تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ت تدمري

 [المجلد الثالث (عهد الخلفاء الراشدين) ]
سنة احدى عشرة
خِلَافَةُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ وَأَرْضَاهُ
قَالَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنُحِ [1] ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثنُهُ اللَّهُ فَيَقْطَعُ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 39: 30 [2] . وَقَالَ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3: 144 [3] . الْآيَةَ، فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ [4] ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ
__________
[1] السّنح: بضمّ أوّله وثانيه: منازل بني الحارث بن الخزرج بالمدينة، بينها وبين مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميل. وضبطه في التاج بسكون النون وضمّها أيضا. (معجم ما استعجم 3/ 76) .
[2] سورة الزمر، الآية 30.
[3] سورة آل عمران، الآية 144.
[4] هي بالقرب من دار سعد بن عبادة زعيم الأنصار.

(3/5)


أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَسَكَّتَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يُبْلِغَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ فَأَبْلَغَ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ [1] ، فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ أَبَدًا، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، قُرَيْشٌ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعَزُّهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ، أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ. رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحُ السَّنَدِ [2] .
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: «لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا» فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ، وَتَخَلَّفَ عَلِّيٌّ وَالزُّبَيْرُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَ الْأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ، فَلَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَأْتُوهُمْ وَأَبْرِمُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَأَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فإذا هم مجتمعون على رجل
__________
[1] من هنا إلى قوله (الوزراء) ساقط من نسخة دار الكتب.
[2] الحديث أخرجه البخاري في المغازي 5/ 143 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفاته، وانظر: طبقات ابن سعد 2/ 268- 269، وتاريخ الطبري 3/ 202، 203، وسيرة ابن هشام 4/ 260، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 581، 582، والبدء والتاريخ لمطهر المقدسي 5/ 63، 64، ونهاية الأرب للنويري 18/ 385.
[3] سقطت هنا أسطر من نسخة (ع) .

(3/6)


مُزَّمِّلٍ [1] بِالثِّيَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ مَرِيضٌ، فَجَلَسْنَا، وَقَامَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ الْأَنْصَارُ وَكَتِيبَةُ الْإِيمَانِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْكُمْ دَافَّةٌ [2] يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا [3] مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُنُونَا [4] مِنَ الْأَمْرِ.
قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِمَقَالَةٍ قَدْ كَانَتْ أَعْجَبَتْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، وَكُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ الْجِدَّ [5] ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، وَهُوَ كَانَ خَيْرًا مِنِّي وَأَوْفَقَ وَأَوْقَرَ، ثم تكلّم فو الله مَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي إِلَّا قَدْ قَالَهَا وَأَفْضَلَ مِنْهَا حَتَى سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَهُوَ فِيكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ وَأَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ غَيْرَهَا. كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ [6] : أَنَا جُذَيْلُهَا المحكك [7] وعذيقها المرجب [8] ، منا أمير ومنكم أمير معشر
__________
[1] مزّمّل: ملتفّ في كساء أو غيره.
[2] الدّافّة: القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد.
[3] أي يقتطعونا. وفي البدء والتاريخ 5/ 65 «يحتازونا» ، وكذلك في سيرة ابن هشام 4/ 261.
[4] كذا في الأصل، بمعنى يخرجونا. وفي حاشية الأصل، والنسخة (ح) : «يمنعونا» وكذلك في النسخة (ع) ، وفي المنتقى لابن الملا «يمحصونا» وهو تصحيف. وفي تاريخ الطبري 3/ 205 «يغصبونا» .
[5] كذا في الأصل، وفي سيرة ابن هشام 4/ 261، وتاريخ الطبري 3/ 205 «الحدّ» بالحاء المهملة، أي الحدّة.
[6] هو الحباب بن المنذر الأنصاريّ.
[7] الجذيل: تصغير جذل. وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتكّ به وتستريح إليه، فيضرب به المثل في الرجل يشتفى برأيه.
[8] العذيق: تصغير عذق، وهو النخلة نفسها. والمرجّب: الّذي تبنى إلى جانبه دعامة. ترفده

(3/7)


المُهَاجِرِينَ، قَالَ: وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَى خَشِيتُ الْاخْتِلَافَ، فَقُلْنَا: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَبَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْا [1] عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا. فَقُلْتُ:
قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا، قال عمر: فو الله مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا أَوْفَقَ مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ نَحْنُ فَارَقْنَا الْقَومَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةً أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بيعة، فإمّا بايعناهم على ما لا نرضى، وإمّا خالفناهم فيكون فساد. رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِطُولِهِ، فَزَادَ فِيهِ: قَالَ عُمَرُ: «فَلَا يَعْتَزِلِ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً [3] أَنْ يُقْتَلَا» . مُتَّفَقٌ على صحّته [4] .
__________
[ () ] لكثرة حمله ولعزّه على أهله، فضرب به المثل في الرجل الشريف الّذي يعظّمه قومه.
[1] نزوا: وثبوا عليه ووطئوه.
[2] في نسخة دار الكتب (زيد) وهو وهم، على ما في الأصل و (ع) و (التاريخ الكبير للبخاريّ 2/ 4/ 406) .
[3] حقّ البيعة أن تكون صادرة عن المشورة والاتّفاق، فإذا استبدّ رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر، فذلك تظاهر منهما بشقّ العصا واطّراح الجماعة، فإن عقد لأحد بيعة فلا يكون المعقود له واحدا منهما، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتّفق على تمييز الإمام منها، لأنّه إن عقد لواحد منهما وقد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي أحفظت الجماعة من التّهاون بهم والاستغناء عن رأيهم لم يؤمن أن يقتلا. كما في (النهاية لابن الأثير) وغيرها. وفي بعض النسخ: (يبايع) بدل (يتابع) .
[4] أخرجه البخاري بشرح السندي 2/ 290، 291 ولكن من غير طريق الزهري، وأحمد في المسند 1/ 55، 56 وكذلك ابن هشام في السيرة 4/ 261، 262، برواية ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكير، عن ابن شهاب الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف، ورواه الطبري في تاريخه 3/ 205، 206 عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 583 و 584، واليعقوبي في تاريخه 2/ 123، والمطهّر المقدسي في البدء والتاريخ 5/ 64- 66، والنويري في نهاية الأرب 19/ 29- 33، وابن كثير في البداية والنهاية 5/ 245، 246، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 67، 68، وابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ 1/ 485- 487، ومناقب عمر لابن الجوزي 51، 52.

(3/8)


وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ [1] ، عَنْ زِرٍّ [2] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قُلْتُ: يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ- فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ باللَّه أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ. رَوَاهُ النَّاسُ [3] عَنْ زَائِدَةَ عَنْهُ [4] .
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْميِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ لِأُبَايِعَكَ، فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى لسان رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ: مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَّةً [5] قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتَ، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ [6] ؟.
وَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ أبي البختري.
وقال ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ [7] : أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، قَالَ: إنَّ قُوَّتِي لَكَ مَعَ فَضْلِكَ [8] .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ اجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ، فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ
__________
[1] في نسخة (ح) بالنون «نهدلة» وهو تصحيف.
[2] هو: زرّ بن حبيش.
[3] في نسخة دار الكتب «الياس» وهو تصحيف.
[4] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 178، 179 عن الحسين بن عليّ الجعفيّ، عن زائدة، به، والحاكم في المستدرك 3/ 67، وتابعه الذهبي في التلخيص، ومناقب عمر لابن الجوزي 50.
[5] الفهّة: السّقطة والجهلة. وفي حاشية الأصل: الفهة مخفّفة: ضعف الرأي.
[6] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 181.
[7] في نسخة (ح) : «فقال له عمر» .
[8] في تاريخ الطبري 3/ 203 «إن لك قوّتي مع قوّتك» .

(3/9)


المُنْذِرِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ [1] .
وَقَالَ وُهَيْبٌ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هند، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ [2] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، قَالَ: وَتَتَابَعَتْ [3] خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ، كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ حَيٍّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَار وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ، أَمَ [4] وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَّا صَالَحْنَاكُمْ، ثُمَّ أَخَذَ زَيْدٌ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقوَمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَخَتَنُهُ أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعَهُ [5] ، ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ، فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَحَوَارِيُّهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِميْنَ! فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَبَايَعَهُ.
رَوَى مِنْهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [6] إِلَى قَوْلِهِ (لمّا صالحناكم) عن
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 182.
[2] في نسخة (ح) : «نصرة» وهو تصحيف.
[3] في نسخة (ح) : «وتبايعت» وهو تصحيف.
[4] بفتح الميم بدون ألف، كما في الأصل وبقيّة النسخ، وفي المنتقى لابن الملّا «أما» ، وكلاهما صحيح.
[5] وهذا من الأدلّة على أنّ بيعته لم تتأخّر، أو يقال بأنّ هذه هي البيعة الأولى، على ما قاله الحافظ، ابن كثير في (البداية والنهاية 5/ 301) .
[6] البداية والنهاية ج 5/ 185، 186.

(3/10)


عَفَّانَ [1] عَنْ وُهَيْبٍ [2] ، وَرَوَاهُ بِتَمَامِهِ ثِقَةٌ، عَنْ عَفَّانَ [3] .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ عُمَرُ فِي خُطْبَتِهِ: وَإِنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ عَنَّا بِأَسْرِهَا، فَاجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ: اخْرُجْ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، فَخَرَجْتُ فَقَالَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَدِ اجْتَمَعُوا فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِيهِ حَرْبٌ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: وَتَابَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَنَزَوْنَا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سَعْدًا، قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ وَأَنَا مُغْضَبٌ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا فَإِنَّهُ صَاحِبُ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ [4] .
وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى مِثْلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ [5] عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَابْنِ
__________
[1] هو عفّان بن مسلم الصّفّار البصريّ، الثّقة الثّبت، من رواة الإمام البخاري في الصحيح، كما في (تهذيب التهذيب 7/ 230 رقم 423) وغيره.
[2] هو وهيب بن خالد بن عجلان، الثقة الثّبت، روى له الإمام البخاريّ في صحيحه، على ما في (التهذيب لابن حجر 11/ 169 رقم 299) .
[3] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 76 عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن مسلم.. به، وتابعه الذهبي في تلخيصه.
[4] قال الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه (نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم ص 30) :
وأمّا تخلّف سعد بن عبادة رضي الله عنه عن بيعة أبي بكر فهو الصحابيّ الوحيد الّذي لم يبايع لأبي بكر، فلا بدّ من تأوّل فعله بما يليق بصحابيّ جليل: لعلّه لمّا رأى الأنصار قد أعدّته للخلافة يوم السقيفة، ثم رأى إجماع الصحابة على أبي بكر وانصرافهم عن بيعة سعد استوحش نفسه بين النّاس، وكان سعد رجلا عزيز النّفس، فخرج من المدينة ولم يرجع إليها حتّى مات ... ولم ينقل عنه طعن في بيعة الصّدّيق ولا نواء بخروج، فتخلّفه عن البيعة لا يقتضي رفضه لها ولا مخالفته فيها.
[5] في طبعة القدسي 3/ 7 «الهزلي» بالزاي، وهو تصحيف.

(3/11)


الْكَوَّاءِ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ مَسِيرَه وَبَيْعَةَ الْمُهَاجِرِينَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَمُتْ فَجْأَةً، مَرِضَ لَيَالِي، يَأْتِيهِ بِلَالٌ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَيَقُولُ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ» ، فَأَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَغَضِبَ وَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْنَا وَاخْتَارَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْمُسْلِمُونَ لِدُنْيَاهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِهِمْ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ عِظَمَ الْأَمْرِ وَقِوَامَ الدِّينِ [1] . وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مسْلمٍ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، نا الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ قَالَ: حِينَ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدًا مَنْ مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَمْسِ مَقَالَةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَمَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ [2] الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم، وَلَكِنْ رَجَوْتُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يُدَبِّرَنَا- يَقُولُ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم آخِرَنَا- فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، فَإِنْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي هَدَى بِهِ مُحَمَّدًا، فَاعْتَصِمُوا بِهِ تَهْتَدُوا بِمَا هُدِيَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَأَنَّه أَحَقُّ النَّاسِ بِأَمْرِهِمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ.
صَحِيحٌ غَرِيبٌ [3] .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وأنّ محمد بن مسلمة كسر سيف
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد 3/ 183.
[2] في نسخة (ح) «في المقالة» ، وهو وهم.
[3] انظر طبقات ابن سعد 2/ 271، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 301، وسيرة ابن هشام 262، ونهاية الأرب للنويري 19/ 42.

(3/12)


الزّبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى النَّاسَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ، فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا [1] إِلَّا لِأَنَّا أُخِّرْنَا عَنِ الْمُشَاوَرَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ، وَإِنَّا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ [2] . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَادَى عَنِ الْمُبَايَعَةِ مُدَّةً: فَقَالَ يُونُسُ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ أَبِيهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ اجْتَمَعَ إِلَى عَلِيٍّ أَهْلُ بَيْتِهِ، فَبَعَثُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ، وَمَا تَخَافُ عَلَيَّ مِنْهُمْ! فَجَاءَهُمْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ رَأْيَكُمْ، قَدْ وَجَدْتُمْ عَلَيَّ فِي أَنْفُسِكِمْ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي ولّيت عليكم، وو الله مَا صَنَعْتُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُرِيدُ أَنْ أَكِلَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَرَى أثَرَهُ فِيهِ وَعَمَلَهُ إِلَى غَيْرِي حَتَّى أَسْلُكَ به سبيله وأنفذه فيما جعله الله، وو الله لَأَنْ أَصِلَكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصِلَ أَهْلَ قَرَابَتِي لِقَرَابَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَظِيمِ حَقِّهِ. ثُمَّ تَشَهَّدَ عَلِيٌّ وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا نَفَسْنَا عَلَيْكَ خَيْرًا جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ أَنْ لَا تَكُونَ أَهْلًا لِمَا أُسْنِدَ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّا كُنَّا مِنَ الْأَمْرِ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ فَتَفُوتَ بِهِ عَلَيْنَا، فَوَجِدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُبَايِعَ وَأَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، وَإِذَا كَانَتِ الْعَشِيَّةُ [3] فَصَلِّ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَاجْلِسْ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى آتِيَكَ فَأُبَايِعَكَ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَكِبَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، وذكر الّذي كان من
__________
[1] في بعض النسخ (عصينا) وهو تصحيف.
[2] البداية والنهاية 6/ 302.
[3] ما بعد الزوال إلى المغرب عشيّ، وقيل العشيّ من زوال الشمس إلى الصباح، على ما في (النهاية لابن الأثير) .

(3/13)


أَمْرِ عَلِيٍّ، وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الجماعة والبيعة، وها هو ذا فَاسْمَعُوا مِنْهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَفَضْلَهُ وسِنَّهُ، وَأنَّهُ أَهْلٌ لِمَا سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1] مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: «وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ. [2] .
قِصَّةُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ [3] .
قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ: ثَنَا الْمُسْتَنِيرُ بْنُ يَزِيدَ النّخعي، عن عروة ابن غَزِيَّةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أبيه قال: أوّل ردّة كانت في
__________
[1] في المغازي 5/ 82، 83 باب غزوة خيبر، ومسلم في الجهاد والسير (1759) باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة.
[2] قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية 5/ 286) فهذه البيعة التي وقعت من عليّ لأبي بكر، بعد وفاة فاطمة، بيعة مؤكّدة للصلح الّذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أوّلا يوم السّقيفة، كما رواه ابن خزيمة، وصحّحه مسلم، ولم يكن عليّ مجانبا لأبي بكر هذه الستّة الأشهر، بل كان يصلّي وراءه، ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصّة. وانظر:
نهاية الأرب للنويري 19/ 39 حيث يقول: وروى أبو عمر بن عبد البرّ بسنده: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ عليّا والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها فقال: يا بنت رسول الله، ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، وقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ، ثم خرج وجاءوها، فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني وحلف إن عدتم ليفعلنّ، وايم الله ليفينّ بها، فانظروا في أمركم، ولا تنظروا إليّ، فانصرفوا ولم يرجعوا حتى بايعوا لأبي بكر. رضي الله عنهم أجمعين. وهذا الحديث يردّ قول من زعم أنّ عليّ بن أبي طالب لم يبايع إلّا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها.
[3] بفتح العين وسكون النون، نسبة إلى عنس بن مالك بن أدد. انظر عنه: فتوح البلدان للبلاذريّ 1/ 125- 127، وتاريخ الطبري 3/ 185، وتاريخ خليفة 116، 117، وثمار القلوب للثعالبي 148، والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 262، والبدء والتاريخ لمطهّر المقدسي

(3/14)


الإسلام عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَدِ عَبْهَلَةَ [1] بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ فِي عَامَّةِ مَذْحِجٍ: خَرَجَ بَعْدَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ شِعْبَاذًا [2] يُرِيهُمُ الْأَعَاجِيبَ، وَيَسْبِي قُلُوبَ مَنْ يَسْتَمِعُ [3] مَنْطِقَهُ، فَوَثَبَ هُوَ وَمَذْحِجٌ بِنَجْرَانَ إِلَى أَنْ صَارَ إِلَى صَنْعَاءَ فَأَخَذَهَا، وَلَحِقَ بِفَرْوَةَ [4] مَنْ تَمَّ عَلَى إِسْلَامِهِ، لَمْ يُكَاتِبِ الْأَسْوَدُ رَسْولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُشَاغِبُهُ، وَصَفا لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ.
فَرَوَى سَيْفٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ بَالْجَنَدِ [5] قَدْ أَقَمْنَاهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَكَتَبْنَا بَيْنَنَا [6] وَبَيْنَهُمُ الكتب، إذ جَاءَنَا كِتَابٌ مِنَ الْأَسْوَدِ أَنْ أَمْسِكُوا عَلَيْنَا مَا أَخَذْتُمْ مِنْ أَرْضِنَا، وَوَفِّرُوا مَا جَمَعْتُمْ فَنَحْنُ أَوْلَى بِهِ، وَأَنْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عليه، فبينا نَحْنُ نَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِذْ قِيلَ هَذَا الْأَسْوَدُ بِشَعُوبَ [7] ، وَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهِ شَهْرُ بْنُ باذام، ثم
__________
[5] / 153، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم 405، والمعارف لابن قتيبة 105 و 170، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 336، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 2/ 52، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 66، 67 في ترجمة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، و 6/ 36 في ترجمة وهب بن منبه، ونهاية الأرب للنويري 19/ 49- 60، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 307- 311، والإصابة لابن حجر 1/ 467.
[1] هكذا في الأصول، وتاريخ الطبري 3/ 185، ونهاية الأرب 19/ 49، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 307، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم 405، وقد قيّده الدكتور صلاح الدين المنجّد في تحقيقه لفتوح البلدان للبلاذري 1/ 125 «عيهلة» بالياء المثنّاة بدل الباء الموحّدة، وكذلك محقّق الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 336.
[2] شعباذا: بكسر الشين، مشعبذا، والشعبذة والشعوذة: أخذ كالسحر يري الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين.
[3] في نسخة (ح) «سمع» .
[4] هو: فروة بن مسيك، وهو على مراد. (تاريخ الطبري 3/ 185) .
[5] الجند: بفتح الجيم والنون. بلد في اليمن بين تعز وعدن، وهو أحد مخاليفها المشهورة نزلها معاذ بن جبل رضي الله عنه. (تاج العروس 7/ 24) وانظر معجم ما استعجم 2/ 397.
[6] كلمة «بيننا» ساقطة من نسخة (ح) .
[7] في نسخة دار الكتب «يشعوذ» ، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، فهو اسم مكان أو قصر باليمن. (تاج العروس 3/ 141) .

(3/15)


أَتَانَا الْخَبَرُ أَنَّهُ قُتِلَ شَهْرًا وَهَزَمَ الْأَبْنَاءَ، وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ بَعْدَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَخَرَجَ مُعَاذٌ هَارِبًا حَتَّى مَرَّ بِأَبِي مُوسَى الأشعري بمأرب، فاقتحما حضر موت.
وَغَلَبَ الْأَسْوَدُ عَلَى مَا بَيْنَ أَعْمَالِ الطَّائِفِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَسْتَطِيرُ [1] اسْتِطَارَةَ الْحَرِيقِ، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ فَارِسٍ يَومَ لَقِيَ شَهْرًا، وَكَانَ قُوَّادُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَيَزِيدُ بْنُ مَخْزُومٍ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَاسْتَغْلَظَ أَمْرُهُ وَغَلَبَ عَلَى أَكْثَرِ الْيَمَنِ، وَارْتَدَّ مَعَهُ خَلْقٌ، وَعَامَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِالتَّقِيَّةِ، وَكَانَ خَلِيفَتَهُ فِي مَذْحِجٍ عمرو بن معديكرب، وَأَسْنَدَ [2] أَمْرَ جُنْدِهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَأَمَرَ الْأَبْنَاءَ [3] إِلَى فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، وَدَاذُوَيْهِ [4] ، فَلَمَّا أَثْخَنَ فِي الْأَرْضِ اسْتَخَفَّ بِهَؤُلَاءِ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ شَهْرٍ، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ فَيْرُوزَ، قَالَ: فبينا نحن كذلك بحضر موت وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا الْأَسْوَدُ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مُعَاذٌ فِي السَّكُونِ [5] ، إِذْ جَاءَتْنَا كُتُبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِيهَا أَنْ نَبْعَثَ الرِّجَالَ لِمُجَاوَلَتِهِ وَمُصَاوَلَتِهِ، فَقَامَ مُعَاذٌ فِي ذَلِكَ، فَعَرَّفَنَا القُوَّةَ وَوَثَّقَنَا بِالنَّصْرِ.
وَقَالَ سَيْفٌ: فَحَدَّثَنَا الْمُسْتَنِيرُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بن فيروز، عن جشنس [6] ابن الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَبَرُ بْنُ يُحَنَّسَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] فِي نسخة دار الكتب «وجعل أمره يستطير» ، وهو مغاير لما في الأصل وتاريخ الطبري 3/ 230 و (ع) والمنتقى لابن الملّا.
[2] في نسخة دار الكتب (وأسلم) .
[3] أي أبناء أهل فارس في اليمن. (فتوح البلدان 3/ 125، 126) .
[4] في الأصل وفي (ع) والمنتقى لابن الملّا (ذادويه) ، والتحقيق من تاريخ خليفة بن خياط- ص 117 وتاريخ الطبري 3/ 230، وفتوح البلدان للبلاذري 1/ 126 والمعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 262.
[5] السّكون: بطن من كندة. وهو السكن بن أشرس بن ثور. (اللباب 2/ 125) .
[6] في الأصل «جشنسن» ، وفي نسخة (ع) و (ح) «خشنس» وعند الطبري 3/ 231: «جشيش» و «جشنس» ، وعند ابن ماكولا في الإكمال 3/ 152 «جشيش» وقال: في نسب الفرس:
جشنس جماعة. (3/ 156) ، وورد في المشتبه للذهبي 1/ 265 «جشيش» .

(3/16)


فَأَمَرَنَا فِيهِ بِالنُّهُوضِ فِي أَمْرِ الْأَسْوَدِ فَرَأَيْنَا أَمْرًا كَثِيفًا، وَرَأَيْنَا الْأَسْوَدَ قَدْ تَغَيَّرَ لِقَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَأَخْبَرْنَا قَيْسًا وَأَبْلَغْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّمَا وَقَعْنَا عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ [1] فَأَجَابَنَا، وَجَاءَ وَبَرٌ وَكَاتَبْنَا النَّاسَ وَدَعَوْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يَقُولُ الْمَلَكُ؟ يَقُولُ: عَمَدْتُ إِلَى قَيْسٍ فَأَكْرَمْتُهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ مِنْكَ كُلَّ مَدْخَلٍ مَالَ مَيْلَ عَدُوِّكَ، فَحَلَفَ لَهُ وَتَنَصَّلَ، فَقَالَ: أَتُكَذِّبُ الْمَلَكَ؟ قَدْ صَدَقَ وَعَرَفْتُ أَنَّكَ تَائِبٌ، قَالَ: فَأَتَانَا قَيْسٌ وَأَخْبَرَنَا فَقُلْنَا: كَمَنْ [2] عَلَى حَذَرٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا الْأَسْوَدُ: أَلَمْ أُشَرِّفْكُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمْ؟ فَقُلْنَا: أَقِلْنَا مَرَّتَنَا هَذِهِ، فَقَالَ: فَلَا يَبْلُغْنِي عَنْكُمْ فَأَقْتُلَكُمْ، فَنَجَوْنَا وَلَمْ نَكِدْ، وَهُوَ فِي ارْتِيَابٍ [3] مِنْ أَمْرِنَا، قَالَ: فَكَاتَبَنَا عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ، وَذُو الْكَلَاعِ، وَذُو ظُلَيْمٍ، فَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ لَا يَتَحَرَّكُوا بِشَيْءٍ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِهِ آذَادَ [4] فقلت: يا بنت عمّ قَدْ عَرَفْتُ بَلاءَ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَتَلَ زَوْجَكِ وَقَوْمَكِ وَفَضَحَ النِّسَاءَ، فَهَلْ مِنْ مُمَالأَةٍ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ:
مَا خَلَقَ اللَّهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، مَا يَقُومُ عَلَى حَقٍّ وَلَا يَنْتَهِي عَنْ حُرْمَةٍ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا فَيْرُوزُ وَدَاذَوَيْهِ يَنْتَظِرَانِي [5] ، وَجَاءَ قَيْسٌ وَنحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُنَاهِضَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ قَبِلَ أَنْ يَجْلِسَ: الْمَلِكُ يَدْعُوكَ، فَدَخَلَ فِي عَشَرَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ يَا عَبْهَلَةُ أَمِنِّي [6] تَتَحَصَّنُ بالرِّجَالِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ الحقّ وتخبرني الكذب، تريد قتلي! فقال: كَيْفَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَمُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ، فَأَمَّا الْخَوفُ وَالْفَزَعُ فَأَنَا فِيهِمَا فَاقْتُلْنِي وَارْحَمْنِي، فرقّ له وأخرجه، فخرج علينا وقال:
__________
[1] «من السماء» ساقطة من الأصل، ومن نسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا، والاستدراك من تاريخ الطبري 3/ 231، ونهاية الأرب للنويري 19/ 53.
[2] عند الطبري 3/ 232 «نحن» بدل «كمن» .
[3] في الأصل (في ارتياد) ، والتصحيح من المنتقى لابن الملّا، وتاريخ الطبري (3/ 232) .
[4] في طبعة القدسي 3/ 12 «آزادي» بالزاي، والتصويب من تاريخ الطبري.
[5] في طبعة القدسي 3/ 12 «ينتظر أبي» وهو وهم، والتصويب من تاريخ الطبري.
[6] في طبعة القدسي 3/ 12 «أنا عبهلة أمتي» وهو وهم، والتصويب من تاريخ الطبري 3/ 233.

(3/17)


اعْمَلُوا عَمَلَكُمْ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا الْأَسْوَدُ فِي جَمْعٍ، فَقُمْنَا لَهُ، وَبِالْبَابِ مِائَةُ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ فَنَحَرَهَا [1] ، ثُمَّ قَالَ: أَحَقُّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ يَا فَيْرُوزُ؟ لَقَدْ هَمَمْتُ بِقَتْلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْتَنَا لِصِهْرِكَ وَفَضَّلْتَنَا عَلَى الْأَبْنَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ لَنَا [2] أَمْرَ آخِرَةٍ وَدُنْيَا، فَلَا تَقْبَلَنَّ [3] عَلَيْنَا أَمْثَالَ مَا يَبْلُغُكَ. فَقَالَ: اقْسِمْ هَذِهِ، فَجَعَلْتُ آمُرُ لِلِرَّهْطِ بِالْجَزُورِ [4] ، ثُمَّ اجْتَمَعَ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَتْ: هُوَ مُتَحَرِّزٌ، وَالْحَرَسُ مُحِيطُونَ بِالْقَصْرِ سِوَى هَذَا الْبَابِ فَانْقُبُوا عَلَيْهِ، وَهَيَّأَتْ لَنَا سِرَاجًا، وَخَرَجَتْ، فَتَلَقَّانِي الْأَسْوَدُ خَارِجًا مِنَ الْقَصْرِ فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكَ؟ وَوَجَأَ رَأْسِي فَسَقَطْتُ، فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ: ابْنُ عَمِّي زَارَنِي، فَقَالَ: اسْكُتِي لَا أَبًا لَكِ فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكِ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي وَقُلْتُ: النَّجَاءُ، وَأَخْبَرْتُهُمُ الخبر، فأنا على ذلك إذ جَاءَنِي رَسُولُهَا: لَا تَدَعَنَّ مَا فَارَقْتُكَ عَلَيْهِ. فَقُلْنَا لِفَيْرُوزَ: ائْتِهَا وَأَتْقِنْ أَمْرَنَا، وَجِئْنَا بِاللَّيْلِ وَدَخَلْنَا، فَإِذَا سِرَاجٌ تَحْتَ جَفْنَةٍ، فَاتَّقَيَا بِفَيْرُوزَ، وَكَانَ أَنْجَدَنَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْبَيْتِ سَمِعَ غَطِيطًا شَدِيدًا، وَإِذَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ.
فَلَمَّا قَامَ فَيْرُوزُ عَلَى الْبَابِ أَجْلَسَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ وَكَلَّمَهُ فَقَالَ أَيْضًا: فَمَا لِي وَلَكَ يَا فَيْرُوزُ، فَخَشِيَ إِنْ رَجَعَ أَنْ يَهْلِكَ هُوَ وَالْمَرْأَةُ، فَعَاجَلَهُ وَخَالَطَهُ وَهُوَ مِثْلُ الْجَمَلِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَدَقَّ عُنُقَهُ وَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ بِثَوْبِهِ تُنَاشِدُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْ أَصْحَابِي بِقَتْلِهِ، فأتانا فقمنا معه، فأردنا حزّ رَأْسِهِ فَحَرَّكَهُ [5] الشَّيْطَانُ وَاضْطَرَبَ، فَلَمْ يُضْبِطْهُ فَقَالَ: اجْلِسُوا عَلَى صَدْرِهِ، فَجَلَسَ اثْنَانِ وَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ بشعره، وسمعنا بربرة [6] فألجمته بملاءة [7] ،
__________
[1] في نسخة (ح) «فنحرناها» .
[2] في تاريخ الطبري «اجتمع لنابك» .
[3] في طبعة القدسي 3/ 12 «نقبلن» بالنون في أولها، والتصحيح من تاريخ الطبري.
[4] زاد في تاريخ الطبري 3/ 233: «ولأهل البيت بالبقرة» .
[5] في ح (فحرله) وهو تصحيف.
[6] أي صياحا.
[7] هكذا في الأصل، وعند الطبري 3/ 235 «مئلاة» . وهي الخرقة التي تمسكها المرأة عند النوح تشير بها.

(3/18)


وَأَمَرَّ الشَّفْرَةَ عَلَى حَلْقِهِ، فَخَارَ كَأَشَدِّ خُوَارِ ثَوْرٍ، فَابْتَدَرَ الْحَرَسُ الْبَابَ: مَا هَذَا مَا هَذَا؟ قَالَتْ: النَّبِيُّ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: وَسَمَرْنَا لَيْلَتَنَا كَيْفَ نُخْبِرُ أَشْيَاعَنَا، فَأَجْمَعْنَا عَلَى النِّدَاءِ بِشِعَارِنَا ثُمَّ بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى دَاذَوَيْهِ بِالشِّعَارِ، فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْكَافِرُونَ، وَاجْتَمَعَ الْحَرَسُ فَأَحَاطُوا بِنَا، ثُمَّ نَادَيْتُ بِالْأَذَانِ، وَتَوَافَتْ خُيُولُهُمْ إِلَى الْحَرَسِ، فَنَادَيْتُهُمْ: أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ عَبْهَلَةَ كَذَّابٌ، وَأَلْقَيْنَا إِلَيْهِمُ الرَّأْسَ، وَأَقَامَ وَبَرُ الصَّلَاةَ، وَشَنَّهَا الْقَوْمُ غَارَةً، وَنَادَيْنَا: يَا أَهْلَ صَنْعَاءَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فتَعَلَّقَوا بِهِ، فَكَثُرَ النَّهْبُ وَالسَّبْيُ، وَخَلُصَتْ صَنْعَاءُ وَالْجُنْدُ، وَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَتَنَافَسْنَا الْإِمَارَةَ، وَتَرَاجَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاصْطَلَحْنَا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِنَا، وَكَتَبْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ فَقَدِمَتْ رُسُلُنَا، وَقَدْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيحَتَئِذٍ فَأَجَابَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ.
وَرَوَى الْوَاقِديُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ [1] إِلَى الْيَمَنِ، فَقَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ، هُوَ وَفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ. وَلِقَيْسٍ هَذَا أَخْبَارٌ، وَقَدِ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ.
جَيْشُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «أَنْفِذُوا جيشَ أُسَامَةَ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْجُرْفَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنتُ قَيْسٍ تَقُولُ: لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ثَقِيلٌ [2] ، فَلَمَّا يَبْرَحْ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَجَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي وَأَنَا عَلَى غَيْرِ حَالِكُمْ هَذِهِ، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكْفُرَ الْعَرَبُ، وَإِنْ كَفَرَتْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ يُقَاتِلُ، وَإِنْ لَمْ تَكْفُرْ مَضَيْتُ، فَإِنَّ مَعِيَ سَرَوَاتِ النّاس
__________
[1] هو قيس بن هبيرة المكشوح المرادي. سمّي بالمكشوح لأنه كوي على كشحة من داء كان به.
(فتوح البلدان 1/ 126) .
[2] هكذا في الأصل، ونسخة (ح) ، وطبقات ابن سعد 4/ 67، وفي نسخة دار الكتب «يعتل» .

(3/19)


وَخِيَارَهُمْ، قَالَ: فَخَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ تَخَطَّفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَاسْتَأْذَنَ لِعُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ، وَأَمَرَ أَنْ لَا [1] يَجْزِرَ فِي الْقَوْمِ، أَنْ يَقْطَعَ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلَ وَالْأَوسَاطَ فِي الْقِتَالِ، قَالَ: فَمَضَى حَتَّى أَغَارَ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ غَنِمُوا وَسَلِمُوا.
فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا كُنْتُ لِأُحَيَّيَ [2] أَحَدًا بِالْإِمَارَةِ غَيْرَ أُسَامَةَ، لَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ أَمِيرٌ، قَالَ: فَسَارَ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الشَّامِ أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيدَةٌ فَسَتَرَتْهُمْ، حَتَّى أَغَارُوا وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ، قَالَ: فَقُدِمَ بِنَعْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هِرَقْلَ وَإِغَارَةِ أُسَامَةَ فِي نَاحِيَةِ أَرْضِهِ خَبَرًا وَاحِدًا، فَقَالَتِ الرُّومُ:
مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يَمُوتُ صَاحِبُهَا ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِنَا [3] .
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَارَ أُسَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ حَتَّى بَلَغَ أَرْضَ الشَّامَ وَانْصَرَفَ، فَكَانَ مَسِيرُهُ ذَاهِبًا وَقَافِلًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا [4] .
وَقِيلَ كَان ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً [5] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْبَيعَةِ، وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: امْضِ لِوَجْهِكَ. فَكَلَّمَهُ رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أَمْسِكْ أُسَامَةَ وَبَعْثَهُ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَمِيلَ علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنَا أَحْبِسُ جَيْشًا بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! لَقَدِ اجْتَرَأْتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ تَمِيلَ عَلَيَّ الْعَرَبُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْبِسَ جَيْشًا بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امض يا
__________
[1] «لا» في الأصل وغيره، وساقطة من نسخة (ح) ، وليست في طبقات ابن سعد 40/ 67.
[2] في طبقات ابن سعد «لأجيء» وهو تصحيف.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 67، 68 وفيه: «ما بالي هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا» ، وانظر تهذيب تاريخ دمشق 2/ 397، وسير أعلام النبلاء 2/ 503، وتاريخ خليفة- ص 100.
[4] تاريخ خليفة بن خيّاط 101، وتاريخ الطبري 3/ 227.
[5] وقيل: ابن ثماني عشرة سنة. (طبقات ابن سعد 4/ 66) .

(3/20)


أُسَامَةُ فِي جَيْشِكَ لِلْوَجْهِ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ، ثُمَّ اغْزُ حَيْثُ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَاحِيَةِ فِلِسْطِينَ، وَعَلَى أَهْلِ مُؤْتَة، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِي مَا تَرَكْتَ، وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِعُمَرَ فَأَسْتَشِيرُهُ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فَافْعَلْ، فَفَعَلَ أُسَامَةُ. وَرَجَعَ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَنْ دِينِهِمْ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَغَطَفَانُ وأسد وعامّة أشجع، وتمسّكت طيِّئ بِالْإِسْلَامِ.
شَأْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنْ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَغَضِبَتْ وَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ حَتَى تُوُفِّيَتْ [1] . وَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا رَدَدْتُهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ أَلَمْ تَسْمَعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ في هذا المال» [2] .
__________
[1] أخرجه البخاري في الفرائض 8/ 3 باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة، وفي الوصايا 3/ 197 باب نفقة القيّم للوقف، وفي فضائل الصحابة 4/ 209، 210، باب مناقب قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنقبة فاطمة عليها السلام، وفي المغازي 5/ 23 باب حديث بني النضير، ومسلم في الجهاد والسير (1758) باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة، ورقم (1759) و (1761) ، وأبو داود في الخراج والإمارة (2975) باب في صفايا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الأموال، والترمذي في السير 3/ 81 (1658) باب ما جاء في تركة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، والنسائي في الفيء 7/ 132 في كتاب قسم الفيء، ومالك في الموطأ 702 رقم 1723، باب ما جاء في تركة النبيّ، وأحمد في المسند 1/ 4 و 6 و 9 و 10 و 25 و 47 و 48 و 49 و 60 و 164 و 179 و 191 و 6/ 145 و 262، وابن سعد في الطبقات 2/ 315، وابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص 374 رقم 365.
[2] انظر تخريج الحديث قبله.

