع من شعبان ابتدئ بقراءة البخارى بالقلعة على
العادة وحضر الجماعة كلهم، وكان الأمير ... يفرد الأعيان من
الجماعة على حدة ومن عداهم على حدة ليقل اللغط، ثم بدا للسلطان أن
يحضروا الجميع وينصتوا لسماع الحديث، ففعلوا ولم يتكلم أحد إلا أن
الشافعي رد على القارئ مواضع من الأسانيد أسماء يبدلها أو يحرفها
من سبق
(4/46)
اللسان، وحضر في المجلس - الثاني - القاضي
علم الدين البلقيني بسعى.. منه في ذلك، وكان يظن أن الأمر على
العادة ليشغب كعادته فوجدهم ألزموا السكوت، فلما كان في المجلس
الثالث وقع في الليل مطر غزير فكير الوحل في الطرقات.
وفيه استقر أينال الأجرود أمير صفد عوضاً عن يونس وأن يقيم يونس
بطالاً بالقدس، واستقر قراجا شاد الشر بخاناة في إمرة إينال،
واستقر إينال الخازندار شاد الشربخاناة، واستقر على باى خازندارا
عوضاً عن إينال، وهذان الشابان نشأ عند السلطان نشأة حسنة فأحبهما
وقربهما ومولهما - فصار لهما - الجاه والحرمة الوافرة - وكان لهما
بعده ما سنذكره في الحوادث.
وفي شعبان نودي بأن يجتمع الذين قطعت أيديهم من الذين كانوا رفقة
سليمان ولد ابن عثمان، فاجتمعوا ظناً منهم أنه ينفق فيهم توسعة على
رمضان، فجعل كل إثنين في قرمة خشب وأنزلوا في مركب إلى البحر
لينفوا إلى بلاد الروم، فكثر ضجيجهم ودعاءهم - ولله الأمر.
وفي عاشر رمضان - جاءت أخبار - من جهة ابن عثمان ومن جهة جانبك
الصوفي فعزم السلطان على السفر، واستهل رمضان ليلة الجمعة بعد أن
ترأوه فلم يتحدث أحد برؤيته، وأوقد غالب أهل البلد المنائر بغير
رؤية فنودي لهم بإطفائها، فأصبح الناس فأفطر الكثير منهم، ثم أرسل
السلطان ثلاثة أنفس من المماليك ذكروا أنهم رأوا الهلال، فلما سمع
الناس بذلك بادروا، فما تعالى النهار حتى ثبت عند ثلاثة من الحكام
ونودي بالإمساك،
(4/47)
واستمر البرد.
وفي يوم الإثنين الرابع منه نزلت الشمس الحمل، واستمرت الأيام رطبة
ويأتي الحر أحياناً في أثناء النهار وفي أثناء الليل. وفي عاشره
عقد - مجلس - مشورة بسبب التوجه إلى البلاد الشمالية من أجل ابن
دلغادر وجانبك الصوفي وشاع بأن ابن عثمان قصد نصرتهم، فاستقر الأمر
على أن يتوجه نواب الشام نجدة لإبن قرمان إبراهيم ويطالعوا بما
تجدد.
وفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان ختم البخارى على العادة،
وكان علاء الدين الرومي سعى في مشيخة الشيخونية عوضاً عن باكير
وألحوا على السلطان في أمره، فامتنع وقال إنه كثير الشر ولا يحتمله
أهل الشيخونية، وأمر أن يرتب له في الجهات السلطانية مرتبات، وعند
القاضي الشافعي في الأوقاف ألفا وخمسمائة، وعند الحنفي النصف من
ذلك، فلم يقنع بذلك وشرع في الحط على شيخنا فأكثر فوقع منه قبيل
مجلس الختم أن بحث في شئ فتكلم باكير، فرد عليه ثم بالغ إلى أن
كفره، فرد عليه الشافعي ووافقه الجماعة ووافقهم السلطان، فسكت
الرومي على مضض ثم شرع في كتابة أسئلة ودسها إلى السلطان ليجيب
عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية - فسلمها للشافعي فقرأها -
وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يعد، فذكر الشافعي للحاضرين أن أول
الورق مقسماً بأيمان عظيمة أن - أعلم - أهل المجلس لا يعلم معنى
قال رسول الله، وكلاماً آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع من سمع ذلك على
ذمه.
(4/48)
ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر
رمضان أمر السلطان بعقد مجلس بسبب منازعة إبراهيم السفارى مع جهة
الحرمين في جزيرة قاو من الصعيد وكانت بيد مستحقي الحرمين وشرف
الدين السفارى مستأجرها منهم، ثم ادعى في سنة أربع وثمانين أنها
وقف أبيه وسأل في كتابة محضر فسطر ثم بطل، فلما كان في سنة ست
وثلاثين بعد موت شرف الدين قام إبراهيم هذا وهو صهره فأكمل المحضر
المذكور عند المالكي قبل السفر إلى آمد وثبت، فلما عاد العسكر قام
المستأجر على الأمراء إلى أن استمرت في يد مستحقي الوقف فلما كان
في السنة الماضية سأل إبراهيم السفاري عقد مجلس فرسم له عند كاتب
السر فحضر القضاة الأربعة، فحكم الحنفي بإبقاء الوقف في يد مستحقي
الحرمين وبإلغاء ما يخالف ذلك، فلما كان في شهر رجب هذه السنة أحضر
إبراهيم محضراً من الصعيد فيه حكم قاضي هو بأن الجزيرة المذكورة
اشتراها السفارى الكبير من بيت المال ووقفها على ذريته، فنفذ ذلك
الحنفي وضمنه حكما بناه على حكم المالكي الأول، فقام في نقض ذلك
زمام الدور السلطانية جوهر نيابة عن ناظر الحرمين، وأوصل القصة
بالسلطان، وأوضح له تناقض الحنفي في المسألة، فرسم بعقد مجلس عنده
فعقد، فلما تبين له الحال قطع المستند الذي بيد إبراهيم بحضرة
الحنفي وغيره وأبقى الجزيرة المذكورة بيد مستحقي الحرمين، فلما
انقضى المجلس طلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ له حقه
من علاء الدين الرومي، فأذن له.
وفي يوم السبت طلب شرف الدين أبو بكر بن إسحاق الملطي شيخ
الشيخونية علاء الدين علي بن موسى الرومي لمجلس الحكم وادعى عليه
أنه كفره بمجلس الحديث بحضرة السلطان والعلماء في يوم الاثنين ثامن
عشرة ونسب أنه قال: الوجوب والإيجاب متحدان بالذات مختلفان
بالاعتبار، فأنكر الرومي ذلك فخرج الملطي على البيان، ثم عقد مجلس
بحضرة السلطان في القصر يوم الاثنين خامس عشريه، فتنازعا قليلاً
فقام الحنفي فأصلح بينهما، وذكر أن ذلك بإشارة السلطان، وانفصل
الأمر على ذلك،
(4/49)
فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذي
طلبوه إلى اشرع أنزلوه عن فرسه وجروه على الأرض وقطعوا فرجيته
وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفر من العامة يصيحون عليه يا رافضي!
كفرت، فأمر بإحضارهم، فأحضر منهم اثنان فضربا بحضرته ثم أطلقا،
وانفصل الأمر على ذلك، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرية، وافتتح
القاضي علم الدين البلقيني بالسعي، فدس الحمصي الذي صرف عن قضاء
الشام وحضر إلى القاهرة ليسعى في العود فكتب قصة يطلب فيها تولية
قضاء الشافعية بمصر وكتابة السر بها أو نظر الجيش بالشام، فقال
قائل: لأي معنى عزل عن الشام؟ فقال بعض من رتب في القول: إذا وعد
هذا ببذل الكثير فغيره يبذل ذلك ويستقر وهو أحمق منه، وهو كان صاحب
الوظيفة فأصغى السلطان لذلك، ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى
انسلخ شهر رمضان.
وفي أول شوال جدد الساعي للقاضي علم الدين السؤال، فأمر السلطان
بعض الخاصكية أن يتكلم مع كاتبه في بذل شيء، فامتنع، فلما كان في
يوم الخميس خامسه صرف كاتبه عن القضاء واستقر القاضي علم الدين
البلقيني، وفي يوم السبت السابع منه رسم بعقد مجلس بعلماء الحنفية
بسبب شرط الشيخونية، فأحضرت أربعة كتب وهي الهداية والبزدوي
والمفتاح والكشاف، وذكر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له إنه
لم يبق أحد يعرف يقرر هذه الكتب، فوقع بينهم الكلام وبدر القاضي
الشافعي فقال: يا مولانا السلطان! هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء،
وليس في الدنيا مثلهم، وما منم إلا من يعرف - يقرر هذه الكتب، فمن
ادعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونرده عليه، فأعجب السلطان
ذلك، وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي، فلما لم يجب عن ذلك
كلمة وظهر منه الرجوع عن ذلك ظهر للسلطان أنه تكلم يعرض لأجل
الرومي، ففصل الأمر وانقضى المجلس.
(4/50)
وفي يوم الأربعاء توجه القاضي المستقر إلى
مصر على العادة، وكان استقر في نقابة الحكم بشخص يقال له حسن
الأميوطي وكان رسولاً في الحكم، فنقم عليه شيء فصار يتوكل في
المحاكمات، ثم اتصل بالقاضي المستقر، فلما كان هذا اليوم طلع إلى
القلعة ومعه شيء من الذهب الموعود به فخلع عليه قباء بطراز، فاستمر
لابسه وهو راكب قدام القاضي من مصر إلى القاهرة في الشارع، وتعجب
الناس من ذلك. وفيه نزلت صاعقة بحدة فأتلفت شيئاً كثيراً، ووقع
حريق وهلك نحو المائة نفس، وتلف لبعض التجار مال كثير، ومن العجائب
أن البضاعة المتعلقة بالسلطان سالمة، ويقال إن غالب الأبنية
المتجددة في جدة احترقت واحترق أيضاً مركبان بما فيهما من البضاعة،
ووقعت وقعة بين القواد وجانبك شاد جدة فجرح عدة، ثم أصلح بينهم من
كان أمير مكة، وفي العشر الأخير منه موافقاً لأوائل بشنس من اشهر
القبط زاد النيل زيادة كثيرة وشاهدت المقياس واعتبرته فوجدت الماء
في نصف الذراع الثامن هذا وقد بقي للأمد المعتاد أكثر من أربعين
يوماً.
وفي السابع عشر منه طيف بالمحمل وخرج الحاج وفي الظن أنهم قليل،
فاجتمع في بركة الجب خلائق بحيث أنهم صاروا ثلاثة ركوب. الأول ولد
الدويدار الكبير وأمير المحمل غرس الدين خليل الذي كان أمير
الإسكندرية، وتوجه جمع كثير من الركبين صحبة جماعة من الخاصكية،
وسافر الأول يوم الأحد.
(4/51)
وفي ثالث عشري شوال قتل شخص كان نصرانياً
فأسلم ثم ارتد فعرض عليه الإسلام فامتنع فقتل.
وفي آخر شوال أحضر شخص ثلاث شعرات ذكر أن تاجراً أوصى أن يدفع ذلك
للسلطان ومات بحلب فاستدعى النائب والقضاة وسلمها لهم، ففرح بها -
السلطان وأراد أن يبني لها زاوية ويتركها فيها لتزار كما يزار
الآثار التي بمصر ثم..
واستهل شهر - ذي القعدة بالاثنين، وفيه اصطلح ابن عثمان وابن
قرمان، وعاد نائب حلب من مرعش، ووقع بين حمزة ابن قرايلكو صاحب
ماردين وبين أصبهان بن قرا يوسف حرب انهزم فيها أصبهان ومن معه
وأقام شخصاً بالقلعة فولاه -.
وفي يوم الأربعاء شهد جماعة برؤية الهلال تلك الليلة، فلم يقبل
القاضي شهادتهم ورددهم وبين القاضي الحنفي، فبلغ السلطان ذلك فذكر
إن اثنين من المماليك أخبرا السلطان بذلك وأنه ارتقب الهلال ليلة
الخميس فغاب قبل العشاء، فاستدلوا بذلك - على بطلان شهادة من شهد
برؤيته ليلة الأربعاء، وقوي عندهم ذلك أن أهل التقويم أطبقوا على
أن رؤيته يوم الأربعاء غير ممكنة في العادة لأنه تغيب على نحو ثلث
ساعة، واستمر الحال على ذلك إلى أن ضحي جماعة من الناس يوم الجمعة
اعتماداً على من رأى ليلة الأربعاء، وانتشر الأمر وكثر عدد من ينسب
إلى الرؤية، وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتماداً على من شهد
ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكور بأنهم فعلوا ذلك
محاباة للسلطان لما جرت العادة من نظيرهم بخطبتين في يوم، فنقض
عليهم بأن القاضي ولي الدين العراقي خطب في شوال سنة وهي ول سنة
تقرر فيها الأشرف في السلطنة ثم لم يزل مستقيماً في مملكته إلى
الآن، وكثرت الشناعة بسبب ذلك - والله المستعان،
(4/52)
وعيد جماعة يوم الجمعة وصلوا في بيوتهم
العيد، وأفطر جمهور الناس يوم الجمعة خشية أن يكون هو يوم العيد،
واتفق أهل الشام والقدس وما حولهما على أن أول ذي الحجة يوم -
الأربعاء.
ذكر من مات
في سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان
إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي، دخل بلاد العجم وأخذ عن
الشريف الجرجاني وغيره وأقام بمكة، فكان حسن الخلق كثير البشر
بالطلبة، انتفعوا به كثيراً في عدة فنون وجلها المعاني والبيان،
وكان يقررها تقريراً واضحاً، مات في آخر المحرم.
أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عمر بن عثمان
البوصيري الشيخ شهاب الدين نزيل القاهرة، ولد في المحرم سنة 762،
واشتغل قليلاً وسكن القاهرة، ولازم شيخنا العراقي على كبر فسمع نه
الكثير، ثم لازمني في حياة شيخنا فكتب عني لسان الميزان والنكت على
الكاشف، وسمع على الكثير من التصانيف وغيرها، ثم أكب على نسخ الكتب
الحديثية وفي الأجزاء، وكتب - على نسخ الفردوس ومسند الفردوس وعلق
بذهنه من أحاديثهما أشياء كثيرة وكان يذاكر بها، واشتغل في النحو
قليلاً على بدر الدين القدسي، ولم يكن يشارك في شيء منه ولا من
الفقه، وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة مع حدة الخلق. وجمع
أشياء، منها زوائد سنن ابن ماجة على الكتب الأصول الستة، وعمل
زوائد المسانيد العشرة وزائد السنن الكبير للبيهقي، وجمع من مسند
الفردوس وغيره أحاديث، وأراد أن يذيل بها على الترغيب والترهيب
للمنذري ولم يبيضه وسماه تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب
والترهيب،
(4/53)
ولم يزل مكباً على الاشتغال والنسخ إلى أن
مات في ليلة الثامن عشري المحرم بمدرسة السلطان حسن بالرميلة وله
ثمان وسبعون سنة.
أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السمسار المعروف
بابن المحمرة شيخ الصلاحية شهاب الدين، ولد في صفر سنة 767، وحفظ
القرآن صغيراً والعمدة والمنهاج وكان ذكياً، ولازم الشيخ سراج
الدين البلقيني والشيخ زين الدين العراقي، ودار على الشيوخ وقتاً،
وكتب بعض الطباق، ثم تشاغل بالجلوس في رحبة العيد وتقرر في المخبز
بالخانقاه الصلاحية ولازم السالمي فقرأ له بنفسه على جمع من الشيوخ
عدة من الكتب، وسمع قديماً من عبد الله بن علي الباجي وتقي الدين
ابن حاتم ونحوهما، ثم أكثر عن شيوخنا البرهان الشامي وابن أبي
المجد، ثم استنابه القاضي جلال الدين في الحكم، فأقبل على ذلك
بكليته واقتنى مالاً وعقاراً، وكان كثير الدربة في الحكم حسن
التجمل جداً، فاتفق أن الملك الأشرف قرر بهاء الدين بن حجي في قضاء
الشام بعد قتل أبيه فسار سيرة سيئة، فاتصل ذلك بالسلطان فعرض ذلك
على القاضي علم الدين البلقيني فاستعفى، فذكر شهاب الدين للسلطان
فعرفه بحسن شكله فقرره وذلك في سنة 32، فتوجه وسار سيرة حسنة، فلم
يزل على ذلك حتى وقع بينه وبين كاتب السر القاضي كمال الدين بدمشق
البارزي فسعى عليه فاستقر في القضاء وعاد إلى القاهرة. ثم لم ينشب
القاضي كمال الدين أن نقل إلى كتابة السر
(4/54)
من دمشق إلى القاهرة، واستمر شهاب الدين
بالقاهرة إلى أن شغرت مشيخة الصلاحية فصرف الشيخ عز الدين القدسي
عنها، فسار إليها في ذي الحجة سنة 38 فباشرها إلى أن مات في يوم
السبت - 4 شهر ربيع الآخر، قال القاضي تقي الدين الشهبي ناب في
القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها، وولي بعض البلاد فحصل منها
مالاً، وصار يتجر بعد أن كان مقلاً يتكسب من شهادة المخبز
بالخانقاه الصلاحية، ولما ولي قضاء دمشق سار سيرة مرضية بحسب
الوقت، ولم يعدم من يفتري عليه إلا أنه كان متساهلاً بحيث - لا
يبحث عن القضايا الباطلة، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل
شيئاً ولا ينكر على ما يصدر من نوابه مع اطلاعه على حالهم.
أحمد بن محمد بن رمضان - المكي الشاعر المعروف بالحجازي
(4/55)
أبو العباس، ذكر لي أنه ولد سنة 771
تقريباً بجياد مكة، فولع بالأدب وقدم الديار المصرية في سنة ست
وثمانين وسبعمائة صحبة زكي الدين الخروبي وتردد، ثم استقر بالقاهرة
وتكسب بمدح الأعيان، فكان ينشد قصائد جيدة منسجمة غالبها في
المديح، فما أدري بمدح الأعيان أكان ينظم حقيقة أو كان ظفر بديوان
شاعر من الحجزيين فكان يتصرف فيه! وإنما ترددت فيه لوقوعي في بعض
القصائد على إصلاح في بعض الأبيات عند المخلص أو اسم الممدوح فيكون
فيه زحاف أو كسر - والله يعفو عنه! وأظنه مخطئاً في سنة مولده فإنه
كان اشتد به الهرم وظهر عليه جداً - فالله أعلم.
أحمد البابي شهاب الدين - بباء موحدة - نسبة إلى باب والبزاغة،
وكان يصحب القاضي صدر الدين المناوي، وتقدم في ولايته القضاء ثم
ولي تدريس الشريفية بالقرب من الجودرية وسكن بها إلى أن مات وقد
جاوز الثمانين.
أرغون شاه النوروزي، وكان ولي أستادارية السلطان بدمشق، وولي
الوزارة بمصر ثم الأستادراية، ثم أعيد إلى دمشق على إمرة؛ مات في
حادي عشر رجب.
أقباي اليشبكي، كان من مماليك يشبك واستقر بعد ذلك دويدار صغيراً
وولي نيابة الإسكندرية في العام الماضي وكان متواضعاً بشوشاً كثير
الحرص على التحصيل ولم يحمد في ولايته المذكورة، ومات في يوم السبت
21 ذي القعدة، واستقر عوضه - زين الدين عبد الرحمن ابن علم الدين
بن الكويز في نيابة الإسكندرية
(4/56)
فاستقر يوم الخميس ثالث ... وسافر يوم
الخميس -.
