تاريخ ابن خلدون

الفصل التاسع والعشرون في صناعة الطب وانها محتاج إليها في الحواضر والأمصار دون البادية
هذه الصّناعة ضروريّة في المدن والأمصار لما عرف من فائدتها فإنّ ثمرتها حفظ الصّحّة للأصحّاء ودفع المرض عن المرضى بالمداواة حتّى يحصل لهم البرء من أمراضهم. واعلم أنّ أصل الأمراض كلّها إنّما هو من الأغذية كما قال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الجامع للطّبّ وهو قوله: «المعدة بيت الدّاء والحمية
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: الانفصال.

(1/520)


رأس الدّواء وأصل كلّ داء البردة» فأمّا قوله المعدة بيت الدّاء فهو ظاهر وأمّا قوله الحمية راس الدّواء فالحمية الجوع وهو الاحتماء من الطّعام. والمعنى أنّ الجوع هو الدّواء العظيم الّذي هو أصل الأدوية وأمّا قوله أصل كلّ داء البردة [1] » فمعنى البردة إدخال الطّعام على الطّعام في المعدة قبل أن يتمّ هضم الأوّل. وشرح هذا أنّ الله سبحانه خلق الإنسان وحفظ حياته بالغذاء يستعمله بالأكل وينفذ فيه القوى الهاضمة والغاذية إلى أن يصير دما ملائما لأجزاء البدن من اللّحم والعظم، ثمّ تأخذه النّامية فينقلب لحما وعظما. ومعنى الهضم طبخ الغذاء بالحرارة الغريزيّة طورا بعد طور حتّى يصير جزءا بالفعل من البدن وتفسيره أنّ الغذاء إذا حصل في الفم ولاكته الأشداق أثّرت فيه حرارة الفم طبخا يسيرا وقلبت مزاجه بعض الشّيء، كما تراه في اللّقمة إذا تناولتها طعاما ثمّ أجدتها مضغا فترى مزاجها غير مزاج الطّعام ثمّ يحصل في المعدة فتطبخه حرارة المعدة إلى أن يصير كيموسا وهو صفو ذلك المطبوخ وترسله إلى الكبد وترسل ما رسب منه في المعى ثقلا ينفذ إلى المخرجين. ثمّ تطبخ حرارة الكبد ذلك الكيموس إلى أن يصير دما عبيطا [2] وتطفو عليه رغوة من الطّبخ هي الصّفراء. وترسب منه أجزاء يابسة هي السّوداء ويقصر الحارّ الغريزيّ بعض الشّيء عن طبخ الغليظ منه فهو البلغم. ثمّ ترسلها الكبد كلّها في العروق والجداول، ويأخذها طبخ الحال [3] الغريزيّ هناك فيكون عن الدّم الخالص بخار حارّ رطب يمدّ الرّوح الحيوانيّ وتأخذ النّامية مأخذها في الدّم فيكون لحما ثمّ غليظة عظاما. ثمّ يرسل البدن ما يفضل عن حاجاته من ذلك فضلات مختلفة من العرق واللّعاب والمخاط والدّمع. هذه صورة الغذاء وخروجه من القوّة إلى الفعل لحما. ثمّ إنّ أصل الأمراض ومعظمها هي الحميّات.
وسببها أنّ الحارّ الغريزيّ قد يضعف عن تمام [4] النّضج في طبخه في كلّ طور من
__________
[1] التخمة.
[2] الخالص الطري (قاموس) .
[3] وفي نسخة أخرى: الحار.
[4] وفي نسخة أخرى: إتمام.

(1/521)


هذه، فيبقى ذلك الغذاء دون نضج، وسببه غالبا كثرة الغذاء في المعدة حتّى يكون أغلب على الحارّ الغريزيّ أو إدخال الطّعام إلى المعدة قبل أن تستوفي طبخ الأوّل فيستقلّ [1] به الحارّ الغريزيّ ويترك الأوّل بحالة أو يتوزّع عليهما فيقصر عن تمام الطّبخ والنّضج. وترسله المعدة كذلك إلى الكبد فلا تقوى حرارة الكبد أيضا على إنضاجه. وربّما بقي في الكبد من الغذاء الأوّل فضلة غير ناضجة.
وترسل الكبد جميع ذلك إلى العروق غير ناضج كما هو. فإذا أخذ البدن حاجته الملائمة أرسله مع الفضلات الأخرى من العرق والدّمع واللّعاب إن اقتدر على ذلك. وربّما يعجز عن الكثير منه فيبقى في العروق والكبد والمعدة وتتزايد مع الأيّام. وكلّ ذي رطوبة من الممتزجات إذا لم يأخذه الطّبخ والنّضج يعفّن فيتعفّن ذلك الغذاء غير النّاضج وهو المسمّى بالخلط. وكلّ متعفّن ففيه حرارة غريبة وتلك هي المسمّاة في بدن الإنسان بالحمّى. واختبر [2] ذلك بالطّعام إذا ترك حتّى يتعفّن وفي الزّبل إذا تعفّن أيضا، كيف تنبعث فيه الحرارة وتأخذ مأخذها. فهذا معنى الحمّيات في الأبدان وهي رأس الأمراض وأصلها كما وقع في الحديث. وهذه الحميّات علاجها [3] بقطع الغذاء عن المريض أسابيع معلومة ثمّ يتناول [4] الأغذية الملائمة حتّى يتمّ برؤه. وذلك في حال الصّحّة له علاج في التّحفّظ من هذا المرض وغيره وأصله كما وقع في الحديث وقد يكون ذلك العفن في عضو مخصوص، فيتولّد عنه مرض في ذلك العضو ويحدث جراحات في البدن:
إمّا في الأعضاء الرّئيسيّة أو في غيرها. وقد يمرض العضو ويحدث عنه مرض القوى الموجودة له. هذه كلّها جمّاع الأمراض، وأصلها في الغالب من الأغذية وهذا كلّه مرفوع إلى الطّبيب. ووقوع هذه الأمراض في أهل الحضر والأمصار أكثر، لخصب عيشهم وكثرة مأكلهم وقلّة اقتصارهم على نوع واحد من الأغذية وعدم توقيتهم
__________
[1] وفي نسخة أخرى: فيشتغل.
[2] وفي نسخة أخرى: واعتبر.
[3] وفي نسخة أخرى: علاجات.
[4] وفي نسخة أخرى: ثم تناوله.