(3/21)


وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي [1] فَهُوَ صَدَقَةٌ [2] » . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ- وَهُوَ مَتْرُوكٌ-[3] عن أبي صالح مولى أمّ
__________
[1] في الأصل (عمالي) ، وفي الحاشية (عيالي، خ) رمزا لنسخة فيها ذلك وهو الموافق لما في (ع) وبعض المراجع، وفي (ح) (عاملي) ، وفي الحاشية (عيالي) . وما أثبتناه هو الموافق لما في الصّحاح.
[2] أخرجه البخاري في الوصايا 3/ 197 باب نفقة القيّم للوقف، ومسلم في الجهاد والسير (1759) باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة، وأبو داود في الخراج والإمارة (2974) باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأموال، ومالك في الموطّأ 702 رقم 1723، باب ما جاء في تركة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وأحمد في المسند 2/ 242 و 376 و 464.
[3] هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي، العلّامة الأخباريّ المفسّر. كان رأسا في الأنساب إلّا أنه شيعيّ. توفي سنة 146 هـ-. قال معتمر بن سليمان عن أبيه: كان بالكوفة كذّابان أحدهما الكلبي، وقال الدوري عن يحيى بن معين. ليس بشيء، وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه هو ذاهب الحديث لا يشتغل به، وقال النسائيّ: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال ابن عديّ: له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخاصّة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير وليس لأحد أطول من تفسيره، وحدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير، وأما في الحديث ففيه مناكير، ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه، وقال عليّ بن الجنيد، والحاكم أبو أحمد، والدار الدّارقطنيّ: متروك، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال ابن حبّان:
وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، وقال الساجي: متروك الحديث، وكان ضعيفا جدا لفرطه في التشيّع، وقد اتّفق ثقات أهل النقل على ذمّة وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع.
انظر عنه:
طبقات ابن سعد 6/ 249، تاريخ خليفة 423، طبقات خليفة 167، المعارف لابن قتيبة 533، التاريخ الكبير للبخاريّ 1/ 101 رقم 283، التاريخ الصغير له 2/ 51، أحوال الرجال للجوزجانيّ 54 رقم 37، الضعفاء الصغير للبخاريّ 322، الضعفاء والمتروكين للنسائي 414، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 270، 271 رقم 1478، الضعفاء الكبير للعقيليّ 4/ 76 رقم 1632، كتاب المجروحين لابن حبّان 2/ 253، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 151 رقم 468، الفهرست لابن النديم 95، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 6/ 2127- 2132، اللباب لابن الأثير 3/ 105، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 309- 311، تهذيب الكمال للمزّي 3/ 1199، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 556- 559 رقم

(3/22)


هَانِئٍ إِنَّ فَاطِمَةَ دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَرَأَيْتَ لَوْ مُتَّ الْيَومَ مَنْ كَانَ يَرِثُكَ؟ قَالَ: أَهْلِي وَوَلَدِي، فَقَالَتْ: مَالَكَ تَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُونِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ! فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَتْ: بَلَى قَدْ عَمَدْتَ إِلَى فَدَكَ [1] وَكَانَتْ صَافِيةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتَهَا، وَعَمَدْتَ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتَهُ مِنَّا، فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ النَّبِيَّ الطَّعْمَةَ مَا كَانَ حَيًّا فَإِذَا قَبَضَهُ رَفَعَهَا، فَقَالَتْ: أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ، مَا أَنَا بِسَائِلَتِكَ بَعْدَ مَجْلِسِي هَذَا [2] .
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ وَرِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ أَهْلُهُ؟
فَقَالَ: لَا بَلْ أَهْلُهُ، قَالَتْ: فَأَيْنَ سَهْمُهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طَعْمَةً [3] ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهَا لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ» ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى المُسْلِمينَ، قَالَتْ: أَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ» [4] ، وَهُوَ مُنْكَرٌ، وَأَنْكَرُ مَا فِيهِ قَوْلُهُ: «لَا، بل أهله» .
__________
[7574،) ] الكاشف 3/ 40، 41 رقم 4941، المغني في الضعفاء 2/ 584 رقم 5542، سير أعلام النبلاء 6/ 248- 249 رقم 111، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 83 رقم 1001، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي 373 رقم 667، الموضوعات لابن الجوزي 1/ 47، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 178- 181 رقم 266، تقريب التهذيب له 2/ 163 رقم 240، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 337، طبقات المفسّرين 2/ 144، شذرات الذهب 1/ 217.
[1] فدك، قرية على مسافة يومين من المدينة المنوّرة، وسمّيت بفدك بن حام لأنّه أوّل من نزلها.
(وفاء ألوفا للسمهودي 2/ 355) .
[2] الحديث ضعيف لضعف محمد بن السائب، ولكن يقوّيه الحديث الآتي بعده.
[3] يريد بالطعمة، ما كان له من الفيء وغيره. (النهاية لابن الأثير) .
[4] ج 1/ 4، وأخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء (2973) باب في صفايا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الأموال.

(3/23)


وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مسْلمٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: ثَنَا صَدَقَةُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِيقِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَتْ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي خَلَّفْنَا عَنْهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ أَهْلَ الْبَيْتِ. ثُمّ قَرَأَتْ عَلَيْهِ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ 8: 41 [1] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لَهَا: بِأَبي وَأُمِّي أَنْتِ وَوَالِدُكِ وَوَلَدُكِ، وَعَلَيَّ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ كِتَابُ اللَّهِ وَحقُّ رَسُولِهِ وَحَقُّ قَرَابَتِهِ، وَأَنَا أَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ الَّذِي تَقْرَئِينَ، وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي فِيهِ أَنْ أَرَى لِقَرَابَةِ [2] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ مِنَ الْخُمُسِ يَجْرِي بِجَمَاعَتِهِ عَلَيْهِمِ، قَالَتْ:
أَفَلَكَ هُوَ وَلِقَرابَتِكَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْتِ عِنْدِي أَمِينَةٌ مُصَدَّقةٌ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْكِ فِي ذَلِكَ عَهْدًا وَوَعَدَكِ مَوْعِدًا أوْجَبَهُ لَكِ حَقًّا وَسَلَّمْتُهُ إِلَيْكِ، قَالَتْ: لَا، أَلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ: أَبْشِرُوا آلَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْغِنَى. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتِ فَلَكِ الْغِنَى، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي فِيهِ وَلَا بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُسَلَّمَ هَذَا السَّهْمُ كُلُّهُ كَامِلًا، وَلَكِنْ لَكُمُ الْغِنَى الَّذِي يُغْنِيكُمْ، وَيَفْضُلُ عَنْكُمْ، فَانْظُرِي هَلْ يُوَافِقُكِ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَانْصَرَفَتْ إِلَى عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ كَمَا ذَكَرَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهَا مِثْلُ الَّذِي رَاجَعَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُمَا قَدْ تَذَاكَرَا ذَلِكَ وَاجْتَمَعَا عَلَيْهِ.
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- مِنْ دُونِ ذِكْرِ الْوَلِيدِ بْنِ مسْلمٍ- قَالَ:
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطِينَا مِنَ الْفَيْءِ بِحَقِّ مَا يَرَى أَنَّهُ لَنَا مِنَ الْحَقِّ، فَرَغِبْنَا عن ذلك
__________
[1] سورة الأنفال- الآية 41.
[2] في نسخة (ح) «أن لذي قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .

(3/24)


وَقُلْنَا: لَنَا مَا سَمَّى اللَّهُ مِنْ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى، وَهُوَ خُمْسُ [1] الْخُمُسِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ لَكُمْ مَا تَدَّعُونَ أَنَّهُ لَكُمْ حَقٌّ، إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْخُمُسَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُم، فَأَسْعَدُهُمْ فِيهِ حَظًّا أَشَدُّهُمْ فَاقَةً وَأَكْثَرُهُمْ عِيَالًا، قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يُعْطِي مَنْ قَبِلَ مِنَّا مِنَ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ نَحْوَ مَا يَرَى أَنَّهُ لَنَا، فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنَّا نَاسٌ وَتَرَكَهُ نَاسٌ.
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ [2] قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ لِي: يَا مَالِكُ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أيُّهَا الْمَرْءُ، قَالَ: وَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ [3] فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا دَخَلَا سَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الظَّالِمِ الْفَاجِرِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ، فَاسْتَبَّا، فَقَالَ عُثْمَانُ وَغيَرُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخِرِ، فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا باللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «: لا نورث ما تركنا صدقة» ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ: فَإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى من يَشاءُ 59: 6 [4] ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا [5] دُونَكُمْ ولا استأثر
__________
[1] (خمس) ساقطة من أكثر النسخ.
[2] في (ح) والمنتقى لابن الملّا (النضري) وهو تصحيف.
[3] «يرفا» غير مهموز، هكذا ذكره الجمهور، ومنهم من همزة، يرفأ، وهو حاجب عمر بن الخطّاب.
[4] سورة الحشر، الآية 6.
[5] في طبعة القدسي 3/ 19 «اختارها» وهو تصحيف، والتصويب من صحيح البخاري.

(3/25)


بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدِ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، أَنْشُدُكُمْ باللَّه هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَبَضَهَا وَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ به رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، وأنتما تزعمان أنّ أبا بكر فيها كَاذِبٌ فَاجِرٌ غَادِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّه فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ فَقُلْتُ [1] : أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِهِ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَشْهَدُونَ [2] ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ [3] يَزْعُمُونَ أَنِّي فِيهَا فَاجِرٌ كَاذِبٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بارّ راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما وَاحدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، فَجِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ نَصِيبِكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ نَصِيبِ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ» ، فَلَمَّا بَدَا لِيَ أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا قُلْتُ:
إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي، فَقُلْتُمَا:
ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا [4] أَنْشُدُكُمْ باللَّه هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟
قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا باللَّه هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ أفتلتمسان منّي قضاء غير ذلك! فو الّذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عنها فادفعاها إليّ أكفيكماها [5] .
__________
[1] في صحيح الإمام البخاري (فكنت) بدل (فقلت) التي في الأصل وغيره.
[2] «تشهدون» ساقطة من (ح) والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وليست في صحيح البخاري.
[3] لعلّ في الأصل وغيره هنا كلمات مقحمة لا تفسد المعنى. فانظر صحيح الإمام البخاري حيث يختلف النصّ عمّا هنا.
[4] في (صحيح الامام البخاري) : ادفعها إلينا. فبذلك دفعتها إليكما.
[5] رواه البخاري في الخمس 4/ 43، 44 باب فرض الخمس، ومسلم في الجهاد والسير

(3/26)


وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي الْأَعْرَجُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي شَيْئًا مِمَّا تَرَكْتُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» [1] فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ، وَكَانَتْ فِيهَا خُصُومَتُهُمَا، فَأَبَى عُمَرُ أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عبّاس فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، ثُمَّ كَانَتْ عَلَى يَدَيِ الْحَسَنِ [2] ، ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ بِيَدِ عليّ ابن الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، كِلَاهُمَا يَتَدَاوَلَانِهَا، ثُمَّ بيد زيد، وهي صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا.
خَبَرُ الرِّدَّةِ
لَمَّا اشْتُهِرَتْ وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّوَاحِي، ارْتَدَّتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ عَنِ الْإسْلَامِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ، فَنَهَضَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِقِتَالِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ أَنْ يَفْتِرَ عَنْ قِتَالِهِمْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا أَوْ عِنَاقًا [3] كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ:
كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَمَنْ قَالَهَا عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَدَمَهُ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَقَدْ قَالَ: إِلَّا بحقها فقال عمر: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ [4] ، فعن
__________
[ () ] (1757/ 49) باب حكم الفيء.
[1] رواه مسلم في الجهاد والسير (1760) باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» .
[2] في المنتقى لابن الملا «بيد الحسن» وهو الأصوب.
[3] بالفتح، وهي الأنثى من ولد المعز. (مختار الصحاح) .
[4] أخرجه البخاري في الاعتصام 8/ 140، 141 باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومسلم في الإيمان (20) باب الأمر بقتال النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ محمد رسول الله، وأبو داود في الزكاة (1556) أول الباب، والترمذي في الإيمان (2733) أول الباب، والنسائي في الزكاة 5/ 14، 15 باب جامع الزكاة. والمطهّر المقدسي في البدء والتاريخ 5/ 153، والبلاذري في فتوح البلدان 1/ 113.

(3/27)


عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حَتَّى بَلَغَ نَقْعًا حِذَاءَ نَجْدَ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ بِذَرَارِيهِمْ، فَكَلَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا: ارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ وَأَمِّرْ رَجُلًا عَلَى الْجَيْشِ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا أَسْلَمُوا وَأَعْطَوُا الصَّدَقَةَ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَسِيرُهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَبَلَغَ ذَا الْقَصَّةِ [1] ، وَهِيَ عَلَى بَرِيدَيْنِ وَأَمْيَالٍ مِنْ نَاحِيةِ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِنَانًا الضَّمْرِيَّ، وَعَلَى حِفْظِ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ [2] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ خَالِدًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ، مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَاتَلَهُ كَمَا يُقَاتِلُ مَنْ تَرَكَ الْخَمْسَ جَمِيعًا. عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ: لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ مَا نَزَلَ بِأَبِي لَهَاضَهَا [3] ، اشرأب النّفاق بالمدينة وارتدّت العرب، فو الله ما اختلفوا في نقطة إلّا طار أبي بِحَظِّهَا مِنَ الْإِسْلَامِ [4] .
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَصْنَعُ بِالْمَسِيرِ بِنَفْسِكَ شَيْئًا، وَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَقْصِدُ، فَأَمُرْ مَنْ تَثِقُ بِهِ وَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فإنّك
__________
[1] ذو القصّة: بالفتح وتشديد الصاد. على بريد من المدينة تلقاء نجد. (معجم البلدان 4/ 366) .
[2] تاريخ خليفة بن خيّاط- ص 101.
[3] هاضها: كسرها.
[4] تاريخ خليفة- ص 102 وفيه: «إلّا طار أبي إلى أعظمها في الإسلام» .

(3/28)


تَرَكْتَ بِهَا النِّفَاقَ يَغْلِي، فَعَقَدَ لِخَالِدٍ عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْأَنْصَارِ خَاصَّةً ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَمَرَ خَالِدًا أَنْ يَصْمُدَ لِطُلَيْحَةَ الْأَسْدِيِّ [1] .
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ فِي أَلْفَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، يُرِيدُ طُلَيْحَةَ، وَوَجَّهَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ حَلِيفَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [2] فَانْتَهَوْا إِلَى قَطَنٍ [3] فَصَادَفُوا فِيهَا حِبَالًا مُتَوَجِّهًا إِلَى طُلَيْحَة بِثُقْلِهِ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَا مَعَهُ، فَسَارَ وَرَاءَهُمْ طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ فَقَتَلَا عُكَّاشَةَ وَثَابِتًا [4] .
وَقَالَ الْوَلِيدُ الْمُوَقَّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَسَارَ خَالِدٌ لِقِتَالِ طُلَيْحَةَ الْكَذَّابَ فَهَزَمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ قَدْ بَايَعَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، فَلَمَّا رَأَى طُلَيْحَةُ كَثْرَةَ انْهِزَامِ أَصْحَابِهِ قَالَ: مَا يَهْزِمُكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أُحَدِّثُكَ، لَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إلَّا وَهُوَ يُحِبُ أَنْ يَمُوتَ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ، وَإِنَّا نَلْقَى قَوْمًا كُلَّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَكَانَ طُلَيْحَةُ رَجُلًا شَدِيدَ الْبَأْسِ فِي الْقِتَالِ، فَقَتَلَ طُلَيْحَةُ يَوْمَئِذٍ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ، وَقَالَ طُلَيْحَةُ:
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ... وَعُكَّاشَةُ الْغَنْمِيُّ تَحْتَ [5] مَجَالِي
أَقَمْتُ [6] لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إِنَّهَا ... مُعَاوَدَةٌ [7] قَبْلَ الْكُمَاةِ نِزَالِي
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالٍ عوال [8]
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 102.
[2] انظر عنهما طبقات ابن سعد 3/ 467 في ترجمة ثابت بن أقرم.
[3] قطن: بالتحريك. جبل لبني عبس كثير النخل والمياه بين الرمّة وبين أرض بني أسد. (معجم البلدان 4/ 375) .
[4] تاريخ خليفة- ص 102- 103.
[5] في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 103 «عند» بدل «تحت» .
[6] في التهذيب «نصبت» .
[7] في التهذيب، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 317 «معودة» .
[8] انظر تهذيب تاريخ دمشق فقد ورد هذا الشطر عجزا لصدر بيت آخر.

(3/29)


فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْقَوْمِ إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يَسْلَمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ [1] أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَمْ تَرْهَبُوا فَرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ [2]
فَلَمَّا غَلَبَ الْحَقُّ طُلَيْحَةَ تَرَجَّلَ. ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَرَكِبَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ آمِنًا، حَتَّى مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَكَّةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ [3] .
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ خَالِدًا لَقِيَ طُلَيْحَةَ بِبُزَاخَةَ [4] ، وَمَعَ طُلَيْحَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَقُرَّةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ هَرَبَ طُلَيْحَةُ وَأُسِرَ عُيَيْنَةُ وَقُرَّةُ، وَبُعِثَ بِهِمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَحَقَنَ دِمَاءَهُمَا [5] .
وَذُكِرَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَحَدَ مَنْ قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ ارْتَدَّ. وَتَابَعَهُ [6] جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَسْوَدِ، وَخَافَهُ أَهْلُ صَنْعَاءَ، وَأَتَى قَيْسٌ إِلَى فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَدَاذَوَيْهَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْأَسْوَدِ خَدِيعَةً مِنْهُ، فَاطْمَأَنَّا إِلَيْهِ، وَصَنَعَ لَهُمَا مِنَ الْغَدِ طَعَامًا، فَأَتَاهُ دَاذَوَيْهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَاهُ فَيْرُوزُ فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ فَهَرَبَ، وَلَقِيَهُ جُشَيْشُ بْنُ شَهْرٍ وَمَضَى مَعَهُ إِلَى جِبَالِ خَوْلَانَ، وَمَلَكَ
__________
[1] في نسخة (ح) والأصل، والمنتقى: «ذاود» ، والتصحيح من نسخة دار الكتب، ولسان العرب، وتهذيب تاريخ دمشق. وفي البداية والنهاية «وإن يك أولاد» وهو تصحيف.
والأذواد: الإبل.
[2] حبال: بكسر الحاء وفتح الباء، وهو أخو طليحة.
وراجع الأبيات في تاريخ دمشق- الجزء العاشر- تحقيق محمد أحمد دهمان- ص 506، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 103، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 317.
[3] وردت العبارة التالية في حاشية النسخة (ح) : «مررت على هذه الكرّاسة وحرّرتها وقابلتها على نسخة بخط البدر البشتكي. صحّت وللَّه الحمد. قاله سبط ابن حجر العسقلاني» .
[4] قال الطبري في تاريخه 3/ 254 بزاخة: ماء من مياه بني أسد. وفي معجم البلدان لياقوت: ماء لطيّئ بأرض نجد.
[5] تاريخ الطبري 3/ 260، وتاريخ خليفة- ص 103.
[6] في المنتقى لابن الملّا، نسخة أحمد الثالث: «بايعه» .

(3/30)


قَيْسٌ صَنْعَاءَ، فَكَتَبَ فَيْرُوزُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْتَمِدُّهُ، فَأَمَدَّهُ، فَلَقَوْا قَيْسًا فَهَزَمُوهُ ثُمَّ أَسَرُوهُ وَحَمَلُوهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَوَبَّخَهُ: فَأَنْكَرَ الرِّدَّةَ: فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ [1] .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَسَارَ خَالِدٌ- وَكَانَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ تَعَالَى- فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى نَزَلَ بِبُزَاخَةَ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ طيِّئ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْدَمَ عَلَيْنَا فَإِنَّا سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، وَإِنْ شِئْتَ، نَسِيرُ إِلَيْكَ؟ قَالَ خَالِدٌ: بَلْ أَنَا ظَاعِنٌ إِلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِبُزَاخَةَ، وَجَمَعَ لَهُ هُنَاكَ الْعَدُوُّ بَنُو أَسَدٍ وَغَطَفَانُ فَاقْتَتَلُوا، حَتَّى قُتِلَ مِنَ الْعَدُوِّ خَلْقٌ وَأُسِرَ مِنْهُمْ أُسَارَى، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِالْحُظُرِ [2] أَنْ تُبْنَى ثُمَّ أَوْقَدَ فِيهَا النِّيرَانَ وَأَلْقَى الْأُسَارَى فِيهَا، ثُمَّ ظَعَنَ يُرِيدُ طيِّئا، فَأَقْبَلَتْ بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ وَالنَّاسُ مُسْلِمِينَ مُقِرِّينَ بِأَدَاءِ الْحَقِّ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ خَالِدٌ.
وقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيُّ فِي رِجَالٍ مَعَهُ مِنْ تَمِيمٍ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَحْنُ رَاجِعُونَ، قَدْ أَقَرَّتِ الْعَرَبُ بِالَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، فَقَالَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: قد لعمري آذن لكم، وقد أجمع أَمِيرُكُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ بْنِ ثُمَامَةَ الْكَذَّابِ، وَلَا نَرَى أَنْ تَفَرَّقُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَسَنٍ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ فَارَقَ أَمِيرَهُ وَهُوَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَأَبَتِ الْأَنْصَارُ إِلَّا الرُّجُوعَ، وَعَزَمَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَنَدِمُوا وَقَالُوا: ما لكم وَاللَّهِ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِنْ أُصِيبَ هَذَا الطَّرَفُ وَقَدْ خَذَلْنَاهُمْ، فَأَسْرَعُوا نَحْوَ خَالِدٍ وَلَحِقُوا بِهِ، فَسَارَ إِلَى الْيَمَامةِ [3] ، وَكَانَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ [4] سَيِّدُ بَنِي حَنِيفَةَ خَرَجَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا يَطْلُبُ دِمَاءً فِي بَنِي عَامِرٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فقتل
__________
[1] راجع تاريخ الطبري 3/ 330.
[2] في تاريخ خليفة- ص 103 وسير أعلام النبلاء 1/ 372 «حظائر» .
[3] في نجد.
[4] في المنتقى لابن الملّا «فزارة» وهو وهم.

(3/31)


أَصْحَابَ مُجَّاعَةَ وَأَوْثَقَهُ [1] .
وَقَالَ الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ عَدِيٍّ، عَنْ وَحْشِيٍّ قَالَ: خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا طُلَيْحَةَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: لَا أَرْجِعُ حَتَّى آتِيَ مُسَيْلِمَةَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّمَا بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَسَارَ، ثُمَّ تَبِعَهُ ثَابِتٌ بَعْدَ يَوْمٍ فِي الْأَنْصَارِ.
[وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ حَرْبٍ مُجَلِّيَةٍ أَوْ حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا الْحَرْبُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟ قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ [2] وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَتُؤَدُّونَ مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا وَلَا نُؤَدِّي مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وتَشْهَدُونَ أَنَّ قتلانا في الجنّة وأن قتلاكم فِي النَّارِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا قَوْلُكَ «تَدُونَ قَتْلَانَا» فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا دِيَاتَ لَهُمْ. فَاتُّبِعَ عُمَرُ، وَقَالَ عُمَرُ فِي الْبَاقِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ] [3] .
مَقْتَلُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيِّ الْحَنْظَلِيِّ الْيَرْبُوعِيِّ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : أُتِيَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فِي رهط من
__________
[1] انظر: تاريخ خليفة- ص 107، وتاريخ الطبري 3/ 286- 289.
[2] الكراع: بضم الكاف، اسم لجميع الخيل. (النهاية لابن الأثير) .
[3] ما بين الحاصرتين في حاشية الأصل، ونسخة (ح) .
[4] الخبر في تاريخ خليفة- ص 105، وتاريخ الطبري 3/ 280، والأغاني لأبي الفرج 15/ 303، 304.

(3/32)


قَوْمِهِ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَسَارَ فِي أَرْضِ تَمِيمٍ، فَلَمَّا غَشَوْا قَوْمًا مِنْهُمْ أَخَذُوا السِّلَاحَ وَقَالُوا: نَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَقِيلَ لَهُمْ: ضَعُوا السِّلَاحَ، فَوَضَعُوهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمُسْلِمُونَ وَصَلَّوْا.
فَرَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَجَزِعَ لِذَلِكَ، ثُمَّ وَدَى مَالِكًا وَرَدَّ السَّبْيَ وَالْمَالَ [1] .
وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا كَانَ فَارِسًا شُجَاعًا مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ وَفِيهِ خُيَلَاءُ، كَانَ يُقَالُ لَهُ الْجَفُولُ [2] ، قدِم عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ فَوَلَّاهُ صَدَقَةَ قَوْمِهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، فَلَمَّا نَازَلَهُ خَالِدٌ قَالَ: أَنَا آتِي بِالصَّلَاةِ دُونَ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مَعًا؟ لَا تُقْبَلُ واحدة دون الأخرى! فَقَالَ: قَدْ كَانَ صَاحِبُكَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ خَالِدٌ: وَمَا تَرَاهُ لَكَ صَاحِبًا! وَاللَّهِ لَقَدْ هممت أن أضرب
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 105، الأغاني 14/ 64، سير أعلام النبلاء 1/ 376، 377، الكامل في التاريخ 2/ 359.
[2] قال المرزباني في «معجم الشعراء» - ص 432: كان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صدقات قومه، فلما بلغه وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم أمسك الصدقة وفرّقها في قومه، وجفّل إبل الصدقة فسمّي الجفول.
وانظر عنه:
الشعر والشعراء 1/ 254، الأغاني 15/ 298 وما بعدها، المؤتلف والمختلف 297، معجم الشعراء 432، جمهرة أنساب العرب 224، شرح شواهد المغني 2/ 568، الاستيعاب 3/ 1362، سمط اللآلئ 1/ 87، خزانة الأدب 1/ 236، طبقات فحول الشعراء 170، الكامل في الأدب 3/ 1242- 1244، سمط النجوم 2/ 351، سرح العيون 86، النقائض 2/ 782، الخيل لأبي عبيدة 11/ 12، شرح نهج البلاغة 2/ 58، حلية الفرسان 162، البيان والتبيين 3/ 24، المعمّرون 15، العقد الفريد 2/ 114، فصل المقال 171، مجمع الأمثال 2/ 24، عيون الأخيار 4/ 31، 32، الأشباه والنظائر 2/ 345، ثمار القلوب 24، والمحبّر 126، المعارف 267، الأخبار الموفّقيّات 629 رقم 421 و 630 رقم 423، تاريخ اليعقوبي 2/ 148، أسماء المغتالين 244، حور العين 131، ومالك ومتمّم ابنا نويرة اليربوعي- تأليف د. ابتسام مرهون الصفار- طبعة بغداد 1968، فوات الوفيات 3/ 233، 236، معجم الشعراء في لسان العرب 366، البدء والتاريخ للمطهر المقدسي 5/ 159.

(3/33)


عُنُقَكَ، ثُمَّ تَحَاوَرَا طَوِيلًا [1] فَصَمَّمَ عَلَى قَتْلِهِ: فَكَلَّمَهُ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عُمَرَ، فَكَرِهَ كَلَامَهُمَا، وَقَالَ لِضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَالْتَفَتَ مَالِكٌ إِلَى زَوْجَتِهِ وَقَالَ: هَذِهِ الَّتِي قَتَلَتْنِي، وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ، قَالَ خَالِدٌ: بَلِ اللَّهُ قَتَلَكَ بِرُجُوعِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ رَأْسَهُ أَحَدَ أَثَافِي قِدْرِ طَبْخٍ فِيهَا طَعَامٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ خَالِدٌ بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ أَبُو زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ مِنْ أَبْيَاتٍ:
قَضَى خَالِدٌ بَغْيًا عَلَيْهِ لِعُرْسِهِ ... وَكَانَ لَهُ فِيهَا هَوًى قبل ذلكا [2]
__________
[1] كذا في الأصل، ونسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا. وفي نسخة دار الكتب «قليلا» .
[2] قال الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في كتابه (نقد علميّ لكتاب الإسلام وأصول الحكم ص 33) .
أما محاورة مالك بن نويرة لخالد بن الوليد فهي نفس ما قام به الفريق الثاني من أهل حروب الرّدّة، وكان مالك بن نويرة من زعمائهم، ولعلّ ذلك سبب قتل خالد بن الوليد له، لأنّه رآه مثوّرا للعامّة ومغريا لهم- كما هو الشأن في حمل التّبعات على القادة والرؤساء- إذ العامّة أتباع كلّ ناعق، ومجرّد النّطق بالشهادتين مانع من القتل لأجل الكفر، وبقي القتل لأجل حقوق الإسلام، وقد ثبت القتل على الصلاة، وثبتت مقارنة الزّكاة للصلاة في آيات القرآن ... وكلمة الشهادة قد يسهل النّطق بها على من لم يعتقد الإسلام، فجعلت الصلاة والزكاة دليلا على صدق المسلم فيما نطق به ...
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله:
كان مالك بن نويرة قدم المدينة وأسلم، فاستعمله النّبيّ صلى الله عليه وسلّم على جباية زكاة قومه، ولذلك ذكره من ذكره في عداد الصّحابة، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلّم خان العهد والتحقق بسجاح المتنبّئة، وأبي دفع الزكاة مرارا وتكرارا عند مناقشته في ذلك، واجترأ أن يقول: صاحبكم يقول كذا، فمثل خالد رضوان الله عليه في صرامته وحزمه ضدّ أهل الرّدّة- وهو شاهد يرى ما لا يراه الغائب- إذا قسا على مثل مالك هذا، لا يعدّ أنه اقترف ذنبا، والقتل والسبي من أحكام الرّدّة.
وأمّا ما يحاك حول زواج خالد بامرأة مالك من الخيالات الشائنة فليس إلّا صنع يد الكذّابين، ولم يذكر منه شيء بسند متّصل فضلا عن أن يكون مرويا برجال ثقات. وتزوّج خالد المسبيّة بعد انقضاء عدّتها هو الواقع في الروايات عند ابن جرير وابن كثير وغيرهما، ولا غبار على ذلك، لأنّ مالكا إن قتل خطأ فقد انقضت عدّة امرأته ثمّ تزوّجت، وإن قتل عمدا على الرّدّة فقد انقضت عدّة امرأته أيضا فتزوّجت، فماذا في هذا؟!! ولو صحّت رواية قتله لمسلم بغير حقّ ونزوه على امرأته بدون نكاح لاستحال أن يبقيه أبو بكر رضوان الله عليه في قيادة الجيش لبعده رضي الله عنه عن الاعتضاد بفاجر سفّاك، ولسان سيرته يقول في كلّ موقف: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً 18: 51 ولما يعود من ذلك على الإسلام من سوء القالة في أخطر الأيام- أيام حرب الرّدّة- وقد

(3/34)


__________
[ () ] لقّب الوحي خالدا بلقب «سيف الله» تشريفا له، أفلا يكون من المحال أن يصف الوحي بهذا اللّقب سفّاكا فاجرا؟! وأمّا أداء الصّدّيق ديته من بيت المال فاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلّم فيما فعله في وقعة بني جذيمة تهدئة للخواطر وتسكينا للنفوس في أثناء ثورانها، مراعاة للأبعد في باب السياسة، وإنّما عابه على النّكاح في أثناء الحرب على خلاف تقاليد العرب. وأمّا ما يعزى إلى عمر رضي الله عنه من الكلمات القاسية في خالد، فيكفي في إثبات عدم صحّتها قول عمر عند عزله خالدا: (ما عزلتك عن ريبة) بل لو صحّ ذلك عنه لرماه بالجنادل وقتله رجما بالحجارة، لأنّ الإسلام لا يعرف المحاباة ...
ولا شكّ أنّ خالدا من أعاظم المجتهدين في علم تعبئة الجيوش وتدبير الحروب فلو تنزّلنا غاية التنزّل وقلنا إنّه أخطأ في قتله- وهو شاهد- وأصاب من استنكر عمله- وهو غائب- وجب الاعتراف بأنّ الإثم مرفوع عنه، وإليه يشير ما يروى عن أبي بكر أنّه قال: هبه يا عمر تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد. على أنّ خالدا أخذ في عمله بالظاهر الراجح فيكون غير متأوّل في الحقيقة، وليس في استطاعة أحد أن يسوق سندا واحدا صحيحا يصم خالدا بمخالفة الشرع في هذه المسألة، مع أنّ خبر الآحاد لا يفيد علما في مثل هذا الموضوع، وهذا المطلب علميّ يحتاج إلى دليل يفيد العلم.
وأمّا أسطورة التأثيف فغير ثابتة لأنّها من مقطوعات ابن شهاب الزّهريّ، ومراسيله شبه الريح عند يحيى بن سعيد القطّان وغيره، وسماع ابن عقبة منه ينفيه الحافظ الإسماعيل كما في (أحكام المراسيل) و (تهذيب التهذيب) . ويقول ابن معين في محمد بن فليح الراويّ عن ابن عقبة:
ليس بثقة، والزّبير بن بكّار الراويّ عنه كثير المناكير.
وخالد بطل عظيم من أبطال الإسلام، وقائد عبقريّ له مواقف عظيمة في سبيل الإسلام في مؤتة وبلاد اليمن والشام والعراق، وبه زال أهل الرّدّة من الوجود، فتصوير مثله بصورة رجل شهوانيّ سفّاح ممّا ينادى على مصوّرة بالويل والثبور.
ولا يخفى على القارئ الكريم مبلغ سعي أعداء الإسلام في كل دور، ووجوه تجدّد مكرهم في كلّ طبقة، فمن ألوان مكرهم في عهد تدوين الروايات اندساس أناس منهم بين نقلة الأخبار متلفعين بغير أزيائهم لترويج أكاذيب بينهم لتشويه سمعة الإسلام وسمعة القائمين بالدعوة إلى الإسلام، فراجت تلك الأخبار على نقلة لم يؤتوا بصيرة نافذة فخلّدوها في الكتب، لكنّ الله سبحانه أقام ببالغ فضله جهابذة تضع الموازين القسط لتعرف الأنباء الصّافية العيار من بهرج الأخبار، فأصبحت شئون الإسلام وأنباء الإسلام في حرز أمين من دسّ الدّساسين عند من يحذق وزنها بتلك الموازين.
ومن رجال كتب السّير محمد بن إسحاق، وقد كذّبه كثير من أهل النقد، ومن قوّاه اشترط في رواياته شروطا لا تتوفّر في مواضع الريبة من مروياته، وروايته زياد البكائي مختلف فيه، ضعّفه النّسائيّ، وتركه ابن المديني، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به، ومنهم هشام بن محمد الكلبيّ وأبوه، وهما معروفان بالكذب. ومنهم محمد بن عمر الواقديّ وقد كذّبه أناس، والذين وثّقوه لا ينكرون أنّ في رواياته كثيرا من الأخبار الكاذبة، لأنّه كان يروي عمّن هبّ ودبّ، والخبر لا يسلم ما لم يسلم سنده. ومنهم سيف بن عمر التميميّ، يقول عنه أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقديّ، وقال الحاكم: اتهم بالزّندقة وهو في الرواية ساقط، وقال ابن

(3/35)


وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي (كَامِلِهِ) [1] وَفِي (مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) [2] قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَظَهَرَتْ سَجَاحُ وَادَّعَتِ النُّبُوَّةَ صَالَحَهَا مَالِكٌ، وَلَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِدَّةٌ، وَأَقَامَ بِالْبِطَاحِ، فَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ سَارَ إِلَى مَالِكٍ وَبَثَّ سَرَايَاهُ فَأَتَى بِمَالِكٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِمًا ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ، لَأَرْجُمَنَّكَ، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ شَهِدَ أَنَّهُمْ أَذَّنُوا وَصَلُّوا.
وَقَالَ الْمُوَقَّرِيُّ [3] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَبَعَثَ خَالِدٌ إلى مالك بن نويرة
__________
[ () ] حبّان: قالوا إنّه كان يضع الحديث ويروي الموضوعات عن الأثبات. ومنهم موسى بن عقبة، وقد أثنوا عليه خيرا إلّا أنّ رواياته هي عن ابن شهاب الزهريّ، ويدّعي الحافظ الإسماعيلي أنّه لم يسمع منه شيئا، وابن شهاب الزهري تغلب عليه المراسيل في المغازي والسير، ومراسيله شبه الريح عند أهل النقد كما سبق. ومنهم محمد بن عائذ الدمشقيّ، يقول عنه أبو داود: هو كما شاء الله. وهذه نماذج من حملة الروايات في السير والمغازي، والتهم الموجّهة إلى بعضهم في باب الرواية تدعو الحريص على العلم الصحيح إلى إمعان النّظر فيما يكتب في السير. أهـ-.
وقال الدكتور عزّت علي عطيّة في مؤلّفه: (البدعة- تحديدها وموقف الإسلام منها- ص 67) :
من المعلوم أنّ الأخبار التاريخية يتسامح فيها بما لا يتسامح فيه فيما يتّصل بنقل السّنّة. انتهى-.
لذلك نرى الذهبيّ وغيره من المؤرّخين ينقلون في كتبهم التاريخية نصوصا غير محقّقة اعتمادا على ذكر السّند.
وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كلّ خبر بالبحث عن حال رواية. وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنّها هي تاريخنا، بل على أنّها مادّة غزيرة للدرس والبحث، يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذ تولّاه من يلاحظ مواطن القوّة والضّعف في هذه المراجع، وله من الا لمعيّة ما يستخلص به حقيقة ما وقع، ويجرّدها عمّا لم يقع مكتفيا بأصول الأخبار الصحيحة، مجرّدة عن الزّيادات الطارئة عليها، وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب. من حواشي الأستاذ محبّ الدين الخطيب على (العواصم من القواصم) .
وفي «لسان الميزان للحافظ ابن حجر» وغيره تفصيل سبب إيراد بعضهم كلّ ما ورد في الموضوع الّذي يدوّنونه، وذلك أنّهم يوردون السّند فيتركون للمطّلع معرفة الصّحيح من الملفّق للدخيل (انظر مقالات الكوثري ص 312 الطبعة الأولى) .
وانظر حول هذا الموضوع أيضا كتاب «أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ» ، للدكتور إبراهيم شعوط، وكتاب «مالك ومتمّم بن نويرة اليربوعي» للدكتورة ابتسام مرهون الصفّار.
[1] الكامل في التاريخ 2/ 358.
[2] أسد الغابة في معرفة الصحابة 4/ 295.
[3] في (تهذيب التهذيب 11/ 148) : يروي عن الزّهريّ عدّة أحاديث ليس لها أصول، روى عن الزهري أشياء موضوعة لم يروها الزهريّ قطّ. ونسب كلّ جرح إلى مصدره.