بردبك الإسماعيلي، من مماليك الظاهر برقوق أحد الأمراء العشرات،
مات في جمادى الأولى.
أبو بكر - بن عتوق بن أبي بكر السوهائي زكي الدين الشاهد بمصر، سمع
في سنة 79 على ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن إدريس الحراوي
الطبردار - قطعة من كتاب - الخيل للدمياطي بسماعه لجميعه منه، ومات
في....
حمزة بك بن علي بك بن ناصر الدين ابن دلغادر، مات مسجوناً بقلعة
الجبل في ليلة الخميس السابع والعشرين من - جمادى الأولى.
سليم بن عبد الرحمن، الجنائي الشيخ سليم، واصله من عسقلان ويقال
له، الأزهري، لسكناه بجامع الأزهر، وهو أحد من كان يعتقد بالقاهرة،
وكان شهماً، جاوز الستين بأربع، وحج مرات، وكانت جنازته مشهودة،
ومات أخوه الشيخ علي الجناني قبله بقليل وكان خيراً وأظنه جاوز
الثمانين.
(4/57)
عائشة ست العيش بنت القاضي علاء الدين
الحنبلي، ولدت سنة 61 وحضرت على جدها فتح الدين القلانسي أكثر
الغيلانيات وغيرها - وسمعت من القاضي عز الدين ابن جماعة والقاضي
موفق الدين الحنبلي جزءين من حديث أبي الحسن بن بشران ومن ناصر
الدين الحراوي الجزء الأول من فضل الخيل للدمياطي، ولها أجازة من
محب الدين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، أكثر عنها الطلبة
بأخرة، وكانت خيرة وتكتب خطاً جيداً، وهي والدة القاضي عز الدين
ابن قاضي المسلمين برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي.
عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله، المروزي الأصل زين
الدين ابن الخراط نزيل القاهرة، الأديب الشاعر، موقع الدست، اشتغل
على أبيه وغيره بحلب، ولد بحماة في سنة 77، وقدم مع والده إلى حلب
فنشأ بها، واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب واشتهر، وأكثر من مدح
الأكابر من أهل حلب، ومدح حكم بقصائد طنانة
(4/58)
فأجازه واختص به ونادمه، ثم بعد إقامته
بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين محمد إلى القاهرة
صحبة القاضي ناصر الدين ابن البارزي فسعى لأخيه في كتابة السر
بطرابلس فوليها، ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر في كتابة
الإنشاء، ثم ولي وظيفة الإنشاء بعد ابن حجة، وكانت بيده وظائف
تلقاها عن أبيه فاستمرت معه، وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه
إلى أن مات، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية
اللطافة والكياسة، سمعت من نظمه وصار حتى بلغز في النعام نثراً من
إنشائه فأجبته، وكان كثير النفور من الناس جداً، بلغني أنه قارب
السبعين مات في ليلة الثلاثاء ثاني المحرم - وقد تقدم ذكر أبيه.
عبد الرحمن القاضي نور الدين بن الشيخ جلال الدين نصر الله،
البغدادي أخو قاضي القضاة محب الدين، كان ينوب في الحكم عن اخيه،
وناب قبل ذلك على ابن المغلي، وكان في ابتداء أمره حريراً بحانوت
على باب القصر، ثم جلس في الشهور إلى أن ناب عن أخيه فحكم فيه، ثم
ولي قضاء صفد استقلالاً فأقام بها سبع سنين، ثم حج في أواخر شعبان
سنة 37 وجاور سنة ثمان، ورجع إلى القاهرة في أول سنة 39، فأقام بها
ينوب عن أخيه إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان، وكان الجمع في
جنازته وافراً، ولم اصل عليه لأنه أخرج وقت صلاة الجمعة وأنا صليت
في جامع القلعة بالسلطان، ومولده في سنة 783، وقدم مع أبيه بعد
التسعين وهو أصغر الإخوة، وله سماع من بعض شيوخنا، وكان حسن المودة
كثير البشاشة، وفي كثير من أحكامه مقال - والله يعفو عنه!
(4/59)
وأجاز له في استدعاء بخط أخيه القاضي محب
الدين ابن المحب وجماعة من شيوخ الشام في سنة 786، وذكر لي أخوه
أنه سمع معه على تقي الدين ابن حاتم كتاب الشفاء، ولم يخلف ولداً،
وقرأت بخط أخيه أنه مات له ثلاثة عشر ولداً.
عبد الرحمن الحلبي القاضي تاج الدين المعروف بابن الكركي بحلب
ومولده.. وسمع من ... وولي قضاء حلب مدة ثم نزل عن ذلك، واستمرت
بيده جهات قليلة يتبلغ منها إلى أن مات في يوم 22 من شهر رمضان،
وكان يسكن القاهرة مدة وناب عني ثم حج وتوجه، ولفقيته بحلب ما
توجهت إليها صحبة السلطان، وأجاز لأولادي - رحمه الله.
علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن منصور بن حجاج بن يوسف
الحسني العلوي الشريف صاحب صنعاء الإمام المنصور نجاح الدين أبو
الحسن ابن الإمام صلاح الدين أقام في الإمامة بعد أبيه ستاً
وأربعين سنة وأشهراً بصنعاء وصعدة وعدة حصون، ومات في 7 صفر،
واستقر بعده ابنه الناصر صلاح الدين محمد فمات بعد ثمان وعشرين
يوماً، فاجتمع الزيدية على رجل يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي
القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدي والجميع زيدية.
قرقماس بن عذراء بن نعير بن حيار بن مهنا.
كمشبغا الظاهري أمير عشرة، وهو أيضاً ممن قام بنصر جانبك الصوفي
إلى أن أخذ في هذه السنة كما قدمنا في الحوادث -.
عبد الوهاب تاج الدين بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن
كثير، مات في ثاني ذي القعدة بدمشق -.
عيسى بن قرمان، قتل في محاربته مع أخيه إبراهيم.
قرمش الأعور، كان من مماليك الظاهر برقوق، وتنقلت به الأحوال
وتامر، ثم كان مع تنبك البجاسي لما خامر على السلطان، ثم ظهر مع
جانبك الصوفي في السنة الماضية، فلما كان العسكر المجرد بحلب وصل
خجا سودون إلى عينتاب فطرقه قرمش فكانت بينهما
(4/60)
وقعة قبض فيها على قرمش فقتل. فحملت رأسه
إلى القاهرة فطيف بها، ووصل العسكر المجرد إلى سيواس فلم يظفروا
بجانبك ولا بابن دلغادر بل انهزما أمامهم إلى بلاد الروم.
قصروه وكان من مماليك الظاهر برقوق، وتنقلت به الأحوال إلى أن
استقر في إمرة آخور الكبير في أول دولة الأشرف، ثم نقل إلى نيابة
طرابلس في سنة خمس وعشرين، ثم نقل إلى نيابة حلب سنة ثلاثين، فلما
كانت سفرة آمد وعاد الأشرف إلى القاهرة ولاه نيابة دمشق، ونقل منها
جار قطلي إلى القاهرة، ونقل قصروه إلى حلب في شعبان سنة سبع
وثلاثين - فسار فيها سيرة حسنة، وعمر قبة كبيرة في مقام الأنصاري
ووقف عليها وقفاً.
محمد بن أحمد بن محمود القاضي شمس الدين الحنفي المعروف بابن
الكشك، مات معزولاً عن القضاء.
محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي الشافعي صاحبنا الشيخ شمس الدين،
كان خطيباً بجامع يونس بالقرب من قنطرة السباع بين مصر والقاهرة،
وكان ديناً خيراً
(4/61)
مقبلاً على شأنه لازمني نحو ثلاثين سنة
وكتب أكثر تصانيفي، منها أطراف المسند، وما كمل من شرح البخاري وهو
أحد عشر سفراً، والمشتبه ولسان الميزان، وكتب الأمالي وهي في قدر
أربع مجلدات بخطه، وتخريج الرافعي وعدة تصانيف، وكتب لنفسه من
تصانيف غيري، واشتغل بالعربية، ولم يكن له نهمة في غير الكتابة،
وكان متقللاً من الدنيا قانعاً باليسير صابراً قانتاً قليل الكلام،
كثر الثناء عليه من جيرانه، مات في يوم الثلاثاء ثاني عشر رمضان
وتأسفوا عليه - رحمه الله.
محمد بن محمد بن أحمد، المناوي الأصل الشيخ شمس الدين الجوهري
المعروف بابن الريقي، مات في يوم الخميس خامس شوال، وكان قد حصلت
له ثروة من قبل بعض حواشي الناصر فرج من النساء، واكثر من القراءة
على الشيخ برهان الدين البيجوري فقرأ عليه الروضة وفي الرافعي
الكبير وفي الرافعي الصغير وغير ذلك، ولازم دروس القاضي ولي الدين
العراقي، وكان كثير التلاوة والإحسان للطلبة، وكانت جنازته مشهودة.
محمد بن محمد بن علي بن أدريس ين أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن
أبي بكر بن عبد الرحمن، مجد الدين أبو الطاهر العلوي - نسبة إلى
نبي علي بن بلي بن وائل - التعزي الشافعي، ولد في أول شوال سنة ست
وثمانمائة. وقرأ القرآن وشدا شيئاً من العربية ونظم الشعر، وأحب
طلب الحديث فاخذ عن الجمال بن الخياط بتعز، وحضر عند الشيخ مجد
الدين الشيرازي وأجاز له، وحج سنة تسع وثلاثين فسمع بمكة، ثم قدم
القاهرة فأكثر على السماع ليلاً ونهاراً وكتب بخطه كثيراً، ثم بغته
الموت فتوعك أياماً، ومات يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة، وكان
ينظم سريعاً.
(4/62)
محمد بن موسى بن عمر بن عطية، اللقائي
الأزهري المالكي، ولد سنة 774 - كذا بخطه، ونشأ مع أبيه وحفظ
القرآن وقرأ به في الجوق وكان حسن الصوت، ثم طلب الحديث وقتاً وكتب
أسماء السامعين واعتمدوا عليه في ذلك، ثم اتصل بشرف الدين
الدماميني خين ولي نظر الجيش، ثم بفتح الله حين ولي كتابة السر
فلازمه إلى أن استقر شاهد ديوانه وغلب عليه، ثم لما زالت دولته
واستقر ابن - البارزي خدمه ولازمه إلى أن غلب أيضاً عليه، واستقر
في ديوانه لا يقطع أمراً دونه إلى أن مات، فخدم ابنه وابن الكويز،
ثم انفصل عنه وباشر في عدة جهات، وكان كثير التودد والإحسان
للفقراء والمحبة في أهل الخير والصلاح، مات يوم الاثنين خامس شعبان
بمنزلة جوار جامع الأزهر، وكانت جنازته حافلة، صلوا عليه بالجامع
الأزهر، وكان الجمع كثيراً، ثم مشوا إلى مصلى باب النصر فصليت
عليه، وحضر جميع مباشري الدولة ناظر الجيش فمن دونه.
محمد بن يوسف بن أبي بكر بن صلاح، القاضي شمس الدين الحلاوي
الدمشقي، وكان يذكر أن أصلهم من حلب وأنهم نسبوا إلى المدرسة
الحلاوية بها، وكان كثير من الناس يذكرون أن أباه كان يبيع الحلوى
الناطف في طبق، وولد له هذا في سنة 765، وكان للناس فيه اعتقاد
فنشأ ولده بين الطلبة، واسمعه من جماعة من الشيوخ، وكان يذكر أنه
سمع من الحافظ عماد الدين ابن كثير وابن أميلة ونحوهما من أهل ذاك
العصر، فوجد سماعه من ابن كشك لبعض الصحيح وحدث به، ثم قدم القاهرة
(4/63)
وتوصل إلى خدمة الأمير يشبك، وصحب ابن
غراب، وعمل التوقيع عند يشبك، وولي نظر الأحباس مدة والحسبة غير
مرة، ثم ولي وكالة بيت المال سنة سبع وعشرين بعد موت ابن التباني
إلى أن مات، وكان قد مرض مرضاً طويلاً نحو الخمسة أشهر، أصابه فالج
فبطل نصفه، وتنقلت به الأمراض إلى أن مات في ليلة الجمعة سادس
شوال، وكان كثير المجازفة في النقل، واستقر بعده في وكالة بيت
المال القاضي نور الدين مفلح ناظر المارستان وفيه قيل:
إن الحلاوي لم يصحب أخاً ثقة ... إلا محا شؤمه منه محاسنهم
السعد والفخر والطوخي لازمهم ... فأصحبوا لا ترى إلا مساكنهم
يعني سعد الدين ابن غراب وأخاه فخر الدين وبدر الدين الطوخي، فزاد
عليهم المصنف رحمة الله:
وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى ... والبدر والنجم رب اجعله ثامنهم
يعني صلاح الدين ابن الكويز وأخاه علم الدين وبدر الدين بن محب
الدين المشير والنجم ابن حجي.
محمد بن شاه بن الشيخ شمس الدين الفناري الحنفي الرومي، كان ذكياً،
وحج في سنة بضع وثلاثين ودخل القاهرة، ثم رجع إلى بلاد ابن قرمان
فمات.
محمد المغربي الأندلسي النحوي الشيخ شمس الدين الذي ولي قضاء حماة
وأقام بها مدة، ثم توجه إلى الروم فاقام بها وأقبل الناس عليه،
وكان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار عارفاً بعدة علوم خصوصاً
العربية، وقد قرأ في علوم الحديث على وكان حسن الفهم،
(4/64)
مات في شعبان ببرصا من بلاد الروم.
محمد بن ... بن الشيخ عبد القادر الكيلاني، الشيخ شمس الدين مات في
رابع صفر.
محمد المعروف بالبلدي الشيخ شمس الدين، كان خيراً وبيده نظر
المارستان بمكة، وكان يخدم الفقراء ويبالغ في ذلك بنفسه، وكان دأبه
المشي بين الناس للإصلاح بينهم وتأليف قلوبهم فألموا لفقده، وكانت
وفاته في يوم الخميس سلخ ربيع الأول.
موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان، الشافعي الشيخ شرف
الدين السبكي، مات في سابع عشر ذي القعدة، وكان متصدياً لشغل
الطلبة بالفقه جميه نهاره، وأقام على ذلك نحو العشرين سنة ولم يخلف
بعده في ذلك نظيره، وأظنه بلغ
(4/65)
السبعين وكان سناطاً.
نعمة الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الرحيم، الجرهي - بفتح
الجيم والراء الخفيفة، مات وله دون الثلاثين سنة، ولد بشيراز وسمع
الكثير وحبب إليه الطلب وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ثم قدم القاهرة
فأكثر عني وعن الشيوخ وفهم وحصل كثيراً من تصانيفي ومهر فيها، وكتب
الخط الحسن وعرف العربية، ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي
فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد ورجع هو وأخوه قاصدين إلى مكة فغرق
نعمة الله في نهر الحسا ونجا أخوه، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر
إلى جدة، فاتفق وقوع الحريق بها فاحترق مع من احترق لكنه عاش وفقد
رجليه معاً فإنهما احترقا، وعاش هو لعمره وذلك في شوال منها، وكانت
وفاة نعمة الله في رجب أو شعبان ظناً.
(4/66)
1 8 - //الجزء التاسع
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
قرأت بخط القاضي الحنبلي: لم ير الهلال ليلة الجمعة إلا أن شخصاً
يقال له العاملي يقرأ المواعيد ذكر أنه رآه ولم يوجد من يوافقه،
وفي يوم الجمعة صلى بجامع الحاكم بعد الصلاة على ميت ...
وفيه - فرقت كتب الحجاج، وفيها أن الوقفة يوم الجمعة، وكان قدوم
الهجان بذلك بعد العصر يوم الخميس قبل ذلك، ولم يحضر المبشر على
العادة خشية من العرب الذين يقطعون الطريق.
وفي يوم الاثنين استقر سراج الدين عمر الحمصي في قضاء طرابلس وخلع
عليه، وركب معه القاضي الشافعي وناظر الجيش.
وفي العاشر منه ثار جماعة من المماليك الأشرفية الجلبان وقصدوا نهب
- بيت ناظر الجيش، فأنذر بهم فاحترز وتحول من بركة الرطلي ونقل
أمتعته، فهجموا منزله ببركة الرطلي فنهبوا ما وجدوا - فيه وهم دون
المائة ورجعوا -، وخشي الوزير من النهب فاختفى، ثم صارا يحضران مع
الموكب ويرجعان مختفيين، قراسلهم السلطان بالمنع مما فعلوه، فلم
يجيبوا وراموا أن يزاد جوامكهم واللحم؛ ثم سكنت القضية.
(4/67)
وفيه وصل بدوي فأخبر أن الحاج حصل لهم في
الذهاب عطش ومات منهم كثير من الجمال ولم يحضر معه من كتبهم إلا
اليسير، فحصل لجماعة ممن له معرفة من الحاج اضطراب إلى أن وصل في
السادس عشر جماعة سبقوا من العيون فذكروا أن بني لام خرجوا على
شاهين الذي كان توجه لعمارة البئر بالعيون فقتلوه ونهبوا الإقامة
المجهزة من القاهرة وأن الحجاج بخير، ثم وصل من سطح العقبة جماعة
في يوم العشرين فأخبروا أن الركب الأول يدخل يوم السبت وأن المحمل
يتأخر بسبب احترازهم من العرب.
وفي سابع عشر صفر وقع لعز الدين بن القاضي جمال الدين البساطي تغيظ
على بعض العامة فعزره فشكاه للسلطان، فتعصب أمير آخور الصغير فأدب
العامي فضربه ضرباً مبرحاً، فحمله أخوه على جمال الدين وزعم أنه
أشرف على الموت، فآل الأمر إلى أن أمر السلطان بضرب البساطي فضرب
ضرباً مبرحاً، وشق ذلك على غالب الناس.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول نودي على النيل بما كان نقص
وهو إصبعان، ثم نودي يوم الخميس بإصبع تكملة أربع عشرة من أحد
وعشرين ذراعاً، وكان ذلك موافقاً لتاسع عشري توت من الأشهر
القبطية، وانتهت الزيادة في سلخه إلى خمسة أصابع من أحد وعشرين
ذراعاً، واستمر ثابتاً مدة، واشتد الحر نحو العشرة أيام إلى أن طلع
نجم السماك يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر الموافق لبابة من الأشهر
القبطية فهبت الهواء الباردة وسكن الحر.
وفيها غلب على صنعاء اليمن سنقر مولى علي بن صلاح ملكها الذي انتقل
بالوفاة، فعصى سنقر المذكور على الإمام الذي استقر بعد على ابن
صلاح بصعدة، فسار
(4/68)
الغمام لمحاربة سنقر المذكور كما سيأتي
بيانه في السنة التي بعدها وآل الأمر إلى أن المملكة صارت لسنقر
وصيرها ملكاً.