(1/522)


لتناولها. وكثيرا ما يخلطون بالأغذية من التّوابل والبقول والفواكه، رطبا ويابسا في سبيل العلاج بالطّبخ ولا يقتصرون في ذلك على نوع أو أنواع. فربّما عدّدنا في اليوم [1] الواحد من ألوان الطّبخ أربعين نوعا من النّبات والحيوان فيصير للغذاء مزاج غريب. وربّما يكون غريبا [2] عن ملاءمة البدن وأجزائه. ثمّ إنّ الأهوية في الأمصار تفسد بمخالطة الأبخرة العفنة من كثرة الفضلات. والأهوية منشّطة للأرواح ومقوّية بنشاطها الأثر الحارّ الغريزيّ في الهضم. ثمّ الرّياضة مفقودة لأهل الأمصار إذ هم في الغالب وادعون ساكنون لا تأخذ منهم الرّياضة شيئا ولا تؤثّر فيهم أثرا، فكان وقوع الأمراض كثيرا في المدن والأمصار وعلى قدر وقوعه كانت حاجتهم إلى هذه الصّناعة. وأمّا أهل البدو فمأكولهم قليل في الغالب والجوع أغلب عليهم لقلّة الحبوب حتّى صار لهم ذلك عادة. وربّما يظنّ أنّها جبلّة لاستمرارها. ثمّ الأدم قليلة لديهم أو مفقودة بالجملة. وعلاج الطّبخ بالتّوابل والفواكه إنّما يدعو إلى ترف الحضارة الّذين هم بمعزل عنه فيتناولون أغذيتهم بسيطة بعيدة عمّا يخالطها ويقرّب مزاجها من ملاءمة البدن. وأمّا أهويتهم فقليلة العفن لقلّة الرّطوبات والعفونات إن كانوا آهلين، أو لاختلاف الأهوية إن كانوا ظواعن. ثمّ إنّ الرّياضة موجودة فيهم لكثرة الحركة في ركض الخيل أو الصّيد أو طلب الحاجات لمهنة أنفسهم في حاجاتهم فيحسن بذلك كلّه الهضم ويجود ويفقد إدخال الطّعام على الطّعام فتكون أمزجتهم أصلح وأبعد من الأمراض فتقلّ حاجتهم إلى الطّبّ. ولهذا لا يوجد الطّبيب في البادية بوجه. وما ذاك إلّا للاستغناء عنه إذ لو احتيج إليه لوجد، لأنّه يكون له بذلك في البدو معاش يدعوه إلى سكناه «سنة الله في عباده وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا 33: 62» .
__________
[1] وفي نسخة أخرى: اللوث.
[2] وفي نسخة أخرى: بعيدا.

(1/523)


الفصل الثلاثون في أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية
وهو رسوم وأشكال حرفيّة تدلّ على الكلمات المسموعة الدّالّة على ما في النّفس. فهو ثاني رتبة من الدّلالة اللّغويّة وهو صناعة شريفة إذ الكتابة من خواصّ الإنسان الّتي يميّز بها عن الحيوان. وأيضا فهي تطلع على ما في الضّمائر وتتأدّى بها الأغراض إلى البلاد [1] البعيدة فتقضي الحاجات وقد دفعت مؤنة المباشرة لها ويطّلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأوّلين وما كتبوه من علومهم وأخبارهم فهي شريفة بهذه الوجوه والمنافع. وخروجها في الإنسان من القوّة إلى الفعل إنّما يكون بالتّعليم وعلى قدر الاجتماع والعمران والتّناغي في الكمالات والطّلب لذلك تكون جودة الخطّ في المدينة إذ هو من جملة الصّنائع.
وقد قدّمنا أنّ هذا شأنها وأنّها تابعة للعمران ولهذا نجد أكثر البدو أمّيّين لا يكتبون ولا يقرءون ومن قرأ منهم أو كتب فيكون خطّه قاصرا أو قراءته غير نافذة. ونجد تعليم الخطّ في الأمصار الخارج عمرانها عن الحدّ أبلغ وأحسن وأسهل طريقا لاستحكام الصّنعة فيها. كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهد وأنّ بها معلّمين منتصبين لتعليم الخطّ يلقون على المتعلّم قوانين وأحكاما في وضع كلّ حرف ويزيدون إلى ذلك المباشرة بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم والحسّ في التّعليم وتأتي ملكته على أتمّ الوجوه. وإنّما أتى هذا من كمال الصّنائع ووفورها بكثرة العمران وانفساح الأعمال وقد كان الخطّ العربيّ بالغا مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التّبابعة لما بلغت من الحضارة والتّرف وهو المسمّى بالخطّ الحميريّ. وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التّبابعة في العصبيّة والمجدّدين لملك العرب بأرض العراق. ولم يكن الخطّ
__________
[1] وفي نسخة أخرى: البلد.

(1/524)


عندهم من الإجادة كما كان عند التّبابعة لقصور ما بين الدّولتين. وكانت الحضارة وتوابعها من الصّنائع وغيرها قاصرة عن ذلك. ومن الحيرة لقنه أهل الطّائف وقريش فيما ذكر. ويقال إنّ الّذي تعلّم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أميّة ويقال حرب بن أميّة وأخذها من أسلم بن سدرة. وهو قول ممكن وأقرب ممّن ذهب إلى أنّهم تعلّموها من إياد أهل العراق لقول شاعرهم:
قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعا والخطّ والقلم
وهو قول بعيد لأنّ إيادا وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنهم من البداوة. والخط من الصّنائع الحضريّة. وإنّما معنى قول الشّاعر أنّهم أقرب إلى الخطّ والقلم من غيرهم من العرب لقربهم من ساحة الأمصار وضواحيها فالقول بأنّ أهل الحجاز إنّما لقّنوها من الحيرة ولقّنها أهل الحيرة من التّبابعة وحمير هو الأليق من الأقوال ورأيت في كتاب التّكملة لابن الأبّار عند التعريف بابن فرّوخ الفيرواني القاسي الأندلسي من أصحاب مالك رضي الله عنه واسمه عبد الله بن فروخ بن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. عن أبيه قال: قلت لعبد الله بن عبّاس: يا معشر قريش، خبّروني عن هذا الكتاب العربيّ، هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث الله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم تجمعون منه ما أجتمع وتفرّقون منه ما افترق مثل الألف واللام والميم والنّون؟ قال: نعم. قلت: وممّن أخذتموه؟ قال: من حرب بن أميّة. قلت! وممّن أخذه حرب؟ قال: من عبد الله بن جدعان.
قلت: وممّن أخذه عبد الله بن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار. قلت: وممّن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من طارئ طرأ عليه من أهل اليمن. قلت وممّن أخذه ذلك لطارئ؟ قال: من الخلجان بن القسم كاتب الوحي لهود النبيّ عليه السّلام. وهو الّذي يقول:
أفي كلّ عام سنّة تحدثونها ... ورأي على غير الطّريق يعبّر
والموت خير من حياة تسبّنا ... بها جرهم فيمن يسبّ وحمير

(1/525)