(3/36)


سَرِيَّةً فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَسَارُوا يَوْمَهُمْ سِرَاعًا حَتَّى انْتَهُوا إِلَى مَحَلَّةِ الْحَيِّ، فَخَرَجَ مَالِكٌ فِي رَهْطِهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَزَعَمَ أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْلِمُ، قَالَ: فَضَعِ السِّلَاحَ، فَوَضَعَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَمَّا وَضَعُوا السِّلَاحَ رَبَطَهُمْ أَمِيرُ تِلْكَ السَّرِيَّةِ وَانْطَلَقَ بِهِمْ أُسَارَى، وَسَارَ مَعَهُمُ السَّبْيُ حَتَّى أَتَوْا بِهِمْ خَالِدًا، فَحَدَّثَ أَبُو قَتَادَةَ خَالِدًا أَنَّ لَهُمْ أَمَانًا وَأَنَّهُمْ قَدِ ادَّعَوْا إِسْلَامًا، وَخَالَفَ أَبَا قَتَادَةَ جَمَاعَةُ السَّرِيَّةِ فَأَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمَانٌ، وَإِنَّمَا أُسِرُوا قَسْرًا [1] ، فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَقُتِلُوا وَقَبَضَ سَبْيَهُمْ، فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ فَرَسَهُ وَسَارَ قِبَلَ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ عَهْدٌ وَأَنَّهُ ادَّعَى إِسْلَامًا، وَإِنِّي نَهَيْتُ خَالِدًا فَتَرَكَ قَوْلِي وَأَخَذَ بِشَهَادَاتِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْغَنَائِمَ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، وَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ حَقًّا فَإِنَّ حَقًّا عَلَيْكَ أَنْ تُقَيِّدَهُ، فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ [2] .
وَمَضَى خَالِدٌ قِبَلَ الْيَمَامَةِ، وَقَدِمَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ فَأَنْشَدَ أَبَا بَكْرٍ مَنْدَبَةً نَدَبَ بِهَا أَخَاهُ، وَنَاشَدَهُ فِي دَمِ أَخِيهِ وَفِي سَبْيِهِمْ، فَرَدَّ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ السَّبْيَ، وَقَالَ لِعُمَرَ وَهُوَ يُنَاشِدُ فِي الْقَوَدِ: لَيْسَ عَلَى خَالِدٍ مَا تَقُولُ، هَبْهُ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ.
قُلْتُ وَمِنَ الْمَنْدَبَةِ:
وَكُنَّا كندماني جذيمنة [3] حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ [4] لَمْ نبت ليلة معا [5]
__________
[1] في (ع) (قهرا) بدل (قسرا) وكذلك في (ح) .
[2] انظر: تاريخ خليفة- ص 104، وتاريخ الطبري 3/ 278، والأغاني 15/ 301، والكامل في التاريخ 2/ 358، وسير أعلام النبلاء 1/ 377.
[3] ندمانا جذيمة: هما مالك وعقيل ابنا فارح بن كعب، نادما جذيمة، وكانا قد ردّا على ابن أخته عمرو بن عديّ فسألهما حاجتهما فسألاه منادمته، فكانا نديميه ثم قتلهما. (انظر حاشية رقم (4) من تاريخ خليفة- ص 105) .
[4] هكذا في الأصل والمصادر المختلفة، وفي المنتقى لابن الملّا «افتراق» وهو وهم.
[5] البيتان من جملة أبيات في: الطبقات الكبرى ج 3 ق 2/ 275، الكامل للمبرّد 3/ 242،

(3/37)


قِتَالُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: سَارَ بِنَا خَالِدٌ إِلَى الْيَمَامَةِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ بِمَجْمُوعَةٍ فَنَزَلُوا بِعَقْرَبَاءَ [1] فَحَلَّ بِهَا خَالِدٌ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ طَرَفُ الْيَمَامَةِ، وَجَعَلُوا الْأَمْوَالَ خَلْفَهَا كُلَّهَا وَرِيفَ الْيَمَامَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسَيْلِمَةَ [2] : يَا بَنِي حُنَيْفَةَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْغَيْرَةِ، الْيَوْمُ إِنْ هُزِمْتُمْ سَتُرْدَفُ الْنِّسَاءُ سَبِيَّاتٍ وَيُنْكَحْنَ غَيْرَ حَظِيَّاتٍ [3] ، فَقَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، فَاقْتَتَلُوا بِعَقْرَبَاءَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، وَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ وَفِيهِ مُجَّاعَةُ أَسِيرٌ، وَأُمُّ تَمِيمٍ امْرَأَةُ خَالِدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهَا فَقَالَ مُجَّاعَةُ: أَنَا لَهَا جَارٌ، وَدَفَعَ عَنْهَا، وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ رَأَى الْمُسْلِمِينَ مُدْبِرِينَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْمَلُونَ، وَكَرَّ الْمُسْلِمُونَ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَدَخَلَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ فَأَرَادُوا قَتْلَ مُجَّاعَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ تَمِيمٍ: وَاللَّهِ لَا يُقْتَلُ وَأَجَارَتْهُ. وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا عِنْدَ حَدِيقَةِ الْمَوْتِ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا، أَشَدَّ الْقِتَالِ. وَقَالَ مُحَكَّمُ بْنُ الطّفيل: يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة [4]
__________
[ () ] الشعر والشعراء 255، طبقات فحول الشعراء 173، أمالي اليزيدي 25، تاريخ خليفة 105، 106، الأغاني 15/ 308، حور العين للحميري 132، الكامل في التاريخ 2/ 360، البداية والنهاية 6/ 322.
وورد في حاشية الأصل، وفي متن النسخة (ح) بعد البيتين: «ومن الروايات ما يزعم أن مالك بن نويرة قاتل المسلمين برجاله، فقتل» .
[1] في النسخ كلها والمنتقى لابن الملا (بعفرا) فصححتها من تاريخ الطبري 3/ 297 ومعجم البلدان 4/ 135.
[2] في طبعة القدسي 3/ 32 «سلمة» ، والتصحيح من تاريخ الطبري 3/ 288 و 299، والكامل لابن الأثير 2/ 362.
[3] في تاريخ الطبري: «قبل أن تستردف النساء غير رضيّات، وينكحن غير خطيبات» (3/ 299) وانظر (3/ 288) والكامل لابن الأثير 2/ 362.
[4] محرّفة في الأصل. والتصحيح من جميع النسخ الأخرى، وتاريخ خليفة- ص 109.
والحديقة هي الحائط (الطبري 3/ 300) أو البستان المسوّر بالجدران. والبساتين كثيرة في قرى اليمامة.

(3/38)


فَإِنِّي سَأَمْنَعُ أَدْبَارَكُمْ، فَقَاتَلَ دُونَهُمْ سَاعَةً وَقُتِلَ، وَقَالَ مُسَيْلِمَةُ: يَا قَوْمُ قَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى قُتِلَ مُسَيْلِمَةُ.
وَحَدَّثَنِي مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ [1] .
وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَاتَلَ خَالِدٌ مُسَيْلِمَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ الْعَرَبِ عَدَدًا وَأَشَدُّهُ شَوْكَةً، فَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ، قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ بَحَرْبَةٍ [2] .
وَكَانَ يُقَالُ: قَتَلَ وَحْشِيٌّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَّ أَهْلِ الْأَرْضِ [3] .
وَعَنْ وَحْشِيٌّ قَالَ: لَمْ أَرَ قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَتَحَنَّطَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الصَّفَّ وَالنَّاسُ مُنْهَزِمُونَ فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا، فَضَارَبَ الْقَوْمَ ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ، مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُشْهِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] .
وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ثُمَّ تَحَصَّنَ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ سَتَّةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ فِي حِصْنِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ خَالِدٍ فَاسْتَحْيَاهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: وَعَمَدَتْ بَنُو حُنَيْفَةَ حِينَ انْهَزَمُوا إِلَى الْحُصُونِ فَدَخَلُوهَا، فَأَرَادَ خَالِدٌ أَنْ يُنْهِدَ إِلَيْهِمُ الْكَتَائِبَ، فلم
__________
[1] تاريخ خليفة 109، وتاريخ الطبري 3/ 288 و 299، والكامل لابن الأثير 2/ 362.
[2] عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رجلا يومئذ يصرح يقول: قتله العبد الأسود. (تاريخ خليفة 109، تاريخ الطبري 3/ 291) .
[3] كان وحشيّ يقول: «قتلت خير الناس في الجاهلية وشرّ الناس في الإسلام» . (أسد الغابة لابن الأثير 5/ 83) .
[4] في الحديث أنه كان مع سالم مولى أبي حذيفة فقالا: مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها، فقاتلا حتى قتلا. (مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 322) .

(3/39)


يَزَلْ مُجَّاعَةُ حَتَّى صَالَحَهُ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ، وَعَلَى نِصْفِ الرَّقِيقِ، وَعَلَى حَائِطٍ مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ، فَتَقَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ [1] .
وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ قَاتِلُوا وَلَا تُقَاضُوا خَالِدًا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ الْحِصْنَ حَصِينٌ، وَالطَّعَامُ كَثِيرٌ، وَقَدْ حَضَرَ النِّسَاءُ، فقال مجّاعة: لا تطيعوه فإنّه مشئوم. فَأَطَاعُوا مُجَّاعَةَ. ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ سَائِرُهُمْ [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، إِنَّ خَالِدًا قَالَ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، يَعْنِي الْعِشْرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ، وَأَوْثَقَهُ هُوَ فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ كَشَفَ النَّاسُ: لَا نَجَوْتُ بَعْدَ الرِّجَالِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [3] .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ أَبَا مريم الحنفي [4] قتل زيدا.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: رَمَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ مُحَكَّمَ الْيَمَامَةِ بْنَ طُفَيْلٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ [5] .
قُلْتُ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ مَتَى كَانَتْ: فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ [6] ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [7] : كَانَتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ.
قَالَ عَبْد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 298.
[2] تاريخ الطبري 3/ 299.
[3] تاريخ الطبري 3/ 290.
[4] هو القاضي. انظر الطبري 4/ 95، وتاريخ خليفة- ص 108.
[5] تاريخ الطبري 3/ 288، تاريخ خليفة- ص 109.
[6] لم يقل خليفة ما ذكره الذهبي، وإنّما ذكر حوادث الوقعة في السنة الحادية عشرة. (تاريخ خليفة 107 وما بعدها) .
[7] انظر تاريخه- ج 3/ 281 وما بعدها.

(3/40)


وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: كَانَتِ الْيَمَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، ومعن ابن عِيسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ مَبْدَأَ وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ قَانِعٍ، وَمُنْتَهَاهَا فِي أَوَائِلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَإِنَّهَا بَقِيَتْ أَيَّامًا لِمَكَانِ الْحِصَارِ. وَسَأُعِيدُ ذِكْرَهَا وَالشُّهَدَاءِ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ إن شاء الله.
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 111.

(3/41)


الْمُتَوَفَّوْنَ هَذِهِ السَّنَةَ
وَفَاةُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
كُنْيَتُهَا فِيمَا بَلَغَنَا أُمُّ أَبِيهَا [1] ، دَخَلَ بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ.
رَوَى عَنْهَا: ابْنُهَا الْحُسَيْنُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيْهَا فِي مَرَضِهِ.
وَقَالَتْ لِأَنَسٍ: كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تُحْثُوَا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. وَلَهَا مَنَاقِبُ مَشْهُورَةٌ وَلَقَدْ جَمَعَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ [2] . وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ زَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَانْقَطَعَ نَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْهَا، لأنّ أمامة
__________
[1] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لابن المغازلي- ص 213 رقم 392 من طريق كثير بن يزيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وذيل المذيّل للطبري 499.
[2] في المستدرك على الصحيحين 3/ 151 وما بعدها.

(3/43)


بِنْتَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ تَزَوَّجَتْ بِعَلِيٍّ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَجَاءَهَا مِنْهُمَا أَوْلَادٌ.
قَالَ الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ [1] : انْقَرَضَ عَقِبُ زَيْنَبَ.
وَصَحَّ عَنِ الْمِسْوَرِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» [2] . وَفِي فَاطِمَةَ وَزَوْجِهَا وَبَنِيهَا نَزَلَتْ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 33: 33 [3] فَجَلَّلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِسَاءٍ وَقَالَ:
«اللَّهمّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» [4] . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ [5] ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قِيلَ لَهَا: أي الناس كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَمِنَ الرِّجَالِ زَوْجُهَا، وَإِنْ كَانَ ما علمت قوّاما.
__________
[1] نسب قريش- ص 22.
[2] أخرجه البخاري في النكاح 6/ 158 باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغير والإنصاف، وأبو داود في النكاح 2/ 226 رقم 2071 باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والترمذي في المناقب 5/ 359 رقم 3959 باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، وأحمد في المسند 4/ 328، وانظر مناقب علي لابن المغازلي 235 و 236 رقم 428 و 429.
[3] سورة الأحزاب- الآية 33.
[4] رواه الترمذي في المناقب 5/ 361 رقم 3963 باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، من طريق سفيان، عن زبيد، عن شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلّل على الحسن والحسين وعليّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بيتي وحامتي، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله! قال: «إنّك على خير» . وهو حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
[5] في المناقب 5/ 362 رقم (3965) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، رواه عن حسين بن يزيد الكوفي، عن عبد السلام بن حرب، عن أبي الجحّاف، عن جميع بن عمير التيميّ قال: دخلت مع عمّتي على عائشة فسئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟
قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، قالت: زوجها، إن كان ما علمت صوّاما قوّاما» .
هذا حديث حسن غريب.

(3/44)


وَفِي التِّرْمِذِيِّ [1] ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا: «أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ» . وَقَدْ أَخْبَرَهَا أَبُوهَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي مَرَضِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَخَلَّفَتْ مِنَ الْأَوْلَادِ: الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ، وَزَيْنَبَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ. فَأَمَّا زَيْنَبُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهَ وَوَلَدَتْ لَهُ عَوْنًا وَعَلِيًّا. وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ فَمَاتَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا أَخُوهُ [2] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ. قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أبي البختري قال: قَالَ عَلِيٌّ لِأُمِّهِ: اكْفِي فَاطِمَةَ الْخِدْمَةَ خَارِجًا، وَتَكْفِيكِ الْعَمَلَ فِي الْبَيْتِ: الْعَجْنَ وَالْخَبْزَ وَالطَّحْنَ. أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ، عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ فَاطِمَةَ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَقَالَ لَهَا: «كَيْفَ تَجِدِينَكِ» ؟ قَالَتْ: إِنِّي وَجِعَةٌ وإنّه ليزيدني أنّي ما لي طَعَامٌ آكُلُهُ، قَالَ: «يَا بُنَيَّةَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ الْعَالَمِينَ» ، قَالَتْ: فَأَيْنَ مَرْيَمُ؟ قَالَ: «تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ [3] ، وَأَيْضًا فقد سقط بين كثير وعمران رجل.
__________
[1] في المناقب 5/ 360 رقم (3962) ولفظه: «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم» وقال:
هذا حديث غريب إنّما نعرفه من هذا الوجه.
[2] في (ع) ومنتقى أحمد الثالث: أخوهما.
[3] الحديث ضعيف كما قال الحافظ، ولكن يقوّيه ما في صحيح البخاري 4/ 183 في المناقب، من حديث السيدة عائشة، قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة. ونساء المؤمنين ... » .

(3/45)


وَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ، وَآسِيَةُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [1] . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ [2] عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: (خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ) [3] وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ [4] ) وَذَكَرَهُنَّ. وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا كَمَا كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ، وَقَدْ شَبَّهَتْ عَائِشَةُ مِشْيَتَهَا بِمِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] . وَقَدْ كَانَتْ وَجَدَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ طَلَبَتْ سَهْمَهَا مِنْ فَدَكٍ، فَقَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ما تركنا صدقة» [6] .
__________
[1] ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 160 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 376.
[2] هكذا في النسخ، وفي نسخة دار الكتب «البخاري» .
[3] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 154 وقال: تفرّد مسلم بإخراج حديث أبي موسى، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 377.
[4] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 158 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، فإنّ قوله صلى الله عليه وسلّم: «حسبك من نساء العالمين يسوي بين نساء الدنيا» .
[5] رواه أبو داود في الأدب 4/ 355 رقم (5217) باب ما جاء في القيام، والترمذي في المناقب 5/ 361، 362 رقم (3964) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، والحاكم في المستدرك 3/ 154 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أيضا في ج 3/ 160، وابن سعد في الطبقات 8/ 26، 27.
[6] مرّ تخريج هذا الحديث في الصفحة 21، وانظر طبقات ابن سعد 8/ 28.

(3/46)


وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنِ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ، فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَتْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ إِلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، إِنَّ فَاطِمَةَ عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَتْ لَيْلًا [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [2] : هَذَا أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ: وَصَلَّى عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ [3] .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ: مَاتَتْ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [4] أَوْ نَحْوِهَا، وَدُفِنَتْ لَيْلًا.
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الْحَارِثِ قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ تُذَوِّبُ [5] .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ [6] . وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيُّ أَنَّهَا توفيت بعده بثلاثة أشهر [7] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 28 و 29.
[2] ابن سعد 8/ 28، والحاكم في المستدرك 3/ 162، والطبري في الذيل 498.
[3] ابن سعد 8/ 29.
[4] وقيل: وهي ابنة تسع وعشرين. (المستدرك 3/ 162) وابن سعد 8/ 28، وذيل المذيّل للطبري 498.
[5] من الحزن.
[6] الحاكم في المستدرك 3/ 162.
[7] ابن سعد في الطبقات 8/ 28، وذيل المذيّل للطبري 498.

(3/47)


وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِيهَا شَهْرَانِ. وَهَذَا غَرِيبٌ [1] .
قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ سِنَّهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، كَانَ مَوْلِدُهَا وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ، وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ. قَالَ قُتَيْبَةُ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ، وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ: يُطْرَحُ على المرأة الثّوب فيصفها، فقالت: يا بنت رَسُولِ اللَّهِ أَلَا أُرِيَكِ شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِالْحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بُجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَحَنَّتْهَا ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِينِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ، وَلَا يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ أَحَدٌ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءَتْ عَائِشَةُ [2] تَدْخُلُ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لَا تَدْخُلِي، فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي، قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ [3] : فَهِيَ أَوَّلُ مَنْ غَطَّى نَعْشَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.
وَفَاةُ أُمِّ أَيْمَنَ
مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاضِنَتِهِ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهَا بَرَكَةُ، مِنْ كِبَارِ الْمُهَاجِرَاتِ، وَقَدْ زَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهَا أبو بكر: أتبكين! ما عند الله
__________
[1] رواه الحاكم في المستدرك 3/ 163.
[2] «عائشة» ساقطة من منتقى أحمد الثالث.
[3] في الاستيعاب 4/ 378، 379.

(3/48)


خَيْرٌ لِرَسُولِهِ. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي لِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَبْكِي لِأَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ عَنَّا مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا، عَلَى الْبُكَاءِ [1] .
تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ [2] . وَهِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
وَمِنْ مَنَاقِبِ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَمْسَتْ بِدُونِ الرَّوْحَاءِ [3] فَعَطِشَتْ وَلَيْسَ مَعَهَا مَاءٌ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ دَلْوٌ فَشَرِبَتْ، فَكَانَتْ تَقُولُ: ما عطشت بعدها، عطشت وَلَقَدْ تَعَرَّضْتُ لِلْعَطَشِ فَأَصُومُ فِي الْهَوَاجِرِ فَمَا عَطِشْتُ [4] .
وَعَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ قَالَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «سَبَّتَ» اللَّهُ أَقْدَامَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْكُتِي يَا أُمَّ أَيْمَنَ فَإِنَّكِ عَثْرَاءُ اللِّسَانِ» [5] . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا بَقِيَتْ إِلَى أَوَّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ [6] .
(وَفَاةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) قِيلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَدِيمًا، لَكِنْ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِمَشْهَدٍ، جُرِحَ يَوْمَ الطَّائِفِ، رَمَاهُ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِيُّ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَأَلَّمُ مِنْهُ، ثمّ اندمل الجرح، ثمّ إنّه انتقض عَلَيْهِ. وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عُمَرُ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَخُوهُ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جرير وغيره [7] . وقيل هو
__________
[1] رواه مسلم في فضائل الصحابة (2454) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنهما، وابن ماجة في الجنائز 1/ 524 رقم 1635، وابن سعد في الطبقات 8/ 226، وابن الأثير في أسد الغابة 5/ 567، وأبو نعيم في الحلية 2/ 68.
[2] أسد الغابة 5/ 568.
[3] الرّوحاء: بين المدينة ومكة، من عمل الفرع. (معجم البلدان 3/ 76) .
[4] حلية الأولياء 2/ 67.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 225 وفيه «عسراء اللّسان» .
[6] طبقات ابن سعد 8/ 229 وكذا قال مصعب بن عبد الله. انظر المستدرك للحاكم 4/ 64.
[7] تاريخ الرسل والملوك 3/ 241، وتاريخ خليفة- ص 117 وانظر عنه: نسب قريش- ص 277، وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 261، وثمار القلوب للثعالبي 88 و 294، والمعرفة

(3/49)


الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِالطَّعَامِ وَبِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ إِلَى الْغَارِ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ.
عُكَّاشَةُ [1] بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ
أَبُو مِحْصَنٍ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ فِي حَدِيثِ «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» وَهُوَ أَيْضًا بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرِيَّةِ الْغَمْرِ [2] فَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا.
وَيُرْوَى عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُكَّاشَةُ ابْنُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ بِبُزَاخَةَ [3] فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ.
__________
[ () ] والتاريخ للفسوي 2/ 117، والمعارف لابن قتيبة 172، 173، والاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 874، 875 رقم 1484، والتاريخ الكبير للبخاريّ 5/ 2 رقم 2، وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 199، وتهذيب الأسماء للنووي ق 1 ج 1/ 262 رقم 289، والبداية والنهاية لابن كثير 6/ 338، والوافي بالوفيات للصفدي 17/ 85 رقم 72، والإصابة لابن حجر 2/ 283، 284 رقم 4528، وعيون التواريخ للكتبي 1/ 497.
[1] عكّاشة: بضمّ العين وتخفيف الكاف، وقيل بتشديدها. انظر عنه: طبقات ابن سعد 3/ 92، وطبقات خليفة 35، وتاريخ خليفة 102، 103، والتاريخ الكبير 7/ 86، والتاريخ الصغير 1/ 34، والمعارف 273، 274، والمحبّر 86 و 87 و 122، وأنساب الأشراف 1/ 301 و 308 و 372 و 376، والجرح والتعديل 7/ 39، رقم 210 ومشاهير علماء الأمصار 16 رقم 50، وربيع الأبرار 4/ 202، وفتوح البلدان 1/ 114، 115، وحلية الأولياء 2/ 12، 13 رقم 102، والاستيعاب 8/ 112، وأسد الغابة 4/ 67، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 338، والعبر 1/ 13، وسير أعلام النبلاء 1/ 307، 308 رقم 60، ومجمع الزوائد 9/ 304، والعقد الثمين 6/ 116، 117، والإصابة 7/ 32، وشذرات الذهب 1/ 36، والبدء والتاريخ 5/ 104.
[2] كذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 307 وفي أنساب الأشراف 1/ 376 «غمر مرزوق:
على ليلتين من فيد» . وفي معجم البلدان 4/ 212 «الغمرة» ، وكذا في سيرة ابن هشام 2/ 612 قال ياقوت: وهو منهل من مناهل طريق مكة، ومنزل من منازلها. وهو فصل ما بين تهامة ونجد. وقال ابن الفقيه: غمرة من أعمال المدينة، على طريق نجد، أغزاها النبيّ صلى الله عليه وسلّم، عكاشة بن محصن، في أربعين رجلا فذهبوا إلى الغمر، فعلم القوم بمجيئه فهربوا، ونزل على مياههم وأرسل عيونه، فعرفوا مكان ماشيتهم فغزاها، فوجد مائتي بعير، فساقها إلى المدينة.
[3] قال الحاكم في المستدرك 3/ 228: وبزاخة: ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصّدّيق مع طليحة بن خويلد الأسدي.

(3/50)


كَذَا رُوِيَ أَنَّ بُزَاخَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ. قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ الَأسَدِيُّ [1] . وَقَدْ أَبْلَى عُكَّاشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ بَلَاءً حَسَنًا، وَانْكَسَرَ فِي يَدِهِ سَيْفٌ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْجُونًا أَوْ عُودًا فَعَادَ سَيْفًا، فَقَاتَلَ بِهِ، ثُمَّ شَهِدَ بِهِ الْمَشَاهِدِ [2] .
رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ [3] وَابْنُ عَبَّاسٍ.
ثَابِتُ [4] بْنُ أَقْرَمَ [5]
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ، وَبَنُو الْعَجْلَانِ حُلَفَاءُ بَنِي زَيْدِ [6] بْنِ مَالِكِ [7] بْنِ عَوْفٍ. شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، سَيَّرَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ عُكَّاشَةَ طَلِيعَةً عَلَى فَرَسَيْنِ، فَقَتَلَهُمَا طُلَيْحَةُ وأخوه. وذكر
__________
[1] في طبقات ابن سعد 3/ 92، 93 عن الواقدي: «وأقبل خالد بن الوليد ومعه المسلمون فلم يرعهم إلا ثابت بن أقرم قتيلا تطؤه المطيّ، فعظم ذلك على المسلمين، ثم لم يسيروا إلّا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا، فثقل القوم على المطيّ، كما وصف واصفهم، حتى ما تكاد المطيّ ترفع أخفافها» . «فوقفنا عليهما حتى طلع خالد يسيرا فأمرنا فحفرنا لهما ودفنّاهما بدمائهما وثيابهما، ولقد وجدنا بعكاشة جراحات منكرة» .
[2] رواه ابن هشام في السيرة 1/ 637، بدون سند. وابن كثير في السيرة 2/ 447 وقال: روى البيهقي، عن الحاكم، من طريق محمد بن عمر الواقدي، حدّثني عمر بن عثمان الخشنيّ، عن أبيه، عن عمّته، قال عكاشة: «انْقَطَعَ سَيْفِي يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُودًا فَإِذَا هُوَ سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك» .
والخبر ضعيف لضعف الواقدي.
[3] في المنتقى، نسخة أحمد الثالث «الزهري» بدل «أبو هريرة» وهو وهم.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 466، 467، والجرح والتعديل 2/ 448 رقم 1803، والمعرفة والتاريخ 3/ 257، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 365- 367، وفتوح البلدان 1/ 114، 115، وتاريخ خليفة 102، 103، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 139، وعيون التواريخ 1/ 495، وجمهرة أنساب العرب 443، وتاريخ الطبري 2/ 640 و 3/ 40 و 254، والاستيعاب 1/ 74، وأسد الغابة 1/ 220، والوافي بالوفيات 10/ 453 رقم 4940، والإصابة 1/ 190 رقم 872.
[5] في المنتقى لابن الملّا، والسيرة الحلبية، وتهذيب الأسماء 1/ 139 رقم 91 «أرقم بدل «أقرم» وهو تحريف.
[6] في نسخة دار الكتب «يزيد» وهو وهم.
[7] كذا في الأصل. وفي الأنساب، وعجالة المبتدي، ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب:
«زيد بن غنم بن سالم بن عوف» .

(3/51)


الْوَاقِدِيُّ أَنَّ قَتْلَهُمَا كَانَ يَوْمَ بُزَاخَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، كَذَا قَالَ [1] . وَكَانَ ثَابِتٌ مِنْ سَادَةِ الْأَنْصَارِ.
الْوَلِيدُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ [2] بن المغيرة المخزوميّ
أخو أبي عُبَيْدَةَ، قُتِلَا بِالْبُطَاحِ [3] مَعَ عَمِّهِمَا خَالِدٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَبُوهُمَا هُوَ الَّذِي سَارَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَقِصَّتُهُ مشهورة. تأخّرت وفاته [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 467.
[2] الاستيعاب 3/ 637، وأسد الغابة 5/ 92، والإصابة 3/ 638، 639 رقم 9148، نسب قريش. 33.
[3] البطاح: بضم الباء. ماء في ديار بني أسد.
[4] كتب في حاشية الأصل هنا: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، في الميعاد الثالث عشر، وللَّه الحمد» .

(3/52)


سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
فِي أَوَائِلِهَا- عَلَى الْأَشْهَرِ- وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ، وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَرَأْسُ الْكُفْرِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ. وَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ
[1] بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ. قِيلَ اسْمُهُ مَهْشَم [2] ، أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ، وشهد بدرا وما بعدها، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ إِلَى الْحَبَشَةِ [3] ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ- الَّذِي حَرَّضَ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى قِتَالِ عُثْمَانَ- مِنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو.
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: دَعَا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَاهُ إِلَى الْبِرَازِ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، وهي والدة معاوية:
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 84، 85، تاريخ خليفة 111، المعارف 272، الاستيعاب 4/ 39، 40، أسد الغابة 6/ 70- 72، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 212، العبر 1/ 14، سير أعلام النبلاء 1/ 164- 167 رقم 13، العقد الثمين 3/ 295، الإصابة 4/ 42، 43 رقم 264.
[2] وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس.
[3] في سير أعلام النبلاء 1/ 165 «هاجر إلى الحبشة مرتين» .

(3/53)


الْأَحْوَلُ الْأَثْعَلُ الْمَلْعُونُ [1] طَائِرُهُ ... أَبُو حُذَيْفَةَ شَرُّ النَّاسِ فِي الدِّينِ
أَمَا شَكَرْتَ أَبًا رَبَّاكَ مِنْ [2] صِغَرٍ ... حَتَّى شَبَبْتَ شَبَابًا غَيْرَ مَحْجُونِ [3]
قال: وكان أبو حذيفة طويلا، حسن الوجه، مرادف الأسنان- وهو «الأثعل» - وكان أحول، وقتل يوم اليمامة وله ثلاث وخمسون سنة، رضي الله عنه [4] .
سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ [5] ابْنِ عُتْبةَ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: هُوَ سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ، أَصْلُهُ مِنْ إِصْطَخْرَ، وَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ. وَإِنَّمَا أَعْتَقَتْهُ ثُبَيْتَةُ [6] بِنْتُ يَعَارَ [7] الْأَنْصَارِيَّةُ زَوْجَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ فقالت: سالم معي، وقد أدرك ما
__________
[1] في طبقات ابن سعد 3/ 85، وأسد الغابة 6/ 71 «المشئوم» وفي سير أعلام النبلاء 1/ 166 «المذموم» .
[2] في المنتقى نسخة أحمد الثالث، ونسخة دار الكتب «في» .
[3] المحجون: من حجن يحجنه حجنا. عطفه. والمحجن: العصا المعوجّة.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 85.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 85- 88، والتاريخ الكبير 4/ 107 رقم 2131، والتاريخ الصغير 1/ 38، 40، والمعارف 273، ومشاهير علماء الأمصار 23 رقم 101، وجمهرة أنساب العرب 77، والمحبّر 71، 72 و 288 و 418، وأنساب الأشراف 1/ 224 و 239 و 258 و 264 و 270 و 297 و 469، والمعرفة والتاريخ 2/ 538 و 3/ 367، والاستبصار 294- 296، وحلية الأولياء 1/ 176- 178 رقم 29، والاستيعاب 4/ 101- 104، وأسد الغابة 2/ 307- 309، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 206، 207 رقم 195، وعيون التواريخ 1/ 496، والوافي بالوفيات 15/ 91 رقم 122، الإصابة 2/ 6- 8 رقم 3052.
[6] ويقال بثينة. (الإصابة 2/ 6) وكذا في النسخ الخطّيّة لعيون التواريخ 1/ 496 حاشية رقم 2.
[7] قيل «يعار» ، وقيل «تعار» . (أسد الغابة) .

(3/54)


يُدْرِكُ الرِّجَالُ، فَقَالَ: «أَرْضِعِيهِ فَإِذَا أَرْضَعْتِيهِ [1] فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْكِ مَا يَحْرُمُ مِنْ ذِي الْمَحْرَمِ» ، فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَبَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الرَّضَاعِ، وَقُلْنَ: إِنَّمَا هَذَا رُخْصَةٌ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً [2] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَثَّنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ:
كَانَ سَالِمُ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ بِقُبَاءٍ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] .
وَقَالَ حنظلة بن أبي سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَبْطَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: مَا حَبَسَكِ؟ قُلْتُ: إِنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَأَحْسَنَ مَنْ سَمِعْتُ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَخَرَجَ يَسْمَعُهُ، فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذيْفَةَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَكَ [5] » . إِسْنَادُهُ قويّ.
__________
[1] كذا في الأصل بإثبات الياء، والأصح بحذفها.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 87 ورجاله ثقات، لكنه مرسل، ورواه أحمد في المسند 6/ 201 بسند متّصل، ومسلم (1453/ 28) في الرضاع، باب رضاعة الكبير، والنسائي في النكاح 6/ 105 باب رضاع الكبير، من طريق ابن جريج، أخبرنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن عائشة، وأخرجه مسلم (1453) والنسائي 6/ 104، وابن ماجة (1943) من طريق سفيان بن عيينة، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، وأخرجه أحمد 6/ 228، وأبو داود (2061) في النكاح، باب من حرم به، وعبد الرزّاق في «المصنّف» رقم 13886 و 13887 من طريق ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة. وأخرجه مالك في الموطّأ- ص 375 في الرضاع، من طريق الزهري، عن عروة، عن أبي حذيفة.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 87.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 87 والواقديّ متروك.
[5] رجاله ثقات، وإسناده صحيح. أخرجه أحمد في المسند 6/ 165، وأبو نعيم في الحلية

(3/55)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ نَزَلُوا بِالْعُصْبَةِ إِلَى جَنْبِ قُبَاءٍ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ [1] .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ [2] .
فِي «مُسْنَدِ أَحْمَدَ» : نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ [3] : أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَائْتَمَنَكَ النَّاسُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَائْتَمَنَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا [4] ، وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ السّنّة، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ ثُمَّ جَعَلْتُ إِلَيْهِ الْأَمْرَ فَوَثِقْتُ [5] بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجرّاح [6] .
__________
[1] / 371، والحاكم في المستدرك 3/ 226 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه. ورواه ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 308، وابن حجر في الإصابة 2/ 7 من طريق ابن المبارك.
[1] أخرجه البخاري في الأذان، رقم (692) باب إمامة العبد والمولى، و (7175) في الأحكام، باب استقصاء الموالي واستعمالهم، وأبو نعيم في الحلية 1/ 177، وابن سعد في الطبقات 3/ 87، 88.
وقد استشكل ذكر أبي بكر في الرواية الثانية للبخاريّ، وأجاب البيهقي باستمرار إمامته حتى قدم أبو بكر فأمّهم أيضا.
[2] ذكره الحافظ في سير أعلام النبلاء 1/ 169 وقال: «هذا منقطع» .
[3] «زيد» ساقطة من نسخة (ح) .
[4] هكذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 170، وفي نسخة دار الكتب «شديدا» .
[5] هكذا في الأصل، وفي نسخة (ح) ، ونسخة دار الكتب، والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وسير أعلام النبلاء 1/ 170 «لوثقت» .
[6] مسند أحمد 1/ 20 وإسناده ضعيف لضعف عليّ بن زيد بن جدعان. إذ قال الذهبي في السير: «علي بن زيد ليّن، فإن صحّ هذا، فهو دالّ على جلالة هذين في نفس عمر، وذلك على أنه لا يجوّز الإمامة في غير القرشيّ، والله أعلم» .

(3/56)


وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «استقرءوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» [1] . وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحفر لِنَفْسِهِ حُفْرَةً، فَقَامَ فِيهَا وَمَعَهُ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ [2] .
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [3] بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: إِنَّ سَالِمًا بَاعَ عُمَرَ مِيرَاثَهُ [4] ، فَبَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهَا أُمَّهُ فَقَالَ: كُلِيهَا [5] .
وَقَالَ غَيْرُهُ: وُجِدَ سَالِمٌ وَمَوْلَاهُ رَأْسُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ رِجْلَيِ الْآخَرِ صَرِيعَيْنِ [6] .
وَقَدْ شَهِدَ سَالِمٌ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ.
شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ
[7] بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ أَبُو وهب، مهاجريّ بدريّ.
__________
[1] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 218 مناقب سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، وباب مناقب عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفي مناقب الأنصار 4/ 228 باب مناقب معاذ بن جبل رضي الله عنه، ومسلم، 4/ 1914 رقم 118 في فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمّه، رضي الله تعالى عنهما، وأحمد في المسند 2/ 189 و 195.
[2] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 88 والواقديّ متروك.
[3] في نسخة (ح) «عبيد الله» وهو خطأ، والتصحيح من الأصل، وطبقات ابن سعد.
[4] في نسخة دار الكتب «ميزانه» وهو تصحيف.
[5] رواه ابن سعد 3/ 88.
[6] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 225، وابن سعد في الطبقات 3/ 88 وفيه الواقديّ.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 94، 95، تاريخ خليفة 79 و 98 و 111، أنساب الاشراف 1/ 200، الجرح والتعديل 4/ 378، أسد الغابة 3/ 386، المحبّر 72 و 76، الوافي بالوفيات 16/ 116، 117 رقم 127، العقد الثمين 5/ 5، الإصابة 2/ 138 رقم 3841.

(3/57)


كَانَ رَجُلًا طِوَالًا نَحِيفًا أَجْنًى [1] ، وَقَدْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، يُقَالُ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسِ بْنِ خَوْلِيٍّ [2] .
وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرِيَّةٍ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً [3] .
وَكَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ الْغَسَّانِيِّ، بِدِمَشْقٍ بِالْغُوطَةِ، فَلَمْ يُسْلِمْ، وَأَسْلَمَ حَاجِبُهُ مُرَيٌّ [4] .
وَشَهِدَ شُجَاعٌ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ عَنْ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً [5] .
وَكَانَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ.
زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ [6] م د
ابْنُ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ [7] الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ الرحمن. كان أسنّ من عمر،
__________
[1] هكذا في الأصل، ولغة في المهموز «أجنأ» كما في طبقات ابن سعد، أي في ظهره أو عنقه ميل. (النهاية لابن الأثير، والقاموس المحيط للفيروزآبادي) .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 94 عن الواقدي.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 94.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 94.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 95.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 376- 378، نسب قريش 347، 348، طبقات خليفة 22، تاريخ خليفة 108 و 112، التاريخ الصغير 1/ 34، تاريخ الطبري 3/ 290، الجرح والتعديل 3/ 562 رقم 2539، جمهرة أنساب العرب 151 و 311، الأخبار الموفقيات 600، مشاهير علماء الأمصار 11 رقم 27، أنساب الأشراف 1/ 57 و 308، المحبّر 73 و 403، حلية الأولياء 1/ 367، 368 رقم 73، الاستيعاب 2/ 550 رقم 846، أسد الغابة 2/ 285، 286، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 203، 204، تهذيب الكمال 1/ 456، العبر 1/ 14، الكاشف 1/ 266 رقم 1752، سير أعلام النبلاء 1/ 297- 299 رقم 57، العقد الثمين 4/ 473- 476، الوافي بالوفيات 15/ 39، 40 رقم 40، تهذيب التهذيب 3/ 411، الإصابة 4/ 52، خلاصة تذهيب الكمال 128، عيون التواريخ 1/ 495.
[7] ما بين الحاصرتين زيادة من المنتقى. نسخة أحمد الثالث.

(3/58)


وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ. وَكَانَ طَوِيلًا بِمِرَّةٍ [1] ، أَسْمَرَ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ.
قَالَ لَهُ عُمَرُ يَوْمَ أُحُدٍ [2] . خُذْ دِرْعِي، قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ كَمَا تُرِيدُ، فَتَرَكَاهَا [3] .
وَكَانَ لَهُ مِنْ لُبَابَةَ بِنْتِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَلَدٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [4] .
وَقِيلَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ زَيْدٍ وَمَعْنِ بْنِ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيِّ، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ [5] .
وَقَدْ رَوَى عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» . الْحَدِيثَ [6] .
وَجَاءَ أَنَّ رَايَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ كَانَتْ مَعَ زَيْدٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَقَدَّمُ بِهَا فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَأَخَذَهَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. وَكَانَ زَيْدٌ يَقُولُ وَيَصِيحُ: اللَّهمّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ فِرَارِ أَصْحَابِي وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ به مسيلمة ومحكّم بن الطّفيل [7] .
__________
[1] في طبقات ابن سعد 3/ 377 «طويلا بائن الطول» ، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 298 «أسمر طويلا جدا» .
[2] هكذا في الأصل، وطبقات ابن سعد 3/ 378، والمنتقى نسخة أحمد الثالث، وفي نسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا، وسير أعلام النبلاء 1/ 298 «يوم بدر» ، وكذا في متن النسخة (ح) «بدر» وفي الحاشية «أحد» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 378، وسير أعلام النبلاء 1/ 298.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 377.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 377، سير أعلام النبلاء 1/ 298.
[6] رواه أحمد في المسند 4/ 36 وفيه «يزيد» بدل «زيد» وهو وهم، والحديث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حجّة الوداع: «أرقّاءكم أرقّاءكم أطعموهم ممّا تأكلون واكسوهم ممّا تلبسون، فإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذّبوهم» . ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 377.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 377.