وفيها ورد كتب صاحب الحبشة يذكر فيه أن البطرك الذي عندهم من قبل
البطرك الساكن بمصر مات ويلتمس من السلطان أن يأمر البطرك أن يجهز
إليهم من عنده بدله ويذكر فيه مودة ومحبة وتوصية بمن بمصر وأعمالها
من النصارى، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فبعث نصرانياً يسمى
مخاييل، ومن قبل أن يسافرا حضر عندهما جماعة من الحبشى نصارى فشكوا
أنهم كانوا في دير وأن قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة
وهرب من بقي، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير
وتركها أهلها من أجل تخريبها، فرفعوا قصة إلى السلطان فأذن في ذلك،
ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي وهو حينئذ بدر الدين العيني فكتب
لبعض من ينوب عنه بالتوجه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت
عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك ففعل، فكان في سنة 844 ما
سأذكره.
وفي شهر ربيع الآخر قبض على جانبك الصوفي بعد أن كان تحول عند
مرزابك إلى جهة ابن قرايلك -، فما زال تغري برمش النائب بحلب -
يكاتبه في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينار ليقبض عليه، فبلغ
ذلك جانبك الصوفي - ففر بمن معه فتبعوه - فجرح في المعركة وقبض
عليه، وكوتب النائب فجهز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب وكاتب
السلطان في ذلك، فاتفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه، فوصلت السرية
فقبض المال وحز رأسه وجهزت إلى حلب ثم إلى القاهرة،
(4/69)
ووصلوا بها أول جمادى الأولى، وطيف - بها
في القاهرة واستقرت النفوس، وحصل لمن كان يهوى هواه ما لا مزيد
عليه من الحزن، وبطلت الملحمة وتبين كذب من افتراها - والأمر كله
بيد الله تعالى.
وفي يوم الخميس سابع عشرة رفع جماعة أن نور الدين بن سالم أحد نواب
الشافعي حكم عليه في قضية، فطلبه السلطان فحضر، فسأله عن الشهود:
لم لم يكتب أسماؤهم في الحكم؟ فأجاب بأن ذلك ليس شرطاً، فعارضه بعض
من حضر، فأمر بضربه فضرب بحضرته وأخذ شاشه وأهين إهانة صعبة، فخرج
وهو مكسور الخاطر لكونه مظلوماً، وكثر التأسف عليه، ولم يكن إلا
اليسير حتى وعك السلطان وتمادى أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلاً.
وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر بحماة
وحلب وحمص، ثم تحول إلى دمشق في أواخر الشتاء ودخل الديار المصرية
في أوائل شهر رمضان، فكان في ابتدائه يموت في اليوم - نحو العشرين،
ثم بلغ في آخره نحو الثمانين، ثم بلغ في أول شوال إلى المائة، ثم
بلغ المائتين في العشر الأول منه، وفي العشر الآخر من شهر رمضان
توجه جكم ختن السلطان بإذنه إلى الوجه
(4/70)
البحري فهدم دير المغطس وهو دير روماني من
قبل الإسلام لكنهم يبالغون في تعظيمه ويخصون له يوماً معيناً
كالعيد، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليم مشاة وركباناً، ويتشبهون
بالحجاج، ويجتمع حوله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم
الكبار، ويعلنون فيه بسب أكابر المسلمين كالصحابة خصوصاً خالد بن
الوليد، وقد تقدم في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام
الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعيه في هدمه فلم يتفق، فقيض
الله في هذا الشهر هذا الرجل وهو جركسي قريب العهد بالإسلام لكن
إسلامه قوي، فعرفه بعض الصلحاء بالقضية ففهمها، فقام فيها إلى أن
أذن السلطان للقضاة بالحكم بهدمه بعد إن كان المالكي في تلك المرة
- قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه وأشرف على الحكم، فدسوا عليه من
أخافه بأن للسلطان غرضاً في ترك هدمه وإبقائه مغلقاً، فجبن وركن
لمن زعم له أن السلطان حكم بإغلاقه إلى إن يسر الله في هذا الوقت
هدمه - ولله الحمد.
وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطان من يحضر مجلس الحديث عن سبب
الطاعون، فذكر له بعضهم فشو الزنا، فأمر بمنع النساء هن الخروج من
بيوتهن إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللاتي لا بد لهن منها
وشدد في ذلك.
وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان صرف كاتب السر صلاح الدين بن
الصاحب بدر الدين - ابن نصر الله عن الحسبة، واستقر دولات خجا الذي
كان ولي الشرطة في سنة ست وثلاثين في سفرة آمد. وفيه أخرج الشيخ
سرور المغربي من القاهرة بأمر السلطان إلى الإسكندرية. وفي هذا
اليوم ظهر جراد كثير جداً بعد العصر، جاء من قبل المشرق، حتى كاد
النهار يظلم، فدام ساعة وسار نحو المغرب، فلم يبق له أثر من قبل
المغرب، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته ثم انقضى
أمره.
(4/71)
وفي أواخر شهر رمضان كتب مرسوم بإضافة
المواريث الحشرية من النصارى إلى بيت المال بعد أن كن البطرك
يتناولها بمراسيم يقررها له الكتاب من قديم الزمان، وكلما أبطلوه
أعادوها مراراً.
شوال، أوله الخميس، في أوله اشتد البرد جداً بحيث أنه كان أشد مما
كان في فصل الشتاء وعاد الناس إلى لبس الفراء ونحوها، وفشا الطاعون
فزاد على المائة، وصلينا في الجامع الحاكمي بعد الجمعة على خمسة
أنفس جملة، وكان أول ما بدا اشتد - في نواحي الجامع الطولوني ثم في
الصليبة ثم فشا في القاهرة - ولله الأمر.
ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه كل يوم، ثم في العشر الأوسط
إلى ثلاثمائة.
وفي السادس منه استقر كاتبه في الحكم بالديار المصرية على عادته.
وفي النصف منه توجهت ليلى لزيارة أهلها بحلب، فأكملت في عصمتي خمس
سنين سواء ووقعت الفرقة، وعادت في رجب ثم أعيدت إلى العصمة.
وفي العاشر منه عاود السلطان ضعفه بالقولنج وسوء المزاج وفساد
المعدة، فانقطع عن الموكب والخدمة إلى.. وأدير المحمل في يوم
الاثنين تاسع عشرة وأميرهم آقبغا التركماني، وأبطل جماعة من الناس
السفر لاشتغالهم بالطاعون، وكان فطر النصارى في الثامن عشر، وأمطرت
في التاسع عشر مطراً خفيفاً، ثم كثر في الليل وأرعدت وأبرقت ونزل
الماء كأفواه القرب، وهو في - اليوم الثالث من نزول الشمس الثور،
وأصبحت المدينة ملأى بالوحل ونزل الماء، وقد تقدم نظير هذا في مثل
هذا اليوم من سنة ست وعشرين وثمانمائة.
(4/72)
وفيه أمر بكسر أواني الخمر، فأخبرني
المحتسب دولات خجا أنه كسر في يوم واحد ثلاثة وستين ألف جرة وأنه
سئل بمال جزيل الإعفاء من ذلك، فلم يستطع مخالفة الأمر لشدة فحص
السلطان على ذلك، وفي آخره توجه العسكر المصري من حلب إلى جهة
الروم.
وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه غضب السلطان على رئيسي الطب شمس
الدين أبي البركات بن عفيف بن وهبة بن يوحنا بن وفا حلب - الملكي
الأسلمي وزين الدين خضر الإسرائيلي لاتهامه إياهما أنهما غلطا عليه
فيما وصفاه له - من الأدوية، فأمر بتوسيطهما فوسطا بالحوش، وذكر أن
ابن العفيف استلم وتشهد، وأن الآخر مانع عن نفسه وعالج وسأل أن
يفدي نفسه بخمسة آلاف دينار، فلم يجب، وقتلا.
وفي صبيحة يوم الأحد سلمت جثتهما لأهلهما، فدفناهما وراحاه من وزن
الذهب - وعد ذلك من الأعاجيب.
وفيه غضب على عمر والي الشرطة وصودر على مال ثم أعيد، واشتد
بالسلطان الضعف لعدم تناول الغذاء وساءت أخلاقه، وصار يأمر بأشياء
فيها ضرر لبعض من يلوذ به فيظهر المأمور الامتثال ولا يفعل، واتفق
أن ناظر الجيوش القاضي زين الدين - عبد الباسط انقطع يوماً بسبب
ظلوع في ذراعه ثم عوفي وركب وفرح الناس -، واستمر كاتب السر صلاح
الدين بن نصر الله - ضعيفاً منقطعا من يوم الجمعة ولم يظهر فيه
الطاعون إلا أن مرضه شديد الحدة. فلما كان يوم الثلاثاء الرابع من
ذي القعدة طلب السلطان الخليفة والقضاة والأمراء والخاصكية
والمماليك السلطانية والأجناد، وعهد السلطان بالسلطنة لولده وكتب
عهده، ولقب
(4/73)
الملك العزيز جمال الدين يوسف -، وأشهد
السلطان على نفسه بذلك برضا أهل المملكة وإمضاء الخليفة، واشهد على
نفسه أنه جعل الأمير الكبير - جقمق نظام مملكة ولده يوسف - وكتب له
بذلك ورقة مفردة، وشهد فيها على السلطان بالتفويض وعلى الخليفة
بالإمضاء، وانفق على المماليك السلطانية فجعل - لكل شخص ثلاثون
ديناراً وأنفض المجلس، وخلع على نور الدين الإمام السويفي بوظيفة
الحسبة عوضاً عن دولات خجا، وهرع الناس للسلام عليه.
وفي الرابع من ذي القعدة تناقص البرد وتزايد الحر وخف الموت من
ضواحي القاهرة إلا من الجهة البحرية والشرقية فتزايد فيهما كما كان
في الغربية والقبلية فيقال جاوزوا الألف في كل يوم ومعظمهم أطفال
ورقيق من جميع الأجناس.
وفي النصف من ذي القعدة بدأ الطاعون في النقص فصار ينقص في كل يوم
نحو الأربعين والخمسين والثلاثين، وتمادى على ذلك إلى أن كان في
العشرين منه، فكانت عدة الاموات بمصلى باب النصر مائة بعد أن كانت
بلغت الخمسمائة، ثم تناقص إلى ستين في ثاني عشري ذي القعدة وكانت
بلغت بمصلى المؤمني نحو الثلاثمائة، ثم تناقص ذلك إلى ثلاثين.
وفي العاشر من ذي القعدة ناول العسكر المصري الابلستين، ثم توجهوا
إلى مدينة اقشر فنازلوها وأميرها سالم بن الحسن وكان يقطع الطريق
على التجار، فهدموا بعض قلاعها وكان هذا المكان - معداً لقطاع
الطري، وتوجه العسكر المصري منها في أواخر الشهر بعد أن - قرروا
بها نائباً.
وفي السادس والعشرين من ذي القعدة هبت ريح شديدة، وأثارت تراباً
كثيراً بحيث ملأت البيوت والشوارع، ودامت من الليل إلى آخر النهار.
(4/74)
وفي العشر الأخير من ذي الحجة وكان أوله
الاثنين قصد العسكر المصري أرزن الروم، فأرسل إليهم صاحبها يعقوب
بك بن قرا يلك ولده وزوجته وقضاة بلده يبذل الطاعة وصحبتهم دراهم
مضروبة باسم الأشرف من ذلك قبل إن يصل لكنهم حين مروا فدخلوا البلد
فزينوها لهم ونزلوا بالمرج وأتتهم الضيافة، واستقر يعقوب نائباً
بها نائباً من قبل السلطان هو وابن أخيه جهانكير بن علي بك بن
قرايلك، ورحل العسكر منها في أول يوم من المحرم.
ذكر من مات
في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان.
إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة الكاتب سعد الدين بن كريم الدين ابن
سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم، مات في ليلة الجمعة ثامن عشر شهر
- ربيع الأول ولم يبلغ الثلاثين، وكان استقر في نظر الخاص السلطاني
ووكالة السلطان الخاص عقب موت والده فباشرها إلى أن مات، وكان علته
مرض السل، وعرض له في أثناء ذلك قولنج وحصل له صرع ولم يكثر -،
واتهم طبيبه بأنه دس عليه سماً، وكانت جنازته حافلة، صلى عليه
بالزميلة ونزل السلطان وكثر الثناء عليه، وكان قليل الأذى، كثير
البذل، طلق الوجه، نادرة في طائفته، واستقر بعده في وظيفته أخوه
جمال الدين يوسف يوم السبت، وهرع الناس للسلام عليه.
(4/75)
أحمد بن صالح شهاب الدين الشطنوفي العامل
بمودع الحكم بالقاهرة، وكان يجيد الكتابة والضبط، وللجهة به جمال،
فتلاشى الأمر بعده جداً - ولله الأمر، ذكر لي ولده شمس الدين محمد
وهو من النجباء أن مولد والده في..، وذكر لي غيره أنه جاوز
الثمانين، مات في ليلة الجمعة حادي عشري ذي القعدة.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن شهاب الدين المادح المعروف بالقرداح
الواعظ وكان قد انتهت إليه رياسة الفن ولم يكن في مصر والشام من
يدانيه في هذا الوقت، فإنه كان طيب النغمة، عارفاً بالموسيقى، يجيد
الأعمال ويتقنها، ولا ينشد غالباً إلا معرباً،
(4/76)
ومهر في علم الميقات، وكان ينظم نظماً
وسطاً، سمعت منه ومدحني مراراً. وكان يعمل الألحان وينقل كثيراً
منها إلى ما ينظمه، فإذا اشتهر وكثر العمل به تحول إلى غيره، وهو
أحد مفاخر الديار المصرية ولم يخلف بعده مثله، ذكر لي أن مولده سنة
ثمانين، وكان قد أسرع إليه الشيب والهرم، وخلف كتباً كثيرة تزيد
على ألف مجلد، وخلف مالاً جزيلاً خفي غالبه على ورثته.
أركماس دويدار الأمير الكبير، وكان خدم دويدار عند بيبغا المظفري
قبل أن يلي وظيفة الأمير الكبي، ثم خدم عند يشبك الأعرج الساقي بعد
أن كان أميراً كبيراً، وكان حسن السياسة، عارفاً بالأمور، مشكور
السيرة، قليل الشر، وولي نظر الأوقاف بعد موت - قطلوبغا حجي، ومات
في المحرم.
(4/77)
برسباي السلطان الملك الأشرف، مات في عصر
يوم السبت بعد أن أقام أكثر من عشرين يوماً ملقى على قفاه لا حراك
به إلا في بعض الأحيان يحرك بده كالعابث أو ينطق بما لا يفهم، وصار
يجرع السويق ونحوه بالمسعط، فلا ينزل إلى جوفه من ذلك إلا اليسير،
وكان قبل ذلك قد أفرط به الإسهال حتى انحطت قوته، ثم عرض له الصرع
فأقام في أول مرة زماناً طويلاً بحيث أرجف بموته ثم أفاق منه
مختبلاً، ثم عاوده بعد سبعة أيام فازداد انحطاطاً، واستمر يعاوده
حتى يئس منه كل من حوله من النساء والرجال والأطباء، وفي كل نوبة
من الصرعة يرجف بموته ويتهيا الناس لذلك ثم يتحرك، وكان في غضون
ذلك في أوائل ذي الحجة خرج وجلس على لسانه مع بعض الحاشية يأمرهم
أن يحلفوا لولي العهد ولده يوسف الملك العزيز، قكان أول من حلف ممن
حضر تمربائي الدويدار ثم إينال المشد ثم على باي الخازندار، ثم
تواردوا على الإيمان لولي العهد ولنظام الملك فعرضوهم طبقة بعد
طبقة إلى أن تعالى النهار جداً، ثم انصرفوا واصبحوا على ذلك فأرسل
كل قاض نائباً من عنده حضر التحليف، والمباشر للتحليف القاضي شرف
الدين سبط ابن العجمي نائب كاتب السر، فاستوعبوا في يومين آخرين من
بقي،
(4/78)
وكان من تأخر الأمراء عن الصلاة بالجامع ثم
اجتماعهم وصلاتهم يوم الخميس الخامس من هذا الشهر وهم على حذر، ثم
اجتمعوا لصلاة العيد، وخلع ولي العهد على الأمير الكبير جرت له
عادة بالخلع، ثم اجتمعوا لصلاة الجمعة ثاني عشر الشهر وقد اطمأنت
نفوسهم، فلما كان يوم الست الثالث عشر من ذي الحجة مات السلطان قبل
العصر، فاجتمعوا بعد العصر بباب الستارة، وجلس ولي العهد وطلب
القضاة والأمراء والجند، فاجتمعوا كلهم فعقدوا له البيعة بالسلطنة،
ولقب الملك العزيز كما تقدم، ثم ألبس خلعة الخلافة وأركب الفرس
ورفعت على رأسه القبة، ومشى الامير الكبير بالغاشية إلى أن دخل
القصر الكبير فأجلس على الكرسي وجلس حوله الخليفة والقضاة، ثم وقف
جميع الامراء وأهل الدولة من المباشرين وغيرهم، وقرأ كاتب السر
عنوان التقليد، وادعى كاتب السر عند الشافعي عن السلطان إن الخليفة
فوض إليه السلطنة على قاعدة والده وسأل الحكم بذلك فاستوفيت فيه
شروط الحكم وحكم ونفذه القضاة، وركب السلطان إلى داخل الدور، وخرج
الخليفة والقضاة والأمراء - والجند أجمعين إلى باب القلعة؛ وأخرج
الأشرف في التابوت فوضع على المصطبة الكبرى، وتقدم الشافعي للصلاة
عليه، فلما أكملوا الصلاة توجهوا به إلى تربته التي أنشأها
بالصحراء فدفن بها قبل أن تغرب الشمس، ولم يتوجه معه من حاشيته إلا
عدد يسير، وكثر ترحم العامة عليه، وبالغوا في سب الخازندار لما
رواه في الجنازة ورموه بكل سوء، فبات بالتربة ورجع إلى القلعة
فدخلها أول ما فتحت، وحضرنا الصبحة فوجدنا عدداً يسيراً من الجند
وبعض الفقهاء، فلما ختم وانصرفنا اجتمع الأمراء ورؤساء الدولة عند
السلطان وقرروا أمور من يسافر بخلع النواب بالبلاد، فلما كان يوم
الاثنين النصف من الشهر شرعوا في تجهيز القصاد إلى البلاد لتحليف
أمرائها والإذن للأمراء المجردين في الرجوع..،
(4/79)
وكان برسباي يخدم دقماق الذي مات أخيراً
بحماة، ودقماق كان من مماليك الظاهر برقوق، فيقال إنه الذي أعتق
برسباي، ثم صار برسباي من أتباع نوروز، ومن قبل ذلك كان مع جكم، ثم
صار مع شيخ بعد قتل الناصر وحضر معه إلى مصر فولاه نيابة طرابلس،
ثم غضب منه فاعتقله عند نائب دمشق، فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد
استصحبه إلى القاهرة وقرره دويدارا كيرا فباشر، وسلطنته في ربيع
الآخر سنة خمس وعشرون، وأكرم الصالح محمد بن ططر - وقرنه بولده
فكانا يركبان جميعاً إلى أن ماتا بالطاعون سنة ثلاثين.
واتفق في أيام سلطنته من السعد في حركاته ما لا يوصف بحيث أنه لم
يقم أحد إلا وقتل من غير أن يجهز له عسكراً أو يباشر له حرباً،
وفتحت في أيامه قبرس وأسر ملكها - وقد سبق خبرها في الحوادث.