انتهى ما نقله ابن الأبار في كتاب التّكملة. وزاد في آخره: حدّثني بذلك أبو بكر بن أبي حميره في كتابه عن أبي بحر بن العاص عن أبي الوليد الوقشي عن أبي عمر الطلعنكي بن أبي عبد الله بن مفرح. ومن خطّه نقلته عن أبي سعيد بن يونس عن محمّد بن موسى بن النعمان عن يحيى بن محمّد بن حشيش بن عمر بن أيوب المغافري التّونسي عن بهلول بن عبيدة الحمّي عن عبد الله بن فرّوخ. انتهى.
وكان لحمير كتابة تسمّى المسند حروفها منفصلة وكانوا يمنعون من تعلّمها إلّا بإذنهم. ومن حمير تعلّمت مضر الكتابة العربيّة إلّا أنّهم لم يكونوا مجيدين لها شأن الصّنائع إذا وقعت بالبدو فلا تكون محكمة المذاهب ولا مائلة إلى الإتقان والتّنميق لبون ما بين البدو والصّناعة واستغناء البدو عنها في الأكثر. وكانت كتابة العرب بدويّة مثل كتابتهم أو قريبا من كتابتهم لهذا العهد أو نقول إنّ كتابتهم لهذا العهد أحسن صناعة لأنّ هؤلاء أقرب إلى الحضارة ومخالطة الأمصار والدّول. وأمّا مضر فكانوا أعرق في البدو وأبعد عن الحضر من أهل اليمن وأهل العراق وأهل الشّام ومصر فكان الخطّ العربيّ لأوّل الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة ولا إلى التّوسّط لمكان العرب من البداوة والتوحّش وبعدهم عن الصّنائع، وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصّحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته أقيسة رسوم صناعة الخطّ عند أهلها. ثمّ اقتفى التّابعون من السّلف رسمهم فيها تبرّكا بما رسمه أصحاب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وخير الخلق من بعده المتلقّون لوحيه من كتاب الله وكلامه. كما يقتفي لهذا العهد خطّ وليّ أو عالم تبرّكا ويتبع رسمه خطأ أو صوابا. وأين نسبة ذلك من الصّحابة فيما كتبوه فاتّبع ذلك وأثبت رسما ونبّه العلماء بالرّسم على مواضعه. ولا تلتفتنّ في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفّلين من أنّهم كانوا محكمين لصناعة الخطّ وأنّ ما يتخيّل

(1/526)


من مخالفة خطوطهم لأصول الرّسم ليس كما يتخيّل بل لكلّها وجه. يقولون في مثل زيادة الألف في لا أذبحنّه: إنّه تنبيه على أنّ الذّبح لم يقع وفي زيادة الياء في بأييد إنّه تنبيه على كمال القدرة الرّبّانيّة وأمثال ذلك ممّا لا أصل له إلّا التّحكّم المحض. وما حملهم على ذلك إلّا اعتقادهم أنّ في ذلك تنزيها للصّحابة عن توهّم النّقص في قلّة إجادة الخطّ. وحسبوا أنّ الخطّ كمال فنزّهوهم عن نقصه ونسبوا إليهم الكمال بإجادته وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه وذلك ليس بصحيح. واعلم أنّ الخطّ ليس بكمال في حقّهم إذ الخطّ من جملة الصّنائع المدنيّة المعاشيّة كما رأيته فيما مرّ. والكمال في الصّنائع إضافيّ وليس بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذّات في الدّين ولا في الخلال وإنّما يعود على أسباب المعاش وبحسب العمران والتّعاون عليه لأجل دلالته على ما في النّفوس. وقد كان صلّى الله عليه وسلّم أمّيّا وكان ذلك كمالا في حقّه وبالنّسبة إلى مقامه لشرفه وتنزّهه عن الصّنائع العمليّة الّتي هي أسباب المعاش والعمران كلّها. وليست الأمّيّة كمالا في حقّنا نحن إذ هو منقطع إلى ربّه ونحن متعاونون على الحياة الدّنيا شأن الصّنائع كلّها حتّى العلوم الاصطلاحيّة فإنّ الكمال في حقّه هو تنزّهه عنها جملة بخلافنا.
ثمّ لمّا جاء الملك للعرب وفتحوا الأمصار وملكوا الممالك ونزلوا البصرة والكوفة واحتاجت الدّولة إلى الكتابة استعملوا الخطّ وطلبوا صناعته وتعلّموه وتداولوه فترقّت الإجادة فيه واستحكم وبلغ في الكوفة والبصرة رتبة من الإتقان إلّا أنّها كانت دون الغاية. والخطّ الكوفيّ معروف الرّسم لهذا العهد. ثمّ انتشر العرب في الأقطار والممالك وافتتحوا إفريقية والأندلس واختطّ بنو العبّاس بغداد وترقّت الخطوط فيها إلى الغاية لمّا استبحرت في العمران وكانت دار الإسلام ومركز الدّولة العربيّة وخالفت أوضاع الخطّ ببغداد أوضاعه بالكوفة، في الميل إلى إجادة الرسوم وجمال الرّونق وحسن الرواء. واستحكمت هذه المخالفة في الأمصار إلى أن رفع رايتها ببغداد عليّ بن مقلة الوزير. ثمّ تلاه في ذلك عليّ بن هلال، الكاتب

(1/527)


الشهير بابن البوّاب. ووقف سند تعليمها عليه في المائة الثالثة وما بعدها.
وبعدت رسوم الخطّ البغداديّ وأوضاعه عن الكوفة، حتّى انتهى إلى المباينة. ثمّ ازدادت المخالفة بعد تلك القصور بتفنّن الجهابذة في إحكام رسومه وأوضاعه، حتّى انتهت إلى المتأخّرين مثل ياقوت والوليّ عليّ العجمي. ووقف سند تعليم الخطّ عليهم وانتقل ذلك إلى مصر، وخالفت طريقة العراق بعض الشّيء ولقّنها العجم لك، وظهرت مخالفة لخطّ أهل مصر أو مباينة.
وكان الخطّ البغداديّ معروف الرّسم وتبعه الإفريقيّ المعروف رسمه القديم لهذا العهد. ويقرب من أوضاع الخطّ المشرقيّ وتحيّز [1] ملك الأندلس بالأمويّين فتميّزوا بأحوالهم من الحضارة والصّنائع والخطوط فتميّز صنف خطّهم الأندلسيّ كما هو معروف الرّسم لهذا العهد. وطما بحر العمران والحضارة في الدّول الإسلاميّة في كلّ قطر. وعظم الملك ونفقت أسواق العلوم وانتسخت الكتب وأجيد كتبها وتجليدها [2] وملئت بها القصور والخزائن الملوكيّة بما لا كفاء له وتنافس أهل الأقطار في ذلك وتناغوا فيه. ثمّ لمّا انحلّ نظام الدّولة الإسلاميّة وتناقص ذلك أجمع ودرست معالم بغداد بدروس الخلافة فانتقل شأنها من الخطّ والكتابة بل والعلم إلى مصر والقاهرة فلم تزل أسواقه بها نافقة لهذا العهد وله [3] بها معلّمون يرسمون لتعليم [4] الحروف بقوانين في وضعها وأشكالها متعارفة بينهم فلا يلبث المتعلّم أن يحكم أشكال تلك الحروف على تلك الأوضاع وقد لقّنها حسنا وحذق فيها دربة وكتابا وأخذها قوانين علميّة [5] فتجيء أحسن ما يكون. وأمّا أهل الأندلس فافترقوا في الأقطار عند تلاشي ملك العرب بها ومن خلفهم من البربر، وتغلّبت عليهم أمم النّصرانيّة فانتشروا في عدوة المغرب
__________
[1] وفي نسخة أخرى: وتميز.
[2] وفي نسخة أخرى: تخليدها.
[3] وفي نسخة أخرى: للخط.
[4] وفي نسخة أخرى: للمتعلم.
[5] وفي نسخة أخرى: عملية.

