تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ت تدمري

الطبقَة الرابعة
(ثُمَّ دخلت سَنَة إحدى وَثلاثِين)
قَالَ أَبُو عبد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أنّ نيْسابُور فُتِحَتْ صُلْحًا، وكان فتْحُها في سنة إحدى وثلاثين. ثمّ روى بإسناده إلى مصعب بن
__________
[ () ] الميعاد التاسع والميعاد الحادي عشر والثاني عشر بفوت من أوله إلى قوله (ويروى باسناد ضعيف في قصة إسلام عمر) والميعاد العاشر أيضا بفوت من أوله مقدار ثلاثة. وسمع الميعاد الأول والثاني واللذين بعده صلاح الدين خليل بن الأمير بدر الدين كيكلدي العلائي. وسمع جمال الدين أقش بن عبد الله عتيق دادا الميعاد الثاني فقط. وسمع الشيخ محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسي القطان الميعاد الخامس فقط. وكذلك سمع الثاني فقط أبو عمران موسى بن جلال بن شبل النابلسي. وسمع عبد الله بن منيف بن ناصر الزرعي الميعاد السابع عشر.
وصح ذلك في مجالس آخرهن في (أواخر شعبان سنة أربع عشرة وسبعمائة) بجامع دمشق المحروسة تحت النسر (يعني قبة النسر.) . والحمد للَّه وحده.
كتبه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن البعلي. والمواعيد بقلمه في الحاشية من المجلدين المذكورين.
وكتبت أنا بخطّي هذين المجلدين والحمد للَّه وحده.
وورد في الهامش:
قرأت المجلد الأول والثاني من تاريخ الإسلام على الشيخ الإمام العلامة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي أمتع الله ببقائه. وذلك في شهور (سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة) وسمعهما جماعة.
وكتب محمد بن عبد الرحمن العطار الشافعيّ عفا الله عنه وعن المسلمين.

(3/363)


أبي الزَّهْراء أنّ كنارى [1] صاحب نيْسَابور كتب إلى سعيد بْن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بْن عامر والي البصرة، يدعوهما إلى خُراسان ويُخْبرهما أنّ مَرْو قد قتل أهلَهَا يَزْدَجِرْد.
فندب سعيد بْن العاص الحَسَن بْن عليّ وعبد الله بْن الزُّبَيْر لها، فأتى ابن عامر دهقان فَقَالَ: مَا تجعل لي إنْ سبقتُ بك؟ قَالَ: لك خراجُك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة، فأخذ به على قُومِس، وأسرع إلى أنْ نزل على نيْسابور، فقاتل أهلها سبعة أشهرٍ ثمّ فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضا، وكان ابن خالد عثمان.
ويقال: تفل النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فيه وهو صغير.
وفيها قَالَ خليفة [2] : أحرم عبد الله بْن عامر من نَيْسابور، واستخلف قيس بْن الهيثم وغيره على خُرَاسان، وقيل إنّ ذلك كان في السنّة الماضية.
وفيها غزوة الأساود [3] ، فغزا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مَصِّيصَة.
__________
[1] في النسخ (كناز) والمثبت من تاريخ الطبري 4/ 301.
[2] في تاريخه 166.
[3] في تاريخ الطبري 4/ 288 «الأساودة» ، وفي الكامل في التاريخ 3/ 117 «الأساورة» .

(3/364)


الوفيَّاتْ
الحَكَم بْن أبي العاص [1]
وفيها تُوُفيّ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْد شمس بْن عبد مناف الأْمَوِيّ أَبُو مروان، وكان له من الولد عشرون ذكرًا وثمان بنات، أسلم يوم الفتح وقدِم المدينة فكان فيما قيل يُفْشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فطرده وسبّه
__________
[1] المغازي للواقدي 594 و 846، تهذيب سيرة ابن هشام 85، السير والمغازي لابن إسحاق 144، الأخبار الموفقيّات 257 و 403، البرصان والعرجان للجاحظ 69 و 275، 276 و 362، المحبّر لابن حبيب 451، التاريخ لابن معين 2/ 124، طبقات ابن سعد 3/ 447 و 509، طبقات خليفة 197، تاريخ خليفة 134 و 141 و 142، التاريخ الكبير 2/ 331 رقم 2651، المعارف 73 و 194 و 353 و 576، فتوح البلدان 433، أنساب الأشراف 1/ 124 و 151، ق 3/ 304، ق 4 ج 1/ 58 و 117 و 479 و 482 و 513- 515 و 527، ق 5/ 2 و 27 و 28 و 38 و 125 و 126 و 160 و 204، تاريخ الطبري 3/ 188 و 4/ 176 و 397 و 399 و 10/ 58، الجرح والتعديل 3/ 120 رقم 556، الاستيعاب 1/ 316، 317، جمهرة أنساب العرب 79 و 80 و 82 و 87- 89، العقد الفريد 2/ 364 و 394 و 4/ 34 و 283، مروج الذهب 2/ 334 و 3/ 180، الخراج وصناعة الكتابة 386، 387، أسد الغابة 2/ 35، الكامل في التاريخ 2/ 76 و 3/ 40 و 199 و 452 و 5/ 82، التذكرة الحمدونية 2/ 76، العبر 1/ 32، سير أعلام النبلاء 2/ 107، 108 رقم 14، نكت الهميان 146، الوافي بالوفيات 13/ 112 رقم 120، مرآة الجنان 1/ 85، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 207 و 2/ 246، الإصابة 1/ 345، 346 رقم 1781، شذرات الذهب 1/ 38، وفيات الأعيان 2/ 226.

(3/365)


وأرسله إلى بطن وَجّ [1] فلم يزل طريدًا إلى أنْ وُلِّيَ عثمان، فأدخله المدينة ووصل رحِمَه وأعطاه مائة ألف دِرْهَمْ، لأنّه كان عمّ عثمان بْن عفان، وقيل إنّما نفاه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطّائف لأنّه كان يَحْكِيه في مِشْيَته وبعض حركاته.
وقد رُوِيَت أحاديث مُنْكرة في لَعْنه لَا يجوز الاحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص الصُّحبة بل عمومها.
قَالَ حماد بْن سَلَمة، وجرير، عَنْ عطاء بْن السّائب، عَنْ أبي يحيى النَّخْعيّ قَالَ: كنت بين مروان، والحَسَن، والحسين، والحسين يُسَابُّ مروان، فَقَالَ مروان: إنّكم أهل بيتٍ ملعونون، فغضب الحَسَن وَقَالَ: والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صُلْبه. أَبُو يحيى مجهول [2] .
وَقَالَ الْعَلاءِ [3] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في المنام كأنّ بني الحَكَم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغّيظ وقال: «ما لي أُريتُ [4] بني الحَكَم ينزون على منبري نزْوَ القِرَدَةَ [5] » . وَقَالَ مُعْتَمر بْن سليمان، عَنْ أبيه، عَنْ حَنَش [6] بْن قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل عليٌّ يقود الحَكَم بأُذُنه فَلَعَنه نبيّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ثلاثا. قال الدّار الدّارقطنيّ: تفرّد به معتمر [7] .
__________
[1] وجّ: بالفتح والتشديد. وهو الطائف. (معجم البلدان 5/ 361) .
[2] في هذا الخبر نقص في نسخة دار الكتب، والاستدراك من بقيّة النسخ، ومن ترجمة «مروان بن الحكم» المقبلة.
[3] هو «ابن عبد الرحمن» انظر: سير أعلام النبلاء 2/ 108.
[4] في النسخ «رأيت» ، والتصويب من سير أعلام النبلاء.
[5] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد 5/ 243، 244» وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير مصعب بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة. وأورده ابن حجر في «المطالب العالية» .
[6] مهمل في نسخة الدار، والمثبت من بقيّة النسخ.
[7] ذكره الهيثمي مطوّلا في «مجمع الزوائد 5/ 242» قال: عن عبد الله بن عمر قال: هاجرت إلى

(3/366)


وَقَالَ جعفر بْن سليمان الضَّبُعيّ: ثنا سعيد أخو حماد بْن زيد، عَنْ عليّ ابن الحكم، عَنْ أبي الحسن الجزْريّ، عَنْ عمرو بْن مُرّة- وله صُحْبة- قَالَ: استأذن الحَكَم بْن أبي العاص عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أئذنوا له لَعَنَهُ الله وكلَّ مَنْ خَرَجَ من صُلْبه إلَّا المؤمنين» [1] . إسناده فيه من يُجْهل [2] .
وعن عبد الله بْن عمرو قَالَ: كان الحَكَم يجلس إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينقل حديثه إلى قُرَيش، فلعنه رسول الله وَمَنْ يخرج من صُلْبه إلى يوم القيامة. تفرد به سليمان بْن قَرْم، وهو ضعيف [3] . وقال أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [4] : ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا عثمان بْن حُكَيْم، عَنْ أبي أمَامة بْن سهل، عَنْ عبد الله بْن عمرو قَالَ: كنا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَيَدْخُلَنَّ عليكم رجلٌ لعين، فما زلت أتشَّوفُ حتّى دخل فلانٌ يعني الحكم.
__________
[ () ] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ أَبُو الحسن، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادن منّي يا أبا الحسن، فلم يزل يدنيه حتى التقم أذنه، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلّم ليساره حتى رفع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ كالفزع، فقال: قرع الخبيث بسمعه الباب، فقال: «انطلق يا أبا الحسن فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها» ، فإذا أنا بعلي قد جاء بالحكم آخذا بأذنه ولهازمه جميعا حتى وقف بَيْنَ يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَعَنه نبيّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: «احبسه ناحية» حتى راح إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم ناس من المهاجرين والأنصار، ثم دعا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ها إنّ هذا شيخا لفّ كتاب الله وسنّة نبيّه ويخرج من صلبه من فتنته يبلغ دخانها السماء» ، فقال رجل من المسلمين: صدق الله ورسوله هو أقلّ وأذلّ من أن يكون منه ذلك. قال: «بلى وبعضكم يومئذ يسعفه» ، رواه الطبراني، وفيه حسين بن قيس الرحبيّ وهو ضعيف.
[1] في النسخ «المؤمنون» وما أثبتناه بالنّصب على الاستثناء.
[2] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد 5/ 242، 243» فقال: عن عمرو بن مرّة الجهنيّ- وكانت له صحبة- قال: استأذن الحكم بن أبي العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعرف كلامه، فقال: «ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وما يخرج من صلبه إلّا الصالحين منهم وقليل ما هم يشرفون في الدنيا ويرذلون في الآخرة ذوو مكر وخديعة» . رواه الطبراني هكذا، وفي غيره: وما يخرج من صلبه إلّا الصالحون منهم وقليل ما هم. وفيه أبو الحسن الجزري وهو مستور، وبقيّة رجاله ثقات.
[3] انظر: المجروحين لابن حبّان 1/ 332، وميزان الاعتدال 2/ 219 وغيره.
[4] 2/ 163، ومجمع الزوائد للهيثمي 5/ 241 ورواه البزّار، والطبراني في الأوسط.

(3/367)


وَقَالَ الشَّعْبِيّ: سمعت ابن الزُّبَيْر يَقُولُ: وربّ هذا البيت إنّ الحكم ابن أبي العاص وولده ملعونون عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إسناده صحيح [1] .
وعن إسحاق بْن يحيى، عَنْ عمّته عائشة بنت طلحة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حُجْرته فسمع حِسًّا فاستنكره، فذهبوا فنظروا فإذا الحَكَم يطّلع على النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلعنه وما في صُلْبه ونفاه. رواه محمد بْن عثمان بْن أبي شَيْبَة، عَنْ عُبَادة بْن زياد أنّ مُدْرك بْن سليمان الطّائيّ حدّثه عَنِ إسحاق فذكره.
وَقَالَ أَبُو سَلَمة التَّبُوذكي: ثنا عبد الواحد بْن زياد، ثنا عثمان بْن حُكَيْم، ثنا شُعَيْب بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يدخل عليكم رجلٌ لعين» ، قَالَ: وكنت تركت أبي يلبس ثيابه، فأشفقت، فدخل الحَكَم بْن أبي العاص [2] .
أَبُو سُفْيَان بْن حرب [3] سوى ق
ابن أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ الأموي، واسمه صخر. أحد دُهاة العرب، وشيخ قريش، وقائدهم نَوْبة الأحزاب، ثمّ أسلم يوم الفتح
__________
[1] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 241 وقال: رواه أحمد والبزّار، إلّا أنّه قال: لقد لعن الله الحكم وما ولد عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطبراني بنحوه، وعنده رواية كرواية أحمد، ورجال أحمد رجال الصحيح.
[2] في النسخ هنا اضطراب في إسناد الخبر ورجاله، والتصحيح من مسند أحمد 2/ 163 وانظر:
مجمع الزوائد للهيثمي 5/ 241 قال: رواه أحمد والبزّار، والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح.
[3] السير والمغازي لابن إسحاق 118 و 144 و 189 و 190 و 197 و 233 و 234 و 322 و 323 و 332- 334، المغازي للواقدي (انظر فهرس الأعلام 3/ 1178) ، تهذيب سيرة ابن هشام (انظر فهرس الأعلام 378) ، فتوح الشام للأزدي 219، 220، الأخبار الموفقيّات للزبير بن بكار 333 و 388 و 577 و 578 و 584، نسب قريش لمصعب 121، 122 و 126، 127 و 153 و 244 و 323، حذف من نسب قريش 30، المحبّر لابن حبيب 89 و 111 و 112 و 119 و 126 و 132 و 161 و 175 و 246 و 261 و 271 و 272 و 296 و 302 و 315 و 338 و 410

(3/368)


وشهد حُنَيْنًا. وأعطاه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغنائم مائةً من الأبل وأربعين أوقية [1] وقد فُقِئَتْ عينه يوم الطَّائف، ثُمَّ شهِدَ اليَرْمُوك، فكان يذكر يَوْمَئِذٍ ويحض على القتال.
__________
[ () ] و 434 و 437 و 449 و 473، البرصان والعرجان للجاحظ 53 و 78 و 102 و 262، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 141 رقم 670، المعرفة والتاريخ 3/ 167، تاريخ أبي زرعة 1/ 218 و 593، التاريخ لابن معين 2/ 268، طبقات خليفة 10، تاريخ خليفة 166، التاريخ الكبير 4/ 310 رقم 2942، المعارف 3 و 74 و 125 و 344 و 345 و 553 و 575 و 586 و 588، عيون الأخبار 1/ 83 و 4/ 101، الجرح والتعديل 4/ 426 رقم 1869، فتوح البلدان 42 و 43 و 45 و 66 و 71 و 78 و 83 و 123 و 153 و 160، أنساب الأشراف ق 3/ 19 و 21، ق 4 ج 1/ 4- 14 و 136- 139، و 5/ 2 و 91، تاريخ اليعقوبي 2/ 169، تاريخ الطبري (راجع فهرس الأعلام 10/ 268) ، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 33، الزاهر للأنباري 1/ 293، مشاهير علماء الأمصار 32 رقم 169، المعجم الكبير للطبراني 8/ 5- 28 رقم 711، العقد الفريد (راجع فهرس الأعلام 7/ 93) ، الاستيعاب 4/ 85- 88، البدء والتاريخ للمقدسي 5/ 107، 108، الأسامي والكنى للحاكم (ورقة 1/ 255) ، ثمار القلوب للثعالبي 120، 121 و 395 و 519 و 670، أمالي المرتضى 1/ 276، جمهرة أنساب العرب 70 و 80 و 111 و 274 و 386 و 429، الخراج وصناعة الكتابة لقدامة 262- 265 و 269 و 275، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 390- 409، لباب الآداب لأسامة بن منقذ 344 و 350 و 351 و 389 و 393، الكامل في التاريخ 1/ 595 و 2/ 60 و 116- 121 و 132- 134 و 156- 160 و 3/ 62 و 130 و 142 و 443، 444 و 487 و 4/ 10 و 69 و 308 و 6/ 250 (وانظر فهرس الأعلام 13/ 154) ، أسد الغابة 5/ 216، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 255 و 266 و 364 و 6/ 348 و 350 و 355 و 356 و 358- 361، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 239، 240 رقم 358، تحفة الأشراف 4/ 157- 159 رقم 233، نهاية الأرب للنويري 19/ 449، المعين في طبقات المحدّثين للذهبي 28 رقم 146، الكاشف 2/ 24 رقم 2398، سير أعلام النبلاء 2/ 105- 107 رقم 13، العبر 1/ 31، تجريد أسماء الصحابة 2/ 16، دول الإسلام 1/ 25، مرآة الجنان 1/ 84، 85، الوافي بالوفيات 16/ 284- 286 رقم 314، نكت الهميان 172، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 224، الوفيات لابن قنفذ 53، شفاء الغرام (بتحقيقنا) (انظر فهرس الأعلام 2/ 510) ، العقد الثمين 5/ 32، النكت الظراف لابن حجر 4/ 158، تهذيب التهذيب 4/ 411، 412 رقم 708، تقريب التهذيب 1/ 365 رقم 75، الإصابة 2/ 178- 180 رقم 4046، أمالي القالي 1/ 222 و 2/ 105، خلاصة تذهيب التهذيب 172، كنز العمال 13/ 612، شذرات الذهب 1/ 30 و 37.
[1] انظر: صحيح مسلم (1060) في الزكاة، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام، و «زاد المعاد» 3/ 473، وسيرة ابن هشام 2/ 492، 493.

(3/369)


روى عنه ابن عبّاس، وقيس بْن أبي حازم.
وقيل: فقِئَتْ عينُهُ الأخرى يوم اليَرْمُوك في سبيل الله، وكان مقدّم جيش الجاهليّة يوم أحد.
وكان أَسَنُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَشْر سنين، وكان يتَّجر إلى الشام وغيرها.
وكان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان، فكان يقاتل ويقول: (يا نصر الله اقتربْ) [1] . وكان يقف على الكراديس يقصّ ويقول:
(الله الله إنّكم دارةُ [2] العرب أنصار الإسلام، وهؤلاء دارةُ الروم وأنصار المشركين، اللَّهمّ هذا يوم من أيامك اللَّهمّ أنزل نصرك على عبادك) .
وتُوُفيّ سنة إحدى وثلاثين، وقيل سنة اثنتين، وقيل سنة ثلاث، وقيل سنة أربعٍ وثلاثين وله نحو تسعين سنة.
ويقال: تُوُفيّ فيها: المِقْداد، والعبّاس، وابن عوف، وعامر بْن ربيعة، وسيأتون بعدها [3] .
[يَزْدَجِرْد بْن شَهْرَيَار بْن بَرَوِيز المَجُوسيّ كِسْرَى زمانه، انهزم من المُسْلِمين في دار مُلْكه إلى مَرْو، وضَعُفَتْ دولة الأكاسرة وولّت أيّامهم، فكان هذا خاتمتهم. ثار عليه أمراء مَرْو، وقيل: بل بَيَّتَهُ التُّرك وقتلوا خواصّه، فهرب والتجأ إلى بيت رجلٍ فقتله غدْرًا ثمّ قُتِلَ به. والله أعلم] [4] .
__________
[1] قال ابن حجر في الإصابة 2/ 179: «روى يعقوب بن سفيان، وابن سعد بإسناد صحيح، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فقدت الأصوات يوم اليرموك، إِلا صَوْتَ رَجْلٍ يَقُولُ: يَا نَصْرَ اللَّهِ اقترب، قال: فنظرت، فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يزيد» .
[2] في الاستيعاب 4/ 86 «ذادة العرب» .
[3] في حاشية (ح) «مررت على هذه الكرّاسة وصحّحتها وقابلتها على نسخة بخطّ البدر البشتكي.
فصحّت وللَّه الحمد. قاله يوسف العسقلانيّ» .
[4] ما بين الحاصرتين من زيادات (ع) والمنتقى لابن الملّا. انظر (تاريخ الطبري 4/ 293- ذكر الخبر عن مقتل يزدجرد) .

(3/370)


سنة اثنتين وثلاثين
فيها كانت وقعة المضيق بالقرب من قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وأميرُها معاوية.
[الوَفَيَات]
وتُوُفيّ فيها أُبَيّ بْن كعْب [1] ، قاله خليفة وحده. وأوس بْن الصّامت أخو عُبَادة، وقد تقدما.
(سِنان بْن أبي سنان [2] بْن محصن الأسديّ)
حليف بني عبد شمس.
وكان أسن من عمّه عُكاشة، هاجر هو وأبوه وشهدا بدرًا.
تُوُفيّ أَبُوه والنّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحاصر بني قُرَيْظة، وكان سِنان من سادة الصحابة.
قَالَ الواقِديّ [3] : هو أوّل من بايع تحت الشَّجرة.
(الطُّفَيْلُ بْن الحارث بْن المطّلب)
[4] فيها في قول، وقد ذكر.
__________
[1] في تاريخه 167.
[2] المغازي للواقدي: 154 و 603 و 890، المعارف 274، الجرح والتعديل 4/ 250، 251 رقم 1080، الاستيعاب 2/ 80، 81، أسد الغابة 2/ 358، الإصابة 2/ 82 رقم 3500.
[3] في المغازي 2/ 603.
[4] السير والمغازي 258، المغازي للواقدي 24 و 153، نسب قريش 93 و 95، طبقات ابن سعد 3/ 52، 53 (ترجمة الطفيل والحصين) ، طبقات خليفة 115 و 138، المحبّر لابن حبيب 71

(3/371)


وأخوه الحُصَيْن تُوُفيّ بعده بأربعة أشهر، وقد شهدا بدرًا.
وَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحدٌ لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» .
__________
[ () ] و 83 و 108 و 459، أنساب الأشراف 1/ 289 و 308 و 429 و 447، تاريخ الطبري 2/ 545 و 3/ 167، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 42، الجرح والتعديل 4/ 488، 489 رقم 2147، الاستيعاب 2/ 228، حذف من نسب قريش 25، أسد الغابة 3/ 52، الوافي بالوفيات 16/ 458، 459 رقم 495، العقد الثمين 5/ 66، الإصابة 2/ 224 رقم 7247.

(3/372)


العبّاس بن عبد المطّلب [1] ع (الرمز ساقط من النسخ، والإثبات من مصادر الترجمة.)
ابن هاشم أَبُو الفضل عمّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ قبل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين أو ثلاث، وحضر بدْرًا فأسره المسلمون، ثمّ أسلم بعد أن فدى نفسه وقدم مكّة، له أحاديث.
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 32 و 34 و 68 و 79 و 138 و 146، المغازي للواقدي (انظر فهرس الأعلام 3/ 1193) ، نسب قريش 18 و 220 و 240 و 266، مسند أحمد 1/ 206- 210، التاريخ لابن معين 2/ 294، المحبّر لابن حبيب 16 و 46 و 63 و 64 و 91 و 106 و 108 و 162، طبقات ابن سعد 4/ 5- 33، البرصان والعرجان للجاحظ 203 و 219 و 309 و 362، فتوح الشام للأزدي 250، تهذيب سيرة ابن هشام 30 و 55 و 95 و 104 و 105 و 136 و 137 و 147 و 237 و 243 و 250 و 253 و 266 و 316 و 326 و 334 و 338 و 349 و 350 تاريخ خليفة 86 و 138 و 168، طبقات خليفة 3، الأخبار الموفقيّات للزبير 285، 567 و 578، أخبار مكة للأزرقي 1/ 111 و 114 و 112 و 2/ 47 و 58 و 106 و 233، التاريخ الكبير 7/ 2 رقم 1، المعارف 118 و 119 و 121 و 127 و 137 و 145 و 154- 156 و 164 و 166 و 203 و 211 و 267 و 327 و 467 و 563 و 589 و 590 و 592، عيون الأخبار 1/ 5 و 6 و 186 و 215 و 269 و 342 و 2/ 150 و 168 و 279 و 3/ 92، المعرفة والتاريخ 1/ 499- 503 و 507- 511، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 87 رقم 87، تاريخ أبي زرعة 1/ 157 و 586 و 593، أنساب الأشراف 1/ 53 و 57 و 66 و 72 و 88 و 89 و 91 و 100 و 126 و 235 و 240 و 253 و 254 و 301 و 312 و 314 و 355 و 361 و 365 و 402 و 403 و 414 و 429 و 445- 447 و 451 و 462 و 463 و 477 و 519 و 520 و 525 و 545 و 546 و 569 و 570 و 573 و 581- 583 و 586، ق 3/ 1- 22 و 24 و 25 و 51 و 56 و 65 و 67 و 68 و 140 و 160 و 185 و 202 و 282 و 284 و 294- 296 و 301 و 312، ق 4 ج 1/ 330 و 498 و 499 و 505 و 508، فتوح البلدان 5/ 31 و 43 و 48 و 66 و 98 و 313، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 302) ، ذيل المنتخب للطبري 548، الخراج وصناعة الكتابة لقدامة 264 و 267، الزاهر للأنباري 1/ 156، ثمار القلوب للثعالبي 89 و 677، الجرح والتعديل 6/ 210 رقم 1151، مشاهير علماء الأمصار 9 رقم 16، جمهرة أنساب العرب 17- 37، أنساب الأشراف 5/ 13 و 14 و 19 و 23 و 199، العقد الفريد 1/ 82 و 2/ 289 و 412 و 424 و 3/ 162 و 182 و 4/ 7 و 57 و 64 و 257- 259 و 275 و 276 و 485 و 5/ 11 و 84 و 85 و 98 و 282 و 6/ 267 و 367، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 48، أمالي المرتضى 1/ 293، البدء والتاريخ للمقدسي 5/ 104، 105، ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 195 و 333، الاستيعاب 2/ 810، المستدرك 3/ 320- 334، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 229- 253، لباب الآداب لابن منقذ 15 و 270، الزيارات

(3/373)


روى عنه ابناه: عبد الله وعبيد الله، والأحنف بْن قيس، وعامر بْن سعد، ومالك بْن أوس بْن الحَدَثان، ونافع بْن جُبَيْر بْن مُطْعم، وأم كُلْثوم بنته، وعبد الله بْن الحارث بْن نوفل [3] ، وله فضائل ومناقب رضي الله عنه.
قَالَ الكلبيّ: كان العبّاس شريفًا مهيبًا عاقلًا.
وَقَالَ غيره: كان أبيض بضًّا [4] جميلًا طويلًا فخمًا مَهيبًا، له ضفيرتان، عاش ثمانيًا وثمانين سنة، وصلّى عليه عثمان، ودفن بالبقيع [5] ، وعلى ضريحه قبّة عظيمة [6] .
__________
[ () ] للهروي 87 و 92، 93، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام 13/ 195، 196) ، معجم الشعراء للمرزباني 101، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 360، صفة الصفوة 1/ 203، أسد الغابة 3/ 109 الاستبصار 164، التذكرة الحمدونية 1/ 103 و 2/ 107 و 241 و 411، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 257- 259 رقم 281، تحفة الأشراف للمزّي 4/ 264- 271 رقم 267، تهذيب الكمال 2/ 658، المعين في طبقات المحدّثين للذهبي 23 رقم 68، الكاشف 2/ 59، 60 رقم 2627، سير أعلام النبلاء 2/ 78- 103 رقم 11، العبر 1/ 33، تلخيص المستدرك 3/ 320- 334، وفيات الأعيان 1/ 225 و 353 و 2/ 467 و 3/ 64 و 269- 271 و 277 و 4/ 174 و 187 و 5/ 151 و 152 و 340 و 369 و 394 و 6/ 30 و 60 و 106 و 126 و 367، دول الإسلام 1/ 26، نهاية الأرب للنويري 19/ 449، مرآة الجنان لليافعي 1/ 85، 86، الوافي بالوفيات 16/ 629- 633 رقم 679، الوفيات لابن قنفذ 52 رقم 32، نكت الهميان 175، البداية والنهاية 7/ 161، 162، شفاء الغرام (بتحقيقنا) (انظر فهرس الأعلام 2/ 535) ، العقد الثمين 5/ 93، مجمع الرجال 3/ 247، مجمع الزوائد 9/ 268- 271، تهذيب التهذيب 5/ 122، 123 رقم 214، تقريب التهذيب 1/ 397، 398 رقم 149، النكت الظراف لابن حجر 4/ 265- 270، الأمالي للقالي 2/ 115، الإصابة 2/ 271 رقم 4507، أخبار العباس وولده (مواضع كثيرة) ، شذرات الذهب 1/ 38، خلاصة تذهيب التهذيب 189، تاريخ الخميس للدياربكري 1/ 165، كنز العمال 13/ 502.
[3] في نسخة دار الكتب «أبو نوفل» وهو خطأ.
[4] بضا: ساقطة من نسخة دار الكتب والمثبت من النسخ الأخرى ومن تهذيب تاريخ دمشق.
[5] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 230.
[6] الإشارات لمعرفة الزيارات للهروي 92، 93.

(3/374)


وَقَالَ خليفة وحده: [1] تُوُفيّ سنة أربع وثلاثين.
وقال الزُّبَيْر بْن بكار: كان للعباس ثوبٌ لعاري بني هاشم وجَفْنةٌ لجائعهم، وكان يمنع الجار، ويبذُلُ المال، ويُعطي في النَّوائب، وكان نديم أبي سُفيان بْن حرب في الجاهلية [2] .
وعن سهل بْن سعد قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بدر استأذنه العبّاس أن يرجع إلى مكة حتى يهاجر منها، فَقَالَ: «اطمئنّ يا عمّ فإنّك خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النّبيّين» [3] . رواه أَبُو يعلى والهيثم بْن كُلَيْب في مسنديهما. وروى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الحارث، عَنِ المطلب بْن ربيعة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنّ عمّ الرجل صِنْوُ أبيه ومَن آذى العبّاسَ فقد آذاني» [4] [وصحّح الترمذي من حديث يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الحارث هذا الحديث إلى آخره.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ- وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا الْعَبَّاسُ عَمُّ نَبِيِّكُمْ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَوْصَلُهَا» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ] [5] . وَرَوَى عَبْدُ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ سعيد بن جبير، عن ابن
__________
[1] في تاريخه- ص 168.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 231، 232.
[3] أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 269 وقال: رواه: أبو يعلى والطبراني، ونسبه المتّقي في كنز العمال 3/ 519 إلى الشاشي وابن عساكر، وانظر: تهذيب تاريخ دمشق 7/ 235 وله رواية من طريق البيهقي وابن عرفة.
[4] أخرجه الترمذي في المناقب (3758) باب مناقب العباس، وقال: هذا حديث حسن صحيح مع أن يزيد بن أبي زياد ضعيف، لكن في الباب ما يعضده، ويقوّيه، فعن عليّ عند الترمذي (2760) وعن أبي هريرة أيضا (2761) وعن أبي مسعود عند الطبراني، وعن ابن عباس عند ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 237: يا أيها الناس من آذى العباس فقد آذاني، إنّما عمّ الرجل صنو أبيه» ، وروى هذه الزيادة وحدها: الخرائطي والخطيب البغدادي.
[5] ما بين الحاصرتين زيادة من النسخة (ح) .

(3/375)


الْعَبَّاسِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» [1] . وَقَالَ ثور بن يزيد، عن مكحول، عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنْبًا، اللَّهمّ اخْلُفْهُ فِي وَلَدِهِ» . تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ ثَوْرٍ. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ [2] . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
__________
[ () ] والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 328 من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن محمد بن طلحة، وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه للمستدرك، إلّا أنه قال: فيه يعقوب بن محمد الزهري (وهو كثير الوهم) لكنّ الحاكم ساقه من حديث أحمد بن صالح متابعا، وقد تابعه أيضا عليّ بن المديني، وأخرجه أحمد في المسند 1/ 185 من طريق عليّ بن عبد الله، حدّثني محمد بن طلحة التيمي من أهل المدينة، حدّثني أبو سهيل نافع بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سعد بن أبي وقّاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم للعباس: «هذا العبّاس بن عبد المطّلب أجود قريش كفّا وأوصلها» وهذا سند قويّ.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد 9/ 268» وزاد نسبته إلى البزّاز وأبي يعلى، والطبراني في «المعجم الأوسط» وقال: وفيه محمد بن طلحة التيمي، وثقه غير واحد، وبقيّة رجال أحد وأبي يعلى رجال الصحيح.
[1] أخرجه أحمد في مسندة 1/ 300 وسنده حسن، وهو أطول من هنا، عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنّه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فصعد المنبر فقال: «أيّها الناس، أيّ أهل الأرض أكرم على الله؟» قالوا: أنت. قال: «فإنّ العباس منّي وأنا منه، لا تسبّوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا» . فجاء القوم فقالوا: نعوذ باللَّه من غضبك يا رسول الله» . ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 24، وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 329 ووافقه الذهبي في تلخيصه. وأخرج ابن عساكر نحوه في تاريخ دمشق (التهذيب 7/ 237) وقال: وفي لفظ من طريق عبد الله بن محمد البغوي: «إنّ العبّاس منّي وأنا منه، لا تسبّوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا..» ورواه الحافظ بنحو الأول من طريق الخرائطي، والخطيب البغدادي، والباغندي.
[2] في الجامع الصحيح (3762) من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن عبد الوهاب، عن ثور، عن مكحول، عن حذيفة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ... وفيه: اللَّهمّ اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللَّهمّ احفظه في ولده» .
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 333 وعبد الوهاب بن عطاء ضعّفه أحمد والنسائي وغيرهما، ووثّقه آخرون، ثم هو مرسل، وفي «ميزان الاعتدال» للمؤلّف نقلا عن صالح جزرة: أنكروا عليه حديث ثور في فضل العباس ما أنكروا عليه غيره، وكان ابن معين يقول: هذا موضوع،

(3/376)


هِشَامِ [1] بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلُّ أحدًا مَا يجلّ العبّاس، أو يُكرم العبّاس [2] .
وَقَالَ أَنْس: قَحَطَ النّاسُ، فاستسقى عُمَر بالعبّاس وَقَالَ: اللَّهمّ إنّا كنّا إذا قحطنا نتوسّل إليك بنبيّك [3] فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبينا فاسْقِنا.
قَالَ: فُسُقوا [4] .
وَقَالَ أَبُو مَعْشَر، عَنْ زيد بْن أسلم، عَنْ أبيه، وعن غيره، أنّ عُمَر فرض لمن شهِدَ بدْرًا خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض للعبّاس اثني عشر ألفًا [5] .
[وروى ابن أبي الزِّناد، عَنْ أبيه، عَنِ الثّقة قَالَ: كان العباس إذا مرّ بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتّى يجاوزهما إجلالًا لعمّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم [6] .
__________
[ () ] فلعلّ الخفّاف دلّسه، فإنه بلفظة «عن» (الميزان 2/ 682) وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (التهذيب 7/ 238) .
[1] في نسخة دار الكتب «هاشم» ، والتصحيح من بقية النسخ.
[2] أخرجه ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 7/ 241) وله رواية من طريق الخطيب بلفظ آخر.
إسناده صالح. (سير أعلام النبلاء 2/ 92) .
[3] هكذا في النسخ ما عدا نسخة دار الكتب ففيها «بنبيّنا» بدل «بنبيّك» .
[4] سقط هنا من نسخة الدار بعض هذا الحديث، والاستدراك من بقية النسخ، وصحيح البخاري في الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا 2/ 413، وفي فضائل الصحابة، باب ذكر العباس، من طريق الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أنس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطّلب، فقال: اللَّهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا صلى الله عليه وسلّم فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال: فيسقون.
وأخرجه ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 7/ 248) وقال: روى هذه القضية الحافظ عن أنس من طريقين. ورواه من طريق أبي يعلى الموصلي، ومن طريق الحسن بن عرفة، وساق روايات عدّة.
[5] سنن البيهقي 6/ 349، 350.
[6] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 248.

(3/377)


وَقَالَ عمرو بْن مُرَّة، عَنْ أبي صالح السَّمّان، عَنْ صُهَيْب مولى العباس قَالَ: رأيت عليًّا يقبل يد العبّاس ورِجْله ويقول: يا عمّ ارْضَ عنّي [1] .
وَقَالَ ثور بن يزيد، عَنْ مكحول، عَنْ سعيد بْن المسيب، أنّه قَالَ:
العباس خير هذه الأمّة وارث النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمّه. إسناده صحيح] [2] .
وَقَالَ الضحاك بْن عثمان الحِزَاميّ [3] : كان يكون للعبّاس الحاجةُ إلى غِلْمانه وهم بالغابة، فيقف على سَلْعٍ في آخر الّليل فيناديهم فيُسْمِعُهُم، والغابة على نحوٍ من تسعة أميال [4] .
وَقَالَ عليّ بْن عبد الله بْن عبّاس: أعتق العبّاس [5] عند موته سبعين مملوكًا [6] .
وقال المدائني: إنّه توفّي سنة ثلاث وثلاثين.
__________
[1] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (976) من طريق عبد الرحمن بن المبارك، عن سفيان بن حبيب عن شعبة، عن عمرو، عن أبي صالح ذكوان، عن صهيب قال: رأيت عليّا يقبّل يد العبّاس ورجليه. ورجاله ثقات خلا صهيب هذا، فإنه لا يعرف كما قال المؤلّف. وأخرجه ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 7/ 252) .
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
والحديث أخرجه الحاكم في «المستدرك 3/ 333» ، والترمذي (3762) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 7/ 253) .
[3] ورد مصحّفا في النسخ.
[4] وأخرج ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 7/ 253) عن العبّاس، عن الأصمعيّ قال: كان للعبّاس راع يرعى له على مسيرة ثلاثة أيام، فإذا أراد العباس منه شيئا صاح به فأسمعه حاجته. وانظر سير أعلام النبلاء 2/ 95.
[5] «العبّاس» ساقطة من نسخة دار الكتب.
[6] طبقات ابن سعد 4/ 30، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 253.

(3/378)


عبد الله بن مسعود [1]
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 143 و 176 و 185 و 186 و 211 و 225 و 299، المغازي للواقدي 24 و 54 و 55 و 80 و 90 و 91 و 100 و 110 و 150 و 155 و 323 و 326 و 473 و 949 و 1001 و 1014 و 1107، مسند أحمد 1/ 374- 466، التاريخ لابن معين 2/ 330- 332، الزهد لابن المبارك 36 و 185 و 353 و 364 و 368 و 424 و 478 و 510، الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 150- 161، طبقات خليفة 16 و 126 و 128، تاريخ خليفة 101 و 122 و 149 و 166 و 264، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 77 و 90 و 148 و 291 و 292، المحبّر 71 و 72 و 161 و 278، الأخبار الموفقيّات 114، أخبار مكة للأزرقي 117 و 136، ترتيب الثقات للعجلي 278، 279 رقم 886، عيون الأخبار 1/ 3 و 141 و 159 و 229 و 269 و 303 و 307 و 323 و 324 و 325 و 2/ 30 و 125 و 132 و 133 و 140 و 179 و 330 و 3/ 21، المعارف 65 و 157 و 249 و 250 و 427 و 431 و 494 و 529 و 583 و 593، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 80 رقم 8، المعرفة والتاريخ 1/ 439- 441 و 2/ 540- 559، فتوح البلدان 105 و 113 و 335 و 375 و 552 و 565 و 576، أنساب الأشراف 1/ 116 و 138 و 162 و 164 و 165 و 168 و 204 و 225 و 238 و 270 و 271 و 299، ق 3/ 30، ق 4 ج 1/ 130 و 235 و 380 و 509 و 510 و 512 و 518 و 524- 526 و 539 و 545 و 557، و 5/ 23 و 26 و 30 و 31 و 36- 38 و 49 و 56 و 68 و 266، تاريخ أبي زرعة 1/ 647- 652، أخبار القضاة لوكيع 1/ 5 و 19 و 35 و 40 و 50- 53 و 89 و 104 و 105، و 2/ 184- 186 و 188 و 189 و 201 و 202 و 204 و 275 و 306 و 402، و 3/ 42 و 43 و 55 و 71 و 144 و 183، تاريخ الطبري (راجع فهرس الأعلام 10/ 314، 315) ، ذيل المنتخب 558، الخراج وصناعة الكتابة 282 و 367، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام 7/ 127، 128) ، تاريخ اليعقوبي 2/ 170، 171، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 79، الاستيعاب 2/ 316- 324، المعجم الكبير للطبراني 9/ 56- 421 و 10/ 5- 286 رقم 772، مشاهير علماء الأمصار 10 رقم 21، الثقات لابن حبّان 3/ 208، البدء والتاريخ للمقدسي 5/ 97، 98، جمهرة أنساب العرب 197، أمالي المرتضى 1/ 342 و 354 و 2/ 75 و 182، تاريخ بغداد 1/ 147- 150 رقم 5، حلية الأولياء 1/ 124- 139 رقم 21 وصفحة 375، صفة الصفوة 1/ 395- 422 رقم 19، المستدرك 3/ 312- 321، لباب الآداب لابن منقذ 164 و 254 و 261 و 273 و 282 و 292 و 332 و 333، الزيارات للهروي 14 و 94، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام 13/ 209) ، أسد الغابة 3/ 384، التاريخ الكبير للبخاريّ 5/ 2 رقم 3، التاريخ الصغير 60، الجرح والتعديل 5/ 149 رقم 686، طبقات الفقهاء للشيرازي 43، 44، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 288- 290 رقم 333، تحفة الأشراف للمزي 7/ 3- 170 رقم 318، تهذيب الكمال

(3/379)


ع [2] ابن غافل بْن حبيب أَبُو عبد الرحمن الهُذَليّ حليف بني زُهْرة. وأمّه أمّ عبد هُذَلِيَّة [3] أيضًا.
كان من السابقين الأوَّلين، شهِد بدْرًا والمشاهد كلها، وكان له أصحاب سادة، منهم علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة [4] السلماني، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وزرّ بن حُبَيْش، وأبو عمرو الشَّيْبانيّ، وأبو الأحوص، وزيد بْن وهب، وخلق سواهم، وكان صاحب نَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا خلعها حملها أو شالها. وكان يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويخدمه ويلْزَمه. وتلقّن من في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سُورة [5] .
قَالَ ابن سيرين: قَالَ عبد الله بْن مسعود: لو أعلم أحدًا أحدث بالعرضة الأخيرة منّي تناله الإبِلُ لرحلت إليه [6] .
__________
[2] / 740، تذكرة الحفّاظ 1/ 13- 16 رقم 5، سير أعلام النبلاء 1/ 461- 500 رقم 87، العبر 1/ 33، العين في طبقات المحدّثين 24 رقم 82، الكاشف 2/ 116 رقم 3017، دول الإسلام 1/ 26، 27، تلخيص المستدرك 3/ 312- 320، وفيات الأعيان 2/ 371 و 476 و 3/ 115 و 4/ 317، التذكرة الحمدونية 1/ 131 و 135 و 137 و 236 و 251، و 2/ 175 و 185 و 226، نهاية الأرب للنويري 19/ 449، مرآة الجنان 1/ 87، 88، البداية والنهاية 7/ 162، 163، الوافي بالوفيات 17/ 604- 606 رقم 515، معرفة القراء الكبار 1/ 32- 36 رقم 4، مجمع الزوائد 9/ 286- 291، حياة الحيوان للدميري 1/ 162، الوفيات لابن قنفذ 52، العقد الثمين 5/ 283، 284، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 109 و 110 و 126 و 297 و 442- 445 و 452- 454 و 2/ 17 و 19، تهذيب التهذيب 6/ 27، 28 رقم 42، تقريب التهذيب 1/ 450 رقم 630، النكت الظراف 7/ 4- 167، الإصابة 2/ 368- 370 رقم 4954، النجوم الزاهرة 1/ 89، التحفة اللطيفة 3/ 48، 49، طبقات الحفّاظ للسيوطي 5، خلاصة تذهيب التهذيب 214، غاية النهاية 1/ 458، 459 رقم 1914، طبقات الشعراني 1/ 22، كنز العمّال 13/ 460- 469، شذرات الذهب 1/ 38.
[2] الرمز ساقط من أكثر النسخ، والاستدراك من مصادر الترجمة.
[3] في نسخة دار الكتب «عدلية» ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] عبيدة: بفتح العين.
[5] انظر طبقات ابن سعد 3/ 151 و 153، وحلية الأولياء 1/ 125 و 126.
[6] أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 402 من طريق مسروق.

(3/380)


وقال عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ [1] ، عَنْ عليّ وسُئل عَنْ عبد الله فَقَالَ: عَلِّم القرآن والسُّنَّة ثمّ انتهى [2] .
وعن ابن مسعود قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبد الرحمن قبل أن يُولَدَ لي [3] .
وعن ابن المسيب قَالَ: رأيت ابن مسعود عظيم البطن أحمش السّابقين.
وَقَالَ قيس بْن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم [4] .
وعن عُبَيْد الله بْن عَبْد الله بْن عُتْبة قَالَ: كان نحيفًا قصيرًا، شديد الأدمة وكان لا يخضب [5] .
وعن غيره قَالَ: كان ابن مسعود لطيف القَدّ، وكان من أجود النّاس ثوبًا، أبيض [6] ، وأطيب النّاس ريحًا [7] .
وَقَالَ ابن إسحاق: أسلم بن مسعود بعد اثنتين وعشرين نفْسًا.
وَقَالَ أَبُو الأحْوَص: سمعت أبا مسعود البدْرِيّ وأبا موسى حين مات ابن مسعود، وأحدهما يَقُولُ لصاحبه: أَتُراه ترك بعده مثلَه؟ قَالَ: لئن قلتَ ذاك لقد كان يُؤْذن له إذا حُجِبْنا ويَشْهَد إذا غِبْنا [8] .
وَقَالَ أَبُو موسى: مكثت حينًا وما أحسب ابن مسعود وأُمَّه إلَّا من أهل
__________
[1] في نسخة دار الكتب «البحتري» وهو تصحيف.
[2] صفة الصفوة 1/ 401.
[3] المستدرك 3/ 313، المعجم الكبير 9/ 58.
[4] انظر المستدرك 3/ 313، 314 من طريق عبد الله بن سخبرة.
[5] تاريخ بغداد 1/ 149.
[6] «أبيض» سقطت من «المنتقى» لابن الملّا.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 157.
[8] انظر المستدرك 3/ 316، وصفة الصفوة 1/ 401، 402.