بلقيس بنت بدر الدين محمد بن شيخنا سراج الدين البلقيني، ماتت في
ذي القعدة، وكانت لها شهرة تغني عن ذكرها، وهي لسان أهل بيتها،
وسلكت أكثر من عشرين سنة طريق التصوف، ولبست الخرقة من جماعة وتسمت
بالشيخة ووقع في ذلك أضحوكات - وبالله المستعان! وأظنها جاوزت
الستين.
(4/80)
أبو بكر بن عبد الله بن أيوب بن أحمد،
الملوي المصري الشاذلي الشيخ زين الدين، ولجده أيوب زاوية بملوي
وكان معتقداً، واما هذا فولد سنة 762، وصحب الفقراء وتلمذ للشيخ
حسن الحيار ثم لازم صاحبه صلاح الدين العلائي، وصار يتكلم على
الناس بزاوية الحيار بقنظرة الموسكي ويفسر القرآن برأيه على قاعدة
شيخه، فضبطوا عليه اشياء ورفع إلى القاضي جلال الدين فمنعه من
الكلام إلا أن قرا من تفسير البغوي وشبهه واجتمع بي بسبب ذلك
فوجدته حسن السمت إلا أنه عرى عن العلم، وكان فيما ذكر لي هو أنه
رأي أن في قوله تعالى: كذبت قوم هود المرسلين إذ قال لهم أخوهم
هود، إن الضمير في قوله أخوهم للمرسلين، قلت: بل لعاد، قال: لا، لا
يليق بالنبي أن يوصف بأنه أخو الكفرة، قلت: فقد قال في الآية
الأخرى: واذكر أخا عاو، فسكت، وله نظائر لذلك إلا إنه كان كثير
الذكر والعبادة، يتكسب في التجارة في الغزل، ولجماعة من الناس فيه
اعتقاد كبير، مات في ليلة الجمعة الخامس من ذي الحجة، وكانت جنازته
حافلة، وهو أخو شمس الدين رئيس الأذان بجامع ابن طولون الذي يقال
له المسجل.
جاني بك الصوفي الظهري صاحب الحوادث والوقائع، مات في يوم الجمعة
15 ربيع الآخر، واختلف في قتله.
جاني بك السيفي أحد أمراء الطبلخاناة المعروف بالتور، مات بمكة في
شعبان وكان ولي بندر جدة شاداً.
تمراز المؤيدي نائب صفد ثم غزة، مات محبوساً بسجن الإسكندرية في 23
جمادى الآخرة.
إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز، مات منفياً عن بلاده مذبوحاً ذبحه
ابنه في 2 ذي الحجة.
أحمد بن قرطائي الشهابي سبط بكتمر الساقي، مات في الطاعون ليلة
الاثنين عاشر ذي القعدة، ومولده في شعبان سنة 786، وكان ناظماً حسن
النظم حلو المحاضرة جيد المذاكرة شمساً جداً، ومن نظمه:
حتى العذر وافاه من بعدهجر بوصلي ... وقال صف لي عذارى فقلت ناحب
علي
دولات جا الذي استقر في الحسبة وكان والي القاهرة، مات يوم الأحد
ثاني ذي القعدة بالطاعون.
سودون بن عبد الرحمن نائب الشام ثم أتابك العساكر، مات بطالاً بثغر
دمياط في يوم السبت العشرين من المحرم ولم يخلف مثله،
(4/81)
آق بردا البجاسي نائب غزة، مات في خامس
المحرم -.
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر، الطرابلسي القاضي تاج الدين أبو
محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين، ولي أبوه قضاء الحنفية وناب عن
أخيه أمين الدين في الحكم، واستمر ينوب عمن ولي بعده إلا ابن
العديم وولده فإنه لم ينب عنهما رعاية لأخيه، وولي إفتاء دار
العدل، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره، وأقعد في أواخر
عمره وحصلت له رعشة في بدنه ثم فلج فحجب، وأقام على ذلك نحو سنتين
إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرم، وكان سمع ن ابن مناع
الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه ن عيسى المطعم، وسمع عنا على
البرهان الشامي وغيره، وحدث قليلاً قبل موته، وكتب في الاستدعاآت.
عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد، الزنكلواني الشيخ عبد
الملك الرجل الصالح، وكان يسكن بدار مجاور جامع عمرو بن العاص
ويؤدب الأطفال ويكثر من تلاوة القرآن والصيام، ويذكر عنه مكاشفات
كثيرى، ومات في ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى ولم يجاوز
الستين فيما قيل، وهو ابن خال برهان الدين الزنكلوني أحد نواب
الحكم، وفي ذلك اليوم.. بجوار مشهد الست زينب خارج باب النصر، وكان
صالحاً وللناس فيه اعتقاد.
(4/82)
علي بن محمد بن عبد الرحمن، نور الدين
الصهرجي، مات في شوال عن نحو السبعين، وهو من قدماء الطلبة
الشافعية، وكان مشهوراً بالخير ويتكسب بالشهادة.
علي بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد،
البخاري العجمي علامة الوقت علاء الدين، مولده في سنة 779 ببلاد
العجم، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلا عبد الرحمن، وأخذ
الأدبيات والعقليات عن الشيخ سعد الدين التفتازاني وغيره، ورحل إلى
الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلاء حتى برع في المعقول والمنقول
والمفهوم والمنظوم واللغة العربية وصار إمام عصره، وتوجه إلى الهند
فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير
علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكة فأقام بها، ودخل مصر فاستوطنها،
وتصدر للإقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من مذهب وانتفعوا به
علماً وجاهاً ومالاً، ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من
أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه، وكان ملازماً للإشغال
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بذات الله مع ضعف كان
يعتريه، وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله
السلطان في الإقامة بمصر مراراً فلم يقبل، وسار إليها فأقام بها
حتى مات في رمضان، ولم يخلف بعده مثله لما اشتمل عليه من العلم
والورع والزهد والتحري في مأكله ومشربه وعدم قبوله العطاء من
السلطان وغيره، ولما سافر السلطان إلى آمد ركب إليه وزاره أول ما
دخل دمشق.
علي بن مفلح، الحنفي نور الدين ناظر المارستان ووكيل بيت المال،
مات يوم الجمعة 22 ذي القعدة عن نحو السبعين، وكان عارفاً بصحبة
الرؤساء كثير الخدمة لهم، كثير التودد لأصحابه والإعانة لهم، وفيه
لبعض الطلبة خير وبر، وكان قد ولي مشيخة الجامع الجديد بمصر مدة.
(4/83)
علي بن موسى بن إبراهيم، الرومي الحنفي
العلامة علاء الدين، تخرج بالشريف الجرجاني والتفتازاني إلى أن برع
وتصدر للإقراء ودخل مصر، فاستقر في مشيخة الأشرفية الجديدة وجرت له
مع علماء مصر مناظرات، وبالجملة فكان عالماً محققاً، عارفاً
بالجدل، إماماً في المعقول، بارعاً في علوم كثيرة، إلا إن يستخف
بكثير من علماء مصر، مات في يوم الأحد 20 من رمضان -.
علي بن موسى بن إبراهيم، الشيخ علاء الدين الرومي صاحب الوقائع
المشهورة في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد الباهي، الشيخ تاج الدين النويري، نزيل مصر
بالنخالين منها، وكان يخدم الشيخ زين الدين البوشي المجذوب، ثم
انقطع في منزله وصار يظهر منه بعض الخوارق، وللناس فيه اعتقاد
زائد، وأضر قبل موته بمدة، وصار مكانه من جميع جوانبه بنالا وهو
مستمر فيه إلى أن مات في رمضان، وأظنه بلغ السبعين أو دونها.
محمد - ولد شهاب الدين البنهاوي التاجر، مات في ذي القعدة، واستولى
المتحدث عليه على موجود أبيه، ولعله يزيد على عشرين ألف دينار،
فقام اثنان فادعيا أنهما ولدا عمه عصبة، فصالحهما على شيء وصالح
ناظر الخاص على شيء آخر، ومجموع ذلك لا يجيء قدر الثلث من الموجود،
وكان المخبر بذلك من باشر عرض الموجود وبيعه وضبطه، ومع ذلك فلم
يلتفت المذكور لذلك وركب طرف الإنكار، وإن الذي خصه هو الذي استولى
عليه من غير زيادة.
محمد صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله كاتب السر
بالديار المصرية -، مات بالطاعون، تمرض خمسة أيام، وولي أبوه في
يوم الخميس وظيفته وهرع الناس للسلام عليه وباشر -، واتفق انحطاط
السلطان في المرض إلى أن ثقل فيه وكان ما تقدم، وكان صلاح الدين
أولاً يلقب غرس الدين واسمه خليل، ثم غيره أبوه في الدولة المؤيدية
واستمر، ونشأ صلاح الدين - فهماً يقظاً فتعلم الخط المنسوب
والحساب، وولي شاد المارستان والحجوبية في الدولة الناصرية فرج،
وولي إمرة طبلخاناة في الدولة المؤيدية، وولي نديم الأشرف ثم كتابة
السر عن أبيه وظائفه كلها كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة، وولي
الأستادارية الكبرى مرتين في أيام ططر وأيام الأشرف ثم استعفى -
وباشر عن أبيه في وظائفه كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة نيابة،
وولي إمرة طبلخناة، ثم ولي الأستادارية بتقدمة ألف ثم استعفى، ثم
نادم السلطان بعد ابن قاسم فولاه الحسبة ثم كتابة السر، فلم يقم
بها إلا دون السنة، وكان كثير البشاشة وحلاوة اللسان وينسب إلى
التزيد في القول - عفا الله تعالى عنه
(4/84)
مات في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة
بالطاعون، ومولده في رمضان سنة تسعين وسبعمائة، وعاش إحدى وخمسين
سنة رحمه الله -.
محمد بن الحسن بن محمد، الفاقوسي الرئيسي ناصر الدين كبير الموقعين
بديوان الإنشاء، ولد في ليلة الجمعة خمس وعشرين صفر سنة سبعمائة
وثلاث وستين - وكان قديم الهجرة، وباشر الوظائف الكبار، ووقع عن
القضاة أولاً ثم في الدرج ثم في الدست، ثم ولي نظر الديوان الخاص
بخاص السلطان وديوان المشاجرات والذخيرة السلطانية مدة، وعلت
منزلته في الدولة الناصرية، ثم انحطت في الدولة المؤيدية ولكنه
يتماسك، ثم انحطت في الدولة الأشرفية، وانقطع عن الخدمة في أواخر
عمره، وكان رئيساً جليلاً، سمع الحديث الكثير وحدث بأخرة، وله
حكايات في ضيق العطن مع سماحة نفس وصدقة، وكان ينظم نظماً وسطاً
وكذلك إنشاءه، وخطه أجود من إنشائه، مات في يوم الثلاثاء سابع عشري
شوال - رحمه الله تعالى.
(4/85)
وفيه مات للأمير الكبير ثلاثة أولاد: ذكر
وانثيان، فدفن البنتين في يومه ودفن الصبي صبيحة هذا اليوم.
وفيه مات للقاضي الحنفي بنت أخرى.
محمد بن الخضر بن داود بن يعقوب بن يوسف بن أبي شديد، الحلبي شمس
الدين ابن أخي الرئيس سليمان بن داود الأديب الشهير بابن المصري،
ولد بحلب قبل السبعين، وأسمع على الكمال بن حبيب والظهير ابن
العجمي وعمر بن أيدغمش وغيرهم ونشأ بها، وتكسب بالشهادة ثم
بالتوقيع، وكانت له فضيلة ويرجع إلى ديانة، وقدم القاهرة بعد اللنك
فأقام بها دهراً، وعمل التوقيع عند جمال الدين ثم في ديوان الإنشاء
عند ناظر الجيش، ثم تحول إلى بيت المقدس واستقر شيخ المدرسة
الباسطية به، ومات هناك وله نيف وسبعون سنة، وسمع مني وكتب في
الإملاء ومن شرح البخاري، وقرأ على المقدمة، ومن كتابي في الصحابة،
وأجاز لي في استدعاء أولادي، وطارحني بأبيات وهو في بيت المقدس
فأجبته، وأنشدني لغزاً لغيره في المسك وسألني جوابه، ففعلت - والله
يرحمه؟ واستقر بنوه في جهاته التي بالقاهرة.
محمد بن عمر بن محمد ناصر الدين الطبناوي - بفتح المهملة والموحدة
وتخفيف النون - نسبة إلى طبنا من عمل سخا، ذكر لي أنه ولد سنة 753،
وكان أبوه مذكوراً يقال له ركن الدين، فنشأ في محبة الفقراء وتقدم
فيهم، وكان مطاعاً عند الأمراء والأكابر، وقد ذكرت قصته في الحوادث
- في هدم الدير المعروف بالمغطس وأنه قام في ذلك سنة أربعين فاتفق
من خذل السلطان عن - الأمر بهدمه بعد أن كان انطاع لذلك لكنه أمر
بإغلاقه، ثم قدر أنه أذن بهدمه في هذه السنة، فبادر الشيخ وأعوانه
إلى ذلك فهدم، وقدم الشيخ القاهرة مراراً وله أتباع، وهو على طريقة
حسنة من العبادة والتوجه والرغبة في الخير، وكان اجتماعي الأخير به
في أول ذي الحجة من هذه السنة، وذكروا أن والدته كانت من الصالحات
ويؤثر عنها كرامات ولها شهرة في تلك البلاد.
(4/86)
محمد بن عمر، الميموني الشافعي الشيخ شمس
الدين بن الشيخ سراج الدين، ولد في حدود السبعين، واشتغل بالفقه،
وكان أبوه نقيب الزاوية المعروفة بالخشابية ومات وهو صغير، وتنزل
في الوظائف ثم ترك وسلك طريق الفقر وجلس في زاوية، ثم ترك ذلك
وأكثر الحج وكان يديم التلاوة ووقعت له مع القاضي الحنفي كائنة
ذكرت في حوادث سنة تسع وعشرين، ونجا منها بعد إن حكم بإراقة دمه،
وعاش إلى هذه الغاية فمات بالقولنج بالمارستان.
محمد بن محمد بن محمد، الشيخ علاء الدين البخاري الحنفي، كان من
أهل الدين والورع وله قبول عند الدولة، وأقام بمصر مدة طويلة،
وتلمذ له جماعة، وكان يتقن فن المعاني والبيان ويذكر أنه أخذه عن
الشيخ سعد الدين، ويقرر الفقه على المذهبين، وانتفعوا به كثيراً،
ثم تحول إلى دمشق فاغتبطوا به، وكان كثير الامر بالمعروف، مات
بدمشق - رحمه الله؟؟؟؟؟؟ وبلغني أنه قارب السبعين، قرأت بخط الشريف
تاج الدين عبد الوهاب الدمشقي: مات شيخنا علاء الدين البخاري نزيل
دمشق صبيحة يوم الخميس 23 رمضان سنة 841 بالمزة.
شمس الدين العماري - بفتح المهملة وتشديد الميم - أحد نواب الحكم
الحنفي، وكان سار مع كاتب - الشام سودون من عبد الرحمن إماماً فناب
في الحكم بالشام، ورجع بعد إن انفصل المذكور، ولم يكن بالمحمود عفا
الله تعالى عنه.
يحيى بن سعد الله بن عبد الله، الكاتب المعروف بابن بنت الملكي شرف
الدين صاحب ديوان الجيش، مات في ذي القعدة بالطاعون ولم يكمل
الخمسين، واستقر أخوه عبد الغني في وظيفته مشاركاً لأولاده -.
(4/87)
سنة اثنتين وأربعين
وثمانمائة
شهر الله المحرم - أرخوه على عادة العدد يوم الأربعاء، ثم تبين أن
أوله الثلاثاء بعد ستة أيام.
وفي يوم السبت خامسه استقر أينال الشاد دويدار عوض تمرباي، واستقر
تمرباي من الأمراء المقدمين، واستقر بعد ذلك - على باي شادا عوضاً
عن اينال، واستقر جكم خال السلطان خازندار عوضاً عن هلي باي،
واستقر في وكالة بيت المال شهاب الدين ابن الشيخة شاهد القيمة،
وعينت وظيفة نظر المارستان لولي الدين السنطي ثم لمحب الدين بن
الأشقر ثم لسراج الدين العبادي فقيه الملك العزيز، ثم لم تتم لواحد
منهما إلى أن، استقرت لابن الأشقر.
وفي يوم السبت خامسه استقر في ولاية القاهرة واحد من الخاصكية يقال
له دمرداش، ثم استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في شهر ربيع الأول.
وفي يوم السبت الرابع عشر من المحرم استقر الشيخ سعد الدين شيخ
المؤيدية في قضاء الحنفية عوضاً عن القاضي بدر الدين العيني بحكم
عزله وركب الناس معه، ولم يركب معه أحد من الأمراء ولا من
المباشرين إلا أن ناظر الجيش وكاتب السر وناظر الخاص والأستادار
لحقوه بالمها مرتين ولم يسيروا معه بل وقفوا معه عند الأشرفية حتى
قرب منهم ثم توجهوا أمامه فوقفوا عند الصالحية على العادة ودخل
القضاة، وتوجه
(4/88)
ناظر الجيش ومن معه، ورجع المستقر إلى
منزله، وهرع الناس للسلام على المنفصل، وحصل للمنفصل قهر عظيم لأنه
لم يكن يظن أن ذلك يقع، ووقع في هذا اليوم لناظر الجيش إساءة من
مملوك من مماليك السلطان ثم تكرر ذلك، وصار لا يركب إلا مع جماعة
يحمونه من معرتهم - وانخرقت تلك الحرمة واتضعت تلك الكلمة وجرى بين
جوهر الخازندار مع بعض الخاصكية كلام أغلظ له فيه، ونسبه إلى انه
كان السبب في تلك المظالم، وانحطت منزلته جداً وعظم قدر جوهر
الزمام، ولم يتأثر الخازندار لما قيل فيه ومشى على طريقته، وتسلط
كثيرمن الجند على ناظر الجيش وكرروا الإساءة عليه بالقول والفعل
والتهديد، وكلما رام تلك الصفة التي كان عليها في زمن الأشرف عورض
- ولله الامر.
وفي أوله تصدى الأمير الكبير نظام المملكة للحكم بين الناس في كل
يوم وبسط العدل، ولم يمنع أحداً طلب الشرع من التوجه حيث أراد من
الحكام سواء كان نائباً أو مستقلاً، واستقر عنده شهاب الدين ابن
العطار دويدار وكان عند تمرباي الدويدار، وهو مشكور السيرة كثير
التودد والعقل.
