تاريخ ابن الوردي
(أَخْبَار المستعين أَحْمد بن مُحَمَّد بن
المعتصم)
وَلما توفّي بُويِعَ للمستعين أَحْمد بن مُحَمَّد بن المعتصم ثَانِي
عشرهم لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ لست خلون من ربيع الآخر وَهُوَ ابْن
ثَمَان وَعشْرين سنة ويكنى أَبَا الْعَبَّاس.
وفيهَا: ورد عَلَيْهِ خبر وَفَاة طَاهِر بن عبد اللَّهِ بن طَاهِر
أَمِير خُرَاسَان فِي رَجَب، فولى ابْنه مُحَمَّد بن طَاهِر خُرَاسَان.
وفيهَا: مَاتَ بغا الْكَبِير، فولى مَكَانَهُ ابْنه مُوسَى بن بغا.
فِيهَا: شغب أهل حمص على كيدر عاملهم فأخرجوه.
وفيهَا: تحرّك يَعْقُوب بن اللَّيْث الصفار من سجستان نَحْو هراة.
وفيهَا توفّي مُحَمَّد بن الْعَلَاء الْهَمدَانِي من مَشَايِخ
البُخَارِيّ وَمُسلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا التقى
الْمُسلمُونَ وَالروم بمرج الأسقف، وَقتل عمر بن عبد اللَّهِ الأقطع
مقدم الْعَسْكَر وَكَانَ شجاعا وَانْهَزَمَ الرّوم وَقتل مِنْهُم،
فَأَغَارَ الرّوم إِلَى الثغور الجزرية.
وفيهَا: شغب الْجند الشاكرية والعامة بِبَغْدَاد على الأتراك بِسَبَب
استيلائهم على الْأُمُور يقتلُون من شَاءُوا من الْخُلَفَاء ويستخلفون
من شَاءُوا من غير مصلحَة ثمَّ اتّفقت الْعَامَّة بسامراء وأطلقوا من
فِي السجون فقتلت الأتراك من الْعَامَّة جمَاعَة حَتَّى سكنت
الْفِتْنَة.
وفيهَا: قتلت الموَالِي أيامش ونهبوا دَاره، فَإِن المستعين أطلق يَد
أيامش فاستولى على الْأَمْوَال.
وفيهَا: توفّي عَليّ بن الجهم الشَّاعِر.
وفيهَا: توفّي أَبُو إِبْرَاهِيم أَحْمد بن الْأَغْلَب صَاحب إفريقية،
وَقَامَ مَوْضِعه أَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد زِيَادَة اللَّهِ.
ثمَّ دخلت سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا ظهر أَبُو الْحُسَيْن يحيى
بن عمر بن يحيى بن حُسَيْن بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بِالْكُوفَةِ
فِي جمع وَاسْتولى على الْكُوفَة ثمَّ جهز إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد
اللَّهِ بن طَاهِر جَيْشًا، فَقتل يحيى وَحمل رَأسه إِلَى المستعين.
ثمَّ فِيهَا: ظهر الْحسن بن زيد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن زيد بن
الْحسن بن الْحسن بطبرستان وَكثر جمعه.
وفيهَا: وثب أهل حمص على عاملهم الْفضل بن قَارن أخي مازيار
فَقَتَلُوهُ، فَأرْسل
(1/221)
المستعين إِلَيْهِم مُوسَى بن بغا
الْكَبِير فحاربوه بَين حمص والرستن فَهَزَمَهُمْ فَافْتتحَ حمص وَقتل
خلقا وأحرقها.
وفيهَا: توفّي زِيَادَة اللَّهِ من ولد الْأَغْلَب، وَملك إفريقية بعده
ابْن أَخِيه أَبُو عبد اللَّهِ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد
الْمَذْكُور.
وفيهَا: مَاتَ الخليع الشَّاعِر الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك، ومولده سنة
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَة.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا قتل بغا
الصَّغِير ووصيف باغر التركي، فشغب الْجند وحصروا المستعين فِي الْقصر
بسامراء فهرب هُوَ وبغا ووصيف فِي حراقة إِلَى بَغْدَاد وَاسْتقر بهَا
المستعين.