(3/381)


بيت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كثرة دخولهم وخروجهم عليه [1] .
وَقَالَ القاسم بْن عبد الرحمن: كان عبد الله بْن مسعود يُلْبِس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعليه ويمشي أمامه بالعصا، حتّى إذا أتى مجلسَه نزع نَعْلَيْه، فأخذهما عبد الله وأعطاه العصا، وكان يدخل الحُجْرةَ أمامه بالعصا [2] .
وعن عُبَيْد الله بْن عبد الله [3] قَالَ: كان عبد الله صاحب سِواد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي سرَّه، وصاحب وِسادِه يعني فِراشه، وصاحب سِواكه [4] ونَعْلَيه وطَهوره، وهذا يكون في السَّفَر [5] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ فَبَشَّرَنِي بِالْجَنَّةِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» [6] . قَالَ ابن مسعود: ثُمَّ قعدت أدعو فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سل تُعْطَه» ، فكان فيما قلت: اللَّهمّ إني أسألك إيمانًا لَا يرتد [7] ، ونعيمًا لَا ينفذ، ومرافقة نبيك محمد في أعلى جنان الخلد [8] .
__________
[1] المستدرك 3/ 314، 315، وأخرجه البخاري في الفضائل (3763) باب فضائل عبد الله بن مسعود، وفي المغازي (4384) باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، ومسلم في الفضائل (2460) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمّه، والترمذي في المناقب (3808) باب مناقب عبد الله.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 153، صفة الصفوة 1/ 397.
[3] في بعض رجال هذه الأخبار تحريفات وصحّحتها من سير النبلاء 1/ 469.
[4] لذلك يقال له: صاحب السّواد وصاحب السّواد.
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 153.
[6] صحيح، رواه أحمد في المسند 1/ 7، وابن ماجة (138) عن أبي بكر وعمر معا، ورواه أحمد 1/ 26 و 38، والبيهقي 1/ 452، والحاكم 3/ 368 عن عمر، ورواه أحمد 1/ 445، و 454، وابن سعد 2/ 342 عن ابن مسعود، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 67 رقم 8425.
[7] في المنتقى لابن الملّا، ونسخة دار الكتب «يزيد» .
[8] إسناده حسن، رواه أحمد في المسند 1/ 445 و 454، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 317 من

(3/382)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَأَمَّرْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [1] وَالتِّرْمِذِيُّ [2] . وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَصَعَدَ شَجَرَةً فَنَظَرَ الصَّحَابَةُ إِلَى سَاقَيْ عَبْدِ اللَّهِ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَضْحَكُونَ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ.» رَوَاهُ مُغْيرَةُ، عَنْ أُمِّ مُوسَى [3] ، عَنْ عَلِيٍّ [4] . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بعهد ابن أمّ عبد» [5] . حسّنه التّرمذيّ [6]
__________
[ () ] طريق جرير بن عبد الله بن يزيد الصهباني، عن كميل بن زياد، عن عليّ. وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وانظر حلية الأولياء 1/ 124 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 1/ 475، وصفة الصفوة 1/ 399، والطبراني 9/ 62 رقم 8416 و 84170.
[1] 1/ 76 و 95 و 107 و 108 وإسناده ضعيف لضعف الحارث، وهو: ابن عبد الله الأعور الهمدانيّ.
[2] في المناقب (3810) باب مناقب عبد الله بن مسعود. وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 1/ 148.
[3] في المنتقى لابن الملّا «معبد» وهو تحريف.
[4] حديث صحيح، أخرجه أحمد في المسند 1/ 114 و 420 و 421، وابن سعد 3/ 155، وأبو نعيم في الحلية 1/ 127، والفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 546، والحاكم في المستدرك 3/ 317، وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وأخرجه ابن جميع الصيداوي في «معجم الشيوخ» 35 رقم 87 من طريق أبي عتّاب، عن شُعْبَة، عَنْ معاوية بْن قُرّة، عَنْ أَبِيهِ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 289 وقال: رواه البزّار، والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، وانظر: سير أعلام النبلاء 1/ 479، 480، وصفة الصفوة 1/ 399، والمعجم الكبير 9/ 75 رقم 8452 و 8453 و 8454.
[5] في المنتقى لابن الملّا «معبد» وهو تحريف.
[6] في المناقب (3887) باب مناقب عمّار بن ياسر، و (3893) باب مناقب عبد الله بن مسعود، من طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود، وهو في مسند أحمد 5/ 385

(3/383)


لَكِنَّ لَفْظَهُ: «وَمَا حَدَّثَكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ» . وَقَالَ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَضِيتُ لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ» [1] . وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ.
وَقَالَ عَلْقَمَةُ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُشْبِهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ [2] .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَخْبِرْنَا بِرَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالدَّلِّ بِرَسُولِ اللَّهِ حَتَّى نَلْزَمَهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَلَا هَدْيًا وَلَا دَلًّا من رَسُول اللَّه صَلّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ حَتَّى يُوَارِيَهُ جِدَارُ بَيْتِهِ مِنَ ابْنِ أُمِّ عبد، ولقد علم المحفوظون مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى الله زلفة [3] .
__________
[ () ] و 402، وصحّحه ابن حبّان (2193) ، والحاكم في المستدرك 3/ 75، ووافقه الذهبي في تلخيصه. والطبراني في المعجم الكبير 9/ 67، 68 رقم 8426 من طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله.
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 317 وقال: هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه، وله علّة ووضّح الذهبي في تلخيصه العلّة وهي: أن سفيان وإسرائيل روياه عن منصور، عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلا، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 9/ 77 رقم 8458.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 154.
[3] في طبقات ابن سعد 3/ 154 «وسيلة» بدل «زلفة» ، وأخرجه الترمذي في المناقب (3809) باب مناقب عبد الله بن مسعود، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه البخاري في الفضائل (3762) باب مناقب عبد الله بن مسعود، وأحمد في المسند 5/ 401، 402، وكلهم من طريق شعبة، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يزيد، عن حذيفة إلى قوله: «من ابن أمّ عبد» .
وأخرجه البخاري في الأدب (6097) باب الهدي الصالح، وابن سعد، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 540 و 542 كلّهم من طريق الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة.
وانظر: معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) 82 رقم 27، وسير أعلام النبلاء 1/ 484، وصفة الصفوة 1/ 398، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 9/ 6 و 87 رقم 8482 و 8483 و 8484 بلفظ: «المحظوظون» بدل «المحفوظون» ، وحلية الأولياء 1/ 126.

(3/384)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَر إلى أهل الكوفة: إنّني قد بعثت إليكم عمّار بْن ياسر أميرًا، وابن مسعود معلِّمًا ووزيرًا، وهما من النُّجَباء مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، فقد آثرتكُم بعبد الله على نفسي [1] .
وقال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «استقرءوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [2] ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» [3] . وَقَالَ مسروق، عَنْ عبد الله قَالَ: مَا من آيةٍ إلَّا أعلم فيم أُنْزِلَت، ولو أعلم أحدًا أعلمُ بكتاب الله منّي تبلّغنيه الإبل لأتيته [4] .
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 181، والحاكم في المستدرك 3/ 388 وصحّحه ووافقه الذهبي، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 533، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 85 رقم 8478.
[2] في سير أعلام النبلاء 1/ 486 «فبدأ به» .
[3] أخرجه البخاري في الفضائل (3758) باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة، و (3760) و (3806) في مناقب الأنصار، و (4999) في فضائل القرآن، باب القراء مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحاكم في المستدرك 3/ 225 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 176، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 537، 538، وانظر مجمع الزوائد 9/ 311 والطبراني في المعجم الكبير 9/ 60 رقم 8410 و 8411 و 8412.
[4] إسناده صحيح، أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5002) باب القرّاء من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، عن مسلم أبي الضحى، عن مسروق، قال: قال عبد الله، رضي الله عنه: «والله الّذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلّا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلّا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه» .
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2463) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمّه، من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بلفظ: «ولقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بضعا وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب رسول الله، أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أنّ أحدا أعلم مني لرحلت إليه» .
وأخرجه البخاري أيضا (5000) من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله،..

(3/385)


وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنّ ابن مسعود كرِه لزيد نسْخَ المَصَاحف وَقَالَ: يا معشر المُسْلِمين أُعْزَلُ عَنْ نَسْخ المصاحف ويتولاها رجلٌ غيري، واللهِ لقد أسلمت وإنّه لفي صُلْبِ أبيه، يا أهل الكوفة: اكتُمُوا المصاحف التي عندكم وغُلُّوها [1] .
قلت: قَالَ ذلك لما جعل عُثمان زيد بْن ثابت على كتابة المَصَاحف، وتطلَّب سائَر مَصاحِفِ الصحابة ليغسِلَها أو يُحَرِّقَها، فعل ذلك ليجمع الأُمَّةَ على مُصْحفٍ واحدٍ.
قَالَ أَبُو وائل: خطب ابن مسعود وَقَالَ: غُلُّوا مَصَاحفَكم، كيف يأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بْن ثابت [2] ، وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[ () ] والخطيب البغدادي في «الرحلة في طلب الحديث» برقم (25) ، والطبراني 9/ 68.
[1] رجاله ثقات، لكنه منقطع، فقد أرسل عبيد الله بن عبد الله عن عمّ أبيه عبد الله بن مسعود، وأخرجه الترمذي في التفسير، ضمن حديث رقم (3104) باب: ومن سورة التوبة، وابن أبي داود في «المصاحف» ص 17، وانظر الفتح الباري 9/ 17 باب جمع القرآن، وسير أعلام النبلاء 1/ 487.
[2] قال ابن كثير: في البداية والنهاية 7/ 218. فكتب إليه عثمان يدعوه إلى اتّباع الصّحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك وجمع الكلمة وعدم الاختلاف، فأناب وأجاب إلى المتابعة وترك المخالفة رضي الله عنهم أجمعين. وانظر سير أعلام النبلاء 1/ 488.
ويقول المرحوم الأستاذ الكوثري: إنّ ابن مسعود رضوان الله عليه بعد أن أبدى استياءه من عدم توليته أمر الكتابة، وافق الجماعة على هذا العمل الحكيم. وكان زيد بن ثابت- عليه رضوان الله- هو الّذي قام بكتابة القرآن، ومعه رهط في عهد عثمان، كما كان هو القائم بها في عهد أبي بكر- رضوان الله عليهم- فليس لابن مسعود أن يغضب من تولية عثمان زيدا أمر نسخ القرآن وكتابته، لأنه هو الّذي كان وقع عليه الاختيار في العهدين، بسبب أنّ زيدا كان أكثر كتّاب الوحي ملازمة للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم في كتابة الوحي على شبابه وقوّته وجودة خطّه، ولأبي بكر وعثمان أسوة حسنة برسول الله صلى الله عليه وسلّم في اختياره لكتابة المصحف الكريم، على أنّ طول ممارسته لمهمّة كتابة القرآن يجعله جاريا على نمط واحد في الرّسم. واتّحاد الرسم في جميع أدوار كتابة القرآن أمر مطلوب جدا. وتحميل مثل هذا العمل الشاقّ للشيوخ من الصّحابة فيه إرهاق. وليس أحد من الصحابة ينكر فضل ابن مسعود وسبقه واتّساعه في معرفة القرآن وعلومه، لكنّهم لا يرون وجها لاستيائه من هذا الأمر، وهو القائم بمهمّة عظيمة في الكوفة، يفقّه أهلها في دين الله ويعلّمهم

(3/386)


بضعًا وسبعين سورة، وإنّ زَيْدًا ليأتي مع الغِلْمان له ذُؤَآبتان [1] .
وَقَالَ أَبُو وائل: إنّي لجالسٌ مع عُمَر، إذ جاء ابن مسعود، فكاد [2] الجُلُوس يوازونه من قِصَرِه- يعني وهو قائم- فضحك عُمَر حين رآه، وجعل يكلّم عمرَ ويضاحِكَه وهو قائم عليه، ثُمَّ ولّى فأتبعه عُمَر بَصَرَه حتى تَوَارى فَقَالَ: كُنَيْفٌ مُلِيء عِلْمًا [3] .
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو [4] الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ قَالَ:
لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بين أظهركم، يعني ابن مسعود [5] .
__________
[ () ] القرآن، وابتعاده عن الكوفة سنين لم يكن من مصلحة العلم الّذي كان زرع بذوره هناك، بل كان من الواجب أن يستمرّ على تعهّد غراسه ليؤتي أكله بإذن ربّه.
وقد استمرّ عمل الجماعة في نسخ المصاحف مدّة خمس سنين، من سنة خمس وعشرين إلى ثلاثين في التحقيق. ثمّ أرسلوا المصاحف المكتوبة إلى الأمصار. وقد احتفظ عثمان بمصحف منها لأهل المدينة، وبمصحف لنفسه. وكانت تلك المصاحف تحت أشراف قرّاء مشهورين في الإقراء والمعارضة بها. فشكرت الأمّة صنيع عثمان رضي الله عنه.
[1] أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» 2/ 537، وابن أبي داود في «المصاحف» 15، 16 من طريق سعدويه، وأيوب بن مسلمة، كلاهما عن أبي شهاب (موسى بن نافع) ، عن الأعمش، عن أبي وائل..، وحلية الأولياء 1/ 125، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 70 رقم 8433- 8437.
[2] في ح (فكان) بدل (فكاد) .
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 156، وأبو نعيم في الحلية 1/ 129 والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 543 من طريق: عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن زيد بن وهب.. وإسناده صحيح.
وكنيف: تصغير كنف، وهو الوعاء.
[4] في النسخة (ح) «عمر» بدل «عمرو» وهو تحريف.
[5] أخرجه أحمد في المسند 1/ 463، والبخاري في الفرائض 12/ 13، 14 باب ميراث ابنة ابن مع ابنة، من طريق شعبة، عن أبي قيس، عن هذيل بن شرحبيل، وأخرجه أبو داود في الفرائض (2890) باب ما جاء في ميراث الصلب، من طريق الأعمش، عن أبي قيس الأودي، عن هذيل بن شرحبيل، وأخرجه الدارميّ 2/ 348، والترمذي (2093) ، وابن ماجة (2721) وثلاثتهم في الفرائض، من طريق: سفيان الثوري، عن أبي قيس الأودي، عن هذيل بن شرحبيل، قال: «سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال: للابنة

(3/387)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: مَجْلِسٌ كُنْتُ أُجَالِسُهُ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ [1] .
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ ظُهَيْرٍ [2] قَالَ:
جَاءَ نَعْيُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ [3] .
وَقَالَ مسروق: انتهى عِلْم الصَّحابة إلى عليّ وابن مسعود [4] .
وَقَالَ زيد بن وَهْب: رَأَيْت بعيني عَبْد الله أثرين أسودين من البكاء [5] .
وعن ابن مسعود قَالَ: حَبَّذا المكروهان الموت والفقر، وَايْمُ اللَّهِ ما هو إلَّا الْغِنَى والفقْر، وما أبالي بأيِّهما ابتُدِئْتُ [6] .
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَيْفٍ قَالَ: اتَّخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ ضَيْعَةً بِرَاذَانَ [7] ، وَمَاتَ عَنْ تِسْعِينَ ألف مثقال، سوى رقيق وعروض وماشية.
__________
[ () ] النصف، وللأخت النصف، وإن ابن مسعود سيتابعني. فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين، أقضى فيها بما قضى النبيّ صلى الله عليه وسلّم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. فأتينا أبا موسى وأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم» .
[1] رجاله ثقات، لكنه منقطع. أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 545.
[2] «حريث» و «ظهير» مهملان في بعض النسخ.
[3] أخرجه البخاري في «التاريخ الصغير» 1/ 60 من طريق مسدّد، عن يحيى القطّان، عن سفيان، حدّثني الأعمش، عن عمارة، عن حريث بن ظهير، وحريث بن ظهير هذا مجهول.
(تقريب التهذيب 1/ 159 رقم 210) وباقي رجاله ثقات.
[4] أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» 1/ 444، 445 من طريق زياد البكائي، وجرير الضبيّ، عن منصور، عن الشعبي، عن مسروق.. ومن طريقين آخرين.
[5] سير أعلام النبلاء 1/ 495.
[6] حلية الأولياء 1/ 132 وفيه «ابتليت» بدل «ابتدئت» .
[7] في نسخة دار الكتب «بزاذان» ، والتصحيح من معجم البلدان 3/ 12 حيث قال: بعد الألف ذال معجمة، راذان الأسفل وراذان الأعلى: كورتان بسواد بغداد تشتمل على قرى كثيرة.

(3/388)


وَقَالَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ ابن مسعود أوصى إلى الزُّبَيْر بْن العَوَّام.
وَقَالَ قيس بْن أبي حازم: دخل الزُّبَيْر على عثمان بعد وفاة ابن مسعود فَقَالَ: أعطني عطاءَ عبدِ الله فعِيَالُ عبدِ الله أحقّ به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألفًا [1] .
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا قَالَ: هُمَا زَانِيَانِ مَا اجْتَمَعَا، قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ أَبُوكَ؟ قَالَ: كَانَ قَارِئًا لِكِتَابِ اللَّهِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ [2] ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ هَذَا، يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ [3] .
الطَّيَالِسِيُّ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، حَدَّثَنِي حَبَّة الْعُرَنِيُّ قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمْ رَأْسَ الْعَرَبِ وَجُمْجُمَتُهَا، وَسَهْمِي الَّذِي أَرْمِي بِهِ، قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ وَخِرْتُ لَكُمْ وَآثَرْتُكُم بِهِ عَلَى نَفْسِي [4] .
تُوُفيّ عبد الله بالمدينة، وكان قدِمَها فمرِض أيّامًا ودُفِن بالبَقِيع، وله ثلاثٌ وستّون سنة.
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 160 من طريق يزيد بن هارون، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بْن أبي حازم. ورجاله ثقات.
[2] في ع، ح (الحويرث) بدل (الحارث) وهو خطأ، على ما في تهذيب التهذيب حيث ذكر في الرواة عن مالك بن الحارث (أبا الأحوص) .
[3] أخرجه مسلم في الفضائل (2461/ 113) ، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 414.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 157 من طريق وهيب، عن داود، عن عامر..

(3/389)


عبد الرحمن بن عوف [1]
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 140 و 176 و 222 و 224 و 270، المغازي للواقدي (انظر فهرس الأعلام 3/ 1202) ، نسب قريش 265 و 448، الأخبار الموفقيّات 578، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 127 و 138 و 213 و 228 و 344، المحبّر لابن حبيب 13 و 15 و 65 و 67 و 71 و 72 و 101 و 103 و 110 و 120 و 150 و 175 و 356 و 408 و 446 و 453 و 474، المعرفة والتاريخ (انظر فهرس الأعلام 3/ 619) ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 84 رقم 53، عيون الأخبار 1/ 12 و 257، طبقات ابن سعد 3/ 124- 137، مسند أحمد 1/ 190- 195، طبقات خليفة 15، تاريخ خليفة 166، التاريخ الكبير 5/ 239، 240 رقم 790، التاريخ الصغير 1/ 50 و 51 و 60 و 61، المعارف 235- 240، الجرح والتعديل 5/ 247 رقم 1179، ذيل المنتخب 556، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 321) ، أخبار القضاة لوكيع 1/ 47 و 165 و 3/ انظر فهرس الأعلام 1/ 662) ، وق 3/ 286، و 310، وق 4 ج 1/ 483 و 500- 510 و 515 و 521 و 527 و 528 و 546 و 547 و 574، و 5/ 2 و 15- 19 و 22 و 23 و 28 و 34 و 39، فتوح البلدان 8 و 18 و 327، الزهد لابن المبارك 1/ 182 و 2/ 183 و 443، حلية الأولياء 1/ 98- 100 رقم 9، مشاهير علماء الأمصار 8 رقم 12، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 10 و 52، تاريخ اليعقوبي 2/ 169، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام 7/ 124) ، ترتيب الثقات للعجلي 297 رقم 972، جمهرة أنساب العرب 131، 132، البدء والتاريخ للمقدسي 5/ 86، المعجم الكبير للطبراني 1/ 88- 99، المستدرك 3/ 306- 312، الاستيعاب 2/ 393- 398، الجمع بين رجال الصحيحين 281، صفة الصفوة 1/ 349- 355 رقم 8، جامع الأصول 9/ 19، أسد الغابة 3/ 480- 485، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام 13/ 216) ، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 300- 302 رقم 357، لباب الآداب لابن منقذ 95 و 305، الزيارات للهروي 37 و 93، 94، التذكرة الحمدونية 1/ 118 و 124 و 137 و 401، نهاية الأرب للنويري 19/ 449، الرياض النضرة 2/ 281، تحفة الأشراف للمزّي 7/ 205- 216 رقم 339، تهذيب الكمال 2/ 810، دول الإسلام 1/ 16، سير أعلام النبلاء 1/ 68- 92 رقم 4، تلخيص المستدرك 3/ 306- 312، العبر 1/ 33، الكاشف 2/ 159 رقم 3326، تلقيح فهوم الأثر 365، مرآة الجنان 1/ 86، البداية والنهاية 7/ 163، 164، الوفيات لابن قنفذ 30 رقم 32، ربيع الأبرار 4/ 39 و 51 و 297 و 381، العقد الثمين 5/ 396- 398، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 241 و 2/ 104 و 217 و 338، تهذيب التهذيب 6/ 244- 246 رقم 490، تقريب التهذيب 1/ 494 رقم 1070، النكت الظراف 7/ 206- 216، الإصابة 2/ 416، 417 رقم 5179، خلاصة

(3/390)


ع [2] ابن عبد عَوْف بْن عبد الحارث بْن زُهْرَةَ بْن كِلاب، أَبُو محمد القُرَشِيّ الزُّهْرِيّ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشُّورَى.
روى عنه بنوه إبراهيم، وحُمَيْد، وعَمْرو، ومُصْعَب، وأبو سلمة، ومالك بْن أوس بْن الحدثان، وأنس بن مالك، ومحمد بْن جُبَيْر بْن مُطْعم، وغِيلان بْن شُرَحْبيل، وآخرون.
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة. وكان على مَيْمَنة عُمَر في قدْمَتِه إلى الجابية، وعلى ميسرته في نوبة سَرْغ [3] .
مولده بعد الفيل بعشر سنين. وقد أسقط البخاري وغيره (عبدًا) من نسبه.
وَقَالَ الهيثم بْن كُلَيْب وغيره: (عبد الحارث) في (عبد بْن الحارث) .
وعن عبد الرحمن قَالَ: كان اسمي عبد عمرو، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن [4] . وعن سهلة [5] بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن أبيض، أعْيَن، أهْدَب الأشفار، أقنى، طويل النّابَيْن الأعليين، ربما أدمى نابُهُ شَفَتَه. له جمّة أسفل أذنيه، أعنق، ضخم الكفّين [6] .
__________
[ () ] تذهيب التهذيب 232، تاريخ الخميس 2/ 257، كنز العمّال 13/ 220- 230، شذرات الذهب 1/ 38.
[2] الرمز ساقط من النسخ، والمثبت من مصادر الترجمة.
[3] سرغ: أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاجّ الشام. (معجم البلدان 3/ 212) .
[4] رواه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 126 رقم 254، والحاكم في المستدرك 3/ 306، وابن سعد في الطبقات 3/ 124 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
[5] في النسخة (ح) «سلمة» بدل «سهلة» ، والتصحيح من النسخ الأخرى، والإصابة، وسير أعلام النبلاء 1/ 75.
[6] الاستيعاب 2/ 396، صفة الصفوة 1/ 350.

(3/391)


وقال ابن إسحاق: كان عبد الرحمن ساقط الثَّنِيَّتَيْن، أهْتَمَ أعْسَر، أعْرَج، كان قد أُصيب يوم أُحُدٍ فَهَتِم، وجُرِح عشرين جراحةً، بعضُها في رِجْله فعَرِج [1] .
وعن يعقوب بْن عُتْبة قَالَ: كان طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جَنَأ أبيض بحُمْرة، لَا يُغَيّر شَيْبَه [2] .
وَقَالَ صالح بْن إبراهيم بْن عبد الرحمن، عَنْ أبيه قَالَ: كنّا نسير مع عثمان، فرأى أبي فَقَالَ عثمان: مَا يستطيع أحدٌ أن يعتدَّ على هذا الشيخ، فضلًا في الهجرتين جميعًا.
وعن أَنْس قَالَ: قدِم عبدُ الرحمن المدينة فآخى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سعد بْن الربيع الخَزْرَجيّ، فَقَالَ: إنّ لي زوجتين، فانظر أيُّهما شئتَ حتّى أطلّقها لتتزوَّجها وأُشاطرك نصفَ مالي، فَقَالَ: بارَكَ الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلُّوني على السوق، فذهب ورجع وقد حصَّل شيئًا [3] .
وقد روى أحمد [4] في «مسنده» من حديث أَنْس، أن عبد الرحمن أثرى وكثُر ماله حتّى قدمت له مرّة سبعمائة راحلةٍ تحمل الْبُرَّ والدقيق، فلما قدِمَتْ سمع لها أهل المدينة رَجَّة، فبلغ ذلك عائشة فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عبد الرحمن بْن عوف لَا يدخل الجنة إلَّا حَبْوًا» . فلمّا بلغه قَالَ: يا أُمَّة أُشْهِدُكِ أَنَّها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله [5] .
__________
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 308 وفيه «إحدى وعشرون جراحة» ، والطبراني 1/ 128 رقم 261، وانظر: سيرة ابن هشام 2/ 83، والإصابة 2/ 417، وصفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 350.
[2] ابن سعد 3/ 133، الحاكم 3/ 308، ابن عبد البرّ في الاستيعاب 2/ 395، وابن حجر في الإصابة 2/ 417.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 126 من طريق ثابت، وحميد، عن أنس بن مالك.
[4] في طبعة القدسي 3/ 222 «عبد» بدل «أحمد» ، وهو وهم.
[5] أخرجه أحمد في المسند 6/ 115، والطبراني في المعجم الكبير 1/ 129 رقم 264، وابن سعد في

(3/392)


قلت: كان تاجرًا سعيدًا فُتِح عليه في التجارة وتموّل، حتّى إنّه باع مرَّةً أرضًا بأربعين ألف دينار فتصدَّق بها، وحمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثمّ على خمسمائة راحلة [1] .
وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاب مرَّةً فقدّموا عبد الرحمن يصلّي بالنّاس، فأتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلّي بالنّاس، فأراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن اثْبُتْ مكانك. فصلّى وصلّى رسول الله خلْفَه [2] . وهذه منْقَبَةٌ عظيمة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبيه قَالَ: رأيت الجنة، وأني دخلتُها حبْوًا، ورأيت أنّه لَا يدخلها إلَّا الفقراء.
وعن عبد الله بْن أبي أوْفَى قَالَ: شكا عبدُ الرحمن خالدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يا خالد لَا تُؤْذِ رجلًا من أهل بدْر، فلو أنفقْتَ مثل أُحُدٍ ذَهَبًا لم تُدْرِكْ عَمَلَه» [3] .
__________
[ () ] طبقاته 3/ 132 بلفظ مختلف، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 98، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 352.
وجاء في شذرات الذهب 1/ 38: «وما يذكر أنه يدخل الجنّة حبوا لغناه، فلا أصل له، ويا ليت شعري إذا كان هذا يدخلها حبوا ويتأخّر دخوله لأجل غناه فمن يدخلها سابقا مستقيما» .
وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» 7/ 164: «تفرّد به عمارة بن زاذان الصيدلاني، وهو ضعيف» .
وقال المؤلّف الذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 77، 78: «وبكلّ حال فلو تأخّر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب، ودخل الجنة حبوا على سبيل الاستعارة، وضرب المثل، فإنّ منزلته في الجنة ليست بدون منزلة عليّ والزبير، رضي الله عن الكلّ» .
والأحلاس: جمع حلس. وهو الكساء الّذي يلي ظهر البعير تحت القتب.
[1] انظر «المعجم الكبير» للطبراني 1/ 129 رقم 265، وطبقات ابن سعد 3/ 132، والحلية 1/ 99.
[2] المطالب العالية لابن حجر، رقم 415 ونسبه إلى أبي يعلى.
[3] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 349 وله زيادة، ونسبه إلى الطبراني في المعجم الصغير، والكبير باختصار، والبزّار بنحوه، وقال: رجال الطبراني ثقات. وأخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» 12/ 150، والحاكم في «المستدرك» 3/ 298 وصحّحه، وتعقّبه الذهبي في

(3/393)


وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِي» ، قَالَ: فَأَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُنَّ بِحَدِيقَةٍ قُوِّمَتْ بأربعمائة ألف [1] .
وقال عبد الله بن جعفر: حدّثني أُمُّ بَكْرٍ بِنْتَ الْمِسْوَرِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَقَسَّمَهَا فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، وَفِي الْمُهَاجِرِينَ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ، زَادَ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يَحْنُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلَّا الصَّالِحُونَ» [2] . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأزواجه: «إنّ الّذي يحنو عليكنّ بَعْدِي لَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ، اللَّهمّ اسْقِ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ» [3] . وعن نيار الأسلميّ قَالَ: كان عبد الرحمن ممّن يُفْتي فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: ثنا الْمُعَلَّى الْجَزَرِيُّ، عن ميمون بن مهران،
__________
[ () ] «تلخيص المستدرك» بقوله: رواه ابن إدريس، عن ابن أبي خالد، عن الشعبيّ مرسلا، وهو أشبه. (انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 83 حاشية رقم 3) .
[1] أخرجه الحاكم في «المستدرك» 3/ 311، 312 وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه المؤلّف في التلخيص. وأخرجه الترمذي (3750) وقال: حديث حسن غريب.
[2] أخرجه أحمد في المسند 6/ 104 بلفظ «الصابرون» بدل «الصالحون» ، و 6/ 135 بلفظ «يحنّ» بدل «يحنو» . وأخرجه الحاكم في «المستدرك» 3/ 310، 311 وصحّحه، وتعقّبه الذهبي بقوله: ليس بمتّصل.
وأم بكر بنت المسور بن مخرمة مقبولة، (تقريب التهذيب 2/ 619 رقم 7) وانظر: صفة الصفوة 1/ 353، وابن سعد 3/ 133.
[3] أخرجه الحاكم في «المستدرك 3/ 311» وصحّحه، ووافقه المؤلّف في تلخيصه، وابن سعد في الطبقات 3/ 132.

(3/394)


عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لأَصْحَابِ الشُّورَى: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَخْتَارَ لَكُمْ وَأَنْفَصِلُ [1] مِنْهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّكَ أَمِينٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» [2] . وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِيهِ [3] أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَكَى رُعَافًا، فَدَعَا حُمْرَانَ فَقَالَ: اكْتُبْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِي، فَكَتَبَ لَهُ، فَانْطَلَقَ حُمْرَانُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَكَ الْبُشْرَى، إِنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ لَكَ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَامَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَقَالَ:
اللَّهمّ إِنْ كَانَ مِنْ تَوْلِيَةِ عُثْمَانَ إِيَّايَ [4] هَذَا الأَمْرَ فَأَمِتْنِي قَبْلَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَعِشْ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
وعن سعد بْن الحسن [5] قَالَ: كان عبد الرحمن بْن عوف لَا يُعْرَف من بين عبيده [6] .
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ لمن شهِدَ بدْرًا، فوُجِدُوا مائة، لكلّ رجلٍ أربعمائة دينار، وأوصى بألف فرسٍ في سبيل الله [7] .
__________
[1] عند ابن سعد «أتفصّى منها» .
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 134 وانظر الاستيعاب 2/ 395.
[3] في سير أعلام النبلاء 1/ 88: «عن أبيه، عن جدّه، أن عثمان» .
[4] في نسختي (ح) و (ع) ، والمنتقى لابن الملّا «أتاني» ، والتصحيح من نسخة دار الكتب وسير أعلام النبلاء.
[5] في نسخة دار الكتب و (ح) «حسين» وكذلك في المنتقى لأحمد الثالث، ثم صحّحت وكتب فوقها «جبير» ، ولهذا أثبت القدسي اسمه «سعيد بن جبير» في طبعته 3/ 224 وقال في الحاشية رقم (3) : لعلّه الصواب على ما في «تهذيب التهذيب 4/ 12» .
وورد في صفة الصفوة 1/ 355 «سعيد بن حسين» ، والأرجح ما أثبتناه حيث ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/ 82 فقال: سعد بن الحسن، أبو همام، روى الحديث عن ليث، وزائدة، وروى عنه: ضمرة، ومحمد بن يوسف الفريابي. وانظر: سير أعلام النبلاء 1/ 89 الحاشية رقم (2) ، والله أعلم بالصواب.
[6] صفة الصفوة 1/ 355.
[7] سير أعلام النبلاء 1/ 90.

(3/395)


وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: سمعت عليًّا يَقُولُ يوم مات أبي: اذهب يا بْن عوفٍ فقد أدركْتَ صَفْوَها وسبقت رَنْقَها [1] . وَقَالَ محمد بْن سيرين: اقتسم نساءُ ابن عوف ثمنهنّ فكان ثلاثمائة وعشرين ألفًا [2] .
تُوُفيّ سنة اثنتين وثلاثين، وله خمسٌ وسبعون سنة، ودُفِن في البقيع رضي الله عنه.
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 128 رقم 263/ 1 وفيه «صفوتها» ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 100، وابن سعد في الطبقات 3/ 136، والحاكم في المستدرك 3/ 306 و 308.
والرنق: الكدر. يقال: ماء رنق، أي كدر.
[2] انظر طبقات ابن سعد 3/ 136، 137، وصفة الصفوة 1/ 355، وسير أعلام النبلاء 1/ 91.

(3/396)


كعب الأحبار [1]
أَبُو إسحاق [2] بْن ماتع الحِمْيَري اليَمَانيّ الكِتابيّ. أسلم في خلافة أبي بكر، أو أوّل خلافة عُمَر.
وروى عَنْ عُمَر، وصُهَيْب، وعن كُتُب أهل الكتاب، وكان في الغالب يعرف حقَّها من باطلها لسعةِ عِلْمه وكثرة اطّلاعه.
روى عنه ابن امرأته تُبَيْع الحِمْيَرِيّ، وأسلم مولى عُمَر، وأبو سلّام الأسود، وآخرون. ومن الصحابة أَبُو هُرَيْرَةَ، وابن عباس، ومعاوية.
وسكن الشّام وغزا بها. وتُوُفيّ بحمص طالب غزاة.
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 66 و 95 و 141، المغازي للواقدي 1082، 1083، الزهد لابن المبارك (انظر فهرس الأعلام- ص: ش) ، التاريخ لابن معين 2/ 496، طبقات ابن سعد 7/ 445، 446، أخبار مكة للأزرقي 1/ 31 و 2/ 4 و 52، التاريخ الكبير 7/ 223، 224 رقم 962، التاريخ الصغير 1/ 62، طبقات خليفة 308، المحبّر لابن حبيب 131، المعارف 430 و 439، عيون الأخبار 1/ 146 و 2/ 117 و 277، المعرفة والتاريخ 1/ 751، فتوح البلدان 182، أنساب الأشراف ق 3/ 7 و 17 و 38 و 43 و 86، ق 4 ج 1/ 495 و 542، ق 5/ 11 و 52، تاريخ أبي زرعة 1/ 373، 374، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 379) ، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 99، الجرح والتعديل 161 رقم 906، الزاهر للأنباري 1/ 202 و 392 و 610 و 2/ 127 و 254، ثمار القلوب للثعالبي 470، العقد الفريد 1/ 8 و 4/ 406 و 5/ 274 و 276 و 6/ 239، ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 360، مشاهير علماء الأمصار 118 رقم 911، جمهرة أنساب العرب 434، أسد الغابة 4/ 487، لباب الآداب لابن منقذ 15 و 233 و 424، الكامل في التاريخ 1/ 18 و 19 و 109 و 417 و 674 و 2/ 561 و 3/ 50 و 51 و 115 و 153 و 156 و 4/ 360 و 5/ 300، الزيارات للهروي 9 و 14، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 68، 69 رقم 91، التذكرة الحمدونية 1/ 105 و 2/ 137، تهذيب الكمال 3/ 1146، تذكرة الحفاظ 1/ 49، العبر 1/ 35، سير أعلام النبلاء 3/ 489- 494 رقم 111، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 320 و 400 و 2/ 17 و 19، الإصابة 3/ 315، 316 رقم 7496، تهذيب التهذيب 8/ 438، تقريب التهذيب 2/ 135 رقم 53، النجوم الزاهرة 1/ 90، شذرات الذهب 1/ 40، خلاصة تذهيب التهذيب 273.
[2] هذه الترجمة كلّها ساقطة من نسخة دار الكتب، والاستدراك من بقيّة النسخ.

(3/397)


قَالَ خالد بْن مَعْدان، عَنْ كعب الأحبار: لأنْ أبكي من خَشْية الله أحبّ إليّ من أنْ أتصدّق بوزْني ذَهَبًا [1] .
أَبُو الدَّرْدَاء [2] (ع)
واسمه عويمر بن عبد الله، وقيل ابن زيد، وقيل ابن ثعلبة الأنصاري الخَزْرَجيّ. وقيل عُوَيْمِر بْن قيس بْن زيد، ويقال عامر بن مالك، حكيم هذه الأمّة.
__________
[1] تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية) 14/ 285 أ.
[2] المغازي للواقدي 253، تهذيب سيرة ابن هشام 127، التاريخ لابن معين 2/ 703، طبقات خليفة 95 و 303، الزهد لابن حنبل 167- 178، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 21، مسند أحمد 5/ 194 و 6/ 440 و 445، أنساب الأشراف 1/ 271 و 448، فتوح البلدان 144 و 166 و 167 و 182، تاريخ أبي زرعة 1/ 198- 200 و 647- 649، المعرفة والتاريخ 2/ 327- 330، الخراج وصناعة الكتابة 291 و 300، المعارف 259 و 268، المحبّر لابن حبيب 75 و 286 و 397، عيون الأخبار (انظر فهرس الأعلام 4/ 185) ، تاريخ الطبري 3/ 397 و 4/ 258 و 262 و 283 و 421 و 5/ 89، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 27 و 69، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام 7/ 92) ، الاستيعاب 4/ 59، 60، التاريخ الكبير 7/ 76، رقم 348، الجرح والتعديل 7/ 26- 28 رقم 146، حلية الأولياء 1/ 208- 227 رقم 35، طبقات ابن سعد 7/ 391- 393، المستدرك 3/ 336، 337، الاستبصار 125، 127، مشاهير علماء الأمصار 50 رقم 322، جمهرة أنساب العرب 362، الزهد لابن المبارك (انظر فهرس الأعلام- ص ع) ، فتوح الشام للأزدي 274، 275، الزاهر للأنباري 2/ 69 و 332، أسد الغابة 5/ 185، 186، الكامل في التاريخ 2/ 411 و 3/ 95 و 96 و 114 و 129، تهذيب الكمال 2/ 1068، تحفة الأشراف 8/ 218- 247 رقم 426، التذكرة الحمدونية 1/ 130 و 139 و 145 و 187، لباب الآداب 16 و 248 و 249 و 258 و 300 و 303 و 317 و 331، صفة الصفوة 1/ 627- 643 رقم 77، الزيارات للهروي 9 و 13، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 228، 229 رقم 340، العبر 1/ 33، تذكرة الحفاظ 1/ 24، 25 رقم 11، الكاشف 2/ 308 رقم 4391، المعين في طبقات المحدّثين 25 رقم 101، دول الإسلام 1/ 25، سير أعلام النبلاء 2/ 335- 353 رقم 68، معرفة القراء الكبار 1/ 40- 42 رقم 7، الثقات لابن حبّان 3/ 285، 286، طبقات الفقهاء للشيرازي 47، تلخيص المستدرك 3/ 336، 337، مرآة الجنان 1/ 88، مجمع الزوائد 9/ 267، غاية النهاية 1/ 606، 607، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 126 و 128 و 129، الإصابة 3/ 45، 46

(3/398)


لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدّة أحاديث.
روى عنه أَنس، وأبو أُمَامة، وجُبَيْر بْن نُفَيْر، وعلْقمة، وزيد بْن وهْب، وقُبَيْصة بْن ذُؤَيْب، وأهله أم الدَّرداء، وابنه بلال بْن أبي الدَّرْداء، وسعيد بْن المسيب، وخالد بْن مَعْدان، وخلق سواهم.
ولي قضاء دمشق.
وداره بباب البريد وتُعْرَف اليوم بدار الْغَزِّيِّ [1] . كذا قَالَ ابن عساكر [2] .
وقيل: كان أقنى، أشْهَل، يَخْضِب بالصُّفرة [3] .
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنْتُ تَاجِرًا قَبْلَ الْمَبْعَثِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ جَمَعْتُ التِّجَارَةَ وَالْعِبَادَةَ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا، فَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ وَلَزِمْتُ الْعِبَادَةَ [4] .
تأخر إسلام أبي الدَّرْدَاء، فَقَالَ سعيد بْن عبد العزيز إنّه أسلم يوم بدْرٍ وشهد أحُدًا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يردّ مَن على الجبل [5] يوم أحد،
__________
[ () ] رقم 6117، النكت الظراف 8/ 219- 240، تهذيب التهذيب 8/ 175- 177 رقم 315، تقريب التهذيب 2/ 91 رقم 806، النجوم الزاهرة 1/ 89، حسن المحاضرة 1/ 244، 245، طبقات الحفّاظ للسيوطي 7، خلاصة تذهيب التهذيب 298، 299، كنز العمّال 13/ 550- 553، شذرات الذهب 1/ 39، الأسامي والكنى للحاكم (ورقة 185/ 1) .
[1] في طبعة القدسي 3/ 226 «دار العزى» ، وهو تصحيف، والتصويب من تاريخ دمشق.
[2] قال ابن عساكر في تاريخ دمشق- المجلدة الثانية- قسم 1- طبعة المجمع العلمي بدمشق- تحقيق د. صلاح الدين المنجّد- ص 138: «دار أبي الدرداء في باب البريد، كانت لمعاوية بن أبي سفيان. فلمّا قدم أبو الدرداء من حمص أنزله معاوية معه في الخضراء، ثم حوّله إلى هذه الدار ووهبها له، وهي التي تعرف بدار الغزّي» .
[3] المستدرك 3/ 337.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 391 عن أبي معاوية الضرير بالإسناد المذكور، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 367 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
[5] في نسخة دار الكتب «الخيل» والتصحيح من منتقى أحمد الثالث، والمنتقى لابن الملّا، (ع) و (ح) ، وسير أعلام النبلاء 2/ 338.

(3/399)


فردّهم وحده، وكان يَوْمَئِذٍ حَسَنَ البَلاء، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الفارس عُوَيْمر» [1] . وعنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حكيم أمّتي عُوَيْمر» . وفي البخاري [2] من حديث أَنْس قَالَ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يجمع القرآن غيرُ أربعة: أَبُو الدَّرداء، ومُعاذ، وزيد بْن ثابت، وأبو زيد الأنصاريّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: جَمَعَ القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستَّةٌ، فسمَّى الأربعة وأُبيّ بْن كعب، وسعد بْن عُبَيْد قَالَ: وكان بقي على مُجَمِّع بن جارية سورة أو سورتان، حين تُوُفيّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] .
وكان ابن مسعود أخذ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وتعلّم بقيّة القرآن من مُجَمِّع، ولم يجمع أحدٌ من خلفاء الصحابة القرآن غير عثمان [4] .
وعن أبي الزَّاهْرِيّة قَالَ: كان أَبُو الدَّرْدَاء من آخر الأنصار إسلامًا [5] .
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْن صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْر بْن نفير [6] قال:
__________
[1] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية) 13/ 170 أوهو مرسل لأن شريح بن عبيدة لم يدرك أبا الدرداء. وانظر: طبقات ابن سعد 7/ 392، المستدرك 3/ 337.
[2] في صحيحه 9/ 47، 48 في فضائل القرآن، باب القراء مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي التاريخ الكبير له 7/ 76، وتاريخ دمشق (مخطوط الظاهرية) 13/ 270 ب.
[3] تاريخ دمشق (مخطوط الظاهرية) 13/ 270 ب، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 355 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي خالد، عن الشعبي، ورجاله ثقات، وسنده صحيح مع إرساله.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 355.
[5] أخرجه أبو زرعة في «التاريخ» 1/ 220 رقم 204 من طريق: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صالح، عن أبي الزاهرية.
[6] في النسختين (ح) و (ع) «نصير» وهو تحريف.

(3/400)


قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله وعدني إسلامَ أبي الدَّرْدَاء» قَالَ: فأسلم [1] . وَقَالَ ابن إسحاق: كان الصَّحابة يقولون: أتْبَعُنا للعِلْم والعمل أَبُو الدَّرْدَاء [2] .
وَقَالَ أَبُو جُحَيْفة السّوائيّ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سَلْمان وأبي الدَّرْدَاء، فجاءه سلمان يعوده، فإذا أمّ الدّرداء مبتذّلة، فَقَالَ: مَا شأنُكَ؟
قالت: إنّ أخاك أبا الدَّرْدَاء يقوم الليل ويصوم النهار، وليس له في شيءٍ من الدنيا حاجة، فجاء أَبُو الدَّرْدَاء فرحب بسَلْمَان وقرَب إليه طعامًا، فَقَالَ سلمان:
كُلْ، قَالَ: إني صائم، قَالَ: أقسمت عليك لَتُفْطِرَنَّ، فأفطر، ثمّ بات سلمان عنده، فلمّا كان من اللّيل أراد أَبُو الدَّرْدَاء أن يقوم، فمنعه سلمان وَقَالَ: إنّ لجسَدِكَ عليك حقًّا، ولربِّك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، صُمْ وأفِطْر وصلّ [3] وأتِ أهلَكَ وأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلمّا كان وجهُ الصبح قَالَ: قُمِ الآن إنْ شئتَ، فقاما وتوضّئا ثُمَّ ركعا ثُمَّ خرجا، فدنا أَبُو الدرداء ليخبر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي أمره [4] سلمان، فَقَالَ «له يا أبا الدَّرداء إنّ لجسدِكَ عليكَ حقًا مثل ما قال لك سلمان» [5] . وقال سالم بن أبي الجعد: قال أبو الدّرداء: سلوني فو الله لئن فقدتموني لتفقدنّ رجلا عظيما [6] .
__________
[1] تاريخ دمشق 13/ 369 ب، وانظر المستدرك 3/ 336، 337.
[2] التاريخ الكبير للبخاريّ 7/ 77، تاريخ دمشق 13/ 371 ب.
[3] (وصل) سقطت من ح.
[4] في منتقى الأحمدية (أخبره) بدل (أمره) والمثبت في نسخة الدار وسير النبلاء وغيرهما.
[5] أخرجه البخاري في الصوم 4/ 182، 184 باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوّع، وفي الأدب، باب صنع الطعام والتكلّف للضيف، من طريق محمد بن بشار، عن جعفر بن عون، عن أبي العميس عتبة، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وأخرجه الترمذي (2415) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق 13/ 371 ب.
[6] تاريخ دمشق 13/ 372 ب.