وفيها خرج على الحاج عرب بلي فأخذوا نحواً من ألفي جمل كانت مع
العرب من جهينة وغيرها، فمنها كثير من الحاج العزاوي والشامي ومعهم
الكثير من بهار المصريين ومن أمتعتهم وهداياهم وذلك عند الوجه،
فأخذوا الجمال ورموا ركابها وأخذوا نفائس ما معهم، فتوصل الكثير
منهم حفاة عراة إلى بئر الأزلم فمات الكثير منهم هناك،
(4/89)
وسئل أمير الركب آقبغا التركماني أني قيم
بالأزلم حتى بتكامل الذين سلموا من الموت، فامتنع ورحل من أول
النهار فهلك الذين وصلوا بعدهم ولم يجدوا من يرفدهم ومات أكثرهم
فكانت قصة شنيعة، وتوصل بعضهم إلى عيون القصب فركب البحر من جزيرة
عينون ودخل الحاج أولاً فأولاً، فأول من وصل الترك الذين كانوا
بمكة في العام الماضي ومعهم جمع كثير في الحادي والعشرين، ووصل
قبلهم طائفة في السابع عشر تقدموا من المويلجة، ووصل جماعة تقدموا
من نخل في الثاني والعشرين، ودخل الركب الأول في الثالث والعشرين
والمحمل في الرابع والعشرين، وانطلقت ألسنتهم بذم أمير الركب وأنه
كان السبب فيما صنع عرب بلي لكونه أرسل أحد الرئيسين مبشراً، وزنجر
الآخر فغضب قومه وفعلوا ما فعلوا ولم يعاتب أمير الركب فضلاً أن
يعاقب، ثم تبين أن العرب الذين حملوا البهار سلموا، ووصل معهم جمع
كثير من الحجاج وذكروا أن بقيتهم ركبوا البحر وأنه لم يمت منهم إلا
القليل.
وفيه استقر كل من عبد الرزاق الطرابلسي وسراج الدين العبادي إماماً
للسلطان فصاروا خمسة، وكان عبد الرزاق إمامه قبل السلطنة.
(4/90)
وفيه توجه جماعة لتلقيد أمراء البلاد على
ما كانوا عليه.
وفيه استقر فارس الخادم الرومي شيخ الخدام بالمدينة الشريفة عوضاً
عن ولي الدين بن قاسم، وتوجه من جهة البحر إلى الينبع ليسير منها
إلى المدينة.
وفي آخره وصل الخبر من العسكر المصري أنهم رجعوا من أرزنكان في أول
يوم من المحرم، ووصلوا مدينة حلب في الخامس -، وجهزوا القاصد
بأخبارهم وتوجههم إلى جهة حلب بعد - أن لم يبق في الجهة التي
قصدوها أحداً عاصياً، وكل ذلك قبل أن يبلغهم خبر موت السلطان.
وفيه وثب نائب حلب - تغري برمش على ثقل بعض الأمراء المجردين فنهبه
ورجع إلى جهة ملطية خارجاً عن الطاعة، ووصل الخبر من بقية الأمراء
بذلك إلى القاهرة في الثالث من صفر، ثم تبين فساد النقل المذكور
واستمرار المذكور على الطاعة.
صفر - أوله الخميس، نزل ناظر الجيش من القلعة فلاقاه جماعة من
المماليك نحو العشرة، فأساءوا عليه بالسب ثم سل أحدهم الدبوس وقصد
ليضربه، فلاقاه عنه الأستادار وهو مملوكه جاني بك، فاجتمع من
المماليك آخرون وتكاثروا، فدكس فرس لجهة القلعة ونزل عنه ودخل
الجامع فتفرقوا، ثم توجه إليه الوزير وغيره فأخذوه معهم إلى بيته
فأقام به، وحصل بذلك من كسر حرمته ما حصل له به القهر العظيم ولكنه
تدارك ذلك، وألبس خلعة صبيحة يوم الجمعة ونزل إلى بيته وهرع الناس
للسلام عليه.
(4/91)
وفي ليلة الجمعة ثاني صفر أمطرت السماء
مطراً غزيراً غير كثير فنزل البحر، وكان له من يوم السبت السادس
والعشرين من المحرم ما زاد شيئاً إنما ينادي بإصبع أو إصبعين
تطميناً للناس فلم يناد يوم الجمعة بشيء، فلما كان بعد دخول الشهر
زاد قليلاً، وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق للثالث عشر
من مسري، فكان في صبيحته في العام الماضي قطع البحر واوفى وزاد من
الذراع السابع عشر، وكان انتهاءه في مثل هذا اليوم من هذا العام
إلى ثلاثة عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً، فالنقص بينهما ذراعان وربع
ذراع، ثم من الله بوفاء النيل يوم الاثنين سادس عشري صفر، وقطع
البحر في صبيحته على العادة، وكان في العام الماضي في هذا اليوم
ثمانية عشر ذراعاً سواء.
وفي يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والامراء وغيرهم أن
المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتة، وثم عليهم بعضهم فلبسوا
السلاح وحذروا، وراسل الأتابك السلطان في ذلك والتمس أن يجهز إليه
رؤوسهم وهم أربعة سماهم منهم جكم خال السلطان، فترددت الرسل في ذلك
فلم يقع الإجابة، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومن حضر أنه باق على
بيعته في طاعة السلطان ولكنه يلتمس من مماليك السلطان أن يقفوا عند
اليمين التي حلفوها في حياة الأشرف أنهم يكونون بعده في طاعة ولده
والأتابك نظام الملك، ثم أرسل السلطان إلى القضاة في يوم الجمعة،
فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر، وتكرر ذلك فلم
تقع الإجابة ونشبت الحرب بين الطائفتين، فعمد الأكابر إلى الأتابك
فتحول معهم إلى بيت نوروز، ثم لما وقع التزامي دخل أولئك المدرسة
الحسينية بالرملة وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورموا السهام،
وحصروا المماليك بالإصطبل، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة
في القناة التي تمد من النيل فقطعوها فباتوا في ضيق،
(4/92)
فأعاد السلطان المراسلة إلى أن حصلت
الإجابة إلى ما طلبه الأتابك، وجهزوا له الأربعة فحبسهم، ونزع
الطائفتان السلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك، فأحضر القضاة في يوم
الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطان
والأتابك على الأربعة وجهزهم للسلطان، وجهز أربعة أنفس كانوا رؤساء
في مقابلة أولئك فخلع السلطان عليهم، واستمر الحال على ذلك إلى يوم
الخميس، فصعدوا الجميع إلى خدمة السلطان وسكن الاتابك بالإصطبل،
فلما اصبح يوم الجمعة اجتمع عدد من المماليك الجلب ونازعوا الاتابك
في ذلك، وأنكروا سكناه الإصطبل ونسبوه إلى أنه يروم السلطنة فتنصل
من ذلك، واتفق أنه لم يصل الجمعة مع السلطان من الطائفتين إلا
النادر، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الاحد ولا الاثنين،
فكثر تأذي العامة بالجلب فأمسك منهم اثنان وضربا وجرساً، فسكن شرهم
قليلاً.
شهر ربيع الأول أوله السبت، في الرابع منه دخل يشبك الحاجب الكبير
ضعيفاً في محفة فنزل في بيته أول النهار وهرع الناس للسلام عليه،
فأقام أياماً يسيرة ثم تعافى.
وفي خامسه دخل سائر الأمراء فبادروا إلى الإصطبل، فخرج إليهم
الأمير الكبير، فوقفوا جميعاً تحت القلعة، وتقدم الأمير الكبير
فقبل الأرض والسلطان في القصر - يشاهدهم وقبل بقية الأمراء واحداً
بعد واحد، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم، ونزلوا إلى بيوتهم
وهرع الناس للسلام عليهم.
وفي يوم الخميس قبض على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم، منهم
جانم أمير آخور، وجكم والثلاثة الذين كانوا قبضوا معه وعلى باي
ويخشباي وأينال ومقدم المماليك ونائبه
(4/93)
وتاني بك الجقمقي نائب القلعة - وتمام
ثمانية عشر نفساً منهم تاني بك الجقمقي نائب القلعة - وسفروهم إلى
الإسكندرية، وأنزلوا صبيحة يوم السبت في القيود إلى شاطئ النيل،
فأنزلوا في المراكب حيث أمر بهم إلى الإسكندرية -، استقر تمر باي
نائب الإسكندرية وسافر على البر وتاني بك في نيابة القلعة كما كان
أولاً، ووكل بالزمام وبالخازندار ثم أفرج عنهما.
وفي التاسع عشر منه جمع الخليفة والقضاة والأمراء فلما اجتمعوا
بالقاعة داخل الأصطبل عند الأمير الكبير نظام الملك قال الأمير
قرقماس للجماعة إن جماعة الأمراء اجتمع رأيهم على تقرير الأمير
النظام في السلطنة لعجز لملك العزيز عن ترتيب المملكة ويترتب على
ذلك الفساد الذي لا خفاء به، فأجابه الخليفة بأنني أعلم هذا
وأشهدكم أنني خلعت الملك العزيز من السلطنة وصيرت الأمير الكبير
جقمق في السلطنة، وبايعه في الحال وألبس الخلعة وصعد إلى القصر
وجلس على الكرسي - وبايعه الأمراء، وحمل الأمير قرقماس القبة وخلع
عليه على العادة، وقدم للخليفة الفرس والخلعة، ولبس - وركب ورجع
إلى منزله، ثم صعد القضاة فسلموا على السلطان، وقررهم في وظائفهم
وتوجه كل إلى بيته - فكان ما سنذكره.
وفي صبيحة يوم الأربعاء المذكور أمطرت السماء مطراً خفيفاً، وكان
النيل بلغ تسعة عشر إصبعاً من تسعة عشر ذراعاً، فلما كان عند الثلث
الأخير من ليلة السبت الثاني
(4/94)
والعشرين من ربيع الأول وهو السادس عشر من
توت نقص يوم الجمعة - نقصاً فاحشاً، وأمطرت السماء برعد وبرق، وظهر
النقص ظهرواً بيناً.
وفي يوم الخميس خلع على الدويدار الكبير على عادته، وكذا أينال
الدويدار الثاني وهو الذي يباشر لعجز الكبير -، واستقر تغري بردى
البكمشي في الحجوبية الكبرى وهو المعروف بالمؤذي، واستقر يشبك أمير
سلاح بدل آقبغا التمرازي، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس بدل
قرقماس، واستقر قرقماس أتابك العساكر، واستقر تمراز أمير آخور،
واستقر بدله راس نوبة - قراقجا الحسني، وخلع على اجميع، ووكل
بالزمام جوهر وسجن بالبرج، واستقر عوضه فيروز الذي كان ساقياً وغضب
عليه الأشرف، ثم خلع على جوهر الخازندار على عادته وصعدت ليلة
الجمعة مغل بنت البازري زوج السلطان وقد صارت خوند - من بيتهم
بالخراطين إلى القلعة في محفة عند غروب الشمس وحولها المشاعل
والشموع نحو من خمسين من الطواشية وجمع كثير على الحمير من النساء،
واستقرت خوند الكبرى، وأسكن الملك العزيز بالقاعة البربرية، ووكل
به نحو خمسين نفساً، فلما كان بعد أيام أفرج عنه واستقر داخل الدور
وقرر له ما يكفيه، ثم أفرج عن جوهر الزمام ونزل إلى بيته وهو ضعيف،
وشرع في بيع موجوده ليوفي مال المصادرة.
(4/95)
وفي ليلة الجمعة الاثمن والعشرين منه عمل
المولد النبوي وحضر الامراء والأعيان والقراء على العادة.
وفيه ثقل سمع القاضي موفق الدين الناشري قاضي الأقضية بزبيد من
بلاد اليمن وضعفت قوته، فقرر الظاهر صاحبها عوضه ولد - أخيه أبا
المظفر محمد ابن الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن محمد الناشري،
وهو الآن كبير البيت وعمه في الأحياء، وهو المشار إليه في الفقه،
وقد قارب التسعين فإن مولده سنة 754.
شهر ربيع الآخر استهل بيوم الأحد، وفي يوم الثلاثاء خلع على القاضي
محب الدين بن الأشقر الذي ولي كتابة السر بنظر المارستان عوضاً عن
ابن مفلح بحكم وفاته.
وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمع من الجند وطلبوا زيادة في النفقة
في جامكية الشهرية فلم يلتفت إليهم، فاجتمعوا إلى قرقماس فما زالوا
به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الامراء إلا القليل، وعظم الأمراء
والجند صعدوا إلى القلعة، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة
من الفريقين، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته،
ونودي لمن أحضره بأمرة
(4/96)
وخلعة، ورجع جماعة ممن كان معه إلى الطاعة
قبل الهزيمة، وكان السلطان عزل والي الشرطة وولي علي بن الطبلاوي،
فجمع له الزعر فبالغوا في القتال مع جمعة السلطان إلى أن تمت
الهزيمة، وفرق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة رماها من أعلى
المكان فتناهبوها وجدوا في القتال.
وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية، وتتبع
جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفي بعض.
وفي التاسع منه قرئ تقليد السلطان بالقصر وجرى كلام يتعلق بالقضاة
فقال الشافعي: عزلت نفسي، فقال له - السلطان: أعدتك، فقبل وخلع
عليه وعلى رفقته، ورسم بإعادة الأوقاف التي خرجت عن الشافعي، وهي
وقف قراقوش في ولاية العراقي ووقف تنبغا التركماني في ولاية
البلقيني ووقف الأسرى في ولايته، فأعيدت بتوقيع جديد.
وفي السابع عشر منه استقر القاضي كمال الدين البارزي في كتابة السر
بالقاهرة عوضاً عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، واستقر برهان
الدين الباعوني في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن القاضي كمال
الدين. ثم ورد الخبر في أوائل جمادى الأولى أن
(4/97)
الباعوني امتنع من قبول الولاية، فقرر ص43
القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة، وسار القاصد بخلعته وتقليده.
وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه استقر تنم الذي كان خازندارا
صغيراً في وظيفة الحسبة عوضاً عن نور الدين السويفي.
(4/98)
وفيه أمر السلطان القضاة بالتوجه إلى
الكنيسة المعلقة والكنيسة المعروفة بشنودة وكشفتا، وهدم من المعلقة
أشياء جددت ما بين شبابيك مخروطة وكتيبات مطعمة ودقيسيات، وألزموا
بتكملة هدم البناء المجدد الزائد عما سبق لهم من حكم نائب الحنفي
بترميمه.
وفيه ادعى على بطرك النصارى بأنه يتناول مال الموتى الحشرية من
النصارى، فادعى أن معه مرسوماً من السلطان، فاستفتى السلطان
القضاة، فاتفقوا على أنه من أموال بيت المال، فخلع على فتح الدين
المحرقي بنظر سعيد السعداء والنظر على الترك الحشرية من أهل الذمة
وشرع في استخلاص ذلك وبطلب ما سبق لاستعادته ممن تناوله ولحق
النصارى من ذلك شدة شديدة.
وفيه نازل الإمام صاحب صعدة بعساكره صنعاء، فقاتل المتغلب عليها
وهو سنقر التركي، وكان سنقر قد تحكم في البلاد بالشوكة وأقام هذا
الإمام وزوجه بنتاً لعلي بن صلاح، فبلغ سنقراً أنه يريد القبض عليه
وبادر هو فقبض عليه وسجنه، فتحيل إلى أن خلص من محبسه بصنعاء،
وتوجه إلى صعدة فجمع العسكر ونازل سنقرا، فقوي عليه سنقر بمن أطاعه
من أهل الشوكة، فانكسر الأمام وتحصن بقلعة يقال لها تلي، فلما بلغ
ذلك زوجته استولت على صعدة وأطاعها أهلها، ثم كاتب سنقر الملك
الظاهر صاحب زبيد يطلب منه عسكراً ليسلمه صنعاء ويكون هو أحد
الأمراء، فبادر الظاهر لذلك وأرسل أميرين، فلما وصلا بمن معهما إلى
دماء وبلغهما موت الظاهر رجعوا، وذلك في رجب.
جمادى الأولى - أوله الثلاثاء، حضرنا للتهنئة عند السلطان يوم
الاثنين سلخ الشهر الماضي، فسأل السلطان أن يشهد على نفسه بما فوض
لي من الولاية والأنظار وغيرها، فأشهد على نفسه بذلك بحضرة
(4/99)
القضاة، وشكوت إليه بعد ذلك ما انتزعه مني
الملك الأشرف ووهب بعضه أو أكثره للقاضي علم الدين صالح بن
البلقيني، فرسم بعقد مجلس بذلك - بحضرته، فتوسط ناظر الجيوش بيني
وبينه إلى أن أعاد النصف وتركت له النصف.
وفي أوائله طلع الشيخ حسن العجمي لتهنئة السلطان بالشهر ومعه جماعة
على العادة، فأمر بالقبض عليه وضرب بحضرته ضرباً مبرحاً وأمر
بنفيه، ونودي عليه جزاء من يقتني كتب الكفر ويدور بها وشهر في
البلد، وحبس محبس الجرائم، ثم ادعى عليه عند المالكي أنه وقع في حق
الجناب الرفيع، فشهد عليه امام التربة الجديدة الاشرفية، فسجن
لتكمل البينة، وقرر في زاويته شمس الدين الكافياجي، وتعجب الناس من
كون الذي شهد عليه والذي أخذ مكانه منسوبين إلى الذي كان يقرره
ويهديه.
وفي أول - العشر الأوسط منه ضرب كاتب من كتاب الوزير بسبب مال صار
في جهته، فقدر أنه اصبح ميتاً بعد الضرب فاستغاث أهله، فأمر
السلطان بإحضار المقدم، فضرب بحضرته بالمقارع وأرسله إلى القاضي
المالكي، فعفا بعض أولياء الميت عن الدم وبقي حق ال فحبس بسبب ذلك.
وفيه قدم شخص من حلب بسبب الحروفية، ونجزت له مراسيم بالقيام عليهم
- وقد نبهت على ذلك في حوادث سنة 821.
وفي الرابع والعشرين منه شكا حسين بن حسن الأميوطي نقيب ابن
البلقيني، ونسب إليه أمور وكان الذي قام في أمره ولي الدين بن تقي
الدين البلقيني وساعده ابن عم أبيه
(4/100)
قاسم وتبعهما جماعة، وكتب فيه محضر شهد
عليه فيه بأمور معضلة بعضها يقتضي الزندقة والاستهزاء بالشريعة
وأهلها وغير ذلك من ارتكاب كبائر من لواط وشرب خمر، فبلغه ذلك
فاستجار بعبد الرحمن بن الكويز فسعى له، ثم قبض عليه بعض الأعوان
وجمع من الشرط وذلك في أول الليل، ففر إلى بيت ابن الكويز، فأصبح
القوم فرفعوا أمرهم ثانياً، فأمر السلطان الوالي ونقيب الجيش بالجد
في طلبه، فلم يقدروا عليه واستمر في تواريه إلى أن كان في يوم
الأربعاء - ثاني شعبان فشفع فيه الأمير تنم المحتسب والأمير دولات
باي أمير آخور عند ناظر الجيش، فتكلم معي في سماع الدعوى عليه
والحكم بحقن دمه فأجبتهم، فامن على نفسه وظهر ولم يقع له ولا عليه
حكم إلى إن وقع من القبض على ناظر الجيش في أواخر السنة ما وقع،
فتحرك حسن المذكور وساعده ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وجليس
السلطان، فأوقفه للسلطان وادعى أن ولي الدين البلقيني تعصب عليه
بجاهه وماله وأن الذين كتبوا في حقه رجع أكثرهم، وأظهر خطوط بعضهم
بذلك، فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بالقضاة والعلماء ويفصل الأمر
بينهم، فوقع ذلك في المحرم كما سياتي بيانه إن شاء الله تعالى.
جمادى الآخرة - أوله يوم الأربعاء بالرؤية.
في الثالث منه عزل السلطان ابن النقاش من الخطابة بجامع ابن طولون،
وقر فيها برهان الدين ابن المليق، وذكر أنه كان يصلي خلفه أحياناً
وهو أمير فلا يفصح في الخطبة ولا في القراءة في الصلاة.