(3/59)


وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عن ابن أبي عَوْنٍ قَالَ:
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونَ قَالَا: قَالَ عُمَرُ لِمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ: مَا أَشَدَّ مَا لَقِيتَ عَلَى أَخِيكَ مِنَ الْحُزْنِ؟ فَقَالَ: كَانَتْ عَيْنِي هَذِهِ قَدْ ذَهَبَتْ، فَبَكَيْتُ بِالصَّحِيحَةِ حَتَّى أَسْعَدَتْهَا الذَّاهِبَةُ وَجَرَتْ بِالدَّمْعِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحُزْنٌ شَدِيدٌ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ زَيْدَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنِّي لَوْ كُنْتُ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَقُولَ الشِّعْرَ لَبَكَيْتُهُ كَمَا بَكَيْتَ أَخَاكَ، فَقَالَ: لَوْ قُتِلَ أَخِي يَوْمَ الْيَمَامَةِ كَمَا قُتِلَ زَيْدٌ ما بكيته أبدا، فأبصر [1] عمرو وَتَعَزَّى عَنْ أَخِيهِ، وَكَانَ قَدْ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ الصَّبَا لَتَهُبُّ فَتَأْتِينِي بِرِيحِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَوْنٍ: مَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مِنَ الشِّعْرِ وَلَا بَيْتًا وَاحِدًا [2] .
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَسْلَمَ قَبْلِي وَاسْتُشْهِدَ قَبْلِي [3] .
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ، وَابْنُ عُمَرَ، لَهُ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ [4] .
حَزْنُ بْنُ أَبِي وَهْبِ
[5] بن عمرو [6]
__________
[1] كذا في النسخة (ح) ، والأصل، وطبقات ابن سعد 3/ 378، والمنتقى نسخة أحمد الثالث وفي نسخة دار الكتب «فصبر» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 378.
[3] سير أعلام النبلاء 1/ 298.
[4] أخرجه أحمد في المسند 3/ 452، والبخاري في بدء الخلق، باب قوله تعالى: وَبَثَّ فِيها من كُلِّ دَابَّةٍ 2: 164، ومسلم في السلام (2233) باب قتل الحيّات وغيرها، وأبو داود في الأدب (5252) باب في قتل الحيّات، والترمذي في الأحكام (1483) باب ما جاء في قتل الحيّات، وكلّهم من طريق الزهري، عن سالم عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «اقتلوا الحيّات وذا الطّفيتين والأبتر، فإنّهما يستسقطان الحبل، ويلتمسان البصر» قال: فكان ابن عمر يقتل كلّ حيّة فقال:
إنه قد نهي عن ذوات البيوت. والأبتر: صنف من الحيّات أزرق مقطوع الذنب. ويلتمسان البصر: أي يخطفان البصر ويطمسانه. والعوامر: حيّات البيوت. والنّصّ لمسلم.
[5] تاريخ خليفة 1/ 93، تاريخ الطبري 2/ 643، الجرح والتعديل 3/ 294، الاستيعاب 1/ 401، الإكمال 2/ 453، أسد الغابة 2/ 3، الوافي بالوفيات 11/ 348 رقم 513، الإصابة 1/ 325، تهذيب التهذيب 2/ 243، تقريب التهذيب 1/ 84، مشاهير علماء الأمصار 23 رقم 97، نسب قريش 345، الأخبار الموفقيات 581، الكاشف 1/ 156 رقم 1002.
[6] هكذا في الأصل، ونسخة (ح) ، ونسخة دار الكتب. وفي المنتقى نسخة أحمد الثالث «عمر» .

(3/60)


بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ، لَهُ هِجْرَةٌ، وَقِيلَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ جَدُّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَيِّرَ اسْمَهُ وَقَالَ: (أَنْتَ سَهْلٌ) ، فَقَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمِي [1] . قُتِلَ يوم اليمامة، وقتل يَوْمَ بُزَاخَةٍ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلٍ
[2] بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ أَبُو سُهَيْلٍ. اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْبَلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ قُرَيْشٍ فَانْحَازَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَشَهِدَ بَدْرًا [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ لَقِيَ أَبَاهُ بِمَكَّةَ فَعَزَّاهُ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَشْفَعُ الشَّهِيدُ لِسَبْعِينَ مِنْ أَهْلِهِ» [4] ، فَأَرْجُو أَنْ يَبْدَأَ بِي.
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى [5] .
__________
[1] أخرجه أبو داود من طريق مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: «ما اسمك؟» قال: حزن، قال: «أنت سهل» قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن. قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة. انظر ج 4/ 289 رقم (4956) في كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح. وانظر: الأخبار الموفّقيّات 581، 582، والإصابة 1/ 425.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 406، الجرح والتعديل 5/ 67 رقم 318، تاريخ خليفة 113، تاريخ الطبري 2/ 636، الاستيعاب 6/ 236، أسد الغابة 3/ 271، سير أعلام النبلاء 1/ 193، 194 رقم 24، الإصابة 7/ 304، عيون التواريخ 1/ 497.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 406.
[4] أخرجه أبو داود في الجهاد (2522) باب الشهيد يشفع، من طريق يحيى بن حسّان، عن الوليد بن رباح الذماري، عن نمران بن عتبة الذماري، قال: دخلنا على أمّ الدرداء ونحن أيتام فقالت: أبشروا فإنّي سمعت أبا الدرداء يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يشفع الشهيد ... » وهذا سند حسن. رجاله ثقات غير نمران بن عتبة الذماري، فإنّه لم يوثّقه غير ابن حبّان. وقد روى عنه اثنان، ومثله حسن الحديث. وقد صحّح ابن حبّان حديثه هذا (1612) ، ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 406.
[5] هكذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 193، وفي طبقات ابن سعد 3/ 406 هاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية.

(3/61)


مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو
[1] حَلِيفُ بَنِي غَنْمٍ. مُهَاجِرِيٌّ بَدْرِيٌّ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ [2] الْأَزْدِيُّ
[3] . كَانَ يُسَمَّى ذَا الْقُطْنَتَيْنِ [4] ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَغَزَا الْيَمَامَةَ فَاسْتُشْهِدَ هو وابنه. وكان شريفا شاعرا لبيبا.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 97، الاستيعاب 3/ 370، أسد الغابة 4/ 286، الإصابة 3/ 351 رقم 7668.
[2] في نسخة دار الكتب «السدوسي» وهو سهو.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 52 و 4/ 237- 240، طبقات خليفة 13 و 114، تاريخ خليفة 111، الجرح والتعديل 4/ 489 رقم 2149، الاستيعاب 2/ 230- 235، جمهرة أنساب العرب 382، كتاب الزيارات 34، أسد الغابة 3/ 54، تاريخ الطبري 3/ 402، أنساب الأشراف 1/ 382، العبر 1/ 14، سير أعلام النبلاء 1/ 344- 347 رقم 75، الوافي بالوفيات 16/ 460، 461 رقم 500، الإصابة 2/ 225 رقم 4254، المستدرك 3/ 259، 260، تلخيص المستدرك 3/ 259.
[4] في نسخة القدسي 3/ 45 «الطفيتين» ولا معنى لها. والّذي أثبتناه عن طبقات ابن سعد 4/ 238 حيث ذكر أن رجالا من قريش مشوا إلى الطفيل يخاصمونه بكلام ذكره.. إلى أن قال: «قال الطفيل: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلّمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذنيّ كرسفا، يعني قطنا، فرقا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القطنتين ... » .
وهو الّذي لقّب بذي النّور. قال ابن سعد إن الطفيل قال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم حين أسلم: «يا نبيّ الله إنّي امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: «اللَّهمّ اجعل له آية» . قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنيّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي فإنّي أخشى أن يظنّوا أنّها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم. فتحوّل النور فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلّق» (4/ 238) .
وقال المؤلّف في «سير أعلام النبلاء 1/ 344» : «سمّي الطفيل بن عمرو بن طريف ذا النّور، لأنّه قال: يا رسول الله إنّ دوسا قد غلب عليهم الزنى فادع الله عليهم، قال: اللَّهمّ اهد دوسا. ثم قال: يا رسول الله ابعث بي إليهم، واجعل لي آية، فقال: «اللَّهمّ نوّر له» وذكر الحديث. (انظر حاشية المصدر رقم (2)) .
ويقول خادم العلم الشريف «عمر بن عبد السلام تدمري الطرابلسيّ» محقّق هذا الكتاب، إنّ «المبرد» أخطأ في كتابه «الكامل في الأدب 2/ 374) فجعل ذا النور «عبد الله بن الطفيل» ،

(3/62)


طَوَّلَ «ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ» [1] تَرْجَمَةَ الطُّفَيْلِ، وَسَاقَ قِصَّةَ إِسْلَامِهِ بِمَكَّةَ، وَفِي آخِرِ الْخَبَرِ قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ الصِّدِّيقُ بَعْثَهُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ قَالَ: خَرَجْتُ وَمَعِيَ ابْنِي عَمْرٌو فَرَأَيْتُ كَأَنَّ رَأْسِي حُلِقَ وَخَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَكَأَنَّ امْرَأَةً أدْخَلَتْنِي فَرْجَهَا، فَأَوَّلْتُهَا حَلْقَ رَأْسِي قَطْعَهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْأَرْضُ أُدْفَنُ فِيهَا. فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ [2] بْنِ رِبَابٍ [3] الْأَسَدِيُّ
شَهِدَ بَدْرًا. وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
[أَسْمَاءُ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنَ الشُّهَدَاءِ]
وَمِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ: الْحَكَمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ- وَهُوَ شَابٌّ- أَصَابَهُ سَهْمٌ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَمَخْرَمَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَجُبَيْرُ بْنُ مَالِكٍ، وَأُمُّهُ بحينة وهو أخو عبد الله بن
__________
[ () ] وهذا هو حفيد الطفيل، وستأتي ترجمته في المتوفّين سنة 13 هـ. واسمه «عبد الله بن عمرو بن الطفيل الدّوسي» ، وشكّ الثعالبي في صاحب اللّقب، فقال في «ثمار القلوب- ص 289 رقم 435» : «ذو النّور» : هو عبد الله بن الطفيل الأزدي أو الدّوسيّ. ويقال: بل طفيل بن عمرو بن طفيل ... » ، وأخطأ ابن الأثير أيضا في صاحب اللقب، فقال في كتابه «المرصّع- ص 334» : هو عبد الله بن الطفيل الدّوسي، ونقل ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 493» في ترجمة «ذو اليدين» كلام المبرّد في أنّ ذا النور هو عبد الله بن الطفيل ... ، وأفرده في تراجم العبادلة 2/ 350 فقال: «عبد الله بن عمرو بن الطفيل ذو النّور الأزدي ثم الدّوسي ... » ، وقد نبّه «الصفدي» في «الوافي بالوفيات- ج 16/ 461 و 17/ 225 إلى ذلك في ترجمة «الطفيل» و «عبد الله» ، وذكر للطفيل شعرا أورده المرزباني. والله أعلم.
[1] الاستيعاب 2/ 235 من أخبار كثيرة بدأها بقوله: قال أبو عمر- رحمه الله-: للطفيل بن عمرو الدوسيّ في معنى ما ذكره ابن الكلبي خبر عجيب في المغازي ذكره الأموي في مغازيه عن ابن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن الطفيل ... وذكره ابن إسحاق، عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عنه..
[2] طبقات ابن سعد 3/ 91، المحبّر 408، أنساب الأشراف 1/ 200 و 300، أسد الغابة 5/ 108، الاستيعاب 3/ 648، الإصابة 3/ 655 رقم 9258.
[3] هكذا في الأصل وفي مصادر ترجمته، وفي طبقات ابن سعد 3/ 91 «رئاب» .

(3/63)


مالك من الْأَزْدِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مناف، والسّائب بن العوّام ابن خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ أَخُو الزُّبَيْرِ، وَوَهْبُ بْنُ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ عَمُّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَخُوهُ حَكِيمٌ، وَأَخُوهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَزْنٍ، وَأَبُوهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عبد شمس، وأبو أميّة صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرٍو، وَأَخُوهُ مَالِكٌ الْمُتَقَدِّمُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَوْسٍ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّار، وحييّ- وقيل معلّى [1]- بن جارية [2] الثَّقَفِيُّ، وَحَبِيبُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بَجْرَةَ الْعَدَوِيُّ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ السَّهْمِيُّ أَخُوهُ، وَهُمَا مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ [3] بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى
بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرٍ الْعَامِرِيُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَعَاشَ إِحْدًى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَوْفَلُ [4] بْنُ مُسَاحِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ.
وَعَمْرُو بْنُ أُوَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيُّ، وَسَلِيطُ بْنُ سَلِيطِ بْنِ عَمْرِو الْعَامِرِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي خَرَشَةَ الْعَامِرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رَحْضَةَ من بني عامر.
__________
[1] في تاريخ خليفة 112 «يعلى» .
[2] وقيل «حارثة» .
[3] تاريخ خليفة 113، أنساب الأشراف 1/ 221، المحبّر 74 و 278، الاستيعاب 2/ 315، 316، الإصابة 2/ 365 رقم 4939.
[4] في نسخة (ح) ونسخة دار الكتب المصرية، والمنتقى نسخة أحمد الثالث «أبو نوفل» ، والصواب ما في الأصل. وانظر: تهذيب التهذيب 10/ 491.

(3/64)


وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ
[1] بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، وَأُمُّهُ خولة بِنْتُ حَكَيمٍ السُّلَمِيَّةُ بِنْتُ ضَعِيفَةَ بِنْتِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. هَاجَرَ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْحَبَشَةِ [2] .
قِيلَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْتُشْهِدَ حَارِثَةُ بِبَدْرٍ، وَكَانَ السَّائِبُ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ، شَهِدَ بَدْرًا عَلَى الصَّحِيحِ، أَصَابَهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ [3] .
وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأَنْصَارِ:
عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ [4]
ابْنُ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْأَوْسِيُّ الْبَدْرِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، عَاشَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي أَضَاءَتْ عَصَاهُ لَيْلَةَ حِينَ انْقَلَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَكَانَ قَدْ سَمُرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [5] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 401، 402، نسب قريش 393، طبقات خليفة 25، الاستيعاب 2/ 99،: 100، أسد الغابة 3/ 394، 395، أنساب الأشراف 1/ 212، 213 و 323، المحبّر 24، الوافي بالوفيات 15/ 101 رقم 140، الإصابة 2/ 11 رقم 3068، العقد الثمين 5/ 289.
[2] ابن سعد 3/ 401.
[3] ابن سعد 3/ 402.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 440، 441، طبقات خليفة 78، تاريخ خليفة 113، التاريخ الصغير 36، الجرح والتعديل 6/ 77، مشاهير علماء الأمصار 25 رقم 113، المحبّر 72 و 282 417، أنساب الأشراف 1/ 271 و 530، عيون التواريخ 1/ 497، الاستبصار 220- 222، الاستيعاب 5/ 310، أسد الغابة 3/ 150، العبر 1/ 15، سير أعلام النبلاء 1/ 337- 340، الوافي بالوفيات 16/ 610- 612 رقم 660، الإصابة 2/ 263 رقم 4455، تهذيب التهذيب 5/ 90.
[5] أخرجه البخاري (3805) في مناقب الأنصار، من طريق حبّان بن هلال، عن همام، عن قتادة، عن أنس، أن رجلين ... ثم قال: وقال حمّاد: أخبرنا ثابت عن أنس: كان أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم ... وقد وصله أحمد في «المسند» 3/ 138 و 190 و 272، وابن الأثير في «أسد الغابة» 3/ 151، كلاهما من طريق: بهز بن أسد، عن حمّاد بن سلمة

(3/65)


أَسْلَمَ عَبَّادٌ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ فِيمَنْ قَتَلَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ [1] .
وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقَاتِ مُزَيْنَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ، وَعَلَى حَرَسِهِ بِتَبُوكَ. وَأَبْلَى يَوْمَ الْيَمَامَةِ بَلَاءً حَسَنًا، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْتَدِ عَلَيْهِمْ فَضْلًا، كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ [2] . رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَهَجَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَذَا صَوْتُ عَبَّادٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لَهُ» [3] . قُلْتُ: رَوَى حَدِيثًا لِعَبَّادٍ: حَمَّادُ [4] بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الخطميّ، عن عبد الرحمن [5] بن
__________
[ () ] عن ثابت، عن أنس أنّ أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر كانا عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم، في ليلة مظلمة فخرجا من عنده، فأضاءت عصا أحدهما، فكانا يمشيان بضوئها، فلما افترقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا» ، وهو في المستدرك للحاكم 3/ 288، وانظر سير أعلام النبلاء 1/ 299 و 337.
[1] أخرجه البخاري في المغازي (4037) ، باب قتل كعب بن الأشرف، وانظر: فتح الباري لابن حجر حيث شرح هذا الحديث. وقال ابن إسحاق وغيره عن الأشرف: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طيِّئ، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة وحالف بني النضير فشرف بهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا. (سيرة ابن هشام 2/ 51- 58) .
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 229 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 76 عن ابن إسحاق وصرّح فيه بالتحديث.
[3] أخرجه البخاري (2655) معلّقا بقوله: وزاد عبّاد.. وقال ابن حجر في فتح الباري 5/ 265: وصله أبو يعلى من طريق محمد بن إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير، عن أبيه، عن عائشة.
[4] في المنتقى نسخة أحمد الثالث: «روي حديث لعباد قاله حمّاد بن سلمة» .
[5] في النسخة (ح) «عبد الله» ، والصواب ما في الأصل، وسير أعلام النبلاء 1/ 338.

(3/66)


ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا: (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْتُمُ الشِّعَارُ وَالنَّاسُ الدِّثَارُ [1] . وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَحْفَظُ لِعَبَّادٍ غَيْرَهُ.
مَعْنُ بْنُ عَدِيِّ
[2] بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ حُلَفَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا، وَكَانَ يَكْتُبُ الْعَرَبِيَّةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَهُ عَقِبُ الْيَوْمِ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ [3] .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُمَا يُرِيدَانِ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: لَيْتَنَا مِتْنَا قَبْلَهُ، نَخْشَى أَنْ نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ، فَقَالَ مَعْنٌ: لَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيْتًا كَمَا أُصَدِّقَهُ حَيًّا [4] . فقتل يوم مسيلمة [5] .
__________
[1] رجاله ثقات. أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 316 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 31 ونسبه إلى الطبراني، وتحرّف عنده «بشر» إلى «بشير» ، وأخرجه البخاري في المغازي (4330) باب غزوة الطائف، ومسلم في الزكاة (1061) باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم، وأحمد في المسند 4/ 42 من طريق عمرو بن يحيى، عن عبّاد بن تميم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وعندهم جميعا «الأنصار شعار والناس دثار» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 465، طبقات خليفة 87، تاريخ خليفة 114، التاريخ الصغير 1/ 34، الجرح والتعديل 8/ 276، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 131، الاستيعاب 10/ 177، أسد الغابة 5/ 238، العبر 1/ 53، سير أعلام النبلاء 1/ 320، 321، الإصابة 9/ 264، أنساب الأشراف 1/ 241 و 300، جمهرة أنساب العرب 443، المعارف 326، المحبّر 73.
[3] في الطبقات 3/ 465.
[4] أخرجه البخاري في الحدود (6830) باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت. مطوّلا. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 465 وهو مرسل عن عروة لقوله: «بلغنا» . وقال ابن حجر في الإصابة 9/ 264: وهذا هو المحفوظ، عن الزهري، عن عروة مرسلا. وقد وصله سعيد بن هاشم المخزومي، عن مالك، عن الزهري، فقال: عن سالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ.
أخرجه ابن أبي خيثمة عنه. وسعيد ضعيف. والمحفوظ هو مرسل عروة.
[5] يعني باليمامة.

(3/67)


عبد الله بن عبد الله بن أبي [1]
ابْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ- الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْحُبْلَى لِعِظَمِ بَطْنِهِ- بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ سَلُولٍ، وَهِيَ أُمُّ أُبَيِّ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ خُزَاعِيَّةً، وَأَبُوهُ الْمُنَافِقُ المشهور.
كان عبد الله بن فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحُبَابُ، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى أَبُوهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ. شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَه أَنَّ أَنْفَهُ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ [2] .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَدَرْتُ ثَنِيَّتَيْ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذَ ثَنُيَّةً مِنْ ذَهَبٍ [3] . وَهَذَا أَثْبَتُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مندة. استشهد
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 540- 542، تاريخ خليفة 114، التاريخ الصغير 1/ 35، الجرح والتعديل 5/ 89، 90، مشاهير علماء الأمصار 24 رقم 103، المحبّر 279 و 403، أنساب الأشراف 1/ 428، الاستيعاب 6/ 273، أسد الغابة 3/ 296، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 276، مجمع الزوائد 9/ 317، 318، سير أعلام النبلاء 1/ 233 رقم 74، البداية والنهاية 6/ 338، الوافي بالوفيات 17/ 196، 297 رقم 250، الإصابة 2/ 335، 336 رقم 4784.
[2] قال ابن الأثير في «أسد الغابة» 3/ 296 وابن حجر في «الإصابة» 6/ 143: هذا وهم من ابن مندة، والصحيح أنّ الّذي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتّخذ أنفا من ذهب هو عرفجة التيمي، السعدي، وكان من الفرسان في الجاهلية، وشهد الكلاب، فأصيب أنفه، ثم أسلم فأذن لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يتّخذ أنفا من ذهب.
أخرج الحديث أبو داود في الخاتم (4232) باب في ربط الأسنان بالذهب، والترمذي في اللباس (1770) باب ما جاء في شدّ الأسنان بالذهب، والنسائي في الزينة 8/ 163 باب من أصيب أنفه هل يتّخذ أنفا من ذهب، وأحمد في «المسند» 5/ 23، وحسّنه الترمذي، وصحّحه ابن حبّان (1466) .
[3] رواه ابن قانع في «معجم الصحابة» قال: حدثنا محمد بن الفضل بن جابر، حدثنا إسماعيل بن زرارة، حدّثنا عاصم بن عمارة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول قال: «اندقّت ثنيتي يوم أحد، فأمرني النبيّ صلى الله عليه وسلّم أن أتخذ ثنيّة من

(3/68)


يَوْمَ الْيَمَامَةِ [1] .
خ د [2]
(ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيُّ)
[3] مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الخزرج، لم يشهد بدرا، وكان أمير الأنصاري فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [4] .
وَزَحَفَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى الحديثة وَفِيهَا مُسَيْلِمَةُ عَدُوُّ اللَّهِ، فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَلْقُونِي عَلَيْهِمْ، فَاحْتَمَلَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْجِدَارِ اقْتَحَمَ إِلَيْهِمْ فقاتلهم حتّى فتح الحديقة للمسلمين [5] .
__________
[ () ] ذهب» (نصب الراية للزيلعي 4/ 237) ، وانظر: «أسد الغابة» 3/ 296، و «الإصابة» 6/ 143 وندرت: سقطت.
[1] في حاشية الأصل كتب: «بلغت قراءة على مؤلّفه، في الثامن عشر» .
[2] الرمز ساقط من النسخ سوى نسخة أحمد الثالث من المنتقى، وهو موافق لما في تقريب التهذيب، وخلاصة تذهيب التهذيب.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 206، طبقات خليفة 94، تاريخ خليفة 107، 108 و 114، التاريخ الكبير 2/ 167، التاريخ الصغير 1/ 35 و 38، الجرح والتعديل 2/ 456، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 41، جمهرة أنساب العرب 364، المحبّر 74 و 89 و 306 و 403، أنساب الأشراف 1/ 441، المعرفة والتاريخ 1/ 322 و 384 و 3/ 78 و 217، الاستبصار 117، الاستيعاب 2/ 72، أسد الغابة 1/ 275، تهذيب الأسماء واللّغات 1/ 139، 140، تهذيب الكمال 1/ 175، العبر 1/ 14 سير أعلام النبلاء 1/ 308- 314 رقم 61، مجمع الزوائد 9/ 321- 323، الأخبار الموفقيّات 487 و 585، تهذيب التهذيب 2/ 12، الإصابة 2/ 14، خلاصة تهذيب التهذيب 57، المنتخب من ذيل المذيّل 574.
[4] أخرجه البخاري في الجهاد (2845) باب التحنّط عند القتال. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 234 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[5] أخرجه خليفة بن خياط في «التاريخ» 109 عن بكر بن سليمان، عن ابن إسحاق، وذكره ابن حجر في «الإصابة» 1/ 236، وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» 122/ 287 من طريق بقيّ بن مخلد، عن خليفة، والنويري في نهاية الأرب 19/ 97.

(3/69)


أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ [1]
ابْنُ لَوْذَانَ [2] بْنِ عَبْدِ وَدِّ بْنِ زَيْدٍ السَّاعِدِيُّ.
كَانَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ عِصَابَةٌ حَمْرَاءُ، قِيلَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَثَبَتَ أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ مِمَّنْ شرك فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ [3] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [4] : لِأَبِي دُجَانَةَ عَقِبٌ بِالْمَدِينَةِ وَبَغْدَادَ إِلَى الْيَوْمِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: دَخَلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ- وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ- فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِي [5] شَيْءٌ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَتَيْنِ: كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَالْأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا [6] .
وَقَالَ عَنْ أَنَسٍ: إنّ أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 556، تاريخ خليفة 111 و 114، المعارف 271، الجرح والتعديل 4/ 279، الكنى والأسماء 1/ 69، التاريخ لابن معين 2/ 239، المحبّر 72، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 242) ، مشاهير علماء الأمصار 21 رقم 85، الاستبصار 101- 103، الاستيعاب 4/ 253، أسد الغابة 2/ 451، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 227، 228، عيون التواريخ 1/ 496، 497، الوافي بالوفيات 15/ 449 رقم 604، سير أعلام النبلاء 1/ 243- 245 رقم 39، العبر 1/ 14، الإصابة 4/ 252 و 11/ 112، كنز العمال 13/ 260، الكامل للمبرّد 2/ 374، ثمار القلوب 85 و 87 و 289، المرصّع لابن الأثير 321.
[2] في طبعة القدسي 3/ 49 «لوزان» بالزاي، وهو تحريف.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 556، والحاكم في المستدرك 3/ 229.
[4] في الطبقات 3/ 557.
[5] هكذا في الأصل، وطبقات ابن سعد 3/ 557، وفي سير أعلام النبلاء 1/ 243 «عمل» .
[6] رواه ابن سعد من طريق: معن بن عيسى، عَنْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

(3/70)


رِجْلُهُ، فَقَاتَلَ وَهُوَ مَكْسُورُ الرِّجْلِ حَتَّى قُتِلَ [1] .
(عمارة بن حزم)
[2] بن زيد بن لوذان مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ أَخُو عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
شَهِدَ عُمَارَةُ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا، وَكَانَتْ مَعَهُ رَايَةَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يُعَقِّبْ [3] .
(عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ)
[4] بْنُ نَابِئِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ [5] السُّلَمِيُّ.
شَهِدَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَيُجْعَلُ فِي النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ أَوَّلَ الْأَنْصَارِ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ [6] .
(ثَابِتُ بْنُ هَزَّالٍ)
[7] من بني سالم بن عوف.
__________
[1] رواه ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 452 وقال الثعالبي في ثمار القلوب 87، 88 عن مشية أبي دجانة: كانت له مشية عجيبة في الخيلاء، ونظر صلى الله عليه وسلّم في المعركة وهو يتبختر بين الصّفّين فقال:
«إن هذه مشية يبغضها الله إلّا في هذا المكان» . وكان يقال له: ذو المشهّرة، لأنه كانت له مشهّرة إذا لبسها في الحرب لا يبقى ولا يذر. وانظر تاريخ خليفة 111.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 486، سيرة ابن هشام 1/ 702، تاريخ خليفة 82، المحبّر 72، التاريخ الكبير 6/ 494 رقم 3091، أنساب الأشراف 1/ 242، تاريخ الطبري 3/ 106، الجرح والتعديل 3/ 364، مشاهير علماء الأمصار 28 رقم 132، الاستيعاب 1141، أسد الغابة 4/ 48، الكامل في التاريخ 2/ 248، الوافي بالوفيات 22/ 404 رقم 279، الإصابة 2/ 513.
وقد سقطت «حزم» من نسخة (ح) .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 486.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 568، أنساب الأشراف 1/ 239، تاريخ الطبري 2/ 355، 356، الاستيعاب 3/ 106.
[5] في المنتقى نسخة أحمد الثالث «حزام» وهو تحريف.
[6] ابن سعد 3/ 568.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 551، تاريخ خليفة 114، الاستيعاب 1/ 191، أسد الغابة 1/ 233، الإصابة 1/ 196 رقم 912.

(3/71)


شَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ [1] .
(أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ)
[2] بْنِ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَا. اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَكَانَ مِنْ سَادَةِ الْأَنْصَارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَنَزَعَهُ، وَتَحَزَّمَ وَأَخَذَ السَّيْفَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوَجَدَ بِهِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ [3] .
وَمِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَرَافِعُ بْنُ سَهْلٍ، وَحَاجِبُ بْنُ يَزِيدَ الْأَشْهَلِيُّ، وَسَهْلُ بْنُ عَدِيٍّ، وَمَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُتْبَةَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَا، وَرَبَاحٌ مَوْلَى الْحَارِثِ [4] ، وَمَعْنُ [5] بْنُ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيُّ بِخُلْفٍ.
وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ: جَرْوُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي جَحْجَبَا، وَقِيلَ جُزْءٌ بِالزَّايِ، وَوَدَقَةُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَجَرْوَلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَعَامِرُ بْنُ ثَابِتٍ، وَبِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَزْرَجِيُّ، وَكُلَيْبُ بْنُ تَمِيمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتْبَانَ، وَإِيَاسُ بْنُ وَدَقَةَ [6] ،
__________
[1] ابن سعد 3/ 551، ابن الأثير في «أسد الغابة» 1/ 233.
[2] تاريخ خليفة 112، طبقات ابن سعد 3/ 473- 475، أسد الغابة 5/ 257، الاستيعاب 4/ 129، الإصابة 4/ 136 رقم 778، جمهرة أنساب العرب 442.
[3] ابن سعد 3/ 475.
[4] زاد خليفة «بن مالك» - ص 113.
[5] في نسخة (ح) وأحمد الثالث «معبد» بدل «معن» والتصويب من تاريخ خليفة 114، وقد سبقت ترجمته.
[6] هكذا في الأصل، وصوّبه ابن حجر في الإصابة. وفي تاريخ خليفة: «ودفة» بالفاء- (114) .

(3/72)


وَأُسَيْدُ [1] بْنُ يَرْبُوعٍ، وَسَعْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَسَهْلُ بْنُ حِمَّانَ، وَمُخَاشِنٌ [2] مِنْ حِمْيَرٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَقِيلَ مَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ، وَضَمْرَةُ بْنُ عِيَاضٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنِيسٍ، وَأَبُو حَبَّةَ بْنُ غَزِّيَّةَ الْمَازِنِيُّ، وَحَبِيبُ [3] بْنُ زَيْدٍ، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ، وَثَابِتُ بْنُ خَالِدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَعَائِذُ بْنُ مَاعِصٍ.
قَالَ خَلِيفَةُ [4] : فَجَمِيعُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، يَعْنِي يَوْمَ الْيَمَامَةِ.
وَقِيلَ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ قُتِلَ عَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبَوَّةَ، وَتَسَمَّى بِرَحْمَانِ الْيَمَامَةِ فِيمَا قِيلَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرْآنُ مُسَيْلِمَةَ ضُحْكَةٌ لِلسَّامِعِينَ.
وَقْعَةُ جُوَاثَا [5]
بَعَثَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيَّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَانُوا قَدِ ارْتَدُّوا- إِلَّا نَفَرًا ثَبَتُوا مع الجارود- فالتقوا بجواثاء فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ [6] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَاصَرَهُمُ الْعَلَاءُ بجواثاء حتّى كاد المسلمون يهلكون
__________
[1] في نسخة (ح) «أسد» وهو خطأ.
[2] هكذا في الأصل، والإصابة، وفي تاريخ خليفة 114 «مخاش» .
[3] في حاشية الأصل «حباب» ، وكذلك في نسخة (ح) ، والتصويب عمّا في الأصل، ونسخة (ح) ، والمنتقى لأحمد الثالث.
[4] التاريخ- ص 115.
[5] جواثى: بالضم. يمدّ ويقصر. حصن لعبد القيس بالبحرين. وقال ابن الأعرابيّ: جواثا مدينة الخط، والمشقّر مدينة هجر. ورواه بعضهم: جؤاثا، بالهمزة، فيكون أصله من جئث الرجل إذا فزع. (معجم البلدان 2/ 174) .
[6] تاريخ خليفة- ص 116 وانظر تاريخ الطبري 3/ 304 وما بعدها.

(3/73)


مِنَ الْجَهْدِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَكِرُوا لَيْلَةً فِي حِصْنِهِمْ، فَبَيَّتَهُم الْعَلَاءُ [1] ، فَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جُوَاثَا لَا يَوْمَ الْيَمَامَةِ، شَهِدَ بَدْرًا [2] .
وَفِيهَا بَعَثَ الصِّدِّيقُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى عُمَانَ وَكَانُوا ارْتَدُّوا.
وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّ إِلَى أَهْلِ النُّجَيْرِ [3] ، وَكَانُوا ارْتَدُّوا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُرْتَدَّةِ.
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ زِيَادًا بَيَّتَهُمْ فَقَتَلَ مُلُوكًا أَرْبَعَةً: حَمَدًا [4] ، وَمِخْوَصًا، وَمِشْرَحًا، وَأَبْضَعَةَ [5] .
وَفِيهَا أَقَامَ الْحَجَّ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ [6] .
أَبُو الْعَاصِ [7] بْنُ الرَّبِيعِ [8]
ابْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَبْشَمِيُّ، زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ خَالَتِهَا هَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، فَوَلَدَتْ مِنْ أَبِي الْعَاصِ عَلِيًّا ومات صغيرا، وأمامة
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 116، تاريخ الطبري 3/ 308، 309.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 542.
[3] النجير: بالتصغير. حصن باليمن قرب حضر موت منيع لجأ إليه أهل الرّدّة مع الأشعث بن قيس. (معجم البلدان 5/ 272) .
[4] في طبعة القدسي 3/ 51 «حمرا» وهو وهم، والتصويب عن تاريخ خليفة 116 والطبري 3/ 334.
[5] تاريخ خليفة- ص 116، تاريخ الطبري 3/ 334.
[6] تاريخ خليفة 117.
[7] جاء في حاشية الأصل: «اسم أبي العاص: لقيط بْن الرَّبِيعِ بْن عَبْد العُزَّى بْن عَبْد شمس، وقيل: ابن الربيع بن ربيعة بدل عَبْد العُزَّى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف» . وورد هذا القول في متن النسخة (ح) .
[8] نسب قريش 230، 231، تاريخ خليفة 119، المعارف 141، 142، المنتخب من ذيل المذيّل 499، 500، جمهرة أنساب العرب 16 و 20 و 75 و 77، 78، أنساب الأشراف 1/ 269 و 302 و 377 و 397 و 398 و 399 و 400، المحبر 53 و 78 و 99، المعرفة والتاريخ 3/ 270، مشاهير علماء الأمصار 31 رقم 156، الاستيعاب 4/ 125- 129، أسد الغابة 5/ 236- 238، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 248، 249، العبر 1/ 15، سير أعلام النبلاء

(3/74)


وَهِيَ الَّتِي حَمَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ [1] .
وَقَدْ تَزَوَّجَ عَلِيٌّ أُمَامَةَ بَعْدَ مَوْتِ خَالَتِهَا فَاطِمَةَ. وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ يُسَمَّى جَرْوَ الْبَطْحَاءِ.
أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ.
وَقَالَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى أَبِي الْعَاصِ فِي مُصَاهَرَتِهِ وَقَالَ: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي) [2] .
__________
[1] / 330- 334 رقم 69، مجمع الزوائد 9/ 379، العقد الثمين 7/ 110 و 8/ 61، الإصابة 4/ 121- 123 رقم 692، عيون التواريخ 1/ 507، 508، نهاية الأرب 190/ 127.
[1] أخرجه البخاري في سترة المصلّي 1/ 487 باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه، وفي الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، ومسلم في المساجد (543) باب جواز حمل الصبيان، ومالك في الموطأ 1/ 70 في قصر الصلاة، باب جامع الصلاة، وأبو داود في الصلاة (917- 918، 919، 920) باب العمل في الصلاة، والنسائي في المساجد 2/ 45، وفي السهو 3/ 10.
والنّصّ عند مسلم من طريق «يحيى بن يحيى قال: قلت لمالك: حدّثك عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقيّ، عن أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولأبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها؟ قال يحيى: قال مالك: نعم» .
[2] أخرجه البخاري في الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، و (3729) في فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وفي النكاح (5230) باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة، ومسلم في فضائل الصحابة (2449/ 95) باب فضائل فاطمة، وأبو داود في النكاح (2069) باب ما يكره أن يجمع بينهم من النساء، وابن ماجة (1999) في النكاح، باب الغيرة.
والنّصّ عند مسلم: «حدثني أحمد بن حنبل، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبي الوليد بن كثير، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، أنّ ابن شهاب حدّثه، أن عليّ بن الحسين حدّثه، أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي، رضي الله عنه، لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا، قال له:
هل أنت معطيّ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي. إن عليّ بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس في ذلك، على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: «إن فاطمة مني وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها» قال: ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فاثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فأوفى لي. وإني لست

(3/75)


قُلْتُ: كَانَ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ زَيْنَبَ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ [1] ، فَوَفَى بِذَلِكَ وَفَارَقَهَا مَعَ حُبِّهِ لَهَا.
وَكَانَ مِنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَأُمَنَائِهِمْ، [وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ شَأْنِهِ بَعْدَ بَدْرٍ] [2] تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَأَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ.
(الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ)
[3] اللَّيْثِيُّ الْحِجَازِيُّ، وَكَانَ ينزل ودان، وهو الّذي أهدى للنبيّ حمار وحش [4] .
__________
[ () ] أحرّم حلالا، ولا أحلّ حراما، ولكن، والله! لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله مكانا واحدا أبدا» .
وفي طبعة القدسي 3/ 52 «فوفاني» والتصويب من مسلم وغيره، وسير أعلام النبلاء 1/ 331.
[1] أي من مكة إلى المدينة.
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[3] طبقات خليفة 29، المعرفة والتاريخ 1/ 325 و 3/ 309، أنساب الأشراف 1/ 386، جمهرة أنساب العرب 181، الاستيعاب 2/ 198، مشاهير علماء الأمصار 57 رقم 398، التاريخ الكبير 4/ 322، الجرح والتعديل 4/ 450، المعجم الكبير للطبراني 8/ 93، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 226، أسد الغابة 3/ 19، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 249، الوافي بالوفيات 16/ 310، 311 رقم 339، تهذيب التهذيب 4/ 421، الإصابة 2/ 184 رقم 4065، الكامل في التاريخ 2/ 449.
[4] أخرجه البخاري في الحج 4/ 26 و 27 و 28 باب إذا أهدي للمحرم حمارا وحشيّا حيّا لم يقبل، وفي الهبة، باب قبول هدية الصيد، وباب من لم يقبل الهديّة لعلّة، ومسلم في الحج (1193) باب تحريم الصيد للمحرم، ومالك في الموطّأ 1/ 353 في الحج، باب ما لا يحلّ للمحرم أكله من الصيد، والترمذيّ في الحج (849) باب ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم، والنسائي في الحج 5/ 183 و 184 و 185 باب ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 8/ 94 عن الصعب بن جثّامة بن قيس الليثي. قال ابن عبّاس، عن الصعب بن جثّامة قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا بالأبواء، فأهديت له حمار وحش، فردّه عليّ، فلما رأى الكراهية في وجهي قال: «إنه ليس بنا ردّ عليك، ولكنّا حرم» . وانظر: 8/ 98 رقم 7429 وبألفاظ أخرى، الأرقام: 7430 و 7432 و 7433 و 7434 و 7436 و 7437 و 7438 و 7439 و 7440 و 7441 و 7442 و 7443 و 7444 و 11/ 404 رقم 12143 و 12 رقم 12342 و 12343 و 12366 و 12355 و 12367 و 12706، وأخرجه ابن جميع الصيداوي في معجم

(3/76)


رَوَى عَنْهُ حَدِيثَهُ [1] ابْنُ عَبَّاسٍ.
تُوُفِّيَ فِي إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ.
م د ت ن
(أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ)
[2] اسْمُهُ كَنَّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ، حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، وَابْنُهُ مَرْثَدٌ بَدْرِيٌّ أَيْضًا. وَلِابْنِ ابْنِهِ أَنِيسِ بْنِ مَرْثَدٍ صُحْبَةٌ.
رَوَى عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ: وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ حَدِيثَ (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) [3] . وَفِيهَا: بَعْدَ فَرَاغِ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَتْ تُسَمَّى أَرْضَ الْهِنْدِ، فَسَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَغَزَا الأبلّة [4] فافتتحها، ودخل ميسان [5] فغنم
__________
[ () ] شيوخه (بتحقيقنا) - ص 271 رقم 230 ولفظه: «أهدى الصعب بن جثامة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عجز حمار يقطر دما، فردّه وقال: «إنّا حرم» . ولم يطعمه. وانظر: من حديث خيثمة بن سليمان الأطرابلسي ص 207 بتحقيقنا أيضا.
[1] في نسخة دار الكتب «حذيفة» بدل «حديثه» وهو خطأ.
[2] المحبّر 71 و 117، 118، مشاهير علماء الأمصار 18 رقم 67، جمهرة أنساب العرب 247، الاستيعاب 4/ 171، 172، طبقات خليفة 8 و 47، المعارف 327، أسد الغابة 5/ 294، الإصابة 4/ 177 رقم 1032، الكامل في التاريخ 2/ 401، المنتخب من ذيل المذيّل 552، نهاية الأرب 19/ 127.
[3] أخرجه مسلم في الجنائز (972) 97 و 98 باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، وأبو داود في الجنائز (3229) باب في كراهية القعود على القبر، والترمذي في الجنائز (1055) باب ما جاء في تسوية القبور، والنسائي في القبلة 2/ 67 باب النهي عن الصلاة على القبر، وأحمد في المسند 4/ 135.
[4] الأبلّة: بضمّ الهمزة والباء، وفتح اللّام المشدّدة. بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج. (معجم البلدان 1/ 76 و 77) .
[5] ميسان: بالفتح ثم السكون، اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط قصبتها ميسان. (معجم البلدان 5/ 242) .