(1/528)


وإفريقية من لدن الدّولة اللّمتونيّة إلى هذا العهد. وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصّنائع وتعلّقوا بأذيال الدّولة فغلب خطّهم على الخطّ الإفريقيّ وعفى عليه ونسي خطّ القيروان والمهديّة بنسيان عوائدهما وصنائعهما. وصارت خطوط أهل إفريقية كلّها على الرّسم الأندلسيّ بتونس وما إليها لتوفّر أهل الأندلس بها عند الحالية من شرق الأندلس. وبقي منه رسم ببلاد الجريد الّذين لم يخالطوا كتّاب الأندلس ولا تمرّسوا بجوارهم. إنّما كانوا يغدون على دار الملك بتونس فصار خطّ أهل إفريقية من أحسن خطوط أهل الأندلس حتّى إذا تقلّص ظلّ الدّولة الموحّديّة بعض الشّيء وتراجع أمر الحضارة والتّرف بتراجع العمران نقص حينئذ حال الخطّ وفسدت رسومه وجهل فيه وجه التّعليم بفساد الحضارة وتناقص العمران. وبقيت فيه آثار الخطّ الأندلسيّ تشهد بما كان لهم من ذلك لما قدّمناه من أنّ الصّنائع إذا رسخت بالحضارة فيعسر محوها وحصل في دولة بني مرين من بعد ذلك بالمغرب الأقصى لون من الخطّ الأندلسيّ لقرب جرارهم وسقوط من خرج منهم إلى فاس قريبا واستعمالهم إيّاهم سائر الدّولة. ونسي عهد الخطّ فيما بعد عن سدّة الملك وداره. كأنّه لم يعرف. فصارت الخطوط بإفريقيّة والمغربيّين مائلة إلى الرّداءة بعيدة عن الجودة وصارت الكتب إذا انتسخت فلا فائدة تحصل لمتصفّحها منها إلّا العناء والمشقّة لكثرة ما يقع فيها من الفساد والتّصحيف وتغيير الأشكال الخطّيّة عن الجودة حتّى لا تكاد تقرأ إلّا بعد عسر ووقع فيه ما وقع في سائر الصّنائع بنقص الحضارة وفساد الدّول والله يحكم لا معقّب لحكمه.
وللأستاذ أبي الحسن عليّ بن هلال الكاتب البغداديّ الشّهير بابن البوّاب قصيدة من بحر البسيط [1] على رويّ الرّاء يذكر فيها صناعة الخطّ وقواعدها من أحسن ما كتب في ذلك. رأيت إثباتها في هذا الكتاب من هذا الباب لينتفع بها من يريد تعلّم هذه الصّناعة. وأوّلها:
__________
[1] هذه القصيدة من بحر الكامل وليس من بحر البسيط.

(1/529)


يا من يريد إجادة التّحرير ... ويروم حسن الخطّ والتّصوير
إن كان عزمك في الكتابة صادقا ... فارغب إلى مولاك في التّيسير
أعدد من الأقلام كلّ مثقّف ... صلب يصوغ صناعة التحبير
وإذا عمدت لبرية فتوخّه ... عند القياس بأوسط التّقدير
انظر إلى طرفيه فاجعل بريه ... من جانب التّدقيق والتّحضير
واجعل لجلفته قواما عادلا ... خلوا عن التّطويل والتّقصير
والشّق وسطه ليبقى بريه ... من جانبيه مشاكل التقدير
حتّى إذا أيقنت ذلك كله ... فالقطّ فيه جملة التدبير
لا تطمعن في أن أبوح بسرّه ... إني أضنّ بسرّه المستور
لكنّ جملة ما أقول بأنّه ... ما بين تحريف إلى تدوير
وألق دواتك بالدّخان مدبّرا ... بالخلّ أو بالحصرم المعصور
وأضف إليه قفرة قد صوّلت ... مع أصغر الزّرنيخ والكافور
حتّى إذا ما خمرت فاعمد إلى ... الورق النّقيّ الناعم المخبور
فاكسبه بعد القطع بالمعصار كي ... ينأى عن التّشعيث والتّغيير
ثمّ اجعل التمثيل دأبك صابرا ... ما أدرك المأمول مثل صبور
ابدأ به في اللّوح منتفيا له ... غرما تجرّده عن التشمير
لا تخجلنّ من الردى تختطّه ... في أوّل التمثيل والشطير
فالأمر يصعب ثمّ يرجع هيّنا ... ولربّ سهل جاء بعد عسير
حتّى إذا أدركت ما أمّلته ... أضحيت ربّ مسرّة وحبور
فاشكر إلهك واتّبع رضوانه ... إنّ الإله يجيب كلّ شكور
وارغب لكفّك أن تخطّ بنانها ... خيّرا يخلّفه بدار غرور
فجميع فعل المرء يلقاه غدا ... عند الشّقاء كتابه المنشور
واعلم بأنّ الخطّ بيان عن القول والكلام، كما أنّ القول والكلام بيان عمّا في

(1/530)