(3/401)


وَقَالَ يزيد بْن عُمَيْرة: لمّا احتضر مُعَاذ قالوا: أَوْصِنا، قَالَ: التمسوا العِلْم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بْن سلام [1] .
وعن أبي ذر أنه قَالَ: مَا أظلت خضراءُ أعلم منك يا أبا الدَّرْدَاء [2] .
قَالَ أَبُو عمرو الدّاني: عَرَضَ على أبي الدَّرْدَاء القرآن: عبد الله بْن عامر، وخُلَيْد بْن سعد القارئ، وراشد بْن سعد، وخالد بْن مَعْدان [3] .
قلت: في عرض هؤلاء عليه نظر.
قَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُقْرِئُ رجلا أعجميا فقرأ: (طعام الأثيم) [4] طَعَامُ الْيَتِيمِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: (طَعَامُ الأَثِيمِ) ، فَلَمْ يَقْدِرْ يَقُولهَا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «طَعَامُ الفاجر» فأقرأه «طعام الفاجر» [5] .
__________
[1] تاريخ دمشق 13/ 373 أ.
[2] تاريخ دمشق 13/ 373 ب.
[3] ذكر المؤلّف في معرفة القراء الكبار 1/ 41 أن سويد بن عبد العزيز قال: كان أبو الدرداء إذا صلّى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك. وكان ابن عامر عريفا على عشرة، كذا قال سويد، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر.
وقال المؤلّف في سير أعلام النبلاء 1/ 346 بعد أن ساق خبر مجلس العلم لأبي الدرداء: «وهو الّذي سنّ هذه الحلق للقراءة» .
[4] سورة الدخان- الآية 43.
[5] يقول الكوثري: إقامة المرادف مقام اللّفظ المنزل كانت لضرورة وقتيّة نسخت في عهد المصطفى عليه صلوات الله وسلامه بالعرضة الأخيرة المشهورة. قال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» : إنّما كانت السّعة للنّاس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم، فوسّع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متّفقا، فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقدروا بذلك على تحفّظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها. وفي «مشكل الآثار» (ج 4) تمحيص هذا البحث بما لا تجد مثله في كتاب سواه.

(3/402)


وَقَالَ خالد بْن مَعدان: كان ابن عُمَر يَقُولُ: حدّثونا عَنِ العاقلين، فيقال: من العاقلان؟ فيقول: مُعاذ، وأبو الدَّرْدَاء [1] .
رَوَى الأَعْمَشُ. عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُصْلِحُ قِدْرًا لَهُ، فَوَقَعَتْ عَلَى وَجْهِهَا فَجَعَلَتْ تُسَبِّحُ، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ تَعَالَ إِلَى مَا لَمْ يَسْمَعْ أَبُوكَ مِثْلَهُ قَطُّ، فَجَاءَ سَلْمَانُ وَسَكَنَ الصَّوْتُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ سَلْمَانُ: لَوْ لَمْ تَصِحَّ لَرَأَيْتَ أَوْ لَسَمِعْتَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْكُبْرَى [2] . حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما فَقَالَ: ارجعا إليَّ أعيدا عليّ قضيّتكما [3] .
وَقَالَ أَبُو وائل، عَنْ أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إنّي لآمركم بالأمر وما أفعله ولكن لعلَّ الله أنْ يأجُرَني فيه.
وَقَالَ ميمون بْن مهران: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وَيْلٌ للذي لَا يعلم مرَّةً، وَوَيْلٌ للذي يعلَمُ ولا يعمل سبْع مرّات [4] .
وَقَالَ عَوْن بْن عبد الله قلت لأمّ الدَّرْدَاء: أيُّ عِبادة أبي الدَّرْدَاء كانت أكثر؟ قالت: التَّفكُّر والاعتبار [5] .
وعن أبي الدَّرْدَاء أنّه قيل له: كم تُسَبِّح في كلّ يوم، وكان لَا يَفْتُرُ من
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 350 من طريق قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان، عن ثور بن يزيد الكلاعي، عن خالد بن معدان. ورجاله ثقات. وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 13/ 384 أ.
[2] تاريخ دمشق 13/ 378 ب و 379 أ.
[3] تاريخ دمشق 13/ 385 ب. وفي النسخة (ح) : «قصّتكما» ، وهو تصحيف.
[4] تاريخ دمشق 13/ 377 أ.
[5] تاريخ دمشق 13/ 379 أ.

(3/403)


الذِّكر؟ قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ، إلَّا أنْ تُخْطئ الأَصَابِعُ [1] .
وَقَالَ معاوية بْن قُرَّةَ: قَالَ أَبُو الدّرداء: ثلاثة أحبّهن ويكرهُهُنّ النّاس:
الفقر والمرض والموت.
وعنه قَالَ: أحبُّ الموت اشتياقًا لربي، وأحبّ الفقر تواضعًا لربيّ، وأحبّ المرض تكفيرًا لخطيئتي [2] .
وَقَالَ عِكْرَمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: كَانَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ سِتُّونَ وَثَلاثُمِائَةِ خَلِيلٍ فِي اللَّهِ يَدْعُو لَهُمْ فِي الصَّلاةِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ يَدْعُو لأَخِيهِ فِي الْغَيْبِ إِلا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَقُولانِ: وَلَكَ بِمِثْلٍ. [أَفَلَا أَرْغَبُ أَنْ تَدْعُوَ لِي الْمَلائِكَةُ [3]] [4] .
قَالَ الواقِديّ وأبو مُسْهر: مات أبو الدّرداء سنة اثنتين وثلاثين.
__________
[1] تاريخ دمشق 13/ 377 ب.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 7/ 392 من طريق عمرو بن مرّة قال: سمعت شيخا يحدّث، عن أبي الدرداء، وإسناده ضعيف لجهالة الشيخ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 13/ 380، 381 أ.
[3] تاريخ دمشق 13/ 389 ب.
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من النسخة (ح) .

(3/404)


أَبُو ذَرّ الغِفَاريّ [1] ع [2]
اسمه جُنْدُب بْن جُنَادَةَ [على الصَّحيح، وقيل: جُنْدُب بْن سَكَن،
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 138 و 141، المغازي للواقدي 538 و 539 و 548 و 571 و 637 و 819 و 849 و 850 و 896 و 1001، تهذيب سيرة ابن هشام 127 و 184 و 291، التاريخ لابن معين 2/ 704، طبقات خليفة 31، تاريخ خليفة 166، مسند أحمد 5/ 144، طبقات ابن سعد 4/ 219- 237، التاريخ الكبير 2/ 221 رقم 2265، الزهد لابن حنبل 182- 185، البرصان والعرجان للجاحظ 65، الأخبار الموفقيّات 41، المحبّر لابن حبيب 139 و 237، المعارف 2 و 67 و 152 و 195 و 252 و 253، عيون الأخبار 1/ 154 و 211 و 2/ 356 و 3/ 158 و 180، أنساب الأشراف 1/ 272 و 353 و 362 وق 4 ج 1/ 512 و 513 و 541- 546 و 557، و 5/ 26 و 52- 56 و 57 و 68، تاريخ الطبري 4/ 283، المنتخب من ذيل المذيّل 533، الجرح والتعديل 2/ 510 رقم 2101، الزاهر للأنباري 1/ 445، ثمار القلوب 4 و 85 و 87 و 145، الخراج وصناعة الكتابة 235، المعرفة والتاريخ (انظر فهرس الأعلام 3/ 524) ، حلية الأولياء 1/ 156- 170 رقم 26، أمالي المرتضى 2/ 396، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 28، العقد الفريد 1/ 228 و 2/ 276 و 4/ 157 و 283 و 287 و 289 و 306، المعجم الكبير للطبراني 2/ 147- 158 رقم 182، ربيع الأبرار للزمخشري 7 و 124 و 135 و 179 و 226 و 370 و 381، مشاهير علماء الأمصار 11، 12 رقم 28، الزهد لابن المبارك 15 و 21 و 88 و 108 و 195 و 208 و 228 و 426 و 440، جمهرة أنساب العرب 186، مقدمة مسند بقيّ بن مخلد 81 رقم 15، المستدرك 3/ 337- 346، الاستبصار 125، الاستيعاب 1/ 213- 217، أسد الغابة 1/ 301- 303 و 5/ 186- 188، جامع الأصول 9/ 50- 59، الكامل في التاريخ 3/ 113- 116، البدء والتاريخ 5/ 93- 95، لباب الآداب 260 و 271 و 305، الزيارات للهروي 9 و 84، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 229، 230 رقم 341، صفة الصفوة 1/ 584- 600 رقم 64، تهذيب الكمال 3/ 1602، تحفة الأشراف 9/ 154- 198 رقم 616، الكاشف 3/ 293 رقم 146، المعين في طبقات المحدّثين 20 رقم 26، دول الإسلام 1/ 27، تذكرة الحفّاظ 1/ 17- 19 رقم 7، سير أعلام النبلاء 2/ 46- 78 رقم 10، العبر 1/ 33، تلخيص المستدرك 3/ 337- 346، مجمع الزوائد 9/ 327، الوفيات لابن قنفذ 51 رقم 31، الوافي بالوفيات 11/ 193 رقم 285، الإكمال 3/ 333، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 75، طبقات المعتزلة 9، مرآة الجنان 1/ 88، الأسامي والكنى للحاكم ج 1/ (ورقة 188) ، تهذيب التهذيب 12/ 90، 91 رقم 401، تقريب التهذيب 2/ 420 رقم 2، الإصابة 4/ 62- 64 رقم 384، النكت الظراف 9/ 155- 197، خلاصة تذهيب التهذيب 449، كنز العمال 13/ 311، النجوم الزاهرة 1/ 89، حسن المحاضرة 1/ 245 و 345، شذرات الذهب 1/ 24 و 56 و 63، البداية والنهاية 1/ 164، 165.
[2] الرمز ساقط من النسخ، وهو في منتقى الأحمدية فقط.

(3/405)


وقيل: بُرَيْرُ بْن عبد الله، أو ابن جُنَادة] [1] .
أحد السّابقين الأوّلين، يقال، كان خامسًا في الإسلام، ثمّ انصرف إلى بلاد قومه، وأقام بها بأمر النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمّ لمّا هاجر النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر أَبُو ذر إلى المدينة.
وروي أنه كان آدم جسيمًا، كثّ اللّحْية.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَشْهَدْ أَبُو ذَرٍّ بَدْرًا، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ عُمَرُ مَعَ الْقُرَّاءِ.
وَكَانَ يُوَازِي ابْنَ مَسْعُودٍ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، وَكَانَ زَاهِدًا أَمَّارًا بِالْمَعْرُوفِ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» . حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ [2] مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسُئِلَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: وَعَى عِلْمًا عَجَزَ النَّاسُ عَنْهُ، ثُمَّ أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ شَيْئًا [3] . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» [4] . وَقَالَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: ثنا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ، عن الحسن بن
__________
[1] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من النسخة (ح) ومنتقى الأحمدية.
[2] رقم (3801) ، وابن سعد في الطبقات 4/ 228، والحاكم في المستدرك 3/ 342، وفي الأسامي والكنى 1 (ورقة 185) في ترجمة أبي الدرداء، وابن ماجة (156) في المقدّمة، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 329 ونسبه إلى البزّار والطبراني، وأحمد في الزهد 184.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 232.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 231 من طريق سعيد بن أبي أيّوب، عن عبد الله بن أبي جعفر القرشي، عن سالم بن أبي سالم الجيشانيّ، عن أبيه، عن أبي ذرّ، وأخرجه مسلم في الإمارة (1826) باب كراهية الإمارة بغير ضرورة، وأحمد في المسند 5/ 180.

(3/406)


عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: لَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي، ثم ضرب بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ [1] . وَقَالَ بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ، جَعَلَ لَا يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخَلَّفَ فُلَانٌ، فَيَقُولُ: «دَعُوهُ فَإِنْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُخْلِفْهُ اللَّهُ بِكُمْ» حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: مَا كَانَ يَقُولُهُ، فَتَلَوَّمَ عَلَيْهِ بَعِيره، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ أَبُو ذَرٍّ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا، وَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ:
إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ» ، فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُحْشَرُ وَحْدَهُ» فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ فَمَاتَ بِهَا.
وَاتَّفَقَ مُرُورُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِهِ مِنَ الْكُوفَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَشَهِدَهُ [2] .
وَمَنَاقِبُ أَبِي ذَرٍّ كَثِيرَةٌ.
روى عنه أَنْس، وجُبَيْر بْن نُفَيْر، وزيد بْن وهب، وسعيد بْن المسيب، وأبو سالم الجَيْشاني سُفْيَان [3] بْن هانئ، والأحنف بْن قيس، وعبد الرحمن بْن غَنْم الأشعريّ، وأبو مُراوِحْ، وقيس بْن عباد، وسويد بن
__________
[1] ابن سعد 4/ 231، 232.
[2] الإصابة 4/ 64 وقال هو: «في السيرة النبويّة لابن إسحاق بسند ضعيف» . وهو ضعيف لضعف بريدة بن سفيان حيث ضعّفه البخاري، والنسائي، وأبو داود، وأحمد، والدار الدّارقطنيّ، والعقيلي، والجوزجاني، وابن عديّ.
[3] في نسخة دار الكتب (وسفيان) والصّواب (سفيان) لأنّ أبا سالم الجيشانيّ هو سفيان بن هانئ، كما في (تهذيب التهذيب) .

(3/407)


غَفْلَة، وأبو إدريس الخَوْلاني، وعبد الله بْن الصّامت، والمعْرور بْن سُوَيْد وأبو عثمان النَّهْدِيُّ، وخلْق سواهم.
وقد استوعب ابن عساكر في «تاريخ دمشق» [1] أخباره وأحواله.
قَالَ حسين المُعَلّم، عَنِ ابن بُرَيْدة: كان أَبُو ذَرّ رجلًا أسودَ، كَثّ اللّحية، كان أَبُو موسى يُكْرِمه [2] ويقول: مرحبًا بأخي. فيقول: لستُ بأخيك إنّما كنت أخاك قبل أن تُسْتَعْمَلَ [3] .
ومن أخبار أبي ذرّ أنّه كان شجاعا مقْدامًا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] : أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءِ بن رحضة [5] قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلًا يُصِيبُ، وَكَانَ شُجَاعًا يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيُغِيرُ عَلَى الصِّرْمِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلامَ [6] .
ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حدّثتني جبلة بنت مصفحٍ [7] ، عَنْ حَاطِبٍ قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ [مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ فِي صَدْرِهِ إِلا وَقَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي، وَلا] [8] تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا صَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِي إِلا وَقَدْ صببته في صدر مالك بن ضمرة [9] .
__________
[1] مخطوط الظاهرية- ج 4/ 7 ب وما بعدها.
[2] في نسختي (ع) و (ح) «يلزمه» .
[3] طبقات ابن سعد 4/ 230 ورجاله ثقات.
[4] في الطبقات 4/ 222.
[5] رحضة: ورد مصحّفا في بعض النسخ، والتصحيح من بقية النسخ، وطبقات ابن سعد.
[6] صفة الصفوة 1/ 585.
[7] في النسخ «مصفى» ، والتصويب من معجم الطبراني.
[8] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من النسخة (ح) ومنتقى الأحمدية، ومعجم الطبراني.
[9] رواه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 149 رقم 1624.

(3/408)


أبو إسحاق السّبيعيّ، عن هَانِئٍ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مليء عِلْمًا، ثُمَّ وُكِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [1] . شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمْ: عَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَلْمَانَ، وَالْمِقْدَادِ» [2] . أَبُو رَبِيعَةَ هَذَا خَرَّجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ: ثنا شَهْرٌ، حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ [3] أنّ أبا ذرّ كان يخدم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ أَوَى إِلَى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتُهُ [يَضْطَجِعُ فِيهِ] [4] ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ لَيْلَةً فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فنَكَتَهُ [5] بِرِجْلِهِ، فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: «أَلا أَرَاكَ نَائِمًا» ، قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ [هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرُهُ] [6] فَجَلَسَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوكَ مِنْهُ» ؟ قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ [فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الْهِجْرَةِ وَأَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُونُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهَا] [7] قَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوكَ مِنْهَا» ؟ قَالَ: إِذًا أَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي، قَالَ: فَكَيْفَ أَنْتَ إذا أَخْرَجُوكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟ قَالَ:
إِذًا آخُذُ سَيْفِي فَأُقَاتِلُ [عَنِّي] [8] حَتَّى أَمُوتَ، قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أدلّك على خير من ذلك: تنقاد لهم حيث قادوك [وتنساق لهم حيث
__________
[1] ونحوه ما أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 232.
[2] أخرجه أحمد في المسند 5/ 351.
[3] هي أسماء بنت يزيد. (مسند أحمد 6/ 457) .
[4] ما بين الحاصرتين مستدرك من المسند.
[5] في نسخة دار الكتب (فنكبه» ، والتصحيح من المسند.
[6] ما بين الحاصرتين مستدرك من المسند.
[7] ما بين الحاصرتين مستدرك من المسند.
[8] مستدركة من المسند.

(3/409)


سَاقُوكَ] [1] حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» . أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ [2] . الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى يَسْتَفْتُونَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْفُتْيَا؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: أَرَقِيبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ [3] ثُمَّ ظَنَنْتُ إِنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا [4] عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا [5] . رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. وَاسْمُ أَبِي كَثِيرٍ مَرْثَدٌ، صَدُوقٌ.
عن ثعلبة بن الحكم [6] عَنْ عليّ قَالَ: لم يبق أحدٌ لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي. ثم ضرب بيده على صدره [7] . الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنِ الأَحْنَفِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ قَامَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَنَّازِينَ بِرَضْفٍ [8] يُحْمَى عَلَيْهِ فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ [9] كَتِفِهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا رَدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وذكر الحديث [10] وهو حديث صحيح.
__________
[1] مستدرك من المسند.
[2] في المسند 6/ 457 وإسناده ضعيف لضعف شهر، وهو ابن حوشب. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 148 رقم (1623) وهو مختصر.
[3] وأشار بيده إلى قفاه. كما في حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفّاظ.
[4] اي تقتلوني وتنفذون في أمركم، كما في «النهاية لابن الأثير» .
[5] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 160.
[6] في نسختي (ع) و (ح) «عن ثعلبة عن الحكم» ، والتصحيح من نسخة دار الكتب، وطبقات ابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 4/ 231، 232.
[8] الرّضف: الحجارة المحمّاة على النار.
[9] النغض: أعلى الكتف.
[10] الحديث بكاملة أخرجه أحمد في المسند 5/ 176، وانظر الفتح الباري لابن حجر 3/ 218.

(3/410)


ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا أَبُو قَبِيلٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُثْمَانُ، يَا كَعْبُ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَا تَرَى؟ قَالَ: إِنْ كَانَ- يَعْنِي زَكَّى- فَلَا بَأْسَ، فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ كَعْبًا وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ [1] مِنِّي أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّ أَوَاقٍ [2] . أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ أَسَمِعْتَهُ مِرَارًا؟ قَالَ: نَعَمْ [3] . جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ قَالَ:
تَنَاجَى عُثْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُبْتَسِمًا وَقَالَ: سَامِعٌ مُطِيعٌ وَلَوْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ عَدْن [4] . وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ [5] .
الأَعْمَشُ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ [6] .
وَعَنْ أَبِي جُوَيْرِيَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِعُثْمَانَ:
وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَحْبُوَ لحبوت ما استطعت.
__________
[1] في النسخة (ع) «وينفتل» ، وفي النسخة (ح) «ويتقلل» وكلاهما خطأ، والتصويب من نسخة دار الكتب وسير أعلام النبلاء.
[2] قال المؤلف في سير أعلام النبلاء 2/ 67 «هذا دالّ على فضل إنفاقه وكراهية جمعه، لا يدلّ على تحريم» .
[3] أخرجه أحمد في المسند 1/ 63 وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، وجهالة مالك بن عبد الله، وأخرجه ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» ص 286 من طريق أبي الأسود النضر بن عبد الجبار، عن ابن لهيعة.
[4] في طبقات ابن سعد: «أن آتي صنعاء أو عدن، ثم استطعت أن أفعل، لفعلت» .
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 227 وعبد الله بن سيدان هو المطرودي السلمي الرَّبَذيّ. قال البخاري: لا يتابع في حديثه، له حديث واحد وهو شبه المجهول. وانظر الكامل لابن عديّ 4/ 1537.
[6] إسناده ضعيف كسابقه، لضعف عبد الله بن سيدان.

(3/411)


أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أمير المؤمنين افتح الباب لا تحسبني مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمِ مِنَ الرِّمِيَّةِ، يَعْنِي الْخَوَارِجَ.
الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ شَيْخٍ وَامْرَأَتِهِ [1] مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ قَالا: نَزَلْنَا بِالرَّبَذَةِ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَّاهُ أَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ، فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً، فَقَالَ: لَا تُذِلُّوا السُّلْطَانَ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلا تَوْبَةَ لَهُ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي [2] .
حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللَّهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ- تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ- وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: «إِذَا بَلَغَ الْبِنَاءُ سلْعًا فَاخْرُجْ مِنْهَا» . ابن شَوْذَبٍ [3] ، عَنْ غالب القطّان قَالَ: يا أبا سعيد أَعُثمان أخْرَجَ أبا ذَرّ؟ قَالَ: مَعَاذ الله.
أَبُو سعيد هو الحسن.
أَبُو هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلافٍ، فَإِذَا أَخَذَهُ دَعَا خَادِمَهُ فَسَأَلَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلسَّنَةِ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوسًا بِمَا بَقِيَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءِ ذَهَبٍ وَلا فضّة يوكأ عليه إلّا
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 2/ 71 «عن شيخين من بني ثعلبة» .
[2] أخرجه أحمد في المسند 5/ 165، وابن سعد في الطبقات 4/ 227، وفيه جهالة الرجل وابنته، وباقي رجاله ثقات.
[3] في النسخة (ع) «أبو شوذب» وهو تحريف.

(3/412)


وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ [1] .
الأوزاعي، عَنْ يحيى قَالَ: كان لأبي ذَرّ ثلاثون فَرَسًا يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ويُريح بقيتها، فإذا رجعت حمل على الخمسة عشر الأخرى.
ثابت البُنَانيّ قَالَ: بنى أَبُو الدَّرْدَاء مسْكنًا فمرّ عليه أَبُو ذَرّ فَقَالَ: مَا هذا تعمُر دارًا أمر الله بخرابها [2] !؟
حسين المُعَلّم، عَنِ ابن بُرَيْدة [3] قَالَ: كان أَبُو موسى يُكْرِم أبا ذَرّ، وكان أَبُو موسى خفيف اللَّحْم، قصيرًا، وكان أَبُو ذَرّ رجلًا أسود، كثّ الشَّعر، فكان أَبُو موسى، يَقُولُ: مرحبًا بأخي، فيقول: لستُ بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل [4] .
قيل: لم يَعِشْ بعده ابنُ مسعود إلا نحو عشرة أيام.
وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ: ثنا أَبُو الْعَلاءِ [5] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ بِثَرِيدَةٍ، فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ انْفَتَلَ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ: إِنَّا للَّه مَا كُنْتُ أَخَافُ أَنْ تَكْذِبَنِي! قَالَ: مَا كَذَبْتُ، إِنِّي صُمْتُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَكُتِبَ لِي أَجْرُهُ وَحُلَّ لِي الطَّعَامُ.
__________
[1] رجاله ثقات، أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 236، وأحمد في المسند 5/ 195 وكلاهما عن:
عفّان بن مسلم، عن همّام بن يحيى، عن قتادة.
[2] في سير أعلام النبلاء 2/ 74 زيادة.
[3] في نسختي (ع) و (ح) «أبي بردة» وهو وهم.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 230 ورجاله ثقات. وقد مرّ قبل الآن.
[5] في نسختي (ع) و (ح) «العلاء» وهو وهم. فهو يزيد بن عبد الله بن الشّخّير.

(3/413)


سَنَة ثَلَاث وَثَلَاثيِن
فيها كانت غزوة قُبْرس. قَالَ ابن إسحاق وغيرُه [1] .
وغزوة إفريقية، وأمير النّاس عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. قاله اللَّيْث [2] .
وفيها قَالَ خليفة [3] : جمع قارن جميعا عظيمًا بباذَغِيس وهُرَاة، وأقبل في أربعين ألفًا فترك قيسُ بْن الهَيْثم البلاد وهرب، فقام بأمر المُسْلِمين عبدُ الله بْن خازم [4] السُّلَميّ، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقُتِل وسَبَى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان، ثمّ وجَّه ابن عامر عبد الرحمن بْن سَمُرَة على سجستان، فصالحه صاحب زَرَنْج [5] وبقي بها حتّى حُوصِر عثمان.
قَالَ خليفة [6] : وفيها غزا معاوية مَلَطْية وحصن المَرَة من أرض الرّوم.
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 317، الكامل لابن الأثير 3/ 33.
[2] الطبري 4/ 317.
[3] في تاريخه 167.
[4] في بعض النسخ «حازم» بالحاء المهملة، وهو تصحيف، والتصويب من تاريخ خليفة.
[5] هي قصبة سجستان، على ما في (معجم البلدان) .
[6] في تاريخه 167

(3/415)


قَالَ: وفيها غزا عبدُ الله بْن أبي سَرْح الحَبَشَة، فأصيبت فيها عينُ معاوية بنُ حديج [1] .
__________
[1] ورد محرّفا في النسخة (ع) ، والمثبت هو الصواب.

(3/416)


الوَفيّاتْ
وفيها تُوُفيّ عبد الله بْن كعب الأنصاري المازنيّ أحد البدريين، ورّخه المدائنّي، وقد تقدّم ذِكْره في سنة ثلاثين.
وعبد الله بن مسعود في قولٍ، وقد تقدّم.
المِقْداد بْن الأسود [1] ع [2]
الكِنْدي البَهْراني [3] . كان في حَجْر الأسود بْن عبد يغوث الزّهري،
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 176 و 225، المغازي للواقدي 538- 549، تاريخ خليفة 168، أنساب الأشراف 1/ 143 و 205 وق 4 ج 1/ 343، المحبّر لابن حبيب 64 و 73، الأخبار الموفقيّات 321، المعارف 120 و 262 و 341، المنتخب من ذيل المذيل 506، مسند أحمد 4/ 79 و 6/ 2 و 8، المعرفة والتاريخ 2/ 161، و 401 و 3/ 167 و 368، مشاهير علماء الأمصار 24 رقم 105، العقد الفريد 4/ 275 و 276 و 279 و 4/ 280 و 5/ 274 و 6/ 130 و 136، المستدرك 3/ 348- 351، الاستيعاب 3/ 472- 476، حلية الأولياء 1/ 172- 176 رقم 28، التاريخ الكبير 8/ 54 رقم 2126، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 423، 424) ترتيب الثقات للعجلي 438 رقم 1626، الجرح والتعديل 8/ 426 رقم 1942، طبقات ابن سعد 3/ 161- 163، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 86 رقم 76، جمهرة أنساب العرب 441، التاريخ الصغير 60، 61، أسد الغابة 4/ 409، 410، الكامل
[2] الرمز ساقط من أكثر النسخ، والاستدراك من النسخة (ح) ، والخلاصة 398.
[3] في نسخة دار الكتب «النهراني» وهو تصحيف.

(3/417)


فيقال تبناه، وقيل: كان عبدًا حبشيًّا له فتبنّاه، واسم أبيه عَمْرو بْن ثَعْلَبة بْن مالك من ولد الحاف بْن قضَاعة وقيل: إنّه أصاب دمًا في كِنْدة، فهرب إلى مكة، وحالف الأسود بْن عبد يغوث.
كان من السّابقين الأوَّلين، شهِدَ بدْرًا، ولم يصحّ أنّه كان في المُسْلِمين فارس يَوْمَئِذٍ غيره، واختلفوا في الزُّبَيْر.
روى عنه: عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْن مسعود، وابن عبّاس، وجُبَيْر بْن نُفَيْر، وعبد الرحمن بْن أبي ليلى، وهمّام بْن الحارث، وعبيد الله بن عديّ بن الخيار، وآخرون.
عاش سبعين سنة، وصلّى عليه عثمان.
وكان رجلا آدم طُوَالًا، ذا بطنٍ كبير، أشْعَر الرأس، أعْيَنَ، مقرون الحاجبين [1] . وكان يوم فتح مكة على مَيْمَنَة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْمِقْدَادِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ مَبْعَثًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: كَيْفَ وَجَدْتَ الْإِمَارَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ظَنَنْتُ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِي خَوَلٌ، وَاللَّهِ لَا أَلِي عَلَى عَمَلٍ ما عشت [2] .
__________
[ () ] في التاريخ (انظر فهرس الأعلام 13/ 354، 355) ، لباب الآداب لابن منقذ 263 و 284، الزيارات للهروي 47 و 63 و 94، صفة الصفوة 1/ 423- 426 رقم 20، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 111، 112 رقم 163، تحفة الأشراف 8/ 499- 505 رقم 539، نهاية الأرب للنويري 19/ 461، الكاشف 3/ 152 رقم 5714، المعين في طبقات المحدّثين 27 رقم 125، دول الإسلام 1/ 27، سير أعلام النبلاء 1/ 385- 389 رقم 81، تلخيص المستدرك 3/ 348- 350، معالم الإيمان 1/ 71- 76، تهذيب الكمال 3/ 1367، العقد الثمين 7/ 268- 272، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 2/ 203، 204، النكت الظراف 8/ 500- 505، تهذيب التهذيب 10/ 285، تقريب التهذيب 2/ 272 رقم 1348، الإصابة 3/ 454، 455 رقم 8183، مرآة الجنان 1/ 89، شذرات الذهب 1/ 39.
[1] انظر: طبقات ابن سعد 3/ 163، والمستدرك للحاكم 3/ 348، وصفة الصفوة 1/ 423.
[2] حلية الأولياء 1/ 174، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 349، 350 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

(3/418)


وَقَالَ ثابت البناني: كان عبد الرحمن والمقداد يتحدثان، فَقَالَ له ابن عَوْف: مالك لَا تزوّج؟ قَالَ زوّجني بنتك، قَالَ: فأغلظ له وجَبَهَه، فشكا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرف الغمّ في وجهه فقال: «لكنّي أزوّجك ولا فَخْر» ، فزوّجه بابنة عمّه ضُباعة بنت الزُّبَيْر بْن عبد المطّلب [1] . وكان بها من الجمال والعقل التّام [2] مع قَرَابتها من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَرَنِي اللَّهُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ:
عَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَلْمَانَ، وَالْمِقْدَادِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [3] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الجنة تَشْتَاقُ إِلَى أَرْبَعَةٍ» فَذَكَرَهُمْ. إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وعن كريمة بنت المِقْداد أنّ المِقْداد وصّى للحَسَن والحُسَيْن لكلّ واحدٍ منهما بثمانية عشر ألف درهم، وأوصى لأمّهات المؤمنين لكلّ واحدةٍ بسبعة آلاف دِرْهم.
وعن أبي فائد، أنّ المقداد بن عمرو شرب دهن الخروج فمات [4] .
وقيل: إنّه مات بالجُرْف على ثلاثة أميال من المدينة. ودفن بالبقيع.
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 162.
[2] في النسخ «والتمام» ، والمثبت عن المنتقى لابن الملّا.
[3] 5/ 351، وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (1373) بلفظ: «أمرت بحبّ أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبّهم: عليّ، وأبو ذرّ، وسلمان، والمقداد» .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 163، صفة الصفوة 1/ 426.
والخروع: نبت لا يرعى.

(3/419)


سَنَة أربَعٍ وَثلَاثِين
فيها وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بْن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعريّ، وكتبوا فيه إلى عثمان فولّاه عليهم، ثمّ إنّه بعد قليل ردّ إليهم على الإمْرة سعيد بْن العاص فخرجوا ومنعوه [1] وفيها كانت غزوة ذات الصَّواري [2] في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرُها ابن أبي سرح.
__________
[1] تاريخ خليفة 168.
[2] اشتهرت هذه الموقعة باسم «ذات الصواري» بالصاد، و «ذات السواري» بالسين، وقيل إنّها سمّيت كذلك لكثرة صواري السفن التي ظهرت فيها وهي الأدقال. (التنبيه والإشراف- للمسعوديّ- ص 135- طبعة بيروت 1968) كما سمّيت «ذا الصواري» بحذف التاء، واستدلّ بعضهم من هذه التسمية أنها نسبة إلى المكان الّذي جرت الموقعة عنده لأنّه كان مكتظّا بأشجار السرو. ومما تجدر الإشارة إليه أن المصادر لم تحدّد المكان الّذي دارت الموقعة عنده، مع أن «ابن عبد الحكم» انفرد بالقول بأن جيش المسلمين انقسم إلى قسمين حيث نزل قسم منه إلى البرّ، وبقي قسم آخر في السفن. (فتوح مصر وأخبارها- ص 192- طبعة نيويورك 1932) وانظر: ولاة مصر- للكندي- ص 36 و 37- طبعة بيروت 1959، ونهاية الأرب للنويري 1/ 80- طبعة دار الكتب بمصر.

(3/420)


الوَفيَّاتْ
وفيها تُوُفيّ إياس بْن أبي الْبُكَيْرِ [1] بن عبد يا ليل الكِناني حليف بني عديّ، كان من المهاجرين. شهد بدرا هو وإخوته خالد، وعاقل، وعامر، ولم يشهد بدْرًا إخوةٌ أربعةٌ سواهم، وقد شهِدَ إياس فتْحَ مصر.
وفيها تُوُفيّ أخوه عاقل بْن البُكَيْر [2] ويقال: ابن أبي البُكَيْر، كأنّه كان يسّمى [3] باسمه. قَالَ ابن سعد [4] : كان اسم عاقل (غافلًا) فغيَّره النّبيّ
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 144، المغازي للواقدي 156، البرصان والعرجان للجاحظ 92، طبقات ابن سعد 3/ 389، المحبّر لابن حبيب 74 و 399 و 400 و 459، طبقات خليفة 23، الاستيعاب 1/ 101- 103، أنساب الأشراف 1/ 243 و 296، أسد الغابة 1/ 153، الوافي بالوفيات 9/ 461 رقم 4417، العقد الثمين 3/ 339، الإصابة 1/ 89 رقم 373.
[2] السير والمغازي لابن إسحاق 144، المغازي للواقدي 145 و 156، البرصان والعرجان للجاحظ 92، تهذيب سيرة ابن هشام 57، طبقات ابن سعد 3/ 388، المحبّر لابن حبيب 74 و 399 و 400 و 459، المعارف 157 و 591، طبقات خليفة 23، تاريخ خليفة 60، أنساب الأشراف 1/ 243 و 296 و 375، تاريخ الطبري 4/ 339، الاستيعاب 3/ 160، 161، الكامل في التاريخ 3/ 153، أسد الغابة 3/ 116، العقد الثمين 5/ 81، الإصابة 2/ 247 رقم 4361، شذرات الذهب 1/ 9.
[3] في المنتقى، نسخة الأحمدية «يكنى» بدل «يسمّى» .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 388.

(3/421)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أَبُو معشر والواقِديّ يقولان: ابن أبي البُكَيْر، وكان موسى بْن عقْبة، وابن إسحاق، وابن الكلبيّ يقولون: ابن البُكَيْر.
وعن يزيد بْن رُومان أنّ الإخوة الأربعة أسلموا في دار الأرقم [1] .
عبادة بْن الصَّامت [2] ع [3]
ابن قيس بْن أصرم أَبُو الوليد الأنصاري الخَزْرَجيّ، أحد النُّقباء ليلة العَقَبة، شهِد بدْرًا والمشاهدَ، ووُلِّي قضاء فلسطين، وسكن الشام.
__________
[1] ابن سعد 3/ 388.
[2] المغازي للواقدي 9 و 99 و 167 و 179 و 318 و 408 و 416 و 420 و 423 و 861 و 1059، المحبّر لابن حبيب 71 و 270 و 272 و 423، تهذيب سيرة ابن هشام 103 و 108 و 155 و 210، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 81 رقم 19، طبقات ابن سعد 3/ 546، المعارف 255 و 327، التاريخ الكبير 6/ 92 رقم 1809، الزهد لابن المبارك 192 و 409، تاريخ خليفة 155 و 160 و 168، طبقات خليفة 99 و 302، أنساب الأشراف 1/ 239 و 251 و 252 و 270، فتوح البلدان 156- 158 و 161 و 166 و 167 و 181 و 182، تاريخ الطبري 1/ 32 و 2/ 355 و 356 و 368 و 458 و 481 و 604 و 3/ 401 و 4/ 241 و 258 و 283 و 356، مسند أحمد 4/ 201 و 5/ 313، فتوح الشام 274 و 281، المعرفة والتاريخ 2/ 323- 325 و 360- 362، العقد الفريد 4/ 345، تاريخ أبي زرعة 1/ 224- 226، الجرح والتعديل 6/ 95 رقم 492، مشاهير علماء الأمصار 51 رقم 334، البدء والتاريخ 5/ 115، 116، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 91، جمهرة أنساب العرب 318 و 351 و 354، الخراج وصناعة الكتابة 297 و 298 و 300 و 306، المستدرك 3/ 354- 357، الاستيعاب 2/ 449- 451، أسد الغابة 3/ 160، الكامل في التاريخ 1/ 16 و 2/ 138 و 192 و 492 و 3/ 77 و 95 و 114 و 153، لباب الآداب 175 و 300، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 256، 257 رقم 281، تهذيب الكمال 2/ 655، تحفة الأشراف 4/ 239- 264 رقم 266، المعين في طبقات المحدّثين 23 رقم 67، دول الإسلام 1/ 27، الكاشف 2/ 57 رقم 2609، العبر 1/ 35، سير أعلام النبلاء 2/ 5- 11 رقم 1، مجمع الزوائد 9/ 320، تلخيص المستدرك 3/ 354- 357، مرآة الجنان 1/ 89، الوافي بالوفيات 16/ 618، 619 رقم 670، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 334، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 209، الزيارات للهروي 33، تهذيب التهذيب 5/ 111، 112 رقم 189، تقريب التهذيب 1/ 395 رقم 123، الإصابة 2/ 268، 269 رقم 4497، النكت الظراف 4/ 241- 264، الوفيات لابن قنفذ 54 رقم 34، حسن المحاضرة 1/ 89، خلاصة تذهيب التهذيب 159، شذرات الذهب 1/ 40، كنز العمّال 13/ 554.
[3] سقط الرمز من النسخ والاستدراك من مصادر ترجمته.

(3/422)


رَوَى عَنْهُ أَبُو أُمامة، وأنس بْن مالك، وجُبَير بْن نُفَيْر، وحطّان بن عبد الله الرّقاشيّ، وأبو الأشعث شُرَاحِيلَ الصَّنْعانيّ، وأبو إدريس عائذ الله الخَوْلانيّ، وخلْق سواهم.
وكان فيما بلغنا رجلًا طوالا جسيمًا جميلا، تُوُفيّ بالرَّمْلة، ويقال: تُوُفيّ ببيت المَقْدِس.
وَقَالَ محمد بْن كعب القُرَظيُ: جمع القرآن في زمن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسةٌ مِنَ الأَنْصَار: مُعَاذ، وأُبَيّ، وأبو أيوب، وأبو الدَّرْدَاء، وعُبادة، فلمّا استُخْلِف عُمَر، كتب يزيد بْن أبي سُفْيَان إليه: إنّ أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يُعَلِّمهم القرآن ويُفَقِّههم، فَقَالَ: أعينوني بثلاثة، فخرج مُعاذ، وأبو الدَّرْدَاء، وعُبَادة [1] .
وروى إسحاق بْن قُبَيْصة بْن ذُؤَيْب، عَنْ أبيه، أنّ عبادة بْن الصامت أنكر على معاوية شيئًا، فَقَالَ: لَا أُساكِنك بأرضٍ، ورحل إلى المدينة، فَقَالَ له عُمَر: مَا أَقْدَمَك؟ فأخبره بِفعْل معاوية، فَقَالَ له: ارْحَلْ إلى مكانك فقبَّح الله أرضًا لستَ فيها وأمثالك، فلا إمرةَ له عليك [2] .
وَقَالَ عُبَادة: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع والطّاعة، وأن نقوم بالحّق حيثُما كنّا لَا نخاف في الله لومة لائم [3] .
وفي «مسند أحمد» من حديث إسماعيل بْن عُبَيْد بْن رفاعة قال: كتب
__________
[1] أخرجه ابن أبي داود في «المصاحف» . وإسناده حسن، لكنه مرسل.
وأخرج البخاري في فضائل القرآن 9/ 46 باب القراء مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعة من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بْن جَبَل، وزيد بْن ثابت، وأبو زيد. وأبو زيد هذا أحد عمومة أنس، وانظر تهذيب الأسماء 1/ 357.
[2] سير أعلام النبلاء 2/ 7.
[3] انظر تهذيب تاريخ دمشق 7/ 212.

(3/423)


معاوية إلى عثمان: إنّ عُبَادة قد أفسد عليَّ الشّامَ وأهله، فإما أن يكف، وإما أن أخلي بينه وبين الشَّام، فكتب إليه أنْ رَحِّلْ عُبَادة حتّى تَرُدَّه إلينا، قَالَ: فدخل على عثمان فلم يَفْجَأْه إلا وهو معه في الدّار، فالتفت إليه فَقَالَ: يا عبادة ما لنا ولك؟ فقام عُبَادة بين ظَهْرَيِ النّاس فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَلِي أمورَكم بعدي رجالٌ يُعِّرفونكم مَا تُنْكِرُون، ويُنْكِرُون عليكم مَا تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلُّوا بربّكم» [1] . وَقَالَ الهيْثَم بْن عَدِيّ وحده: إنّ عُبَادة تُوُفيّ سنة خمسٍ وأربعين، ولا مُتابع له، وَقَالَ جماعةٌ إنّه تُوُفيّ سنة أربعٍ وثلاثين.
(كعب الأحبار)
تُوُفيّ فيها، قاله شُرَيْح بْن عُبَيْد، وقد تقدم.
(مِسْطَح بْن أُثَاثَة)
[2] بْن عَبَّاد بْن المطّلب [3] بن عبد مناف المطّلبيّ،
__________
[1] مسند أحمد 5/ 325 وهو بنحوه من طريق: الحكم بن نافع، عن أبي اليمان، عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خثيم، به. والإسناد ضعيف لضعف إسماعيل بن عياش حين يروي عن غير أهل بلده.
وأخرجه أحمد في «زوائد المسند» 5/ 329 من طريق سويد بن سعيد، عن يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بن رفاعة، عن أبيه عبيد، عن عبادة بن الصامت.
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 356 من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عبادة- وأخرجه أيضا من طريق سعيد بن منصور، عن مسلم بن خالد الزنجي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أبيه، عن عبادة.
وأخرجه ابن ماجة (2865) بسند قويّ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 214، 215 نقلا عن مسند الإمام أحمد، والهيثمي في «مجمع الزوائد» 5/ 226.
[2] المغازي للواقدي 24 و 153 و 429 و 434 و 694، تهذيب سيرة ابن هشام 216 و 248 و 249، طبقات ابن سعد 3/ 53، طبقات خليفة 9، نسب قريش 95، أنساب الأشراف 1/ 289 و 343، تاريخ الطبري 2/ 402 و 613 و 614 و 617 و 4/ 339، المعارف 328، الجرح والتعديل 8/ 425 رقم 1936، جمهرة أنساب العرب 73، مشاهير علماء الأمصار 12 رقم 33، الاستيعاب 3/ 494، 495، الكامل في التاريخ 2/ 196- 199، أسد الغابة 4/ 354، 355، حلية الأولياء 2/ 20، 21 رقم 117، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 89 رقم 129، سير أعلام النبلاء 1/ 187، 188 رقم 20، العبر 1/ 35، مرآة الجنان 1/ 89، العقد الثمين 6/ 443- 445 و 7/ 179، الإصابة 3/ 408، 409 رقم 7935.
[3] في نسخة دار الكتب «عبد المطلب» وهو وهم.

(3/424)


المذكور في حديث الإفك، شهِد بدرًا والمشاهدَ بعدَها، وكان فقيرًا يُنْفِقُ عليه أَبُو بكر الصِّدِّيق.
قَالَ ابن سعد [1] : كان قصيرًا شثن الأصابع، غائر العينين، عاش ستًّا وخمسين سنة.
(أَبُو سُفيان بْن حَرْب)
فيما قَالَ المدائنيّ، وقد تقدم.
أَبُو طَلْحة الأنصاريّ [2] ع [3]
واسمه زيد بْن سهل بْن الأسود، أحد بني مالك بْن النّجّار، كان من النُّقَباء ليلةَ العقبة، شهد بدرا والمشاهد بعدها.
__________
[1] ليس في طبقات ابن سعد وصف لمسطح، وإنّما فيه- فقط- عمره. (انظر ج 3/ 53) .
[2] مسند أحمد 4/ 28، 31، طبقات ابن سعد 3/ 504- 507، المغازي للواقدي 163 و 242 و 243 و 264 و 296 و 721، تهذيب سيرة ابن هشام 230 و 267 و 350، تاريخ خليفة 166، طبقات خليفة 88، الزهد لابن المبارك 185، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 89 رقم 106، التاريخ لابن معين 2/ 183، أنساب الأشراف 1/ 242 و 271، ق 4 ج 1/ 504 و 506 و 507، المعرفة والتاريخ 1/ 300، المعارف 166 و 308، تاريخ أبي زرعة 1/ 476 و 562، تاريخ الطبري 2/ 619 و 3/ 124 و 181 و 213 و 4/ 192 و 230 و 308، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 40، الاستيعاب 4/ 113- 115، مشاهير علماء الأمصار 15 رقم 44، جمهرة أنساب العرب 347، المحبّر لابن حبيب 73، أنساب الأشراف 5/ 18 و 20 و 21، البدء والتاريخ 5/ 116، 117، العقد الفريد 4/ 275، 276، المستدرك 3/ 351- 354، المعجم الكبير 5/ 91- 111 رقم 480، الاستبصار 50، الأسامي والكنى للحاكم 1 (ورقة 293، 294) ، أسد الغابة 2/ 289، جامع الأصول 9/ 73- 77، الكامل في التاريخ 2/ 265 و 291 و 333 و 3/ 51 و 67 و 68 و 129، لباب الآداب 175 و 300، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 245، 246 رقم 369، تهذيب الكمال 1/ 457، المعين في طبقات المحدّثين، 21/ رقم 44، تلخيص المستدرك 3/ 351- 354، سير أعلام النبلاء 2/ 27- 34 رقم 5، العبر 1/ 35، مجمع الزوائد 9/ 312، مرآة الجنان 1/ 89، الوفيات لابن قنفذ 65 رقم 51، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 4- 12، الوافي بالوفيات 15/ 31، 32 رقم 34، الإصابة 1/ 566، 567 رقم 2905، تهذيب التهذيب 3/ 414، 415، تقريب التهذيب 1/ 275 رقم 184، النكت الظراف 3/ 246، 247، خلاصة تذهيب التهذيب 128، شذرات الذهب 1/ 40.
[3] الرمز ساقط من النسخ، والاستدراك من مصادر الترجمة.