(3/77)


وَسَبَى مِنَ الْقُرَى، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ السَّوَادِ، فَأَخَذَ عَلَى أَرْضِ كَسْكَرٍ [1] وَزَنْدَوَرْدٍ [2] بَعْدَ أَنِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ قُطْبَةَ بْنَ قَتَادَةَ السَّدُوسِيَّ، وَصَالَحَ خَالِدٌ أَهْلَ أُلَّيْسَ [3] عَلَى أَلْفِ دِينَارِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ، ثُمَّ افْتَتَحَ نَهْرَ الْمَلِكِ [4] ، وَصَالَحَهُ ابْنُ بُقَيْلَةَ صَاحِبُ الْحِيرَةِ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ أَهْلِ الْأَنْبَارِ فَصَالَحُوهُ [5] .
ثُمَّ حَاصَرَ عَيْنَ التَّمْرِ [6] وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَتَلَ وَسَبَى.
وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِ التَّمْرِ:
(بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ)
[7] أَبُو النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأنصار، شهد بدرا والعقبة [8] .
__________
[1] كسكر: بالفتح ثم السكون. كورة واسعة قصبتها واسط بين الكوفة والبصرة. (معجم البلدان 4/ 461) .
[2] زندورد: بفتح أوّله، وسكون ثانيه. مدينة كانت قرب واسط مما يلي البصرة خربت بعمارة واسط. (معجم البلدان 3/ 154) .
[3] في الأصل وغيره «الليس» ، والتصويب عن نسخة دار الكتب، ومعجم البلدان 1/ 248 حيث قال: ألّيس: مصغّر بوزن فلّيس، الموضع الّذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس في أول أرض العراق من ناحية البادية.
[4] نهر الملك: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى. (معجم البلدان 5/ 324) .
[5] تاريخ خليفة- ص 118.
[6] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربيّ الكوفة. (معجم البلدان 4/ 176) .
[7] طبقات الخليفة 94 و 190، تاريخ خليفة 78، 79، طبقات ابن سعد 3/ 531، 532، تاريخ الطبري 3/ 22، 23 و 26 و 155 و 221، 222، المحبّر 120 و 233، جمهرة أنساب العرب، 364، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 38، المعرفة والتاريخ 1/ 381 و 3/ 256، 257، الأخبار الموفقيّات 577، 578، أنساب الأشراف 1/ 244 و 379 و 580 و 582 و 584، الاستيعاب 1/ 149، 150، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 261، تاريخ دمشق (تحقيق دهمان) 10/ 148، أسد الغابة 1/ 195، الوافي بالوفيات 10/ 162، 163 رقم 4635، الإصابة 1/ 158 رقم 694، الكامل في التاريخ 2/ 395.
[8] طبقات خليفة 94، وطبقات ابن سعد 3/ 531، فتوح الشام للأزدي- ص 70.

(3/78)


وَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ [1] .
وَفِيهَا لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ يَتَتَبَّعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللَّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ [2] ، حَتَّى جَمَعَهُ زَيْدٌ فِي صُحُفٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [3] : وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ فُتُوحِ مَدَائِنِ كِسْرَى الَّتِي بِالْعِرَاقِ صُلْحًا وَحَرْبًا خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مُتَكَتِّمًا بِحَجَّتِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ تَعْتَسِفُ [4] الْبِلَادَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَتَأَتَّى لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَأَتَّ لِدَلِيلٍ، فَسَارَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْحِيرَةِ [5] لَمْ يُرَ قَطُّ أَعْجَبُ مِنْهُ وَلَا أَصْعَبُ، فَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْجُنْدِ يَسِيرَةً، فَلَمْ يَعْلَمْ بِحَجِّهِ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ أَفْضَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجِّهِ عَتَبَهُ وَعَنَّفَهُ وَعَاقَبَهُ بِأَنْ صَرَفَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا وَافَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجِّهِ بِالْحِيرَةِ يَأْمُرُهُ بِانْصِرَافِهِ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ بِهَا مِنْ جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْيَرْمُوكِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِهَا [6] .
__________
[1] الإصابة 1/ 158.
[2] أخرجه البخاري في فضائل القرآن 9/ 8، 11 باب جمع القرآن، وأحمد في المسند 5/ 188، و 189، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 485، والطبراني في المعجم الكبير (4901) ، وابن أبي داود في المصاحف 6 و 9 والعسب: جمع عسيب. وهو جريد النخل إذا نحّي عنه خوصه.
وكانوا يكتبون في تلك الأشياء لقلّة القراطيس عندهم في ذلك الوقت.
[3] في تاريخ الرسل والملوك 3/ 384.
[4] اعتسف الطريق: إذا قطعه دون صوب توخّاه فأصابه.
[5] عند الطبري «طرق أهل الجزيرة» .
[6] الطبري 3/ 384، 385، الكامل لابن الأثير 2/ 400.

(3/79)


قُلْتُ: وَإِنَّمَا جَاءَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَسِيرَ إِلَى الشَّامِ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
[1] [قُلْتُ: سَارَ خَالِدٌ بِجَيْشِهِ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَادُوا يَهْلِكُونَ عَطَشًا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ اكْتُبْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَسِيرُ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَدَدًا لَهُ، فَلَمَّا أَتَى كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ خَالِدًا قَالَ: هَذَا مِنْ عُمَرَ حَسَدَنِي عَلَى فَتْحِ الْعِرَاقِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِي، فَأُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَنِي مَدَدًا لِعَمْرٍو، فَإِنْ كان فتح كان ذكره له دوني] [2] .
__________
[1] ما بين الحاصرتين من هنا حتى نهاية الصفحة غير موجود في الأصل والمنتقى نسخة أحمد الثالث.
وهو في النسختين (ع) و (ح) .
[2] وفي فتوح الشام للأزدي- ص 68 أنّ خالدا غضب وشقّ ذلك عليه وقال: «هذا عمل عمر، نفس عليّ أن يفتح الله على يدي العراق» . وانظر تاريخ الطبري 3/ 415، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 131.

(3/80)


سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قَفَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْحَجِّ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قِبَلَ فِلَسْطِينَ، وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْلُكُوا عَلَى الْبَلْقَاءِ [1] .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ [2] قَالَ: قَالُوا لَمَّا وَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ الْجُنُودَ إِلَى الشَّامِ أَوَّلَ سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَأَوَّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ لِوَاءُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، ثُمَّ عَزَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ خَالِدٌ، وَقِيلَ: بَلْ عَزَلَهُ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ مَسِيرِهِ، وَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ فَسَارَ إِلَى الشَّامِ، فَأَغَارَ عَلَى غَسَّانَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ [3] ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ عَلَى قَنَاةِ بُصْرَى، وَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَصَاحِبَاهُ فَصَالَحُوا أَهْلَ بُصْرَى، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَا فُتِحَ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ [4] ، وَصَالَحَ خَالِدٌ في وجهه ذلك أهل تدمر [5] .
__________
[1] تاريخ خليفة 119 وانظر الطبري 3/ 387، وابن الأثير 2/ 402.
[2] في تاريخ الرسل والملوك 3/ 387.
[3] مرج راهط: بنواحي دمشق. (معجم البلدان 5/ 101) .
[4] تاريخ خليفة 119، والمعرفة والتاريخ 3/ 293، وتاريخ دمشق 1/ 460، والكامل في التاريخ 2/ 409، ونهاية الأرب 19/ 119، وفتوح الشام للأزدي 82، وتاريخ الطبري 3/ 417.
[5] تاريخ خليفة 119، وانظر فتوح الشام للأزدي 77.

(3/81)


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ سَارُوا جَمِيعًا قِبَلَ فِلَسْطِينَ، فَالْتَقَوْا بِأَجْنَادَيْنَ [1] بَيْنَ الرَّمْلَةِ، وَبَيْتِ جِبْرِينَ [2] ، وَالْأُمَرَاءُ كُلٌّ عَلَى جُنْدِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرًا كَانَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَعَلَى الرُّومِ الْقُبُقْلَارِ [3] فَقُتِلَ، وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ [4] .
فَاسْتُشْهِدَ نُعَيْمُ بْنُ عبد الله بن النّحّام، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ [5] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ أَجْنَادَيْنَ كَانَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَبُشِّرَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ [6] .
وَقَالَ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ عَمْرٌو، وَأَبَانٌ، وَخَالِدُ بَنُو سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّانِ، وَضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي
__________
[1] أجنادين: بالفتح ثم السكون، ونون وألف، وتفتح الدال فتكسر معها النون، فيصير بلفظ التثنية، وتكسر الدال وتفتح الدال بلفظ الجمع. وأكثر أصحاب الحديث يقولون إنه بلفظ التثنية. وهي بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين. (الكامل لابن الأثير 2/ 417) .
[2] في نسخة دار الكتب «جرش» بدل «جبرين» وهو تحريف. وبيت جبرين بليد بين بيت المقدس وغزّة. (معجم البلدان 1/ 519) .
[3] في الأصل وغيره «القيقلان» ، والتصويب من تاريخ خليفة 119، وتاريخ الطبري 3/ 417، والكامل لابن الأثير 2/ 417.
و «القبقلار» رتبة عسكرية عند الروم. ويسمّيه الأزدي في «فتوح الشام» - ص 89 «وردان» .
[4] تاريخ خليفة 119، فتوح الشام للأزدي 93، تاريخ الطبري 3/ 419، الكامل في التاريخ 2/ 417، وانظر: المعرفة والتاريخ 3/ 295 و 296.
[5] تاريخ خليفة 120، وتاريخ الطبري 3/ 418، وفتوح الشام للأزدي 91.
[6] وقال الأزدي في فتوح الشام- ص 93 كانت وقعة أجنادين «قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأربع وعشرين ليلة» . وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145 حيث ينقل الذهبي عن ابن عساكر.

(3/82)


جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَمُّ عِكْرِمَةَ، وَهَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَخْزُومِيُّ، وَنُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ، وَصَخْرُ بْنُ نَصْرٍ الْعَدَوِيَّانِ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ، وَتَمِيمٌ، وَسَعِيدٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] : قُتِلَ يَوْمَئِذٍ طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُمُّهُ أَرْوَى هِيَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: بَرَزَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ بَطْرِيقٌ [2] فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزّبير بن عبد المطّلب بن هاشم، فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ بَرَزَ بَطْرِيقٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ مُحَارَبَةٍ طَوِيلَةٍ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنْ لَا يُبَارِزَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي أَصْبِرُ، فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ السُّيُوفُ وُجِدَ مَقْتُولًا [3] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَا نَعْلَمُهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ [4] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ: الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ [5] ،
__________
[1] الطبقات 3/ 124 وانظر تاريخ الطبري 3/ 402.
[2] بطريق: بفتح أوله وسكون ثانيه. الصيغة المعرّبة للكلمة اللّاتينية: باتريكيوس
Patricius وقد أنشأ هذه الرتبة الإمبراطور قسطنطين (306- 337 م.) . وهي رتبة لا تتّصل بأيّ وظيفة، وكانت تمنح لمن يؤدّي للدولة خدمات جليلة. وقد جرى الاصطلاح على أنها تدلّ على القائد عند البيزنطيّين كالمصطلحات الأخرى: «دمستق «Domesticus و «دوقس) «Dux دائرة المعارف الإسلامية 7/ 313) .
[3] قال الحافظ في سير أعلام النبلاء 3/ 382: «فلما اختلطت السيوف وجد في ربضة من الروم عشرة مقتولا، وهم حوله، وقائم السيف في يده قد غري، وإنّ في وجهه لثلاثين ضربة» .
وغري بمعنى: لزق.
[4] انظر عنه: الاستيعاب 3/ 904، 905، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 396، أسد الغابة 3/ 241، سير أعلام النبلاء 3/ 381- 383 رقم 55، البداية والنهاية 8/ 238، 239 و 332، الوافي بالوفيات 17/ 172 رقم 158، العقد الثمين 5/ 140، الإصابة 2/ 308.
[5] ذكر وفاته في أجنادين ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 287.

(3/83)


وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ [1] بن أَبِي طلحة الْعَبْدَرِيُّ [2] . كَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [3] .
وَقْعَةُ مَرْجِ الصُّفَّرِ [4]
قَالَ خَلِيفَةُ [5] : كَانَتْ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَالْأَمِيرُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ [6] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ قَلْقَطٌّ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَانْهَزَمُوا [7] .
وَرَوَى خَلِيفَةُ [8] ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مَرْجِ الصُّفَّرِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَيُقَالُ أَخُوهُ عَمْرٌو قُتِلَ أَيْضًا، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ [9] ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف.
__________
[1] ذكره ابن جرير في المنتخب من ذيل المذيّل- ص 556 وقال إنّه هاجر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هدنة الحديبيّة في صفر سنة ثمان. وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 92، 93 وقال انه مات في أول خلافة معاوية سنة ثنتين وأربعين، وقيل إنه قتل يوم أجنادين.
[2] هنا في نسخة أحمد الثالث من المنتقى أسماء مقحمة، موضعها في النّصّ التالي.
[3] لم أجد هذا القول في تاريخ ابن جرير الطبري ولا في المنتخب من الذيل. ولا أدري لماذا كرّر الحافظ ذكر ابن جرير في أوّل النصّ وآخره. ويراجع فهرس الأعلام في التاريخ، فبالنسبة للحارث بن أوس العتكيّ غير موجود في الفهرس، أمّا عثمان بن أبي طلحة فهو مذكور في الجزء 3/ 29 و 31.
[4] مرج الصّفّر: بالضم وتشديد الفاء. قرب دمشق. (معجم البلدان 5/ 101) .
[5] في تاريخه- ص 120.
[6] في الأصل، وطبعة القدسي 3/ 56 «الوليد» ، والتصويب من تاريخ خليفة ومعجم البلدان.
ومما سيأتي بعد قليل.
[7] تاريخ خليفة 120.
[8] في تاريخه- ص 120.
[9] قال ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 34 الفضل بن العباس قيل إنه توفي في هذه السنة، والصحيح أنه تأخّر إلى سنة ثماني عشرة. وسيأتي في هذا الجزء ما يؤيّد ذلك.

(3/84)


وَقَالَ غَيْرُهُ: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ نُمَيْلَةُ بْنُ عُثْمَانَ اللَّيْثِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ سَلَامَةَ الْأَشْهَلِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ أَسْلَمَ الْأَشْهَلِيُّ.
وَقِيلَ: إِنَّ وَقْعَةَ مَرْجِ الصُّفَّرِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ [1] ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْتَقَوْا عَلَى النَّهْرِ عِنْدَ الطَّاحُونَةِ، فَقُتِلَتِ الرُّومُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَرَى النَّهْرُ وَطُحِنَتْ طَاحُونَتُهَا بِدِمَائِهِمْ فَأُنْزِلَ النَّصْرُ. وَقَتَلَتْ يَوْمَئِذٍ أُمُّ حَكِيمٍ سَبْعَةً مِنَ الرُّومِ بِعَمُودِ فُسْطَاطِهَا [2] ، وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [3] ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: فَلَمْ تُقِمْ مَعَهُ إِلَّا سَبْعَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ قَنْطَرَةِ أُمِّ حَكِيمٍ بِالصُّفَّرِ [4] ، وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِيمَا قِيلَ عَمْرٌو.
وَقْعَةُ فِحْلٍ [5]
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوةَ قَالَ: كَانَتْ وَقْعَةُ فِحْلٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ [6] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ [7] : شَهِدْنَا أَجْنَادَيْنَ ونحن يومئذ عشرون
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145، طبقات ابن سعد 4/ 98، 99.
[3] قتل عنها بأجنادين. (الاستيعاب 4/ 444) .
[4] طبقات ابن سعد 4/ 99، الاستيعاب 4/ 444.
[5] فحل: بكسر أوّله وسكون ثانيه. اسم موضع بالشام. (معجم البلدان 4/ 237) من الأردن. (تهذيب تاريخ دمشق 1/ 145) .
[6] تاريخ خليفة- ص 120، المعرفة والتاريخ 3/ 293 و 295.
[7] في تاريخ دمشق أن القائل هو عمرو بن العاص. (التهذيب 1/ 145) .

(3/85)


أَلْفًا، وَعَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَفَاءَتْ فِئَةٌ إِلَى فِحْلٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو فِي الْجَيْشِ فَنَفَاهُمْ عَنْ فحل.

(3/86)


خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِثَمانٍ بَقَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ [1] ، وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ إِلَى عُمَرَ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا.
فَأَوَّلُ مَا فَعَلَ عُمَرُ عَزَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَنْ إِمْرَةِ أُمَرَاءِ الشَّامِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ [2] ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِعَهْدِهِ [3] ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْعِرَاقِ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدِ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ وَالِدَ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ [4] ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي [5] .
__________
[1] تاريخ خليفة- ص 121، نهاية الأرب 19/ 128.
[2] المعرفة والتاريخ 3/ 296، تاريخ خليفة 122.
[3] فتوح الشام للأزدي 98.
[4] تاريخ خليفة 124.
[5] في حاشية النسخة (ح) : «بلغ مطالعة» .

(3/87)


الْمُتَوَفَّوْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْحُرُوفِ
(أَبَانُ بن سعيد بن العاص)
[1] بن أمية الأموي أَبُو الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي أُحَيْحَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى الشَّامِ، وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَانَ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مَكَّةَ، فَتَلَقَّاهُ أَبَانٌ هَذَا وَهُوَ يَقُولُ:
أَقْبِلْ وَأَسْهِلْ وَلَا تَخَفْ أَحَدًا ... بَنُو سَعِيدٍ أَعِزَّةُ الْبَلَدِ [2]
فَلَمَّا قَدِمَ أَخَوَاهُ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ، خالد وعمرو، أرسلا إليه إلى مَكَّةَ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَجَابَهُمَا، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ مسلما، ثمّ خرج الإخوة الثلاثة
__________
[1] نسب قريش 174، 175، طبقات خليفة 298، تاريخ خليفة 120 و 131، التاريخ الكبير 1/ 450 رقم 1439، التاريخ الصغير 1/ 35 و 52، الجرح والتعديل 2/ 295 رقم 1083، تاريخ الطبري 3/ 572، الأخبار الموفقيات 333، المعجم الكبير للطبراني 1/ 231 رقم 38، أنساب الأشراف 1/ 142 و 368 و 529 و 532، المحبّر 126 و 235، جمهرة أنساب العرب 81، 82، مشاهير علماء الأمصار 19 رقم 70، الاستيعاب 1/ 119، أسد الغابة 1/ 46- 48، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 127- 133، سير أعلام النبلاء 1/ 261 رقم 49، الوافي بالوفيات 5/ 299 رقم 2357، معجم بني أميّة 4 و 81، الإصابة 1/ 16، الكامل في التاريخ 2/ 414.
[2] في الاستيعاب «أقبل وأدبر» ، وفي الإصابة «أسبل وأقبل» ، وفيهما «الحرم» بدل «البلد» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «أقبل وأسبل» ، وفي سير أعلام النبلاء «أقبل وأنسل» .

(3/89)


مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ عَلَى الْأَصَحِّ.
(أَنَسَةُ [1] مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
مِنْ مُوَلَّدِي السَّرَاةِ.
رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ [2] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ بِبَدْرٍ، وَأَنَّهُ قَدْ شَهِدَ أُحُدًا وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا [3] .
وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: مَاتَ أَنَسَةُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ [4] ، وَكَانَ يُكْنَى أَبَا مِسْرَحٍ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَنَسَةَ كَانَ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ عَلَى النَّبِيِّ [5] .
(الْحَارِثُ بْنُ [6] أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ)
[7] قُتِلَ بِأَجْنَادَيْنَ. وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
(تَمِيمُ [8] بْنُ الْحَارِثِ بن قيس [9] ، وأخوه سعيد)
[10] قتلا بأجنادين،
__________
[1] تاريخ خليفة 99، المحبّر 128 و 258 و 288، المعجم الكبير للطبراني 1/ 269 رقم 52، الاستيعاب 1/ 113، 114، أسد الغابة 1/ 132، الوافي بالوفيات 9/ 424 رقم 4359، الإصابة 1/ 75 رقم 287، وفي العقد الفريد 2/ 195 «أبو أنسة» ، أنساب الأشراف 1/ 289 و 296 و 478، طبقات ابن سعد 3/ 48، 49.
[2] ابن سعد 3/ 48.
[3] الاستيعاب 1/ 114، أنساب الأشراف 1/ 296 و 478، ابن سعد 3/ 48.
[4] الاستيعاب 1/ 114، الوافي بالوفيات 9/ 424، أنساب الأشراف 1/ 478.
[5] المعجم الكبير للطبراني 1/ 269 رقم 779، المحبّر 258، أنساب الأشراف 1/ 478، ابن سعد 3/ 49.
[6] هذه الترجمة مؤخّرة في النسخة (ح) عن التي بعدها، وهو الصواب.
[7] الاستيعاب 1/ 287، أنساب الأشراف 1/ 329، أسد الغابة 1/ 316، 317.
[8] قيل اسمه «نمير» وقيل «بشر» . (انظر تاريخ دمشق بتحقيق دهمان 10/ 485) .
[9] الاستيعاب 1/ 183، فتوح البلدان 1/ 135، أنساب الأشراف 1/ 215، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 361، أسد الغابة 1/ 216، الإصابة 1/ 184 رقم 840.
[10] أنساب الأشراف 1/ 215، فتوح البلدان 1/ 135، الاستيعاب 2/ 8، الإصابة 2/ 44، 45

(3/90)


وَهُمَا مِنْ بَنِي سَهْمٍ، لَهُمَا صُحْبَةٌ، وَلِلْحَارِثِ الَّذِي قَبْلَهُمَا، وَهُمْ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ.
خَالِدُ بن سعد بن العاص [1]
ابن أُمَيَّةَ، أَبُو سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ.
فَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِهِ قَالَتْ: «كَانَ أَبِي خامسا في الإسلام، وهاجر إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَوَلَدْتُ أَنَا بِهَا» [2] .
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْهَا قَالَتْ: أَبِي أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ (بسم الله الرحمن الرحيم) .
__________
[ () ] رقم 3251، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 125، أسد الغابة 2/ 304، تاريخ الطبري 3/ 572، تاريخ خليفة 131، الكامل في التاريخ 2/ 414 وفيه تحرّفت «الحرث» إلى «الحرب» .
[1] طبقات ابن سعد 4/ 94- 100، نسب قريش 174، 175، طبقات خليفة 11 و 298، تاريخ خليفة 97 و 120 و 201، التاريخ الكبير 3/ 152 رقم 522، أخبار مكة للأزرقي 1/ 127، التاريخ الصغير 1/ 2، 4، 34، 35، المعارف 296، الجرح والتعديل 3/ 334 رقم 1500، فتوح البلدان 1/ 82 و 122 و 125 و 128 و 129 و 141 و 142، أنساب الأشراف 1/ 199، 220، و 366 و 439 و 529 و 532 و 588، جمهرة أنساب العرب 81، المحبّر 89 و 126 و 409، الأخبار الموفقيّات 333 و 594، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 172، الاستيعاب 1/ 399- 403، العقد الفريد 4/ 158 و 161 و 168، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 115 رقم 410، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 235) ، الخراج وصناعة الكتابة 275 و 284، 285، ثمار القلوب 622، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 48- 55، أسد الغابة 2/ 97، الزيارات 12، التذكرة الحمدونية 2/ 468، سير أعلام النبلاء 1/ 259، 260 رقم 48، البداية والنهاية 7/ 377، العقد الثمين 4/ 265، الوافي بالوفيات 13/ 252- 253 رقم 309، الوزراء والكتّاب 12، المستدرك 3/ 248- 251، تاريخ ثغر عدن 2/ 67 رقم 93، البدء والتاريخ 5/ 95، رسائل ابن حزم 3/ 199، المغازي النبويّة للزهري 96 و 151.
المستطرف 1/ 125، الوفيات لابن قنفذ 45، الإصابة 1/ 406- 407 رقم 2167، كنز العمّال 13/ 377، شذرات الذهب 1/ 30، تتمّة طبقات المالكية لابن مخلوف 81، خلاصة تذهيب التهذيب 1/ 278 رقم 1765، تاريخ الخميس 2/ 21، البدء والتاريخ 5/ 95، 96.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 94.

(3/91)


وَجَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صَنْعَاءَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَى بَعْضِ الْجَيْشِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ.
فَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّهُ قَتَلَ مُشْرِكًا ثُمَّ لَبَسَ سَلْبَهُ دِيبَاجًا أَوْ حَرِيرًا، فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ عَمْرٍو فَقَالَ: مَا تَنْظُرُونَ! مَن شَاءَ فَلْيَعْمَلْ مِثْلَ عَمَلِ خَالِدٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ لِبَاسَهُ [1] .
وَيُرْوَى أَنَّ الَّذِي قَتَلَ خَالِدًا أَسْلَمَ وَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ نُورًا سَاطِعًا إِلَى السَّمَاءِ.
وقيل: كان خالد وَسِيمًا جَمِيلًا، قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ.
(سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ)
[2] سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، تُوُفِّيَ فِيهَا فِي قَوْلٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرَهُمَا: إِنَّ سَعْدًا قَسَّمَ مَالَهُ وخرج إلى
__________
[1] ابن سعد 4/ 99.
[2] مسند أحمد 5/ 284 و 6/ 7، طبقات ابن سعد 3/ 613- 617، نسب قريش 200، طبقات خليفة 97، تاريخ خليفة 117 و 135، التاريخ الكبير 4/ 44 رقم 1911، التاريخ الصغير 1/ 39، المعارف 259، الجرح والتعديل 4/ 88 رقم 382، المستدرك 3/ 252- 254، فتوح البلدان 3/ 583، أنساب الأشراف 1/ 177 و 250 و 252 و 254 و 255 و 267 و 287 و 288 و 314 و 317 و 346 و 463 و 469 و 473 و 487 و 512 و 521 و 523 و 580 و 581 و 582 و 583 و 589، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 263) ، جمهرة أنساب العرب 365، العقد الفريد 2/ 34 و 4/ 257، و 259، 260، الاستيعاب 2/ 35- 41، المعرفة والتاريخ 1/ 294، مشاهير علماء الأمصار 10 رقم 20، المحبّر 233 و 269 و 271 و 273 و 277 و 423، الأخبار الموفقيات 579 و 591، المعجم الكبير للطبراني 6/ 17- 29 رقم 527، البدء والتاريخ 5/ 115، التذكرة الحمدونية 2/ 102 رقم 205، الاستبصار 93- 97، أسد الغابة 2/ 356، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 212، 213 رقم 204، تهذيب الكمال 1/ 474، دول الإسلام 1/ 15، الكاشف 1/ 278 رقم 1851، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 46، تلخيص المستدرك 3/ 252- 254، العبر 1/ 19، سير أعلام النبلاء 1/ 270- 279 رقم 55، الزيارات 12، مرآة الجنان 1/ 71، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 86- 93، الوافي بالوفيات 15/ 150- 152 رقم 203، تهذيب التهذيب 3/ 475، 476 رقم 883، تقريب التهذيب 1/ 288 رقم 90، الإصابة 2/ 30 رقم 3173، البداية والنهاية 7/ 33، خلاصة تذهيب التهذيب 134، كنز العمال 13/ 404، شذرات الذهب 1/ 28، البدء والتاريخ 5/ 115.

(3/92)


الشَّامِ فَمَاتَ، وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى ابْنِهِ قَيْسٍ فَقَالَا:
إِنَّ سَعْدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ تُوُفِّيَ وَأَنَّا نَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَى هَذَا الْوَلَدِ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ شَيْئًا صَنَعَهُ سَعْدٌ وَلَكِنَّ نَصِيبِي لَهُ [1] .
(سَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ)
[2] أَبُو هَاشِمٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو أَبِي جَهْلٍ.
كَانَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ [3] ، وَكَانَ قَدْ رَجَعَ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ فَحَبَسَهُ أَبُو جَهْلٍ وَأَجَاعَهُ ثُمَّ انْسَلَّ فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ [4] .
اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ [5] .
(السَّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ)
[6] بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ.
مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ هُوَ وَإِخْوَتُهُ. قُتِلَ يَوْمَ فِحْلٍ [7] .
(ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيُّ)
[8] ، لَهُ صُحْبَةٌ.
كَانَ من أبطال الأعراب وفرسانهم.
__________
[1] انظر التذكرة الحمدونية 2/ 102.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 130، 131، الجرح والتعديل 4/ 176 رقم 765، فتوح البلدان 1/ 135، تاريخ أبي زرعة 1/ 217، المستدرك 3/ 251، 252، المحبّر 97، أنساب الأشراف 1/ 197 و 208 و 210 و 460، تاريخ الطبري 3/ 42 و 169 و 402 و 418، مشاهير علماء الأمصار 35 رقم 197، الاستيعاب 2/ 85، 86، أسد الغابة 2/ 341، تلخيص المستدرك 3/ 251، البداية والنهاية 7/ 33، 34، الوافي بالوفيات 15/ 317 رقم 442، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 234، الإصابة 2/ 68، 69 رقم 3403.
[3] انظر في ذلك طبقات ابن سعد 4/ 130.
[4] ابن سعد 4/ 130.
[5] هذه الترجمة أثبتها المؤلّف في الحاشية، وأثبتها ابن الملّا في متن المنتقى.
[6] طبقات ابن سعد 4/ 195، تاريخ خليفة 91، الاستيعاب 2/ 102، الجرح والتعديل 4/ 242 رقم 1035، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 61، الوافي بالوفيات 15/ 101، 102 رقم 142، الإصابة 2/ 8، 9 رقم 3058.
[7] طبقات ابن سعد 4/ 195، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 61.
[8] طبقات خليفة 35 و 128، جمهرة أنساب العرب 193، الخراج وصناعة الكتابة 36، المحبّر

(3/93)


مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْلِبُ فَقَالَ: «دَعْ دَاعِي اللَّبَنِ» [1] . قَالَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْهُ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ عَلَى مَيْسَرَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَ بُصْرَى، وَشَهِدَ حُرُوبًا وَفُتُوحًا كَثِيرَةً، وَنَزَلَ الْجَزِيرَةَ وَمَاتَ بِهَا.
وَأَمَّا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُرْوَةُ فَذَكَرَا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَجْنَادَيْنَ.
(طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ)
[2] بْنِ وهب بن كثير [3] بن عبد بن قصيّ القرشيّ العبديّ.
__________
[87، 88،) ] المعرفة والتاريخ 2/ 654، الجرح والتعديل 4/ 464، 465 رقم 2043، التاريخ الكبير 4/ 338، 339 رقم 3050، فتوح البلدان 1/ 117 و 300 و 317، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 164 رقم 958، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 293) ، المستدرك 3/ 237، 238 و 620، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 33، 34، تجريد أسماء الصحابة 1/ 271، تلخيص المستدرك 3/ 237 و 620، الاستيعاب 2/ 211، 212، البداية والنهاية 7/ 34، الوافي بالوفيات 16/ 362، 363 رقم 394، طبقات ابن سعد 6/ 25، نسب قريش 321، المعجم الكبير للطبراني 8/ 353، أسد الغابة 3/ 39، الإصابة 2/ 208 رقم 4172، خزانة الأدب 2/ 8، فتوح الشام للأزدي 81، تعجيل المنفعة 195، 196 رقم 484.
[1] أخرجه الدارميّ في الأضاحي، باب 35، وأحمد في المسند 4/ 76، والحاكم في المستدرك 3/ 237، 620 ومن طريق ابن المبارك، عن الأعمش عن يعقوب بن بحير، عن ضرار بن الأزور رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم بلقوح من أهلي، فقال لي: «أحلبها» ، فذهبت لأجهدها، فقال: «لا تجهدها دع داعي اللبن» . صحيح الإسناد ولا يحفظ لضرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم غير هذا. ورواه من طريق سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن سنان، عن ضرار بن الأزور رضي الله عنه قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا أحلب فقال: «دع داعي اللبن» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 123، 124، المحبّر 72 و 173 و 406، أنساب الأشراف 1/ 88 و 177 و 147 و 202، فتوح البلدان 1/ 135، جمهرة أنساب العرب 128، الجرح والتعديل 4/ 499، 500 رقم 2200، تاريخ الطبري 3/ 402، الاستيعاب 2/ 227، 228، المستدرك 3/ 239، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 92، 93، الكامل في التاريخ 2/ 414 و 418، تلخيص المستدرك 3/ 239، البداية والنهاية 7/ 34، الوافي بالوفيات 16/ 493، 494 رقم 540، حذف من نسب قريش 59، أسد الغابة 3/ 65، العقد الثمين 5/ 73، الإصابة 2/ 233 رقم 4288.
[3] في طبعة القدسي 3/ 60 «كبير» والتصويب من: طبقات ابن سعد 3/ 3/ 123، والجرح

(3/94)


وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ [1] ، يُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَالزُّبَيْرُ.
وَقَدْ هَاجَرَ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْحَبَشَةِ [2] .
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَوَّلُ مُنْ دَمَّى مُشْرِكًا فَقِيلَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ طُلَيْبٌ لِحَى جَمَلٍ فَشَجَّ أَبَا جَهْلٍ بِهِ [3] .
اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ وَقَدْ شَاخَ [4] .
وَقَدِ انْقَرَضَ وَلَدُ عَبْدِ بْنِ قُصَيِّ [5] بْنُ كِلَابٍ، وَآخِرُ من بقي منهم لم يكن له مَنْ يَرِثُهُ مِنْ بَنِي عَبْدٍ، فورثه عبد الصّمد بن عليّ العبّاسيّ،
__________
[ () ] والتعديل 4/ 499، والمستدرك 3/ 239، والبداية والنهاية 7/ 34، وفي الاستيعاب 2/ 227، والإصابة 2/ 233 «ابن أبي كثير» .
[1] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 92.
[2] قال ابن سعد: قالوا: وكان طليب بن عمير من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية، ذكروه جميعا: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر، ومحمد بن عمر، وأجمعوا على ذلك» . (3/ 123) .. «وشهد طليب بدرا في رواية محمد بن عمر وثبّت ذلك ولم يذكره موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر ممّن شهد بدرا» . (3/ 123، 124) .
[3] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 93 وقد نقل ابن عساكر الرواية عن ابن سعد، وهي ليست في المطبوع من ترجمة طليب. وانظر جمهرة أنساب العرب 128، ويقال إن طليب أول من أهراق دما في سبيل الله، وقيل: بل سعد بن أبي وقّاص. (الاستيعاب 2/ 228) وقيل إنّ طليب دمّى «عوف بن صبرة السّهميّ» ، وليس أبا جهل. (الوافي بالوفيات 16/ 493، والإصابة 2/ 233) .
[4] أكثر الروايات تؤكّد أنّه استشهد وله خمسة وثلاثون عاما. (ابن سعد 3/ 124، الحاكم في المستدرك 3/ 239، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 93، الوافي بالوفيات 16/ 494) وهذا ينقض قول المؤلّف، وقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 34 أنه استشهد وقد شاخ.
[5] في المنتقى نسخة أحمد الثالث «عبد قصيّ» ، وهو وهم، والتصويب من الأصل وجمهرة أنساب العرب 128 وغيره من مصادر ترجمته.