(بيعَة المعتز بن المتَوَكل)
وفيهَا: خَافت الأتراك المستعين فأخرجوا المعتز بن المتَوَكل من
الْحَبْس وَبَايَعُوا المعتز بِاللَّه، فأستولى وَأنْفق فِي الْجند
وَعقد لِأَخِيهِ الْمُوفق أبي أَحْمد طَلْحَة فِي سبع بَقينَ من
الْمحرم وجهزه فِي خمسين ألف من التّرْك إِلَى حَرْب المستعين، وتحصن
المستعين بِبَغْدَاد، ثمَّ ألزم المستعين بخلع نَفسه ومبايعته للمعتز
بعد قتال شَدِيد.
وفيهَا: مَاتَ سري السَّقطِي الزَّاهِد.
قلت: هُوَ خَال الْجُنَيْد وأستاذه وتلميذ مَعْرُوف، جَاءَهُ يَوْمًا
مَعْرُوف وَمَعَهُ صبي فَقَالَ لَهُ: أكس هَذَا الْيَتِيم فَكَسَاهُ،
ففرح بِهِ الْمَعْرُوف وَقَالَ: بغض اللَّهِ إِلَيْك الدُّنْيَا وأراحك
مِمَّا أَنْت فِيهِ، فَقَامَ من الدّكان وَفتح عَلَيْهِ كَانَ كثيرا
مَا ينشد:
(إِذا مَا شَكَوْت الْحبّ قَالَت كذبتني ... فَمَا لي أرى الْأَعْضَاء
مِنْك كواسيا)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا فِي رَابِع
الْمحرم يَوْم الْجُمُعَة خطب للمعتز بِاللَّه بِبَغْدَاد وبويع لَهُ
بهَا، ثمَّ نقل المستعين من الرصافة إِلَى قصر الْحسن بن سهل بأَهْله
وَأخذ مِنْهُ الْبردَة والقضيب والخاتم وَمنعه من مَكَّة، فَأَقَامَ
بِالْبَصْرَةِ، ووكل بِهِ جمَاعَة وَانْحَدَرَ إِلَى وَاسِط، وَكتب
إِلَى احْمَد بن طولون بقتل المستعين فَامْتنعَ ابْن طولون، وَسَار
بالمستعين فِي القاطول وَسَلَمَة إِلَى الْحَاجِب سعيد بن صَالح
فَضَربهُ سعيد حَتَّى مَاتَ وَحمل رَأسه إِلَى المعتز، فَأمر بدفنه،
وخلافه المستعين إِلَى خلعة ثَلَاث سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَكسر، وعمره
أَربع وَعِشْرُونَ سنة.
وفيهَا: عقد لعيسى بن الشَّيْخ بن السَّلِيل من ولد جساس بن مرّة بن
ذهل بن شَيبَان على الرملة فَجهز نَائِبه أَبَا المعتز إِلَيْهَا لما
كَانَت فتْنَة الأتراك بالعراق تغلب ابْن الشَّيْخ على دمشق وأعمالها
وَقطع مَا كَانَ يحمل من الشَّام إِلَى الْخَلِيفَة.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن بشار وَمُحَمّد بن الْمثنى الزَّمن البصريان
من مَشَايِخ البُخَارِيّ وَمُسلم.
(1/222)
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا منع وصيف رزق الْجند أَرْبَعَة أشهر
فَقَتَلُوهُ، فَجعل المعتز مَا كَانَ إِلَيْهِ إِلَى بغا الشاربي.
وفيهَا: مَاتَ مُحَمَّد طَاهِر بن الْحُسَيْن.