(3/425)


روى عنه ابن زوجته أَنَس بْن مالك، وزيد بْن خالد الجُهَنّي، وابنه عبد الله بن أبي طلْحة، وابن عبّاس، وغيرهم.
وسرد الصَّوم بعد النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزا بحرَ الشام فمات فيه في السّفينة، وقيل: تُوُفيّ بالمدينة، وصلّى عليه عثمان.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صوت أبي طلْحة في الجيش خير من مائة» [1] . وقال أَنْس: قتل أَبُو طلحة يوم حُنَيْن عشرين رجلًا وأخذ أسلابَهُم [2] ، وكان أكثرَ الأنصار مالًا.
وَقَالَ عليّ بْن زيد: سمعت أنسًا يَقُولُ: كان أَبُو طلحة يجثو بين يديْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينثر كِنَانَتَه ويقول: وجهي لوجهك الوقاء [3] ، ونفسي لنفسك الفِداء [4] .
قَالَ ابن سعد: كان آدم مربوعًا يغيّر شَيْبَه [5] .
وعن أَنْس قَالَ: كان أَبُو طلحة يأكل البرد وهو صائم ويقول: ليس
__________
[1] في نسخة دار الكتب، والنسخة (ع) «فيه» ، وفي سير أعلام النبلاء 2/ 28، وأسد الغابة، والإصابة، والمنتقى نسخة الأحمدية «فئة» ، وفي الاستيعاب، وأسد الغابة أيضا «مائة رجل» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق 6/ 9 «فئة» .
وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في المسند 3/ 203 من طريق يزيد بن هارون، عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. وإسناده صحيح. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 505 من طريق سفيان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عن جابر، أو عن أنس بن مالك، بلفظ: «خير من ألف رجل» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 505.
[3] في نسخة دار الكتب «الودا» ، والتصحيح من الاستيعاب، وغيره.
[4] الاستيعاب 4/ 114.
[5] الطبقات 3/ 507.

(3/426)


بطعامٍ ولا شراب. إسناده صحيح [1] .
وَقَالَ عليّ بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا 9: 41 [2] فَقَالَ: مَا استمع الله عُذْرَ أحد، فخرج إلى الْغَزْوِ وهو شيخ كبير [3] .
وصحّ عَنْ أَنْس أنّه غزا البحر فمات، فلم يجدوا جزيرةً إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه ولم يتغيّر [4] .
وَقَالَ أَنْس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلق رأسه وأعطى شقّ رأسه أبا طلحة [5] .
وقد أبلى أَبُو طلحة بلاءً عظيمًا يوم أُحُد كما تقدّم.
قَالَ الواقِديّ [والمدائني] [6] وجماعة: تُوُفيّ سنة أربعٍ وثلاثين.
وَقَالَ خليفة [7] : سنة اثنتين وثلاثين.
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 3/ 279 من طريق عبيد الله بن معاذ حدّثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة وحميد، عن أنس، قال: «مطرنا بردا، وأبو طلحة صائم، فجعل يأكل منه، قيل له: أتأكل وأنت صائم! فقال: إنّما هذا بركة. هذا إسناد صحيح، وهذا اجتهاد من أبي طلحة أخذ به بعض المالكيّة، والجمهور على خلافه، فقد أخرجه البزّار في مسندة (1022) وقال: لا نعلم هذا الفعل إلّا عن أبي طلحة. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 172 وقال رواه أبو يعلى، وفيه عليّ بن زيد، وفيه كلام، وقد وثّق، وبقيّة رجاله رجال الصحيح، ورواه البزّار موقوفا، وزاد: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيّب فكرهه، وقال: إنه يقطع الظمأ. ورواه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 6/ 11، 12.
[2] سورة التوبة- الآية 41.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 6/ 9، طبقات ابن سعد 3/ 507.
[4] إسناده صحيح، وهو في الطبقات لابن سعد 3/ 507 من طريق عفّان بن مسلم، عن حمّاد، به.
[5] أخرجه مسلم (1306) (325 و 326) ، والترمذي (912) .
[6] زيادة من النسخة (ع) ، ومنتقى الأحمدية.
[7] في تاريخه 166.

(3/427)


(أبو عبس)
[1]- خ ت ن- بن جبر [2] بْن عَمْرو الأنصاريّ الَأوْسيّ.
اسمه على الأصحّ عبد الرحمن، وكان اسمه عبد العُزَّى فغيَّره رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ من قَتَلَةِ كعب بْن الأشرف اليهوديّ. شهِد بدْرًا وغيرها [3] .
روى عنه ابنه زيد، وحفيده أَبُو عبس بْن محمد، وعَبَاية بْن رِفاعة، وغيرهم.
وتُوُفيّ بالمدينة، وصلّى عليه عثمان.
وفيها وُلد (زين العابدين) [4] عليّ بْن الحُسَيْن [5] .
__________
[1] مسند أحمد 3/ 479، المغازي للواقدي 158 و 187 و 341 و 375 و 405 و 635 و 636 و 721، التاريخ لابن معين 2/ 714، طبقات ابن سعد 3/ 450، 451، المحبّر لابن حبيب 74 و 282 و 412، طبقات خليفة 79، المعارف 326، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 106 رقم 300، أنساب الأشراف 1/ 271، تاريخ الطبري 2/ 489 و 4/ 339 الكنى والأسماء للدولابي 1/ 43، الجرح والتعديل 5/ 220 رقم 1034، مشاهير علماء الأمصار 25 رقم 115، الاستيعاب 4/ 122، 123، أسد الغابة 5/ 247، 248، الكامل في التاريخ 2/ 143، جمهرة أنساب العرب 335 و 341، الكاشف 3/ 314 رقم 263، تهذيب الكمال 3/ 1621، الإصابة 4/ 130 رقم 734، تهذيب التهذيب 12/ 156، 157 رقم 745، تقريب التهذيب 2/ 447 رقم 70، خلاصة تذهيب التهذيب 454.
[2] في نسخة دار الكتب «جبير» وهو تحريف.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 450.
[4] في نسخة دار الكتب وغيرها «زين العابدين بن عليّ» ، وهو خطأ.
[5] المعرفة والتاريخ 3/ 310.

(3/428)


سَنَة خَمسْ وَثَلَاثيْن
فيها غزوة ذي خُشُب [1] وأمير المُسْلِمين عليها معاوية [2] .
وفيها حجّ بالنّاس وأقام الموسمَ عبدُ الله بْن عباس [3] .
وفيها مَقْتَلُ عثمان رضي الله عنه:
خرج المصرّيون وغيرهم على عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة.
قَالَ إسماعيل بْن أبي خالد: لمّا نزل أهل مصر الجُحْفَة، وَأَتَوْا يعاتبون عثمانَ صعِد عثمانُ المِنْبَر فَقَالَ: جزاكم اللَّهُ يا أصحاب محمد عنّي شرًّا:
أَذَعْتُمُ السَّيِّئةَ وكتمتم الْحَسَنَةَ، وأغريتم بي سُفَهاءَ النّاس، أيُّكُم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم مَا نقموا وما يريدون؟ قَالَ ذلك ثلاثًا ولا يُجيبه أحد.
فقام عليٌّ فَقَالَ: أنا، فَقَالَ عثمان: أنت أقربهم رَحِمًا، فأتاهم فرحّبوا به، فَقَالَ: مَا الَّذِي نَقَمْتُم عليه؟ قالوا: نَقَمْنا أنّه محا كتاب الله-
__________
[1] ذو خشب: على مرحلة من المدينة من طريق الشام. (معجم ما استعجم 2/ 500) .
[2] تاريخ الطبري 4/ 340.
[3] المعرفة والتاريخ 3/ 311، وطبقات ابن سعد 3/ 64.

(3/429)


يعني كونه جمع الأمَّة على مُصْحَفٍ [1]-، وحمى الْحِمَى [2] ، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة ألف [3] ، وتناول أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فردّ عليهم عثمان: أمّا القرآن فمن عند الله، إنّما نهيتُكم عَنِ الاختلاف فاقرءوا عليَّ أيَّ حرفٍ شئتم، وأمّا الْحِمَى فو الله مَا حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميْتُه لإِبل الصَّدَقَةِ. وأمّا قولُكم: إنّي أعطيت مروان مائة ألف. فهذا بيت ما لهم فلْيستعملوا عليه من أحبَّوا، وأمّا قولُكم: تناول أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإنّما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادَّعَى قبلي حقّا أو مظلمة فها أنا ذا، فإنْ شاء قَوَدًا وإنْ شاء عَفْوًا. فرضي النّاس واصطلحوا ودخلوا المدينة.
وَقَالَ محمد بْن سعد: قالوا رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النَّخَعِيّ- واسمه مالك بْن الحارث-، ويزيد بْن مكفّف [4] ، وثابت بْن قيس، وَكُمَيْلُ بْن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صُوحان، والحارث الأعور،
__________
[1] قال الحافظ ابن العربيّ في (العواصم من القواصم 56- 58) : وأمّا جمع القرآن فتلك حسنته العظمى وخصلته الكبرى ... وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة ومصحف أن يحرّق، إذ كان في بقائها فساد، أو كان فيها ما ليس من القرآن، أو ما نسخ منه، أو على غير نظمه. وقد سلّم في ذلك الصّحابة كلّهم.
[2] الحمى كان قديما. وهو مخصّص لإبل الزّكاة المرصدة للجهاد والمصالح العامّة، وفي زمن سيّدنا عمر اتّسع الحمى عمّا كان عليه في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلّم لزيادة سوائم بيت المال، ثم اتّسع في زمن عثمان لاتّساع الدولة وازدياد الفتوح. (العواصم من القواصم 60) .
[3] بلغت دولة الإسلام في خلافة الشيخين الذّروة، لأنّهما كانا يكتشفان كوامن السّجايا في أهلها فيولّون القيادة، وهما يعلمان أنّهما مسئولان عن ذلك عند الله، ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية أخوه كانا من رجال دولة الصّدّيق، وقبل أن يكون معاوية من رجال دولتي الشيخين كان أحد من استعملهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ومروان رجل عدل من كبار الأمّة عند الصّحابة والتابعين. وإعطاء سيّدنا عثمان بعض أقاربه كان من ماله ومن بيت المال، وهو حقّ شرعيّ للإمام ينفّذ فيه ما أدّاه إليه اجتهاده (انظر العواصم من القواصم وتعليقات الأستاذ محبّ الدين الخطيب عليه 71 وما بعدها) .
[4] في طبعة القدسي 3/ 246 «مكنف» والتصحيح من أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 530.

(3/430)


وجُنْدُب بْن زُهَير، وأصفر بْن قيس، يسألون عثمان عزْلَ سعيد بْن العاص عنهم. فرحل سعيد أيضًا إلى عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله، فخرج الأشتر من ليلته في نفرٍ، فسار عشرًا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر عليها فَقَالَ: هذا سعيد بْن العاص قد أتاكم يزعم أنّ السَّواد بستان لأغيلمة من قريش، والسّواد مساقط رءوسكم ومراكزُ رِماحِكم، فمن كان يرى للَّه عليه حقًّا فلْينهض إلى الجَرَعة [1] ، فخرج النّاس فعسكروا بالجَرَعَة، فأقبل سعيد حتى نزل العّذَيب [2] ، فجهّز الأشتر إليه ألفَ فارسٍ مع يزيد بْن قيس الأرحبيّ، وعبد الله بْن كِنَانَة العبْدِيّ، فَقَالَ: سيروا وأزعِجاه وألْحِقاه بصاحبه، فإنْ أَبَى فاضْرِبا عُنُقَه، فَاتَيَاهُ، فلمّا رأى منهما الجدّ رجع.
وصعد الأشترُ منبرَ الكوفة وَقَالَ: يا أهل الكوفة مَا غضبت إلّا للَّه ولكم، وقد ولَّيت أبا موسى الأشعريّ صلاتَكم، وحُذَيْفَة بْن اليَمَان فَيْئَكُم، ثمّ نزل وَقَالَ: يا أبا موسى اصعَدْ، فَقَالَ: مَا كنت لأفعل، ولكنْ هَلُمُّوا فبايعوا لأمير المؤمنين وجدّدوا البيعة في رِقابكم، فأجابه النّاس. وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فَقَالَ عُتْبَة بْن الوعل شاعر الكوفة:
تصدَّقْ علينا يا بنَ عفّان واحتسِبْ ... وَأْمُرْ علينا الأشْعَريَّ لَيالِيا
فَقَالَ عثمان: نعم وشهورا وسنين إنْ عِشْتُ، وكان الَّذِي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وَهْنٍ دخل على عثمان حين اجترئ عليه.
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: وُلِّيَ عثمان، فعمل ستّ سِنين لَا ينقم عليه النّاس شيئًا، وإنّه لأحبّ إليهم من عُمَر، لأنّ عُمَر كان شديدا عليهم، فلمّا وليهم
__________
[1] الجرعة: بالتحريك، موضع قرب الكوفة المكان الّذي فيه سهولة ورمل. (معجم البلدان 2/ 127، 128) وانظر: الكامل في التاريخ 3/ 148.
[2] في نسخة دار الكتب مهمل، والتصحيح من معجم البلدان 4/ 92 وهو ماء بين القادسية والمغيثة.

(3/431)


عثمان لان لهم ووَصَلَهم، ثمّ إنّه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّتَ الأواخر، وكتب لمروان بخُمْس مصر أو بخُمْس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأوّل في ذلك الصِّلة التي أمر الله بها. واتّخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وَقَالَ: إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك مَا هو لهما، وإنّي أخذته فقسَّمته في أقربائي، فأنكر النّاس عليه ذلك [1] .
قلت: وممّا نقموا عليه أنّه عزل عُمَيْر بْن سعد عَنْ حمص، وكان صالحًا زاهدًا، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عَمْرو بْن العاص عَنْ مصر، وأمَّر ابن أبي سَرْحٍ عليها، ونزع أبا موسى الأشعريّ عَنِ البصرة، وأمرّ عليها عبد الله بْن عامر، ونزع المُغِيرَة بْن شُعْبة عَنِ الكوفة وأمّر عليها سعيد بْن العاص.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الفضل: ثنا عمرو بن مرة، عن سالم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ وَأُحِبُّ أَنْ تَصْدُقُونِي: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ بِيَدِي مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ لأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتّى يَدْخُلُوهَا.
وعن أبي وائل أنّ عبد الرحمن بْن عَوْف كان بينه وبين عثمان كلّام فأرسل إليه: لِمَ فَرَرْتَ يوم أُحُد وتخلَّفْت عَنْ بدْر وخالفت سنة عمر؟ فأرسل إليه: تخلفت عن بدر لأنّ بنتَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شغلتني بمرضها، وأمّا يوم أُحُد فقد عفا الله عنّي، وأمّا سنّة عمر فو الله مَا استطعتها أنا ولا أنت. وقد كان بين عليّ وعثمان شيءٌ فمشى بينهما العباس فقال عليّ: والله لو أمرني
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 64، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 512 رقم 1328.

(3/432)


أن أخرج [من داري] [1] لفعلت، فأمّا أُدَاهِن أنْ لَا يُقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل. وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ [2] قَالَ: لَمَّا خَرَجَ ابْنُ السَّوْدَاءِ إِلَى مِصْرَ نَزَلَ عَلَى كِنَانَةَ بْنِ بِشْرٍ مَرَّةً، وَعَلَى سودانَ بْنِ حُمْرَانَ مَرَّةً، وانقطع إلى الغافقيّ فشجّه الْغَافِقِيِّ فَكَلَّمَهُ، وَأَطَافَ بِهِ خَالِدُ بْنُ مُلْجِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَزِينٍ [3] ، وَأَشْبَاهٌ لَهُمْ، فَصَرَفَ لَهُمُ الْقَوْلَ، فَلَمْ يَجِدْهُمْ يُجِيبُونَ إِلَى الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِنَابِ الْعَرَبِ وَحِجْرِهِمْ، وَلَسْنَا مِنْ رِجَالِهِ، فَأَرُوهُ أَنَّكُمْ تَزْرَعُونَ، وَلا تَزْرَعُوا الْعَامَ شَيْئًا حَتَّى تَنْكَسِرَ مِصْرُ، فَتَشْكُوهُ إِلَى عُثْمَانَ فَيَعْزِلُهُ عَنْكُمْ، وَنَسْأَلُ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ ونخلو بِمَا نُرِيدُ، وَنُظْهِرُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكَانَ أَسْرَعَهُمْ إِلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ ابْنُ خَالِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يتيما في حجر عثمان، فكبر، وَسَأَلَ عُثْمَانَ الْهِجْرَةَ إِلَى بَعْضِ الأَمْصَارِ، فَخَرَجَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ الْعَمَلَ فَقَالَ: لَسْتَ هُنَاكَ.
قَالَ: فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ابْنُ السَّوْدَاءِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ خَرَجُوا وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُم، وَشَكَوْا عَمْرًا وَاسْتَعْفَوْا مِنْهُ، وَكُلَّمَا نَهْنَهَ [4] عُثْمَانُ عَنْ عَمْرٍو قَوْمًا وَسَكَّتَهُمُ انْبَعَثَ آخَرُونَ بِشَيْءٍ آخَرَ، وَكُلُّهُمْ يَطْلُبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ: أَمَّا عَمْرٌو فَسَنَنْزِعُهُ عَنْكُمْ وَنُقِرُّهُ عَلَى الْحَرْبِ، ثُمَّ وُلِّيَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ خَرَاجَهُمْ، وَتَرَكَ عَمْرًا عَلَى الصَّلاةِ فَمَشَى فِي ذَلِكَ سودَانُ، وَكِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ، وَخَارِجَةُ، فِيمَا بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن سعد، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَغْرَوْا بَيْنَهُمَا حَتَّى تَكَاتَبَا عَلَى قَدْرِ مَا أَبْلَغُوا كُلَّ وَاحِدٍ. وَكَتَبَا إلى
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من نسخة الدار، فاستدركته من (ع) ومنتقى الأحمدية.
[2] في نسخة الدار (القعنبي) والتصحيح من منتقى الأحمدية و (ع) ، وتاريخ الطبري 4/ 340.
[3] كذا في نسخة الدار، وفي منتقى الأحمدية (زرير) وفي ع (زريد) وكلاهما خطأ، على ما في تاريخ الطبري 5/ 142. وفي الرواة (عبد الله بن زرير) ولكنه غير هذا.
[4] في «الجمهرة» لابن دريد: نهنهت الرجل عن الشيء إذا كففته عنه.

(3/433)


عُثْمَانَ، فَكَتَبَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إِنَّ خَرَاجِي لا يَسْتَقِيمُ مَا دَامَ عَمْرٌو عَلَى الصَّلاةِ. وَخَرَجُوا فَصَدَّقُوهُ وَاسْتَعْفَوْا مِنْ عَمْرٍو، وَسَأَلُوا ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى عَمْرٍو: أَنَّهُ لا خَيْرَ لَكَ فِي صُحْبَةِ مَنْ يَكْرَهُكَ فَأَقْبَلَ. ثُمَّ جَمَعَ مِصْرَ لابْنِ أَبِي سَرْحٍ.
وقد رُوِيَ أنّه كان بين عمّار بْن ياسر، وبين عبّاس بْن عُتْبَة بْن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان.
وَقَالَ سَيْفٌ، عَنْ مُبَشِّرٍ، وَسَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَدِمَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْ مِصْرَ وَأَبِي شَاكٍ، فَبَلَغَهُ، فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ أَدْعُوهُ، فَقَامَ مَعِي وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَسِخَةٌ وَجُبَّةُ فِرَاءَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ إِنْ كُنْتَ فِينَا لَمِنْ أهل الخير، فما الّذي بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ سَعْيِكَ فِي فَسَادٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّأْلِيبِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَعَكَ عَقْلُكَ أَمْ لا: فَأَهْوَى عَمَّارٌ إِلَى عِمَامَتِهِ وَغَضِبَ فَنَزَعَهَا وَقَالَ: خَلَعْتُ عُثْمَانَ كَمَا خَلَعْتُ عِمَامَتِي هَذِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) 2: 156 وَيْحَكَ حِينَ كَبِرَتْ سِنُّكَ وَرَقَّ عَظْمُكَ وَنَفِدَ عُمْرُكَ خَلَعْتَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِكَ وَخَرَجْتَ من الدّين عريانا، فَقَامَ عَمَّارٌ مُغْضَبًا مُوَلِيًّا وَهُوَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِرَبِّي مِنْ فِتْنَةِ سَعْدٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَلا في الفتنة سقطوا، اللَّهمّ زد عُثْمَانَ بِعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ عِنْدَكَ دَرَجَاتٍ، حَتَّى خَرَجَ عَمَّارٌ مِنَ الْبَابِ، فَأَقْبَلَ عَلَى سَعْدٍ يَبْكِي حَتَّى اخْضَلَّ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: مَنْ يَأْمَنِ الْفِتْنَةَ يَا بُنَّيَّ لا يَخْرُجَنَّ مِنْكَ مَا سَمِعْتَ منه، فإنّه مِنَ الأَمَانَةِ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ النَّاسُ عَلَيْهِ يَتَنَاوَلُونَهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَقُّ مَعَ عَمَّارٍ مَا لَمْ تَغَلَّبْ عَلَيْهِ دَلْهَةُ [1] الْكِبَرِ» [2] ، فَقَدْ دله [3] وخرف.
__________
[1] في طبعة القدسي 3/ 250 «ولهة» بالواو، وهو تحريف، والتصحيح من «الضعفاء الكبير» للعقيليّ.
[2] ذكر الحديث مختصرا العقيلي في «الضعفاء» 4/ 236 رقم 1829 فهو ضعيف.
[3] في طبعة القدسي 3/ 250 «وله» ، والتصحيح من «الضعفاء» للعقيليّ، وتاريخ دمشق لابن

(3/434)


وممّن قام على عثمان محمد بْن أبي بكر الصِّدِّيق، فسئل سالم بْن عبد الله فيما قيل عَنْ سبب خروج محمد، قَالَ: الغضب والطَّمَع، وكان من الإسلام بمكان، وغرَّه أقوامٌ فطمِع، وكانت له دالَّة [1] ، ولزِمَهُ حقٌّ، فأخذه عثمان من ظهره.
وحجّ معاوية، فقيل إنّه لمّا رأى لِينَ عثمانَ واضطّراب أمرِه قَالَ: انطلِقْ معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لَا قِبَل لك به، فإنّ أهل الشام على الطّاعة، فَقَالَ: إنا لَا أبيع جوارَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ وإنْ كان فيه قطْعُ خَيْطِ عُنُقي، قَالَ: فأبعثُ إليك جُنْدًا، قَالَ: أنا أقُتِّر على جيران رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأرزاقَ بجُنْدٍ تُساكِنُهُم! قَالَ: يا أمير المؤمنين واللَّهِ لَتُغْتَالَنَّ ولَتُغْزَيَنَّ، قَالَ:
(حَسْبيَ اللَّهُ ونِعْم الوكيل) [1] .
وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصْرة وجميع من أجابهم، واتَّعَدُوا يومًا حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكنّ أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بْن قيس الأرحبيّ واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يَوْمَئِذٍ القَعْقَاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك عليّ وعلى هؤلاء، فو الله إنّي لَسَامعٌ مُطيعٌ، وإنّي لازمٌ لجماعتي إلّا أني أستعفي من إمارة سعيد، ولم يُظْهِرُوا سوى ذلك، واستقبلوا سعيدًا فردّوه من الجَرعَة، واجتمع النّاس على أبي موسى فأقرّه عثمان.
__________
[ () ] عساكر (ترجمة عثمان بن عفان- تحقيق سكينة الشهابي) - ص 301.
والدّله والدّله: ذهاب الفؤاد من همّ أو نحوه كما يدله عقل الإنسان من عشق أو غيره (لسان العرب- مادّة «دله» ) .
[1] تاريخ الطبري 4/ 345، تاريخ دمشق (ترجمة عثمان) 306.

(3/435)


ولمّا رجع الأمراء لم يكن للسّبائّية [1] سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنّهم يأمرون بالمعروف، وأنّهم يسألون عثمان عَنْ أشياء لتطِيرَ في النَّاس ولتُحَقَّقَ عليه، فَتَوافوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ومن بني زهرة فقال: انظرا مَا يريدون، وكانا ممّن ناله من عثمان أدبٌ، فاصطبرا للحقّ ولم يَضْطَغِنا، فلمّا رأوهما أتوهما [2] وأخبروهما، فَقَالَا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة، قالا: فكيف تصنعون؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب النَّاس، ثمّ نرجع إليهم ونزعم لهم أنّا قرّرناه بها، فلم يخرج منها ولم يتُبْ، ثمّ نخرج كأنّنا حُجَّاج حتّى نقدِمَ فنحيط به فنخلَعَهُ، فإنْ أبى قتلناه.
فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وَقَالَ: اللَّهمّ سلِّم هؤلاء فإنَّك إنْ لم تسلّمهم شَقُّوا [3] . فامّا عمّار فحمل عليّ عباس بْن أبي لهب [4] وعَرَكه [5] ، وأمّا محمد بْن أبي بكر فإنّه أُعْجِب حتّى رأى أنّ الحقوق لَا تلزمه، وأما ابن سارة [6] فإنّه يتعرّض للبلاء [7] .
وأرسل إلى المصْريّين [8] والكوفيّين، ونادى: الصّلاة جامِعَة- وهم عنده في أصل المنبر- فأقبل أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فَقَالَ النّاس: اقتل هؤلاء فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] في تاريخ دمشق (السبئية» ، وفي تاج العروس «السبائية» ، وكلاهما صحيح.
[2] في تاريخ دمشق «باثّوهما» .
[3] أي «شقّوا العصا» كما في «التمهيد» - ص 96.
[4] في تاريخ الطبري «عباس بن عتبة بن أبي لهب» ، وفي تاريخ دمشق: «عليّ ذنب ابن أبي لهب» .
[5] في تاريخ دمشق «عركه بي» ، يريد أنّه حمّله ذنبه وتركه.
[6] هكذا في الأصول، ومنتقى الأحمدية، وتاريخ دمشق. وفي تاريخ الطبري «ابن سهلة» .
[7] تاريخ الطبري 4/ 345، 346، تاريخ دمشق (ترجمة عثمان) 309، 310.
[8] هكذا في الأصول وتاريخ دمشق، وفي تاريخ الطبري «البصريّين» .

(3/436)


قَالَ: «من دعا إلى نفسه أو إلى أحدٍ، وعلى النَّاس إمامٌ فعليه لعنةُ الله، فاقتلوه» [1] . وَقَالَ عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصِّرُهم بجهدنا، إنّ هؤلاء قالوا:
أتمّ الصلاة في السّفر، وكانت لَا تُتَمّ، ألا وإني قدِمتُ بلدًا فيه أهلي فأتممت لهذا.
قالوا: وحميت الحِمَى، وإنّي واللَّهِ مَا حَمَيْتُ إلّا مَا حُمِيَ قبلي، وإني قد وُلِّيتُ وإنّي لَأكْثَرُ العرب بعيرا وشاء، فما لي اليوم غيرُ بعيرَيْن لحَجَّتي، أكذلك؟ قالوا: نعم.
قَالَ: وقالوا: كان القرآن كُتُبًا فتركها إلّا واحدًا، ألا وإنّ القرآنَ واحدٌ جاء من عند واحدٍ، وإنّما أنا في ذلك تابعٌ هؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي رددت الحَكَمَ [2] وقد سيّره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطّائف ثمّ ردّه، فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيّره وهو ردَّه، أفَكَذاك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: استعملت الأحداثَ. ولم أستعمِل إلّا مُجْتَمَعًا مَرْضِيًّا [3] ، وهؤلاء أهل عملي [4] فسلوهم، وقد ولّي من قبلي أحدثَ منه، وقيل في ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد ممّا قيل لي في استعماله أُسامة، أكذلك؟ قالوا:
نعم.
وقالوا: إنّي أعطيت ابنَ أبي سَرْح مَا أفاء الله عليه، وإنّي إنّما نفلته
__________
[1] زاد في تاريخ دمشق: «وقال عمر بن الخطّاب: لا أحلّ لكم إلّا ما قتلتموه وأنا شريككم» .
[2] هو: الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عبد شمس.
[3] في تاريخ الطبري وتاريخ دمشق: «مجتمعا محتملا مرضيّا» . والمجتمع الّذي بلغ أشدّه، يقال:
اجتمع الرجل: استوت لحيته وبلغ غاية الشباب.
[4] في تاريخ الطبري «أهل عملهم» ، وفي تاريخ دمشق «أهل عمله» .

(3/437)


خُمْس الخُمْسِ، فكان مائة ألف، وقد نَفَل [1] مثل ذلك أَبُو بكر وعمر، وزعم الجُنْد أنّهم يكرهون ذلك فردَدْتُهُ عليهم، وليس ذلك لهم، أكذلك؟
قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي أحبّ أهلي وأعطيهم، فأمّا حبّهم فلم يوجب جورا، وأمّا إعطاؤهم، فإنّما أُعطيهم من مالي. ولا أستحلُّ أموالَ المُسْلِمين لنفسي ولا لأحدٍ. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أُميَّة، وجعل ولده كبعض من يُعطَى [2] .
قَالَ: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم، قَالَ: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوَّال، فلمّا كان شوَّال خرجوا كالحُجَّاج حتّى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربعمائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بْن عُدَيْس البَلَوِيّ، وكِنَانة بْن بِشْر اللَّيْثي، وسُودان بْن حُمْران السَّكُونيّ، [وقُتَيْرة السَّكُونيّ] [3] ، ومقدّمهم الغافقيّ بْن حرب الْعَكْي، ومعهم ابن السَّوْداء.
وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بْن صُوحان العَبْدِيّ، والأشتر النَّخَعِيّ، وزياد بْن النَّضْر الحارثي، وعبد الله بْن الأصَمّ، ومقدّمهم عمرو بْن الأصم.
وخرج أهل البصرة وفيهم حُكَيْم بْن جَبَلَة، وذريح بْن عبّاد العبديّان، وبِشْر بْن شُرَيْح القَيْسي، وابن مُحَرِّش الحنفيّ، وعليهم حرقوص بن زهير السّعديّ.
__________
[1] في تاريخ الطبري «أنفذ» .
[2] تاريخ الطبري 4/ 347، 348، تاريخ دمشق (ترجمة عثمان) - ص 311، 312.
[3] ما بين الحاصرتين استدركته من منتقى الأحمدية، ع، و (تاريخ الطبري 4/ 348) وتاريخ دمشق.

(3/438)


فأمّا أهل مصر فكانوا يشتهون عليًّا، وأمّا أهل البصرة فكانوا يشتهون الزُّبَيْر، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون طَلْحَةَ، وخرجوا ولا تشكُّ كلُّ فِرْقةٍ أن أمرها سيتمّ دون الأخرى، حتّى كانوا من المدينة على ثلاثٍ، فتقدّم ناسٌ من أهل البصرة فنزلوا ذا خُشُب. وتقدّم ناسٌ من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص [1] ، وجاءهم أُناسٌ من أهل مصر، ونزل عامَّتُهم بذي المَرْوَة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهلِ مصر زياد بْن النّضْر، وعبد الله بْن الأصَمّ ليكشفوا خبرَ المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطلحةً، والزُّبَيْر، وعليًّا، فَقَالَا: إنّما نَؤُمُّ هذا البيتَ، ونستعفي من بعض عمّالنا، واستأذنوهم للنّاس بالدخول، فكلُّهم أَبَى وَنَهَى. فرجعا، فاجتمع من أهل مصر نفرٌ فأتوا عليًّا، ومن أهل البصرة نفرٌ فأتوا الزُّبَيْر، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا طلحة [2] ، وقال كلّ فريقٍ منهم: إنْ بايعنا صاحِبَنا وإلّا كِدْناهم وفرَّقْنا جماعتَهم، ثمّ كَرَرْنا حتَّى نَبْغَتَهُم.
فأتى المصريون عليًّا وهو في عسكر عند أحجار الزَّيت، وقد سرَّح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلّم على عليٍّ المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وَقَالَ: لقد علم الصّالحون أنّكم ملعونون، فارجِعُوا لَا صَحِبَكُم الله، فانصرفوا، وفعل طلْحة والزُّبَيْر نحو ذلك.
فذهب القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهلُ المدينة إلى منازلهم، فلمّا ذهب القوم إلى عساكرهم كرّوا بهم، وبغتوا أهل المدينة
__________
[1] الأعوص: بفتح الواو، موضع قرب المدينة. (معجم البلدان 1/ 223) .
[2] هنا في (ع) اضطراب في النصّ، وكذلك في منتقى الأحمديّة، صحّحته من نسخة الدار، وتاريخ الطبري 4/ 350، وتاريخ دمشق 317.

(3/439)


ودخلوها، وضجُّوا بالتّكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم [1] ، وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كفَّ يدَه فهو آمن.
ولزِمَ النَّاس بيوتهم، فأتى عليّ رضي الله عنه فَقَالَ. مَا رَدَّكُم بعد ذَهَابِكم؟ قالوا: وجدنا مع بريدٍ كتابًا بقتْلِنا، وَقَالَ الكوفيّون والبصريّون:
نحن نمنع إخواننا وننصرهم. فعلم النَّاس أنّ ذلك مكرٌ مِنهم.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدُّهم، فساروا إليه على الصَّعْب والذّلُول، فبعث معاوية إليه حبيب بْن مسْلَمَة، وبعث ابنُ أبي سَرْح معاوية بْن حُدَيْج [2] وسار إليه من الكوفة القعْقاع بْن عمرو.
فلما كان يوم الجمعة صلّى عثمان بالنّاس وخطب فَقَالَ: يا هؤلاء الغُزَّاء [3] الله الله، فو الله إنّ أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فامْحُوا الخطأ بالصواب، فإنّ الله لَا يمحو السّيّءَ إلّا بالحسن، فقام محمد بْن مسْلَمَة فَقَالَ: أنا أشهد بذلك، فأقعده حُكَيْم بْن جَبَلَة، فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب، فثار إليه من ناحيةٍ أخرى محمد بْن أبي قُتَيْرَة [4] فأقعده وتكلّم فأفظَع، وثار القوم بأجمعهم. فحصبوا النّاس حتى أخرجوهم [5] ، وحصبوا عثمان حتّى صرع عن المنبر مغشيّا عليه، فاحتمل وأدخل الدّار.
__________
[1] في منتقى ابن الملا (عشائرهم) عوض (عساكرهم) ، وما أثبتناه يوافق الطبري، وابن عساكر.
[2] في منتقى الأحمدية (خذيج) ، وهو تصحيف.
[3] في نسخة دار الكتب (الغزاة) ، وفي تاريخ الطبري 4/ 353 «العدي» ، وما أثبتناه عن الأصل وتاريخ دمشق 320.
[4] في ع (أبي صبيرة) وهو تحريف، والتصحيح من النسخ وتاريخ الطبري، وتاريخ ابن عساكر.
[5] أي من المسجد، كما في تاريخ الطبري 4/ 353.

(3/440)


وكان المصريون لَا يطمعون في أحدٍ من أهل المدينة أن ينصرهم إلّا ثلاثة، فإنّهم كانوا يُراسلونهم، وهم: محمد بْن أبي بكر الصِّدِّيق، ومحمد بْن جعفر، وعمّار بْن ياسر.
قَالَ واستقتل أُناس: منهم زيد بْن ثابت، وأبو هُرَيْرَةَ، وسعد بْن مالك، والحسن بْن عليّ، ونهضوا لنُصْرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لمّا انصرفوا، فانصرفوا، وأقبل عليّ حتّى دخل على عثمان هو وطلْحَة والزُّبَيْر يعودونه من صَرْعَتِه، ثُمَّ رجعوا إلى منازلهم [1] .
وَقَالَ عمرو بْن دينار، عَنْ جابر قَالَ: بَعَثَنَا عثمان خمسين راكبًا، وعلينا محمد بْن مسْلَمَة حتى أتينا ذا خُشُب، فإذا رجلٌ مُعَلِّقٌ المُصْحَف في عُنُقه، وعيناه تَذْرِفان، والسيف بيده وهو يَقُولُ: ألا إنّ هذا- يعني المُصْحَف- يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على مَا في هذا، يعني المُصْحَف، فَقَالَ محمد بْن مسْلَمَة: اجلس فقد ضربنا بهذا على مَا في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكّلِمهم حتّى رجعوا [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ الْمِصْرِييِّنَ لَمَّا أَقْبَلُوا يُرِيدُونَ عُثْمَانَ دَعَا عُثْمَانُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَارْدُدْهُمْ وَأَعْطِهِمُ الرِّضَا، وَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ أَرْبَعَةً: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ، وَسُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ، وَعَمْرُو بْنُ الحمق الخزاعيّ، وابن النّباع [3] ،
__________
[1] تاريخ الطبري 4/ 350- 353، وتاريخ دمشق 315- 320.
[2] تاريخ دمشق 321.
[3] في النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية، وتاريخ دمشق 321، «البيّاع» ، وما أثبتناه عن الأصل، وتاريخ الطبري 4/ 373 و 389.

(3/441)


فَأَتَاهُمُ ابْنُ مَسْلَمَةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَلَمَّا كَانُوا بِالْبُوَيْبِ [1] رَأَوْا جَمَلًا عَلَيْهِ ميسم الصّدقة، فأخذوه، فإذا غلام لِعُثْمَانَ، فَفَتَّشُوا مَتَاعَهُ، فَوَجَدُوا قَصَبَةً مِنْ رَصَاصٍ، فِيهَا كَتَابٌ فِي جَوْفِ الإِدَاوَةِ [2] فِي الْمَاءِ: إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنِ افْعَلْ بِفُلانٍ كَذَا، وَبِفُلانٍ كَذَا، مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ شَرَعُوا فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، فَرَجَعَ الْقَوْمِ ثَانِيَةً وَنَازَلُوا عُثْمَانَ وَحَصَرُوهُ [3] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَنْكَرَ عُثْمَانُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ وَقَالَ: فُعِلَ ذَلِكَ بِلا أَمْرِي [4] .
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أبي سعيد مولى أبي أُسَيْد، فذكر طَرَفًا من الحديث [5] ، إلى أن قَالَ: ثُمَّ رجعوا راضين، فبينما هم بالطريق ظفروا برسولٍ إلى عامل مصر أن يُصَلِّبهم ويفعل [6] ، فردّوا إلى المدينة، فأتوا عليًّا فقالوا: ألم تر إلى عدّو الله، فقُم معنا، قَالَ: واللَّهِ لَا أقوم معكم، قالوا:
فلم كتبت إلينا؟ قَالَ: واللَّهِ مَا كتبت إليكم، فنظر بعضهم إلى بعض.
وخرج عليٌّ من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: أَكَتَبْتَ فينا بكذا؟
فَقَالَ: إنّما هما اثنان، تُقِيمون رجلين من المسلمين- يعني شاهدين-، أو
__________
[1] في النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية «التويت» وهو تصحيف، والتصحيح من معجم البلدان 1/ 512 وهو مدخل أهل الحجاز إلى مصر.
[2] في طبقات ابن سعد «الإدارة» ، والمثبت هو الصواب. والإداوة: إناء صغير من جلد يتّخذ للماء.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 65، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 551 و 555 رقم 1414 و 1417، تاريخ الطبري 4/ 375، تاريخ دمشق 321، 322.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 65، تاريخ دمشق 322 وفيه «فعل ذلك دوني» .
[5] الحديث في تاريخ خليفة 169 وتاريخ دمشق 327.
[6] في منتقى الأحمدية «ويفعل ويفعل» .

(3/442)


يميني باللَّه الَّذِي لَا إله إلّا هو مَا كتبت ولا علِمْتُ، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنْقَش الخاتم [1] ، فقالوا: قد أحَلَّ اللُه دَمَك، ونُقض [2] العهد والميثاق، وحصروه في القصر [3] .
وَقَالَ ابن سيرين: إنّ عثمان بعث إليهم عليًّا فَقَالَ: تُعْطَوْن كتاب الله وتُعَتَّبُون من كلّ مَا سخِطْتُم، فأقبل معه ناسٌ من وجوههم، فاصطلحوا على خمسٍ: على أنّ المَنْفيَّ يُقْلب، والمحروم يُعْطَى، ويوفَّر الفَيْء، وَيُعْدَلُ في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوّة، كتبوا ذلك في كتاب، وأن يردّوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة [4] .
وَقَالَ أَبُو الأشهب، عَنِ الحسن قَالَ: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتّى مَا أبصر السماء، وإنّ رجلًا رفع مُصْحَفًا من حُجُرات النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمّ نادى: ألم تعلموا أن محمدًا قد بريء ممّن فرَّقُوا دِينَهم وكانوا شيعًا [5] .
وَقَالَ سلّام: سمعت الحسن قَالَ: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل فقال: أسألك كتاب الله، فقال: ويْحَك، أليس معك كتاب الله! قَالَ: ثمّ جاء رجلٌ آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتّى كَثُرُوا، ثمّ تحاصبوا حتّى لم أر أديمَ السماء [6] .
وروى بِشْر بْن شَغَاف [7] ، عَنْ عبد الله بْن سلّام قَالَ: بينما عثمان
__________
[1] في تاريخ خليفة «وينقش الخاتم على الخاتم» ، وفي تاريخ دمشق «ينقش بالخاتم على الخاتم» .
[2] في تاريخ خليفة «ونقضت» .
[3] تاريخ خليفة 168 وانظر تاريخ الطبري 4/ 375 وما بعدها، وتاريخ دمشق 327، 328.
[4] تاريخ خليفة 169، 170، تاريخ دمشق 328.
[5] تاريخ الطبري 4/ 364، تاريخ دمشق 329.
[6] تاريخ دمشق 330.
[7] في نسخة دار الكتب «شعاف» ، والتصويب من تاريخ دمشق، والخلاصة 49.

(3/443)


يخطُب، فقام رجل فنال منه، فَوَذَأْتُه فاتَّذَأ [1] فَقَالَ رجل: لَا يمنعك مكان ابن سلام أن تسبّ نَعْثَلًا، فإنّه من شيعته، فَقُلْتُ له: لقد قلتَ القولَ العظيم في الخليفة من بعد نوح [2] .
وَذَأْتُه: زَجَرْتُه وقمعتُه.
وقالوا لعثمان «نَعْثَلًا» تشبيهًا له برجلٍ مصريّ اسمه نَعْثَل [3] كان طويل اللّحْية.
والنَّعْثَل: الذَّكَر من الضِّباع، وكان عُمَر يُشَبَّه بنوحٍ في الشِّدَّة.
وَقَالَ ابن عُمَر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جَهْجاه الغفاريّ، فأخذ من يده العصا فكسرها على رُكْبَته، فدخلت منها شظِيَّةٌ في رُكِبْته، فوقعت فيها الأكِلَة [4] .
وَقَالَ غيره: ثمّ إنّهم أحاطوا بالدّار وحصروه، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتُمْ فِي الْحَقِّ أَنْ تَضَعُوا رِجْلَيَّ فِي الْقَيْدِ فَضَعُوهُمَا [5] .
وَقَالَ ثُمَامة بْن حَزْن القُشَيْرِيّ: شهِدْتُ الدّار وأشرف عليهم عثمان فَقَالَ: ائتوني بصاحبيكم اللّذين ألَّباكم، فدعيا له كأنّهما جملان أو حماران، فَقَالَ: أنْشُدُكم الله أتعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدِم المدينة وليس فيها ماء
__________
[1] الكلمات مهملة في نسخة دار الكتب، وفي النسخة (ع) والمنتقى لابن الملّا مصحّفة، والتصحيح من النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ولسان العرب (مادّة: وذأ) .
[2] تاريخ دمشق 330.
[3] ذكر المؤلّف في «المشتبه في أسماء الرجال» 1/ 86: «ونعثل يهوديّ بالمدينة كان يشبّه به عثمان رضي الله عنه» .
[4] تاريخ الطبري 4/ 366، 367، تاريخ دمشق 332 و 333.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 70، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 567 رقم 1448، تاريخ خليفة 171، تاريخ دمشق 351.

(3/444)


عَذْب غير بئر رومة، فَقَالَ: «من يشتريها فيكون دَلْوُه كدِلاء المُسْلِمين، وله في الجنة خيرٌ منها» فاشتريتُها، وأنتم اليوم تمنعوني أنْ أشرب منها حتّى أشرب من الماء [1] المالح؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، قَالَ: أنْشُدُكم الله والإسلام، هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يشتري بُقْعَةً بخيرٍ له منها في الجنّة» ، فاشتريتُها وزِدْتُها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، قَالَ: أنْشُدُكم الله، هل تعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على ثَبِير [2] مكَة، فتحرك وعليه أَبُو بكر وعمر وأنا، فَقَالَ: «أسْكُنْ فليس عليك إلّا نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان» . قالوا: اللَّهمّ نعم، فَقَالَ: الله أكبر شهِدُوا وربَّ الكعبة أنّي شهيد [3] .
ورواه أَبُو سلمة بْن عبد الرحمن بنحْوه، وزاد فيه أنّه جهّز جيش الْعُسْرَةِ [4] .
ثُمَّ قَالَ: ولكنْ طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سِرْبالٍ سَرْبَلَنِيه الله، وإنّي لَا أخلعه حتّى أموت أو أُقْتَلَ [5] .
وعن ابن عُمَر قَالَ: فأشرف عليهم وَقَالَ: عَلَام تقتلونني؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاث: كُفْرُ بعد إسلام، أو رجل زَنَى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا» ، فو الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت رجلا ولا كفرت [6] .
__________
[1] (الماء) ساقطة من نسخة دار الكتب.
[2] في نسخة الدار (بئر) عوض (ثبير) وهو تحريف.
[3] تاريخ خليفة 172، 173.
[4] انظر: تاريخ دمشق 337 وما بعدها.
[5] انظر تاريخ خليفة 171، وطبقات ابن سعد 3/ 66، وتاريخ الطبري 4/ 371.
[6] انظر: طبقات ابن سعد 3/ 69، وأنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 566، وتاريخ الطبري 4/ 379، وتاريخ دمشق 348.