النّفس والضّمير من المعاني، فلا بدّ لكل منهما أن يكون واضح الدّلالة.
قال الله تعالى: «خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ 55: 3- 4» [1] وهو يشتمل بيان الأدلّة كلّها. فالخطّ المجوّد كماله أن تكون دلالته واضحة، بإبانة حروفه المتواضعة وإجادة وضعها ورسمها كلّ واحد على حدة متميّز عن الآخر. إلّا ما اصطلح عليه الكتّاب من إيصال حرف الكلمة الواحدة بعضها ببعض. سوى حروف اصطلحوا على قطعها، مثل الألف المتقدّمة في الكلمة، وكذا الراء والزاي والدال والذال وغيرها، بخلاف ما إذا كانت متأخرة، وهكذا إلى آخرها. ثمّ إنّ المتأخرين من الكتّاب اصطلحوا على وصل كلمات، بعضها ببعض، وحذف حروف معروفة عندهم، لا يعرفها إلّا أهل مصطلحهم فتستعجم على غيرهم وهؤلاء كتّاب دواوين السّلطان وسجلّات القضاة، كأنّهم انفردوا بهذا الاصطلاح عن غيرهم، لكثرة موارد الكتابة عليهم، وشهرة كتابتهم وإحاطة كثير من دونهم بمصطلحهم فإن كتبوا ذلك لمن لا خبرة له بمصطلحهم فينبغي أن يعدلوا عن ذلك إلى البيان ما استطاعوه، وإلّا كان بمثابة الخطّ الأعجميّ، لأنّهما بمنزلة واحدة من عدم التواضع عليه. وليس بعذر في هذا القدر، إلّا كتاب الأعمال السّلطانيّة في الأموال والجيوش، لأنّهم مطلوبون بكتمان ذلك عن النّاس فإنّه من الأسرار السّلطانيّة الّتي يجب إخفاؤها، فيبالغون في رسم اصطلاح خاص بهم، ويصير بمثابة المعمّى. وهو الاصطلاح على العبارة عن الحروف بكلمات من أسماء الطيب والفواكه والطّيور والأزاهير، ووضع أشكال أخرى غير أشكال الحروف المتعارفة يصطلح عليها المتخاطبون لتأدية ما في ضمائرهم بالكتابة. وربّما وضع الكتاب للعثور على ذلك، وإن لم يضعوه أوّلا، قوانين بمقاييس استخرجوها لذلك بمداركهم يسمّونها فكّ المعمّى. وللنّاس في ذلك دواوين مشهورة. والله العليم الحكيم.
__________
[1] آية 3 و 4 من سورة الرحمن.

(1/531)


الفصل الحادي والثلاثون في صناعة الوراقة
كانت العناية قديما بالدّواوين العلميّة والسّجلّات في نسخها وتجليدها وتصحيحها بالرّواية والضّبط. وكان سبب ذلك ما وقع من ضخامة الدّولة وتوابع الحضارة. وقد ذهب ذلك لهذا العهد بذهاب الدّولة وتناقص العمران بعد أن كان منه في الملّة الإسلاميّة بحر زاخر بالعراق والأندلس إذ هو كله من توابع العمران واتّساع نطاق الدّولة ونفاق أسواق ذلك لديهما. فكثرت التّآليف العلميّة والدّواوين وحرص النّاس على تناقلهما في الآفاق والأعصار فانتسخت وجلّدت.
وجاءت صناعة الورّاقين المعانين للانتساخ والتّصحيح والتّجليد وسائر الأمور الكتبيّة والدّواوين واختصّت بالأمصار العظيمة العمران. وكانت السّجلّات أوّلا:
لانتساخ العلوم وكتب الرّسائل السّلطانيّة والإقطاعات، والصّكوك في الرّقوق المهيّأة بالصّناعة من الجلد لكثرة الرّفه وقلّة التّآليف صدر الملّة كما نذكره، وقلّة الرّسائل السّلطانيّة والصّكوك مع ذلك فاقتصروا على الكتاب في الرّقّ تشريفا للمكتوبات وميلا بها إلى الصّحّة والإتقان. ثمّ طما بحر التّآليف والتّدوين وكثر ترسيل السّلطان وصكوكه وضاق الرّقّ عن ذلك. فأشار الفضل بن يحيى بصناعة الكاغد وصنعه وكتب فيه رسائل السّلطان وصكوكه. واتّخذه النّاس من بعده صحفا لمكتوباتهم السّلطانيّة والعلميّة. وبلغت الإجادة في صناعته ما شاءت. ثمّ وقفت عناية أهل العلوم وهمم أهل الدّول على ضبط الدّواوين العلميّة وتصحيحها بالرّواية المسندة إلى مؤلّفيها وواضعيها لأنّه الشّأن الأهمّ من التّصحيح والضّبط فبذلك تسند الأقوال إلى قائلها والفتيا إلى الحاكم بها المجتهد في طريق استنباطها. وما لم يكن تصحيح المتون بإسنادها إلى مدوّنها فلا يصحّ إسناد قول لهم ولا فتيا. وهكذا كان شأن أهل العلم وحملته في العصور والأجيال والآفاق.

(1/532)


حتّى لقد قصرت فائدة الصّناعة الحديثيّة في الرّواية على هذه فقط إذ ثمرتها الكبرى من معرفة صحيح الأحاديث وحسنها ومسندها ومرسلها ومقطوعها وموقوفها من موضوعها قد ذهبت وتمخّضت زبدة في ذلك [1] الأمّهات المتلقّاة بالقبول عند الأمّة. وصار القصد إلى ذلك لغوا من العمل. ولم تبق ثمرة الرّواية والاشتغال بها إلّا في تصحيح تلك الأمّهات الحديثيّة وسواها من كتب الفقه للفتيا، وغير ذلك من الدّواوين والتّآليف العلميّة، واتّصال سندها بمؤلّفيها ليصحّ النّقل عنهم، والإسناد إليهم. وكانت هذه الرّسوم بالمشرق والأندلس معبّدة الطّرق واضحة المسالك. ولهذا نجد الدّواوين المنتسخة لذلك العهد في أقطارهم على غاية من الإتقان والإحكام والصّحّة. ومنها لهذا العهد بأيدي النّاس في العالم أصول عتيقة تشهد ببلوغ الغاية لهم في ذلك. وأهل الآفاق يتناقلونها إلى الآن ويشدّون عليها يد الضّنانة ولقد ذهبت هذه الرّسوم لهذا العهد جملة بالمغرب وأهله لانقطاع صناعة الخطّ والضّبط والرّواية منه بانتقاص عمرانه وبداوة أهله وصارت الأمّهات والدّواوين تنسخ بالخطوط اليدويّة تنسخها طلبة البربر صحائف مستعجمة برداءة الخطّ وكثرة الفساد والتّصحيف فتستغلق على متصفّحها ولا يحصل منها فائدة إلّا في الأقلّ النّادر. وأيضا فقد دخل الخلل من ذلك في الفتيا فإنّ غالب الأقوال المعزوّة غير مرويّة عن أئمّة المذهب وإنّما تتلقّى من تلك الدّواوين على ما هي عليه. وتبع ذلك أيضا ما يتصدّى إليه بعض أئمّتهم من التّآليف لقلّة بصرهم بصناعته وعدم الصّنائع الوافية بمقاصده. ولم يبق من هذا الرّسم بالأندلس إلّا إثارة خفيّة بالامّحاء [2] وهي الاضمحلال فقد كاد العلم ينقطع بالكلّيّة من المغرب. والله غالب على أمره. ويبلغنا لهذا العهد أنّ صناعة الرّواية قائمة بالمشرق وتصحيح الدّواوين لمن يرومه بذلك سهل على مبتغيه لنفاق أسواق العلوم والصّنائع كما نذكره بعد. إلّا أنّ الخطّ الّذي بقي من الإجادة
__________
[1] وفي نسخة أخرى: تلك.
[2] وفي نسخة أخرى: الأنحاء.