وفيهَا: ملك يَعْقُوب الصفار هراة وبشنج وهابه أَمِير خُرَاسَان
وَغَيره.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا قتل بغا الشرابي
لَيْلًا؛ خرج لركوب الزورق فَعلم بِهِ المعتز فَأمر بقتْله فَقتل وَحمل
إِلَيْهِ رَأسه.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة لخمس بَقينَ توفّي بسامراء عَليّ
الملقب بالزكي وبالهادي وبالتقي أحد الْأَئِمَّة الإثني عشر على رَأْي
الإمامية وَهُوَ ابْن الْجواد كَانَ قد سعي بِهِ إِلَى المتَوَكل أَن
عِنْده كتبا وسلاحا، فَأرْسل إِلَيْهِ الأتراك لَيْلًا على غَفلَة
فوجدوه فِي بَيت مغلق وَعَلِيهِ مدرعة شعر مُسْتَقْبل الْقبْلَة يترنم
بآيَات فِي الْوَعْد والوعيد لَيْسَ بَينه وَبَين الأَرْض بِسَاط
إِلَّا الرمل والحصى، فَحمل على هَيئته إِلَى المتَوَكل، والمتوكل على
الشَّرَاب وَفِي يَده الكاس فأعظمه وَأَجْلسهُ بجنبه وناوله الكاس
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا خامر لحمي وَدمِي قطّ فاعفني
مِنْهُ فأعفاه وَقَالَ: أَنْشدني شعرًا، فَقَالَ: إِنِّي لقَلِيل
الرِّوَايَة للشعر، فَقَالَ المتَوَكل: لَا بُد من ذَلِك، فأنشده.
(باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرِّجَال فَمَا أغنتهم القلل)
(واستنزلوا بعد عز عَن معاقلهم ... فأودعوا حفرا يَا بئس مَا نزلُوا)
(ناداهم صارخ من بعد مَا قبروا ... أَيْن الْأَهِلّة والتيجان
وَالْحلَل)
(أَيْن الْوُجُوه الَّتِي كَانَت منعمة ... من دونهَا تضرب الأستار
والكلل)
(فأفصح الْقَبْر عَنْهُم حِين ساءلهم ... تِلْكَ الْوُجُوه عَلَيْهَا
الدُّود يقتتل)
(قد طالما أكلُوا دهرا وَمَا شربوا ... فَأَصْبحُوا بعد طول الْأكل قد
أكلُوا)
فَبكى المتَوَكل وَأمر بِرَفْع الشَّرَاب وَقَالَ: با أَبَا الْحسن
أعليك دين؟ قَالَ: نعم أَرْبَعَة آلَاف دِينَار، فَدَفعهَا إِلَيْهِ
ورده إِلَى منزلَة مكرما.
ومولد عَليّ فِي رَجَب سنة أَربع عشرَة وَقيل: ثَلَاث عشرَة
وَمِائَتَيْنِ، وَقيل لَهُ: العسكري لِأَن سامراء يُقَال لَهَا
الْعَسْكَر لسكنى الْعَسْكَر بهَا، وَكَانَت سكن عَليّ وَهُوَ عَاشر
الْأَئِمَّة الإنثي عشر ووالد الْحسن العسكري، وولادة الْحسن
الْمَذْكُور فِي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوفِّي فِي ربيع
الأول وَقيل: جُمَادَى الأولى سنة مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بسامراء
وَدفن بِجنب أَبِيه. وَالْحسن العسكري وَالِد مُحَمَّد المنتظر صَاحب
السرداب، والمنتظر ثَانِي عشرهم ويلقب أَيْضا الْقَائِم وَالْمهْدِي
وَالْحجّة، ومولد المنتظر سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. وتزعم
الشِّيعَة أَنه دخل السرداب فِي دَار أَبِيه بسامراء وَأمه تنظر
إِلَيْهِ فَلم يعد إِلَيْهَا وَكَانَ عمره تسع سِنِين حِينَئِذٍ
وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَسِتِّينَ على خلاف فِيهِ.
وفيهَا: توفّي أَحْمد بن الرشيد وَهُوَ عَم الواثق.
(1/223)
وفيهَا: ولي أَحْمد بن طولون مصر.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا استولى يَعْقُوب بن
اللَّيْث الصفار على كرمان، ثمَّ استولى بِالسَّيْفِ على فَارس وَدخل
شيراز ونادى بالأمان وَكتب إِلَى الْخَلِيفَة بِطَاعَتِهِ وبهدية جليلة
مِنْهَا: عشرَة بزاة بيض وَمِائَة من الْمسك.