(3/445)


قَالَ أَبُو أُمَامَة بْن سهل بْن حنيف: إنّي لمع عثمان وهو محصور، فكنّا ندخل إليه مدخلًا- أو أدْخَل إليه الرجل- نسمع كلام من على البلاط، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغيّر اللون فَقَالَ: إنّهم يتوعّدوني بالقتل، فقلنا:
يكْفِيكَهُمُ الله [1] .
وَقَالَ سَهْلٌ السَّرَّاجُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ عُثْمَانُ: لَئِنْ قَتَلُونِي لَا يُقَاتِلُونَ عَدُوًّا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلا يَقْتَسِمُونَ فَيْئًا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلا يُصَلُّونَ جَمِيعًا أَبَدًا [2] :
وَقَالَ مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكنديّ، وزاد فيه: ثمّ أرسل إلى عبد الله بْن سلّام فَقَالَ: مَا ترى؟ قَالَ: الكَفّ الكَفّ، فإنّه أبلغ لك في الحُجَّة، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه [3] .
وَقَالَ الحسن: حدّثني وثّاب قَالَ: بعثني عثمان، فدعوت له الأشترَ فَقَالَ: مَا يريد النّاس؟ قَالَ: إحدى ثلاث: يخيِّرُونك بين الخلْع، وبين أن تقتص من نفسك، فإنْ أبيتَ فإنّهم قاتلوك، فَقَالَ: مَا كنت لأخلع سِرْبالًا سَرْبَلَنيِهُ الله، وبدني مَا يقوم لقَصاص [4] .
وَقَالَ حُمَيْد بْن هلال: ثنا عبد الله بْن مُغَفَّلٍ قَالَ: كان عبد الله بْن سلّام يجيء من أرضٍ له على حمارٍ يوم الجمعة، فلمّا حصر عثمان قال:
يا أيّها النّاس لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فو الّذي نفسي بيده ما قتلت أمّة نبيّها
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 67، تاريخ دمشق 351.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 67، تاريخ الطبري 4/ 372، تاريخ خليفة 171، تاريخ دمشق 351.
[3] وانظر طبقات ابن سعد 3/ 71، وتاريخ دمشق 351.
[4] انظر تاريخ خليفة 170.

(3/446)


فصلُح ذات بينهم حتّى يُهْرِيقُوا دمَ سبعين ألفًا، وما قتلت أمَّةٌ خليفتها فيُصْلِحُ الله بينهم حتّى يُهْرِيقُوا دمَ أربعين ألفًا، وما هلكت أمّةٌ حتّى يرفعوا القرآن على السلطان، قَالَ: فلم ينظروا فيما قَالَ: وقتلوه، فجلس على طريق عليّ بْن أبي طالب، فَقَالَ له: لَا تأتِ العراق وَالْزَمْ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فو الّذي نفسي بيده لئن تركْتَهُ لَا تراه أبدًا، فَقَالَ من حول عليّ: دعنا نقتله، قَالَ: دعوا عبد الله بْن سلّام، فإنّه رجل صالح [1] .
قَالَ عبد الله بْن مُغَفَّلٍ: كنت استأمرت عبد الله بْن سلّام في أرضٍ أشتريها. فَقَالَ بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون بعدها صُلْح فاشْتَرِها. قيل لحُمَيْد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السُّلطان؟ قَالَ:
ألم تر إلى الخوارج كيف يتأوَّلُون القرآن على السُّلطان [2] ؟
ودخل ابن عُمَر على عثمان وهو محصور فَقَالَ: مَا ترى؟ قَالَ: أرى أن تُعْطِيهم مَا سألوك من وراء عَتَبة بابِك غير أن لَا تَخْلَع نفسَك، فَقَالَ:
دونك عَطاءك- وكان واجدًا عليه- فَقَالَ: ليس هذا يوم ذاك. ثمّ خرج ابن عُمَر إليهم فَقَالَ: إيّاكم وقُتِل هذا الشيخ، واللَّهِ لئن قتلتموه لم تحجّوا البيت جميعا أبدا، ولم تجاهدوا عدوّكم جميعا أبدا، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلّا أن تجتمع الأجسادُ والأهواءُ مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوافِرون نقول: أَبُو بكر، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ عثمان. رواه عاصم بْن محمد العُمَرِيّ، عَنْ أبيه، عَنِ ابن عُمَر [3] .
وعن أبي جعفر القاري قَالَ: كان المصريّون الذين حصروا عثمان
__________
[1] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 356.
[2] تاريخ دمشق 357.
[3] أخرجه ابن عساكر 359.

(3/447)


ستمائة: رأسهم كِنَانة بْن بِشْر، وابن عُدَيْس البَلَوِيّ، وعَمْرو بْن الحَمِق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النَّخَعِيّ، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حُكَيْم بْن جَبَلة، وكانوا يدًا واحدة في الشّرّ، وكانت حُثَالةٌ من النَّاس قد ضَووا إليهم، وكان أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين خذلوه كرِهُوا الفتنة وظنّوا أنّ الأمر لَا يبلغ قتله، فلمّا قُتِل نِدموا على مَا ضيّعوا في أمره، ولَعَمْري لو قاموا أو قام بعضُهم فحثا في وجوه أولئك التّراب لا نصرفوا خاسئين [1] .
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكّار: حدّثني محمد بْن الحسن قَالَ: لمّا كثُر الطَّعْن على عثمان تنحّى عليٌّ إلى ماله بيَنْبُع [2] ، فكتب اليه عثمان: أمّا بعد فقد بلغ الحزامُ الطُّبْيَيْن، وبلغ [3] السَّيْلُ الزُّبي، وبلغ الأمرُ فوق قدْره، وطمع في الأمر من لَا يدفع عَنْ نفسه:
فإن كنت مأكولًا فكُنْ خير آكلٍ ... وإلّا فأدْرِكْني ولَمّا أُمَزَّقِ
والبيت لشاعر من عبد القيس [4] .
الطّبي: موضع الثّدي من الخيل.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 71 وفيه «خاسرين» ، تاريخ دمشق 362، 363.
[2] ينبع: بالفتح ثم السكون ثم باء موحّدة مضمومة. عين على يمين رضوى من المدينة على سبع مراحل. (معجم البلدان 5/ 449، 450) .
[3] في تاريخ دمشق 364 «خلّف» بدل «بلغ» .
[4] قال هشام بن الكلبيّ: هذا البيت للممزّق العبديّ واسمه شأس بن نهار بن الأسود بن حزيل، وبه سمّي الممزّق. (أنساب الأشراف للبلاذري ق 4 ج 1/ 568 رقم 1451) وانظر: الكامل للمبرد 1/ 7 والإمامة والسياسة لابن قتيبة 1/ 58، وعيون الأخبار له 1/ 34، وغريب الحديث لأبي عبيد 3/ 428، ومحاضرات الأدباء لراغب الأصفهاني 1/ 130، المفضّليّات للضبيّ 291، وطبقات الجمحيّ 274، والبدء والتاريخ للمقدسي 5/ 206، والعقد الفريد لابن عبد ربّه 2/ 164، وتاريخ دمشق (ترجمة عثمان) - ص 364، والإكمال لابن ماكولا 7/ 292، وتبصير المنتبه 4/ 1320.

(3/448)


وَقَالَ محمد بْن جُبَيْر بْن مُطْعم: لمّا حُصر عثمان أرسل إلى عليّ: إنّ ابن عمِّك مقتول، وإنّك لَمَسْلُوب [1] .
وعن أبان بْن عثمان قَالَ: لمّا أَلَحُّوا على عثمان بالرَّمْي، خرجتُ حتّى أتيت عليًّا فَقُلْتُ: يا عمّ أهْلَكَتنا الحجارة، فقام معي، فلم يزل يرمي حتى فتر مَنْكِبُهُ، ثُمَّ قَالَ: يا بْن أخي، أجمع حَشَمَك، ثمّ يكون هذا شأنك [2] .
وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بْن عليّ: إن عثمان بعث إلى عليّ يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلّقوا به ومنعوه، فحسر عمامةً سوداء عَنْ رأسه وَقَالَ: اللَّهمّ لَا أرضى قتْلَه ولا آمُرُ به [3] . وعن أبي إدريس الخوْلاني قَالَ: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلَّمه، فَقَالَ له سعد أرسِلْ إلى عليّ، فإنْ أتاك ورضي صَلُح الأمرُ، قَالَ:
فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه عليّ، فمرّ بمالك الأشتر، فَقَالَ الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فَقَالَ: واللَّهِ لَئِنْ دخل عليه لَتُقْتَلُنَّ عَنْ آخِرِكم، فقام إليه في أصحابه حتّى اختلجه [4] عَنْ سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتْلَه فأسرِعوا. فدخلوا عليه فقتلوه [5] .
وعن أبي حبيبة قَالَ: لمّا اشتدّ الأمر، قالوا لعثمان- يعني الذين عنده
__________
[1] تاريخ دمشق 368.
[2] أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 569 رقم 1455، تاريخ دمشق 371.
[3] أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 569 رقم 1454، طبقات ابن سعد 3/ 68، تاريخ دمشق 371.
[4] أصل الخلج: الجذب والنزع، كما في «النهاية» لابن الأثير، وانظر: لسان العرب- مادّة «خلج» .
[5] تاريخ دمشق 373.

(3/449)


في الدّار- أئذَنْ لنا في القتال، فَقَالَ: أعْزِمُ على من كانت لي عليه طاعةٌ أنْ لَا يقاتل [1] .
أَبُو حبيبة هو مولى الزُّبَيْر، روى عنه موسى بْن عقبة [2] .
قَالَ محمد بن سعد: ثنا محمد بن عمر، حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِسْوَرِ [3] ابْنِ مَخْرَمَةَ.
(ح) [4] ، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
(ح) ، وَثنا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالُوا: بَعَثَ عُثْمَانُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ مَحْصُورٌ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُجَهِّزَ إِلَيْهِ جَيْشًا سَرِيعًا. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، رَكِبَ مُعَاوِيَةُ لِوَقْتِهِ هُوَ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ حُدَيْجٍ، فَسَارُوا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى عُثْمَانَ عَشْرًا.
فَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَقَبَّلَ رَأْسَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَيْنَ الْجَيْشُ؟
قَالَ: مَا جِئْتُ إلّا في ثلاثة رهط، فقط عُثْمَانُ: لَا وَصَلَ اللَّهُ رَحِمَكَ، وَلا أَعَزَّ نصرك، ولا جزاك خيرا، فو الله لَا أُقْتَلُ إِلَّا فِيكَ، وَلا يُنْقَمُ عَلَيَّ إِلَّا مِنْ أَجْلِكَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَوْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جَيْشًا فَسَمِعُوا بِهِ عَاجَلُوكَ فَقَتَلُوكَ، وَلَكِنَّ مَعِي نَجَائِبَ، فَاخْرُجْ مَعِي، فَمَا يشعر بي أحد، فو الله ما
__________
[1] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 374، وخليفة في تاريخه 173 بنحوه، من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن يحيى بن سعيد، عَنْ عبد الله بْن عامر بْن ربيعة.
[2] هو جدّ موسى أبو أمّه. (تاريخ دمشق 374) .
[3] في النسخة (ع) «مسعود» بدل «مسور» ، وهو خطأ، والتصحيح من نسخة دار الكتب ومنتقى الأحمدية، وغيره.
[4] رمز، يعني تحويل السند.

(3/450)


هِيَ إِلَّا ثَلاثٌ حَتَّى نَرَى مَعَالِمَ الشَّامِ، فَقَالَ: بِئْسَ مَا أَشَرْتَ بِهِ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ، فَأَسْرَعَ مُعَاوِيَةُ رَاجِعًا، وَوَرَدَ الْمِسْوَرُ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ بِذِي الْمَرْوَةِ رَاجِعًا. وَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ ذَامٌّ لِمُعَاوِيَةَ غَيْرُ عَاذِرٍ لَهُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي حَصْرِهِ الآخِرِ، بَعَثَ الْمِسْوَرَ [1] ثَانِيًا إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيُنْجِدَهُ فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ أَحْسَنَ فَأَحْسَنَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ غَيَّرَ فَغَيَّرَ اللَّهُ بِهِ، فشددتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: تَرَكْتُمْ عُثْمَانَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ نَفْسُهُ فِي حُنْجُرَته قُلْتُمُ: اذْهَبْ فَادْفَعْ عَنْهُ الْمَوْتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَدِي، ثُمَّ أَنْزلني فِي مَشْرَبَةٍ [1] عَلَى رَأْسِهِ، فَمَا دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ [2] .
وأمّا سَيْف بْن عُمَر، فروى عَنْ أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لمّا أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بْن مسْلَمَة الفِهْرِيّ فَقَالَ: أشِرْ عليَّ برجلٍ مُنَفِّذٍ لأمري، ولا يقصِّر، قَالَ: مَا أعرف لذاك غيري، قَالَ: أنت لها. وجعل على مقدّمته يزيد بْن شجعة [3] الحِمْيَريّ في ألفٍ وَقَالَ: إنْ قدمت يا حبيب وقد قُتِلَ، فلا تَدَعَنّ أحدًا [4] أشار إليه ولا أعان عليه إلّا قتلته، وإنْ أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقمْ حتّى انظر، وبعث يزيد بْن شجعة في ألفٍ على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الرَّوَايَا فأغذَّ السَّير، فأتاه قتْلُهُ بقُربْ خيْبَرَ. ثمَّ أتاه النُّعمان بْن بشير، معه القميص الَّذِي فيه الدّماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص
__________
[1] في نسخة الدار (المسلمون) عوض (المسور) المثبتة في منتقى ابن الملّا، ومنتقى الأحمدية و (ع) ، وتاريخ دمشق.
[2] تاريخ دمشق 379، 380.
[3] هكذا في الأصول، وتاريخ دمشق 380، وترجمته في المخطوطة من تاريخ دمشق (النسخة الأزهرية) 53/ ورقة 153 وقد أثبته القدسي في طبعة 3/ 246 «الشجري» وقال: المثبت من المراجع المشهورة.
«أقول» : هذا وهم، فالشجريّ هو الرهاوي وليس الحميري كما هو هنا.
[4] هذه الجملة مصحّفة في نسخة دار الكتب، والتصويب من الأصل وتاريخ دمشق.

(3/451)


على منبر دمشق، والأصابع معلّقة فيه، وآلى رجالٌ من أهل الشّام لَا يأتون النّساء ولا يمسُّون الْغُسْلَ إلّا من حُلُم، ولا ينامون على فراشٍ حتّى يقتلوا قَتَلَةَ عثمان، أو تَفْنَى أرواحهُم، وبَكَوْه سنةً [1] .
وَقَالَ الأوزاعيّ: حدثني محمد بْن عبد الملك بْن مروان، أنّ المغيرة ابن شُعْبَة، دخل على عثمان وهو محصور فَقَالَ: إنّك إمام العامَّة، وقد نزل بك مَا نرى، وإني أعرض عليك خِصالًا: إمّا أنْ تخرج تقاتلهم، فإنّ معك عددًا وقوّة. وإمّا أنْ تَخْرق لك بابًا سوى الباب الَّذِي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتَلْحق بمكة، فإنَّهم لن يستحلُّوك وأنت بها، وإمّا أن تلحق بالشّام، فإنّهم أهل الشّام، وفيهم معاوية. فَقَالَ: إنّي لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أوّل من خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّته بسفْك الدِّماء [2] .
وَقَالَ نافع، عَنِ ابن عُمَر: أصبح عثمان يحدّث النَّاس قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ في المنام، فَقَالَ: «أفطِرْ عندنا غدًا» فأصبح صائمًا، وقُتِلَ من يومه [3] .
وَقَالَ محمد بْن سيرين: مَا أعلم أحدا يتَّهم عليًّا في قتْل عثمان، وقُتِلَ وإنّ الدَّارَ غاصَّة، فيهم ابن عُمَر، والحسن بْن عليّ، ولكنَّ عثمان عزم عليهم أن لَا يقاتلوا [4] .
ومن وجه آخر. عَنِ ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عُمَر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السّلاح، حتّى دخلوا على عثمان،
__________
[1] تاريخ دمشق 380، 381، وانظر تاريخ الطبري 4/ 562.
[2] تاريخ دمشق 387 و 388.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 75، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 574 رقم 1469، تاريخ دمشق 389.
[4] تاريخ دمشق 395.

(3/452)


فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير، ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لَا نبْرَح، وخرج الآخرون [1] .
وَقَالَ ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدّار سبعمائة، لو يَدَعُهُم لَضَرَبوهم حتّى يُخْرِجُوهم من أقطارها [2] .
وروي أنّ الحسن [3] بْن عليّ مَا راح حتّى خرج [4] .
وقال عبد الله بْن الزُّبَيْر: قلت لعثمان: قاتلهم، فو الله لقد أحلّ الله لك قِتَالهم، فَقَالَ: لَا أقاتلهم أبدًا، فدخلوا عليه وهو صائم. وقد كان عثمان أمَّر ابن الزُّبَيْر على الدار، وَقَالَ: أطيعوا عبد الله بْن الزُّبَيْر [5] .
وَقَالَ ابن سيرين: جاء زيد بْن ثابت في ثلاثمائة مِنَ الأَنْصَار، فدخل على عثمان فَقَالَ: هذه الأنصار بالباب. فَقَالَ: أمّا القتال فلا [6] .
وَقَالَ أَبُو صالح، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: دخلت على عثمان يوم الدَّار فَقُلْتُ: طاب الضَّرْبُ، فَقَالَ: أيَسُرُّك أنْ يُقْتل النّاسُ جميعًا وأنا معهم؟
قلت: لَا، قَالَ [7] فإنّك إنْ قتلت رجلا واحدا، فكأنّما قتلت النّاس جميعا،
__________
[1] تاريخ خليفة 174، تاريخ دمشق 396.
[2] تاريخ خليفة 173 عن محمد بن سيرين، قال، قال سليط بن سليط: «نهانا عثمان عن قتالهم ... » ، طبقات ابن سعد 3/ 71، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 564 رقم 1435، تاريخ دمشق 403.
[3] في منتقى الأحمدية «الحسين» وهو تحريف.
[4] في منتقى الأحمدية «جرح» والمثبت عن الأصل. وفي تاريخ خليفة 174 من طريق كهمس، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، وزاد عبد الأعلى: «أن الحسن بن عليّ كان آخر من خرج من عند عثمان» . وانظر: تاريخ دمشق 402.
[5] تاريخ دمشق 399، 400.
[6] تاريخ دمشق 400.
[7] (قال) ساقطة من نسخة الدار فاستدركتها من منتقى ابن الملا ومنتقى الأحمدية و (ع) ، وتاريخ دمشق.

(3/453)


فانصرفت ولم أقاتل [1] .
وعن أبي عَون مولى المِسْوَر قَالَ: مَا زال المصريّون كافّين عَنِ القتال، حتّى قدِمَتْ أمدادُ العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سَرْحٍ من مصر، فقالوا: نُعاجِلُهُ قبل أن تَقْدَم الأمداد [2] .
وعن مسلم أبي سعيد قَالَ: أعتق عثمان عشرين مملوكًا، ثمّ دعا بسراويل، فشدّها عليه [3] . ولم يلْبَسْها في جاهلية ولا إسلام، وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة، وأبا بكر، وعمر، فَقَالَ: «اصْبِرْ فإنّك تُفْطِر عندنا القابلة» ثمّ نشر الْمُصْحَفَ بين يديه، فقُتِلَ وهو بين يديه [4] .
وَقَالَ ابن عَوْن، عَنِ الحَسَن: أنبأني وثّاب مولى عثمان قَالَ: جاء رُوَيْجل كأنّه ذِئبٌ، فاطَّلع من بابٍ، ثمّ رجع، فجاء محمد بْن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلًا، فدخل حتّى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فَقَالَ بها حتى سمعتُ وقع أضْراسه، فَقَالَ: مَا أغنى عنك معاوية، مَا أغنى عنك ابن عامر، مَا أغْنتْ عنك كُتُبُك، فَقَالَ: أرسِلْ لِحْيَتي يا بْن أخي، قَالَ: فأنا رأيُتُه استعْدَى رجلًا من القوم عليه يُعِينُهُ، فقام إلى عثمان بمِشْقَصٍ، حتّى وجَأ به في رأسه [5] ثُمَّ تَعَاوَرُوا عليه حتّى قتلوه [6] .
وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدّار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فَهَزّها، فَقَالَ: يا بْن أخي دَعْ لِحْيَتي لَتَجْذُب مَا يعزُّ على أبيك أن تُؤْذِيها. فرأيته كأنّه استحى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا
__________
[1] أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 563 رقم 1430، تاريخ دمشق 401، ورواه خليفة مختصرا في تاريخه 173.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 71، 72، تاريخ دمشق 404.
[3] إنّما لبسها لئلّا تبدو عورته إذا قتل، رضي الله عنه.
[4] تاريخ دمشق 405.
[5] في الرواية زيادة هنا «قلت: ثم مه» .
[6] تاريخ خليفة 174، تاريخ دمشق 409.

(3/454)


ارجعوا. قالت: وجاء رجلٌ من خلف عثمان بسعفَة رَطْبة، فضرب بها جبهَتَه فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: «اللَّهمّ لَا يطلب بدمي غيرك» [1] ، وجاء آخر فضربه بالسَّيف على صدره فأقْعَصَه [2] ، وتَعَاوَرُوه بأسيافهم، فرأيتُهم ينْتَهِبُون بيته [3] .
وَقَالَ مجالد [4] ، عَنِ الشَّعْبِيّ قَالَ: جاء رجل من تُجَيْب من المصريين، والنّاس حول عثمان، فاسْتَلَّ سيفه، ثمّ قَالَ: أفْرِجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطْن عثمان، فأمسكت نائلة بنتُ الفَرافصة زوجةُ عثمان السيف لتمنع عنه، فحزّ السيف أصابعها [5] .
وقيل: الَّذِي قتله رجلٌ يقال له حمار [6] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ تَسَوَّرَ مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى عُثْمَانَ، وَمَعَهُ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ، وَسُودَانُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، فَوَجَدُوهُ عِنْدَ نَائِلَةَ يَقْرَأُ فِي المصحف، فتقدّمهم محمد، فأخذ بلحيته وقال:
__________
[1] ورد من دعاء عثمان عليهم في (الثقات لابن حبّان 2/ 261) : اللَّهمّ فشتّت أمرهم، وخالف بين كلمتهم، وانتقم لي منهم، واطلبهم لي طلبا حثيثا.
وقد استجيب دعاؤه في كلّ ذلك.
وقال ابن كثير في (البداية والنهاية 7/ 189) : لمّا بلغ سعد بن أبي وقّاص- وكان مستجاب الدعاء- قتل عثمان قال ... : اللَّهمّ اندمهم، ثمّ خذهم. وقد أقسم بعض السّلف باللَّه أنّه ما مات أحد من قتلة عثمان إلّا مقتولا.
[2] أقعصه، وقعصته: إذا قتلته قتلا سريعا. (لسان العرب- قعص) .
[3] تاريخ دمشق 411، 412 وفيه زيادة: «فهذا يأخذ الثوب، وهذا يأخذ المرآة، وهذا يأخذ الشيء» .
[4] في نسخة دار الكتب «مجاهد» وهو تحريف، والمثبت عن النسخة ع ومنتقى الأحمدية، وتاريخ دمشق، وتهذيب التهذيب 10/ 39.
[5] تاريخ دمشق 412.
[6] تاريخ خليفة 175.

(3/455)


يَا نَعْثَلُ قَدْ أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِنَعْثَلٍ وَلَكِنَّنِي عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، قال: يا بن أَخِي دَعْ لِحْيَتِي، فَمَا كَانَ أَبُوكَ لِيَقْبِضَ عَلَى مَا قَبَضْتَ، فَقَالَ: مَا يُرَادُ بِكَ أَشَدَّ مِنْ قَبْضَتِي، وَطَعَنَ جَنْبَهُ بِمِشْقَصٍ، وَرَفَعَ كِنَانَةُ مَشَاقِصَ فَوَجَأَ بِهَا فِي أُذُنِ عُثْمَانَ، فَمَضَتْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي حَلْقِهِ، ثُمَّ عَلاهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَوْنٍ يَقُولُ: ضَرَبَ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ جَبِينَهُ بِعَمُودِ حَدِيدٍ، وَضَرَبَهُ سُودَانُ الْمُرَادِيُّ فَقَتَلَهُ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، وَبِهِ رَمَقٌ، وَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ وَقَالَ: ثَلاثٌ للَّه، وَسِتٌّ لِمَا فِي نَفْسِي عَلَيْهِ [1] .
وعن المُغِيرَة قَالَ: حصروه اثنين وعشرين يومًا، ثمّ احرقوا الباب، فخرج من في الدّار.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: فَتَحَ عُثْمَانُ الْبَابَ وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ [2] بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَقَالَ:
بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لأَوَّلُ كَفٍّ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ [3] ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْمَوْتُ الأَسْوَدُ، فَخَنَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ بالسّيف، قال: فو الله مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ حَلْقِهِ [4] ، لَقَدْ خنقته حتّى رأيت نفسه مثل الجان [5] تردّد في جسده [6] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 73، تاريخ الطبري 4/ 393، تاريخ دمشق 413، وانظر: أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 574، 575 رقم 1470.
[2] (المصحف) مستدركة من منتقى الأحمدية.
[3] يريد أنّها كتبت القرآن الكريم.
[4] في تاريخ خليفة «خناقه» .
[5] في نسخة دار الكتب «ألحان» ، والمثبت من بقيّة النسخ، وتاريخ خليفة، وتاريخ الطبري، وتاريخ دمشق.
والجانّ: ضرب من الحيّات، وهو الدقيق الخفيف. قال تعالى تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ 27: 10.
[6] تاريخ خليفة 174، 175، تاريخ الطبري 4/ 384، تاريخ دمشق 416.

(3/456)


وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: قُتِل عند صلاة العصر، وشدّ عبدٌ لعثمان على كِنانة ابن بِشْر فقتله، وشدّ سودان على العبد فقتله [1] .
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: ضربوه فجرى الدَّمُ على المُصْحَف على: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 [2] .
وَقَالَ عمران بْن حُدَيْر، إلّا يكن عبد الله بْن شقيق حدّثني: أنّ أوّل قطرةٍ قطرت [من دمه] [3] على: فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله 2: 137 فإنّ أبا حُرَيْث ذكر أنّه ذهب هو وسُهَيْلٌ المُرِّيّ، فأخرجوا إليه الْمُصْحَفَ، فإذا قطرة الدّم على فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله 2: 137 قَالَ: فإنها في المُصْحَف مَا حُكَّتْ [4] .
وَقَالَ محمد بْن عيسى بْن سُمَيْع [5] عَنِ ابن أبي ذئب، عَنِ الزُّهْرِيّ:
قلت لسعيد بْن المسيب: هل أنت مُخْبري كيف كان قتل عثمان؟ قَالَ: قُتِلَ مظلومًا، ومن خذله كان معذورًا، ومن قتله كان ظالمًا، وإنّه لمّا استُخْلف كره ذلك نفرٌ من الصحابة، لأنه كان يحب قومه ويولّيهم، فكان يكون منهم مَا تُنْكره الصَّحابة فيُسْتَعْتَبُ [فيهم، فلا يعزِلُهُمّ، فلمّا كان في السّتّ الحِجَج الأواخر استأثر ببني عمّه فولّاهم] [6] وما أشرك معهم، فولّى عبد الله بْن أبي سَرْحٍ مصر، فمكث عليها سنين [7] ، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هَنَاتٌ إلى ابن مسعود، وأبي ذرّ
__________
[1] انظر تاريخ دمشق 419، وتاريخ الطبري 4/ 391.
[2] سورة البقرة- الآية 137.
والخبر في أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 585 رقم 1490، وتاريخ دمشق 419.
[3] زيادة من منتقى الأحمدية ومنتقى ابن الملّا، ع.
[4] تاريخ خليفة 175، تاريخ دمشق 420.
[5] هو: محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع. (تهذيب التهذيب 9/ 390) .
[6] ما بين الحاصرتين ساقط من النسخ، استدركته من «منتقى الأحمدية» ، وتاريخ دمشق.
[7] «سنين» ساقطة من الأصول، استدركتها من تاريخ دمشق، وتاريخ الخلفاء للسيوطي.

(3/457)


وعمّار فحنق عليه قومُهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سَرْح، فكتب إليه يتهدّده فأبى أن يقبل، وضرب بعضَ من أتاه ممّن شكاه فقتله.
فخرج من أهل مصر سبعمائة رجلٍ، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصَّحابة مَا صنع ابن أبي سَرْح بهم، فقام طلْحة فكلَّم عثمان بكلامٍ شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصِفهم من عاملك، ودخل عليه عليّ، وكان متكلّم القوم فَقَالَ: إنّما يسألونك رجلًا مكان رجلٍ، وقد ادّعوا قِبَلَه دمًا، فاعزله، واقض بينهم، فَقَالَ: اختاروا رجلًا أُوَلِّه، فأشاروا عليه بمحمد بْن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سَرْح، فلمّا كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلامٍ أسودٍ على بعيرٍ مسرِعًا، فسألوه، فَقَالَ: وجَّهني أميرُ المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهلِ مصر، وجاءوا به إلى محمد، وفتَّشوه فوجدوا إداوته تَتَقَلْقَلَ، فشقّوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابْن أبي سَرْح، فجمع محمد، من عنده من الصَّحابة، ثمّ فكّ الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلانٌ، وفلانٌ فاستحِلّ قتْلَهُم، وأبِطل كتابه، واثبتْ على عملك. فلمّا قرءوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طَلْحة، وعليًّا، والزّبير، وسعدًا، وفضُّوا الكتاب، فلم يبق أحدٌ إلّا حنِقَ على عثمان، وزاد ذلك غضبًا وحنقًا أعوانُ أبي ذَرّ، وابن مسعود، وعمّار.
وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بْن أبي بكر ببني تَيْم، فلمّا رأى ذلك عليّ بعث إلى طلْحة، والزُّبَيْر، وعمّار، ثُمَّ دخل إلى عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فَقَالَ: هذا الغلام والبعيرُ لك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهذا كتابك؟ فحلف أنّه مَا كتبه ولا أمر به، قَالَ: فالخاتم خاتمك؟
قَالَ: نعم.
فَقَالَ: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتابٍ عليه خاتمك ولا تعلم به!.

(3/458)


وعرفوا أنّه خطّ مَرْوان. وسألوه أن يدفع إليهم مَرْوان، فأبَى وكان عنده في الدّار، فخرجوا من عنده غِضابًا، وشكّوا في أمره، وعلِمُوا أنّه لَا يحلف بباطلٍ ولزموا بيوتهم.
وحاصره أولئك حتّى منعوه الماء، فأشرف يومًا فَقَالَ: أفيكُمٍ عليّ؟
قالوا: لَا، قَالَ: أفيكم سعد؟ قالوا: لَا، فسكت، ثُمَّ قَالَ: ألا أحدٌ يَسْقينا ماء. فبلغ ذلك عليًّا، فبعث إليه بثلاث قِرَبٍ فجُرح في سببها جماعةٌ حتّى وصلت إليه، وبلغ عليًّا أنّ عثمان يراد قتْلُهُ فَقَالَ: إنّما أردنا منه مروان، فأمّا عثمان، فلا ندع أحدًا يصل إليه. وبعث إليه الزُّبَيْر ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدّةٌ من الصحابة أبناءهم، يمنعون النَّاس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلمّا رأى ذلك محمد بْن أبي بكر، ورمى النّاسُ عثمان بالسهام، حتى خُضِب [الحسن] [1] بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخُضِب محمد بْن طلحة، وشُجَّ قَنْبر مولى عليّ.
فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم خالُ الحسن، فاتّفق هو وصاحباه، وتسوُّروا من دارٍ، حتّى دخلوا عليه، ولا يعلم أحدٌ من أهل الدّار، لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلّا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلِحْيَتِه، فَقَالَ: والله لو رآك أبوك لَساءه مكانُك منّي، فتراخت يدُه، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثمّ صرخت المرأة، فلم يُسمع صُراخُها لما في الدار من الجلبة. فصعدت إلى النَّاس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما، فوجدوه مذبوحًا.
وبلغ عليًّا وطلحة والزُّبَيْر الخبر، فخرجوا- وقد ذهبت عقولهم- ودخلوا
__________
[1] إضافة من تاريخ دمشق 423 وتاريخ الخلفاء للسيوطي 160.

(3/459)


فرأوه مذبوحًا، وَقَالَ عليّ: كيف قُتِلَ وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزُّبَيْر، وابن طلحة، وخرج غضْبان إلى منزله، فجاء النّاس يُهْرعُون إليه ليُبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة، فلم يبق أحدٌ من البدريّين إلّا أتى عليًّا، فكان أوّل من بايعه طلحة بلسانه، وسعدٌ بيده، ثُمَّ خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد طلحة، فبايعه بيده، ثمّ بايعه الزُّبَيْر وسعد والصّحابة جميعا، ثمّ نزل فدعا النّاسَ، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه.
وخرجت عائشة باكيةً تقول: قُتِل عثمان، وجاء عليٌّ إلى امرأة عثمان فَقَالَ: مَن قتله؟ قالت: لَا أدري، وأخبرتْهُ بما صنع محمد بن أبي بكر.
فسأله عليّ، فقال: تكذِب، قد واللهِ دخلتُ عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمتُ وأنا تائبٌ إلى الله، واللِه مَا قتلتُهُ ولا أمسكتُهُ، فَقَالَتْ: صَدَق، ولكنّه أدخل اللَّذَيْن قتلاه [1] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ [2] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اجْتَمَعْنَا فِي دَارِ مَخْرَمَةَ لِلْبَيْعَةِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَقَالَ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ: أَمَّا مَنْ بَايَعْنَا مِنْكُمْ فَلا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قِصَاصٍ، فَقَالَ عمّار: أمّا دم عثمان فلا، فقال: يا بن سُمَيَّةَ، أَتَقْتَصُّ مِنْ جَلَدَاتٍ جُلِدْتَهُنَّ، وَلا تَقْتَصُّ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ! فَتَفَرَّقُوا يَوْمَئِذٍ عَنْ غَيْرِ بَيْعَةٍ.
وروي عُمَر بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مروان: مَا كان في القوم أدفع عَنْ صاحبنا من صاحبكم- يعني عليّا- عن عثمان، قال:
__________
[1] الحديث بطوله في: الرياض النضرة 2/ 125، وتاريخ دمشق 421- 424، وتاريخ الخلفاء للسيوطي 157- 161، وأنساب الأشراف للبلاذري ق 4 ج 1/ 556- 560 رقم 1419.
[2] في منتقى ابن الملا (بن أبي وقّاص) وهو وهم صحّحته من (تهذيب التهذيب 9/ 375) .

(3/460)


فَقُلْتُ: مَا بالُكُم تسُبُّونه على المنابر! قَالَ: لَا يستقيم الأمر إلّا بذلك. رواه ابن أبي خَيْثَمَة. بإسناد قويٍّ، عَنْ عُمَر [1] . وَقَالَ الواقِديّ، عَنِ ابن أبي سَبْرَة، عَنْ سعيد بْن أبي زيد، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: كان لعثمان عند خازنه يوم قُتِل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعيرٍ بالرَّبذَة، وترك صدقاتٍ بقيمة مائتي ألف دينار [2] .
وَقَالَ ابن لهيعة، عَنْ يزيد بْن أبي حبيب قَالَ: بلغني أنّ الركب الذين ساروا إلى عثمان عامَّتُهُم جُنُّوا [3] .
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ- يَعْنِي عُثْمَانَ- وَلا أَمَرْتُ، وَلَكِنْ غُلِبْتُ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثًا [4] . وَجَاءَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ [5] . وَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ [6] .
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: مَا سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك [7] :
__________
[1] أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف- ص 184 و 85 انظر الجزء الخاص بترجمة عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي- طبعة مؤسسة الأعلمي ببيروت 1394 هـ. / 1974 م.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 76، 77.
[3] تاريخ دمشق 458.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 82، تاريخ دمشق 462.
[5] انظر تاريخ دمشق 461- 466.
[6] انظر تاريخ دمشق 466- 468.
[7] «بن مالك» سقطت من نسخة دار الكتب، والاستدراك من المنتقى نسخة المكتبة الأحمدية، و (ع) ، وتاريخ دمشق 547، والبداية والنهاية لابن كثير 7/ 196.
ونسبت الأبيات لرجل من الأنصار، وللمغيرة بن الأخنس، وللوليد بن عقبة بن أبي معيط،

(3/461)


فكَفَّ يديه ثُمَّ أغلق بابه ... وأيقن أنّ الله ليس بغافل
وَقَالَ لأهل الدّار: لَا تقتلوهم [1] ... عفا الله عَنْ كل [2] امرئٍ لم يُقاتل
فكيف رأيتَ الله صبَّ عليهمُ- ... العداوة والبغضاء بعد التوَّاصُلِ
وكيف رأيت الخير أدبر بعده [3] ... عَنِ النّاس إدبار [4] النَّعامٍ الْجَوَافِلِ
ورثاه حسّانُ بْن ثابت بقوله:
مَنْ سَرَّه الموتُ صِرْفًا لَا مِزاجَ له ... فلْيأتِ مأدُبةً [5] في دار عُثمانا
ضحُّوا بأشْمَطَ [6] عُنْوانُ السُّجُود به ... يقطّع اللّيل تسبيحا وقُرآنا [7]
صبْرًا فِدًى لكم أمّي وما وَلَدَتْ ... قد ينفع الصَّبْرُ في المكروه أحيانا
لَتَسْمَعَنَّ وَشِيكًا في ديارهُم: ... الله أكبر يا ثاراتِ عثمانا
__________
[ () ] ولحسّان بن ثابت. (انظر: أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 562، وتاريخ دمشق 547 و 548، ونهاية الأرب للنويري 19/ 512، والاستيعاب لابن عبد البر 3/ 82) .
والأبيات في ديوان كعب بن مالك 309 وفي الأغاني 16/ 233 له.
[1] في الديوان، والأغاني: «وقال لمن في داره لا تقاتلوا» .
[2] في نهاية الأرب 19/ 512 «ذنب» بدل «كل» وكذا في رواية عند ابن عساكر 548 منسوبة لرجل من الأنصار.
[3] في الديوان والأغاني «عنهم» بدل «بعده» .
[4] في الديوان والأغاني «وولّى كإدبار» .
[5] هكذا في نسخة دار الكتب، والاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 81، وفي ديوان حسّان- ص 215، والبداية والنهاية لابن كثير 7/ 196 «مأسدة» ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه 3/ 285 «ما سرّه» و 4/ 297 «مأسدة» .
[6] الأشمط: الأشيب.
[7] هذا البيت ليس في ديوان حسّان. وهو في العقد الفريد 3/ 81 و 4/ 159 و 284 و 298، وفي البدء والتاريخ 5/ 207 «أبا شمط» .

(3/462)


الوفيَّات
وممّن [1] تُوُفّي في هذه السنة:
س-
(الْحَارِثِ بْن نَوْفَلِ)
[2] بْن الْحَارِثِ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم الهاشميّ.
له صُحبة. واستعمله النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض صَدَقات مكّة، وبعض أعمال مكة. ثُمَّ استعمله أَبُو بكر، وعمر، وعثمان، على مكة. ثُمَّ انتقل إلى البصرة، وَبَنَى بها دارًا. وتُوُفّي في هذه السّنة.
وإنّما للحارث حديثٌ واحدٌ عند النّسائيّ، عن عائشة.
__________
[1] من هنا إلى ترجمة أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من النسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا.
[2] تاريخ خليفة 195 و 401، المحبّر لابن حبيب 104 طبقات ابن سعد 4/ 56، 57، التاريخ الكبير 2/ 283 رقم 2477، أنساب الأشراف 1/ 440 و 3/ 297، ق 4 ج 1/ 6 و 16، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 147 رقم 743، المنتخب من ذيل المذيّل 549، الجرح والتعديل 3/ 91 رقم 422، مشاهير علماء الأمصار 35 رقم 200، جمهرة أنساب العرب 70، العقد الفريد 4/ 133، الاستيعاب 1/ 297، أسد الغابة 1/ 350، 351، الكامل في التاريخ 3/ 199، تجريد أسماء الصحابة 1/ 110، الكاشف 1/ 141 رقم 888، سير أعلام النبلاء 1/ 199 رقم 28، تهذيب الكمال 1/ 220، تهذيب التهذيب 2/ 160، 161 رقم 279، تقريب التهذيب 1/ 144 رقم 72، الإصابة 1/ 292، 293 رقم 1500، خلاصة تذهيب التهذيب 69.

(3/463)


عامر بْن ربيعة [1] ع [2]
ابن كعب بْن مالك العنزي، عَنَزُ بْن وائل. كان حليف آل الخطاب العدَوِيّ. أسلم قبل عُمَر، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا. وله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُبَيِّ بَكْرٍ، وعمر.
وعنه ابنه عبد الله، وابن الزُّبَيْر، وابن عُمَر، وأبو أمامة بْن سهْل.
وكان الخطّاب قد تبنّاه. وكان معه لواء عُمَر لما قدِم الجابية.
وَقَالَ ابن إسحاق: أوّل من قدم المدينة مُهاجرًا أَبُو سلمة [3] بْن عبد الأسد، وبعده عامر بن ربيعة [4] .
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 143 و 181 و 223، المغازي للواقدي 9 و 14 و 19 و 156 و 311 و 574 و 721 و 770 و 838 و 1098، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 72 و 110، طبقات ابن سعد 3/ 386، 387، تاريخ خليفة 168، المحبّر لابن حبيب 73، تاريخ أبي زرعة 1/ 164، الزهد لابن المبارك 364، أخبار مكة 1/ 115، المعرفة والتاريخ 3/ 380، المعارف 87، ترتيب الثقات للعجلي 243 رقم 749، أنساب الأشراف 1/ 217 و 218 و 228 و 259 و 336 و 469، مسند أحمد 3/ 444- 447، التاريخ الكبير 6/ 445 رقم 2943، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 95 رقم 170، الجرح والتعديل 6/ 320 رقم 1790، جمهرة أنساب العرب 280، تاريخ الطبري 2/ 295، و 330 و 369، الاستيعاب 3/ 4- 6، حلية الأولياء 1/ 178- 180 رقم 30، مشاهير علماء الأمصار 33 رقم 175، المستدرك 3/ 357- 359، الثقات لابن حبّان 3/ 290، صفة الصفوة 1/ 449 رقم 29، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 138- 140، الكامل في التاريخ 2/ 46 و 84 و 101 أسد الغابة 3/ 121، تهذيب الكمال 2/ 642، تحفة الأشراف 4/ 227- 230 رقم 257، المعين في طبقات المحدّثين 23 رقم 65، الكاشف 2/ 49 رقم 2552، تلخيص المستدرك 3/ 357- 359، العبر 1/ 35، سير أعلام النبلاء 2/ 333- 335 رقم 67، مرآة الجنان 1/ 89، 90، الوافي بالوفيات 16/ 579، 580 رقم 617، العقد الثمين 5/ 83، شفاء الغرام 2/ 144، مجمع الزوائد 9/ 301، تهذيب التهذيب 5/ 62، 63 رقم 105، تقريب التهذيب 1/ 387 رقم 41، النكت الظراف 4/ 228، الإصابة 2/ 249 رقم 4381، خلاصة تذهيب التهذيب 184.
[2] الرمز ساقط من الأصول استدركته من مصادر الترجمة.
[3] في طبعة القدسي 3/ 275 «مسلمة» ، وهو تحريف، والتصحيح من طبقات ابن سعد، وسير أعلام النبلاء.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 387، المستدرك 3/ 357.