(3/95)


وعبيد الله بْن عروة بْن الزُّبَيْر بالقعدد [1] إلى قصي، وهما سواء [2] .
(عبد الله بْن الزُّبَيْر)
[3] بْن عبد المطلب بْن هاشم الهاشمي.
قتل يوم أَجنادين، ووجدوا حوله عُصْبة من الروم قتلهم، ثُمَّ أثخنته الجراح فمات. وكان أحد الأبطال.
فعن الواقِديّ قَالَ: أول من قُتِل من الروم يوم أَجْنَادِينَ بطريق بَرَز وهو مُعَلَّم، فبرز إليه عبد الله بْن الزُّبَيْر فقتله، ولم يعرض لسلبه، ثُمَّ برز آخر فبرز إليه عبد الله فاقتتلا بالرمحين، ثُمَّ بالسيفين، فحمل عليه عبد الله بالسيف فضربه على عاتقه، وذكر الحديث. فلما فرغوا وجد عبد الله وحوله عشرة من الروم قتلى وهو مقتول بينهم. وعاش نحو ثلاثين سنة [4] .
(عبد الله بن عمرو الدّوسيّ)
[5] استشهد بأجنادين. مجهول، وذكره
__________
[1] بالقعدد: بضم القاف وسكون العين وضمّ الدال المهملة، أي بقربهم إلى الجدّ الأعلى قصيّ.
يقال رجل قعدد: قريب الآباء من الجدّ الأكبر. ويقال: هو أقعدهم أي أقربهم إلى الجدّ الأكبر. (تاج العروس- ج 6/ 49، 50) ويقال: ورث المال بالقعدى، كبشرى، أي بالقعدد. (6/ 61) .
[2] جمهرة أنساب العرب لابن حزم 128.
[3] هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. انظر عنه: المعارف 120، وفتوح البلدان 1/ 135، والاستيعاب 2/ 299، 300، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 396، والكامل في التاريخ 2/ 418، وأسد الغابة 3/ 241، وسير أعلام النبلاء 3/ 381- 383 رقم 55، والبداية والنهاية 7/ 34، والوافي بالوفيات 17/ 172 رقم 158، والعقد الثمين 5/ 140، والإصابة 2/ 308 رقم 4681.
وقد وهم محقّق سير أعلام النبلاء فأشار إلى موضع ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام بدلا منه.
(انظر السير 3/ 382 بالحاشية) .
[4] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 399، الاستيعاب 2/ 300، الكامل في التاريخ 2/ 418.
[5] هو حفيد الطفيل بن عمرو الملقّب بذي النّور، وقد مرّ في المتوفّين سنة 12 هـ. انظر عنه: فتوح الشام للأزدي 92، والاستيعاب 2/ 359، والكامل في التاريخ 2/ 418 وفيه «عبد الله بن الطفيل» بإسقاط «عمرو» ، والبداية والنهاية 7/ 34، وقال: «وليس هذا الرجل معروفا» ، والوافي بالوفيات 17/ 225 رقم 209 وفيه أيضا «عبد الله بن الطفيل» ، وفيه خلط بينه وبين جدّه الطفيل في تلقيبه بذي النور، والإصابة 2/ 351 رقم 4876 وفيه: «عبد الله بن عمرو بن

(3/96)


ابن سعد [1] .
(عثمان بْن طلحة الحجبي)
[2] وهم من قَالَ: إنه قُتِل بأجنادين، بقي إلى بعد الأربعين.
(عَتّاب بْن أسِيد)
[3] بْن أبي العيص بْن أُمَيَّة الأموي أَبُو عبد الرحمن.
أمير مكة.
__________
[ () ] الطفيل الأزدي ثم الأوسي ... » وهو وهم، والصحيح: «الدّوسي» .
[1] لم أجده في المطبوع من طبقات ابن سعد.
[2] الحجبي: بفتح الحاء والجيم وكسر الباء. نسبة إلى حجابة بيت الله المحرّم، وهم جماعة من عبد الدار، وإليهم حجابة الكعبة ومفتاحها. (اللباب 1/ 342) .
انظر عنه:
طبقات ابن سعد 5/ 448، نسب قريش 251 و 409، أخبار مكة للأزرقي 1/ 111 و 114 و 169 و 223 و 265 و 272 و 315، طبقات خليفة 14 و 277، تاريخ خليفة 205، أنساب الأشراف 1/ 54، فتوح البلدان 1/ 93، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 105 رقم 292، مسند أحمد 3/ 410، المعارف 70 و 267 و 575، التاريخ الكبير 6/ 229، 230 رقم 2253، الاستيعاب 3/ 92، 93، الجرح والتعديل 6/ 155 رقم 851، تاريخ الطبري 3/ 2 و 31، المنتخب من ذيل المذيّل 556، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 130، جمهرة أنساب العرب 127، المعرفة والتاريخ 1/ 272، المعجم الكبير للطبراني 9/ 53- 55 رقم 769، المستدرك 3/ 428، 429، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 352، أسد الغابة 3/ 372، الكامل في التاريخ 3/ 169، تهذيب الأسماء واللغات ق 1/ ج 1/ 320، 392، تهذيب الكمال 2/ 912، سير أعلام النبلاء 3/ 10- 12 رقم 2، الكاشف 2/ 219 رقم 3760، تلخيص المستدرك 3/ 428، 429، البداية والنهاية 8/ 23، العقد الثمين 6/ 21، شفاء الغرام للقاضي المكّي.
(بتحقيقنا) ج 1/ 209 و 225 و 226 و 227 و 229 و 233 و 234 و 239 و 240 و 248 و 249 و 252 و 254 و 254 و 398 وج 2/ 140 و 143 و 189 190 و 236 و 237 و 238 و 239 و 240 و 241 و 242 و 246، الإصابة 2/ 460 رقم 5440، تهذيب التهذيب 7/ 124 رقم 267، تقريب التهذيب 2/ 10 رقم 75، خلاصة تذهيب التهذيب 220.
[3] أسيد: بفتح أوله. انظر عنه:
طبقات ابن سعد 5/ 446، طبقات خليفة 11 و 277، تاريخ خليفة 87 و 88 و 92 و 97 و 117 و 123، المحبّر 11 و 12 و 126 و 127 و 258، فتوح البلدان 1/ 46 و 63 و 66، أنساب الأشراف 1/ 303 و 304 و 364 و 365 و 368 و 529، نسب قريش 187 و 312 و 418، أخبار مكة للأزرقي 1/ 285 و 2/ 151 و 153، التاريخ الكبير 7/ 54 رقم 244، المعارف 73 و 91 و 163 و 283، الأخبار الموفقيّات 333، تاريخ الطبري 3/ 73 و 94 و 318 و 319 و 322

(3/97)


أسلم يوم الفتح فاستعمله النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مكة [1] .
أرسل عنه سعيد بْن المسيب حديثًا خرجوه في السنن [2] .
وأقره أَبُو بكر على مكة فَتُوُفِّيَ بها فيما قيل يوم وفاة أبي بكر الصِّدِّيق، ومات شابّا.
عكرمة بن أبي جهل [3]
أبو عثمان القرشيّ المخزوميّ.
__________
[ () ] و 342 و 419 و 427 و 479 و 597 و 623 و 4/ 39 و 94 و 160، المستدرك 3/ 594، 595، جمهرة أنساب العرب 113 و 145 و 166، المعجم الكبير 17/ 161، 162، العقد الفريد 6/ 158، ربيع الأبرار 4/ 338، عيون الأخبار 1/ 230 و 2/ 55، الخراج وصناعة الكتابة 266، الاستيعاب 3/ 153، 154، ثمار القلوب 12 و 519، الجرح والتعديل 7/ 11 رقم 46، مشاهير علماء الأمصار 30 رقم 155، الزيارات 94، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 318، 319، رقم 386، الكاشف 2/ 212، 213 رقم 3706، تلخيص المستدرك 3/ 594، 595، البداية والنهاية 7/ 34، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 90 و 125 و 138 و 2/ 243 و 244 و 245 و 246 و 247 و 251 و 252 و 253 و 254 و 257، تهذيب التهذيب 7/ 89، 90 رقم 191، تقريب التهذيب 2/ 3 رقم 1، الإصابة 2/ 451 رقم 5391، خلاصة تهذيب التهذيب 257، الوفيات لابن قنفذ 41، البدء والتاريخ 5/ 107.
[1] نسب قريش 187، المحبّر 126 و 127.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 595 من طريق خالد بن نزار الأيلي، عن محمد بن صالح التمّار، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن عتّاب بن أسيد رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال في زكاة الكروم أنّها تخرص كما تخرص النخل ثم تؤدّى زكاته زبيبا كما تؤدّى زكاة النخل تمرا.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 444، 445، الأخبار الموفقيّات 583، 584، أخبار مكة للأزرقي 1/ 52 و 123 و 134، فتوح البلدان 1/ 92، 93، 121، 135، 141، أنساب الأشراف 1/ 296 و 303 و 312 و 316 و 318 و 319 و 329 و 330 و 333 و 354 و 356 و 456، المعارف 334 و 399، الخراج وصناعة الكتابة 276، 277، ثمار القلوب 21 و 76، تاريخ خليفة 60 و 61 و 92 و 116 و 120 و 123 و 131، الجرح والتعديل 7/ 6، 7 رقم 31، فتوح الشام للأزدي 46، 47، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 339) ، المنتخب من ذيل المذيّل 501، 502، التاريخ الكبير 7/ 48 رقم 217، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 174،

(3/98)


أبي الحكم عمرو بْن هشام بْن المُغِيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر [1] بْن مخزوم كان من رءوس الجاهلية كأبيه، ثُمَّ أسلم وحسن أسلامه.
قَالَ ابن أبي مُلَيْكَةَ: كَانَ عِكْرِمَةُ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ: لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ [2] .
أَسْلَمَ بعد الْفَتْحِ [3] ، وَقَدِمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» [4] . وَاسْتَعْمَلَهُ الصِّدِّيقُ عَلَى عُمَانَ حِينَ ارْتَدُّوا، فَقَاتَلَهُمْ، فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ [5] ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا، فَكَانَ أميرا على بعض الكراديس.
__________
[ () ] مقدمة مسند بقيّ بن مخلد 150 رقم 784، عيون الأخبار 1/ 339، 340، العقد الفريد 1/ 148 و 2/ 393، المعجم الكبير للطبراني 17/ 371- 374، الاستيعاب 3/ 148- 151، المستدرك 3/ 241- 243، التاريخ الصغير 1/ 35 و 39 و 49، الزيارات 34، تهذيب الكمال 2/ 950، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 338- 340 رقم 419، تجريد أسماء الصحابة 1/ 387، المعين في طبقات المحدّثين 24 رقم 93، الكاشف 2/ 240 رقم 3919، تلخيص المستدرك 3/ 241- 243، العبر 1/ 18، سير أعلام النبلاء 1/ 323، 324 رقم 66، أسد الغابة 4/ 70، العقد الثمين 6/ 119- 123، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 55 و 57 و 70 و 79 و 270 و 324 و 2/ 179 و 185 و 186 و 188 و 222 و 229 و 447، مجمع الزوائد 9/ 385، البداية والنهاية 7/ 34، الإصابة 2/ 496، 497 رقم 5638، تهذيب التهذيب 7/ 257، 258 رقم 469، تقريب التهذيب 2/ 29 رقم 271، خلاصة تذهيب التهذيب 270، كنز العمال 13/ 540، شذرات الذهب 1/ 27، 28، الوفيات لابن قنفذ 43.
[1] أثبتته القدسي في طبعته 3/ 61 «عمرو» واستند إلى الاستيعاب والإصابة. وأقول: الصحيح ما أثبتناه كما هو في الأصل وغيره، ونسب قريش- ص 318 وطبقات ابن سعد 5/ 444، وتهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 339 وغيره.
[2] رواه الطبراني عن أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، عن خالد بن خداش، عن حمّاد بن زيد، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة قال: كان عكرمة بن أبي جهل إذا اجتهد في اليمين قال:
والّذي نجّاني يوم بدر، وكان يأخذ المصحف ويضعه على وجهه ويقول: كلام ربّي، كلام ربّي.
(ج 17/ 371 رقم 1018) قال الهيثمي في المجمع 9/ 385 رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح. ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 243، وقال الذهبي في تلخيصه: مرسل.
[3] هكذا في الأصل وغيره وهو الصواب، وفي النسخة (ع) : «أسلم يوم الفتح» وهو وهم.
[4] سيأتي الحديث ثانية.
[5] فتوح البلدان 1/ 92، 93، وتاريخ خليفة 123، والخراج وصناعة الكتابة 277.

(3/99)


أَرْسَلَ عَنْهُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ حَدِيثًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالْحَدِيثُ ضَعِيفُ السَّنَدِ [1] .
ولم يُعْقِب عكرمة.
قَالَ الشافعي: كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام.
قَالَ عروة وغيره: اسْتُشْهِدَ بأجنادين.
وَقَالَ ابن سعد [2] وخليفة [3] : بها، وقيل: باليرموك.
وَقَالَ أَبُو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك فقاتل قتالًا شديدًا وقُتِل، فوجدوا به بضعًا وسبعين مَا بين ضربةٍ ورميةٍ وطعنة [4] .
(عَمْرِو بْن سَعِيدِ [5] بْن الْعَاصِ)
[6] بْن أُمَيَّةَ الأموي. أخو أبان، وخالد أولاد أبي أحيحة.
__________
[1] أخرجه الترمذيّ في الاستئذان (3736) باب ما جاء في مرحبا. وقال: ليس إسناده بصحيح. وموسى بن مسعود ضعيف. ورواه الطبراني في معجمه الكبير 17/ 373، 374 رقم 1022 عن علي بن عبد العزيز، وأبي مسلم الكشّي، عن أبي حذيفة، عن سفيان الثوري، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عن عكرمة بن أبي جهل قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يوم جئته: «مرحبا بالراكب المهاجر، مرحبا بالراكب المهاجر» .. الحديث. قال الهيثمي في المجمع 9/ 385: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، إلّا أن مصعب بن سعد لم يسمع من عكرمة. وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 242، وتعقّبه الذهبي في التلخيص بقوله: لكنه منقطع.
[2] في الطبقات 5/ 445.
[3] في التاريخ 131.
[4] الاستيعاب 3/ 151.
[5] في النسخة (ح) «سعد» وهو خطأ، والمثبت كما في الأصل وغيره.
[6] تاريخ خليفة 97 و 120 و 130 و 229 و 231 و 233 و 235 و 254 و 256 و 266، طبقات خليفة 11 و 298، نسب قريش 178، طبقات ابن سعد 4/ 100، 101، المعارف 145 و 296 و 615، ثمار القلوب 75 و 130 و 164، الجرح والتعديل 6/ 236 رقم 1308، المحبّر 21

(3/100)


أسلم عمرو ولحق بأخيه خالد بالحبشة، وقدم معه أيام خَيْبَر، وشهد فتح مكة، وَاسْتُشْهِدَ يوم أَجْنَادِينَ.
(الفضل بْن العباس)
الأصح مَوْتُهُ سنة ثماني عشرة.
(نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ)
[1] أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ الْقُرَشِيِّ. مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.
أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ [2] ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ هِجْرَةٌ إِلَى زَمَنِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقِيلَ: لَهُ رِوَايَةٌ.
اسْتُشْهِدَ يوم أجنادين، وقيل يوم اليرموك [3] .
ويروى أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ النَّحَّامَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ نحمة من نعيم» [4] .
__________
[ () ] و 67 و 126 و 409 و 460، عيون الأخبار 1/ 95 و 235، نسب قريش 174، 175، مشاهير علماء الأمصار 20 رقم 81، الاستيعاب 2/ 493- 495، فتوح الشام 137، 138، أسد الغابة 4/ 230، تهذيب الكمال 2/ 1035، دول الإسلام 1/ 52، 53، العبر 1/ 77، 78، سير أعلام النبلاء 1/ 261، 262 رقم 50، العقد الثمين 6/ 389- 394، تهذيب التهذيب 8/ 37، الإصابة 2/ 539 رقم 5846، خلاصة تذهيب التهذيب 289.
[1] نسب قريش 380، 381، تاريخ الطبري 3/ 418، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 126 رقم 535، مشاهير علماء الأمصار 25 رقم 116، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 130، 131 رقم 197، المستدرك 3/ 259، الاستيعاب 3/ 555- 557، طبقات ابن سعد 4/ 138، 139، الجرح والتعديل 8/ 459 رقم 2102، طبقات خليفة 24، تاريخ خليفة 120، مجمع الزوائد 9/ 370، ربيع الأبرار 4/ 304، التاريخ الكبير 8/ 92، 93 رقم 2307، فتوح البلدان 1/ 135، الكامل في التاريخ 2/ 414، تعجيل المنفعة 424 رقم 1114، الإصابة 3/ 567، 568 رقم 8776، البداية والنهاية 7/ 34، أسد الغابة 5/ 32، 33.
[2] في طبقات ابن سعد 4/ 138 أسلم بعد عشرة، وروى الحاكم أنه أسلم قبل الهجرة (3/ 259) .
[3] فتوح البلدان 1/ 135.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 138 من طريق الواقدي، عن يعقوب بن عمر، عن نافع العدوي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم العدوي. والواقدي متروك. وأخرجه الحاكم في

(3/101)


وَالنَّحْمَةُ: السَّعْلَةُ، وَقِيلَ النَّحْنَحَةُ الْمَمْدُودُ آخِرَهَا.
وَكَانَ يُنْفِقَ عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَدِيٍّ وَأَيْتَامِهِمْ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَقِمْ عِنْدَنَا عَلَى أَيّ دينٍ شئت، فو الله لَا يتعرض إليك أحدٌ إلا ذهبت أنفسنا دونك [1] .
ويقال: لما هاجر إلى المدينة كان معه أربعون من أهل بيته [2] .
أرسل عنه نافع، ومحمد بْن إبراهيم التَّيْميّ.
(هَبّار بْن الأسود)
[3] بْن المطلب بْن أسد، أَبُو الأسود القُرَشيّ الأسدي، له صحبة ورواية.
روى عنه عروة بْن الزُّبَيْر، وسليمان بْن يسار مرسلًا- إن كان اسْتُشْهِدَ بأجنادين- وابناه عبد الملك، وأبو عبد الله.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: إِنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ تناول زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعْنَةِ رُمْحٍ فَأُسْقِطَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَقَالَ:
«إِنْ وَجَدْتُمُوهُ فَاجْعَلُوهُ بَيْنَ حِزْمَتَيْ حَطَبٍ ثُمَّ احْرِقُوهُ» ، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يعذّب بعذاب الله» [4] .
__________
[ () ] المستدرك 3/ 259 من طريق ابن بالويه، عن الحسن بن علي بن شبيب المعمري، عن مصعب بن عبد الله الزبيري. ورواه المصعب في نسب قريش 380 مرسلا، ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 370 عن الطبراني، ولم أجده في معجمه الكبير.
[1] نسب قريش 380، طبقات ابن سعد 4/ 139.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 138.
[3] نسب قريش 218، 219، 346، تاريخ الطبري 3/ 418، أنساب الأشراف 1/ 357، 358، 397، 398، جمهرة أنساب العرب 118، 119، 178، البداية والنهاية 7/ 34، 35، المعجم الكبير للطبراني 22/ 200، 201، الاستيعاب 3/ 609، 610، أسد الغابة 5/ 51، 52، الإصابة 3/ 597، 598 رقم 7929، جمهرة نسب قريش وأخبارها 514، سيرة ابن هشام 2/ 312.
[4] الحديث في نسب قريش وهو مرسل- ص 219، وأخرج البخاري في الجهاد 4/ 21 باب لا يعذّب بعذاب الله، من طريق قتيبة بن سعيد عن الليث، عن بكير، عن سليمان بن يسار،

(3/102)


ثُمَّ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ، فَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ يُسَبُّ وَلَا يَسُبُّ مَنْ سَبَّهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَن سَبَّكَ سُبَّهُ [1] » .
(هَبَّار بْن سُفْيَان)
[2] بْن عبد الأسد [3] الأزدي المَخْزُومِيّ.
قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة. اسْتُشْهِدَ يوم أَجْنَادِينَ على الأصح، ويقال يوم مؤتة قبل ذلك [4] ، وهو ابن أخي أبي سلمة.
هشام بْن العاص [5]
ابن وائل أَبُو مطيع القرشي أخو عمرو، وكان هشام الأصغر. شهد
__________
[ () ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعث فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أردنا الخروج: إنّي أمرتكم أن تحرّقوا فلانا وفلانا وإنّ النار لا يعذّب بها إلّا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما. وأخرج أحمد في مسندة 1/ 423 من طريق الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبد الله، عن عبد الله قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم فمررنا بقرية نمل فأحرقت فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا ينبغي لبشر أن يعذّب بعذاب الله عزّ وجلّ» .
[1] نسب قريش 219، جمهرة نسب قريش 514.
[2] فتوح الشام للأزدي 92، فتوح البلدان 1/ 135، أنساب الأشراف 1/ 207، تاريخ الطبري 3/ 402، الاستيعاب 3/ 609، الإكمال 7/ 403، أسد الغابة 5/ 54، البداية والنهاية 7/ 35، الإصابة 3/ 599 رقم 8930.
[3] في نسخة دار الكتب «بن عبد الله» ، والتصويب من الأصل ومصادر ترجمته.
[4] فتوح البلدان 1/ 135، أنساب الأشراف 1/ 207.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 191- 194، تاريخ خليفة 120، طبقات خليفة 26 و 299، فتوح الشام للأزدي 92، المحبّر 433، المعارف 285، فتوح البلدان 1/ 116 و 135، أنساب الأشراف 1/ 197 و 215 و 220، تاريخ الطبري 3/ 402 و 418، المعجم الكبير 22/ 177، 178، الجرح والتعديل 9/ 63 رقم 247، جمهرة أنساب العرب 163، الاستيعاب 3/ 593، 595، المستدرك 3/ 240، 241، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 168، الكامل في التاريخ 2/ 414 و 417، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 137 رقم 210، التذكرة الحمدونية 2/ 128، أسد الغابة 5/ 64، سير أعلام النبلاء 3/ 77- 79 رقم 16، تلخيص المستدرك 3/ 240، 241، البداية والنهاية 7/ 35، العقد الثمين 7/ 374، الإصابة 3/ 604، 605 رقم 8966.

(3/103)


لهما النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإيمان فَقَالَ: «ابنا العاص مؤْمِنان» [1] . وله عَنِ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث رواه عنه ابن أخيه عبد الله.
وقد أرسله الصِّدِّيق رسولًا إلى ملك الروم، وأسلم قبل عمرو، وهاجر إلى الحبشة، فلما بلغه هجرة النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم مكة فحبسه أبوه، ثُمَّ هاجر بعد الخندق. وجاء أنه كان يتمنى الشهادة فرزقها يوم أَجْنَادِينَ على الصحيح، وقيل يوم اليرموك، وكان فارسًا شجاعًا مذكورًا. ولم يُعْقِب [2] .
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ هِشَامٌ وَعَمْرٌو» [3] . جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [4] بْنِ عبيد بن عمير قال: قال عمرو ابن الْعَاصِ: شَهِدْتُ أَنَا وَأَخِي هِشَامٌ الْيَرْمُوكَ فَبَاتَ وَبِتُّ نَدْعُو اللَّهَ يَرْزُقنَا الشَّهَادَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا رُزِقَهَا وَحُرِمْتُهَا.
وقيل إنّ هشام بْن العاص كان يحمل فيهم فيقتل النَّفَر منهم حتى قتل
__________
[1] سيأتي الحديث كاملا.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 191، المعارف 285، أنساب الأشراف 1/ 215، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 137.
[3] أخرجه احمد في المسند 2/ 304 و 327 و 353، وابن سعد في الطبقات 4/ 191، والحاكم في المستدرك 3/ 240، والطبراني في المعجم الكبير 22/ 177 رقم 461 قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرّجاه. وذكره الحافظ الذهبي في تلخيصه دون تعقيب. وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: وهذا سند حسن، وسكت عليه الحاكم والذهبي ومن عادتهما أن يصحّحا هذا الإسناد على شرط مسلم. وله شاهد خرّجه ابن عساكر من طريق ابن سعد 4/ 192 من حديث عمرو بن حزم، ورجاله ثقات غير عمرو بن حكّام، وهو ضعيف إلّا أنّه مع ضعفه يكتب حديثه كما قال ابن عديّ. (الكامل في الضعفاء 5/ 1788) فهو صالح للاستشهاد.
قال في مجمع الزوائد 9/ 352: رواه الطبراني في الأوسط (مجمع البحرين 363) والكبير، وأحمد. ورجال الكبير، وأحمد رجال الصحيح غير محمد بن عمرو وهو حسن الحديث.
[4] في الأصل «عنبسة» وهو وهم. والتصحيح من بقيّة النسخ.

(3/104)


ووطئته الخيل. حتى جمع أخوه لحمه في نطعٍ فواراه [1] .
وعن زيد بْن أسلم قَالَ: لما بلغ عُمَر قتْلُهُ قَالَ: رحمه الله فنعم العون كان للإسلام [2] .
أَبُو بَكْر الصِّدِّيق
خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اسمه عبد الله- ويقال عتيق- بن أبي قُحافة عُثْمَانَ بْن عَامِرِ بْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ [3] بْن كعب بْن لؤي القرشي التَّيْميّ رضي الله عنه.
روى عنه خلْق من الصحابة وقدماء التابعين. من آخرهم أَنْس بْن مالك، وَطَارِقِ بْن شِهَابٍ، وَقَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ، ومُرَّة الطيب.
قَالَ ابن أبي مُلَيْكَة وغيره: إنّما كان عتيق لقبًا له [4] .
وعن عائشة قالت: اسمه الَّذِي سمّاه أهلُهُ به (عبد الله) ولكن غَلَب عليه (عَتِيق) [5] .
وَقَالَ ابن معين: لَقَبه عتيق لأنّ وجهه كان جميلًا، وكذا قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد [6] .
وَقَالَ غيره: كان أعلم قريش بأنسابها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 193 و 194.
[2] ابن سعد 4/ 194.
[3] هنا يلتقي نسبه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (انظر: المعارف 167) .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 170.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 170، الحاكم في المستدرك 3/ 62 من طريق صالح بن موسى الطلحي، عن معاوية بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عنها، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 41 روى بعضه الترمذي.
[6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 52 رقم (4) عن أحمد بن المعلّى الدمشقيّ، عن هشام بن خالد، عن ضمرة بن ربيعة، عن الليث بن سعد، ورجاله ثقات. وانظر: مجمع الزوائد 9/ 41، والمعارف 167.

(3/105)


وقيل: كان أبيض نحيفًا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم [1] .
وكان أول من آمن من الرجال [2] .
وَقَالَ ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة:
عَتيق.
وعن عائشة قالت: مَا أسلم أَبُو أحدٍ من المهاجرين إلا أَبُو بكر.
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: كان أَبُو بكر أبيض أصفر لطيفًا جعدًا مسترق [3] الوركين، لَا يثبت إزاره على وركيه [4] .
وَجَاءَ أَنَّهُ اتَّجَرَ إِلَى بُصْرَى غَيْرَ مَرَّةٍ، وأنّه أنفق أمواله عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مال أبي بكر» [5] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 188 وانظر حديث الزهري بعد قليل.
[2] ابن سعد 3/ 171.
[3] كذا في الأصل، والنسخة (ح) . وفي غيرهما «مستدقّ» .
[4] أخرج الطبراني في معناه حديثا من طريق الواقديّ، عن شعيب بن طلْحة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها رأت رجلا مارّا وهي في هودجها فقالت: ما رأيت رجلا أشبه بأبي بكر من هذا، فقيل لها: صفي لنا أبا بكر، فقالت: كان رجلا أبيض نحيفا خفيف العارضين أحنى لا تستمسك أزرته تسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع، هذه صفته. (المعجم الكبير 1/ 56، 57 رقم 21) وهو ضعيف لضعف الواقدي. والأشاجع: مفاصل الأصابع.
[5] أخرجه الترمذي في المناقب 5/ 271 رقم (3741) باب (52) في مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه من طريق عليّ بن الحسن الكوفي، عن محبوب بن محرز القواريري، عن داود بن يزيد الأوديّ، عن أبيه، عن أبي هريرة: في حديث أطول من هذا، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة 1/ 36 رقم 94 باب (11) في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعليّ بن محمد قالا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما نفعني مال

(3/106)


وقال عروة بن الزّبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار [1] .
وَقَالَ عمرو بْن العاص: يَا رَسُولَ اللَّهِ أي الرجال أحب إليك؟ قَالَ «أَبُو بكر [2] » . وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يبغض أبا بكر وعمر مؤمنٌ ولا يحبُّهما منافق» . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أَبِي بكر وعمر فقال: «هذان سيدا كهول أهل الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ [3] » . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وجوه مقاربة عن زرّ ابن حُبَيْشٍ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَهَرِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مثله.
__________
[ () ] قط، ما نفعني مال أبي بكر» قال: فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله! هل أنا ومالي إلّا لك، يا رسول الله. وكذا رواه أحمد في المسند بسنده 2/ 253، وبلفظ آخر من الطريق نفسه 2/ 366، وإسناده إلى أبي هريرة فيه مقال، لأنّ الأعمش يدلّس، وكذا أبو معاوية، إلّا أنه صرّح بالتحديث، فزال التدليس. وباقي رجاله ثقات.
وقال الهيثمي: وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما نفعنا مال أحد ما نفعنا مال أبي بكر» . رواه أبو يعلى. ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسرائيل وهو ثقة مأمون. (مجمع الزوائد 9/ 51) .
[1] طبقات ابن سعد 3/ 172.
[2] ابن سعد 3/ 176 من طريق حمّاد بن سلمة، عن الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عمرو بن العاص قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إليك؟ قال: «عائشة» ، قلت:
إنّما أعني من الرجال، قال: «أبوها» .
[3] أخرجه الترمذي في المناقب 5/ 273 رقم (3747) بلفظ: «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، ما خلا النبيّين والمرسلين. لا تخبرهما يا عليّ» ، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة 1/ 36 رقم (95) باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بلفظ «إلّا» بدل «ما خلا» ، وزيادة «ما داما حيّين» في آخره.

(3/107)


أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [1] ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُوَقَّرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يصحّ [2] .
وقال ابن مسعود: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» [3] . رَوَى مِثْلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَزَادَ: «وَلَكِنْ أخي وصاحبي في اللَّهِ، سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ [4] أَبِي بَكْرٍ [5] » . هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أبو بكر سيّدنا وخيرنا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ [6] .
وصح من حديث الجريري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لعائشة: أيّ أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: أَبُو بكر، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، قُلْتُ: ثُمَّ من؟ قالت: أَبُو عبيدة، قلت: ثمّ من؟ فسكتت [7] .
__________
[1] في المناقب 5/ 272، 273 رقم (3746) باب (53) .
[2] لأن الوليد بن محمد الموقريّ يضعّف في الحديث. وفي الباب عن أنس، وابن عبّاس.
(الترمذي) 5/ 272 رقم 3745) ، وأخرجه أحمد في المسند 1/ 80 من طريق الحسن بن زيد بن حسن، عن أبيه، عن أبيه، عن عليّ، وأخرجه ابن ماجة أيضا في المقدّمة 1/ 38 رقم (100) عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
[3] رواه مسلم في فضائل الصحابة (2383) باب مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي برواية أبي سعيد الخدريّ، في المناقب 5/ 270 رقم (3740) وقال حديث حسن صحيح. وانظر: جامع الأصول 8/ 590.
[4] الخوخة: نافذة كبيرة بين دارين، عليها باب يخترق بينهما. (مشارق الأنوار، النهاية) .
[5] أخرجه البخاري في الصلاة 1/ 120 باب الخوخة والممرّ في المسجد.
[6] في المناقب (3736) وقال: صحيح غريب.
[7] رواه الترمذي في المناقب (3737) وقال: حديث حسن صحيح.

(3/108)


مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» [1] عَنْ أَبِي النَّصْرِ، عَنْ عُبَيْدِ [2] بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَدَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَعَجِبْنَا، فَقَالَ النَّاسُ:
انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ [3] .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ مِنْ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ [4] ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ [5] .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ [6] ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بها يوم القيامة، وما نفعني
__________
[1] هذا الحديث عند القعنبي في الزّيادات، وليس في شيء من الموطّآت، وقد رواه في غير الموطّأ جماعة عن مالك، والله أعلم. على ما في (التقصّي لحديث الموطّأ وشيوخ الإمام مالك لابن عبد البرّ- ص 275) .
[2] في (ع) (عبيد الله) وهو وهم على ما في (الخلاصة) .
[3] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 190 باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر، ومسلم في فضائل الصحابة (2382) ، والترمذي في المناقب 5/ 270 رقم (3740) .
[4] في الأصل «أبو بكر» وكذا عند الترمذي. وفي المنتقى «أبا بكر» ، وكذا في: اللؤلؤ والمرجان فيما اتّفق عليه الشيخان- محمد فؤاد عبد الباقي 3/ 123.
[5] أخرجه الترمذي مع الحديث الّذي قبله في المناقب (3740) وقال: حديث حسن صحيح.
[6] أخرجه الترمذي في المناقب 5/ 269 رقم (3739) .

(3/109)


مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ [1] : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَكَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ» [2] . وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ» [3] . تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ [4] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ [5] قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ [6] .
__________
[1] في المناقب 5/ 270، 271 رقم (3741) باب مناقب أبي بكر الصّدّيق.
[2] رواه الترمذي في المناقب 5/ 275 رقم (3752) باب مناقب أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وفي سنده كثير بن إسماعيل النّواء وهو ضعيف.
[3] رواه الترمذيّ في المناقب 5/ 276 رقم (3755) وقال: هذا حديث غريب.
[4] انظر عنه: الكامل في الضعفاء لابن عديّ 5/ 1881- 1883، والتاريخ الكبير 6/ 401 رقم 2780، والتاريخ الصغير 180، والضعفاء الصغير 371 رقم 266، والضعفاء والمتروكين للنسائي 299 رقم 325، والتاريخ لابن معين 2/ 465، والضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ 136 رقم 413، والجرح والتعديل 6/ 287 رقم 1595، والضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 387، 388 رقم 1427، والمغني في الضعفاء 2/ 501، 502 رقم 4834، وميزان الاعتدال 3/ 325، 326 رقم 6617.
[5] قال جبير بن مطعم: كأنّها تعني الموت.
[6] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 191، ومسلم في فضائل الصحابة (2386) باب من فضائل أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، والترمذي في المناقب 5/ 277 رقم (3758) وقال: هذا حديث صحيح، وابن سعد في الطبقات 3/ 178.

(3/110)


وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن عليّ قَالَ: لقد أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر أن يصليّ بالنّاس، وإني لشاهدٌ وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي الله عنه به النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لديننا [1] .
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ [2] .
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ: ثنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ: «ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ لِكَيْلا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ» [3] . تَابَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، ولفظه: «معاذ الله أن يختلف المؤمنون فِي أَبِي بَكْرٍ» [4] . وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [5] ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عُمَرُ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَأَمَّ النَّاسَ، فَأيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: نَعُوذُ باللَّه أَنْ نتقدّم أبا بكر [6] .
__________
[1] صفة الصفوة 1/ 257.
[2] رواه مسلم في فضائل الصحابة (2387) باب من فضائل أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وأحمد في المسند 6/ 106 و 144، وابن سعد في الطبقات 3/ 180.
[3] رواه أحمد في المسند 6/ 106.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 180.
[5] ابن مسعود.
[6] أخرجه النسائيّ في الإمامة 2/ 74 و 75 باب ذكر الإمامة والجماعة، وإسناده حسن. ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 67 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 179.

(3/111)


وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخُولانِيّ قَالَ: سمعت أبا الدَّرْدَاء يَقُولُ: كان بين أبي بكر وعمر محاورةٌ فأغضب أَبُو بكر عُمَر، فانصرف عنه عُمَر مُغْضَبًا فاتبعه أَبُو بَكْر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أَبُو بكر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء:
ونحن عنده، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما صاحبكم هذا فقد غَامَرَ» ، قَالَ:
وندم عُمَر على مَا كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقصّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وغِضبَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل أَبُو بكر يَقُولُ: والله يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَا كنتُ أظْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هل أنتم تاركون [1] لي صاحبي؟ إنّي قلت يا أيها النَّاس إني رسول الله إليكم جميعًا، فَقُلْتُم: كذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بكر: صَدَقْتَ [2] » . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالانِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى جَعْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي الْبَابَ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي» [3] . أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى جَعْدَةَ لَا يُعْرَفُ إِلا بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ [4] ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أبايعك، فإنّي سمعت رسول
__________
[1] في الأصل وبقيّة النّسخ «تاركو لي» ، والتصويب من صحيح البخاري.
[2] أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم 4/ 192 باب قول النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا، وفي تفسير سورة الأعراف، باب: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً 7: 158.
[3] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 73 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
[4] قيّدت في (ع) بضمّ الباء، والصواب ضبطها بالفتح على ما في (نزهة الألباب في الألقاب للحافظ ابن حجر) .

(3/112)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنْتَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يؤمنّا، حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ لأَنَّ فِي الْقُرآنِ فِي المهاجرين: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 49: 15 [2] ، فَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ صَادِقًا لَمْ يَكْذِبْ، هُمْ سَمَّوْهُ وَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ:
لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ وَعَلَى سَاعِدِهِ أبْرَاد، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا؟ قَالَ يَعْنِي لِي عِيَالٌ، قَالَ: انْطَلِقْ يَفْرِضْ لَكَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَانْطَلَقَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ:
أَفْرِضُ لَكَ قُوتَ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَكِسْوَتَهُ، وَلَكَ ظَهْرُكَ [3] إِلَى الْبَيْتِ [4] .
وقالت عائشة: لمّا استُخْلِفَ أَبُو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وَقَالَ: قد كنتُ أتَّجِرُ فيه وألْتَمِسُ به، فلمّا وُلِّيتُهُم شغلوني [5] وَقَالَ عطاء بْن السائب: لمّا استُخْلِف أَبُو بكر أصبح وعلى رقبته أثواب
__________
[1] رواه أحمد في المسند 1/ 35، وابن سعد في الطبقات 3/ 181 من طريق العوّام، عن إبراهيم التيمي.
[2] سورة الحجرات، الآية 49، وسورة الحشر، الآية 59.
[3] يعبّر عن المركوب بالظهر. (بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي) .
[4] أخرج ابن سعد نحوه في الطبقات 3/ 184، 185 من طريق عفّان بن مسلم، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر: رضيت. وانظر: صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 258.
[5] أخرج ابن سعد 3/ 185 نحوه من طريق الزُّهْرِيِّ. عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ولي أبو بكر قال: قد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن لتعجز عن مئونة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين وسأحترف للمسلمين في مالهم وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال.

(3/113)


يتجر فيها، فلقيه عُمَر وأبو عبيدة فكلَّماه فَقَالَ: فمن أين أطْعِم عيالي؟
قالا: أنْطِلقْ حتى نفرض لك، قَالَ: ففرضوا له كل يومٍ شطر شاة، وماكسوه في الرأس والبطن، وَقَالَ عُمَر: إليَّ القضاء، وَقَالَ أَبُو عبيدة: إليَّ الفيء، فَقَالَ عُمَر: لقد كان يأتي عليّ الشهرُ مَا يختصم إليّ فيه اثنان [1] .
وعن ميمون بْن مِهران قَالَ: جعلوا له ألفين وخمسمائة [2] .
وَقَالَ محمد بْن سيرين: كان أَبُو بكر أعْبَرَ هذه الأمة لِرُؤْيَا بعد النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار عن بعض أشياخه قَالَ: خُطَباء الصحابة: أَبُو بكر، وعليّ.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ شِعْرًا فِي جَاهِلِيَّةِ وَلا فِي إِسْلامٍ، وَلَقَدْ تَرَكَ هُوَ وَعُثْمَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَالَ كثير النَّواء، عَنْ أبي جعفر الباقر: إنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: وَنَزَعْنا مَا في صُدُورِهِمْ من غِلٍّ إِخْواناً 15: 47 [3] الآية. وَقَالَ حُصَيْن، عَنْ عبد الرحمن بْن أبي ليلى أن عُمَر صعِد المنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: ألا إنّ أفضل هذه الأمة بعد نبيها أَبُو بكر، فمن قَالَ غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مُفْتَرٍ، عليه مَا على الْمُفْتَرِي.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٌ: ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابن
__________
[1] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 184، وروى بعضه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 257.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 185.
[3] سورة الحجر، الآية 47.

(3/114)


عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ اسْتَوَى النَّاسُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ ... وَقَالَ عليّ: «خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْر، وعمر» . هذا والله العظيم قاله عليّ وهو متواتِرٌ عنه، لأنه قاله على منبر الكوفة، فقاتل الله الرّافضة مَا أجهلهم.
وقال السّدّيّ، عن عبد خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الْمَصَاحِفِ أَبُو بَكْرٍ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ [1] . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ عقيل، عَنِ الزُّهْرِيّ أنّ أبا بكر والحارث بْن كِلْدَةَ كانا يأكلان خزيرةً [2] أُهْدِيَت لأبي بكر، فَقَالَ الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إنّ فيها لَسمّ سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحد، قَالَ: فلم يزالا عليلَيْن حتى ماتا في يومٍ [واحد] [3] عند انقضاء السنة [4] .
وعن عائشة قالت: أوّل ما بدئ مَرَضُ أبي بكر أنّه اغْتَسَلَ، وكان يومًا باردًا فحُمّ خمسة عشر يومًا لَا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصّلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألْزمهُم له في مرضه. وتُوُفِّيَ مساءَ ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم [5] .
وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلَّا أربع ليالٍ، عَنْ ثلاث وستين سنة [6] .
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 193.
[2] لحم يقطّع ويصبّ عليه الماء، فإذا نضج ذرّ عليه الدّقيق، على ما في (النهاية) .
[3] ساقطة من نسخة القدسي 3/ 71 (انظر طبقات ابن سعد، والمستدرك) .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 198، والمستدرك للحاكم 3/ 64.
[5] ابن سعد 3/ 202 وفيه «ثلاثة أشهر وعشر ليال» .
[6] ابن سعد 3/ 202، تاريخ الطبري 3/ 420.