وفيهَا: يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث بَقينَ من رَجَب خلع المعتز بن
المتَوَكل واسْمه مُحَمَّد وَقيل: الزبير، ويكنى أَبَا عبد اللَّهِ،
ومولده بسامراء فِي ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ، وَأمه قبيحة أم ولد، ولليلتين خلتا من شعْبَان كَانَ
ظُهُور مَوته وَذَلِكَ أَن الأتراك طلبُوا أَرْزَاقهم ونزلوا مَعَه
إِلَى خمسين ألف دِينَار فَلم يكن عِنْده مَال، فاتفق الأتراك
والفراعنة والمغاربة وَقَالُوا: اخْرُج إِلَيْنَا، فَاعْتَذر بِشرب
دَوَاء أفرط فِي الْعَمَل وَأمر بِدُخُول بَعضهم عَلَيْهِ، فَدَخَلُوا،
وجروا بِرجلِهِ إِلَى بَاب الْحُجْرَة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قَمِيصه
وأقاموه فِي الشَّمْس ولطموه وَهُوَ يَتَّقِي بِيَدِهِ وَأشْهدُوا ابْن
أبي الشَّوَارِب القَاضِي على خلعه وَجَمَاعَة، ثمَّ عذب وَمنع
الطَّعَام وَالشرَاب ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل سردابا وجصص عَلَيْهِ وَدفن
بسامراء مَعَ الْمُنْتَصر.
وخلافته من مبايعته بسامراء إِلَى خلعه أَربع سِنِين وَسَبْعَة أشهر
إِلَّا سَبْعَة أَيَّام، وعمره أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة
وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَكَانَ أَبيض أسود الشّعْر.
(أَخْبَار مُحَمَّد الْمُهْتَدي بن الواثق)
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث بَقينَ من رَجَب مِنْهَا بُويِعَ
للمهتدي مُحَمَّد بن الواثق وَهُوَ رَابِع عشرهم وكنيته أَبُو عبد
اللَّهِ، وَأمه قرب الرومية.
وفيهَا: فِي رَمَضَان ظَهرت قبيحة أم المعتز بعد اختفائها لقتل ابْنهَا
ونبش لَهَا ألف ألف دِينَار، وسفط قدر مكوك زمرد، وسفط كَذَلِك
لُؤْلُؤ، وَقدر كمليجة ياقوت أَحْمَر لَا يُوجد مثله، وَحمل جَمِيعه
إِلَى صَالح بن وصيف، فَقَالَ: قبح اللَّهِ قبيحة عرضت ابْنهَا
للْقَتْل لأجل خمسين ألف دِينَار وَعِنْدهَا هَذِه الْأَمْوَال كلهَا؛
وسماها المتَوَكل قبيحة لحسنها بالضد كَمَا يُسمى الْأسود كافورا.
ثمَّ سَارَتْ إِلَى مَكَّة فَكَانَت تَدْعُو بِصَوْت عَال على صَالح بن
وصيف وَتقول: هتك ستري وَقتل وَلَدي وَأخذ مَالِي وغربني عَن بلدي
وَركب الْفَاحِشَة مني.
قلت: وَالله قولي فِيهِ:
(جزى ابْن وصيف مَوْلَاهُ بشر ... وَلَكِن هَذِه صفة الوصيف)
وَالله أعلم.
وفيهَا: أول خُرُوج صَاحب الزنج عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم
وَنسبه فِي عبد الْقَيْس، فَجمع الزنج الَّذين كَانُوا يكسحون السباخ
فِي جِهَة الْبَصْرَة وَادّعى أَنه عَليّ بن
(1/224)
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن زيد بن
عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَعبر دجلة وَنزل الأنبار
وَكَانَ مَذْكُور من قبل مُتَّصِلا بحاشية الْمُنْتَصر فِي سامراء
يمدحهم ويستمنحهم بِشعرِهِ، ثمَّ شخص من سامراء سنة تسع وَأَرْبَعين
وَمِائَتَيْنِ إِلَى الْبَحْرين فَادّعى نسبه فِي العلويين كَمَا ذكر،
وَأقَام فِي الأحساء ثمَّ فِي الْبَصْرَة سنة أَربع وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ، ثمَّ خرج فِي هَذِه السّنة واستفحل أمره وَبث أَصْحَابه
للإغارة والنهب.