(3/464)


وَقَالَ الواقِديّ: كان موت عامر بْن ربيعة بعد قتل عثمان بأيّام. وكان لزِم بيته، ولم يشعر النّاس إلّا بجنازته قد أُخْرِجَتْ [1] .
وَقَالَ يحيى بْن سعيد الأنصاري، عَنْ عبد الله بْن عامر بْن ربيعة، أنّ أباه أتي في المنام، حين طعنوا على عثمان، فقيل له: «قُم فَسَلِ الله أن يُعيذَك من الفتنة» [2] .
قيل: تُوُفّي قبل مقْتل عثمان بيسير.
(عَبْدُ اللَّهِ بْن وهْب) [3]
بْن زَمْعَةَ بْنِ الأسود بْن المطَّلب بْن أسد القُرَشيّ الأسديّ. وأُمُّه قريبة أخت أمّ سلمة أمّ المؤمنين. قيل له صُحبة. والأصحّ أنّه لَا صُحْبة له.
روى عنه عُرْوة، وغيره. وقُتِل يوم الدّار مع عثمان.
عبد الله بن أبي ربيعة [4] س ق
ابن المُغِيرَة بْن عبد الله المخزومي. والد الشّاعر المشهور عمر، وأخو
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 387، المستدرك 3/ 358، الاستيعاب 3/ 6.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 387، الاستيعاب 3/ 6.
[3] طبقات خليفة 241، التاريخ الكبير 5/ 218 رقم 709، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 571، الجرح والتعديل 5/ 188، 189 رقم 877، الاستيعاب 2/ 307- 309، تاريخ دمشق (مخطوط الأزهرية 10170) ورقة 150 أ- 151 أ، أسد الغابة 3/ 273، تهذيب الكمال 2/ 753، الوافي الوفيات 17/ 664، 665 رقم 562، تهذيب التهذيب 6/ 70، 71 رقم 139، تقريب التهذيب 1/ 459 رقم 727، الإصابة/ 381، 382 رقم 5027، خلاصة تذهيب التهذيب 218، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 152 رقم 104 و 162 رقم 931، تجريد أسماء الصحابة 1/ 311، جمهرة أنساب العرب 119، المستدرك 3/ 640، 641، تلخيص المستدرك 3/ 640، 641.
[4] المغازي للواقدي 33 و 89 و 130 و 140 و 198 و 199 و 220 و 730 و 785 و 829 و 863 و 895، السير والمغازي لابن إسحاق 159 و 169 و 213 و 214 و 215 و 322، المحبّر لابن حبيب 66، 67، تهذيب سيرة ابن هشام 73- 76 و 77 و 156، تاريخ خليفة 154، طبقات

(3/465)


عيّاش. كان اسمه بَحِير [1] ، فسمّاه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ. وكان أحدَ الأشراف، ومن أحسن النّاس صورةً. وهو الَّذِي بَعَثَتْه قريشٌ مع عمرو بْن العاص إلى النَّجاشيّ لأذِّية مُهَاجِرة الحَبَشة. ثمّ أسلم وحسُن إسلامُه.
ولّاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجَنَد [2] ومَخَاليفَها، فبقي فيها إلى أيّام فتنة عثمان، فجاء لينصُرَه، فوقع عَنْ راحلته فمات بقرب مكة [3] .
وقد استقرض منه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين ألفًا، فأقرضه [4] .
له حديث عند حفيده إِبْرَاهِيمُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أبيه.
الْوَاقِدِيُّ: ثنا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: قَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يَصْلُحُ لِلطُّلَقَاءِ، فَإِنِ اخْتَلَفْتُمْ فَلا تَظُنُّوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْكُمْ غَافِلًا.
الواقِديّ عَنْ رجل: إنّ عبد الله بْن أبي ربيعة قَالَ: أدْخِلُوني معكم في الشورى فلا يعدمكم منّي رأيٌ. قالوا: لَا تدخل معنا. فقال: إن بايعتم
__________
[ () ] خليفة 21، التاريخ الكبير 5/ 9، 10 رقم 16، المعرفة والتاريخ 1/ 248، أنساب الأشراف 1/ 232- 234 و 298 و 302 و 312 و 316 و 363، ق 4 ج 1/ 504 و 578، الجرح والتعديل 5/ 51 رقم 233، تاريخ الطبري 2/ 335 و 500 و 4/ 214 و 241 و 421، المنتخب من ذيل المذيّل 561، أسد الغابة 3/ 155، الكامل في التاريخ 3/ 70 و 77 و 200 و 4/ 260، تحفة الأشراف 4/ 318 رقم 290، تهذيب الكمال 2/ 680، الكاشف 2/ 76 رقم 2742، العبر 1/ 36، مرآة الجنان 1/ 89، 90، تهذيب التهذيب 5/ 208 رقم 361، تقريب التهذيب 1/ 414 رقم 294، الإصابة 2/ 305 رقم 4671، شذرات الذهب 1/ 40، نسب قريش 317، طبقات ابن سعد 5/ 444.
[1] في طبعة القدسي 3/ 276 «بجيرا» وهو تحريف، والتصحيح من طبقات ابن سعد 5/ 444 والوافي في الوفيات 17/ 164. وجاء في المنتخب من ذيل المذيل 561 «بجير» .
[2] الجند: بلد باليمن بين عدن وتعز. (شرح القاموس للزبيدي) .
[3] التاريخ الكبير للبخاريّ 5/ 10، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 578 رقم 1481.
[4] التاريخ الكبير 5/ 10 وفيه «بضعة عشر ألفا» ، والمنتخب من ذيل المذيّل 561.

(3/466)


لعليٍّ سمِعْنا وعصَيْنا، وإنْ بايعتم [لعثمان] [1] سمِعْنا وأطعنا [2] .
ولمّا حُصِر عثمان، أقبل عبد الله مسرِعًا ينصره من صنعاء. فلقيه صفوان بْن أمية على فَرَسٍ وهو على بغلة فجفلت من الفَرَس، فطرحت عبد الله فكسرت فخذه، فوُضِع في سرير، ثمّ جهّز ناسًا كثيرة في الطّلب بدم عثمان [3] .
عثمان بْن عفان رضي الله عنه
ابن أَبِي الْعَاصِ بْن أُميَّة بْن عَبْدِ شَمْسِ، أمير المؤمنين، أَبُو عمرو، وأبو عبد الله، القُرَشيّ الأمويّ.
رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن الشِّيخَيْن.
قَالَ الدّاني: عرض القرآن على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعُرِض عليه أَبُو عبد الرحمن السُّلَمِيّ، والمُغِيرَة بْن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزرّ بن حبيش.
روى عنه بنوه: أبان، وسعيد، وعمرو، ومولاه حُمران، وأنس، وأبو أمامة بْن سهل، والأحنف بْن قيس، وسعيد بْن المسيب، وأبو وائل، وطارق بْن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السُّلمي، ومالك بْن أوس بْن الحَدَثان، وخلق سواهم.
أحد السابقين الأوَّلين، وذو النُّورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدِم الجابية مع عُمَر. وتزوج رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ
__________
[1] الزيادة من منتقى ابن الملّا.
[2] أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 504 رقم 1302 من طريق الوليد بن صالح، عن الواقدي عن إسماعيل بن إبراهيم من ولد عبد الله بن أبي ربيعة، أن عبد الله قال ...
[3] انظر الحاشية رقم (3) من الصفحة السابقة.

(3/467)


المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يُكنى، وبابنه عمرو.
وأُمّه أروى بنت كُرَيْز بْن حبيب [1] بْن عبد شمس، وأُمُّها البيضاء [2] بنت عبد المطلب بْن هاشم، فهاجر برُقية إلى الحبشة، وخَلّفه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عليها في غزوة بدْر ليداويها [3] في مرضها، فَتُوُفِّيَتْ بعد بدْرٍ بليالٍ [4] ، وَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه من بدْر وأجْره، ثمّ زوَّجه بالبنت الأخرى أمّ كلثوم.
ومات ابنه عبد الله، وله ستُّ سنين سنة أربع من الهجرة.
وكان عثمان فيما بلغنا لَا بالطويل ولا بالقصير، حَسَنَ الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد مَا بين المَنْكِبَيْن يخْضِب بالصُّفْرَة، وكان قد شدّ أسنانه بالذَّهَب [5] .
وعن أبي عبد الله مولى شدّاد قَالَ: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزارٌ غليظ ثَمَنُهُ أربعة دراهم، وريطة كوفيّة مُمَشَّقة، ضَرِب اللّحمْ- أي خفيفة-، طويل اللحية، حسن الوجه [6] .
وعن عبد الله بْن حَزْم قَالَ: رأيت عثمان، فما رأيت ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه [7] .
__________
[1] هكذا في النسخ، وتاريخ دمشق (ترجمة عثمان) - ص 4، وفي طبقات ابن سعد 3/ 53، والاستيعاب، وجمهرة أنساب العرب 74 «كريز بن ربيعة بن حبيب» .
[2] هي أمّ حكم، كما في طبقات ابن سعد 3/ 53 أو «أمّ حكيم» . انظر تاريخ دمشق- ص 5 بالمتن والحاشية.
[3] في النسخ وردت مهملة ومصحّفة «للدور لها» .
[4] تاريخ دمشق- ص 5.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 58، تاريخ دمشق- ص 10.
[6] المعجم الكبير للطبراني 1/ 30 رقم 92، تاريخ دمشق- ص 13.
[7] المعجم الكبير 1/ 30 رقم 94، تاريخ دمشق 14.

(3/468)


وعن الحسن قال: رأيته وبوجهه نَكَتات جُدَريّ، وإذا شعره قد كسا ذِرَاعَيْه [1] .
وعن السائب قَالَ: رأيته يصفِّر لحيَتَه، فما رأيت شيخًا أجملَ منه [2] .
وعن أبي ثَوْر الفَهْمِيّ قَالَ: قدِمْتُ على عثمان فَقَالَ: لقد أختبأت عند ربّي عشْرًا: إنّي لرابع أربعةٍ في الإسلام، وما تعنَّيْتُ ولا تمنَّيْتُ [3] ، ولا وضعت يميني على فَرْجي منذ بايعت بها رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا مرَّت بي جُمُعَةٌ منذ أسلمتُ إلّا وأنا أُعْتِقُ فيها رقبةً، إلّا أنْ لَا يكون عندي فأُعْتِقُها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهليّة ولا إسلام قطّ، [وجهَّزْت جيش الْعُسْرَةِ، وأنكحني النّبيّ ابنته، ثمّ ماتت، فأنكحني الأخرى، وما سرقت في جاهلية ولا إسلام] [4] .
وعن ابْنِ عُمَر، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: «إنّا نُشَبِّه عثمان بأبينا إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [5] . وعن عائشة نحوه إنْ صحّا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عُثْمَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ يُخْبِرُنِي أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صداق
__________
[1] مسند أحمد 2/ 537، تاريخ دمشق 15، مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 80.
[2] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 19 من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا، حدّثني سليمان بن أبي شيخ، أخبرنا يحيى بن سعيد الأموي، عن محمد بن السائب، عن أمّه قالت: «رأيت عثمان يطوف بالبيت، شيخا يصفّر لحيته، ما رأيت شيخا أجمل منه» .
[3] أي ما كذبت. وانظر الحاشية (2) في تاريخ دمشق- ص 23.
[4] المعرفة والتاريخ 2/ 488، غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 72، تاريخ الطبري 4/ 390، مجمع الزوائد 6/ 86، تاريخ دمشق 23، البداية والنهاية 7/ 210، الرياض النضرة 1/ 192.
وما بين الحاصرتين مستدرك من المصادر المذكورة.
[5] الكامل في الضعفاء لابن عديّ 3/ 282، تاريخ دمشق 24.

(3/469)


رُقَيَّةَ، وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه [1] . ويروى عن أنس أو غيره قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَبُو أَيِّمٍ، أَلَا أَخُو أَيِّمٍ يُزَوِّجُ عُثْمَانَ، فَإِنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْتُهُ وَمَا زَوَّجْتُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ» [2] . وعن الحسن قَالَ: إنّما سُمِّي عثمانُ «ذا النُّورين» لأَنّا لَا نعلم أحدًا أغلق بابه على ابنتي نبيٍّ غيره [3] .
وروى عطيّة، عَنْ أبي سعيد قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعًا يديه يدعو لعثمان [4] .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ، حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [5] ، وَفِي «مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى» ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ بِسَبْعِمِائَةٍ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ [6] .
وَقَالَ خليد، عَنِ الحسن قال: جهّز عثمان بسبعمائة وخمسين ناقة، وخمسين فرسًا، يعني في غزوة تبوك [7] .
__________
[1] في المقدّمة- ص 41 رقم (110) ، تاريخ دمشق 35.
[2] تاريخ دمشق 39.
[3] تاريخ دمشق 45.
[4] تاريخ دمشق 49.
[5] المسند 5/ 63، تاريخ دمشق 57 و 58.
[6] تاريخ دمشق 61.
[7] تاريخ دمشق 66 وهو ضعيف لضعف خليد- بن دعلج السدوسي- حيث عدّه الدار الدّارقطنيّ من المتروكين- انظر له الضعفاء- ص 85 رقم 203.

(3/470)


وَعَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ» [1] . وَقَالَ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ بَشِيرٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ اسْتَنْكَرُوا الْمَاءَ، وَكَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ بِمُدٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبِيعُهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ» ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ عَيْنٌ غَيْرهَا، لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَجْعَلُ لِي مِثْلَ الَّذِي جَعَلْتَ لَهُ عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ إِنِ اشْتَرَيْتُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُهَا وَجَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ [2] . وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: اشترى عثمان من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجنّة مرتين:
يوم رومة، ويوم جيش الْعُسْرَةِ [3] .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ سَاقِيهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ تَجْلِسْ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَلَمْ تَهِشْ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ، قَالَ: «أَلَا اسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] . وَرُوِيَ نَحُوُه مِنْ حديث عليّ، وأبي هريرة، وابن عبّاس.
__________
[1] الحديث صحيح بشواهده. انظر تاريخ دمشق 76- 90.
[2] تاريخ دمشق 68.
[3] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 107، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 58، وابن عساكر في تاريخ دمشق 69.
[4] في فضائل الصحابة 4/ 1866 من طريق يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وقتيبة، وابن حجر. والحديث بهذا اللفظ في تاريخ دمشق 76، وجامع الأصول 8/ 633.

(3/471)


وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِيِن اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ» [1] . وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ، وَرَفِيقِي عُثْمَانُ» [2] . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [3] . وَفِي حَدِيثِ الْقُفِّ [4] : ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْذَنْ لَهُ وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه» [5] .
__________
[1] تاريخ دمشق 88.
[2] أي في الجنة.
[3] في السنن 5/ 287 وقال: هذا حديث غريب وليس إسناده بالقويّ. وهو منقطع. ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 97، وابن عساكر في تاريخ دمشق 97، وابن الأثير في جامع الأصول 8/ 637.
[4] القفّ: ما ارتفع من متن الأرض، وهنا جدار مبنيّ مرتفع حول البئر كالدّكة يمكن الجلوس عليه.
[5] حديث القفّ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وخيثمة الأطرابلسي، وابن عساكر، وابن الأثير، من عدّة طرق.
عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه أخبر أنه توضّأ في بيته ثم خرج، فقال: لألزمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد فسأل عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقالوا: خرج وجه ها هنا، قال: فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس، قال: فجلست عند الباب، وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حاجته وتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس، وتوسّط قفّها، وكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر. قال: فسلّمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بوّاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك. قال: ثم ذهبت، فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: أدخل. ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يبشّرك بالجنة، قال: فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم معه في القفّ ودلّى رجليه في البئر، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان- يعني أخاه- خيرا يأت به، فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطّاب.
فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه وقلت: هذا عمر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» - فجئت عمر فقلت: أدن أدخل ويبشّرك رسول الله بالجنّة.

(3/472)


وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ:
أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُو ذَرٍّ، وَأَنَا أَظُنُّ فِي نَفْسِي أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ مَعْتَبَة لإِنْزَالِهِ إِيَّاهُ بِالرَّبَذَةِ، فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ عَرَضَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَا تَقُلْ فِي عُثْمَانَ إِلا خَيْرًا، فَإِنِّي أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُ مَنْظَرًا، وَشَهِدْتُ مَشْهَدًا لَا أَنْسَاهُ، كُنْتُ الْتَمَسْتُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَسْمَعَ مِنْهُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصَيَاتٍ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سُمِعَ لَهُنَّ حَنِينٌ كَحَنِينِ النَّحْلِ [1] ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ، فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُمَرَ، فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ أخذهنّ منه، فوضعهنّ فخرسن [2] .
__________
[ () ] قال: فدخل فجلس مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القفّ عن يساره ودلّى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا- يعني أخاه- يأت به، فجاء إنسان فحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك. قال: وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة مع بلوى تصيبه» . قال: فجئت فقلت: ادخل ويبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالجنّة بعد بلوى تصيبك. قال: فدخل فوجد القفّ قد مليء، فجلس وجاههم من الشّقّ الآخر» .
رواه البخاري في الفتن 13/ 42 باب الفتنة تموج كالبحر. وفي فضائل أصحاب النبيّ، باب قول النبيّ: لو كنت متّخذا خليلا، وباب مناقب عمر بن الخطاب، وباب مناقب عثمان. وفي الأدب، باب نكث العود في الماء والطّين. ورواه الترمذي في المناقب (3711) ، أخرجه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل الصحابة (مخطوط الظاهرية- الجزء 3- ورقة 105 أ- 108 أ)
وقد قمنا بتحقيقه ونشرناه مع غيره من أجزاء خيثمة بعنوان: «من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي» - وصدر عن دار الكتاب العربيّ ببيروت 1400 هـ. / 1980 م. - ص 97- 104، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 122- 140، وابن الأثير في جامع الأصول 8/ 562 رقم 6372.
[1] في طبعة القدسي 3/ 280 «النخل» بالخاء المعجمة، وهو تحريف.
[2] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 109 وخيثمة الأطرابلسي في فضائل الصحابة- جزء 3- ورقة 108 أ، 108 ب (انظر: من حديث خيثمة، بتحقيقنا- ص 105، 106) .

(3/473)


وَقَالَ سليمان بْن يسار: أخذ جَهْجاه الغفِاريّ عصا عثمان التي كان يتحصّر بها، فكسرها على رُكْبَتِه، فوقعت في رُكبته الأكِلَة [1] .
وَقَالَ ابن عُمَر: كنّا نقول عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعةٌ عَنِ ابن عُمَر [2] .
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: لم يجمع القرآن أحدٌ من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق عليٌّ الدنيا وما جمعه [3] .
وَقَالَ ابن سِيرين: كان أعلمَهَم بالمناسك عثمانُ، وبعده ابن عُمَر [4] .
وَقَالَ رِبْعِيّ، عَنْ [5] حُذَيْفة: قَالَ لي عُمَر بِمنًى من ترى النّاس يولُّون بعدي؟ قلت: قد نظروا إلى عثمان [6] .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ [7] ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: حَجَجْتُ مع عُمَر، فكان الحادي يحدو.
إنّ الأمير بعده ابن عفان.
وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو.
إنّ الأمير بعده عليّ [8] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 4/ 366، 367، تاريخ دمشق 332 و 333.
[2] تاريخ دمشق 152.
[3] تاريخ دمشق 170.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 60، تاريخ دمشق 172.
[5] في المنتقى لابن الملّا «ربعي بن حذيفة» ، وهو وهم، والتصحيح من تاريخ دمشق، وهو «ربعيّ بن حراش» .
[6] تاريخ دمشق 177.
[7] في نسخة دار الكتب «ابن إسحاق» ، وهو خطأ. والمثبت من منتقى الأحمدية، و (ع) ، وتاريخ دمشق، وتهذيب التهذيب 2/ 166.
[8] تاريخ دمشق 179.

(3/474)


وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ الأَقْرَعِ مُؤَذِّنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ دَعَا الأَسْقُفَ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَا فِي كُتُبِكُمْ؟ قَالَ: نَجِدُ صِفَتَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَلا نَجِدُ أَسْمَاءَكُمْ، قَالَ: كَيْفَ تَجِدُنِي؟ قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: مَا قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: أَمِيرٌ شَدِيدٌ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: فَالَّذِي بَعْدِي؟ قَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ يُؤْثِرُ أَقْرِبَاءَهُ، قَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفَّانَ، قَالَ: فَالَّذِي مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: صَدَعٌ [1]- وَكَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يقول: صدأ- من حديد، فقال عمر: وا دفراه وا دفراه [2] ، قَالَ مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَكِنْ تَكُونُ خِلافُتُه فِي هِرَاقَةٍ مِنَ الدِّمَاءِ [3] .
وَقَالَ حمّاد بْن زيد: لئْن قلتُ إنّ عليًّا أفضل من عثمان، لقد قلت إنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خانوا [4] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرو بن عثمان قَالَ: كان نَقْشُ خاتمِ عثمان «آمنت بالذي خلق فَسَوَّى» [5] .
وَقَالَ ابن مسعود حين استُخْلِف عثمان: أَمَّرْنا خيرَ مَن بقي ولم نَأْلُ [6] .
وَقَالَ مُبارك [7] بن فَضَالَةَ، عن الحسن قَالَ: رأيت عثمانَ نائمًا في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجلُ فيجِلس إليه، [ويجيء الرجل
__________
[1] الصّدع والصّدع: الفتيّ الشابّ القويّ من الأوعال. (لسان العرب- صدع) .
[2] وا دفراه: قال ابن الأعرابيّ: الدّفر الذّلّ. (لسان العرب) .
[3] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 179، 180 وفي آخره: «والسيف مسلول» . وانظر:
غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 235، 236.
[4] تاريخ دمشق 199.
[5] تاريخ دمشق 203
[6] تاريخ دمشق 206.
[7] في منتقى الأحمدية «منازل» وهو تحريف.

(3/475)


فيجِلس إليه] [1] ، كأنّه أحدُهم، وشهِدْتُهُ يأمر في خُطْبته بقتْل الكلاب، وذبْح الحَمَام [2] .
وعن حكيم بن عبّاد قال: أوّلُ مُنْكَرٍ ظهر بالمدينة طَيَرانُ الحَمام، وَالرَّمْيُ، يعني بالبُنْدُق، فأمر عثمان رجلًا فقصَّها، وكسر الجُلاهِقات [3] .
وصحّ من وجوهٍ، أنّ عثمان قرأ القرآنَ كلَّه في رَكْعَةٍ [4] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدَّتِهِ، أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ [5] .
وَقَالَ أَنَس: إنّ حُذَيْفَة قدِم على عثمانَ، وكان يغزو مع أهل العراق قِبَل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزوِ أهلُ الشّام، وأهلُ العراق، فتنازعوا في القرآن حتّى سمع حُذَيْفَة من اختلافهم مَا يكْره، فركِب حتّى أتى عثمانَ فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أدرِكْ هذه الأمّةَ قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنَّصارَى في الكُتُب. ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفْصَة أمّ المؤمنين: أنْ أرسِلي إليّ بالصُّحُف التي جُمِع فيها القرآن، فأرسَلتْ إليه بها، فأمر زيدَ بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزُّبَيْر، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وقال: إذا
__________
[1] ما بين الحاصرتين زيادة من منتقى الأحمدية، و (ع) .
[2] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده ولفظه 218 حتى «كأنه أحدهم» .
[3] تاريخ الطبري 4/ 398، تاريخ دمشق 221، و 333، الكامل في التاريخ 3/ 181.
والجلاهقات: البندق. ومنه قوس الجلاهق.
وأصل اللفظة فارسيّ. (لسان العرب) .
[4] انظر: السنن الكبرى للبيهقي 3/ 24 و 25، وطبقات ابن سعد 3/ 76، وتاريخ دمشق 225 وما بعدها.
[5] تاريخ دمشق 229.

(3/476)


اختلفتم أنتم وزيد في عربيّة فاكتبوها بلسان قريش، فإنّ القرآنَ إنّما نزل بلسانهم.
ففعلوا حتّى كُتِبَت المصاحف، ثمّ ردّ عثمان الصُّحف إلى حَفْصَة، وأرسل إلى كل جُنْد من أجناد المُسْلِمين بمُصْحَفٍ، وأمرهم أن يحرقوا كلّ مُصْحَفٍ يخالف المُصْحَف الَّذِي أرسل إليهم به، فذلك زمانٌ حُرِّقت فيه المَصَاحف بالنّار [1] .
وَقَالَ مُصْعَب بن سعد بن أبي وقّاص: خطب عثمانُ النّاس فَقَالَ: أيّها النّاس، عَهْدكُمْ بنبيّكم بضع عشرة، وأنتم تميزّون في القرآن، وتقولون قراءة أبيّ، وقراءة عبد الله، يَقُولُ الرجل: واللَّهِ مَا نُقِيم قراءتك، فأعْزِمُ على كلّ رجلٍ منكم كان معه من كتاب الله شيءٌ لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتّى جمع من ذلك كثيرًا، ثُمَّ دخل عثمان، فدعاهم رجلًا رجلًا، فناشدهم: أسَمِعْتَهُ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلمّا فرغ من ذلك قَالَ: من أكْتَبُ النّاس؟ قالوا: كَاتِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت، قَالَ: فأيّ النّاس أعْرَب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قَالَ عثمان: فَلْيُمْلِ سعيدٌ ولْيَكْتُب زيد، فكتب مَصَاحِفَ ففرَّقها في النّاس [2] .
وَرَوَى رَجُلٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ قَالَ عَلِيٌّ فِي الْمَصَاحِفِ: لَوْ لَمْ يَصْنَعْهُ عُثْمَانُ لَصَنَعْتُهُ [3] . وَقَالَ أَبُو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة،
__________
[1] تاريخ دمشق 234.
[2] المصاحف لأبي حاتم السجستاني 23، تاريخ دمشق 238.
[3] تاريخ دمشق 237.

(3/477)


مَا ينكرون من إمارته شيئا [1] .
وَقَالَ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ [2] ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثمّ تكون مُلْكًا [3] . وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «تَهِيجُ فِتْنَةٌ كَالصَّيَاصِي، فَهَذَا وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْحَقِّ» . قَالَ: فَذَهَبْتُ وَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ [4] .
وَرَوَاهُ الْأَشْعَثُ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مُرَّةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عن كعب ابن عُجْرَةَ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يُسَارُّ عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ [5] .
أَبُو سَهْلَةَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ [6] .
وَقَالَ الجريريّ: حدّثني أَبُو بكر العَدَوِيّ قَالَ: سألت عائشة: هل عهدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أحدٍ من أصحابه عند موته؟ قالت: معاذ الله إلّا أنّه
__________
[1] تاريخ دمشق 244.
[2] في نسخة دار الكتب «جهمان» ، وهو تحريف، والتصحيح من (ع) ومنتقى الأحمدية، وتاريخ دمشق، وتهذيب التهذيب 4/ 14.
[3] تاريخ دمشق 244.
[4] تاريخ دمشق 266 و 267.
[5] أخرجه أحمد في المسند 6/ 53، والترمذي في الفضائل 5/ 295 رقم 3795، وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلّا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وأخرجه ابن ماجة في المقدّمة 54، وابن عساكر في تاريخ دمشق 283، وابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 75.
[6] ترتيب الثقات للعجلي 500 رقم 1962.

(3/478)


سارَّ عثمان، أخبره أنّه مقتولٌ، وأمره أن يكفَّ يده [1] .
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَمْزَةَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قُتِلَ الله عُثْمَانُ وَأَنَا مَعَهُ، قَالَ أَبُو حمزة: فذكرته لابن عبّاس فَقَالَ:
صَدَقَ يَقُولُ: قتل الله عثمان ويقتلني معه، قلت: قد كان عليّ يَقُولُ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتخضبنّ هذه من هذه. وَقَد رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الشَّرُودِ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 15: 47 [2] .
وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ [3] . وَقَالَ مطرف بن الشَّخَّير: لَقِيتُ عليًّا فَقَالَ [4] : يأبا عبد الله مَا بطَّأ بك، أَجِبْ عثمانَ، ثمّ قَالَ: لئن قلت ذاك، لَقَدْ كَانَ أوصَلَنَا لِلرَّحِمِ، وأتْقانا للرَّبّ [5] . وَقَالَ سعيد بن عَمْرو بن نُفَيْلٍ: لو أنْقَضَّ أُحُد لِما [6] صنعتم بابن عفان لكان حقيقًا [7] .
وَقَالَ هِشَامٌ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عُقْبَةَ [8] بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، منهم أبو بكر
__________
[1] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق مطوّلا- ص 286.
[2] سورة الحجر- الآية 47.
[3] وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 470.
[4] «في النسخة (ع) «فقلت» بدل «فقال» ، وهو وهم.
[5] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 478 و 479.
[6] في نسخة دار الكتب ومنتقى أحمد الثالث «فيما» بدل «ما» .
[7] الاستيعاب لابن عبد البرّ 3/ 84، تاريخ دمشق 485.
[8] في منتقى أحمد الثالث (عتبة) وهو تحريف، صححته من نسخة الدار، وخلاصة التذهيب.

(3/479)


الصِّدِّيقُ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ، وَعُمَرُ الْفَارُوقُ قَرْنٌ مِنْ حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النّورين، وأوتي كِفْلَيْنِ مِنَ الرَّحْمَةِ قُتِلَ مَظْلُومًا، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ [1] رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ عبد الله بن شَوْذَب: حدّثني زَهْدَم [2] الجَرْميّ قَالَ: كنت في سَمَرٍ عند ابن عباس فَقَالَ: لأحدِّثنّكم حديثًا: إنّه لما كان من أمر هذا الرجل مَا كان، قلت لعليّ: اعتزلْ هذا الأمر، فو الله لو كنتَ في جُحْرٍ لأتاك النّاسُ حتّى يبايعوك، فعصاني، وَايْمُ الله لَيَتأَمَّرَنّ عليه معاويةُ، ذلك بأنّ الله يَقُولُ: وَمن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً 17: 33 [3] .
وَقَالَ أَبُو قِلابة الجَرْميّ: لمّا بلغ ثُمَامَة بنَ عَدِيّ قتْلُ عثمان- وكان أميرًا على صنعاء- بكى فأطال البكاء، ثمّ قَالَ: هذا حين انتُزعت خلافةُ النُّبوَّة من أُمَّة محمد، فصار مُلْكًا وجَبْرِيّة، مَن غلب على شيءٍ أكله [4] .
وَقَالَ يحيى بن سعيد الأنصاري: قَالَ أَبُو حُميد السَّاعدي- وكان بدْريًا- لما قُتِل عثمان: اللَّهمّ إنّ لك عليّ أنْ لَا أضحك حتّى ألقاك [5] .
قَالَ قتادة: ولي عثمان ثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يومًا [6] . وكذا قال خليفة بن خيّاط [7] وغيره [8] .
__________
[1] تاريخ دمشق 486، النهاية لابن الأثير 4/ 55.
[2] في (ع) (زهرم) وهو تحريف.
[3] سورة الاسراء، الآية 33.
[4] تاريخ دمشق 487.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 80، تاريخ دمشق 491.
[6] تاريخ دمشق 491.
[7] تاريخ دمشق 525.
[8] في تاريخه- ص 177.

(3/480)


وَقَالَ أَبُو مَعْشر السِّنْديّ: قُتِلَ لثماني عشرة [1] خَلَتْ من ذي الحجّة، يوم الجمعة [2] ، زاد غيرُه فَقَالَ: بعد العصر، وَدُفِنَ بالبَقِيع [3] بين العِشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو الصّحيح، وقيل عاش ستًا وثمانين سنة [4] .
وعن عبد الله بن فَرُّوخ قَالَ: شهدْتُه وَدُفِنَ في ثيابه بدمائه، ولم يُغسل. رواه عبد الله بن أحمد في «زيادات المُسْنَد [5] » وقيل: صلّى عليه مروان، ولم يُغَسّل.
وجاء من رواية الواقديّ: أنّ نائلة خرجت وقد شقَّتْ جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فَقَالَ جُبَيْر بن مُطْعم: أطْفئي السِّراج لَا يُفْطَن بنا، فقد رأيت الغَوْغَاء [6] ، ثمّ انتَهَوْا إلى البقيع، فصلّى عليه جُبَيْر بن مُطْعم، وخلفه أَبُو جَهْم بن حُذَيْفَة، ونيار بن مُكْرَم، وزوجتا عثمان نائلة، وأمُّ البَنين، وهمّا دلَّتاه في حُفْرته على الرجال الذين نزلوا في قبره. ولَحَدوا له وغيَّبوا قبره، وتفرَّقوا [7] .
ويُرْوَى أنّ جُبَيْر بن مُطْعم صلّى عليه في ستّة عشر رجلا، والأوّل أثبت [8] .
__________
[1] كذا في الاستيعاب والمنتقى لابن الملا، ع. وفي نسخة الدار ومنتقى أحمد الثالث (لثمان خلت) .
[2] انظر تاريخ الطبري 4/ 416 و 417.
[3] في (حشّ كوكب) وكوكب: رجل من الأنصار، والحشّ: البستان، وكان عثمان قد اشتراه وزاده في البقيع، فكان أوّل من دفن فيه، على ما في (تاريخ الطبري 4/ 412) ، و (الاستيعاب 3/ 81) وغيرهما.
[4] تاريخ الطبري 4/ 418.
[5] مسند أحمد 2/ 4، تاريخ دمشق 539، وانظر تاريخ الطبري 415.
[6] هكذا في الأصل، وفي طبقات ابن سعد «الغواة» .
[7] طبقات ابن سعد 3/ 78، 79، تاريخ دمشق 541.
[8] ابن سعد 3/ 79، تاريخ دمشق 541.

(3/481)


وروي أنّ نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثَّغْر، فكَسَرَتْ ثناياها بحجرٍ، وقالت: واللَّهِ لَا يجتليكُنّ أحدٌ بعد عثمان، فلمّا قدِمَتْ على معاوية الشّام، خَطَبَهَا، فأبَتْ [1] .
[وَقَالَ فيها حسّان بن ثابت:
قتلتم وَلِيَّ الله في جَوْفِ داره ... وجئتم بأمرٍ جائرٍ غير مهتدي
فلا ظفرتْ أيْمانُ قومٍ تعاونوا [2] ... على قتْل عثمانَ الرّشيدِ الْمُسَدَّدِ [3]
وَقَالَ كعب بن مالك:
يا للرِّجال لأمرٍ هاجَ لي حَزَنًا [4] ... لقد عجِبْتُ لمن يبكي على الدِّمَنِ
إنّي رأيت قتيلَ الدّار مُضْطَهدًا [5] ... عثمان يُهْدَى إلى الأجداث في كَفَنٍ [6]
وَقَالَ بعضهم:
لَعَمْر أبيك فلا تكذِبَنْ ... لقد ذهب الخيرُ إلّا قليلا
لقد سفِه النّاسُ في دينهم ... وخلّى ابن عفّان شرّا طويلا [7]] [8]
__________
[1] تاريخ دمشق (تراجم النساء) - ص 408، وانظر نحوه في أخبار النساء لابن قيّم الجوزيّة 128 طبعة دار مكتبة الحياة، بيروت 1979.
[2] في ديوان حسّان: «تظاهرت» وفي تاريخ دمشق والبداية والنهاية «تبايعوا» ، وفي التمهيد والبيان «تتابعوا» . والمثبت يتّفق مع الأصل والاستيعاب.
[3] ديوان حسّان 1/ 320، تاريخ دمشق 545، البداية والنهاية 7/ 196، الاستيعاب 3/ 82، التمهيد والبيان 216.
[4] هكذا في الأصل ويتّفق مع ديوان كعب بن مالك، والاستيعاب. وفي تاريخ دمشق «لهمّ هاج لي حزني» .
[5] وفي رواية «إني رأيت أمين الله مضطجعا» .
[6] في الديوان «رهنا لدى الأجداث والكفن» 282 وانظر: التمهيد والبيان 205، والاستيعاب 3/ 82، وتاريخ دمشق 546 والبيتان من قصيدة منسوبة لحسّان في ديوانه 1/ 319.
[7] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة الدار ومنتقى الأحمدية. والاستدراك من منتقى ابن الملّا، و (ع) .
[8] الاستيعاب 3/ 84، تاريخ الطبري 4/ 426.

(3/482)


سَنَة سِتّ وَثَلاثِين
وَقعَة الجَمل
لمّا قُتِلَ عثمان صبرًا، سُقِط في أيدي أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعوا عليًّا، ثمّ إنّ طلحة بن عُبَيْد الله [1] ، والزُّبَيْر بن العوام، وأمّ المؤمنين عائشة، ومَن تبِعَهُم رأوا أنّهم لَا يخلِّصهم ممّا وقعوا فيه من تَوَانِيهم في نُصْرة عثمان، إلّا أن يقوموا في الطَّلب بدمه، والأخْذ بثأره من قَتَلَته، فساروا من المدينة بغير مشورةٍ من أمير المؤمنين عليّ، وطلبوا البصرة.
قَالَ خليفة [2] : قدِم طلْحة، والزُّبَيْر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حُنَيْف الأنصاريّ وَالِيًا لعليّ، فخاف وخرج منها، ثمّ سار عليّ من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حُنَيْف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمّار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران النّاس، ثمّ إنّه وصل إلى البصرة، وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها حُكَيْم بن جَبَلَة العَبْدِيّ في سبعمائة، وهو أحد الرءوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلْحة والزُّبَيْر، فقتل الله حُكَيْمًا في طائفة من قومه، وقتل مقدّم
__________
[1] في نسخة دار الكتب «عبد الله» ، والتصويب من المنتقى لابن الملّا ومنتقى الأحمدية.
[2] في تاريخه 180، 181.

(3/483)


جيش الآخرين أيضًا مُجَاشع بن مسعود السُّلَميّ [1] .
ثمّ اصطلحت الفئتان، وكفُّوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حُنَيْف دار الإمارة والصّلاة، وأن ينزل طلحة والزّبير حيث شاءا من البصْرة، حتّى يقدم عليّ رضي الله عنه.
وَقَالَ عمّار لأهل الكوفة: أما واللَّهِ إنّي لأعلم أنّها- يعني عائشة- زَوْجَة نبيكم في الدُّنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم بها لينظُر أَتَّتبِعُونه أو إيّاها [2] .
قَالَ سعد بن إبراهيم الزُّهْريّ: حدّثني رجلٌ من أسلم قَالَ: كنّا مع عليّ أربعة آلاف من أهل المدينة [3] .
وَقَالَ سعيد بن جُبَيْر: كان مع عليّ يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة [4] ممّن شهِدَ بَيْعَةَ الرَّضْوان.
رواه جعفر بن أبي المُغْيرة عن سعيد.
وَقَالَ المطّلب بن زياد، عن السُّدِّيّ: شهِدَ مع عليّ يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقُتِلَ بينهما ثلاثون ألفًا، لم تكن مقتله أعظم منها.
وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلّا عليّ، وعمار، وطلحة، والزُّبَيْر من الصحابة.
وَقَالَ سَلَمة بن كُهَيْلٍ: فخرج من الكوفة ستّة آلاف، فقدموا على عليّ
__________
[1] وانظر طبقات ابن سعد 3/ 32.
[2] تاريخ خليفة 184.
[3] تاريخ خليفة 184.
[4] في نسخة الدار (وسبعمائة) ، وفي منتقى أحمد الثالث، ع (وتسعمائة) والمثبت من (تاريخ خليفة 184) .

(3/484)


بذي قار، فسار في نحو عشرة آلافٍ، حتّى أتى البصرة [1] .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة: كان على خيل عليّ يوم الجمل عمّار، وعلى الرَّجَّالَةِ محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق، وعلى الميمنة عِلْباء بن الهيثم السَّدُوسيّ، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحَسَن بن عليّ، وعلى الميسرة الحسين بن عليّ وعلى المقدّمة عبد الله بن عباس، ودفع اللّواء إلى ابنه محمد بن الحنفيّة [2] وكان لواء طلحة والزُّبَيْر مع عبد الله بن حُكَيْم بن حزام [3] ، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرَّجَّالَةِ عبد الله بن الزُّبَيْر، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم [4] .
وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عُبَيْد الله بن زياد [5] .
قَالَ اللَّيث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جُمَادى الأولى.
وَقَالَ أَبُو اليَقْظان: خرج يومئذ كعب بن سُور الأزديّ في عُنُقه المُصْحَف، ومعه تِرْس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله [6] .
[قَالَ محمد بن سعد [7] : وكان كعب قد طيّن عليه بيتًا، وجعل فيه كُوَّةً يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالًا للفتنة، فقيل لعائشة: إنْ خرج معك لم يتخلف من الأزد أحدٌ، فركِبْتَ إليه فنادته وكلَّمَتْهُ فلَم يُجبْها، فقالت:
__________
[1] تاريخ خليفة 184.
[2] في طبعة القدسي 3/ 290 «الحنيفة» وهو خطأ.
[3] في نسخة الدار (حرام) وهو تصحيف.
[4] تاريخ خليفة 184.
[5] تاريخ خليفة 184.
[6] تاريخ خليفة 185، المعرفة والتاريخ 3/ 312.
[7] طبقات ابن سعد 7/ 92، 93 وانظر: الأخبار الطوال لابن قتيبة 144.

(3/485)


ألست أمّك؟ ولي عليك حقّ، فكلَّمَهَا، فَقَالَتْ: إنّما أريد أنْ أصْلِحَ بين النّاس. فذلك حين خرج ونشر المُصْحف، ومشى بين الصَّفَّين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله] [1] .
وَقَالَ حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتّى قُتلَ [2] .
وَقَالَ غيره: اصطفّ الفريقان، وليس لطلحة ولا لعليّ رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنَّبْل، وشبّت نارُ الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يَقُولُ: (أيها الّناس أنْصِتُوا) ، والفتنة تغلي، فَقَالَ: أُفّ فَرَاش النار، وذِئاب طمع، وَقَالَ: اللَّهمّ خذ لعثمان منّي اليوم حتّى ترضى، إنّا داهَنّا في أمر عثمان، كنّا أمس يدًا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جَبَلَيْن من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان منّي في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلّا بسفْك دمي، وبطلَب دمِه [3] .
فروى قَتَادة، عن الجارود بن أبي سَبْرَة الهُذَليّ قَالَ: نظر مروان بن الحَكَم إلى طلحة يوم الجمل، فَقَالَ: لَا أطلب ثأري بعد اليوم، فرَمى طلحة بسهم فقتله [4] .
وَقَالَ قيس بن أبي حازم: رأيت مَروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذٍ بسهمٍ، فوقع في رُكبته، فما زال يسحّ حتّى مات [5] . وفي بعض
__________
[1] ما بين الحاصرتين مستدرك من المنتقى لابن الملّا.
[2] تاريخ خليفة 185، الأخبار الطوال 149.
[3] انظر طبقات ابن سعد 3/ 222، أنساب الأشراف (ترجمة الإمام عليّ) 247.
[4] تاريخ خليفة 185، طبقات ابن سعد 3/ 223، أنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) - ص 246.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 223، أنساب الأشراف 247، المعرفة والتاريخ 3/ 312.

(3/486)


طُرُقه: رماه بسهمٍ، وَقَالَ: هذا ممّن أعان على عثمان.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أنّ مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وَقَالَ: قد كفيناك بعض قَتَلَة أبيك [1] .
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ رَجُلٍ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: بَشِّرُوا قاتل طلحة بالنّار [2] . وعن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: خرجنا مع عليّ إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الرَّبَذَة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وَقَالَ: ائْذنْ لي فأتكلّم، فَقَالَ: تكلّم، ودعْ عنك أنْ تحن حنين الجارية، قَالَ: لقد كنت أشرتُ عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إنّ للعرب جوْلة، ولو قد رجعَتْ إليها غواربُ أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حُجْر الضَّبّ [3] .
فَقَالَ عليّ: أتراني لا أبا لك كنتُ منتظرًا كما تنتظر الضَّبُعُ اللَّدْمَ [4] . وَرُوِيَ نحوه من وجهين آخرين [5] .
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمّ له قال: لمّا كان يوم الجمل نادى عليّ في النّاس: لَا ترموا أحدًا بسهم، وكلِّموا القوم، فإنّ هذا مقام من فَلَجَ فيه فُلِج [6] يوم القيامة، قَالَ: فتوافقنا حتّى أتانا حَرُّ الحديد، ثمّ إنّ
__________
[1] تاريخ خليفة 185، أنساب الأشراف 246.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 225.
[3] سير أعلام النبلاء 3/ 261، وانظر الأخبار الطوال 145.
[4] في النهاية وغيرها: والله لا أكون مثل الضّبع تسمع اللّدم فتخرج حتّى تصطاد. إذا أرادوا صيد الضّبع ضربوا حجرها بحجر أو بأيديهم، فتحسبه شيئا تصيده، فتخرج لتأخذه، فتصاد. أراد إنّي لا أخدع كما تخدع الضّبع باللّدم.
[5] انظر المستدرك للحاكم 3/ 115.
[6] وردت مصحّفة في بعض النسخ، والتصحيح من (ع) والنهاية.

(3/487)


القوم نادوا بأجمعهم: (يا لثارات عثمان) ، قَالَ: وابن الحَنَفِيَّةِ أمامنا رتوة [1] معه اللّواء، فمدّ عليٌّ يديه وَقَالَ: اللَّهمّ أكِبَّ قتله عثمان على وُجُوههم، ثمّ إن الزُّبَيْر قَالَ لأساوِرَة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنّه إنّما أراد أن ينشب القتال. فلمّا نظر أصحابنا إلى النّشّاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهْمٍ فشكّ ساقه بجَنْب فَرَسه.
وعن أبي جرو [2] المازِنّي قَالَ: شهِدْت عليًّا والزُّبَيْر حين تواقفا، فَقَالَ له عليّ: يا زُبير أنْشُدُك الله أسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إنّك تقاتلُني وأنت ظالم لي» ؟ قَالَ: نعم ولم أَذْكُرُه إلّا في موقفي هذا، ثمّ انصرف [3] . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ، لَيْتَ أَبَاكَ مَاتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَمْ أَرَ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا. [وَقَالَ ابن سعد [4] : إنّ محمد بن طلحة [5] تقدّم فأخذ بخطام الجمل [6] ، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم (حم) فطعنه فقتله، ثُمَّ قَالَ في محمد:
وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآيات ربِّهِ ... قليلِ الَأذَى فيما ترى العينُ مسلمِ
هتكتُ له بالرّمح جيبَ قميصه ... فخرّ صريعا لليدين وللفم
__________
[1] الرتوة: الخطوة، على ما في النهاية، ووردت مصحّفة في منتقى أحمد الثالث، ع.
[2] وردت محرّفة في نسخة الدّار، ومنتقى أحمد الثالث، ع، والتصحيح من (تهذيب التهذيب) .
[3] المطالب العالية لابن حجر (4476) منسوب إلى أبي يعلى، والإصابة 1/ 546، والأسامي والكنى للحاكم (مخطوط دار الكتب- خزانة محمد عبده 1- ورقة 119) .
[4] في الطبقات 5/ 54، 55.
[5] المعروف بالسجّاد.
[6] أي جمل السيّدة عائشة.

(3/488)


يُذَكّرني [1] (حم) وَالرُّمْحُ شاجرٌ [2] ... فهلّا تلا (حم) قبل التَّقدُّمِ
على غير شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعًا ... عليًّا ومَن لَا يَتْبَعِ الْحَقَّ يندَمِ
فسار عليّ ليلته في الْقَتْلَى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلًا، فَقَالَ، يا حسن (محمّد السّجّاد وربّ الكعبة) ، ثمّ قَالَ: أبوه صَرَعَه هذا المصرع، ولولا برِّه بأبيه مَا خَرَج. فَقَالَ الحسن: ما كان أغناك عن هذا، فقال: ما لي وما لك يا حسن [3]] [4] . وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وناداه عليّ يأبا عَبْدِ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى الْتَقَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّه، أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أُنَاجِيكَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تناجيه فو الله لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ» . قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، فَضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتَهُ وَانْصَرَفَ [5] . وَقَالَ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ [6] ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِلزُّبَيْرِ: يَا بْنَ صَفِيَّةَ، هَذِهِ عَائِشَةُ تملِكُ طَلْحَةَ، فَأَنْتَ عَلَى مَاذَا تُقَاتِلُ قَرِيبَكَ عَلِيًّا؟ فَرَجَعَ الزّبير،
__________
[1] في البداية والنهاية 7/ 244 (يناشدني) بدل (يذكّرني) ، وفي (تاريخ الطبري 5/ 526) كما في النّصّ، وكذلك في طبقات ابن سعد.
[2] في طبقات ابن سعد «شاعر» .
[3] ما بين الحاصرتين زيادة من (ع) والمنتقى لابن الملّا.
[4] طبقات ابن سعد 5/ 55.
[5] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 366 من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديليّ، قال: شهدت الزبير خرج يريد عليّا. فقال له عليّ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تقاتله وأنت له ظالم؟ فقال: لم أذكر، ثم مضى الزبير منصرفا.
وصحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي في تلخيصه. وانظر المطالب العالية (4468) و (4469) و (4470) و (4476) .
[6] في نسخة دار الكتب «الخياط» ، والتصحيح من النسخة (ع) .