(1/533)


في الانتساخ هنالك إنّما هو للعجم وفي خطوطهم. وأمّا النّسخ بمصر ففسد كما فسد بالمغرب وأشدّ. والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق.
الفصل الثاني والثلاثون في صناعة الغناء
هذه الصّناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقّع كلّ صوت منها توقيعا عند قطعه فيكون نغمة. ثمّ تؤلّف تلك النّغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذّ سماعها لأجل ذلك التّناسب وما يحدث عنه من الكيفيّة في تلك الأصوات. وذلك أنّه تبيّن في علم الموسيقى أنّ الأصوات تتناسب، فيكون صوت نصف صوت وربع آخر وخمس آخر وجزء من أحد عشر من آخر واختلاف هذه النّسب عند تأديتها إلى السّمع بخروجها [1] من البساطة إلى التّركيب وليس كلّ تركيب منها ملذوذا عند السّماع بل للملذوذ تراكيب خاصّة وهي الّتي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلّموا عليها كما هو مذكور في موضعه وقد يساوق ذلك التّلحين في النّغمات الغنائيّة بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات إمّا بالقرع أو بالنّفخ في الآلات تتّخذ لذلك فترى لها [2] لذّة عند السّماع. فمنها لهذا العهد بالمغرب أصناف منها المزمار ويسمّونه الشّبّابة وهي قصبة جوفاء بأبخاش في جوانبها معدودة ينفخ فيها فتصوّت. فيخرج الصّوت من جوفها على سداده من تلك الأبخاش ويقطّع الصّوت بوضع الأصابع من اليدين جميعا على تلك الأبخاش وضعا متعارفا حتّى تحدث النّسب بين الأصوات فيه وتتّصل كذلك متناسبة فيلتذّ السّمع بإدراكها للتّناسب الّذي
__________
[1] وفي نسخة أخرى: يخرجها.
[2] وفي نسخة أخرى: فتزيدها.

(1/534)


ذكرناه. ومن جنس هذه الآلة المزمار الّذي يسمّى الزّلاميّ وهو شكل القصبة منحوتة الجانبين من الخشب جوفاء من غير تدوير لأجل ائتلافها من قطعتين منفردتين [1] كذلك بأبخاش معدودة ينفخ فيها بقصبة صغيرة توصل فينفذ النّفخ بواسطتها إليها وتصوّت بنغمة حادّة يجرى فيها من تقطيع الأصوات من تلك الأبخاش بالأصابع مثل ما يجري في الشّبّابة. ومن أحسن آلات الزّمر لهذا العهد البوق وهو بوق من نحاس أجوف في مقدار الذّراع يتّسع إلى أن يكون انفراج مخرجه في مقدار دون الكفّ في شكل بري القلم. وينفخ فيه بقصبة صغيرة تؤدّي الرّيح من الفم إليه فيخرج الصّوت ثخينا دويّا وفيه أبخاش أيضا معدودة. وتقطّع نغمة منها كذلك بالأصابع على التّناسب فيكون ملذوذا. ومنها آلات الأوتار وهي جوفاء كلّها إمّا على شكل قطعة من الكرة مثل المربط [2] والرّباب أو على شكل مربّع كالقانون توضع الأوتار على بسائطها مشدودة في رأسها إلى دسر جائلة ليأتي شدّ الأوتار ورخوها عند الحاجة إليه بإدارتها. ثمّ تقرع الأوتار إمّا بعود آخر أو بوتر مشدود بين طرفي قوس يمرّ عليها بعد أن يطلى بالشّمع والكندر. ويقطّع الصّوت فيه بتخفيف اليد في إمراره أو نقله من وتر إلى وتر. واليد اليسرى مع ذلك في جميع آلات الأوتار توقّع بأصابعها على أطراف الأوتار فيما يقرع أو يحكّ بالوتر فتحدث الأصوات متناسبة ملذوذة. وقد يكون القرع في الطّسوت بالقضبان أو في الأعواد بعضها ببعض على توقيع مناسب يحدث عنه التذاذ بالمسموع. ولنبيّن لك السّبب في اللّذّة النّاشئة عن الغناء. وذلك أنّ اللّذّة كما تقرّر في موضعه هي إدراك الملائم والمحسوس إنّما تدرك منه كيفيّة. فإذا كانت مناسبة للمدرك وملاءمة كانت ملذوذة، وإذا كانت منافية له منافرة كانت مؤلمة. فالملائم من الطّعوم ما ناسبت كيفيّته حاسّة الذّوق في مزاجها وكذا الملائم من الملموسات وفي الرّوائح ما ناسب مزاج الرّوح القلبيّ البخاريّ لأنّه
__________
[1] وفي نسخة أخرى: متفوذتين.
[2] وفي نسخة أخرى: البربط.

(1/535)


المدرك وإليه تؤدّيه الحاسّة. ولهذا كانت الرّياحين والأزهار العطريّات أحسن رائحة وأشدّ ملاءمة للرّوح لغلبة الحرارة فيها الّتي هي مزاج الرّوح القلبيّ. وأمّا المرئيّات والمسموعات فالملائم فيها تناسب الأوضاع في أشكالها وكيفيّاتها فهو أنسب عند النّفس وأشدّ ملاءمة لها. فإذا كان المرئيّ متناسبا في أشكاله وتخاطيطه الّتي له بحسب مادّته بحيث لا يخرج عمّا تقتضيه مادّته الخاصّة من كمال المناسبة والوضع وذلك هو معنى الجمال والحسن في كلّ مدرك، كان ذلك حينئذ مناسبا للنّفس المدركة فتلتذّ بإدراك ملائمها، ولهذا تجد العاشقين المستهترين [1] في المحبّة يعبّرون عن غاية محبّتهم وعشقهم بامتزاج أرواحهم بروح المحبوب. وفي هذا شرّ تفهمه إن كنت من أهله وهو اتّحاد المبدإ وإن كان ما سواك إذا نظرته وتأمّلته رأيت بينك وبينه اتّحادا في البداءة. يشهد لك به اتّحاد كما في الكون ومعناه من وجه آخر أنّ الوجود يشرك بين الموجودات كما تقوله الحكماء. فتودّ أن يمتزج بمشاهدات [2] فيه الكمال لتتّحد به، بل تروم النّفس حينئذ الخروج عن الوهم إلى الحقيقة الّتي هي اتّحاد المبدإ والكون. ولمّا كان أنسب الأشياء إلى الإنسان وأقربها إلى أن يدرك [3] الكمال في تناسب موضوعها هو شكله الإنسانيّ فكان إدراكه للجمال والحسن في تخاطيطه وأصواته من المدارك الّتي هي أقرب إلى فطرته، فيلهج كلّ إنسان بالحسن من المرئيّ أو المسموع بمقتضى الفطرة. والحسن في المسموع أن تكون الأصوات متناسبة لا متنافرة. وذلك أنّ الأصوات لها كيفيّات من الهمس والجهر والرّخاوة والشّدّة والقلقلة والضّغط وغير ذلك. والتّناسب فيها هو الّذي يوجب لها الحسن.
فأوّلا: أن لا يخرج من الصّوت إلى مدّه دفعة بل بتدريج، ثمّ يرجع كذلك، وهكذا إلى المثل، بل لا بدّ من توسّط المغاير بين الصّوتين. وتأمّل هذا من
__________
[1] وفي نسخة أخرى: المشتهرين.
[2] وفي نسخة أخرى: بما شاهدت.
[3] وفي نسخة أخرى: مدرك.