وفيهَا: توفّي خفاجة بن سُفْيَان أَمِير صقلية وَولي ابْنه مُحَمَّد.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن كرام السجسْتانِي صَاحب الْمقَالة فِي
التَّشْبِيه بِالشَّام.
قلت: كَانَ شَيخنَا الْعَلامَة صدر الدّين مُحَمَّد بن الْوَكِيل
العثماني ينشد لبَعْضهِم.
(الفقة فقة أبي حنيفَة وَحده ... وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام)
(إِن الأولى فِي دينهم مَا استمسكوا ... بِمُحَمد بن كرام غير كرام)
ثمَّ وَقع مرّة فِي بعض الْمدَارِس بحلب نزاع فِي الرَّاء من كرام هَل
هِيَ مُشَدّدَة أم مخفقة، فأنشدت أَنا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، فارتفع
النزاع وَعَلمُوا أَن راءه مُخَفّفَة وَالله أعلم.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة توفّي عبد اللَّهِ بن عبد الرَّحْمَن
الدَّارمِيّ صَاحب الْمسند وعمره خمس وَسَبْعُونَ.
وفيهَا: توفّي أَبُو عمرَان عَمْرو بن بَحر الجاحظ الْعَينَيْنِ، كثير
التصانيف كثير الْهزْل نَادِر النادرة نادم الْخُلَفَاء، وَأخذ الْعلم
عَن النظام الْمُتَكَلّم، وَقيد لما قتل ابْن الزيات لتَعَلُّقه بِهِ
ثمَّ أطلق؛ دخل عَلَيْهِ الْمبرد فِي مَرضه فَقَالَ: كَيفَ أَنْت؟
فَقَالَ: كَيفَ يكون من نصفه مفلوج وَلَو نشر مَا أحس بِهِ، وَنصفه
الْأُخَر منقرس لَو طَار بِهِ الذُّبَاب آلمه وَقد جَاوز التسعين ثمَّ
أنْشد:
(أترجو أَن تكون وَأَنت شيخ ... كَمَا قد كنت أَيَّام الشَّبَاب)
(لقد كذبتك نَفسك لَيْسَ ثوب ... دريس كالجديد من الثِّيَاب)
وَقعت عَلَيْهِ مجلداته المصفوفة وَهُوَ عليل فَقتلته فِي الْمحرم
مِنْهَا.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا قتل مُوسَى بن بغا
صَالح بن وصيف.
وفيهَا: فِي منتصف رَجَب خلع الْمُهْتَدي مُحَمَّد بن هَارُون الواثق
بن المعتصم وَتُوفِّي لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت مِنْهُ،
فَإِنَّهُ قصد قتل مُوسَى بن بغا وَكَانَ مُوسَى معسكرا قبالة
الْخَوَارِج، وَكتب إِلَى بانكيال من مقدمي التّرْك أَن يقتل مُوسَى
وَيصير مَوْضِعه، فَأطلع بانكيال مُوسَى على ذَلِك واتفقا على قتل
الْمُهْتَدي، وَسَار إِلَى سامراء وَدخل بانكيال إِلَى الْمُهْتَدي،
فحبسه الْمُهْتَدي وَقَتله، وَركب لقِتَال مُوسَى ففارقت الأتراك
الَّذين مَعَ الْمُهْتَدي عَسْكَر الْمُهْتَدي وصاروا مَعَ مُوسَى،
فضعف الْمُهْتَدي وهرب وَدخل بعض الدّور، فَأمْسك وداسوا خصيبه وصفعوه
فَمَاتَ، وَدفن بمقبرة الْمُنْتَصر، وخلافته أحد عشر شهرا وَنصف، وعمره
ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة. وَكَانَ أسمر بطينا قَصِيرا طَوِيل
اللِّحْيَة ولد بالقاطول ورعا كثير الْعِبَادَة، قصد أَن يكون فِي بني
الْعَبَّاس مثل عمر بن عبد الْعَزِيز فِي بني أُميَّة.
(1/225)
|