(3/489)


فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ [1] .
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: انصرف الزُّبَيْر يوم الجمل عن عليّ، وهم في المصافّ، فَقَالَ له ابنه عبد الله: جُبْنًا جُبْنًا، فَقَالَ: قد علم النّاس أنّي لست بجبانٍ، ولكن ذكَّرني عليّ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحلفت أن لَا أقاتله، ثمّ قَالَ:
تَرْكُ الأمورِ التي أخشي عواقِبَها ... في الله أحْسَنُ في الدُّنيا وفي الدِّين [2]
[وَكِيعٌ، عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ- وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الجمل الأديب، يُقْتَلُ حَوَالَيْهَا قَتْلَى كَثِيرُونَ، وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ» [3]] . وقيل: إنّ أوّل قتيلٍ كان يومئذٍ مسلم الجُهَنيّ، أمره عليّ فحمل مُصْحفًا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتِلَ. وَقُطِعَتْ يومئذ سبعون يدًا من بني ضبّة [4] بالسيوف، صار كلَّما أخذ رجل بخطام الجمل الَّذِي لعائشة، قطِعَتْ يدُه، فيقوم آخرُ مكانه وَيَرْتَجِزُ، إلى أن صرخ صارخ اعقُروا الجمل، فعقره رجلٌ مُخْتَلَفٌ في اسمه، وبقي الجمل والهودج الَّذِي عليه، كأنّه قُنْفُذٌ من النَّبْلِ، وكان الهودج مُلَبَّسًا بالدُّروع، وداخله أمّ المؤمنين، وهي تشجّع الذين حول الجمل: (مَا شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) [5] .
ثمّ إنّها ندِمَتْ، وَنَدِمَ عليّ لأجل ما وقع.
__________
[1] رجاله ثقات. أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 110 بنحوه، وابن حجر في الإصابة 1/ 546، وانظر: أنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) 251 التذكرة الحمدونية 2/ 475.
[2] حلية الأولياء 1/ 91.
[3] ما بين الحاصرتين زيادة من (ع) فقط.
[4] وردت مصحّفة، والتصحيح من تاريخ خليفة 186 وشذرات الذهب 1/ 42، وتاريخ الطبري 4/ 539.
[5] انظر مروج الذهب 2/ 375، 376.

(3/490)


ذِكْرُ مَنْ توفي في هَذِهِ السَّنَةِ
[[1]
الأسود بن عوف الزُّهْريّ)
[2] له صُحْبة وهجرة قبل الفتح. وهو أخو عبد الرحمن بن عوف.
قُتِل يوم الجمل. وقد ولي ابنُهُ جابر المدينة لعبد الله بن الزُّبَيْر.
(جُنْدب بن زُهَيْر الغامِديّ الأزْدِيّ)
كوفيّ، يُقال: له صحبة. يأتي في السنة الآتية] .
حُذَيْفَة بن اليَمَان [3] (ع)
__________
[1] ما بين الحاصرتين مستدرك من المنتقى لابن الملّا، ع.
[2] تاريخ خليفة 187، نسب قريش 265، المعارف 235، جمهرة النسب لابن الكلبي 2/ 199، الاستيعاب 1/ 90، أسد الغابة 1/ 87، الكامل في التاريخ 3/ 351، الوافي بالوفيات 9/ 255 رقم 4166، الإصابة 1/ 45، 46 رقم 167.
[3] مسند أحمد 5/ 382- 408، السير والمغازي لابن إسحاق 292، المغازي للواقدي 234 و 488- 409 و 732 و 1042 و 1043 و 1044 و 1045، تهذيب سيرة ابن هشام 127 و 196 و 197، الزهد لابن حنبل 224، البرصان والعرجان للجاحظ 283، الزهد لابن المبارك 34 و 245 و 513، طبقات ابن سعد 5/ 527 و 6/ 15 و 7/ 317، التاريخ لابن معين 2/ 104،

(3/491)


واسم اليَمان حِسْلٌ [4]- ويقال حُسَيْلٌ [4] على التصغير- بن جابر بن
__________
[ () ] المحبّر لابن حبيب 73 و 417، الطبقات لخليفة 48 و 130، تاريخ خليفة 69 و 148- 151 و 157 و 160 و 166 و 182، ترتيب الثقات للعجلي 111 رقم 264، التاريخ الكبير 3/ 95 رقم 333، التاريخ الصغير 1/ 54 و 56 و 72 و 80 و 81 و 107 و 114، المعارف لابن قتيبة 263، عيون الأخبار له 1/ 23 و 2/ 136 و 231، المعرفة والتاريخ 2/ 543- 545 و 768- 770، فتوح البلدان للبلاذري 241 و 320 و 334 و 371 و 375 و 376 و 390 و 400 و 401 و 402 و 403، أنساب الأشراف 1/ 163 و 322 و 328 و 329 و 540 و 541، ق 4 ج 1/ 36 و 90 و 579 و 584، و 5/ 31 و 46 و 47 و 62 و 87 و 92، تاريخ الطبري 4/ 127- 129 و 132- 137، الثقات لابن حبّان 3/ 80، مشاهير علماء الأمصار له 43 رقم 267، الاستيعاب 1/ 277، 278، ثمار القلوب للثعالبي 181، أخبار القضاة لوكيع 1/ 39، 40، و 2/ 186 و 285، و 3/ 5 و 17 و 42، العقد الفريد لابن عبد ربّه 3/ 65 و 4/ 161 و 259 و 307 و 6/ 268، الجرح والتعديل 3/ 256 رقم 1140، الزاهر للأنباري 1/ 182 و 423 و 2/ 256، الخراج وصناعة الكتابة لقدامة 329 و 368 و 371 و 372 و 374 و 376 و 378 و 379، المعجم الكبير للطبراني 3/ 185- 189، حلية الأولياء 1/ 270- 283 رقم 42، المستدرك للحاكم 3/ 379- 381، الأمالي للقالي 3/ 196، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 96- 106، التذكرة الحمدونية 2/ 295، لباب الآداب لأسامة 85 و 332، الاستبصار 233- 235، الجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 1/ 107 رقم 414، تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي 141، صفة الصفوة له 1/ 610- 616 رقم 70، الكامل في التاريخ 3/ 109- 111، أسد الغابة 1/ 390- 392، معجم البلدان 1/ 105 و 173 و 283 و 518 و 849 و 3/ 137، الزيارات للهروي 76، تهذيب الأسماء واللغات للنووي ق 1 ج 1/ 153- 155 رقم 114، وفيات الأعيان 2/ 300 و 476 و 5/ 351، تحفة الأشراف للمزّي 3/ 21- 58 رقم 100، تهذيب الكمال له (تحقيق د. بشّار عوّاد) 5/ 495- 510 رقم 1147، المعين في طبقات المحدّثين 20 رقم 27، دول الإسلام 1/ 30، تجريد أسماء الصحابة رقم 1286، العبر 1/ 26 و 37، الكاشف 1/ 152 رقم 970، تلخيص المستدرك 3/ 379- 381، سير أعلام النبلاء 2/ 361- 369 رقم 76، الوافي بالوفيات 11/ 327، 328 رقم 482، الكتّاب والوزراء للجهشياريّ 12، مرآة الجنان 1/ 100، الوفيات لابن قنفذ 55 رقم 36، مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 325، 326، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 445، غاية النهاية لابن الجزري 203 رقم 938، تهذيب التهذيب 2/ 219، 220 رقم 405، تقريب التهذيب 1/ 156 رقم 183، النكت الظراف 3/ 26، الإصابة 1/ 317، 318 رقم 1647 و 1648، خلاصة تذهيب التهذيب 74، شذرات الذهب 1/ 32 و 44، كنز العمّال 13/ 343.
[4] في نسخة دار الكتب «حسبك» في الموضعين، والتصحيح من مصادر الترجمة.

(3/492)


أُسَيْد، وقيل ابن عَمْرو، أَبُو عبد الله العبسيّ، حليف الأنصار، وصاحب سرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحد المهاجرين.
وكان أبوه أصاب دمًا في قومه، فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل، فسمّاه قومه اليمان لحِلْفه لليَمَانية، فاستشهد يوم أُحُد [1] . وشهِدَ حُذَيْفَة أحُدًا وما بعدها من المشاهد، واستعمله عمر على المدائن، فبقي عليها إلى حين وفاته. وتُوُفّي بعد عثمان بأربعين يومًا.
روى عنه زيد بن وهب، وزِرّ بن حُبَيْش، وأبو وائل، ورِبْعيّ بن حِراش، وجماعة.
قَالَ خيثمة بن عبد الرحمن: أتيت المدينة فسألت الله أن يُيَسِّر لي جليسًا صالحًا، فيسّر لي أبا هُرَيْرَةَ، فجلست إليه، فَقُلْتُ: جئت من الكوفة أَلْتَمِس الخير، فَقَالَ: أليس فيكم سعد بن مالك مُجاب الدعوة [وابن مسعود صاحبُ طُهورُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَعْلَيْه، وحُذَيْفة] [2] صاحبُ سرّ رسول الله، وعمّار الَّذِي أجاره الله على لسان نبيه من الشيطان، وسَلْمان صاحبُ الكتابين، يعني الإنجيل والقرآن. صحّحه التِّرْمذِيّ [3] .
وَقَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اسْتَخْلَفْتَ، قَالَ: إِنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ فَعَصَيْتُمُوهُ عُذِّبْتُمْ، وَلَكِنْ مَا حَدَّثَكُمْ عبد الله فاقرءوه. حسّنه التّرمذيّ [4] .
__________
[1] المستدرك 3/ 380، الاستيعاب 1/ 277، الإصابة 1/ 317، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 97.
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة الدار، فاستدركته من منتقى ابن الملّا وغيره من النسخ.
[3] وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (5/ 339) باب مناقب عبد الله بن مسعود، رقم (3899) .
[4] في المناقب 5/ 339 باب مناقب حذيفة بن اليمان، رقم (3900) ، وأخرجه ابن عساكر

(3/493)


أبو نعيم، عن مالك بن مغول [1] عَنْ طَلْحَةَ: قَدِمَ حُذَيْفَةُ الْمَدَائِنَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَيْهِ إِكَافٌ سَادِلًا رِجْلَيْهِ، وَمَعَهُ عِرْقٌ [2] وَرَغِيفٌ وَهُوَ يَأْكُلُ. وَأَخْبَارُهُ مُسْتَوْفَاةٌ فِي «تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ» [3] .
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي الْحُسَيْلُ، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا عَلَيْنَا عَهْدَ اللَّهِ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فأخبرناه فقال: «فوالهم بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [4] . وحُذيْفة أحدُ أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأربعة عشر النُّجباء، كان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرّ إليه أسماء المنافقين، وحفِظ عَنْهُ الْفِتَنَ التي تكون بين يدي السّاعة، وناشده عُمَر باللَّه: (أَنَا من المنافقين؟) اللَّهُمَّ لَا، ولا أزكّي أحدًا بعدك [5] .
وقد (ذكرنا مَا) [6] أبلى حُذَيْفَة ليلةَ الأحزاب. وافتُتِحتِ الدِّينَوَرُ عَنْوَةً على يديه [7] . وحديثه في الكُتُب السّتّة.
__________
[ () ] (تهذيب تاريخ دمشق) 4/ 99، وقال: ورواه الخطيب البغدادي.
[1] في نسخة دار الكتب «معول» وهو تصحيف.
[2] العرق: بسكون الراء، العظم إذا أخذ عنه معظم اللّحم.
[3] انظر التهذيب 4/ 96- 106.
[4] في الجهاد والسير (1787) باب الوفاء بالعهد، من طريق الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن اليمان. وأخرجه أحمد في المسند 5/ 395، وانظر المعجم الكبير للطبراني رقم (3000) و (3001) ، والمستدرك 3/ 379.
[5] نسبه صاحب كنز العمّال 13/ 344 إلى رسته، وانظر ابن عساكر 4/ 97 و 100.
[6] ما بين القوسين ساقط من نسخة دار الكتب.
[7] أسد الغابة 1/ 468، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 103.

(3/494)


[1] حُكَيْم بن جَبَلَة العَبْدِي [2]
كان متديّنًا عابدًا شريفًا مُطاعًا، بعثه عثمان على السِّنْد، ثمّ إنّه ظنّ أنّ أهلها نقضوا فقدِم منها، فسأله عثمان عنها، فَقَالَ: ماؤها وشل، ولصّها بطل، وسهلها جبل، إنْ أثر الْجُنْدُ بها جاعوا، وإنْ قلُّوا بها ضاعوا. فلم يوجه عثمان عليها أحدًا بعده [3] .
ثمّ إنّه نزل البصرة. وقد ذكرنا أنّه أحد مَن سار إلى الفِتْنَة، ثمّ قُتِلَ في فتنة الجمل، سامحه الله. قيل إنّه لم يزل يقاتل حتّى قُطِعتْ رِجْلُه. فأخذها وضرب بها الَّذِي قطعها فقتله بها، ثمّ أخذ يقاتل ويقول:
يا ساق لن تُرَاعي ... إن معي ذراعي
أحْمي بها كُرَاعِي
حتّى نَزَفه الدَّم، فاتّكأ على المقتول الَّذِي قطع رِجْلَه، فمرّ به رجل، فَقَالَ له: مَن قطع رِجْلَك؟ قَالَ: وسادتي، فما رئي أشجع منه [4] ، ثمّ قتله سحيم الحدّاني [5] .
__________
[1] هذه الترجمة كلها ساقطة من نسخة الدار، فاستدركتها من منتقى ابن الملّا، ع.
[2] تاريخ خليفة 168 و 180 و 181 و 183 و 195، البرصان والعرجان للجاحظ 169 و 242، المعارف 196، فتوح البلدان 530، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 122 و 549 و 590، و 5/ 95 و 97، تاريخ الطبري 4/ 326 و 349 و 353 و 375 و 378 و 434 و 435 و 466 و 470 و 471 و 475 و 481، الخراج وصناعة الكتابة 413، مروج الذهب 3/ 87، جمهرة أنساب العرب 298، العقد الفريد 4/ 286 و 292 و 293، الاستيعاب 1/ 324- 327، الكامل في التاريخ 3/ 144 و 158 و 161 و 193 و 214 و 217 و 219 و 226 و 241 و 260، أسد الغابة 2/ 39، 40 وفيات الأعيان 7/ 59، الإصابة 1/ 379 رقم 1994، سير أعلام النبلاء 3/ 531، 532 رقم 136.
[3] تاريخ خليفة 180، فتوح البلدان 530، أسد الغابة 2/ 40، الاستيعاب 1/ 324.
[4] أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 122، 123، أسد الغابة 2/ 40، الاستيعاب 1/ 325.
[5] في المنتقى لابن الملّا، والاستيعاب 1/ 325 «الحرّاني» بالراء، وهو تحريف، والتصويب من

(3/495)


الزّبير بن العوّام [1] ع
__________
[ () ] النسخة (ع) ، وسير أعلام النبلاء 3/ 532، وفي تاريخ خليفة 183 يقال له «ضخيم» ، ويقال «يزيد بن الأسحم الحدّاني» .
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 133 و 140 و 176 و 216 و 223 و 227 و 330 و 332، المغازي للواقدي 27 و 51 و 54 و 76 و 85 و 102 و 148 و 151 و 154 و 228 و 240 و 252 و 259 و 289 و 307 و 311 و 323 و 364 و 380 و 387 و 405 و 457 و 471 و 472 و 496 و 498 و 504 و 513 و 520 و 524 و 657 و 672 و 688 و 698 و 710 و 716 و 717 و 723 و 797 و 800 و 801 و 819 و 825 و 828 و 832 و 850 و 858 و 859 و 917 و 944 و 996 و 1053 و 1054، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 72 و 77 و 127 و 141 و 162 و 164 و 169 و 173 و 232 و 248 و 343 و 345، فتوح الشام للأزدي 1، أخبار مكة للأزرقي 1/ 122 و 2/ 286، مسند أحمد 1/ 164- 167، نسب قريش 20 و 22 و 103 و 104 و 106 و 145 و 174 و 230 و 236 و 238 و 239 و 365 و 375 و 384 و 387، البرصان والعرجان للجاحظ 69 و 71 و 195 و 243، الزهد لابن المبارك 392، طبقات ابن سعد 3/ 100- 113، تاريخ خليفة 67 و 82 و 99 و 112 و 142 و 147 و 148 و 180- 184 و 186 و 187 و 201، طبقات خليفة 13 و 189 و 291، المحبّر لابن حبيب 54 و 65 و 66 و 72 و 100 و 124 و 132 و 172 و 173 و 189 و 290 و 404 و 406 و 408 و 410 و 437 و 446 و 474، عيون الأخبار 1/ 44 و 129 و 195 و 4/ 17 و 25 و 115، التاريخ لابن معين 2/ 172، المعارف 128 و 142 و 157 و 159 و 168 و 219 و 220 و 221 و 223 و 226 و 311 و 575 و 585، ترتيب الثقات للعجلي 164 رقم 456، الأخبار الموفقيّات 316 و 629، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 87 رقم 84، المعرفة والتاريخ 2/ 412- 414، التاريخ الكبير 3/ 409، 410 رقم 1359، أنساب الأشراف 1/ 90 و 146 و 188 و 201 و 227 و 270 و 271 و 289 و 297 و 300 و 318 و 319 و 328 و 334 و 336 و 354 و 355 و 358 و 365 و 400 و 421 و 430 و 471 و 523 و 524 و 581 و 583 و 585، ق 3/ 4 و 41 و 56 و 68 و 70 و 285 و 288 و 289 و 294 و 313، و 4/ 18 و 66 و 84 و 101 و 125 و 131، ق 4 ج 1/ 556- 560، و 5/ 16- 19 و 66- 70، فتوح البلدان 11- 13 و 21 و 22 و 32 و 43 و 109 و 249 و 250 و 251 و 335، أخبار القضاة لوكيع 363، و 2/ 67، و 3/ 15، الزاهر للأنباري 1/ 211 و 2/ 99، الجرح والتعديل 3/ 578 رقم 2627، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام 7/ 112) تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 252) ، المنتخب من ذيل المذيّل 507، الخراج وصناعة الكتابة 206 و 214- 216 و 264 و 337، مشاهير علماء الأمصار 7، 8 رقم 9، الاستيعاب 1/ 580- 585، جمهرة أنساب العرب 121، 122، مروج الذهب 2/ 372، ربيع الأبرار 4/ 38 و 259 و 274 و 297، ثمار القلوب 14 و 96 و 112 و 294 379، حلية الأولياء 1/ 89- 92 رقم 6،

(3/496)


ابن خُوَيْلِدِ [2] بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصيّ بن كلاب، أَبُو عبد الله القُرَشيّ الأزديّ المكّي، حواريّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وابن عمِّته صفيّة، وأحدُ العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد السّتّة أهل الشُّورَى، شهِدَ بدْرًا والمشاهد كلَّها، أسلم وهو ابن ستّ عشرة سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام. وهو أول من سلّ سيفه في سبيل الله.
له أحاديث يسيرة، روى عنه ابناه عبد الله، وعُرْوَة، ومالك بن أوس ابن الحَدَثَان، والأحنف بن قيس، وحُكَيْم مولى الزُّبَيْر وغيرهم.
قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَسْلَمَ أَبِي وَلَهُ ثَمَانِي سِنِينَ. وَنَفَحَتْ نَفْحَةٌ [3] مِنَ الشَّيْطَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بأعلى مكّة،
__________
[ () ] الكنى والأسماء للدولابي 1/ 9، البدء والتاريخ 5/ 83، 84، المستدرك 3/ 359- 368، الأسامي والكنى (مخطوط دار الكتب 1 (ورقة 301، 302) ، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 358- 371، لباب الآداب 172- 178 و 304، التذكرة الحمدونية 2/ 273 و 475 و 478، صفة الصفوة 1/ 342- 355 رقم 7، تلقيح فهوم أهل الأثر 366، الزيارات للهروي 17 و 81، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام 13/ 136) ، أسد الغابة 2/ 196- 199، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 194- 196، تحفة الأشراف للمزّي 3/ 177- 188 رقم 157، نهاية الأرب 20/ 89- 100، وفيات الأعيان 3/ 18 و 69 و 255 و 4/ 349 و 5/ 8 و 7/ 59 و 60 و 216، تهذيب الكمال 1/ 426، 427، الرياض النضرة 262، الجمع بين رجال الصحيحين 150، جامع الأصول 9/ 5- 10، المعجم الكبير للطبراني 1/ 118- 126 رقم 6، دول الإسلام 1/ 30، العبر 1/ 37، الكاشف 1/ 249 رقم 1639، تلخيص المستدرك 3/ 359- 368، سير أعلام النبلاء 1/ 41- 67 رقم 3، مجمع الزوائد 9/ 150- 153، مرآة الجنان 1/ 97- 99، البداية والنهاية 7/ 249- 251، الوافي بالوفيات 14/ 180- 184 رقم 247، شفاء الغرام 1/ 49 و 55 و 58 و 59 و 142 و 361 و 497 و 2/ 214- 216 و 446، 447، العقد الثمين 4/ 429، تهذيب التهذيب 3/ 318، 319 رقم 592، تقريب التهذيب 1/ 259 رقم 28، النكت الظراف 3/ 181- 188، الإصابة 1/ 545، 546 رقم 2789، خلاصة تذهيب التهذيب 121، تاريخ الخميس 1/ 172، كنز العمال 13/ 204- 212، شذرات الذهب 1/ 42- 44، خزانة الأدب للبغدادي 2/ 468 و 4/ 350، التاريخ الصغير 1/ 75.
[2] في نسخة دار الكتب «خالد» ، والتصويب من بقيّة النسخ ومصادر الترجمة.
[3] في طبعة القدسي 3/ 298 «نفخت نفخة» ، وهو تحريف.

(3/497)


فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ غُلامٌ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَعَهُ السَّيْفُ، فَمَنْ رَآهُ عَجِبَ وَقَالَ: الْغُلامُ مَعَهُ سَيْفٌ، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «مالك» ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَتَيْتُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي مَنْ أَخَذَكَ» [1] . وقد روي أنه كان طويلًا إذا ركِب تخطُّ رجْلاه الأرض، وأنّه كان خفيف العارضين واللّحية [2] .
وذكر يعقوب بن شيبة بإسناد ليّن، عن الزّهريّ قال: كان الزّبير طويلا أزرق أخضر الشّعر.
وَقَالَ أَبُو نعيم: كان رَبْعَةً. خفيف اللَّحْم والِّلحْيَة، أسمر أشعر لَا يَخْضِب.
وَقَالَ الواقديّ: ليس بالقصير ولا بالطويل خفيف اللّحية أسمر] [3] [4] .
وقد ذَكَرْنَا أنّه انصرف عن القتال يوم الجمل، فلحقه ابن جُرْمُوز فقتله غِيلةً.
وثبت في «الصحيح» أنّ الزُّبَيْر خلَّف أملاكًا بنحو أربعين ألف ألف درهم وأكثر، وما ولي إمارةً قطّ ولا خَرَاجًا، بل كان يتّجر ويأخذ عطاءه، وقيل: إنّه كان له ألف مملوك يؤدُّون إليه الخَرَاج، فربّما تصدّق بخراجهم
__________
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 360، 361 من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 89 من طريق الإمام أحمد، وعن حمّاد بن أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة. ورجاله ثقات. وانظر: الاستيعاب 1/ 581، وأسد الغابة 2/ 197، والإصابة 1/ 545.
[2] أخرجه ابن سعد 3/ 107، والطبراني 1/ 118 و 119 رقم 223 و 224، والحاكم 3/ 360، وابن عساكر 5/ 360، والهيثمي 9/ 150، والمقدسي في البدء والتاريخ 5/ 83.
[3] ابن سعد 3/ 107، ابن عساكر 5/ 360، المقدسي في البدء والتاريخ 5/ 83.
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب، والمستدرك من النسخة (ع) ، وقول الواقدي مستدرك من منتقى ابن الملّا.

(3/498)


كلّه في مجلسه قبل أن يقوم [1] .
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ أَخِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَارَبَنِي خَمْسَةٌ: حَارَبَنِي أَطْوَعُ النَّاسِ فِي النَّاسِ عَائِشَةُ، وَأَشْجَعُ النَّاسِ الزُّبَيْرُ، وَأَمْكَرُ النَّاسِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، لَمْ يُدْرِكْهُ مَاكِرٌ قَطُّ، وَحَارَبَنِي أَعْبَدُ النَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كَانَ مَحْمُودًا حَتَّى اسْتَزَلَّهُ [2] أَبُوهُ، فَخَرَجَ بِهِ، وَحَارَبَنِي أَعْطَى النَّاسِ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ، كَانَ يُعْطِي الرَّجُلَ الْوَاحِدَ الثَّلاثِينَ دِينَارًا وَالسِّلاحَ وَالْفَرَسَ عَلَى أَنْ يُقَاتِلَنِي [3] . وعن موسى بن طلحة بن عُبَيْد الله، أن عليًّا والزُّبَيْر، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص وُلِدوا في عام واحد [4] .
وقال اللّيث، عن أبي الأسود، إنّ الزُّبَيْر أسلم وهو ابن ثماني سِنِين [5] .
وقد ذكرنا أنّ الزُّبَيْر كان يوم بدْرٍ على فَرَس، وأنّه كان لابسًا، عمامةً صفراء، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر [6] .
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 365 و 370.
[2] في منتقى ابن الملّا (استفزّه) .
[3] راوي هذا الخبر «أبو فروة أخو إسحاق» لا يعرف، ولهذا فهو خبر لا يصحّ.
[4] وانظر سير أعلام النبلاء 1/ 44.
[5] انظر الحاشية رقم (1) في الصفحة السابقة.
[6] هذا الخبر رواه المؤلّف في «سير أعلام النبلاء 1/ 46» من طريق: الزبير بن بكار، عن عقبة بن مكرم، عن مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر الباقر.
وسعد بن طريف متروك. (الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ- ص 100 رقم 266، أحوال الرجال للجوزجانيّ- ص 58 رقم 51، الكامل في الضعفاء لابن عديّ 2/ 36، الضعفاء للعقيليّ 2/ 120 رقم 598، التاريخ الابن معين 2/ 191 وقال: لا يحلّ لأحد أن يروي عنه، المجروحين لابن حبّان 1/ 357، ميزان الاعتدال 2/ 122، تقريب التهذيب 1/ 287، الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث لبرهان الدين الحلبي- ص 191 رقم 307) .
والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 103 من طريق محمد بن عمر، عن موسى بن محمد بن

(3/499)


وفيه يَقُولُ حسان بن ثابت:
أقام على عهد النّبيّ وهدْيهِ ... حَوَارِيُّهُ والقولُ بالفِعْلِ يكمل [1]
أقام على مِنْهاجِه وطريِقهِ ... يُوَالِي وَلِيَّ الْحَقِّ والحقُّ أعْدَلُ
هو الفارسُ المشهورُ والبطل الَّذِي ... يصولُ إذا مَا كان يَوْمٌ مُحَجَّلُ
إذا كَشَفَتْ عن ساقِها الحربُ حَشَّها [2] ... بأبيضَ سَبّاقٍ إلى الموت يُرْقِلُ [3]
فما مِثْلُه فيهم ولا كان قَبْلَهُ ... وليس يكون الدَّهْرُ مَا دام يَذْبُلُ [4]
ثناؤك خيرٌ من فِعالِ معاشِرٍ ... وَفِعْلُكَ يا بن الهاشميَّة أفْضَلُ
فكم كُربةٍ ذبَّ الزُّبَيْر بسيْفِه ... عن المصطفى والله يعطي فيجزل [5]
__________
[ () ] إبراهيم، عن أبيه، عن الزبير. ومن طريق: وكيع، عن هشام بن عروة، عن رجل من ولد الزبير. وقال مرة: عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير. ومرة ثانية: عن حمزة بن عبد الله، قال: كان على الزبير ... ومن طريق: عمرو بن عاصم الكلابي، عن همام، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كانت على الزبير.. كما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 120 رقم 230 من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عن عروة. وأخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» 6/ 84 وهو مرسل صحيح الإسناد. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 361 من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن هشام بن عروة، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 361 عن ابن إسحاق مرسلا، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 197، والزمخشريّ في ربيع الأبرار 4/ 38.
[1] هكذا في الأصل، وفي ديوان حسّان، وسير أعلام النبلاء للمؤلّف، ومجمع الزوائد للهيثمي «يعدل» .
[2] أي أشعل الحرب وأسعرها.
[3] في النسخ «يرحل» والتصحيح من الديوان وغيره. ويقال: أرقل القوم إلى الحرب إرقالا، أي أسرعوا، والإرقال: ضرب من الخبب، وهي سرعة سير الإبل.
[4] يذبل: بالفتح ثم السكون. هو جبل مشهور الذكر بنجد في طريقها. (معجم البلدان 5/ 443) .
[5] الأبيات في: ديوان حسّان 199، 200 طبعة دار صادر بيروت، والأغاني 4/ 144، والمستدرك للحاكم 3/ 362، 363، والاستيعاب 1/ 583، وحلية الأولياء 1/ 90، وأسد الغابة 2/ 198، وربيع الأبرار 4/ 274، ونهاية الأرب 20/ 95، 96، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 365، والوافي بالوفيات 14/ 183، 184، وسير أعلام النبلاء 1/ 56، وفي الإصابة 9/ 545 بيتان.

(3/500)


وفيه يَقُولُ عامر بن عبد الله بن الزُّبَيْر:
جَدِّي ابنُ عَمِّهِ أحمدٍ ووزِيرُه ... عند البَلاء وفارِسُ الشَّقْراءِ [1]
وغداة بدْرٍ كان أوّلَ فارسٍ ... شهِدَ الْوَغَى في الّلأمَةِ الصَّفْراء
نَزَلَتْ بسِيماه الْمَلَائِكُ نُصْرَةً ... بالحوضِ يوم تألُّبِ الأعداءِ
وعن عُرْوَة- وهو في الصحيح- أنّ عائشة قالت: يا بن أختي كان أبي [2] تعني أبا بكر الصِّدِّيق- والزُّبَيْر من الذين استجابوا للَّه وللرّسول من بعد مَا أصابهم القرح [3] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الخندق: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ بَنِي قُرَيْظَةَ» ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَذَهَبَ عَلَى فَرَسٍ فَجَاءَ بِخَبَرِهِمْ، ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ [4] » . وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وحواريي من أمّتي» [5] .
__________
[1] في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 361 «العشواء» .
[2] في منتقى أحمد الثالث، ع (أبواك) .
[3] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة 4/ 1881 رقم (2418/ 52) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، وابن سعد في الطبقات 3/ 104.
[4] أخرجه أحمد في المسند 3/ 307 و 314 و 338 و 365، والبخاري في فضائل الصحابة رقم (3719) باب مناقب الزبير، ومسلم في فضائل الصحابة (2415) باب فضائل الزبير، والطبراني في المعجم الكبير 1/ 119 رقم 227، والترمذي في المناقب (3745) باب مناقب الزبير، وابن ماجة في المقدّمة (122) باب فضائل الزبير، وابن سعد في الطبقات 3/ 105، والحميدي في مسندة (1231) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 5/ 361) ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 581، وابن حجر في الإصابة 1/ 546.
[5] إسناده صحيح، وأخرجه أحمد في المسند 3/ 314.

(3/501)


وَقَالَ عَاصِمٌ، عَنْ [1] زِرٍّ اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيّ [وَأَنَا عِنْدَهُ] [2] ، فَقَالَ: بَشِّرْ قَاتِلَ ابْن صَفيَّةَ بِالنَّارِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ [3] » . الْحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْحَوَارِيُّ: الْخَلِيلُ، وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: الْحَوَارِيُّ: الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ قَالَ: إِرْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» [4] . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ: ضرب الزُّبَيْر يوم الخَنْدَق عثمانَ بنَ عبد الله بن المُغِيرَة بالسيّف فَقَدَّه إلى القُرْبُوس [5] ، فقالوا: مَا أجْوَدَ سيفك، فغضب، يعني أنّ العمل لِيَدِه لَا لسَيْفِهِ [6] .
وعن الزُّبَيْر أنّه دخل يوم الفتح ومعه لواءان: لواؤه، ولواء سعد بن عبادة [7] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «عاصم عن زر» ، وهو خطأ، والتصحيح من منتقى ابن الملّا، وسير أعلام النبلاء.
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب والاستدراك من منتقى ابن الملا، وسير أعلام النبلاء.
[3] إسناده حسن، وأخرجه أحمد في المسند 1/ 89 و 102 و 103، والترمذي في المناقب (3745) ، والطبراني/ 119 رقم 228 و 123 رقم 243، والحاكم في المستدرك 3/ 367 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وابن سعد في الطبقات 3/ 105، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 361، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 199.
[4] أخرجه أحمد في المسند 1/ 164، وابن ماجة في المقدّمة (123) باب فضل الزبير، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 582، وابن سعد في الطبقات 3/ 106، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 197، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 362، والنويري في نهاية الأرب 20/ 91، وابن حجر في الإصابة 1/ 545.
[5] القربوس: بالتحريك، مقدّم السّرج ومؤخّره.
[6] الخبر مرسل، وهو في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 362.
[7] مجمع الزوائد للهيثمي 6/ 169، المطالب العالية لابن حجر (4357) ونسب فيهما لأبي يعلى.
وانظر سند الحديث والتعليق عليه في سير أعلام النبلاء 1/ 51.

(3/502)


وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ يَلْمَقَ [1] حَرِيرٍ، مَحْشُوٍّ بِالْقَزِّ يُقَاتِلُ فِيهِ [2] .
وَقَالَ سُفْيان الثَّوريّ: كان هؤلاء الثّلاثة نجدَة أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حمزة وعليّ والزُّبَيْر.
وَقَالَ عروة: كان في الزُّبَيْر ثلاث ضربات بالسيف، إحداهُنَّ في عاتقه، إنْ كنت لأدْخِلُ أصابعي فيها، ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يوم بدْر، وواحدة يوم اليَرْمُوك. وَقَالَ عُرْوة: أخذ بعضُنا سيفَ الزُّبَيْر بثلاثة آلاف [3] .
وَقَالَ سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ [4] .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَشْرَةِ إِنَّهُمْ في الجنّة فذكر منهم الزّبير [5] .
__________
[1] اليلمق: قباء، وهو فارسيّ معرّب، أصله «يلمه» . قاله الجوهري. (شفاء الغليل) .
[2] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 362، كنز العمال (36629) .
[3] أخرجه البخاري في المغازي (3973) باب قتل أبي جهل، وفي فضائل الصحابة، (3721) باب مناقب الزبير، وانظر المغازي (3975) باب قتل أبي جهل. وأخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 363.
[4] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2417) باب فضائل طلحة والزبير، من طريق سليمان بْن بلال، عَنْ يحيى بْن سعيد، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة، وفيه عليّ.
وأخرجه والترمذي (3697) من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة. وأخرجه خيثمة الأطرابلسي في فضائل الصحابة من طريق: جَعْفَر بْن محمد بْن الْحَسَن بْن زياد الزعفرانيّ، عن إبراهيم بن موسى، عن محمد بن أنس، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل. (انظر كتابنا: «من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي- ص 95- طبعة دار الكتاب العربيّ، بيروت 1400 هـ-/ 1980 م) . وابن عساكر في (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 363.
[5] انظر فضائل الصحابة (بتحقيقنا) «من حديث خيثمة» - ص 95.

(3/503)


وَقَالَ عُرْوَة: قَالَ عمر بن الخطّاب: لو عهِدْت أو تركتُ ترِكَةً، كان أحبّهم إليّ الزُّبَيْر، [إنّه رُكْنٌ من أركان الدين [1] .
وَقَالَ عُرْوَة: أوصى سبعةٌ من الصحابة إلى الزُّبَيْر] [2] منهم عثمان وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوْف، فكان يُنْفِقُ على الوَرَثة من ماله، ويحفظ عليهم أموالهم [3] .
وَقَالَ هشام بن عُرْوَة: لمّا قُتِلَ عمرُ محا الزُّبَيْر بن العوّام نَفْسَه من الدّيوان [4] .
وروى أحمد في «مسنده» [5] من حديث مُطَرِّف قَالَ: قلت للزُّبَيْر: يا أبا عبد الله مَا شأنكم ضيَّعتُم عثمان حتّى قُتِلَ، ثمّ جئتم تطلبون بدمه؟! فَقَالَ الزُّبَيْر: إنّا قرأناها عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً 8: 25 [6] ، لم نكن نحسب أنّا أهلُها، حتّى وقعت منّا حيثُ وَقَعَتْ.
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ قال: كانت
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 120 رقم (232) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 365 وفي سنده عند الطبراني: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الزبير المدني. وهو متروك الحديث يروي الموضوعات عن الثقات. (المجروحين 2/ 10، الجرح والتعديل 5/ 158، ميزان الاعتدال 2/ 486، الكشف الحثيث 247 رقم 410) .
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من المنتقى لابن الملّا.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 365.
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 22 رقم 240، وابن سعد في الطبقات 3/ 107، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 366.
[5] بسند حسن 1/ 165 وذكره ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 367، والسيوطي في «الدرّ المنثور» 3/ 177 ونسبه الى أحمد، والبزّار، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن عساكر، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 7/ 27 وقال: رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحاح.
[6] سورة الأنفال- الآية 25.

(3/504)


أُمُّ كُلْثُومَ بِنْت عُقْبة [1] بْن أَبِي مُعَيْط تَحْتَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَتْ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ، وَكَانَتْ لَهُ كَارِهَةً، تَسْأَلُهُ الطَّلاقَ، فَيَأْبَى حَتَّى ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ خَرَجَ، فَوَضَعَتْ، فَأَدْرَكَهُ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ. وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «سَبَقَ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْطُبْهَا» قَالَ: لا تَرْجِعُ إِلَيَّ أَبَدًا. قَالَ الواقديّ: ثمّ تزوّجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له إبراهيم وحُميدًا. قاله يعقوب بن شيْبة [2] .
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّ طَلْحَةَ يُسَمِّي بَنِيهِ بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي أُسَمِّي بِأَسْمَاءِ الشُّهَدَاءِ لَعَلَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ: عَبْدِ اللَّهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَالْمُنْذِرِ بِالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو، وَعُرْوَةَ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَحَمْزَةَ بِحَمْزَةَ، وَجَعْفَرٍ بِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُصْعَبٍ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعُبَيْدَةَ بِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَخَالِدٍ بِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَمْرٍو بِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قُتِلَ بِالْيَرْمُوكِ [3] .
وَقَالَ فُضَيْل بن مرزوق: حدّثني شقيق بن عقبة، عن قُرَّةَ بن الحارث، عن جون [4] بن قَتَادة قَالَ: كنت مع الزُّبَيْر يوم الجمل، فكانوا يسلمون عليه بالإمرة.
وَقَالَ حُصَيْن بن عبد الرحمن، عن عَمْرو بن جاوان قَالَ: كان أوّل قتيل
__________
[1] في نسخة دار الكتب «عتبة» وهو تحريف.
[2] ابن سعد في الطبقات 8/ 230، 231.
[3] ابن سعد 3/ 101.
[4] في ع (جول) ولعلّه من تصحيف السمع، إذا كان النّاسخ يملي عليه ممل.

(3/505)


طلْحة، وانهزموا، فانطلق الزُّبَيْر فلقِيَه النّعِرُ [1] المُجَاشِعِيّ فَقَالَ: تعال يا حَوَارِيَّ رسول الله فأنت في ذمّتي، فسار معه، وجاء رجلٌ إلى الأحنف بن قيس، فذكَر أنّه رأى الزُّبَيْر بسَفَوَان [2] فَقَالَ: حمل بين المُسْلِمين، حتّى إذا ضرب بعضُهم حواجِبَ بعضٍ بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه، قَالَ: فسمعها عُمَيْر بن جُرْمُوز المُجَاشِعِيّ، وفَضَالةُ بن حابسٍ، ورجل [3] ، فانطلقوا حتّى لقوه مع النَّعِر، فأتاه ابن جُرْمُوز من خلفه، فطعنه طعنةً ضعيفة. فحمل عليه الزُّبَيْر، فلمّا استلْحمه وظنّ أنّه قاتله، قَالَ: يا فضّالة يا فلان [4] ، فحملوا على الزُّبَيْر فقتلوه، وقيل: طعنه ابن جُرْمُوز ثانيةً فوقع [5] .
وَقَالَ ابن عَوْن: رأيت قاتل الزُّبَيْر، وقد أقبل على الزُّبَيْر، فأقبل عليه الزُّبَيْر، فَقَالَ الزُّبَيْر: أُذَكِّرُكَ الله، فكفَّ عنه الزُّبَيْر حتّى صنع ذلك غير مرّة، فَقَالَ الزُّبَيْر: مَا له- قاتَلَهُ اللَّهُ- يُذَكِّرُنا باللَّه وينساه.
وعن أبي نَضْرَةَ قَالَ: جاء أعرابيُّ برأس الزُّبَيْر إلى علي، فَقَالَ: يا أعرابيُّ تَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ من النّار [6] . وَقَالَ أَبُو جعفر محمد بن عليّ الباقر: قَالَ عليّ: إنّي لأرجو أنْ أكون أنا، وطلحة، والزُّبَيْر من الذين قَالَ الله: وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ من غِلٍّ 7: 43
__________
[1] في المنتقى لابن الملّا (النّضر) وهو وهم، على ما في سير أعلام النبلاء 1/ 60 وتاريخ الطبري 4/ 498 وغيرهما.
[2] سفوان: بالتحريك، ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة. (معجم البلدان 3/ 225) .
[3] يقال له «نفيع» . انظر سير أعلام النبلاء 1/ 61.
[4] في سير أعلام النبلاء «يا فضالة، يا نفيع» .
[5] المعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 311، 312، المطالب العالية لابن حجر (4466) ، وانظر تاريخ الطبري 4/ 498، 499، والإصابة 1/ 528، وطبقات ابن سعد 3/ 111، 112.
[6] انظر سير أعلام النبلاء 1/ 61.

(3/506)


إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [1] 15: 47 [2] . وَقَالَ منصور بن عبد الرحمن الغُدّانيّ: سمعت الشّعبيّ يقول. أدركت خمسمائة أو أكثر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: عليّ، وعثمان، وطلحة، والزُّبَيْر في الجنة [3] .
وفيه يَقُولُ جرير:
إنّ الرَّزِيةَ مَن تَضَمَّنَ قبرَه ... وادي السِّباع لِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
لمّا أتى خبرُ الزُّبَيْر تَوَاضَعَتْ ... سور المدينة والجبال الخشّع [4]
وقال عُرْوَة: ترك أبي من العُرُوض خمسين ألف ألف دِرْهم، ومن العين خمسين ألف ألف دِرْهم. هذه رواية أبي أُسامة، عن هشام، عن أبيه، وروى ابن عُيَيْنَة عنه، عن أبيه قَالَ: اقتُسِم مالُ الزُّبَيْر على أربعين ألف ألف [5] .
وادي السِّباع على سبعة فَرَاسخ من البصرة.
__________
[1] سورة الحجر- الآية 47.
[2] وأخرجه ابن سعد 3/ 113 من طريق قبيصة بن عقبة، عن سفيان بن منصور، عن إبراهيم.
[3] قال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 1/ 62: «قلت: لأنّهم من العشرة المشهود لهم بالجنة ومن البدريين، ومن أهل بيعة الرضوان، ومن السابقين الأوّلين الذين أخبر تعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه، ولأن الأربعة قتلوا، ورزقوا الشهادة، فنحن محبّون لهم، باغضون للأربعة الذين قتلوا الأربعة» . وانظر: تهذيب تاريخ دمشق 5/ 369.
[4] في طبقات ابن سعد 3/ 113 ثلاثة أبيات، وقد نسبها إلى جرير بن الخطفي، وكذلك في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 369، والبيتان في ديوان جرير يهجو الفرزدق من قصيدة طويلة (340- 351) مطلعها:
بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما رفعوا لبين تجزع
[5] رجاله ثقات. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 361، وابن سعد في الطبقات 3/ 110، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 5/ 370، وقد أخرجه ابن سعد من طريق: عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن سفيان بن عيينة، وأخرجه الحاكم من طريق: محمد بن إسحاق، عن قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن مجالد، عن الشعبيّ.

(3/507)


وَقَالَ البُخَارِيّ: إنّه قُتلِ في رجب [1] .
وَقَالَ ابن عُيَيْنَة: جاء ابن جُرْمُوز إلى مُصْعَب بن الزُّبَيْرِ، يعني أيّام ولي العراق لأخيه فَقَالَ: أقدني بالزُّبَيْر، فكتب في ذلك إلى عبد الله بن الزُّبَيْر، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ ولا بشسع نعله [2] .
وعن عبد الله بن عُرْوَة، أنّ ابن جُرْمُوز مضى من عند مُصْعَب، حتّى إذا كان ببعض السّواد، لحِق بقصرٍ هناك، عليه زَجٌّ [3] ، ثمّ أمر إنسانًا أن يطرحه عليه، فطرحه عليه فقتله، وكان قد كرِه الحياة لما كان يُهَوَّل عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى مَا فعل.
[ (زيد بن صُوحان العَبْدِيّ)
[4] أخو صعصعة، يقال: له وفادة على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ مِنْ عمر، وعليّ.
__________
[1] التاريخ الكبير 3/ 409.
[2] قال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 1/ 64: «أكل المعثّر يديه ندما على قتله، واستغفر، لا كقاتل طلحة، وقاتل عثمان، وقاتل عليّ. وانظر الخبر في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 371.
[3] الأزج: محرّكة. ضرب من الأبنية، وفي الصّحاح، والمصباح، واللسان: الأزج: بيت يبنى طولا. (تاج العروس 5/ 404) .
[4] طبقات ابن سعد 6/ 123- 126، أخبار مكة 2/ 173، البرصان والعرجان للجاحظ 247، تاريخ خليفة 190، طبقات خليفة 144، التاريخ الكبير 3/ 397 رقم 1325، المعارف 402، المعرفة والتاريخ 3/ 312، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 528 و 532، و 5/ 40 و 41 و 43، الكنى والأسماء للدولابي 2/ 20، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام 10/ 258) ، الجرح والتعديل 3/ 565 رقم 2558، العقد الفريد 4/ 317، الاستيعاب 1/ 559- 561، مشاهير علماء الأمصار 101 رقم 745، جمهرة أنساب العرب 205، تاريخ بغداد 8/ 439، 440 رقم 4549، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 12- 16، أسد الغابة 2/ 233، 234، الكامل في التاريخ 3/ 144 و 158 و 216 و 228 و 229 و 232 و 245 و 246 و 251، التذكرة الحمدونية 2/ 64، مرآة الجنان 1/ 99، الوافي بالوفيات 15/ 32، 33 رقم 35، مجمع الزوائد 9/ 398، تعجيل المنفعة 142، 143 رقم 347، الإصابة 1/ 568 رقم 2910 و 1/ 574 رقم 2950، شذرات الذهب 1/ 44، سير أعلام النبلاء 3/ 525- 528 رقم 133.