(3/115)


وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بُرْدَانُ بْنُ أَبِي النَّضْرِ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَأَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ [2] ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، قَالَ: وَإِنْ، فَقَالَ: هُوَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَان فَسَأَلَهُ عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: عِلْمِي فِيهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلانِيَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَاللَّهِ لَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُكَ، وَشَاوَرَ مَعَهُمَا سَعِيد بْن زَيْدٍ، وَأُسَيْد بْن الْحُضَيْرِ وَغَيْرهمَا [3] ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا سَأَلَكَ عَنِ اسْتِخْلافِكَ عُمَرَ وَقَدْ تَرَى غِلْظَتَهُ؟ فَقَالَ: أَجْلِسُونِي، أباللَّه تُخَوِّفُونِي [4] ! أَقُولُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ [5] .
ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا، وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا، حَيْثُ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ، وَيُوقِنُ الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ الْكَاذِبُ، إني استخلفت عليكم بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وإنّي لم
__________
[1] في نسخة دار الكتب «عن أبي النضر» وهو خطأ، والتصويب من الأصل وطبقات ابن سعد، وتهذيب التهذيب 3/ 431 واسمه إبراهيم.
[2] في نسخة القدسي 3/ 71 «النخعي» والتصحيح من طبقات ابن سعد.
[3] في طبقات ابن سعد زيادة: «من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللَّهمّ أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى ويسخط للسّخط، الّذي يسر خير من الّذي يعلن، ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، وسمع بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر ... » .
[4] في طبقات ابن سعد زيادة: «خاب من تزوّد من أمركم بظلم» .
[5] زاد في الطبقات: «أبلغ عنّي ما قلت لك من وراءك» ، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 428، وابن الأثير 2/ 425، ومناقب عمر لابن الجوزي 53.

(3/116)


آل [1] الله ورسوله وديته وَنَفْسِي وَإِيَّاكُمْ خَيْرًا، فَإنْ عَدَلَ فَذَلِكَ ظَنِّي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ [2] ، وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 26: 227 [3] .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: لَمَّا أَنْ كَتَبَ عُثْمَانُ الْكِتَابَ أُغْمِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ اسْمَ عُمَرَ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: اقْرَأْ مَا كَتَبْتَ، فَقَرَأَ، فَلَمَّا ذَكَرَ (عُمَرَ) كَبَّر أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ إِنْ افْتَلَتَتْ نَفْسِي الاخْتِلافَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الإِسْلامِ خَيْرًا، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ لَهَا أَهْلا [4] .
وَقَالَ عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَالِحِ ابن كَيْسَانَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، وقد رواه اللّيث ابن سَعْدٍ، عَنْ عُلْوَانَ، عَنْ صَالِحٍ نَفْسِهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، أَمَّا إِنِّي عَلَى مَا تَرَى وَجِعٌ، وَجَعَلْتُمْ لِي شُغُلا مَعَ وَجَعِي، جَعَلْتُ لَكُمْ عَهْدًا بَعْدِي، وَاخْتَرْتُ لَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي فَكُلُّكُمْ وَرِمَ لِذَلِكَ أَنْفُهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لَهُ [5] .
ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي لا آسَى عَلَى شَيْء إِلا عَلَى ثَلاثٍ فَعَلْتُهُنَّ [6] ، وَثَلاثٍ لَمْ أَفْعَلْهُنَّ [6] ، وَثَلاثٍ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهنّ: وددت أنّي لم
__________
[1] في حاشية الأصل: (لم أقصر) .
[2] زاد في الطبقات: «من الإثم» .
[3] سورة الشعراء، الآية 227.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 199، 200، مناقب عمر لابن الجوزي 54، تاريخ الطبري 4/ 52.
[5] أضاف الطبراني: «ورأيت الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل وهي جائية وستنجدون بيوتكم بسور الحرير ونضائد الديباج، وتألمون ضجائع الصوف الأذري، كأنّ أحدكم على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حدّ له من أن يسيح في غمرة الدنيا» .
[6] زاد الطبرانيّ: «وددت أني لم أفعلهنّ» .

(3/117)


أَكُنْ كَشَفْتُ بَيْتَ فَاطِمَةَ وَتَرَكْتُهُ وَأَنْ أُغْلِقَ عليّ الحرب، ووددت أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الأَمْرَ فِي عُنُقِ عُمَرَ أَوْ أَبِي عُبَيْدَةَ [1] ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ وَأَقَمْتُ بِذِي الْقِصَّةِ، فَإِنْ ظفر المسلمون وإلّا كنت لهم مددا ورداء، وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالأَشْعَثِ أَسِيرًا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ لا يَكُونُ شَرٌّ إِلا طَارَ إِلَيْهِ، وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالْفُجَاءَةِ السُّلَمِيِّ لَمْ أَكُنْ حَرَّقْتُهُ وَقَتَلْتُهُ أَوْ أَطْلَقْتُهُ [نَجِيحًا] [2] ، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الشَّامِ وَجَّهْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ يَمِينِي وَشِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْ هَذَا الأَمْرُ وَلا يُنَازِعُهُ أَهْلَهُ، وَأَنِّي سَأَلْتُهُ هَلْ لِلأَنْصَارِ فِي هَذَا الأَمْرِ شَيْءٌ؟ وَأَنِّي سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الأَخِ، فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا حَاجَةً، رَوَاهُ هَكَذَا وَأَطْوَلَ مِنْ هَذَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَائِذٍ [3] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَضَرْتُ أَبِي وَهُوَ يَمُوتُ فَأَخَذَتْهُ غشْيَةٌ فتمثَّلْتُ:
مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ [4]
فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، ولكن كما قال الله تعالى:
__________
[1] زاد الطبراني: «فكان أمير المؤمنين وكنت وزيرا» ، وفي تاريخ الطبري: «فكان أحدهما أميرا، وكنت وزيرا» .
[2] أضفناها من المعجم الكبير للطبراني، وتاريخ الطبري.
[3] انظر الحديث بطوله في المعجم الكبير للطبراني 1/ 62، 63 رقم 43، وتاريخ الطبري 3/ 429- 431 بتقديم وتأخير. وانظر قسما منه في الكامل للمبرّد 1/ 5.
[4] هكذا في الأصل، وطبقات ابن سعد. وفي النهاية لابن الأثير:
من لا يزال دمعه مقنّعا ... لا بد يوما أنه يهراق
والمقنّع: المحبوس في جوفه.

(3/118)


وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 50: 19 [1] .
وَقَالَ موسى الجُهنيُّ عَنْ أبي بكر بْن حفص بْن عُمَر: إنّ عائشة تمثَّلَت لمّا احتضر أَبُو بكر:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصَّدْرُ
فَقَالَ: ليس كذلك ولكن: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 50: 19، إنّي نَحَلْتُكِ حائطًا وإنّ في نفسي منه شيئا فردّيه على الميراث، قالت: نعم، قَالَ: أما إنّا مُنْذُ وُلِّينا أمر المُسْلِمين لم نأكل لهم دينارًا ولا درهمًا ولكنّا أكلنا من جريش [2] طعامهم في بطوننا، ولبِسْنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المُسْلِمين شيءٌ إِلَّا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة [3] ، فإذا مت فابعثي بهنّ إلى عُمَر، ففعلت [4] .
وَقَالَ القاسم، عَنْ عائشة: أن أبا بكر حين حَضَرهُ الموت قَالَ: إنّي لَا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللّقْحَة وغيرَ هذا الغلام الصَّيْقل، كان يعمل سيوف المُسْلِمين ويخدُمُنا، فإذا مِتُّ فادْفَعِيهِ إلى عُمَر، فلمّا دفعته إلى عُمَر قَالَ عُمَر: رحم الله أبا بكرٍ لقد أتعب من بعده [5] .
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أوصى أَبُو بكر أن تُغَسِّله امرأتُه أسماء بنت عميس، فإن
__________
[1] سورة ق، الآية 19، وانظر الحديث في طبقات ابن سعد 3/ 197 من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، و 3/ 198 من طريق عفّان بن مسلم، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن سميّة، عن عائشة.
[2] أبي خشن طعامهم.
[3] أي التي انجرد حملها وخلقت.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 196، الكامل لابن الأثير 2/ 422، 423، مناقب عمر لابن الجوزي 56.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 192.

(3/119)


لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن [1] .
وَقَالَ عبد الواحد بْن أيمن وغيره، عَنْ أبي جعفر الباقر قَالَ: دخل عليٌّ على أبي بكر بعد مَا سُجِّيَ فَقَالَ: مَا أحد ألقى الله بصحيفته أحبّ إليّ من هذا الْمُسَجَّى [2] . وَقَالَ القاسم: أوصى أَبُو بكر أنْ يُدْفَن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُفِرَ له، وَجُعِلَ رأسُه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [3] .
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قَالَ: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأس عُمَر عند حقوي أبي بكر [4] .
وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودُفِن قبل أن يُصْبح [5] .
وعن مجاهد قَالَ: كُلِّم أَبُو قحافة في ميراثه من ابنه فَقَالَ: قد رددت ذلك على ولده، ثمّ لم يعيش بعده إِلَّا ستة أشهرٍ وأيامًا [6] .
وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنتُ عُمَيْس، وحبيبة بنتُ خارجة والدة أمِّ كلْثُوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم [7] .
ويقال: إنّ اليهود سمَّتْهُ في أَرُزَّةٍ فمات بعد سنة، وله ثلاث وستّون سنة [8] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 203 من طريق الواقدي، عن ابن جريج، عن عطاء. وانظر: تاريخ الطبري 3/ 421.
[2] ورد مثل هذا القول عند ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 292 بحقّ الخليفة عمر بن الخطاب.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 209، تاريخ الطبري 3/ 422.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 209، تاريخ الطبري 3/ 422.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 207.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 210 و 211.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 210 من طريق شعيب بن طلْحة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر، عن أبيه.
[8] تاريخ الطبري 3/ 419.

(3/120)


ذِكْر عُمّال أبي بكر
قَالَ موسى بْن أَنس بْن مالك: إنّ أبا بكر استعمل أباه أَنَسًا على البحرين [1] .
وَقَالَ خليفة [2] : وجّه أَبُو بكر زياد بْن لبيد [3] على اليمن أو [4] المهاجر بْن أبي أمية، واستعمل الآخر على كذا [5] ، وأقر على الطائف عثمان بْن أبي العاص.
ولما حج استخلف [6] على المدينة قتادة بْن النُّعْمَان.
وكان كاتبه عثمان بْن عفان، وحاجبه سُديد [7] مولاه، ويقال كتب له زيد بْن ثابت، وكان وزيره عُمَر بْن الخطاب وكان أيضًا على [8] قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بْن ياسر.
(أَبُو كَبْشَة) [9]
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسمه سُلَيْم من مولَّدي أرضِ دوْسٍ.
__________
[1] تاريخ خليفة 123.
[2] في التاريخ 123.
[3] في نسخة دار الكتب «أسد» بدل «لبيد» ، والتصويب من الأصل وتاريخ خليفة والطبري وابن الأثير.
[4] هكذا في الأصل، وليس في تاريخ خليفة ما يفيد الشكّ في الرواية، وإن كان قدّم المهاجر على زيادة.
[5] هذه العبارة ليست في تاريخ خليفة، ويبدو أنّها مقحمة على الأصل لا معنى لها. وفي تاريخ الطبري 3/ 427 استعمل المهاجرين أبي أميّة على صنعاء، وعلى حضرموت زياد بن لبيد. وكذا عند ابن الأثير 2/ 421.
[6] تاريخ خليفة 123.
[7] هكذا في الأصل وعلى السين علامة الإهمال وضمّه، وكذا في النسخة (ع) . أما في تاريخ خليفة ونسخة دار الكتب «شديد» بالشين المعجمة، وكذا في الإصابة، ومناقب عمر لابن الجوزي- ص 55.
[8] تكرّرت «على» في النسخة (ع) .
[9] طبقات ابن سعد 3/ 49، طبقات خليفة 8، تاريخ خليفة 156، المحبّر 128 و 288،

(3/121)


شهِدَ بدرًا والمشاهد كلها، ولما هاجر إلى المدينة نزل على سعد بْن خَيْثَمَة فيما قيل، وتُوُفِّيَ يوم الثُلاثاء صبيحة وفاةِ أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه [1] .
__________
[ () ] المعارف 148، تاريخ الطبري 3/ 171، الاستيعاب 4/ 164- 166، الكامل في التاريخ 2/ 449، أسد الغابة 5/ 282، الإصابة 4/ 165 رقم 959.
[1] كتب في حاشية الأصل: «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه، فسح الله في مدّته، في الميعاد الرابع عشر» .

(3/122)


سَنَة أربَع عَشرَة
فيها فُتِحت دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة، والأُبُلَّة، ووقعة جسر أبي عُبَيْد بأرض نجران، ووقعة فِحْلٍ بالشام، في قول ابن الكلبي.
فأمّا دمشق فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ خَالِدٌ عَلَى النَّاسِ فَصَالَحَ أَهْلَ دِمَشْقَ، فَلَمْ يَفْرُغْ مِنَ الصُّلْحِ حَتَّى عُزِلَ وَوُلِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَأَمْضَى صُلْحَ خَالِدٍ وَلَمْ يُغَيِّرَ الْكِتَابَ. وَهَذَا غَلَطٌ لأَنَّ عُمَرَ عَزَلَ خَالِدًا حِينَ وُلِّيَ. قَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ [1] . وَقَالَ: ثنا عبد الله بْن المُغِيرَة، عَنْ أبيه قَالَ: صالحهم أَبُو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رءوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم [2] .
وَقَالَ ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنّصف من رجب سنة أربع عشرة.
وَقَالَ ابن إسحاق: صالحهم أَبُو عبيدة في رجب [3] .
__________
[1] في التاريخ- ص 126 وانظر تهذيب تاريخ دمشق 1/ 147.
[2] في تاريخ خليفة زيادة: «ولا يهدم شيء من كنائسهم» - ص 126.
[3] تاريخ خليفة 126، تاريخ الطبري 3/ 435، المعرفة والتاريخ 3/ 297، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 147.

(3/123)


وَقَالَ ابن جرير [1] : سار أَبُو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة النَّاس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان [2] بدمشق، وكان عُمَر عزل خالدًا واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثُمَّ هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلَّقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فُتِحت، وأعطُوا الجزْية، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالدٍ، فاستحيا أَبُو عبيدة أن يقرئ خالدًا الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكُتِب الكتابُ باسمه، فلمّا صالحتْ دمشقُ لحِق باهان صاحب الروم بِهرقْل [3] .
وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر [4] .
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: إن عُمَر كان واجدًا على خالد بْن الوليد لقتْله ابن نُوَيْرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن أنزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره قَالَ: مَا أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع مَا بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة [5] .
وَقَالَ ابن جرير [6] : كان أوّلّ محصورٍ بالشام أهل فِحْلٍ ثُمَّ أهل دمشق، وبعث أَبُو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص ردءًا، وحصروا دمشق، فكان أَبُو عبيدة على ناحيةٍ، ويزيد بْن أبي سُفْيَان على ناحية، وعمرو بْن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص [7] ،
__________
[1] في تاريخ الرسل والملوك 3/ 434، 435.
[2] في المنتقى لابن الملا «ماهان» وكذا في تهذيب ابن عساكر 1/ 160.
[3] هكذا في تاريخ الطبري 3/ 435، وفي الأصل «لحق باهان بصاحب الروم هرقل» .
[4] فتوح البلدان 1/ 154.
[5] تاريخ الطبري 3/ 436، 437.
[6] في التاريخ 3/ 438، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 154.
[7] في تاريخ الطبري: (وهرقل يومئذ بحمص) .

(3/124)


فحاصروا أهلَ دمشق نحوًا من سبعين ليلةً حصارًا شديدًا بالمجانيق [1] ، وجاءت جنود [2] هِرَقْلَ نجدةً لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلمّا أيقن أهل دمشق أنّ الأمداد لَا تصل إليهم فشِلُوا ووَهِنُوا.
وكان صاحب دمشق قد جاءه مولودٌ فصنع طعامًا واشتغل يومئذ [3] ، وخالد بْن الوليد الَّذِي لَا ينام ولا يُنِيم قد هيّأ حبالا كهيئة السّلام، فلما أمسى هيّأ أصحابه وتقدم هو وَالْقَعْقَاعُ بنُ عمرو، ومذعور [4] بْن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السُّور فارقوا إلينا وانْهَدُوا [5] الباب. قَالَ: فلمّا انتهى خالد ورُفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُّرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أُحْبُولةً حتى أثبتاها في الشُّرَف، وكان ذلك المكان أحصن مكانٍ بدمشق، فاستوى على السُّور خلقٌ من أصحابه ثم كبّروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لَا يدرون مَا الشأن، فتشاغل أهلُ كل جهةٍ بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عَنوةً، وقد كان المسلمون دَعَوْهم إلى الصلح والمشاطرة فأبّوْا، فلمّا رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامْنعونا من أهلِ ذاك الباب، فدخل أهل كل بابٍ بصلح مما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضًا ونَهْبًا، وهؤلاء صُلْحًا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عُمَر بالفتح [6] .
__________
[1] في تاريخ الطبري: (بالزحوف والترامي والمجانيق) .
[2] في تاريخ الطبري «خيول» .
[3] في تاريخ الطبري زيادة: (وغفلوا عن مواقفهم) . وكذا في تهذيب تاريخ دمشق 1/ 155.
[4] في نسخة دار الكتب وتهذيب ابن عساكر 1/ 155 مهملة من النقط، والتصحيح من الأصل وتاريخ الطبري وغيرهما.
[5] نهد الرجل: نهض ومضى على كل حال، بخلاف النهوض فإنه يكون عن قعود.
[6] تاريخ الطبري 3/ 438- 440 والمؤلّف ينقل عنه بتصرّف واختصار. وانظر تهذيب ابن عساكر 1/ 155، 156.

(3/125)


وكتب عُمَر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشًا إلى العراق نجدةً لسعد بْن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلافٍ عليهم هاشم بْن عُتْبَة، وبقي بدمشق يزيد بْن أبي سُفْيَان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دِحْيَةَ بْن خليفة الكلبيّ في خيلٍ إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البَثْنِيَّةِ وحَوْرَان فصالحهم، وسار طائفةٌ إلى بيْسان فصالحوا [1] .
وفيها كان سعد بْن أبي وقاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عُمَر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إنّي قد انتخبت لك ألفَ فارس، ثُمَّ قدِم به عليه فأمّره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضُهم إلا المسيرَ إلى الشام، فجهزهم عُمَر إلى الشام [2] .
ثُمَّ إن عُمَر أمدّ سعدًا بعد مسيره بألفيّ نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزَرُود [3] ، وكان الْمُثَنَّى بْن حارثة على المُسْلِمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عُبَيْد، فاستخلف المثني على النَّاس بشير بْن الخصاصيّة، وسعد يَوْمَئِذٍ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق. ثُمَّ سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بْن قيس في ألفٍ وسبعمائة من اليمانيين [4] .
وقعة الجسر
كان عُمَر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشًا، عليهم أبو عبيد الثّقفيّ،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 440، 441.
[2] تاريخ الطبري 3/ 483، 484.
[3] زرود: رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. (معجم البلدان 3/ 139) وفي نسخة دار الكتب «زندورد» وهو تحريف.
[4] تاريخ الطبري 3/ 485- 487.

(3/126)


فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة- وقيل في أول سنة أربع عشرة- بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأُسِر جابان، وقُتِل مردان شاه، ثُمَّ إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لَا يعرف أنه المقدَّم، ثُمَّ سار أَبُو عُبَيْد إلى كَسْكَر [1] فالتقى هو ونَرْسِيّ فهزمه، ثُمَّ لقي جالينوس فهزمه.
ثُمَّ إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفًا، ودفع إليه سلاحًا عظيمًا، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عُبَيْد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قَسّ النَّاطِف، وبينه وبين أبي عُبَيْد الفرات، فأرسل إلى أبي عُبَيْد: إمّا أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْد: نَعْبُرُ إليكم، فعقد له ابن صَلُوبا [2] الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوّال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل. فاقتتلوا أشدّ قتالٍ وضرب أَبُو عُبَيْد مِشْفَرَ الفيل، وضرب أَبُو مِحْجَن عرقُوبة [3] .
ويقال إنّ أبا عُبَيْد لما رأى الفيل قَالَ:
يا لك من ذي أربعٍ مَا أكبرك ... لأضربنّ بالحسام مِشْفرَكْ
وَقَالَ: إنْ قُتِلْتُ فعليكم ابني جَبْر. فإن قُتِل فعليكم حبيب بْن ربيعة أخو أبي مِحْجَن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقُتِل جميع الأمراء، واستحر القتل في المُسْلِمين فطلبوا الجسر. وأخذ الراية المثني بْن حارثة فحماهم في جماعةٍ ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بْن يزيد فقطعه، وَقَالَ: قاتِلوا عَنْ دينكم، فاقتحم النَّاس الفرات، فغرق ناسٌ كثير، ثُمَّ عقد المثنى الجسر وعبره النّاس.
__________
[1] سبق التعريف بها.
[2] هكذا في الأصل وتاريخ الطبري 33- 34 و 456.
[3] عرقوب الدابّة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها- والخبر في تاريخ خليفة- ص 124، وتاريخ الطبري 3/ 450 وما بعدها.

(3/127)


واستشهد يومئذ فيما قال خليفة [1] ألف وثمانمائة، وَقَالَ سيف: أربعة آلاف مَا بين قتيل وغريق.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قُتِل أَبُو عُبَيْد في ثمانمائة من المُسْلِمين.
وَقَالَ غيره: بقي المثنى بْن حارثة الشيباني على النَّاس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على النَّاس ابن الخصاصية كما ذكرنا.
حمص
وَقَالَ أَبُو مُسْهِر: حدثني عبد الله بْن سالم قَالَ: سار أَبُو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفًا، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها.
وعن أبي عثمان الصَّنْعاني قَالَ: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدَّرْدَاء في مَسْلَحة [2] بَرْزَة [3] ، ثُمَّ تقدَّمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص [4] .
وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحًا في أواخر سنة أربع عشرة [5] ، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطنية [6] .
وقيل إنّ حمص فُتحت سنة خمس عشرة [7] .
__________
[1] في التاريخ- ص 125.
[2] المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدوّ وسمّوا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنّهم يسكنون المسلحة، وهي كالثغر والمرقب فيه أقوام يرقبون العدوّ لئلّا يطرقهم على غفلة.
[3] برزة: قرية من غوطة دمشق. (معجم البلدان 1/ 382) .
[4] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 148، وفي المعرفة والتاريخ 3/ 298 «وكانت للمسلمين مسلحتان:
مسلحة ببرزة عليها أبو الدرداء و ... والأخرى بعين ميسنون ... » .
[5] تاريخ خليفة 127.
[6] تاريخ الطبري 3/ 602.
[7] تاريخ خليفة 127.

(3/128)


البصرة
وَقَالَ عليّ المدائني عَنْ أشياخه: بعث عُمَر في سنة أربع عشرة شُرَيْح [1] بْن عامر أحد بني سعد بْن بكر إلى البصرة، وكان ردءًا للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقُتِل بدارس، فبعث عُمَر عُتْبَةَ بنَ غَزْوان المازنيّ في السنة، فمكث أشهرا لَا يغزو [2] .
وَقَالَ خالد بْن عُمَيْر العدوي: غزونا مع عُتْبَة الأُبُلَّة فافتتحناها ثُمَّ عبرنا إلى الفرات، ثُمَّ مر عُتْبَة بموضع المِرْبَد، فوجد الكَذَّان [3] الغليظ فَقَالَ:
هذه البصرة انزلوها باسم الله [4] .
وَقَالَ الحسن: افتتح عُتْبَةُ الأُبُلَّةَ فقُتِل من المُسْلِمين سبعون رجلًا في موضع مسجد الأُبُلَّة، ثُمَّ عبر إلى الفرات فأخذها عَنْوةً [5] .
وَقَالَ شُعْبة، عَنْ عقيل بْن طلحة، عن قبيصة قال: كنّا مع عتبة بالخريبة [6] .
وفيها أمر عُتْبَة بْن غزوان محجن بْن الأدرع [7] فخطَّ مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثُمَّ خرج عُتْبَة حاجًا وَخَلَّفَ مُجَاشع بْن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المُغِيرَة بْن شُعْبَة أن يصلي بالنّاس حتى يقدم مُجَاشِع، فمات عُتْبَة في الطريق. وأمّر [8] عمرُ المُغِيرَة على البصرة.
__________
[1] في المنتقى «سريح» وهو تصحيف.
[2] تاريخ خليفة 127.
[3] الكذّان: حجارة رخوة كالمدر.
[4] تاريخ خليفة 128 وانظر تاريخ الطبري 3/ 591، وعيون الأخبار 1/ 217.
[5] تاريخ خليفة 128.
[6] موضع بالقرب من البصرة تاريخ خليفة 128، وانظر تاريخ الطبري 3/ 591.
[7] في الأصل «محجن بن قحط» ، والتصويب من تاريخ خليفة- ص 129.
[8] هكذا في الأصل وبقية النسخ، وفي تاريخ خليفة- ص 129 «فأقرّ» .

(3/129)


وفيها وُلِدَ عبد الرحمن بْن أبي بكرة [1] ، وهو أوّل من وُلِد بالبصرة، وبُعِث جريرُ بْن عبد الله على السّواد، فلقي جرير مِهْران، فقُتِل مهران، ثُمَّ بعث عُمَر سعدًا فأمر جريرا أن يطيعه [2] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «بن أبي بكر» وهو وهم، والتصويب من الأصل وتاريخ خليفة، وابن الأثير 2/ 488.
[2] تاريخ خليفة 129 بتقديم وتأخير لهذه الأخبار.

(3/130)


المُتَوَفّونَ في هذه السّنَةِ
وفيها استُشْهِد جماعة عظيمة، ومات طائفة.
أوس بْن أوس بْن عَتِيك اسْتُشْهِدَ يوم جسر أبي عُبَيْد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران.
بشير بْن عَنْبس بْن يزيد الظَّفَرِيّ شهِدَ أُحُدًا، وهو ابن عم قتادة بْن النُّعْمَان، وكان يعرف بفارس الحوّاء وهو اسم فرسه، قُتِل يَوْمَئِذٍ.
ثابت بْن عَتِيك من بني عَمْرو بْن مبذول. أنصاريّ له صُحْبة، قتل يَوْمَئِذٍ.
ثعلبة بْن عمرو بْن مُحْصن، قُتِل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بْن النجار، وكان بدْريًا.
الحارث بْن عتيك بْن النعام أَبُو أخزم، قُتِل يَوْمَئِذٍ، وهو من بني النجار، شهِدَ أُحُدًا، وهو أخو سَهْل الَّذِي شهِدَ بدرًا.
الحارث بْن مسعود بْن عَبْدَة [1] .
الحارث بْن عديّ بْن مالك، قُتِل يَوْمَئِذٍ وقد شهِدَ أُحُدًا، وكلاهما من الأنصار.
__________
[1] (عبدة) ساقط من نسخة دار الكتب ومثبت في الأصل وفي البداية والنهاية لابن كثير 7/ 50 وفي النسخة (ح) .

(3/131)


خالد بْن سعيد بْن العاص الأمويّ، قيل استُشْهِد يوم مَرْج الصُّفَّر، وأن يوم مَرْج الصُّفَّر كان في المُحَرَّم سنة أربع عشرة وقد ذُكِر.
خُزَيْمة بْن أوس بْن خُزيمة الأشهليّ يوم الجسر.
ربيعة بْن الحارث بْن عبد المطلب، ورخه ابن قانع.
زيد بْن سُراقة يوم الجسر.
سعد [1] بْن سلامة بْن وقش الأشهليّ.
سعد بْن عُبادة الأنصاري، يقال مات فيها.
سَلَمَةُ بْن أسلم بْن حُرَيش، يوم الجسر.
سَلَمة بْن هشام، يوم مرج الصُّفًّر، وقد تقدم.
سُلَيْط بْن قيس بْن عمرو الأنصاري، يوم الجسر.
ضَمْرَةُ بْن غَزِيّة، يوم الجسر.
عبد الله، وعبد الرحمن، وعبّاد بنو مربع بْن قيظي بْن عَمْرو [2] ، قُتِلوا يَوْمَئِذٍ.
م ت ق- عُتْبَة بْن غَزْوان [3]
ابن جابر بْن وَهْب بْن غَزْوان المازنّي حليف بني عبد شمس، من السابقين الأولين.
__________
[1] سقط من هذا الاسم من (ح) وأثبتناه من الأصل، والبداية والنهاية 7/ 50.
[2] (الأنصاري) كما في (ح) . وهو موافق لما في (الإصابة للحافظ ابن حجر) .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 98، 99، طبقات خليفة 10 و 52 و 182، تاريخ خليفة 61 و 127 و 128 و 129 و 154، المحبّر 72 و 288، المعارف 85 و 115 و 275 و 288، عيون الأخبار 1/ 217 و 252، التاريخ الكبير 6/ 520، 521 رقم 3184، فتوح البلدان 1/ 99 و 314 و 2/ 419 و 420 و 421 و 422 و 424 و 425 و 426 و 429 و 430 و 464 و 474، أنساب الأشراف 1/ 201 و 302 و 323 و 490، المعرفة والتاريخ 1/ 339، 340 و 3/ 305، تاريخ الطبري

(3/132)


أسلم سابع سبعةٍ في الإسلام. وهاجر إلى الحبشة وشِهد بدرًا وغيرها، وكان من الرُّماة المذكورين، وقيل: هو حليف لبني نَوْفل بْن عبد منَاف، أمَّره عمرُ على جيشٍ ليقاتل من الأُبُلَّة من فارس، فسار وافتتح الأُبُلَّة.
وكان طويلًا جميلًا.
خطب بالبصرة فَقَالَ: إنّ الدنيا قد ولتّ حذَّاء [1] ولم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء، وَقَالَ في خطبة: لقد رأيتني سابع سبعةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لنا طعام إلّا ورق الشجر حتّى قرحت أشداقنا [2] .
__________
[ () ] (راجع فهرس الأعلام 10/ 331) ، المنتخب من ذيل المذيّل 554، الجرح والتعديل 6/ 373 رقم 2060، المستدرك 3/ 260- 262، مشاهير علماء الأمصار 37 رقم 217، جمهرة أنساب العرب 168 و 213 و 229، و 260، الاستيعاب 3/ 113- 116، ربيع الأبرار 4/ 220، العقد الفريد 3/ 5151 و 4/ 131، تاريخ بغداد 1/ 155- 157 رقم 8، المعجم الكبير 17/ 112، 113، صفة الصفوة 1/ 387- 399 رقم 16، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 319 رقم 388، حلية الأولياء 1/ 171، 172 رقم 27، أسد الغابة 3/ 565، تهذيب الكمال 2/ 905، دول الإسلام 1/ 15، العبر 1/ 17 و 21، سير أعلام النبلاء 1/ 304- 306 رقم 59، المعين في طبقات المحدّثين 24 رقم 86، الكاشف 2/ 215 رقم 3722، تلخيص المستدرك 3/ 260- 262، مجمع الزوائد 9/ 307، العقد الثمين 6/ 11، 12، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 108 رقم 327، البداية والنهاية 7/ 49، تهذيب التهذيب 7/ 100 رقم 214، تقريب التهذيب 2/ 5 رقم 22، الإصابة 2/ 455 رقم 5411، خلاصة تذهيب التهذيب 258، كنز العمال 13/ 570، شذرات الذهب 1/ 27، مرآة الجنان 1/ 70.
[1] أي مسرعة خفيفة. وفي المنتقى والنسخة (ح) «جدا» وهو تصحيف.
[2] أخرجه مسلم في الزهد، رقم (2967) في بداية الباب، من طريق: حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ الدنيا قد آذنت بصرم وولّت حذّاء، ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. وو الله لتملأن.
أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة. وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ما لنا طعام إلّا ورق الشجر. حتى قرحت أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتّزرت بنصفها، واتّزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار.

(3/133)


روى عنه خالد بْن عُمَيْر، وقُبَيصَة، والحَسَن البصري، وهارون بن رئاب، ولم يُدْرِكاه.
وغُنَيْم بْن قيس المازنّي. وهو الَّذِي اختطَّ البصرةَ، وقيل: كنيته أَبُو عبد الله، عاش سبعًا وخمسين سنة وقيل: تُوُّفي سنة خمس عشرة مَا بين الحجاز والبصرة، وقيل: تُوُّفي سنة سبع عشرة.
عُقبة، وعبد الله ابنا قيظي بْن قيس، حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عُبَيْد وقُتِلا يَوْمَئِذٍ.
العلاء بْن الحضْرمّي، يقال فيها، وسيأتي.
عُمَر بْن أبي اليُسْر، يوم الجسر.
قيس بْن السَّكَن [1]
ابن قيس بْن زعوراء بْن حَرَامِ بْن جُنْدُب بْن عَامِرِ بْن غَنْم بْن عديّ بْن النجار أَبُو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته.
__________
[ () ] وإنّي أعوذ باللَّه أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنّها لم تكن نبوة قط إلّا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجرّبون الأمراء بعدنا» .
وانظر الخطبة في: العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي 4/ 131، والمستدرك للحاكم 3/ 261 وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وذكرها الذهبي في تلخيصه ولم يعلّق، وحلية الأولياء لأبي نعيم 1/ 171، والمعجم الكبير للطبراني 17/ 113، 114 رقم 278، ومسند أحمد 4/ 174 و 5/ 61، والاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 116، وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 566، 567، ولسان العرب لابن منظور (مادّة: نسخ) ، وصفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 387- 389 وقال: انفرد بإخراجه مسلم، وليس لعتبة في الصحيح غيره، وتاريخ بغداد 1/ 155، والبيان والتبيين للجاحظ 2/ 69، وقسما منها في المنتخب من ذيل المذيّل 554 مع اختلاف في بعض الألفاظ.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 513، طبقات خليفة 92 و 140، التاريخ الكبير 7/ 145، 146 رقم 649، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 160 رقم 902، الجرح والتعديل 7/ 98 رقم 556، الاستيعاب 3/ 223، 224، فتوح البلدان 1/ 92، 93، مشاهير علماء الأمصار 103 رقم 767، جمهرة أنساب العرب 351، أسد الغابة 4/ 216، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 62 رقم 77، الكنى والأسماء 1/ 31، الكاشف 2/ 348 رقم 4674، البداية والنهاية

(3/134)


شهِدَ بدرًا، واستُشْهِد يوم جسر أبي عُبَيْد فيما ذكر موسى بْن عقبة [1] .
قَالَ الواقِديّ وابن الكلبي: هو أحد من جمع القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] ودليلُهُ قول أَنْس لأنه قَالَ: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في حرام [3] .
وكذا ساق ابن الكلبي نَسَبَ أبي زيد، ولكنه جعل عِوَض زعوراء زيدًا، ولا عبرة بقول من قَالَ: إن الَّذِي جمع القرآن أَبُو زيد سعد بْن عُبَيْد الأوسي، فإن قول أَنْس بْن مالك: أحد عمومتي، ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوْسيًا، ويؤيده أيضًا مَا روى قتادة عَنْ أَنْس قَالَ:
افتخر الحيّان الأوس والخزرج فَقَالَتِ الأوس: منّا غسيل الملائكة حنظلة بْن أبي عامر [4] ، ومنّا الَّذِي حَمتْه الدَّبَر [5] : عاصم بْن ثابت [6] ، ومنّا الّذي اهتزّ
__________
[7] / 49، الإصابة 3/ 250 رقم 7181، خلاصة تذهيب التهذيب 317، تجريد أسماء الصحابة 2/ 20.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 513، جمهرة أنساب العرب 351.
[2] الجرح والتعديل 7/ 98، جمهرة أنساب العرب 351.
[3] قال ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 216: «وقد اختلف في اسمه فقيل: سعد بن عمير، وقيل:
ثابت، وقيل: قيس بن السكن، ولا عقب له. قال أنس بن مالك: إن أحد عمومته ممّن جمع القرآن على عهد رسول الله» .
[4] قال ابن هشام في السيرة 3/ 154: «التقى حنظلة بن عامر الغسيل وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شدّاد بن الأسود، وهو ابن شعوب، قد علا أبا سفيان فضربه شدّاد فقتله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صاحبكم، يعني حنظلة لتغسّله الملائكة» ، فسألوا أهله:
ما شأنه؟ فسئلت صاحبته عنه. فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة» . قال ابن هشام: ويقال: الهائعة. وجاء في الحديث: «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه، كلما سمع هيعة طار إليها» . قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لذلك غسّلته الملائكة» . وانظر الروض الأنف 3/ 163، 164.
[5] الدبر: بفتح الدال، واحدتها دبرة. والدبر ها هنا: الزنانير، وأمّا الدبر فصغار الجراد.
(الروض الأنف 3/ 234) .
[6] قتل يوم الرجيع بعد غزوة أحد، وكان يكنى: أبا سفيان. قال ابن هشام في السيرة 3/ 225:

(3/135)


لموته العرش سَعْد بن معاذ [1] ، ومنا من أُجيزت شهادتُهُ بشهادة رجُلين:
خزيمة بْن ثابت. فَقَالَتِ الخزرج: منّا أربعة جمعوا القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أُبَيّ، ومعاذ بْن جَبَل، وزيد بْن ثابت، وأبو زيد [2] .
المثني بْن حارثة الشَّيْباني الَّذِي أخذ الراية وتحيَّز بالمسلمين يوم الجسر.
نافع بْن غيلان، يَوْمَئِذٍ.
نوفل بْن الحارث، يقال تُوُفّي فيها، وكان أسنَّ من عمّه العبّاس.
واقد بن عبد الله، يوم [3] ؟.
__________
[ () ] «فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أحد، لئن قدرت على رأس عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ فِي قِحْفِهِ الْخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ، فلما حالت بينه وبينهم الدبر قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه، فنأخذه، فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصما، فذهب به، وقد كان عاصم قد أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، ولا يمسّ مشركا أبدا تنجّسا، فكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته، يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسّه مشرك، ولا يمسّ مشركا أبدا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته» .
أقول: لقد نسب القدسي رحمه الله في نسخته 3/ 84 هذه الرواية للسهيلي في الروض الأنف، وهذا غير صحيح.
[1] من شهداء بدر. روى حديث اهتزاز العرش لموته البخاري في صحيحه 4/ 227 في مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه، عن محمد بن المثنّى، عن فضل بن مساور ختن أبي عوانة، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه:
سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ» . وأخرجه عن طريق الأعمش عن أبي صالح، عن جابر، بلفظ «عرش الرحمن» ، وأخرجه أحمد في المسند 4/ 352، والحاكم في المستدرك 3/ 207 وصحّحه من طريق محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جدّه، عن عائشة.
[2] قال ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 216: «وقد جمع القرآن من المهاجرين جماعة منهم: عليّ، وعثمان، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسالم مولى أبي حذيفة» .
[3] كذا في جميع النسخ، ومثله في البداية والنهاية 7/ 51 نقلا عن الذهبي في تاريخه هذا.
وقال ابن حجر في الإصابة 3/ 628: «مات واقد هذا في أول خلافة عمر» .

(3/136)


هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم معاوية بْن أبي سُفْيَان، تُوُفِّيَت في أوّل العام.
يزيد بْن قيس بْن الخطيم [1]- بفتح الخاء المعجمة- الأنصاري الظَّفَرِيّ، صحابيٌّ شهِدَ أحُدًا والمشاهد وجُرح يوم أحُدٍ عدّة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قُتِلَ يزيد يوم الجسر.
(أَبُو عُبَيْد بْن مسعود بْن عمرو الثقفي)
[2] والد المختار وصفية زَوْجَة ابن عُمَر.
أسلم فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله عُمَر وسيره على جيشٍ كثيفٍ إلى العراق، وإليه يُنْسَب جسر أبي عُبَيْد، وكانت الوقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقُتل يَوْمَئِذٍ أَبُو عُبَيْد، والجسر بين القادسية والحيرة [ولم يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر [3] ، ولا يَبْعُدُ أن له رؤية وإسلام] [4] .
(أَبُو قُحَافَةَ)
[5] عُثْمَانُ بْنُ عَامِرٍ التَّيْمِيُّ، فِي الْمُحَرَّمِ عَنْ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَتَى بِهِ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَقُودُهُ لِكِبَرِهِ وضرره
__________
[1] في نسخة دار الكتب ومنتقى أحمد الثالث «بن أبي الخطيم» ، والتصويب من الأصل.
[2] المعارف 400، 401، فتوح البلدان 1/ 307- 310، تاريخ الطبري 3/ 414 و 441 و 444- 458 و 481 و 543 و 581، جمهرة أنساب العرب 268، الاستيعاب 4/ 124، 125 وفيه «أبو عبيدة» بزيادة التاء المربوطة وهو وهم، أسد الغابة 5/ 248، 249، البداية والنهاية 7/ 49، 50، الإصابة 4/ 130، 131 رقم 738.
[3] يقول محقّق هذا الكتاب «عمر بن عبد السلام تدمري الأطرابلسيّ» : لقد جازف المؤلف- رحمه الله- بهذا القول، بدليل أن ابن الأثير ذكر صاحب الترجمة في «أسد الغابة» .
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
[5] تاريخ خليفة 100 و 122 و 129، المحبّر 80 و 296، المعرفة والتاريخ 1/ 238، المعارف 167 و 587 و 591، تاريخ الطبري 3/ 424 و 427، الاستيعاب 3/ 93، 94 و 4/ 162، مشاهير علماء الأمصار 31 رقم 161، جمهرة أنساب العرب 136 و 150، أسد الغابة 5/ 275، الكامل في التاريخ 2/ 489، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 321 رقم 394، البداية والنهاية 7/ 50، الإصابة 2/ 460، 461 رقم 5442.