(1/536)


افتتاح [1] أهل اللّسان التّراكيب من الحروف المتنافرة أو المتقاربة المخارج فإنّه من بابه. وثانيا: تناسبها في الأجزاء كما مرّ أوّل الباب فيخرج من الصّوت إلى نصفه أو ثلثه أو جزء من كذا منه، على حسب ما يكون التّنقّل متناسبا على ما حصره أهل الصّناعة [2] . فإذا كانت الأصوات على تناسب في الكيفيّات كما ذكره أهل تلك الصّناعة كانت ملاءمة ملذوذة. ومن هذا التّناسب ما يكون بسيطا ويكون الكثير من النّاس مطبوعا عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم ولا صناعة كما نجد المطبوعين على الموازين الشّعريّة وتوقيع الرّقص وأمثال ذلك.
وتسمّي العامّة هذه القابليّة بالمضمار. وكثير من القرّاء بهذه المثابة يقرءون القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم كأنّها المزامير فيطربون بحسن مساقهم وتناسب نغماتهم. ومن هذا التّناسب ما يحدث بالتّركيب وليس كلّ النّاس يستوي في معرفته ولا كلّ الطّباع [3] توافق صاحبها في العمل به إذا علم. وهذا هو التّلحين الّذي يتكفّل به علم الموسيقى كما نشرحه بعد عند ذكر العلوم. وقد أنكر مالك رحمه الله تعالى القراءة بالتّلحين وأجازها الشّافعيّ رضي الله تعالى عنه. وليس المراد تلحين الموسيقى الصّناعيّ فإنّه لا ينبغي أن يختلف في حظره إذ صناعة الغناء مباينة للقرآن بكلّ وجه لأنّ القراءة والأداء تحتاج إلى مقدار من الصّوت لتعيّن أداء الحروف لا من حيث اتّباع الحركات في مواضعها ومقدار المدّ عند من يطلقه أو يقصّره، وأمثال ذلك. والتّلحين أيضا يتعيّن له مقدار من الصّوت لا تتمّ إلّا به من أجل التّناسب الّذي قلناه في حقيقة التّلحين. واعتبار أحدهما قد يخلّ بالآخر إذا تعارضا. وتقديم الرّواية [4] متعيّن فرارا من تغيير الرّواية المنقولة في القرآن، فلا يمكن اجتماع التّلحين والأداء المعتبر في القرآن
__________
[1] وفي نسخة أخرى: استقباح.
[2] أي أهل صناعة الموسيقى.
[3] وفي نسخة أخرى: الطبائع.
[4] وفي نسخة أخرى: التلاوة.

(1/537)


بوجه وإنّما مرادهم التّلحين البسيط الّذي يهتدي إليه صاحب المضمار بطبعه كما قدّمناه فيردّد أصواته ترديدا على نسب يدركها العالم بالغناء وغيره ولا ينبغي ذلك بوجه وإنّما المراد من اختلافهم التّلحين البسيط الّذي يهتدي إليه صاحب المضمار بطبعه كما قدّمناه، فيردّد أصواته ترديدا على نسب يدركها العالم بالغناء وغيره، ولا ينبغي ذلك بوجه كما قاله مالك. هذا هو محلّ الخلاف. والظّاهر تنزيه القرآن عن هذا كلّه كما ذهب إليه الإمام رحمه الله تعالى لأنّ القرآن محلّ خشوع بذكر الموت وما بعده وليس مقام التذاذ بإدراك الحسن من الأصوات. وهكذا كانت قراءة الصّحابة رضي الله عنهم كما في أخبارهم. وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود» فليس المراد به التّرديد والتّلحين إنّما معناه حسن الصّوت وأداء القراءة والإبانة في مخارج الحروف والنّطق بها. وإذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنّه يحدث في العمران إذا توفّر وتجاوز حدّ الضّروريّ إلى الحاجيّ، ثمّ إلى الكماليّ، وتفنّنوا فيه، فتحدث هذه الصّناعة، لأنّه لا يستدعيها إلّا من فرغ من جميع حاجاته الضّروريّة والمهمّة من المعاش والمنزل وغيره فلا يطلبها إلّا الفارغون عن سائر أحوالهم تفنّنا في مذاهب الملذوذات. وكان في سلطان العجم قبل الملّة منها بحر زاخر في أمصارهم ومدنهم. وكان ملوكهم يتّخذون ذلك ويولعون به، حتّى لقد كان لملوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصّناعة، ولهم مكان في دولتهم، وكانوا يحضرون مشاهدهم ومجامعهم ويغنّون فيها. وهذا شأن العجم لهذا العهد في كلّ أفق من آفاقهم، ومملكة من ممالكهم. وأمّا العرب فكان لهم أوّلا فنّ الشّعر يؤلّفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في عدّة حروفها المتحرّكة والسّاكنة. ويفصّلون الكلام في تلك الأجزاء تفصيلا يكون كلّ جزء منها مستقلا بالإفادة، لا ينعطف على الآخر. ويسمّونه البيت. فتلائم الطّبع بالتّجزئة أوّلا، ثمّ يتناسب الأجزاء في المقاطع والمبادئ، ثمّ بتأدية المعنى المقصود وتطبيق الكلام عليها. فلهجوا

(1/538)