وفيه حكم بهاء الدين الأخنائي بحضرة مستنبيه القاضي المالكي بقتل
بخشباي الاشرفي حداً لكونه لعن أجداد حسام الدين بن حريز قاضي
منفلوط بعد أن قال له: أنا شريف، جدي الحسين بن فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبق له أنه ادعى عليه عند بعض
الشافعية بأنه شتم ناساً فيهم أشراف، وحكم ذلك النائب الشافعي
بقبول توبته وحقن دمه، فلما ادعى الحسام بذلك عند المالكي طلب صورة
الحكم السابقة وذكر أنها لا تمنع من سماع هذه الدعوى وفوضها لنائبه
المذكور، فسمع البينة على الغائب وحكم وبقي له الحجة.
(4/101)
وفيه أشيع موت الشيخ عز الدين ابن - عبد
السلام بن داود ابن عثمان المقدسي شيخ الصلاحية ببيت المقدس، فعين
شهاب الدين أحمد ابن.. التبريزي الكوراني عوضه بشرط ثبوت موته،
فلما كان بعد قليل حضر شرف الدين - يحيى بن العطار الذي كان استقر
في مشيخة خانقاه ناظر الجيش عوضاً عن بهاء الدين ابن المصري إلى
القاهرة فأخبر أن ضعف عز الدين لا يقتضي الموت وأنه فارقه في قيد
الحياة.
وفي التاسع من جمادى الآخرة كان أول كيهك وهو أول الأربعينية عند
المصريين فوقع فيه مطر يسير وكذلك في الليل، ثم أرعدت وأبرقت في
يوم الجمعة ووقع المطر الغزير، وتواتر وانتفع به أصحاب الزرع
انتفاعاً جيداً.
وفيه استقر في قضاء الشام القاضي تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة،
وكان ناظر الجيش عين لوظيفة القضاء برهان الدين الباعوني وجهزت له
الخلعة والتوقيع فجاء كتاب النائب يذكر أنه امتنع واصر على
الامتناع فجهز توقيع المذكور.
وفيه حضرنا عند السلطان بسبب محاكمة فذكر أنه بلغه أن الشيخ زين
الدين أبا هريرة ابن النقاش بني بيته الذي بجوار جدار - الجامع
الطولوني من داخل السور الذي للجامع يغير حق وأنهم حكموا قديماً
بهدمه، وكان السلطان أمر أولا أن يتوجه القضاة الأربعة إلى الجامع
ويكشفوا حال البيت المذكور، فكشفوه وأعادوا له الجواب بأنه حكم على
أولاده بسد الباب الذي فتحه في جدار
(4/102)
الجامع وكذلك المناور التي فوقه، فوجدوها
قد سدت وبيضت، فقال في هذا اليوم ما ذكر فقلت له إن كان ثبت عند
مولانا السلطان فليحكم بهدمه ونحن ننفذ حكمه فتوقف، فبلغ ذلك علم
الدين صالح - البلقيني وكان وقع بين أخيه القاضي جلال الدين وبين
ابن النقاش منازعة بسبب نظر وقف في مجلس الأمير الكبير فاستطال ابن
النقاش على الجلال فغضب وقال: حكمت بفسقك وعزلتك من وظائفك لكونك
بنيت بيتك في رحاب الجامع، فلم يلبث أن أعاده بعد ثلاثة أيام ولكن
سطر ذلك المجلس وبقي عندهم، فتوجه البلقنيني إلى العيني واجتمعا
بالسلطان وتنصحا له بذلك، فأصغى لهما وأعجبه، فلما كان عند التهنئة
برجب أظهر لي - المحضر المذكور فعرفته أنه لا يفيد وكان تاريخه سنة
خمس وثمانمائة فسكنا - إلى أن كان ما نذكره.
رجب الفرد الحرام - أوله الجمعة، ثم ثبت أنه رئي ليلة الخميس وأدير
المحمل في النصف منه وكان حافلاً والجمع وافر.
وفي يوم الاثنين الخامس منه عقد مجلس بالقصر وادعى فيه نور الدين
ابن آقبرص نائب الحكم بطريق الوكالة عن السلطان عند القاضي المالكي
على منصوب عن قرقماس بحكم غيبته بالإسكندرية بالسجن بأنه بايع
السلطان وحلف له ثم خرج عليه وشق العصا وشهر السلاح وقتل بسببه
جماعة، فقامت البينة وحكم القاضي بموجب ما شهدت فيه، فسئل عن موجبه
فقال: يجوز للسلطان قتله، فضبطوا عليه هذا الجواب وجهز بريدي إلى
الإسكندرية بقتله بعد أن، يقرأ عليه المحضر ويعذر له، فقرئ عليه
فاعترف بما شهدت به البينة فقتل
(4/103)
وكان قدم مع المجهزين إلى قرا يلك في سنة
32 البلاد الحلبية، ثم في النيابة سنة 37، ثم خرج في العسكر إلى
دفع قرا يلك فأقام بالبيرة: ثم أرسل إليه حمزة بك بن علي بك بن
دلغادر يطلب منه نجدة على عمه وهو بمرعش فوصل إليه في طائفة. فلما
وصل إلى مرعش جاءه فياض بن ناصر الدين بك ومعه أميران من التركمان
فجهز إلى القاهرة، ثم خرج بأمر السلطان إلى تسلم قيسارية من ناصر
الدين بك بن دلغادر، ثم وصل الخبر بتأخير ذلك فرجع إلى حلب في
رمضان سنة 38، ثم شاع ظهور جانبك الصوفي فجاء الأمر بتوجه قرقماس
إلى مصر، فحضر واستقر أمير سلاح، واستقر أينال الجكمي في نيابة حلب
بعده، وأطلق السلطان فياضاً وولاه إمرة مرعش، وكان قرقماس الشعباني
من مماليك الناصر فرج، ثم تنقلت به الأحوال واستقر دويدار صغيراً
في أوائل دولة الأشرف، ثم ولي إمرة مكة شريكاً لحسن بن عجلان، ثم
عاد إلى القاهرة وولي الحجوبية الكبرى وباشرها بشهامة وصرامة، وكان
مهيباً ويميل إلى الفقهاء ويجالسهم ويطالع كتب العلم، ثم ولي إمرة
حلب بعد رجوع السلطان من آمد، ثم صرف عنها واستقر بالقاهرة أمير
مجلس، ثم اتفق أن الأشرف مات وهو مع المجردين في البلاد الشمالية،
فلما عادوا كان القائم في سلطنة الملك الظاهر جقمق - وخلع العزيز
وحبس الأمراء الذين من جهته، ثم لم يلبث أن ثار الظاهر ومعه
المماليك الأشرفية، فحاربه الأمراء الذين كانوا بدولة الظاهر،
فانكسر وجرح جماعة وقتل جماعة، ثم احضروا في اليوم الثالث فأرسلوا
إلى الإسكندرية - وكان ما تقدم.
وفي الرابع من رجب حضر الجماعة لقراءة البخاري بالقصر وحضر معهم
السلطان، ثم انقطع وصار يحضر أحياناً وشرط عليهم عدم اللغط، واستقر
برهان الدين إبراهيم بن عمر - بن حسن البقاعي قارئاً عوضاً عن نور
الدين السويفي إمام الملك الأشرف، واستحسنوا قراءته وفصاحته.
(4/104)
شعبان المكرم - أوله السبت، في الثاني منه
عقد مجلس بسبب بيت الشيخ أبي هريرة ابن النقاش المجاور لجامع ابن
طولون، وأحضر ولداه وادعى عليهما ولي الدين السفطي بطريق الوكالة
عن السلطان وعن الناظر، فأجاباه بأن والدهما استأجر المكان المذكور
وحكم بالإجارة القاضي ولي الدين العراقي، وأظهرا بذلك مثبوتاً،
فحضر المجلس المذكور ناصر الدين الشنشي نائب الحكم وذكروا عنه أنه
كان في سنة 35 حكم بهدمه، فسئل عن ذلك فقال: الذي ثبت عندي أن
الأرض المذكورة من رحاب الجامع وأنه لا يجوز فيها البناء، فسألته
في المجلس: أنت تقدم لك حكم بعدم بناء ابن النقاش؟ قال: لا، فأعرض
السلطان عنه وانفصل المجلس على أن القاضي المالكي ينظر في الإجارة
ويعمل فيها ما يقتضيه مذهبه، فادعى عليهما السفطي صبيحة ذلك اليوم
إن الإجارة التي بيدهما انقضت وأن الناظر يختار الهدم فحكم المالكي
بهدم الدار المذكورة، وكان ابن النقاش وقف الدار المذكورة على
صهريج بناه مجاورها، فحكم المالكي بطلان الوقف بانقضاء الإجارة
ومكنهما من نقل الأنقاض وتملكها وتسوية الأرض، ثم توجه المالكي
بأمر السلطان صبيحة اليوم لمذكور فحضر هدم الدار المذكورة، وذلك في
صبيحة يوم الأربعاء خامس شعبان.
وفيه عصى تغري برمش التركماني - نائب حلب وأراد القبض على الأمراء
بحلب وأن يملك القلعة، ففطنوا له فحاربوه، وأغلقوا القلعة، فحاصرهم
فيها، وجاء الخبر بذلك إلى السلطان في الحادي عشر من رمضان، فأمر
بتقليد نائب طرابلس النيابة بحلب، وأرسل إليه تقليده وخلعته مع
هجان، وأمره بالمسير بالعسكر إلى حلب والقبض على تغري برمش، وكتب
إلى الحاجب بحلب وكان قد فر من حلب إلى حماة بنيابة حماة، وأمر
نائب حماة أن يتحول إلى نيابة طرابلس، واستشعر من نائب الشام اينال
الجكمي العصيان -، فوافى كتابه في آخر اليوم
(4/105)
المذكور بما يدل على استمراره على الطاعة
فاطمأن لذلك، ثم أظهر العصيان وكاتب النواب فما أطاعه أحد وواطا
بعض أهل القلعة ورشاهم بجملة من المال، ففطن بهم نائب القلعة فقبض
عليهم وقتلهم، وهرب واحد منهم فأعلمه، فاستغاث أهل القلعة بالعوام
وسألوهم النصر، فانتحوا واجتمعوا ورجموا من يحاصر القلعة بالحجارة،
وخربوا المكان الذي صعدة رماته ليرموا على القلعة منه، فهزموهم
وهجموا على دار العدل، ففر النائب لا يلوي على شيء، ونهبوا ما
وجدوا ولم يصل معه سوى مائة فارس، فخرج من باب أنطاكية ليس معه إلا
ما هو لابسه، وأخذ له ولأتباعه من الأموال ما يفوق الوصف، وظهرت له
ودائع كثيرة فاستخرجت، واستمر هو في ذهابه إلى أن وصل شيزر فنزل
على علي بن صقل سر التركماني، فآواه وجمع له جمعاً وتوجهوا إلى
طرابلس، وكان نائبها جلبان استشعر من تغري برمش أنه يشاققه فأخلى
له طرابلس، وتوجه إلى الرملة، فدخل تغري برمش طرابلس وأخذ منها
أموالاً وخيولاً. وتوجه قاصداً أينال الجكمي بدمشق فحاصروا حماة،
وانضم إليهم جمع من التركمان مع علي يار وجمع من الأعزاب العزية،
ثم أجمع رأيهم على الرجوع إلى حلب فنازلوها - وحاصروها في العشرين
من شوال فاستعدوا للحصار، وجد تغري برمش ومن معه في حصار أهل حلب
وجدوا هم في مدافعته وعاش من معه في القرى فانتهبوها، وفي غالب
الأيام يستظهر أهل حلب ويقتلوا من عدوهم - جماعة، ثم حاصر المدينة
من جهة الميدان سواء ولكن خربت أماكن وأحرقت بانقوسا، فلم يزالوا
كذلك إلى أن خرج أهل حلب فصدقوا الحملة فانهزموا واستمروا إلى جهة
الشمال فنزلوا مرج دابق،
(4/106)
وكان قد استولى على عينتاب وأسكن بها جماعة
من مماليكه وأتباعه، وبلغ أهلها هزيمته من الحلبيين فوثبوا على من
عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة وأخرجوهم، فلم يفجأهم إلا
الخبر بانهزام اينال الجكمي ومن معه فاجتمعوا على حماة، فلما
اصبحوا يقتتلوا انجفل العرب والتركمان - ورحلوا واستمر تغري برمش
ومن معه، فلما تراءى الجمعان انهزم تغري برمش ومن معه فاحتووا على
وطاقهم ونهبوا أثقالهم -، واستمرت هزيمتهم إلى صهيون ثم إلى الشغر
ولم يبق معهم سوى مائتي نفر أو أقل ثم استمروا إلى أنطاكية، فاجتمع
عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسهام وهجموا عليهم فأسروهم،
وصادف ذلك - وصول الخبر إلى العسكر السلطاني وهم على خان طوغان
خارج حلب، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطج فقيدهم،
واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة،
وكاتبوا السلطان في العشر الأخير من ذي القعدة - فوصل الخبر، يأمر
بقتلهم، فقتلوا تغري برمش وابن صقل اشر في سابع عشر ذي الحجة، ثم
ظهر لتغري برمش مال آخر غير ما كان أخذ له لما هرب أولاً، فقيل إن
جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار؛ وكان اصل
تغرب برمش وأقاربه - من أولاد التركمان ببهنسا، وكان أبوه من
الأجناد يقال له أحمد بن - المصري فولد له حسن خجا وحسين بك، فلما
وقعت المحنة - العظمى باللنكية مات أبوهم، وفر حسين فدخل حلب وهو
مراهق، وحين بلوغه فاستخدمه بعض الأمراء ثم انتقل بعده إلى الأمير
طوخ وكان يسمي نفسه لما تقرر في الخدمة تغري برمش، فلما قتل طوخ في
وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغري برمش بخدمة جقمق الدويدار
واستمر عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة، ثم كان في خدمته لما ولي
نيابة دمشق فكان دويدار عنده، فلما أمسك جقمق الأمير برسباي الذي
ولي بعد ذلك السلطنة قام تغري برمش بأمره وخدمه وهو في الاعتقال
وواصله بالبر وكثرة الخدمة والإحسان - فرعى له ذلك ولما صار
سلطاناً استدعى به من الشام فأمره ثم نقله فصار أمير آخور كبيراً،
وكان جرده إلى حلب في سنة 32
ثم قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها
سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان،
(4/107)
ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي
تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو
الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف -
وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم
توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه
عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع
نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة
المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه
الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق
وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها
وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة. قرره في نيابة
حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين
- فكان من أمره ما كان، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي
تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو
الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف -
وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم
توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه
عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع
نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة
المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه
الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق
وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها
وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة.
وفيه جاء الخبر بقتل بن جنقر التركماني، وكان فاتكاً يقطع الطرقات
بين دمشق وحلب، وفرح الناس بذلك.
وفيه فتك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جماعة من جنده، وأسرع في
سفك دمائهم وجرى في أمر التجار والباعة في البلاد التي تحت نظره
على سيرة الجور والظلم الفاحش من فتح المصادرة ونحو ذلك.
وتراءى الناس الهلال ليلة الأحد وكانت بالعدد الثلاثين من شعبان
فلم يروه، فلما كان بعد صلاة - العشاء بنحو ثلث ساعة حضر كتاب من
نائب الحكم وهو المحب البكري أنه ثبت عنده فنودي بالصيام، وصل كتاب
- نائب الحكم من بلبيس في أول النهار بمثل ذلك، وفي أثناء النهار
من نائب الحكم بمنوف العليا كذلك، وكثر بعد ذلك من يخبر برؤيته
ويعتذر. وحضر السلطان سماع الحديث في أول يوم في شهر رمضان.
(4/108)
وفيه صرف معين الدين بن شرف الدين موقع
الدست ونائب كاتب السر عن كتابة السر بحلب وأذن له في الرجوع إلى
القاهرة، واستقر فيها زين الدين عمر بن السفاح نقلاً من نظر الجيش،
واستقر في نظر الجيش سراج الدين عمر الحمصي الذي كان ولي القضاء
بدمشق في أيام الأشرف بعد طرابلس، وكان أولا ينوب في الحكم بأسيوط
من الصعيد وسيرته مشهورة غير مشكورة ثم صرف عن ذلك.
وفي العشر الأول من رمضان - عصى نائب الشام أينال الجكمي وقبض على
الحاجب الكبير بدمشق وحصر القلعة بمن فيها وأظهر الإنكار على
السلطان في قتله قرقماس القتلة الشنيعة، وكان قبل ذلك وصل إليه
كتاب من تغري برمش انه عصى هجم على الحاجب ليقبضه ففر منه إلى حماة
فحصر القلعة ورام الاستيلاء عليها، فأظهر نائب الشام الإنكار على
تغري برمش - نائب حلب حين قرأ كتابه وعابه - وجهز كتابه إلى
السلطان مكراً منه و - خداعاً، فلما حضر عنده الأمراء ليشاورهم على
التوجه إلى حلب لقبض على النائب بها ظنوا ذلك على ظاهره فحضروا
بغير أهبة منه ومحاربته - فقبض عليهم وسجنهم -، وبلغ ذلك - نائب
القلعة فعصى عليهم، وكان - لما قبض على الأمراء أطلق من وافقه على
مراده وجلفه وسجن من امتنع عن قصده وخالفه -، وكل ذلك في العشر
الأول من شهر - رمضان، ثم جمع من أموال الأمراء - المقبوض عليهم
جملة مستكثرة -، وقبض على جماعة من التجار الأكابر وأخذ منهم
أموالاً اقترضها، وشرع في استخدام العساكر، وفر منه يونس أحد
الأمراء وتشاوروا في القاهرة في أمر النيابة - فاقتضت الآراء لجهة
الأمير الكبير - كما سيأتي ذكره.
(4/109)
وفي يوم الاثنين ثالث عشري رمضان استقر
الأمير الكبير آقبغا التمرازي في نيابة الشام وخلع عليه بالقصر،
وعين جماعة من الأمراء والجند للمسير إلى قتال نائب الشام كان
أينال الجكمي الخارج عن الطاعة -، ثم وصل الخبر بأن الذي كان في
طرابلس تركها لما وصل تغري برمش نائب حلب إليها، وجاء فيمن أطاعه
إلى الرملة فكاتبه السلطان يستحثه على الوصول بالعساكر لتمهيد
البلاد الشامية.
وفي ليلة الاثنين من شهر رمضان تراءى الأنس الهلال على العادة وحضر
القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية فلم يروا شيئاً وأصبحوا صائمين،
فشاع أن العزيز يوسف ابن برسباي - هرب من قاعة محبسه من القلعة
وهرب معه الطواشي الذي كان يخدمه والجارية، وقلق السلطان بسبب ذلك
واتهم به جماعة من مماليك أبيه، فبلغ ذلك اينال الأشرفي - فخشي على
نفسه فوزع قماشه وتسحب بالليل وبات جماعة من الأمراء ملتبسين
بالرميلة، وشاع أن الفتنة تقع يوم العيد، فصلى السلطان العيد
بالقصر الكبير، وحضر الأمراء كلهم فصلى بعضهم بالجامع وبعضهم
بالقصر، وخطبت بهم بعد الصلاة على منبر لطيف -، وخلع على من له من
عادة من الأمراء والقضاة وانصرفوا إلى منازلهم.