(3/137)


وَرَأْسُهُ كَالثُّغَامَةِ [1] فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى نَأْتِيَهُ» ، إِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» [2] .
(عبد الله بْن صَعْصَعَة)
[3] بْن وهب الأنصاري، أحد بني عدِيّ بْن النجار، شهِدَ أحُدًا وما بعدها وقُتِل يوم جسر أبي عبيد. قاله ابن الأثير [4] .
__________
[1] الثغامة: بنت أبيض الزهر والثمر. (النهاية لابن الأثير) .
[2] أخرجه أحمد في المسند 6/ 349، 350 من طريق يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير، عن أبيه، عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لمّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنيّة اظهري بي على أبي قبيس. قالت- وقد كفّ بصره- قالت:
فأشرفت به عليه، فقال: يا بنيّة ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا. قال: تلك الخيل.
قالت: وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا. قال: يا بنيّة ذلك الوازع، يعني الّذي يأمر الخيل ويتقدّم إليها. ثم قالت: قد والله انتشر السواد. فقال: قد والله إذا دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي، فانحطّت به، وتلقّاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته، وفي عنق الجارية طوق لها من ورق، فتلقّاها رجل فاقتلعه من عنقها. قالت: فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يعوده، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟» . قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحقّ أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه. قال: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره ثم قال له: «أسلم» فأسلم، ودخل به أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورأسه كأنه ثغامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «غيّروا هذا من شعره» ، ثم قال أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشد باللَّه وبالإسلام طوق أختي، فلم يجبه أحد، فقال: يا أخيّة احتسبي طوقك» .
[3] أسد الغابة 3/ 128 البداية والنهاية 7/ 50، الإصابة 2/ 326 رقم 4759.
[4] في أسد الغابة.

(3/138)


سَنَة خَمْس عَشْرَة
في أولها افْتَتَحَ شُرَحْبِيل بْن حَسَنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة [1] .
يوم اليَرْمُوك
كانت وقعةً مشهورةً، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة [2] ، - وقيل سنة ثلاث عشرة وأراه وهما-[3] فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفا [4] ، وأمراء الإسلام أَبُو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلَّا يفرُّوا، فلمّا هزمهم الله جعل الواحد يقع في وادي اليَرْمُوك فيجذب من معه
__________
[1] تاريخ خليفة 131.
[2] حدّد ابن الكلبي تاريخها بيوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. (تاريخ خليفة 130) .
[3] أكّد ابن عساكر تاريخ الوقعة في سنة 15 هـ-. وقال: هذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك، وقد ذكر سيف بن عمر أنها كانت سنة ثلاث عشرة قبل فتح دمشق. ولم يتابعه أحد على ما قاله. (تهذيب تاريخ دمشق 1/ 160) .
[4] اختلف المؤرّخون في تحديد عدد الجند عند الفريقين. انظر في ذلك: فتوح الشام للأزدي 217، وتاريخ خليفة 130، وفتوح البلدان 1/ 160، وتاريخ الطبري 3/ 394، 395، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 160، والكامل في التاريخ 2/ 410.

(3/139)


في السلسلة حتى ردموا الوادي، واستووا فيما قيل بحافَّتَيْه، فداستهم الخيل، وهلك خلقٌ لَا يحصون.
وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ جماعة من أمراء المُسْلِمين.
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب [1] خصيٌّ لِهرَقْل [2] .
وقال ابن الكلبيّ: كانت الروم ثلاثمائة ألف، عليهم باهان، رجلٌ من أبناء فارس تنصَّر ولحق بالروم، قَالَ: وضمّ أَبُو عبيدة إِلَيْهِ أطرافه، وأمدَّه عُمَر بسعيد بْن عامر بْن حُذَيْم، فهزم الله المشركين بعد قتالٍ شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة [3] .
وَقَالَ سعيد بْن عبد العزيز: إنّ المُسْلِمين- يعني يوم اليّرْموك- كانوا أربعةً وعشرين ألفًا، وعليهم أَبُو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب [4] .
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَمَدَتِ الأَصْوَاتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَالْمُسْلِمُونَ يُقَاتِلُونَ الرُّومَ إِلا صَوْتَ رَجْلٍ يَقُولُ: «يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ، يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ» ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ [5] .
الْوَاقِدِيُّ: نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن ابن المسيّب، عن
__________
[1] هكذا في الأصل. وفي تاريخ خليفة 130 «السفلار» ، وفي المعرفة والتاريخ 3/ 300 «الصقلار» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق 1/ 160 «سقلان» .
[2] تاريخ خليفة 130.
[3] تاريخ خليفة 130.
[4] تهذيب تاريخ دمشق 1/ 160 وفيه «ماهان وسقلان» .
[5] المعرفة والتاريخ 3/ 300، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 170.

(3/140)


جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: حَضَرْتُ الْيَرْمُوكَ فَلا أَسْمَعُ إِلَّا نَقْفَ الْحَدِيدِ إِلا أَنِّي سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ أَبْلَوْا للَّه فِيهِ بَلاءً حَسَنًا، فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ [1] .
قَالَ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ قَالَ: لَمَّا هَزَمْنَا الْعَدُوَّ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَصَبْنَا يَلامِقِ دِيبَاجٍ فَلَبِسْنَاهَا فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبَلْنَاهُ وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَشَتَمَنَا وَرَجَمَنَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى سَبَقْنَاهُ نَعْدُو، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَقَدْ بَلَغَهُ عَنْكُمْ شَرٌّ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَعَلَّهُ فِي زِيِّكُمْ هَذَا، فَضَعُوهُ، فَوَضَعْنَا تِلْكَ الثِّيَابَ وسلّمنا عليه، فرحّب وساءلنا وَقَالَ: إِنَّكُمْ جِئْتُمْ فِي زِيِّ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنَّكُمْ الآنَ فِي زِيِّ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ مِنَ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ إِلا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعِهِ.
وعن مالك بْن عبد الله قَالَ: مَا رأيت أشرف من رجلٍ رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علجٌ فقتله، ثُمَّ آخر فقتله، ثُمَّ آخر فقتله، ثُمَّ انهزموا وتبِعَهُمْ وتبِعْتُهُ، ثُمَّ انصرف إلى خباءٍ عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا؟ قالوا: عَمرو بن معديكرب.
__________
[1] ذكر الأزدي في فتوح الشام- ص 220 إنّ أبا سفيان تجهّز في أحسن الجهاز وأحسن الهيئة ثم خرج، وصحبه أناس من المسلمين كثير، كانوا خرجوا متطوّعين، فأحسن أبو سفيان صحبتهم حتى قدموا على جماعة المسلمين. فلما كان يوم خرج المسلمون إلى عدوّهم باليرموك كان أبو سفيان يومئذ يسير في الناس، ويقف على أهل كل راية، وعلى كلّ جماعة، فيحرّض الناس ويحضّهم، ويعظهم، ويقول: إنكم يا معشر المسلمين أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الإبل، نائين عن أمير المؤمنين وأمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدوّ، كثير عددهم، شديد عليكم حنقهم، وقد وترتموهم في أنفسهم ونسائهم، وأولادهم، وأموالهم، وبلادهم.
فلا والله لا ينجيكم منهم اليوم وتبلغون رضوان الله إلّا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، فامتنعوا بسيوفكم، وتقرّبوا بها إلى خالقكم، ولتكن هي الحصون التي تلجون إليها، وبها تمنعون. وقاتل أبو سفيان يومئذ قتالا شديدا، وأبلى بلاء حسنا» .

(3/141)


وعن عُرْوَة: قُتِل يَوْمَئِذٍ النَّضْر بْن الحارث بْن علْقمة العبدري، وعبد الله بْن سُفْيَان بْن عبد الأسد المخزوميّ.
وَقَالَ ابن سعد [1] : قُتِل يَوْمَئِذٍ نعيم بْن عبد الله النحام العدوي.
قلت: وقد ذُكِرَ.
وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث [2] بْن أشيم الكنانّي اللَّيْثي [3] .
ويقال: قُتِل يَوْمَئِذٍ عكرمة بْن أبي جهل، وعبد الرحمن بْن العوام، وعياش بْن أبي ربيعة، وعامر بْن أبي وقاص الزُّهْرِيّ [4] .
وَقْعة القادسية
كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بَلَغَنَا، وكان على النَّاس سعد بْن أبي وقاص، وعلى المشركين رُسْتُم ومعه الجالينوس، وذو الحاجب [5] .
قَالَ أَبُو وائل: كان المسلمون مَا بين السبعة إلى الثمانية آلافًا. ورستم في ستين ألفًا، وقيل: كانوا أربعين ألفًا، وكان معهم سبعون فيلا [6] .
__________
[1] في الطبقات 4/ 139.
[2] في نسخة دار الكتب «قباب» ، والتصويب من الأصل، وأسد الغابة 4/ 189 وقيّده: بضمّ القاف وبالباء الموحّدة وآخره تاء مثلّثة نقلا عن الإكمال لابن ماكولا 7/ 93 والصواب فتح القاف.
وهو في خط محمد بن علي الصوري في مواضع «قباث» بفتح القاف (مجمل اللغة لابن فارس) .
[3] فتوح الشام للأزدي 189، الكامل في التاريخ 2/ 412.
[4] في حاشية الأصل: «بلغت قراءة في التاسع عشر على مؤلّفه» .
[5] تاريخ خليفة 131.
[6] تاريخ خليفة 131.

(3/142)


وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل في رمضان، فقُتِل رُسْتُم وانهزموا، وقيل إنّ رُستم مات عطشا، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم مَا بين الخرَّارة [1] إلى السَّيْلحين [2] إلى النّجف، حتى ألجئوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثُمَّ خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء [3] .
قَالَ أَبُو وائل: اتّبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتّبعناهم إلى الصَّراة [4] فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن [5] .
وعن أبي وائل قَالَ: رأيتُني أعبر الخندق مَشْيًا على الرجال، قتل بعضهم بعضًا [6] .
وعن حبيب بْن صهبان قَالَ: أصبْنا يَوْمَئِذٍ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يَقُولُ: صفراء ببيضاء، يعني ذهبًا بفضة [7] .
وَقَالَ المدائني: ثُمَّ سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعدُ الفرات، فلقي جمعًا عليهم بَصْبَهرا، فقتله زُهرة بْن حويَّة، ثُمَّ لقوا جمعًا بكُوثا [8] عليهم
__________
[1] في طبعة القدسي 3/ 88 «الخرار» ، والتصويب من معجم البلدان 2/ 350 موضع قرب السّيلحون من نواحي الكوفة.
[2] هكذا في الأصل وتاريخ خليفة 132، وفي معجم البلدان 3/ 298: سيلحون: بفتح أوّله وسكون ثانيه، وفتح لامه ثم حاء مهملة، وواو ساكنة ونون. وهي قرب الحيرة ضاربة في البرّ قرب القادسيّة بينها وبين الكوفة.
[3] تاريخ خليفة 132، 133.
[4] الصّراة: بالفتح. نهر ببغداد يأخذ من نهر عيسى من عند بلدة يقال لها المحوّل بينها وبين بغداد فرسخ ويسقي ضياع بادوريا. (معجم البلدان 3/ 399) .
[5] تاريخ خليفة 132.
[6] تاريخ خليفة 132.
[7] تاريخ خليفة 133.
[8] هكذا في الأصل، وفي معجم البلدان 4/ 487 كوثى: بالضمّ ثم السكون، والثاء مثلّثة،

(3/143)


الفيرزان [1] فهزموهم، ثم لقوا جميعا كثيرًا بدير كعب عليهم الفَرُّخان فهزموهم، ثُمَّ سار سعد بالنّاس حتى نزل المدائن فافتتحها [2] .
وأما محمد بْن جرير [3] فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مَصَّر سعد الكوفة، وأنّ فيها فرض عمر الفروض وَدَوَّنَ الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة. [4] قَالَ: ولمّا فتح الله على المُسْلِمين غنائم رستم، وقدمت على عُمَر الفتوح من الشام والعراق جمع المُسْلِمين فَقَالَ: مَا يحلّ لِلْوَالِي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصَّته فقوتُهُ وَقُوتُ عياله لَا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمّالته [5] إلى حجه وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطى أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرمَّ أمور المُسْلِمين ويتعاهدهم [6] .
وفي القوم عليّ رضي الله عنه ساكت، فَقَالَ: مَا تقول يا أبا الحسن؟
فَقَالَ: مَا أصْلَحَكَ وأصلَحَ عِيالك بالمعروف [7] . وقيل إنّ عُمَر قعد على رزق أبي بكر حتى أشتدّت حاجتُهُ، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم [8] .
وكان عمّاله في هذه السنة: عَتّاب بْن أسيد، كذا قال ابن جرير [9] ،
__________
[ () ] وألف مقصورة تكتب بالياء لأنها رابعة الاسم. موضع بسواد العراق في أرض بابل.
[1] هكذا في الأصل وتاريخ الطبري 3/ 455 ويقال «البيرزان» 3/ 504 حيث تقلب الفاء إلى باء بالفارسية.
[2] تاريخ خليفة 133.
[3] في التاريخ 3/ 480.
[4] تاريخ الطبري 3/ 613.
[5] في تاريخ الطبري «حملانه» .
[6، 7، 8] تاريخ الطبري 3/ 616.
[9] ج 3/ 623.

(3/144)


وقد قدمنا موت عتاب، قَالَ: وعلى الطائف يَعْلَى بْن مُنية [1] ، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أَبُو قُرَّةَ. وعلى البصرة المُغِيرَة بْن شُعْبَة. وعلى اليمامة والبحرين عثمان بْن أبي العاص. وعلى عمان حذيفة بن محصن. وعلى ثغور الشّام أبو عبيدة بن الجرّاح.
__________
[1] وهي أمّه، واسم أبيه (أميّة) ، كما في تبصير المنتبه.

(3/145)


المُتَوَفّونَ فيهَا
(الحارث بْن هشام)
يقال تُوُفِّيَ فيها. وسيأتي في طاعون عمواس [1] .
ع سعد بن عبادة [2]
ابن دُليم بْن حارثة بْن أبي حزيمة بْن ثعلبة بن طريف بْن الخزرج [بْن ساعدة بْن كعب بْن الخزرج. الأنصاريّ السّاعديّ. سيّد الخزرج] أبو
__________
[1] رواه الزمخشريّ بكسر أوله وسكون ثانيه، ورواه غيره بفتح اوله وثانيه، وضبطه بعضهم بفتح العين وسكون الميم. وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، ومنها بدأ الطاعون.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 613- 617، طبقات خليفة 97 و 303، تاريخ خليفة 72 و 117 و 135، الأخبار الموفقيّات 579 و 591، فتوح البلدان 3/ 583، أنساب الأشراف (انظر فهرس الأعلام 645) ، المعارف 110 و 259، التاريخ الكبير 4/ 44 رقم 1911، التاريخ الصغير 1/ 39، المعرفة والتاريخ 1/ 294، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 263) ، العقد الفريد 2/ 34 و 4/ 257 و 259 و 260، المحبّر 233 و 269 و 271 و 273 و 277 و 423، نسب قريش 200، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 90 رقم 121، مسند أحمد 5/ 284 و 6/ 7، جمهرة أنساب العرب 365، الجرح والتعديل 88 رقم 382، مشاهير علماء الأمصار 10 رقم 20، الكنى والأسماء 1/ 65، الاستيعاب 2/ 35- 41، المستدرك 3/ 252- 254، الاستبصار 93- 97، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 86- 93، أسد الغابة 2/ 356، الكامل في التاريخ 2/ 489، صفة الصفوة 1/ 503، 504 رقم 53، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 212، 213 رقم 204، التذكرة الحمدونية 2/ 102 رقم 205، تهذيب الكمال 1/ 474، العبر 1/ 19، تلخيص المستدرك 3/ 252- 254، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 46، دول الإسلام، 1/ 15، الكاشف 1/ 278 رقم 1851، سير أعلام النبلاء 1/ 270- 279 رقم

(3/146)


ثابت، ويقال أَبُو قيس [1] .
أحد النقباء ليلة العقبة. وقد اجتمعت عليه الأنصار يوم السقيفة وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة.
لم يذكر أهل المغازي أنه شهِدَ بدْرًا. وذكر البخاري [2] وأبو حاتم [3] أنه شهدها، وروي ذلك عَنْ عروة.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعْدٌ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو لَمَّا أَسْلَمُوا يَكْسِرُونَ أَصْنَامَ بَنِي سَاعِدَةَ. وَكَانَ سَيِّدًا جَوَادًا. لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. وَكَانَ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوجِ، فَنُهِشَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَقَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ كَانَ سَعْدٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لَقَدْ كَانَ عَلَيْهَا حَرِيصًا» . هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي «الطَّبَقَاتِ» [4] بِلَا سَنَدٍ. وَقَدْ شَهِدَ أُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ.
قَالَ: وكان يبعث كل يوم بجفنة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة، وَقَالَ عروة: كان ينادي على أُطُم [5] سعد: من أحب شحمًا ولحمًا فليأت سعد بْن عبادة. وقد أدركت ابنه يفعل ذلك [6] .
وَقَالَ ابن عباس: إن أم سعد توفّيت فتصدّق عنها بحائطه المخراف [7] .
__________
[55،) ] مرآة الجنان 1/ 71، البداية والنهاية 7/ 49 و 61 الوافي بالوفيات 15/ 150- 152 رقم 203، شفاء الغرام 1/ 252 و 2/ 184 و 213 و 216 و 217 و 218 و 219 و 220 تهذيب التهذيب 475، 476 رقم 883، تقريب التهذيب 1/ 288 رقم 90، الإصابة 2/ 30 رقم 3173، خلاصة تذهيب التهذيب 134، شذرات الذهب 1/ 28، كنز العمال 13/ 404، المعجم الكبير 6/ 17- 29، البدء والتاريخ 5/ 115.
[1] وهو الأصحّ كما في أسد الغابة.
[2] في التاريخ الكبير 4/ 44.
[3] في الجرح والتعديل 4/ 88، وكذلك يذكر الطبراني في المعجم الكبير 6/ 17 رقم 5352.
[4] ج 3/ 614، والمستدرك للحاكم 3/ 252 كلاهما من طريق الواقدي وهو ضعيف.
[5] أطم وآطام: القصر، أو الحصن المبنيّ بالحجارة.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 613.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 615.

(3/147)


ولسعد ذكر في حديث الإفك.
وقد حدث عنه بنُوه: قيس، وسعيد، وإسحاق، وابن عباس، وأبو أمامة بْن سهل، وسعيد بْن المسيب، ولم يدركه.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنْ أَقْبِلْ فَبَايِعْ فَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُبَايِعُ حَتَّى أُرَامِيَكُمْ بما في كنانتي وأقاتلكم بمن معي. وقال: فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ أَبَى وَلَجَّ وَلَيْسَ بِمُبَايِعِكُمْ أَو يُقْتَلُ، وَلَنْ يُقْتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مَعَهُ وَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ، وَلَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى تُقْتَلَ الْخَزْرَجُ، فَلا تُحَرِّكُوهُ فَقَدِ اسْتَقَامَ لَكُمُ الأَمْرُ وَلَيْسَ بِضَارِّكُمْ، إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مَا تَرَكَ. فَقَبِلَ أَبُو بَكْرٍ نَصِيحَةَ بَشِيرٍ.
قَالَ: فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ لَقِيَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ: إِيهٍ يَا سَعْدُ. فَقَالَ: إِيهٍ يَا عُمَرُ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ صَاحِبٌ مَا أَنْتَ صَاحِبُهُ. قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ أَفْضَى إِلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ. وَكَانَ وَاللَّهِ صَاحِبُكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، وَقَدْ وَاللَّهِ أَصْبَحْتُ كَارِهًا لِجِوَارِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ كَرِهَ جِوَارَ جَارِهِ تَحَوَّلَ عَنْهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَا إِنِّي غَيْرُ مُسْتَسِرٍّ [2] بِذَلِكَ. وَأَنَا مُتَحَوِّلٌ إِلَى جِوَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الشَّامِ. فَمَاتَ بِحَوْرَانَ [3] .
قَالَ محمد بْن عُمَر: ثنا يحيى بْن عبد العزيز بْن سعد بْن عبادة، عَنْ أبيه قَالَ: تُوُفّي سعد بحُوران لِسَنَتين ونصف من خلافة عُمَر. قَالَ محمد بْن عُمَر: كأنه مات سنة خمس عشرة. قَالَ عبد العزيز: فما عُلِم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر منبه أو بئر سكن- وهم يقتحمون نصف النهار- قائلًا من البئر:
__________
[1] الطبقات 3/ 616 والخبر ضعيف لضعف الواقدي، وفيه الزبير بن المنذر وهو لا يكاد يعرف.
كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال، ومحمد بن صالح صدوق يخطئ.
[2] في طبقات ابن سعد «مستنسئ» (3/ 617) .
[3] المعجم الكبير 6/ 18 رقم 5357 و 5358.

(3/148)


نحن قتلْنا سيَّد ... الخزرجِ سعدَ بنَ عُبادهْ
فَرَمَيْناهُ بسَهْمَيْنِ ... فلم نُخْطِ فُؤادَهْ
فذُعر الغلمان، فحُفِظَ ذلك اليوم فوجدوه الْيَوْمَ الَّذِي مات فيه سعد، وإنّما جلس يبول في نَفَقٍ فاقتُتِل فمات من ساعته، وجدوه قد اخْضَرَّ جلدُهُ [1] .
وَقَالَ ابن أبي عَرُوبة: سمعت محمد بْن سيرين يحدث أنه بال قائمًا، فلما رجع قَالَ لأصحابه: إني لأجد دبيبًا، فمات فسمعوا الجنَّ تقول: نحن قتلنا سيد الخزرجِ- البيتين [2] .
وَقَالَ سعيد بْن عبد العزيز: أول مدينةٍ فتحت بالشام بصرى، وفيها مات سعد بْن عبادة.
(سعد بْن عُبَيْد)
[3] بْن النُّعْمَان أَبُو زيد الأنصاري الأوسي.
اسْتُشْهِدَ بوقعة القادسية، وقيل إنه والد عمير بْن سعد الزاهد أمير حمص لعمر، شهِدَ سَعْد بدرًا وغيرها، وكان يقال له سعد القاري [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 617.
[2] الطبقات 3/ 617، المعجم الكبير 6/ 19 رقم 5359 و 5360.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 458، المحبّر 277 و 286، تاريخ خليفة 133، التاريخ الكبير 4/ 47 رقم 1919، تاريخ الطبري 3/ 444- 446 و 566 و 583، فتوح البلدان 2/ 321، المعرفة والتاريخ 1/ 487، الاستيعاب 2/ 41، مشاهير علماء الأمصار 10، 11 رقم 23، جمهرة أنساب العرب 334، الجرح والتعديل 4/ 89 رقم 386، المعجم الكبير 6/ 65، 66 رقم 554، أسد الغابة 2/ 285، 286، البداية والنهاية 7/ 49، و 61، 62، الوافي بالوفيات 15/ 155 رقم 208، الإصابة 2/ 31 رقم 3176.
[4] قال ابن مندة: «القاري من بني قارة الأنصاري» . وقال ابن الأثير: وقول ابن مندة أنه من قارة أنصاريّ وهم منه كيف يكون من القارة وهم ولد الديس بن محلم بن غالب.. بن الهون بن خزيمة والهون أخو أسد بن خزيمة وهذا أنصاريّ فكيف يجتمعان، وإنما هو القارئ مهموزا من القراءة، وقد ذكر أنه أوّل من جمع القرآن من الأنصار ولم يجمع القرآن من الأوس غيره قاله أبو أحمد العسكري، وأمّا أنا فأستبعد أن يكون هذا ممن جمع القرآن من الأنصار ولم يجمع القرآن لأنّ الحديث يرويه أنس بن مالك، وذكرهم وقال: أحد عمومتي أبو زيد وأنس من بني عديّ بن

(3/149)


وذكر محمد بْن سعد [1] أنّ القادسية سنة ست عشرة. وأنه قُتِل بها وله أربعٌ وستون سنة.
وَقَالَ قيس بْن مسلم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ سعد بْن عُبَيْد أنه خطبهم فَقَالَ: إنّا لاقوا العدو غدًا وإنا مستشهدون غدًا، فلا تغسلوا عنا دمًا ولا نُكَفَّن إلا في ثوبٍ كان علينا [2] .
(سعيد بْن الحارث)
[3] بْن قيس بْن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد.
اسْتُشْهِدَ أكثرهم يوم اليرموك ويوم أَجْنَادِينَ.
سهيل بْن عمرو بْن عبد شمس [4]
ابْن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن [5] حسن بن عامر بن لؤيّ أبو يزيد
__________
[ () ] النجار خزرجيّ، فكيف يكون هذا وهو أوسيّ عما لأنس هذا بعيد جدّا. (أسد الغابة 2/ 286) .
[1] الطبقات 3/ 458، المعجم الكبير 6/ 65 رقم 5490.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 458.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 196، أنساب الأشراف 1/ 215، فتوح البلدان 1/ 135، تاريخ خليفة 131، تاريخ الطبري 3/ 572، المعجم الكبير 6/ 82، 83 رقم 572، الاستيعاب 2/ 8 تهذيب تاريخ دمشق 6/ 125، أسد الغابة 2/ 304، سير أعلام النبلاء 2/ 202 رقم 202، رقم 31، الوافي بالوفيات 15/ 208 رقم 289، الإصابة 2/ 44، 45 رقم 3251.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 404، 405، تاريخ خليفة 82 و 90، طبقات خليفة 26 و 300، المحبّر 79 و 162 و 170 و 288 و 473، نسب قريش 417- 419، تاريخ الطبري (راجع فهرس الأعلام 10/ 178) ، فتوح البلدان 103 و 109 و 166، أنساب الأشراف 1/ 40 و 102 و 203 و 219 و 220 و 221 و 228 و 237 و 292 و 303 و 304 و 349 و 350 و 354 و 357 و 362 و 363 و 407، عيون الأخبار 1/ 85، فتوح الشام للأزدي 46، 47، الأخبار الموفقيّات 583، 585، المعرفة والتاريخ 1/ 524، المعارف 69 و 154 و 284 و 342،
[5] ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، والاستدراك من مصادر ترجمته.

(3/150)


العامري، أحد خطباء قريش وأشرافهم.
أسلم يوم الفتح وحَسُن إسلامه، وكان قد أُسر يوم بدر، وكان قد قام بمكة وحض على النفير فَقَالَ: يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصُّباة [1] يأخذون عِيركم؟ من أراد مالًا فهذا مال، ومن أراد قوةً فهذه قوة. وكان سمحًا جوادًا فصيحًا، قام خطيبًا بمكة أيضًا عند وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ خطبة أبي بكر فسكَّنهم، وهو الَّذِي مشى في صلح الحديبية.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار، كان سُهيل بعدُ كثير الصلاة والصوم والصدقة، وخرج بجماعته إلى الشام مجاهدًا، وقيل إنه صام وقام حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن.
قَالَ المدائني وغيره: إنه استُشْهِدَ يوم اليرموك.
وَقَالَ الشافعي والواقِديّ: إنه تُوُفِّيَ بطاعون عمواس.
روى عنه يزيد بْن عميرة الزبيدي وغيره عَنِ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل كان أميرا على كردوس [2] يوم اليرموك.
__________
[ () ] الاستيعاب 2/ 108- 112، المستدرك 3/ 281- 282، المعجم الكبير 6/ 259 رقم 596، جمهرة أنساب العرب 166، الجرح والتعديل 4/ 249 رقم 1072، التاريخ الكبير 4/ 103، 104 رقم 2117، ثمار القلوب 519، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 180، العقد الفريد 1/ 148 و 2/ 389 و 4/ 162 و 6/ 87 و 89، أسد الغابة 2/ 371- 373، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 239، 240 رقم 240، التذكرة الحمدونية 1/ 123 و 2/ 37، تلخيص المستدرك 3/ 281، 282، سير أعلام النبلاء 1/ 194، 195 رقم 25، العقد الثمين 4/ 624- 630، البداية والنهاية 7/ 62، الوافي بالوفيات 16/ 27- 29 رقم 35، صفة الصفوة 1/ 307، تهذيب التهذيب 4/ 264، 265 (بدون رقم) ، الإصابة 2/ 93، 94 رقم 3573، كنز العمال 13/ 430، شذرات الذهب 1/ 30، مجموعة الوثائق السياسية 58 رقم (11) ، 267 رقم (221) .
[1] الصباة: جمع صابئ. وهو الّذي يترك دينه ويتحوّل إلى دين آخر. ولهذا كان المشركون يقولون عن المسلم بأنّه صبأ. أي تحوّل عن الشرك إلى الإسلام.
[2] الكردوس: القطعة العظيمة من الخيل.

(3/151)


(عامر بْن مالك بْن أهيب الزُّهْرِيّ)
[1] أخو سعد بْن أبي وقاص، من مهاجرة الحبشة.
قدم دمشق بكتاب عُمَر على أبي عبيدة بإمرته على الشام وعزل خالد، اسْتُشْهِدَ يوم اليرموك على الصحيح [2] .
(عبد الله بْن سُفْيَان)
[3] هذا ابن أخي أبي سلمة بْن عبد الأسد المَخْزُومِيّ.
له صُحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية.
روى عنه عمرو بْن دينار منقطعًا، وَاسْتُشْهِدَ باليرموك.
(عبد الرحمن أخو الزُّبَيْر بْن العَوَّام لأبيه [4] )
حضر بدْرًا هو وأخوه عُبَيْد الله الأعرج مشركين، فهربا فأدرك عُبَيْد الله فقُتِلَ، ثُمَّ أسلم فيما بعد هذا، وصحب النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلّم، واستشهد باليرموك.
عُتْبَة بْن غزوان رضي الله عنه، يقال مات فيها، وقد تقدم.
عكرمة بْن أبي جهل المَخْزُومِيّ، يقال اسْتُشْهِدَ يوم اليرموك، وقد تقدم.
د ن ق (عمرو بْن أم مكتوم)
[5] الضّرير.
__________
[1] المحبّر 459، فتوح البلدان 137 و 161، التاريخ الكبير 6/ 452 رقم 2965، الجرح والتعديل 6/ 327، 328 رقم 1824، الاستيعاب 3/ 4، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 198 البداية والنهاية 7/ 62.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 198.
[3] تاريخ خليفة 131، فتوح البلدان 1/ 62، الاستيعاب 2/ 385، الكاشف 2/ 83 رقم 2786، البداية والنهاية 7/ 62، الإصابة 2/ 319 رقم 4721.
[4] المعارف 220، جمهرة أنساب العرب 121 و 125، الاستيعاب 2/ 399، البداية والنهاية 7/ 62، الإصابة 2/ 415، 416 رقم 1578.
[5] مختلف في اسمه، فأهل المدينة يقولون: عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصمّ بن رواحة القرشي العامري. وأمّا أهل العراق فسمّوه عمرا. ويقال: عمرو بن زائدة، وغيره، انظر: طبقات

(3/152)


مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل كان اللواء معه يوم القادسية، واستُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ ابن سعد [1] : رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عُمَر.
قلت: روى عنه عبد الرحمن بْن أبي ليلى، وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن سعد.
عمرو بْن الطُّفيل بْن [2] عَمْرو بْن طَريف قُتِل باليَرْموك.
(عياش بن أبي ربيعة)
[3] عمرو بن المغيرة بن عياش المَخْزُومِيّ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي سماه في القنوت ودعا له بالنّجاة [4] .
__________
[ () ] ابن سعد 4/ 205- 212، نسب قريش 343، المحبّر 254، المعارف 290، أنساب الأشراف 1/ 311 و 526، تاريخ الطبري 2/ 483 و 536 و 555، المنتخب من ذيل المذيّل 564، البرصان والعميان 362، جمهرة أنساب العرب 171، مشاهير علماء الأمصار 16 رقم 53 (وفيه اسمه: عبد الله) ، حلية الأولياء 2/ 4 رقم 88 (وفيه: عبد الله) ، الاستيعاب 2/ 501، 502، المستدرك 3/ 634، 635، أسد الغابة 4/ 127، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 295، 296 رقم 556، صفة الصفوة 1/ 582- 584 رقم 63، الكاشف 2/ 284 رقم 4223، تلخيص المستدرك 3/ 634، 635، العبر 1/ 19، البداية والنهاية 7/ 62، تهذيب التهذيب 8/ 34 رقم 52 (وفيه: عمرو بن زائدة) ، ومثله: تقريب التهذيب 2/ 70 رقم 582، الإصابة 2/ 523، 524 رقم 5764، خلاصة تذهيب التهذيب 289، شذرات الذهب 1/ 28.
[1] في الطبقات 4/ 212.
[2] فتوح البلدان 1/ 135.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 129، طبقات خليفة 21، التاريخ الكبير 7/ 46 رقم 204، عيون الأخبار 1/ 307 و 339 و 340، أنساب الأشراف 1/ 197 و 208 و 209 و 210 و 220، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 124 رقم 516، العقد الفريد 2/ 50، مشاهير علماء الأمصار 36 رقم 211، جمهرة أنساب العرب 230، الاستيعاب 3/ 122، 123، أسد الغابة 4/ 161، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 42 رقم 41، الكاشف 2/ 312 رقم 4419، الإصابة 3/ 47 رقم 6123، تلقيح فهوم الأثر 377، تهذيب التهذيب 8/ 197 رقم 360، تقريب التهذيب 2/ 95 رقم 848، خلاصة تذهيب التهذيب 300، شذرات الذهب 1/ 28.
[4] الاستيعاب 3/ 123.

(3/153)


رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْهُ ابنه عبد الله وغيره، وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته أَبُو عبد الله، استُشْهِدَ يوم اليرموك.
فرِاس بْن النَّضْر بْن الحارث [1] ، يقال استُشْهِدَ باليرموك.
قيس بْن عَدِيّ بْن سعد [2] بْن سهم، من مهاجرة الحبشة، قتِل باليرموك.
(قيس بْن أبي صعصعة)
[3] عمرو بْن زيد بْن عوف الأنصاري المازني.
شِهدَ العقبة وبدرًا، وَوَرَدَ لَهُ حَدِيثٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، قُلْتُ: فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «فِي خَمْسَ عَشْرَةَ» ، قُلْتُ: أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ [4] . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ.
وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك.
(نُصير بْن الحارث)
[5] بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ عبد مناف بن عبد الدّار
__________
[1] أنساب الأشراف 1/ 203، الاستيعاب 3/ 211، أسد الغابة 4/ 177، الإصابة 3/ 202 رقم 6968.
[2] المحبّر 133 و 177 و 178 و 474، تاريخ خليفة 188، أنساب الأشراف 1/ 132، الإصابة 3/ 284 رقم 7359، البداية والنهاية 7/ 62.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 517، تاريخ الطبري 2/ 433، أنساب الأشراف 1/ 244، الاستيعاب 223، أسد الغابة 4/ 218، البداية والنهاية 7/ 62، الإصابة 3/ 283، 284 رقم 7355.
[4] أخرجه أبو داود في الصلاة (1388) باب في كم يقرأ القرآن؟، والترمذي في القراءات (4016) باب رقم (4) ، وأحمد في المسند 2/ 165 و 189 و 216 من عدّة طرق كلّها من حديث عبد الله بن عمر.
[5] نسب قريش 255، أنساب الأشراف 1/ 203، تاريخ الطبري 3/ 90، جمهرة أنساب العرب 126، الاستيعاب 3/ 565- 567، أسد الغابة 5/ 20، 21، البداية والنهاية 7/ 62 وفيه «نصير» بالصاد المهملة، وهو تصحيف، الإصابة 3/ 557، 558 رقم 8720.

(3/154)


ابن قصي العبدي القرشي.
من مسْلَمَة الفتح ومن حلماء قريش، وقيل إن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه مائة من الإبل من غنائم حُنين، تَألَّفهُ بذلك. فتوقف في أخذها وَقَالَ: لَا أرتشي على الإسلام، ثُمَّ قَالَ: واللهِ مَا طلبتها ولا سألتها وهي عطية من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذها، وحسن إسلامه، واستُشْهِدَ يوم اليرموك، وأخوه النّضر قُتِل كافرًا في نوبة بدر.
(نَوْفَلِ بْن الْحَارِثِ)
[1] بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم، أَبُو الحارث ابْن عم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهو أسنّ من أسلم من بني هاشم، وقد أُسِر يوم بدرٍ ففداه العباس، فلما فداه أسلم [2] .
وقيل إنه هاجر أيام الخندق، وآخى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وبين العباس، وكانا شريكين في الجاهلية متحابين، شهِدَ نَوْفَلُ الحديبية والفتح، وأعان
__________
[1] طبقات خليفة 6، تاريخ خليفة 134، المعارف 126، 127 و 155، أنساب الأشراف 1/ 301، تاريخ الطبري 2/ 426 و 465، المنتخب من ذيل المذيّل 502، 503، جمهرة أنساب العرب 70، الجرح والتعديل 8/ 487 رقم 2230، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 166، الاستيعاب 3/ 537، 538، أسد الغابة 5/ 46، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 134 رقم 201، العقد الثمين 7/ 351- 353، سير أعلام النبلاء 1/ 199 رقم 27، الوفيات لابن قنفذ 45، 46، البداية والنهاية 7/ 62، المستدرك 3/ 245- 247، تلخيص المستدرك 3/ 245- 247، الإصابة 3/ 577 رقم 8826، شذرات الذهب 1/ 32.
[2] روى الحاكم في المستدرك من طريق هشام بن يحيى، عن محمد بن سعد، عن عليّ بن عيسى النوفليّ قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفد نفسك يا نوفل» قال:
ما لي شيء أفدي به يا رسول الله. قال: «أفد نفسك برماحك التي بجدّة» . قال: والله ما علم أحد أنّ لي بجدّة رماحا بعد الله غيري. أشهد أنّك رسول الله، ففدى نفسه بها، وكانت ألف رمح. قال: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكانا قبل ذلك شريكين في الجاهلية متفاوضين في المالين متحابّين. وشهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح مكة وحنينا والطائف، وثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله: «كأنّي انظر إلى رماحك تقصف في أصلاب المشركين» .

(3/155)


رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حنين بثلاثة آلاف رمح، وثبت معه يَوْمَئِذٍ [1] .
تُوُفِّيَ سنة خمس عشرة بخُلفٍ [2] وقيل سنة عشرين.
(هشام بْن العاص)
السهمي. عند ابن سعد [3] أنّه قتل يوم اليرموك.
__________
[1] انظر الحاشية السابقة.
[2] في الأصل «بحلب» وهو خطأ.
[3] الطبقات 4/ 192.

(3/156)