به فامتاز من بين كلامهم بخطّ من الشّرف ليس لغيره لأجل اختصاصه. بهذا التّناسب. وجعلوه ديوانا لأخبارهم وحكمهم وشرفهم ومحكا لقرائحهم في إصابة المعاني وإجادة الأساليب. واستمرّوا على ذلك. وهذا التّناسب الّذي من أجل الأجزاء والمتحرّك والسّاكن من الحروف قطرة من بحر من تناسب الأصوات كما هو معروف في كتب الموسيقى. إلّا أنّهم لم يشعروا بما سواه لأنّهم حينئذ لم ينتحلوا علما ولا عرفوا صناعة. وكانت البداوة أغلب نحلهم. ثمّ تغنّى الحداة منهم في حداء إبلهم والفتيان في فضاء خلواتهم فرجّعوا الأصوات وترنّموا. وكانوا يسمّون التّرنّم إذا كان بالشّعر غناء وإذا كان بالتّهليل أو نوع القراءة تغييرا بالغين المعجمة والباء الموحّدة. وعلّلها أبو إسحاق الزّجّاج بأنّها تذكر بالغابر وهو الباقي أي بأحوال الآخرة. وربّما ناسبوا في غنائهم بين النّغمات مناسبة بسيطة كما ذكره ابن رشيق آخر كتاب العمدة وغيره. وكانوا يسمّونه السّناد. وكان أكثر ما يكون منهم في الخفيف الّذي يرقص عليه ويمشى بالدّفّ والمزمار فيضطرب ويستخفّ الحلوم. وكانوا يسمّون هذا الهزج وهذا البسيط كلّه من التّلاحين هو من أوائلها ولا يبعد أن تتفطّن له الطّباع من غير تعليم شأن البسائط كلّها من الصّنائع. ولم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم وجاهليّتهم. فلمّا جاء الإسلام واستولوا على ممالك الدّنيا وحازوا سلطان العجم وغلبوهم عليه وكانوا من البداوة والغضاضة على الحال الّتي عرفت لهم مع غضارة الدّين وشدّته في ترك أحوال الفراغ وما ليس بنافع في دين ولا معاش فهجروا ذلك شيئا ما. ولم يكن الملذوذ عندهم إلّا ترجيع القراءة [1] والتّرنّم بالشّعر الّذي هو ديدنهم ومذهبهم.
فلمّا جاءهم التّرف وغلب عليهم الرّفه بما حصل لهم من غنائم الأمم صاروا إلى نضارة العيش ورقّة الحاشية واستحلاء الفراغ. وافترق المغنّون من الفرس والرّوم فوقعوا إلى الحجاز وصاروا موالي للعرب وغنّوا جميعا بالعيدان والطّنابير
__________
[1] وفي نسخة أخرى: ترجيع القرآن.

(1/539)


والمعازف والمزامير وسمع العرب تلحينهم للأصوات فلحّنوا عليها أشعارهم. وظهر بالمدينة نشيط الفارسيّ وطويس وسائب بن جابر [1] مولى عبيد الله بن جعفر فسمعوا شعر العرب ولحّنوه وأجادوا فيه وطار لهم ذكر. ثمّ أخذ عنهم معبد وطبقته وابن شريح [2] وأنظاره. وما زالت صناعة الغناء تتدرّج إلى أن كملت أيّام بني العبّاس عند إبراهيم بن المهديّ وإبراهيم الموصليّ وابنه إسحاق وابنه حمّاد.
وكان من ذلك في دولتهم ببغداد ما تبعه الحديث بعده به وبمجالسه لهذا العهد وأمعنوا في اللهو واللّعب واتّخذت آلات الرّقص في الملبس والقضبان والأشعار الّتي يترنّم بها عليه. وجعل صنفا وحده واتّخذت آلات أخرى للرّقص تسمّى بالكرج [3] وهي تماثيل خيل مسرجة من الخشب معلّقة بأطراف أقبية يلبسها النّسوان ويحاكين بها امتطاء الخيل فيكرّون ويفرّون ويتثاقفون [4] وأمثال ذلك من اللّعب المعدّ للولائم والأعراس وأيّام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو. وكثر ذلك ببغداد وأمصار العراق وانتشر منها إلى غيرها. وكان للموصليّين غلام اسمه زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد فصرفوه إلى المغرب غيرة منه فلحق بالحكم بن هشام بن عبد الرّحمن الدّاخل أمير الأندلس. فبالغ في تكرمته وركب للقائه وأسنى له الجوائز والإقطاعات والجرايات وأحلّه من دولته وندمائه بمكان.
فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطّوائف. وطما منها بأشبيليّة بحر زاخر وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها إلى بلاد العدوة بإفريقيّة والمغرب. وانقسم على أمصارها وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها. وهذه الصّناعة آخر ما يحصل في العمران من الصّنائع لأنّها كماليّة في غير وظيفة من الوظائف إلّا وظيفة الفراغ والفرح. وهو أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه. والله أعلم.
__________
[1] وفي نسخة أخرى: سائب وحائر. وفي النسخة الباريسية خاثر مولى عبد الله بن جعفر.
[2] وفي نسخة أخرى: ابن سريج.
[3] وفي نسخة أخرى: الكرح.
[4] أي يلعبون بالسلاح.

(1/540)


الفصل الثالث والثلاثون في أن الصنائع تكسب صاحبها عقلا وخصوصا الكتابة والحساب
قد ذكرنا في الكتاب أنّ النّفس النّاطقة للإنسان إنّما توجد فيه بالقوّة. وأنّ خروجها من القوّة إلى الفعل إنّما هو بتجدّد العلوم والإدراكات عن المحسوسات أوّلا، ثمّ ما يكتسب بعدها بالقوّة النّظريّة إلى أن يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا فتكون ذاتا روحانيّة ويستكمل حينئذ وجودها. فوجب لذلك أن يكون كلّ نوع من العلم والنّظر يفيدها عقلا فريدا [1] والصّنائع أبدا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علميّ مستفاد من تلك الملكة. فلهذا كانت الحنكة في التّجربة تفيد عقلا والحضارة الكاملة تفيد عقلا لأنّها مجتمعة من صنائع في شأن تدبير المنزل ومعاشرة أبناء الجنس وتحصيل الآداب في مخالطتهم ثمّ القيام بأمور الدّين واعتبار آدابها وشرائطها. وهذه كلّها قوانين تنتظم علوما فيحصل منها زيادة عقل. والكتابة من بين الصّنائع أكثر إفادة لذلك لأنّها تشتمل على العلوم والأنظار بخلاف الصّنائع. وبيانه أنّ في الكتابة انتقالا من الحروف الخطّيّة إلى الكلمات اللّفظيّة في الخيال ومن الكلمات اللّفظيّة في الخيال إلى المعاني الّتي في النّفس فهو ينتقل أبدا من دليل إلى دليل، ما دام ملتبسا بالكتابة وتتعوّد النّفس ذلك دائما. فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلّة إلى المدلولات وهو معنى النّظر العقليّ الّذي يكسب [2] العلوم المجهولة فيكسب بذلك ملكة من التّعقّل تكون زيادة عقل ويحصل به قوّة [3] فطنة وكيس في الأمور لما تعوّدوه من ذلك الانتقال. ولذلك قال كسرى في كتابه لمّا رآهم بتلك الفطنة والكيس فقال:
«ديوانه أي شياطين وجنون. قالوا: وذلك أصل اشتقاق الدّيوان لأهل الكتابة
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: عقلا مزيدا.
[2] وفي نسخة أخرى: يكتب به.
[3] وفي نسخة أخرى: مزيد.

(1/541)


ويلحق بذلك الحسّاب فإنّ في صناعة الحسّاب نوع تصرّف في العدد بالضّمّ والتّفريق يحتاج فيه إلى استدلال كثير فيبقى متعوّدا للاستدلال والنّظر وهو معنى العقل. وَالله أَخْرَجَكُمْ من بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 16: 78.