شوال أوله الثلاثاء، في يوم السبت خامسه استعفى أركماس الظاهري
الدويدار الكبيرمن الخدمة وكرر ذلك، فأعفاه السلطان فطرد الشرطة من
بابه وخرج أقطاعه.
فلما كان في يوم الخميس
(4/110)
عاشره استقر تغري بردى الحاجب في وظيفته،
وأمر اسنبغا الطياري الدويدار الثاني تقدمة، وقرر في وظيفته رأس
نوبة كبيراً، وأخرج تمراز من وظيفة الأمير آخور - من الإصطبل على
إمرته، وقرر شاهين في وظيفة دولات باي، وقرر سيدي محمد ولد السلطان
في إمرة قراجا بعد القبض على قراجا وحبسه بالإسكندرية، وخرج
الأمراء إلى الريدانية وهم الأمير الكبير نائب الشام آقبغا
التمرازي وقرا قجا الحسني وتمربائي الظاهري ومن انضم إليهم من
الجند، وبقيت وظيفة الأمير الكبير شاغرة ثم عينت ليشبك أمير سلاح،
وجاء الخبر بأن الأمراء بالشام تسحبوا من الشام هرباً من النائب
ووصلوا إلى الرملة وكاتبوا بذلك واستحثوا على حضور العساكر إليهم،
وكان السبب في ذلك أنهم ندموا على طواعية نائب الشام فاجتمعوا
وحاربوه وحاربهم فكسرهم، وفر أينال الششماي إلى القلعة فتحصن بها،
وخرج الباقون إلى الرملة، واغتنم بهاء الدين ابن حجي كاتب السر إذ
ذاك الفصة فخرج من دمشق مسرعاً على الخيل إلى صفد ثم إلى الرملة،
ثم قدم القاهرة في اليوم العشرين من شوال.
وفي هذا اليوم وصل طوغان وكان قد توجه إلى الصعيد لإفساد الجند
الاشرفية على السلطان، فأعلمهم بأن الملك العزيز خلص وأن الجند
اجتمعوا عليه، ووصلت إليهم كتب نائب الشام بأنه واصل، وأطمعهم
بأنهم إذا توجهوا إلى القاهرة لوافي نائب الشام بعساكره وينضم
إليهم بقيتهم المقيمين بالقاهرة فأصغوا إلى ذلك، ثم ظهر لهم خلاف
ذلك وأن العزيز هرب ولم يعرف له مكان فرجعوا عما هموا به، وقبض
يشبك على طوغان المذكور وجهزه في مركب مقيداً، فوصل إلى القلعة في
هذا اليوم،
(4/111)
وكان السلطان قبل ذلك قبض على قانباي
اليوسفي لأنه قيل له إنه صديق طوغان، فضربه فلم يقر بكبير أمر
فسجنه حتى وصل طوغان، فعصرا جميعاً فأقرأ بالواقعة، وأن قانباي كان
رأساً في هذه الفتنة، وأنه هو الذي أطمع السلطان العزيز وأعلمه
بخبر النواب، وانه لم يصل القاهرة حتى اتفقوا الجميع على العصيان،
وذكر طوغان أنه فارق العزيز بنواحي الشهداء بغلس، ثم ظهر كذبه وأنه
أقام بمشهد ذي النون ثلاثة أيام وبمصر في قاعة بين المطابخ بنواحي
سوق شنودة سبعة عشر يوما، فلما بلغه خبر إمساك طوغان وإحضاره خرج.
وفي يوم الثلاثاء عشريه رحل الركب الأول من بركة الجب.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر منه - رحل الركب مع أمير المحمل تنبك
أحد الأمراء المقدمين وقد استقر في الحجوبية الكبرى قبل سفره، وكان
الحاج كثيراً جداً حتى كانوا خمسة، ركوب الأول والمحمل والتكادرة
والمغاربة والينابعة.
وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال لبس السلطان الأبيض ووافق نصف
برمودة من أشهر القبط فسبق العادة قبل شهر، واستمر البرد في أول
النهار بقوة وابتدأ الموت بالطاعون، وفي هذا اليوم قبض على أينال
الجكمي نائب الشام وأصعد إلى القلعة بدمشق مقيدا، وكان السبب في
ذلك أن نائب الشام آقبغا التمرازي رحل من غزة في النصف
(4/112)
من شوال، ثم تلاحق به الأمراء واجتمعوا
جميعاً يوم الأربعاء ثالث عشري شوال بالخربة، واجتمعوا بالنواب
الذي كانوا مقيمين بالرملة وتقدم نائب الشام ومن معه من النواب،
وتأخر بقية الأمراء ومن معهم من المماليك السلطانية، ولم يكن بينهم
إلا قدر ميلين فالتقوا بأينال الجكمي ومن معه، فحمل عليهم أينال
الجكمي - بمن معه فقتل صرغتمش دوادار جلبان ووقع طوخ نائب غزة عن
فرسه وقتل جماعة، وتمت عليه الكسرة حتى وقع سنجق نائب الشام وكان
قاصداً نائب الشام وصل إلى الأمراء والمماليك السلطانية قبل أن
يلحقوا به، فصادف لحوقهم به ما وقع لمن كان معه من الهزيمة، فرجع
بهم وحمل على أينال ومن معه - فألقوا كثيراً من الجند الذي كانوا
مع أينال الجكمي - وقبضوا على ولد قانصوه النوروزي وكان من الشجعان
المشهورة، وانهزم أينال الجكمي وتمزق جمعه ونزل العسكر كله في
شقحب، واتفق أن جانبك دويدار برسباي الحاجب أدرك أينال الجكمي وهو
منهزم وقد أصابته في بدنه عدة جراحات وضعف من كثرة ما سال منه من
الدم، فالتجأ إلى ضيعة فنزل في بستان منها، فهجم عليه فقبض عليه
واركبه فرسه وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه وساقه إلى أن أدخله قلعة
دمشق، ورجع إلى العسكر وهم نزول بشقحب يوم الخميس فاعلمهم الخبر،
ففرحوا واطمأنوا - فطلبوا ودخلوا الشام يوم الجمعة خامس عشري شوال
في أبهة عظيمة. وجهزوا المبشر إلى السلطان بالخبر.
قرأت هذا الفصل من كتاب بعض المماليك السلطانية إلى بعض أصدقائه:
ووسط طوغان بعد أن ضرب ضرباً مبرحاً - فاقر أن اركماس الدويدار
الكبير كان معهم وقانباي اليوسفي وخرمان، فضرب قانباي وخرمان ضرباً
مبرحاً. وذكر لي ولي الدين السفطي أن السلطان أرسله إلى ابن الديري
يستفتيه في أمر طوغان وما ظهر منه من الفساد، فأفتى بجواز قتله
وأرسل له معه النقل في عدة مواضع، فأمر بتوسيطه لذلك؛ ثم اشتد
الخطب على كثير من الناس ممن اتهم بإخفاء الملك العزيز فكبست
بيوتهم ونهب بعضها، وكان منهم ناظر الدولة أمين الدين بن الهيصم،
فلما كان في ليلة الأحد
(4/113)
السادس والعشرين من شوال ظفر بالملك العزيز
ومعه جندي وأخذا ماشيين قاصدين مكاناً يأويان فيه من شدة ما وقع من
الطلب وذلك بين العشاءين، فأحضرا إلى الإصطبل وطلع بهما ولد
السلطان إليه، فأكرمه وبيته عنده، وهرع الناس لتهنئة السلطان
بالظفر به.
ثم تبين أن العزيز كان أوى إلى شخص من مماليك أبيه فعمل عليه
الحيلة حتى أطلعه للسلطان ليحظى بذلك عنده.
وفي السابع والعشرين من شوال أحضر أينال الأشرفي -.
فقيد وأرسل إلى السجن بالإسكندرية، وتوجه شهاب الدين أحمد - ابن
العطار إلى الإسكندرية بسبب ما يتعلق بالبهار السلطاني وبيعه -.
وفي سلخ شوال ورد الخبر بقتل أينال الجرود نائب صفد في معركة وقعت
لنائب الشام أينال الجكمي -، ثم ظهر أن ذلك كذب من بعض الاشرفية،
وتحقق أن الجكمي خرج عن دمشق وأن العساكر الظاهرية رحلوا بأمر
السلطان من الرملة في النصف من شوال قاصدين نائب الشام، وترك الشام
وعصى نحو تدمر -.
واستهل شهر ذي القعدة يوم الخميس وتحدث الناس برؤيته ليلة
الأربعاء، واستقر جوهر الخازندار زماماً عوض فيروز
(4/114)
الساقي -، وفي أول يوم منه استقر بهاء
الدين بن حجي في قضاء الشام مضافاً لكتابة السر ولبس الخلعة بذلك،
وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور.
وفي الثاني منه صلى في الجامع الحاكمي على ثلاثة أنفس ماتوا
بالطاعون -.
وفي الثامن منه طلب القاضي بهاء الدين بن القاضي عز الدين عبد
العزيز بن مظفر البلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جارية أفسدها عبده
فغابت عن سيدتها قدر سبعة أيام ثم وجدتها سيدتها فتسلمتها بشاهدين
منه ثم هرب العبد، فاتهم بهاء الدين بسيدة الجارية، فاتصل الأمر
بالدويدار الصغير فطلبه ليوفق بينهما، فتعاظم فأوصل الأمر بالسلطان
ونسب المذكور إلى أمور معضلة وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة
إلى غير ذلك من القبائح، فلما وصل أمر بتجريده وضربه بالمقارع،
فجرد - فشفع فيه ناظر الجيش فبطح وضرب نحواً من مائة عصا وسلم
للدويدار الكبير، وأمر أن يصادره على مال، فتسلمه إلى نزله وأهانه
واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار، ثم شفع فيه إلى أن انحطت إلى ألف
واحدة وأنعم بها على الدويدار، وكان مما أهين به أن أركب حماراً
وفي عنقه باشه وخنزير - وهو مكبوب على وجهه إلى الدويدار وكانت
كائنة شنيعة وكثرت القالة فيه مع ذلك، وبلغني أنه مع هذه الشدة في
بأو عظيم ورقاعة مفرطة وأصر على عدم الإعطاء وكرر تهديده، فلما طال
عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار، فبذلها وبذل معها أشياء أخر وخلص
بعد سبعة أيام وعزل من نيابة الحكم، وكنت كلمت السلطان في أمره بعد
صلاة الجمعة فقال: والله لولا أنت لكنت حرقته بالنار لما صنع
وكأنهم قرروا عنده أنه كان
(4/115)
هو المفسد للجارية - والله يأخذ بحق من
افترى عليه ورماه بهذا البلاء حتى تمت عليه هذه المحنة، وبلغني أن
قريبه لم ينفعه في هذه الكائنة بشئ - ولا قوة إلا بالله.
وفي التاسع منه وصلت بطاقة بالوقعة بين إينال الجكمي والعسكر
المصري وأنه انهزم، وهرع الناس لتهنئة السلطان بذلك - وقد شرحتها
قبل في حوادث الشهر الماضي - وحصل عند المتعصبين للأشرفية قلق كبير
وهم عظيم بهذه الكائنة.
وفي السابع عشر من ذي القعدة كانت الوقعة يوم الجمعة بين تغرى برمش
الذي كان نائب حلب وبين العسكر المصري. وكانوا بعد أن أمسكوا إينال
الجكمي توجهوا إلى حماة وبها نائب حماة وقد جمع بها جمعاً جما،
فكانت الكسرة عليهم ونهب هو ومن معه، وفر هو إلى أن التجأ بقلعة
شيزر، ووصل الخبر بذلك في الخامس والعشرين منه يوم السبت.
وفي العشرين من ذي القعدة وهو التاسع من بشنس من أشهر القبط
والرابع من أيار من أشهر الروم فشا الموت بالطاعون بالقاهرة بعد أن
كان فشا في قرى مصر البحرية وكثر بالإسكندرية وتروجة والبحيرة
والغربية ومنوف - العليا - والمحلة وعدة قرى، ووصل في اليوم
بالقاهرة إلى ثلاثين، - ثم وصل في العشرين من ذي القعدة في اليوم
إلى الخمسين ثم إلى الستين -، ثم تناقص إلى الأربعين - والثلاثين
والعشرين - فما دونها ثم رجع إليها، وأكثره في الرقيق والأطفال ثم
تناقص إلى العشرين في أول ذي الحجة.
(4/116)
وفي السابع والعشرين من ذي القعدة وصلت رأس
أينال الجكمي - نائب الشام - وطيف بها على رمح، واتفق قبل هذا
بيسير أن ذكرنا وقعة بين العسكر المصري وتغرى برمش نائب حلب ومن
انضم معه بالقرب من حماة، فانكسر النائب وهرب إلى الجبل الأقرع،
فظفر به بعض التركمان - فكبسه - وأسره هو ومن معه ووصل الخبر بذلك
في أول يوم من ذي الحجة يوم الجمعة، وفرح الناس بذلك لحصول الأمن
ورفع الحرب والطمأنينة في الطرقات، - وتوجه العسكر المصري لتمهيد
أمور البلاد الشامية، وكان من أمره أنه في شهر رمضان حاصر القلعة
وأظهر العصيان لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر وبها قانباي
البهلوان وبرسباي الحاجب وفارس نائب القلعة واختلف عليهم التركمان،
ثم استشعر نائب القلعة بأن أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان
فقبض عليهم وقتل بعضهم واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب في
الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوام من جيرانهم، فاجتمعوا ورجموا
المقاتلة بالحجارة، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وساعدوا فانكسر
جماعة النائب، وبلغه الخبر فركب جريدة وخرج من البلد ولم يصحبه أحد
بفرش ولا فرس ولا خيمة وليس معه سوى ثياب بدنه.
وقرأت كتاباً كتبه إلى القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية من حلب
يذكر فيه قصة تغرى برمش نائب حلب ملخصه أنه أظهر العصيان في يوم
الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها، فامتنع عليه
نائبها فألح عليهم بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، فركب
أهل حلب عليه ونزل الأمير حطيط نائب القلعة ومن معه وساعدهم من
بالبلد من الجند والعامة، فوقع بينهم قتال شديد ساعة من نهار أفضى
فيه الأمر إلى خذلان تغرى برمش، فخرج من حلب على جرائد الخيل في
نحو مائة فارس، واستمر في هزيمته حتى دخل شيزر فنزل على طور على
ابن صقيل سر فجمع جمعاً من التركمان والعرب وسار إلى طرابلس ففر
منه نائبها، ودخلها هو فأقام بها أياماً واستخرج من أهلها مالاً
كثيراً، ثم رجع ومعه ابن صقل سز وعلي يار التركماني وأمير العرب،
ونزل بالميدان ظاهر حلب وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف
وكاتب أهل حلب بالدخول معه، فأعلنوا بمخالفته وقفلوا دونه الأبواب
وصمموا على طاعة الملك الظاهر، فحاصرهم واستحضر
(4/117)
آلات الحصار من مكاحل وسلالم وغيرها، واشتد
الخطب يوم الثلاثاء ثاني عشرى شوال، فحصل من جماعته من الفساد ما
لا يعبر عنه، فأحرقوا الزروع وأخربوا القرى من شيزر إلى حلب، ونودي
بقتاله ونشبت بينهم الحرب فقتل من الطائفتين جماعة، وفي جميع ذلك
كانوا مستظهرين عليه، واستمر على ذلك إلى يوم الأحد رابع ذي
القعدة، فرحل عن حلب بعد أن أيس من الظفر بها، وخرج أهلها في أثره
فنهبوا آلات الحصار، وسار هو إلى أن نزل مرج دابق، فأقام به إلى
يوم الجمعة تاسع ذي القعدة وعاد إلى ناحية حلب فرمى شرفها يوم
السبت ولم يقاتل ونزل من الجهة القبلية، ثم بلغه طروق العسكر
المصري فرحل يوم الأحد إلى ناحية حماة، فالتقى العسكران بقرب
الرفاعي، فلم يلبث أن انكسر هو وابن صقل سز ففر إلى الجهة الغربية،
وانهزمت العرب إلى الجهة الشرقية، وذلك في السادس عشر من ذي
القعدة، ثم توجه إلى جهة بالس واستمر إلى الشغر ثم إلى الجبل
الأقرع فنزل على ابن حنوص التركماني وكان معه، فأضافه ثم باطن عليه
الفلاحين بتلك النواحي وأمسكوه وأمسكوا معه طور غلى وجماعة فوصلوا
إلى حلب وأدخل طور على جمل، وذلك في يوم الخميس ثاني عشر ذي
القعدة، فأودع هو وتغرى برمش بالقلعة - انتهى ملخصا -.
وقرأت بخطه أيضاً أن النائب المذكور في هذه الكائنة ظهر منه من سوء
الطوية ما لا يعبر عنه، وأنه ومن معه أفسدوا من الزروع ودورهم
شيئاً كثيراً بالتحريق وغيره بحيث أنه أفحش في غالب ما حولها من
القرى وأنه لما كسر الكسرة الأخيرة غنم العسكر المصري من المواشي
ما لا يدخل تحت الحصر بحيث بيع الجمل بثلاثين درهماً والشاة بخمسة
دراهم.
وفيه أن المذكور لما نزل الجبل الأقرع بات ليله وتوجه بكرة الأحد
تاسع عشر ذي القعدة قاصداً أنطاكية فوصل إلى دربند هناك، فاجتمع
عليه وعلى من معه جماعة من
(4/118)
الفلاحين فقاتلوهم فأمسكوا عليهم المضايق
إلى أن قبضوا عليهم فسلبوا جميع من معه وتركوهم، وأما النائب وطور
غلى بن صقل سز فإنهم راسلوا أهل حلب، فبادر قطبح الأمير الكبير
بحلب والحاجب ونائب حماة فتسلموهما من الذين أسروهما ورحلوا إلى
حلب فوصلوا في ثالث عشر ذي القعدة، فسجن إلى أن وصل الأمر من
السلطان بقتلهما، فضربت عنق تغرى برمش بحضرة نائب القلعة ووسط طور
غلى تحت القلعة وذلك في السابع عشر من ذي الحجة.
ومن خطه أن الخطبة بحلب استمرت في طول هذه الفتنة باسم الملك
الظاهر.
شهر ذي الحجة - الحرام أوله الجمعة - في أوائل هذا الشهر شكا
القاضي علم الدين - صالح - البلقيني إلى السلطان أن الملك الأشرف
كان قد أنعم عليه بألفي دينار، وأنه بعد موت الأشرف استعيد منه أحد
الألفين فأنعم عليه بإعادتهما له فلما قضهما استأذنه أن يحضر عنده
في كل أسبوع يوم الأحد ويعمل بحضرته ميعاداً فأذن له، فعمل في
السابع عشر منه ميعاداً على طريقته في مدرسة والده فلم يعجبه، فلما
حضر في الأحد الذي يليه منع من ذلك فرجع خائباً، وكان في أثناء ذلك
قد أظهر زهواً عظيماً وهرع إليه ناس ممن يؤثر ولايته وظنوا أن
الإذن في ذلك يوصله إلى الغرض، فانحزم ما أملوه وبطل - ولله الأمر
-.
وفي صبيحة يوم الخميس ثامن عشرى ذي الحجة قبض على ناظر الجيش عبد
الباسط ابن خليل بن يعقوب الشامي، وكان قد عظم قدره في دولة الأشرف
جداً بحيث صار هو مدبر المملكة، ثم لما مات الأشرف قام في سلطنة
ولده، ثم صار بعض الخاصكية يذمه وقاموا عليه مراراً ليؤذوه وهو
ينتصف منهم إلى أن تغيرت الدولة، ثم حظى عند الملك الظاهر واستمر
على طريقته في الإستبداد بالأمور ومخالفة الملك فيما يرومه،
(4/119)
فلم يحتمل له ذلك واحتاط به لما طلع إلى
الخدمة، وأحاطوا على منزله فقبضوا على ولده وبعض حريمه وأصعدوا إلى
القلعة ليقرروا على أحواله، وفر غالب أتباعه منهم القائم بأموره
شرف الدين ابن البرهان - وقبض على بعضهم -، وبرز فخر الدين
التوريزي له ساعة القبض عليه فادعى عليه أنه يستحق في ذمته ثلاثين
ألف دينار فأنكر فرسم عليه - له -، ويقال إنه ذكر له أنه كاتب نواب
الشام الذين عصوا، فأنكر ذلك فعوق في قاعة في الحوش السلطاني.
وفي يوم الجمعة جعل أربعة من أتباعه في البرج وهم موسى بن البرهان
كاتبه وموفق الدين كاتب الجيش وإبراهيم - الصغير - كاتب الباب وولد
القاضي أذرعات ويقال له ضفدع وجعل ولده في طبقة والأستادار جانبك
عند أستاذه وأرغون دويداره معه ثم طلب منهم المال، فقرر على موسى
عشرة آلاف دينار، وعلى موفق الدين خمسة آلاف دينار، وأطلق إبراهيم
الكاتب وضفدع بعد أيام، ثم أحضر الشريف حسن الإسكندراني من
الإسكندرية بسبب أنه تاجر لناظر الجيش فعوق في البرج أيضاً، ثم
أطلق موسى وموفق الدين وسلما لشهاب الدين - أحمد - بن العطار
الدويدار فشرعا في بذل المال؛ وشرع ناظر الجيش في بيع موجوده وباع
على السلطان ما في ملكه من الفلفل وهو ألف جمل بأربعين ألف دينار،
وحمل من النقد قريباً منها، وباع أشياء كثيرة من نفائسه،
(4/120)
ومن نوادر ما يحكى أن الحاج لما قدموا في
العشر الأخير من المحرم أخبر جماعة منهم أنه شاع وهم بالينبع يوم
الخميس ثامن عشر ذي الحجة أن السلطان فبض على ناظر الجيش وهو اليوم
المذكور بعينه - وممن أخبرني بذلك القاضي ظهير الدين
الطرابلسي.....
ذكر من مات
في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان.
أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المالكي شهاب الدين ابن تقى الدين
المعروف بابن تقى، وكانت أمه أخت القاضي تاج الدين بهرام فكان ينسب
إليها ولا ينسب لأبيه، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها: أحمد ابن أخت
بهرام، وكذلك يسجل عليه ولا يذكر أبوه، وسألت مرارا عن سبب ذلك
فقيل لي إنه كان لا يحمد في شهادته الشهاب المذكور، وكان فاضلاً
مستخضراً للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها، مشاركاً
في جميع ذلك، فصيحاً عارفاً بالشروط والأحكام، جيد الخط، قوي
الفهم، ولكنه كان زرى الهيئة مع ما ينسب إليه من كثرة المال،
(4/121)
وخلف ولدين ذكرين وأنثى، وقد عين للقضاء
مراراً فلم يتفق، مات في الثاني عشر من ربيع الأول، وما أظنه بلغ
الستين، ثم قيل لي إنه ولد سنة 784، وأول ما ناب في الحكم في سنة
أربع وثمانمائة، وكان في صباه آية في سرعة الحفظ بحيث أنه كان يحفظ
الورقة الواحدة من مختصر ابن الحاجب من مرتين أو ثلاثة بغير درس
واشتهر عنه ذلك.
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد القاضي علم الدين بن القاضي
تاج الدين ابن القاضي علم الدين بن القاضي كمال الدين بن القاضي
برهان الدين الأخناتي - المالكي -، مات في ليلة الأربعاء خامس عشرى
رمضان مطعوناً وكان من أعيان نواب القاضي المالكي ورام ولاية
القضاء فلم يتفق له، وكان ضعفه عقب وفاة البساطي، واستقر ابن
التنسي وقد ثقل هو في الضعف، ومولده قبيل التسعين فجاز الخمسين،
وكان يتعانى الأدب ويتولع بالنظم، وصحب تقى الدين ابن حجة مدة.
تغرى برمش نائب حلب - تقدم ذكره في الحوادث -.
إينال الجكمي نائب الشام - تقدم ذكره في الحوادث -.
جوهر اللالا عتيق أحمد بن جلبان وكان قبله لعمر بن بهادر، ثم اتصل
بخدمة الملك الأشرف وهو أمير فتنقل معه، وقرره لالا ولده محمد
الأكبر ثم ولده يوسف، - ثم تقرر زماما بعد موت حسن قدم مضافاً
للوظيفة الأخرى - فلما تسلطن العزيز فخم أمره وشمخت نفسه وظن أن
الأمور تدور عليه، فانعكس عليه الأمر وقبض عليه في
(4/122)
أول الدولة الظاهرية وسجن بالبرج، ثم أفرج
عنه وهو ضعيف بمرض القولنج ثم حصل له الصرع إلى أن مات في الحادى
والعشرين من جمادى الأولى، وعمر مدرسة حسنة بالمصنع ودفن بها.
حسن بن محمد بن أحمد بن علي بن حجر، مات في صبيحة الأحد ثالث عشرى
شعبان وله دون السنة.
حسن بن.. الكشكلي الكركي بدر الدين، مات في الرابع والعشرين من ذي
الحجة بالقاهرة، وكان قد باشر نظر القدس والخليل مدة في أيام
المؤيد وغيره، وكان عارفاً بالمباشرة مشكوراً.
داود بن علي بن بهاء الدين الكيلاني التاجر بالإسكندرية شرف الدين،
مات في الرابع من ذي القعدة وأوصى على أولاده ولده الكبير علياً
فمات بعده بأيام قلائل، وكان على هذا قد ولى قضاء جدة ولم يكن
بالمتصون، وما أظنه أكمل الثلاثين، وأما أبوه قمن أبناء السبعين،
وكان وجيهاً في التجار، وقد رأس في بعض السنين في سلطنة الأشرف
بجدة.
عبد الله الملك الظاهر بن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب اليمن، مات
في سلخ شهر رجب، واستقر ولده إسماعيل بن الظاهر وبه حينئذ نحو
العشرين.
علي بن عبد الرحمن - بن محمد - الشيخ نور الدين الشلقامي، وهو أسن
من بقى من الفقهاء الشافعية، وذكر لي أنه حضر درس الشيخ جمال الدين
الأسنائي وكان من أعيان الشهود، وله فضيلة ونظم، مات راجعاً من
الحج بالقرب من السويس، وكان خرج من الحجاج فقوى عليه الضعف فعجز
عن ركوب المحارة، فركب البحر من السويس إلى الينبع وعجز عن التوجه
صحبة الحاج، فأقام حتى رجعوا فعاد معهم في
(4/123)
البر، فمات قبل دخول القاهرة وقد بلغ
إثنتين وتسعين سنة، فإنه ذكر لي أن مولده في الطاعون الكبير سنة
749 أو في حدودها.
علي بن عبد الكريم نور الدين الكتنى، مات وقد قارب السبعين أو
جاوزها وكان عارفاً بالكتب وأثمانها وكان أبوه آخر من بقي بسوق
الكتب وما رأيت مثله في الإحسان إلى الطلبة وأما ولده هذا فما سلك
طريق أبيه بل تشاغل غالباً بغير الكتب، وقد ناب في الحكم مرة، وترك
وتعلل عدة سنين.
علي بن محمد بن قحر - بضم القاف وسكون المهملة بعدها راء - الزبيدي
الفقيه العالم الفاضل موفق الدين، ولد سنة 758 واشتغل بالفقه فمهر
فيه، وتقدم إلى أن صار مفتي زبيد وفقيهها والمرجوع إليه في ذلك، -
مات في الثاني من شوال -.
قرقماس الشعباني - تقدم في الحوادث -.
محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن
محمد بن علي البساطي المالكي القاضي شمس الدين، وكان يكتب بخطه
الطائي، وظهر
(4/124)
أنها نسبة لبعض قرى بساط، مات بعد العصر
يوم الخميس الثاني عشر من شهر رمضان، أصابه صرع فغشى عليه فصرخوا
عليه ثم تحرك، فأمرهم الطبيب أن لا يشرعوا في جهازه، ثم أصبح ميتاً
فأخرجت جنازته، وكانت له مدة طويلة يتمرض بالقولنج يثور به فينقطع
أياماً ثم يسكن عنه فيفيق، وكان في أوائل رجب قد نصل وركب وتصرف
وحكم وحضر مجلس السلطان ثم انقطع قليلاً، ثم عوفى وركب أول يوم من
رمضان إلى القلعة وحضر سماع الحديث وسلم على السلطان مع الجماعة
عقب الفراغ بعد العصر، وفرح السلطان بعافيته، وحضر معنا مجلساً
بالصالحية بأمر السلطان يوم الثلاثاء ثالث شهر رمضان وهو في عافية
تامة وقد صام، واستمر متماسكاً يكتب على الفتاوى ويسمع الدعاوى
ويعلم على القصص وغيرها للنواب إلى صبيحة يوم الخميس وإلى أن ثار
عليه الوجع في آخر النهار فقضى، وكان مولده في جمادى.... سنة ستين
وسبعمائة فأكمل إثنتين وثمانين سنة و.. أشهر وأياماً، وكان في
شبيبته نابغة في الطلبة واشتهر أمره وبعد صيته واشتغل في فنون،
وذكر لي أنه سمع الحديث على عبد الرحمن ابن البغدادي وغيره ولم
يكثر بل لم يطلب أصلاً ولا اشتغل له، وكان عارفاً بفنون المعقول
والعربية والمعاني والبيان والأصلين وصنف فيهما تصانيف وفي الفقه
أيضاً، وولى تدريس الفقه بالشيخونية ودام فيه أكثر من ثلاثين سنة،
ثم قايض بها التدريس بالظاهرية البرقوقية وناب في الحكم عن ابن عمه
جمال الدين يوسف البساطي وغيره مدة وكان بحالة هينة من قلة الشئ،
ثم نوه به الأمير ططر فذكره عند الملك المؤيد فولاه مشيخة التربة
الظاهرية عقب موت حاجى فقيه سنة تسع عشرة ثم ولاه القضاء عقب وفاة
جمال الدين الأقفهسى في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين، فأقام فيه
نحو عشرين
(4/125)
سنة متوالية بقية مدة المؤيد وولده والظاهر
ططر وولده والأشرف برسباي وولده وهذه القطعة من سلطنة الظاهر،
ورافقه الأشرف برسباي وولده وهذه القطيعة من سلطنة الظاهر، ورافقه
من القضاة خمسة من الشافعية وهم البلقيني والعراقي وصالح وكاتبه
والهروي، ومن الحنفية أربعة وهم ابن الديري والتفهيى وابن الديري،
ومن الحنابلة ثلاثة وهم ابن المغلى والمحب البغدادي وعز الدين
القدسي، وفي هؤلاء من صرف وعاد - غيره -، وجاور في مكة سنة كاملة
في دولة الأشرف وهو على ولايته، وعين ابن تقى مرة للولاية في كائنة
علاء الدين البخارى المذكورة - في الحوادث -، فلم يتم له أمر
واستعفى في السنة الماضية، ثم ندم واستمر به الأشرف بعناية على باي
الخازندار، وكانت وفاته في الليل وصلى عليه وقت ربع النهار بمصلى
باب النصر، ودفن بتربة بني جماعة بالقرب من تربة سعيد السعداء،
وأمطرت السماء بعد الفراغ من دفنه مطراً غزيراً، وعين السلطان
للقضاء بعده الشيخ عبادة الزرزاري، وسعى ولد الميت في وظائفه التي
كانت معه قبل أن يلي القضاء، فأجيب إلى بعضها كمشيخة التربة
الظاهرية بالصحراء، ودعى عبادة إلى تولية الحكم فامتنع وتغيب، فلما
كان يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر المذكور خلع على القاضي
بدر الدين بن القاضي ناصر الدين بن التنسي، وركب القضاة معه
والمباشرون على العادة إلى الصالحية واستقر في الوظيفة.
محمد بن أبي بكر - المالكي - الكتامي بضم الكاف وتخفيف المثناة
نسبة إلى حارة كتامة من القاهرة، شمس الدين، مات فجأة على ما قيل،
مات في الثاني والعشرين من ذي القعدة، وكان نقيب الحسبة عند القاضي
بدر الدين العيني، ثم صار نقيب الحكم عنده إلى
(4/126)
أن عزل، فاستمر يتردد إليه وهو معزول إلى
أن أدركه الموت، وكان قد شارف الثمانين وهو جلد، ويكثر تلاوة
القرآن، ويقال: خلف مالاً كثيراً - عفا الله تعالى عنه.
محمد بن زين بن عبد الله شمس الدين بن زين الدين، المرساوي الأصل
الجرائحي المعروف بابن الديفي التباني، اشتغل في علم الجراحة وتحول
إلى الديار المصرية قديماً فسكن التبانة، وتقدم في صناعته واستقر
في الرياسة، وطعن في السن وفي شعر لحيته السواد الكثير وكان يدعى
أنه جاوز المائة، وقرائن الحال تشعر أنها من الدعوى المحال.
محمد بن سعيد بن كبن - بفتح الكاف وتشديد الموحدة الثقيلة بعدها
نون، جمال الدين، مات بعدن من بلاد اليمن وكان قاضيها في السابع من
رمضان، وكان فاضلاً، ولي القضاء بعدن نحواً من أربعين سنة تخللها
ولاية القاضي عيسى اليافعي مدداً مفرقة، وكان جمال الدين فاضلاً
مشاركاً في علوم كثيرة، واسف الناس عليه لما
(4/127)
كان فيه من المداراة وخفض الجناح ولين
الجانب والإصلاح بين الخصوم، ولعله قارب الثمانين.
محمد بن القاضي بهاء الدين البرجي بدر الدين، مات في ذي الحجة في
الحمام، وكان أبوه قد ولي الحسبة مراراً ووكالة بيت المال والكسوة،
وصاهر البلقيني ثم ولده بدر الدين، وصارت له وجاهة ثم خمل، ثم نبه
قليلاً في دولة المؤيد بعناية ططر، فجعله ناظر العمارة بالمدرسة
المؤيدية، وعظم لما تسلطن، ثم لما لم تطل مدته استمر خاملاً، ثم
مات بعد بيسير، وكان بدر الدين هذا قد تزوج بنت بدر الدين البلقيني
ثم فارقها، وكان كثير الصلف، وباشر في عدة جهات، وكان يلقب بعزيق -
بمهملة وزاي وقاف - مصغر، لقبه بذلك ناصر الدين بن كليب وكان
جارهم، وكان قد جاوز الخمسين.
موسى بن علي بن جميع، الصنعاني الأصل العدني - شرف الدين ابن نور
الدين، كان قد استقر في وظيفة أبيه بعدن وهي الرياسة على التجار في
المتجر السلطاني، وكان حاذقاً عارفاً بالمباشرة والكتابة فصيحاً
لسناً، وقد قدم القاهرة في وسط الدولة الناصرية من نحو ثلاثين سنة
أو أكثر، ولم يكن صيناً، مات في شعبان.
يحيى الملك الظاهر بن الملك الناصر أحمد بن عبد الملك - الأشرف
إسماعيل، صاحب تهامة اليمن، مات في يوم الخميس سلخ رجب، وأقيم بعده
ولده الأشرف إسماعيل في يوم الجمعة مستهل شعبان منها ليلاً، فقتل
أكابر أهل الدولة فمنهم برقوق وكان كبير المماليك الأتراك، وعدة من
رؤساء الجند وعدة من الأجناد الذين يدعون السقاليب حتى أضعف
المملكة، وأثر ذلك حتى خرجت الأعزاب العازبة - بالعين المهملة
والزاي - عن الطاعة وضعف أمر تلك البلاد جداً.
(4/128)
يحيى المغربي المالكي، قاضي المالكية
بدمشق، محيي الدين، مات وقرر بعده شرف الدين يعقوب بن ... المغربي،
وكتب توقيعه في ذي الحجة.
يخشباي الأشرفي، ضربت عنقه في الثامن من ذي الحجة، أخرج من السجن،
وادعى عليه بأنه سب شريفاً من أهل منفلوط، وهو حسام الدين محمد بن
حريز قاضيها، وثبت ذلك عليه بالقاهرة، واتصل بقاضي الإسكندرية
فاعذر إليه فأنكر، ثم حلف أنه لم يفعل فقيل له إن الإنكار لا يفيد
بعد قبول الشهادة، فاستسلم للقتل، فشهدوا عليه بعدم الدافع وضربت
عنقه.
يوسف ولد كاتب السر، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة وقد راهق،
ولم يكن له الآن ولد ذكر غيره، واشتد أسفه عليه، وكانت جنازته
حافلة جداً.
يونس بن حسين بن علي الواحي نزيل القاهرة الشيخ شرف الدين، سمع من
عبد الرحمن بن القارئ
(4/129)
وناصر الدين الطبردار وغيرهما وحدث، وكان
يذكر أن مولده سنة 757، وعرض العمدة على الشيخ جمال الدين الأسنوي،
ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني، وكان يحب الأمر بالمعروف ويشدد
في ذلك مع قصوره في العلم، ويتخيل الشيء أحياناً فيلح في كونه لا
يجوز، أنكير قديماً كون ملك الموت يموت واستفتى القدماء، وكان سمع
في ميعاد الشيخ سراج الدين شيئاً من ذلك - فصار الشيخ وآل بيته
يمقتونه من ذلك الوقت، وسمع الخطيب يذكر في خطبة الجمعة في ذكر عمر
أنه منذ أسلم فر الشيطان منه، فأنكر عليه وقال: لا تقل: منذ أسلم،
يقع في ذهن العامي أن في ذلك نقصاً لعمر، واستفتى في ذلك فبالغ،
وسمع مدرساً يذكر مسألة الصرف وقول أبي سعيد لابن عباس: إلى متى
تؤكل الناس الربا؟ فاشتد إنكاره ونزه ابن عباس عن ذلك واستفتى،
واجتمع عنده من الفتاوي من هذا الجنس مالو جلد لجاء في خمس مجلدات،
وجمع لنفسه مجاميع مفيدة لكنه كان عرياً من العربية فيقع له اللحن
الفاحش، وكان كثير الابتهال والتوجه. ولا يعدم في طول عمره عامياً
يتسلط عليه وخصوصاً ممن يجاوره - والله يعفو عنه؟ وقد حدث في آخر
عمره واستحلى ذلك وأعجب به وحرص عليه - رحمه الله.
خوند بنت الملك المؤيد زوج قرقماس الشعباني، ماتت في التاسع عشر من
جمادى الأولى، وكانت نفساء عن سقط أسقطته عند كائنة زوجها، فاستمرت
في الضعف إلى أن ماتت، ولم تخلف سوى ولد ذكر له نحو سبع سنين،
واسندت وصيتها لزوجها.
(4/130)