(3/508)


روى عنه أَبُو وائل، والعَيْزَار بن حُرَيْث.
وكان صوَّامًا قوَّامًا، فَقَالَ له سَلْمان الفارِسيّ: إنّ لِبَدَنِك عليك حقًا، ولزوجك عليك حقًا، فأقلّ ممّا تصنع [1] .
قتل يوم الجمل] [2] .
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 6/ 15.
[2] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.

(3/509)


سلمان الفارسيّ [1]
__________
[1] السير والمغازي لابن إسحاق 87 و 91 و 92 و 124 و 125 و 287، تهذيب سيرة ابن هشام 127، المغازي للواقدي 445- 447 و 450 و 465 و 927، مسند أحمد 5/ 437- 444، الزهد له 188- 191، الزاهد لابن المبارك 169 و 343 و 344 و 367 و 384 و 420 و 477 و 493 و 560، طبقات ابن سعد 4/ 75- 93، و 6/ 16، 17، التاريخ الكبير 4/ 135، 136 رقم 2235، المحبّر لابن حبيب 75، تاريخ خليفة 191، طبقات خليفة 7 و 140 و 189، أخبار مكة للأزرقي 197 و 326 و 2/ 4، المعارف 263 و 270 و 426، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 85 رقم 56، المعرفة والتاريخ 2/ 551، 552 و 3/ 272- 274، عيون الأخبار 1/ 85 و 268 و 269 و 327 و 2/ 126 و 127 و 356 و 371 و 3/ 8، تاريخ أبي زرعة 1/ 122 و 221، 222 و 648، 649، أنساب الأشراف 1/ 271 و 343 و 366 و 367 و 485- 488 و 591/ فتوح البلدان 559، المنتخب من ذيل المذيّل 531، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام) 10/ 270، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 78، العقد الفريد 2/ 371 و 3/ 15 و 4/ 206 و 6/ 90، الجرح والتعديل 4/ 296، 297 رقم 1289، البدء والتاريخ 5/ 110- 113، مشاهير علماء الأمصار 44 رقم 274، المعجم الكبير للطبراني 6/ 260- 305 رقم 598، ثمار القلوب للثعالبي 162 و 181، ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 150 أو 281 و 334 و 344 و 369 و 377، حلية الأولياء 1/ 185- 208 رقم 34، الاستيعاب 2/ 56- 61، المستدرك 3/ 598- 104- 604، الأسامي والكنى (مخطوط دار الكتب) ، ورقة 304، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 190- 211، التذكرة الحمدونية 1/ 56 و 66 و 123 و 126 و 130 و 137 و 138 و 144 و 187، الزيارات للهروي 76، أسد الغابة 2/ 328- 332، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام) 13/ 155، تحفة الأشراف للمزّي 4/ 26- 35 رقم 200، تهذيب الكمال 1/ 520، 521، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 226- 228 رقم 219، صفة الصفوة 1/ 523- 556 رقم 59، سير أعلام النبلاء 1/ 505- 558 رقم 91، دول الإسلام 1/ 31، الكاشف 1/ 304 رقم 2038، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 49، تلخيص المستدرك 3/ 598- 604 ذكر أخبار أصبهان 1/ 48- 57، مرآة الجنان 1/ 100، الوافي بالوفيات 15/ 309، 310 رقم 433، الوفيات لابن قنفذ 54 رقم 35، مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 332- 344، شفاء الغرام 1/ 138 و 276، تهذيب التهذيب 4/ 137- 139 رقم 233، تقريب التهذيب 1/ 315 رقم 346، النكت الظراف 4/ 27- 35، الإصابة 2/ 62، 63 رقم 3357، خلاصة تذهيب التهذيب 147، كنز العمال 13/ 421 شذرات الذهب 1/ 44، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) 16/ 92 و 24/ 378، تاريخ بغداد 1/ 163- 171 رقم 12، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1/ 332، موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان (من تأليف المحقّق) 2/ 297- 299 رقم 641.

(3/510)


ع [2] أَبُو عبد الله الرامَهُرْمُزِيّ [3] ، وقيل الأصبهانيّ، سابقُ الفُرْس إلى الإسلام، خَدَمَ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصَحِبَه.
روى عنه ابن عباس، وأنس أبو الطّفيل، وأبو عثمان النّهديّ، وأبو عمر [4] زاذان، وجماعة سواهم.
ثُقْبان: ثنا يعقوب بن سُفْيَان الفَسَوِيّ، ثنا زكريا بن نافع [5] الأرْسُوفيّ [6] ، ثنا السَّرِيّ بن يحيى، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كان سَلْمان من أهل رامَهُرْمُز، فجاء راهبٌ إلى جبالها يتعبّد، فكان يأتيه ابن دِهْقان [7] القرية، قَالَ: ففَطِنْت له، فَقُلْتُ: اذهب بي معك، فَقَالَ: لَا، حتّى أستأمِرُه، فاستأمره، فَقَالَ: جيء به معك، فكنّا نختلف إليه، حتّى فطِن لذلك أهل القرية، فقالوا: يا راهب، إنّك قد جاورْتَنا فأحْسَنّا جِوَارَك، وإنّا نراك تريد أن تُفْسِد علينا غِلماننا، فاخرُجْ عن أرضنا، قَالَ: فخرج، وخرجت معه، فجعل لَا يزداد ارتفاعًا في الأرض، إلّا ازداد معرفةً وكرامةً، حتّى أتى الموصل، فأتى جبلًا من جبالها، فإذا رُهْبانٌ سبعة، كلّ رجل في غارٍ يتعبد فيه، يصوم ستّة أيّام ولياليهنّ، حتّى إذا كان يوم السابع، اجتمعوا فأكلوا وتحدّثوا.
فَقُلْتُ لصاحبي: اتركني عند هؤلاء [إن شئت، قَالَ: فمضى وَقَالَ:
إنّك لَا تُطِيق مَا يُطيق هؤلاء، وكان ملك بالشّام يقتل] [8] النّاس، فأبى عليّ
__________
[2] الرمز مستدرك من مصادر الترجمة.
[3] في نسخة دار الكتب «الرامهرمزيّ» وهو تحريف.
[4] في النسخة (ع) «عمرو» وهو تحريف.
[5] «نافع» ساقطة من نسخة دار الكتب، واستدركتها من منتقى أحمد الثالث، و (ع) .
[6] الأرسوفي: بضمّ الألف وسكون الراء المهملة وضمّ السين المهملة. نسبة الى أرسوف، مدينة على ساحل بحر الشام. (الأنساب 1/ 185) .
[7] دهقان: كلمة فارسية، أصلها: ده خان، أي رئيس القرية، (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة- السيد ادّي شير- ص 68- طبعة مكتبة لبنان 1980) .
[8] ما بين الحاصرتين زيادة من منتقى الأحمدية.

(3/511)


إلّا أن ننطلق، فَقُلْتُ: فإنيّ اخرج معك، قَالَ: فانطلقت معه. فلمّا انتهينا إلى باب بيت المقدس، فإذا على باب المسجد رجلٌ مُقْعَد قَالَ: يا عبد الله تَصَدَّقْ عليّ، فلم يكن معه شيءٌ يُعْطِيه إيّاه، فدخل المسجد فصلّى ثلاثة أيام ولياليهن، ثُمَّ إنه انصرف، فخطَّ خطًّا وَقَالَ: إذا رأيت الظِّلَّ بلغ هذا الخطَّ فأيِقظْني، فنام، وَقَالَ: فرثيتُ له من طول مَا سهر، فلم أوقظْه حتّى جاوز الخطّ، فاستيقظ فَقَالَ: ألم أقُلْ لك! قلت: إنّي رَثَيْتُ لك من طول مَا سَهِرْتَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إنّي أستحي من الله أن تمضي ساعةٌ من لَيْلٍ أو نهارٍ لَا أذكُرُه فيها، ثُمَّ خرج، فَقَالَ له المُقْعَد: أنت رجلٌ صالحٌ دخلتَ وخرجت ولم تَصّدَّقْ عليّ، فنظر يمينًا وشمالًا فلم ير أحدًا، قَالَ: أرني يَدَك، قم بإذْن الله، فقام ليس به علّة، فشغلني النَّظَرُ إليه، ومضى صاحبي في السَّكَك، فالتفَتُّ فلم أره، فانطلقتُ أطلبُهُ.
قَالَ: وَمَرَّتْ رِفْقَةٌ من العراق، فاحتملوني، فجاءوا بي إلى المدينة، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: ذكرت قولهم: «إنّه لَا يأكل الصَّدَقَةَ وَيَقْبَلُ الهديّة» ، فجئت بطعامٍ إليه، فَقَالَ: «مَا هذا،؟ قلت: صَدَقَة، فَقَالَ لأصحابه: «كُلُوا» ولم يذُقْه، ثمّ إنّي رجعت وجمعت طُعَيْمًا، فَقَالَ: «مَا هذا يا سَلْمان» ؟ قلت: هدية، فأكل، قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أخبرني عن النَّصارى، قَالَ: «لَا خَيْرَ فيهم» ، فقمت وأنا مُثْقَلٌ، قَالَ: فرجعت إليه رجعة أخرى، فَقُلْتُ له: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا فِيمَنْ يُحِبُّهُمْ» ، فقمت وأنا مُثْقَلٌ، فأنزل الله تعالي لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى 5: 82 [1] فأرسل إليّ فَقَالَ: «يا سلمان إنّ صاحبك أو أصحابك من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى» [2] . إسناده جيّد، وزكريا
__________
[1] سورة المائدة، الآية 82.
[2] الأسامي والكنى للحاكم (ورقة 304، 305) .

(3/512)


الأرْسُوفيّ صَدُوقٌ إن شاء الله.
وقد ذكرنا قصَّتَه وكيف [تنقّل في البُلْدان في طلب الْهُدَى، إلى أن وقع في الأسر بالمدينة، وكيف] [1] كاتَبَ مولاه.
قَالَ أَبُو عبد الرحمن القاسم [2] : إنّ سَلْمان زار الشّامَ، فصلّى الإمامُ الظُّهْرَ، ثمّ خرج، وخرج النّاس يَتَلَقَّوْنَهُ كما يُتَلَقَّى الخليفةُ، فلَقِيناه وقد صلّى بأصحابه العصْرَ وهو يمشي، فوقفنا نسلِّم عليه، فلم يبق فينا شريفٌ إلّا عَرَض عليه أن ينزل به، فَقَالَ: جعلتُ على نفسي مرَّتي هذه أنْ أنزِل على بشير بن سعد، وسأل عن أبي الدَّرْداء، فقالوا: هو مُرَابطٌ، قَالَ: أين مُرابطكم؟ قالوا: بيروت، فتوجَّه قِبَلَه [3] .
وَقَالَ أبو عُثْمَانُ النَّهْدِيُّ، عَنْ سَلْمَانَ، تداولني بضعة عشر من ربّ إلى ربّ. أخرجه البخاريّ [4] .
__________
[1] ما بين الحاصرتين زيادة عن منتقى الأحمدية.
[2] هو القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشاميّ. قال في تهذيب التهذيب 8/ 323 ( ... قال أبو زرعة الدمشقيّ: ذكرت لأحمد حديثا حدّثنا به محمد بن المبارك الصّوري عن ... قال) قدم علينا سلمان دمشق. فأنكره أحمد وقال لي: كيف يكون لَهُ هذا الّلقاء وهو مولى خالد بن يزيد بن معاوية؟ قال: فأخبرت عبد الرحمن بن إبراهيم بقول أبي عبد الله، فقال لي: كان القاسم مولى لجويرية بنت أبي سفيان، فورث بنو يزيد بن معاوية ولاءه، فلذلك يقال: مولى بني يزيد بن معاوية. وفي (تاريخ ابن عساكر تحقيق دهمان 10/ 154) : (بشير بن سعد، نزل عليه سلمان الفارسيّ ضيفا لما قدم دمشق) . ثمّ روى ابن عساكر الخبر عن القاسم بن عبد الرحمن.
[3] تاريخ أبي زرعة 1/ 221، 222 رقم 207، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) 16/ 92، التهذيب 6/ 190.
[4] في مناقب الأنصار (3946) باب إسلام سلمان، وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 195، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 2/ 57، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 97، التهذيب 6/ 199، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 534.

(3/513)


وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «سَلْمَانُ سَابِقُ الْفُرْسِ» [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا سَلْمَانُ الْخَنْدَقُ [2] .
وَقَالَ شَرِيكٌ: ثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ [3] ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُمْ:
عَلِيُّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ» [4] . وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إلى ثلاثة: عليّ، وعمّار، وسلمان» [5] . رفعه.
__________
[1] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 149 و 185، والحاكم في المستدرك 3/ 285 من طريق عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس، وإسناده ضعيف لسوء حفظ عمارة، وقال الحاكم:
تفرّد به عمارة بن زاذان، وأقرّه بذلك الذهبي في تلخيصه، وانظر تاريخ دمشق 6/ 93 والتهذيب 6/ 199.
[2] المنتخب من ذيل المذيّل 531، طبقات ابن سعد 6/ 17 وطبقات ابن سعد 4/ 82.
[3] في نسخة دار الكتب «ابن ربيعة» ، والتصويب من منتقى الأحمدية، وسير أعلام النبلاء 1/ 540.
[4] أخرجه أحمد في المسند 5/ 351، والترمذي في المناقب (3720) باب مناقب علي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجة في المقدّمة (149) باب فضل سلمان وأبي ذر، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 190، والحاكم في المستدرك 3/ 130 وقال: صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي فقال: ما خرّج مسلم لأبي ربيعة، وهو في الاستيعاب 2/ 59، وتاريخ دمشق 16/ 94، والتهذيب 6/ 200.
وشريك بن عبد الله سيّئ الحفظ، وأبو ربيعة منكر الحديث كما قال أبو حاتم، وقد وثّقه ابن معين، ومال الذهبي في ميزانه الى تضعيفه.
[5] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 190 وأضاف إليهم «المقداد» ، وأخرجه الطبراني (6045) من طريق حسين بن إسحاق التستري، عن علي بن بحر، عن سلمة بن فضل الأبرش، عن عمران الطائي، عن أنس، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 307 و 344 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي ربيعة الإيادي. وقد حسّن الترمذيّ حديثه، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 6/ 200) .

(3/514)


وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَأَشْوَقُ إِلَى سَلْمَانَ مِنَ سَلْمَانَ إِلَيْهَا» [1] . وَقَالَ عَلِيٌّ: سَلْمَانُ أَدْرَكَ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَالْعِلْمَ الْآخِرَ [2] ، بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَهُوَ مِنَّا أَهْلِ الْبَيْتِ [3] . وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ 47: 38 [4] . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَقَوْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الْفُرْسِ» [5] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ سَلْمَانَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَقَالَ: «ثَكِلَتْ سَلْمَانَ أُمُّهُ لقد اتّسع من العلم» [6] .
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 6/ 201.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 85، وأبو نعيم في الحلية 1/ 187، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 96، والتهذيب 6/ 201.
[3] تاريخ دمشق 16/ 96، التهذيب 6/ 201 و 203، صفة الصفوة 1/ 535.
[4] سورة محمد- الآية 38.
[5] أخرجه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان 1/ 2، 3 من طريق مسلم بن خالد الزنجي، ومن طريق عبد الله بن جعفر المديني، كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي. وأخرجه البخاري في التفسير (4897) و (4898) باب قوله: وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم، من طريق سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، ومسلم في الفضائل (2546) باب فضائل الفرس، والترمذي في التفسير (3307) باب ومن سورة الجمعة، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 100، والتهذيب 6/ 203.
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 85 من طريق عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن أبي صالح، بنحوه، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 100، والتهذيب 6/ 203، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 343، 344 ونسبه إلى الطبراني في الأوسط. وأصل الحديث رواه البخاري في كتاب الصوم من صحيحه، ورواية الحافظ ابن عساكر موقوفة على أبي صالح، وهو تابعيّ.

(3/515)


وقال قتادة: (ومن عنده علم الكتاب) [1] هُوَ سَلْمَانُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ [2] .
وَعَنْ عَلِيٍّ، وَذُكِرَ سَلْمَانُ فَقَالَ: ذَاكَ مِثْلُ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ [3] . وَقَالَ أَبُو إدريس الخَوْلانيّ، عن يزيد بن خُمَيْر [4] قَالَ: قلنا لمُعَاذ:
أوْصِنا، قَالَ: التمِسُوا الْعِلْمَ عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلّام [5] .
وَيُرْوَى أنّ سَلْمان قَالَ مرَّةً: لو حدّثتهم بكل مَا أعلم لقالوا رَحِمَ اللَّهُ قاتلَ سَلْمان.
وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ فَرُّوخَ الواسطيّ- وقد ضعّفه النّسائيّ [6]- ثنا ابن جريح، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ سلمان من غيبة، فتلقّاه عمر، فقال لسلمان: أرضاك للَّه عبدا، قال: فزوّجني، فسكت عنه، فَقَالَ: أَتَرْضَانِي للَّه عَبْدًا وَلا تَرْضَانِي لِنَفْسِكَ، فلمّا أصبح أتاه قوم عمر
__________
[1] سورة الرعد- الآية 43.
[2] أخرجه الطبري في التفسير 13/ 177، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 102، والتهذيب 6/ 294.
[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 86، وأبو نعيم في الحلية 1/ 187، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 103، والتهذيب 6/ 204 وانظر الاستيعاب 2/ 59، وأسد الغابة 2/ 420.
[4] في نسخة دار الكتب «حميد» ، وهو تحريف، والتصحيح من منتقى الأحمدية، والنسخة (ع) ، وتقريب التهذيب 2/ 364 رقم 247، وسير أعلام النبلاء- طبعة دار الكتب، وقد أثبتت في طبعة مؤسسة الرسالة «عميرة» بدل «خمير» ، وجاء في الحاشية أن «خمير» تحريف.
كما أثبتت في تهذيب تاريخ دمشق 6/ 204 «عميرة» .
[5] أخرجه الترمذي في المناقب (3806) باب مناقب عبد الله بن سلام. وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك 3/ 416 وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وذكره البخاري في التاريخ الصغير 1/ 73، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 468، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 102، والتهذيب 6/ 204.
[6] في كتاب «الضعفاء والمتروكين» - ص 289 رقم 167.

(3/516)


لِيُضْرِبَ عَنْ خِطْبَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِِ مَا حَمَلَنِي عَلَى هَذَا إِمْرَتُهُ وَلا سُلْطَانُهُ، وَلَكِنْ قُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ وَمِنِّي نَسْمَةً صَالِحَةً، قَالَ:
فَتَزَوَّجَ فِي كِنْدَةَ، فَلَمَّا جَاءَ لِيَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ، إِذَا الْبَيْتُ مُنَجَّدٌ، وَإِذَا فِيهِ نِسْوَةٌ، فَقَالَ: أَتَحَوَّلَتِ الْكَعْبَةُ إِلَى كِنْدَةَ أَمْ حُمَّ، يَعْنِي: بَيْتَكُمْ! أمرني خليلي أبو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُنَا أَنْ لا يَتَّخِذَ مِنَ الْمَتَاعِ إِلا أَثَاثًا كَأَثَاثِ الْمُسَافِرِ، وَلا يَتَّخِذَ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا يَنْكِحُ [1] ، فَقَامَ النِّسْوَةُ وَخَرَجْنَ، وَهَتَكْنَ مَا فِي الْبَيْتِ، وَدَخَلَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ: أَتُطِيعِينِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا إِذَا دَخَلَ أَحَدُنَا عَلَى أَهْلِهِ أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ، وَيَأْمُرَهَا فَتُصَلِّيَ خَلْفَهُ، وَيَدْعُوَ وَتُؤَمِّنَ، فَفَعَلَ وَفَعَلَتْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَلَسَ فِي كِنْدَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ أَصْبَحْتَ، كَيْفَ رَأَيْتَ أَهْلَكَ؟ فَسَكَتَ، فَأَعَادَ الْقَوْلَ، فَسَكَتَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ قَدْ وَارَتْهُ الأَبْوَابُ وَالْحِيطَانُ، إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الشَّيْءِ، أُجِيبَ أَوْ سُكِتَ عَنْهُ [2] .
وَقَالَ عُقْبَةُ [3] بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ: ثنا ابْنُ سِيرِينَ، ثنا عُبَيْدَةُ، أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ مَرَّ بِجِسْرِ الْمَدَائِنِ غَازِيًا، وَهُوَ أَمِيرُ الْجَيْشِ، وَهُوَ رِدْفُ رَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ، عَلَى بَغْلٍ مَوْكُوفٍ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَعْطِنَا اللِّوَاءَ أَيُّهَا الأَمِيرُ نَحْمِلُهُ، فَيَأْبَى وَيَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ حَمَلَهُ، حَتَّى قضى غزاته ورجع، وهو ردف ذلك
__________
[1] في صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 539: ورأى خدما فقال: لمن هذه الخدم؟ قالوا: خدمك وخدم امرأتك، فقال: ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلّم، أوصاني أن لا أمسك إلّا ما أنكح.
[2] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 186، والطبراني في المعجم الكبير (6067) ، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 539، 540، وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/ 104، والتهذيب 6/ 206، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 291 وقال: رواه البزّار، وفي إسناده الحجّاج بن فرّوخ، وهو ضعيف.
[3] «عقبة» ساقطة من نسخة دار الكتب، والاستدراك من منتقى الأحمدية، والنسخة (ع) ، وتعجيل المنفعة 191.

(3/517)


الرَّجُلِ، حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ [1] .
وعن رجل قَالَ: رأيت سَلْمانَ على حمار عُرِيّ، وكان رجلًا طويل السَّاقين، وعليه قميص سُنْبُلانيّ [2] ، فَقُلْتُ للصبيان: تَنَحُّوا عن الأمير، فَقَالَ: دعهم فإنّ الخير والشّرَّ فيما بعد اليوم [3] .
وَقَالَ عطاء بن السّائب، عن مَيْسَرَة، إنّ سَلْمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وَقَالَ: خشعت الله، خشعت للَّه [4] .
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ عَبْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَتَيْتُ السُّوقَ، فَاشْتَرَيْتُ عَلَفًا بِدِرْهَمٍ، فَرَأَيْتُ رَجُلا فَسَخَّرْتُهُ، فَحَمَّلْتُ عَلَيْهِ الْعَلْفَ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالُوا: نحمل عنك يأبا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: هَذَا سَلْمَانُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَضَعْهُ عَافَاكَ اللَّهُ، فَأَبَى حَتَّى أَتَى مَنْزِلِي بِهِ [5] .
وَقَالَ الحسن البصريّ: كان عطاء سَلْمان خمسة آلاف، وكان أميرًا على ثلاثين ألفًا، يخطب في عباءة، يفترش نصفَها ويلبس نصفَها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف [6] يده [7] .
وَقَالَ النُّعْمان بن حُمَيْد: رأيت سَلمانَ وهو يعمل الخوص، فسمعته
__________
[1] تاريخ دمشق 16/ 105، التهذيب 6/ 206.
[2] يقال: ثوب سنبلاني، وسنبل ثوبه إذا أسبله وجرّه من خلفه أو أمامه. قال الهروي: يحتمل أن يكون منسوبا إلى موضع من المواضع. (النهاية في غريب الحديث) .
[3] طبقات ابن سعد 4/ 87، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 207.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 88، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 207.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 88، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 207، صفة الصفوة 1/ 542، 543.
[6] في القاموس: سفّ الخوص: نسجه.
[7] طبقات ابن سعد 4/ 87، حلية الأولياء 1/ 198 صفة الصفوة 1/ 538، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 208، الزهد لابن حنبل 188 أسد الغابة 2/ 420.

(3/518)


يَقُولُ: أشتري خُوصًا بدِرْهَم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد دِرْهمًا فيه، وأُنْفق دِرْهَمًا على عيالي، وأتصدّق بدِرْهَم، ولو أنّ عمر نهاني عنه مَا انتهيتُ [1] ، رواها بعضُهم فزاد فيها: فَقُلْتُ له: فلِمَ تعمل؟ يعني: لِمَ وليت، قَالَ: إنّ عمر أكرهني، فكتبت إليه فأبى عليّ مرَّتين. وكتبت إليه فأوعدني.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَزَلْتُ بِالصِّفَاحِ [2] فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ مُسْتَظِلٌّ بِشَجَرَةٍ، مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ فِي مِزْوَدٍ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَقَدِ الْتَفَّ فِي عَبَاءَةٍ.
فَأَمَرْتُ أَنْ يُظَلَّلَ عَلَيْهِ، وَنَزَلْنَا، فَانْتَبَهَ، فَإِذَا هُوَ سَلْمَانُ، فَقُلْتُ: مَا عَرَفْنَاكَ، فَقَالَ: يَا جَرِيرُ تَوَاضَعْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ فِي الدُّنْيَا يَرْفَعْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَتَعَظَّمْ فِي الدُّنْيَا يَضَعْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَا جَرِيرُ لَوْ حَرَصْتَ عَلَى أَنْ تَجِدَ عُودًا يَابِسًا فِي الْجَنَّةِ لَمْ تَجِدْهُ، لأَنَّ أُصُولَ الشَّجَرِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَأَعْلاهَا الثِّمَارُ، يَا جَرِيرُ تَدْرِي مَا ظُلْمَةُ النَّارِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ:
ظُلْمُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا [3] .
وَقَالَ عبد الله بن بُرَيْدَةَ: كان سَلْمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئًا اشترى به لحمًا أو سَمَكًا، ثمّ يدعو المجذومين فيأكلون معه [4] .
وفي «الموَطَّأ» عن يحيى بن سعيد، أنّ أبا الدّرداء كتب إلى سلمان:
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 89، وحلية الأولياء 1/ 197 من طريق مسلمة بن علقمة المازني، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بن حرب، عن سلامة العجليّ، والمعجم الكبير للطبراني (6110) ، صفة الصفوة 1/ 41، مجمع الزوائد 9/ 343.
[2] الصّفاح: بكسر الصاد، موضع بين حنين وأنصاب الحرم. (معجم البلدان 3/ 412) .
[3] حلية الأولياء 1/ 202، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 208.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 89، حلية الأولياء 1/ 200، صفة الصفوة 1/ 543، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 209.

(3/519)


أنْ هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه: إنّ الأرض لَا تُقدِّس أحَدًا، وإنّما يقدّس الإنسان عملُه، وقد بلغني أنّك جُعِلتْ طبيبًا، فإن كنت تبرئ فنِعِمًّا لك، وإنْ كنت متطبّبًا فاحْذَرْ أن تقتل إنسانًا فتدخل النّار، فكان أَبُو الدَّرْداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وَقَالَ: متطبِّبٌ واللهِ، ارجِعا إليّ أَعِيدا عليَّ قصَّتَكما [1] .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى سَلْمَانَ فَقَالَ: لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنِ التَّكَلُّفِ لَتَكَلَّفْتُ لَكُمْ، ثُمَّ جَاءَنَا بِخُبْزٍ وَمِلْحٍ، فَقَالَ صَاحِبِي: لَوْ كَانَ فِي مِلْحِنَا صَعْتَرٌ، فَبَعَثَ سَلْمَانُ بِمِطْهَرَتِهِ فَرَهَنَهَا، وَجَاءَ بصعتر، فلمّا أَكَلْنَا قَالَ صَاحِبِي: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي قَنَّعَنَا بِمَا رَزَقَنَا، فَقَالَ سَلْمَانُ: لَوْ قَنِعْتَ لَمْ تَكُنْ مِطْهَرَتِي مَرْهُونَةً [2] .
حبيب بن الشّهيد، عن ابن بُرَيْدَةَ قَالَ: كان سَلمان يصنع الطّعام للمجذومين، ثمّ يجلس فيأكل معهم [3] .
وَقَالَ أَبُو عثمان النَّهْدِيّ: كان سَلْمان لَا يفقه كلامه من شدّة عُجْمَته، وكان يسمّي الخشبَ خُشبان [4] .
__________
[1] أخرجه مالك في الموطّأ، في الوصيّة- ص 480 باب جامع القضاء، رقم (8) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 205، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 6/ 209، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 548.
[2] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6085) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 6/ 211، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 179 وقال: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن منصور الطوسي، وهو ثقة.
[3] انظر الحاشية رقم (4) من الصفحة السابقة.
[4] ذكر أخبار أصبهان 1/ 55، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 211.
وقال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 1/ 552: «وأنكره أبو محمد بن قتيبة- أعني عجمته- ولم يصنع شيئا، فقال: له كلام يضارع كلام فصحاء العرب.

(3/520)


وعن ثابت قَالَ: بلغني أنّ سلمان لم يخلّف إلّا بضعةً وعشرين درهمًا [1] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدة [2] وابن زَنْجَوَيْه: تُوُفّي سلمان بالمدائن سنة ستٍ وثلاثين، زاد ابن زَنْجَوَيْه: قبل الْجَمَلِ.
وَقَالَ الواقديّ: تُوُفّي في خلافة عثمان.
ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ كَمَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ سَعْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى سَلْمَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَبَكَى، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: عَهِدَ عَهْدَهُ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَحْفَظْهُ: قَالَ: «لِيَكُنْ بَلَاغُ أَحَدِكُمْ كَزَادِ الرَّاكِبِ [3] » . وَقَالَ خليفة [4] : تُوُفّي سنة سبعٍ وثلاثين.
وقيل عاش مائتين وخمسين سنة، وأكثر مَا قيل: إنّه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، والأول أصحّ [5] .
__________
[ () ] قلت: وجود الفصاحة لا ينافي وجود العجمة في النطق، كما أنّ وجود فصاحة النطق من كثير العلماء غير محصّل للإعراب» .
[1] حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في الزهد (4104) باب الزهد في الدنيا، وأبو نعيم في الحلية 1/ 196، 197، والطبراني في المعجم الكبير (6069) ، وأحمد في المسند 5/ 438، وصحّحه ابن حبّان (2480) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 317 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 552، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 6/ 611.
[2] في طبعة القدسي 3/ 313 «أبو عبيد» وهو وهم، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 1/ 554 وهو القاسم بن سلام.
[3] أخرجه أحمد في المسند 5/ 438 من طريق هشيم، عن منصور، عن الحسن، والطبراني (6160) وابن حبّان (2480) ، والحاكم 4/ 317، وصحّحه الذهبي ووافقه في تلخيصه، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 553، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 6/ 211.
[4] في طبقاته- ص 7 قال: مات سنة ست وثلاثين.
[5] في الاصابة: قال الذهبي: وجدت الأقوال في سنّة كلّها دالّة على أنّه جاوز المائتين والخمسين،

(3/521)


طلْحة بن عُبَيْد الله [1] ع
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن
__________
[ () ] والاختلاف إنّما هو في الزّائد، قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين. قال الحافظ: وما المانع من ذلك، فقد روى أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيّين من طريق العبّاس بن يزيد قال: أهل العلم يقولون عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكّون فيها.
وقال الذهبيّ في سير أعلام النبلاء 1/ 555: (مجموع أمره وأحواله وغزوة وهمّته وتصرّفه وسفّه للجريد وأشياء مما تقدّم تنبئ بأنّه ليس بمعمّر ولا هرم، فقد فارق وطنه وهو حدث، ولعلّه قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقلّ، فلم ينشب أن سمع بمبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ثمّ هاجر. فلعلّه عاش بضعا وسبعين سنة. وما أراه بلغ المائة) .
وأورد الذهبيّ خبرا عن ثابت البنانيّ، ثمّ قال: وهذا يوضح لك أنّه من أبناء الثمانين. وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنّه عاش مائتين وخمسين سنة. وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصحّحه.
[1] مسند أحمد 1/ 161- 164، الزهد له 181، المغازي للواقدي 19 و 20 و 101 و 155 و 156 و 228 و 240 و 244 و 245 و 247 و 254- 256 و 292 و 294 و 307 و 308 و 310 و 312 و 337 و 364 و 405 و 498 و 547 و 573 و 614 و 689 و 717 و 718 و 838 و 911 و 944 و 952 و 991، السير والمغازي لابن إسحاق 140 و 330 و 332، الزهد لابن المبارك 12، الأخبار الموفقيّات للزبير 390 و 473، المحبّر لابن حبيب 54 و 66 و 71 و 73 و 100 و 103 و 110 و 151 و 290 و 304 و 355 و 402 و 404 و 474، طبقات ابن سعد 3/ 214- 225، أخبار مكة للأزرقي 1/ 115، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 127 و 163 و 165 و 208 و 343، طبقات خليفة 18 و 189، تاريخ خليفة 63 و 180- 186 و 188 و 201، المعارف 154 و 168 و 175 و 228 و 229 و 230 و 231 و 232 و 234 و 379 و 415 و 419 و 481 و 503 و 526 و 611، عيون الأخبار 1/ 70 و 300 و 332 و 2/ 199، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 87 رقم 85، التاريخ الكبير 4/ 344 رقم 3069، التاريخ الصغير 1/ 75، المعرفة والتاريخ 1/ 457- 459، ترتيب الثقات للعجلي 234، 235 رقم 725، أنساب الأشراف 1/ 269- 272، ق 3/ 40، 41، و 5/ 1 و 6 و 7 و 14- 20 و 26 و 28- 30 و 34 و 42 و 44 و 46 و 49 و 58 و 64 و 67- 71 و 74 و 76- 78 و 81 و 90 و 91 و 105 و 120 و 126 و 135 و 203، ق 4 ج 1/ 501- 506 و 515- 517 و 557- 561 و 582- 584، فتوح البلدان 114 و 115 و 335، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 52، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام) 10/ 296، المنتخب من ذيل المذيّل 507، أخبار القضاة لوكيع 15 و 98 و 105 و 120- 122 و 162 و 209، الجرح والتعديل 4/ 471، 472 رقم 2072، الاستيعاب 2/ 219- 225، مشاهير علماء الأمصار 7 رقم 8، المعجم الكبير للطبراني 1/ 109- 118 رقم 5، ربيع الأبرار

(3/522)


سعد بن تَيْم [2] بن مُرَّه التَّيْميّ، أَبُو محمد، أحد السابقين الأوّلين، وأحدُ العَشْرة المشهود لهم بالجنة.
روى عنه بنوه يحيى، وموسى، وعيسى، وقيس بن أبي حازم، والأحنف بن قيس، والسّائب بن يزيد، وأبو عثمان النَّهْديّ، وأبو سَلَمَةَ بن عبد الرحمن.
وغاب عن بدْر في تجارة بالشام، فضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجْره، وخرج مع عمر إلى الجابية، وكان على المهاجرين.
وكان رجلًا آدم، كثيرَ الشَّعْرِ، ليس بالجَعْد، ولا بالسَّبط، حَسَنَ الوجْه، إذا مشى أسرع، ولا يغيّر شيبة [3] .
__________
[ () ] للزمخشري 4/ 180 و 211 و 273، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام) 7/ 121، جمهرة أنساب العرب 137 و 157، المستدرك للحاكم 3/ 368- 374، التاريخ لابن معين 2/ 278، البدء والتاريخ للمقدسي 5/ 81- 83، حلية الأولياء 1/ 87- 89 رقم 5، مروج الذهب 3/ 110، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 230، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 74- 90، تلقيح فهوم أهل الأثر 366، صفة الصفوة 1/ 130، أسد الغابة 3/ 59، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام) 13/ 187، التذكرة الحمدونية 1/ 127 و 403 و 2/ 98 و 195، اللباب 2/ 88، جامع الأصول 9/ 3- 5، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 251 253، تهذيب الكمال 2/ 628، تحفة الأشراف 4/ 211- 222 رقم 252، وفيات الأعيان 3/ 18، 19 و 70 و 5/ 8 و 7/ 59، 60 و 195، لباب الآداب لابن منقذ 95 و 127 و 179 و 252، نهاية الأرب للنويري 20/ 85- 89، الأمالي للقالي 2/ 282، دول الإسلام 1/ 30، 31، تلخيص المستدرك 3/ 368- 374، الكاشف 2/ 39 رقم 2496، سير أعلام النبلاء 1/ 23- 40 رقم 2، العبر 1/ 37، مرآة الجنان 1/ 97، البداية والنهاية 7/ 247- 249، الوافي بالوفيات 16/ 473- 477 رقم 512، الوفيات لابن قنفذ 29 رقم 36، غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 342 رقم 1484، مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 147- 150، العقد الثمين 5/ 68، 69، الإصابة 2/ 229، 230 رقم 4266، تهذيب التهذيب 5/ 20- 22 رقم 35، تقريب التهذيب 1/ 379 رقم 34 النكت الظراف 4/ 213- 222، خلاصة تذهيب التهذيب 180، كنز العمال 13/ 198- 204، شذرات الذهب 1/ 42، رغبة الآمل 3/ 16، طبقات الشعراني 1/ 22، الرياض النضرة 2/ 249.
[2] في المنتقى لابن الملّا «بن تميم» وهو وهم.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 219، المعجم الكبير 1/ 111 رقم 191، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 77.

(3/523)


رَوَى التِّرْمِذِيُّ [1] بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: «أوْجَبَ [2] طَلْحَةُ» . وَقَالَ الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ [3] » . وَقَالَ عبد العزيز بن عمران: حدّثني إسحاق بن يحيى، حدّثني موسى ابن طلحة قَالَ: كان طلحة أبيض يضرب [4] إلى حمرة، مرعوبا، إلى القِصَر أقرب، رَحْب الصَّدْر، بعيد مَا بين المِنْكَبين، ضخم القَدَمَيْن إذا التفت التفت جميعًا [5] .
وعن عائشة، وأمّ إسحاق ابنتي طلحة قالتا: جرح أبونا يوم أحد
__________
[1] في المناقب (3821) باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله، من طريق أبي سعيد الأشجّ، أخبرنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: «كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد تحته طلحة، فصعد النبيّ صلى الله عليه وسلّم حتى استوى على الصخرة، قال: فسمعت النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «أوجب طلحة» . هذا حديث حسن صحيح غريب، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 218، وأحمد في المسند 1/ 165، والحاكم في المستدرك 3/ 374 وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه، والطبري في تاريخه 2/ 522، وابن عبد البر في الاستيعاب 2/ 220، وابن حجر في الإصابة 2/ 229، وانظر الكامل في التاريخ 2/ 158.
[2] أوجب: أي عمل عملا أوجب له الجنّة. (النهاية في غريب الحديث) .
[3] إسناده ضعيف جدّا لأنّ الصّلت بن دينار متروك عند أهل الجرح والتعديل، والحديث في مسند الطيالسي (1793) ، وأخرجه ابن ماجة (125) من طريق: وكيع، عن الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن جابر، وأخرجه الترمذي (3740) من طريق صالح بن موسى الطلحي، عن الصلت بن دينار ... ، وصالح بن موسى متروك مثل الصلت. وأخرجه الترمذي أيضا (3742) ، وانظر طبقات ابن سعد 3/ 219، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 80، والوافي بالوفيات 16/ 476.
[4] في نسخة دار الكتب «يشرب» . وما أثبتناه عن «المعارف» لابن قتيبة، وسير أعلام النبلاء.
[5] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 370، والطبراني في المعجم الكبير 1/ 111 رقم 191، وابن حجر في الإصابة 2/ 229.

(3/524)


أربعًا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه شجّةٌ، وقُطِع نَساه [1] وشُلَّت أصابعُه.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» [2] رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» [3] . وَفِي «مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ [4] » . وَعَنْ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [5] . وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: ابْتَاعَ طَلْحَةُ بِئْرًا بِنَاحِيَةِ الْجَبَلِ، وَنَحَرَ جَزُورًا فَأَطْعَمَ النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ طلحة الفيّاض» [6] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «نساوه» ، والتصحيح من طبقات ابن سعد 3/ 217، 218. وفيها زيادة: يعني عرق النّسا، وكذلك في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 79، والاستيعاب 2/ 221.
[2] النّحب: النّذر، كأنّه ألزم نفسه أن يصدق الإعداد في الحرب، فوفى به، وقيل: النّحب الموت، كأنّه يلزم نفسه أن يقاتل حتّى يموت.
[3] رواه الطيالسي في مسندة من حديث جابر 2/ 146 وليس من حديث معاوية كما ذكر المؤلّف- رحمه الله-، أما الّذي أخرجه من حديث معاوية فهو: الترمذي في المناقب (3740) ، وابن ماجة في المقدّمة (126) و (127) .
[4] أخرجه مسلم في الفضائل (2417) ، والترمذي في المناقب (3698) باب مناقب عثمان.
[5] في المناقب (3741) باب مناقب طلحة، وقال: حديث غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 364 وصحّحه، وتعقّبه الذهبيّ في تلخيصه فقال: لا. وهو في أسد الغابة 3/ 87، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 81.
[6] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 112 رقم 198 من طريق إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمّه موسى بن طلحة.. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 148 وقال: رواه الطبراني، وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم وهو مجمع على ضعفه. وهو في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 81، والاستيعاب 2/ 219، والإصابة 2/ 229.

(3/525)


وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جَابِرٍ: صَحِبْتُ طَلْحَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيلِ مَالٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ [1] .
وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، أَنَّ أَبَاهُ أَتَاهُ مَالٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ يَتَمَلْمَلُ، فَقَالَتْ له زوجته: مالك؟ فَقَالَ: تَفَكَّرْتُ فَقُلْتُ: مَا ظَنُّ رُجلٍ بِرَبِّهِ يَبِيتُ وَهَذَا الْمَالُ فِي بَيْتِهِ، قَالَتْ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ بَعْضِ أَخِلائِكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاقْسِمْهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ مُوَفَّقَةٌ [2]- وَهِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ الصِّدِّيقِ- فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ مِنْهَا، وَأَعْطَى زَوْجَتَهُ مَا فَضِلَ، فَكَانَ نَحْوَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو [3] وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، أَنَّ عُمَرَ بْنَ طَبَرْزَدَ [4] [أَخْبَرَهُمْ: نا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، أنا ابْنُ غَيْلانَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ] [5] قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى، ثنا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى طَلْحَةَ، فَسَأَلَهُ وَتَقَرَّبَ إليه برحم، فقال: إنّ هذه لَرَحِمٌ مَا سَأَلَنِي بِهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، إِنَّ لِي أَرْضًا قَدْ أَعْطَانِي بِهَا عُثْمَانُ ثَلاثَمِائَةِ أَلْفٍ، فَإِنْ شِئْتَ الأَرْضَ، وَإِنْ شِئْتَ ثَمَنَهَا، قَالَ: لا بَلِ الثَّمَنَ، فَأَعْطَاهُ.
وَرُوِيَ أنّه فدى عشرة من أسارى بدر بماله [6] .
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 221، والطبراني في المعجم الكبير 1/ 111 رقم 194، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 88، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 7/ 83، وابن حجر في الإصابة 2/ 229.
[2] في سير أعلام النبلاء 1/ 31، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 84 «موفقة ابنة موفّق» .
[3] في سير أعلام النبلاء 1/ 31 (المسلم بن علّان) بدل (عبد الرحمن بن أبي عمرو) .
[4] في سير أعلام النبلاء (محمد) بدل (طبرزد) الواردة في نسخة الدار.
[5] ما بين الحاصرتين زيادة من سير أعلام النبلاء.
[6] الرواية عن: الكديمي، عن الأصمعيّ، عن ابن عمران قاضي المدينة. كما في سير أعلام النبلاء 1/ 31.

(3/526)


ولطلحة حكايات سِوَى هذه في السّخاء.
وعن محمد بن إبراهيم التَّيْميّ قَالَ: كان يغلّ طلحة بالعراق أربعمائة ألف، ويغلّ بالسَّراة عشرة آلاف دينار، وكان يكفي ضعفاء بني تَيْمٍ، ويقضي ديونهم، ويُرسل إلى عائشة كلّ سنةٍ بعشرة آلاف [1] .
وَقَالَ عمرو بن دينار: حدّثني مولى لطلحة أنّ غلّته كانت كلّ يومٍ ألف درْهم [2] .
وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، أنّ معاوية سأله: كم ترك أَبُو محمد من العَيْن؟ قَالَ: ترك ألف ألف ومائتي دِرْهم، ومائتي ألف دينار، فَقَالَ: عاش سخيًّا حميدًا، وقُتِلَ فقيدًا [3] .
قد ذَكَرْنا أنّ مروان كان في جيش طلحة والزُّبَيْر يوم الجمل وأنّه رمى بسهمٍ على طلحة فقتله [4] ، فَقَالَ مُجالد، عن الشَّعْبيَّ قَالَ: رأى عليّ طلحة في بعض الأودية مُلْقى، فنزل فمسح التراب عن وجهه، ثمّ قَالَ:
عزيزٌ عليّ أبا محمد أنّ أراك مُجدَّلًا في الأودية، ثمّ قَالَ: إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري. قَالَ الأصمعيّ: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جَوْفي [5] .
وَقَالَ ليث، عن طلحة بن مُصَرِّف، إنّ عليًّا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل وأجلسه، ومسح الغُبار، عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 221، 222، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 85.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 222، والمعجم الكبير 1/ 112 رقم 196، وحلية الأولياء 1/ 88، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 85 وفيه «ألف واف درهم ودانقين» ، ومجمع الزوائد 9/ 148 وقال:
رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلّا أنه مرسل.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 222، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 85 والواقدي متروك.
[4] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 36: (قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل عليّ) .
[5] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 89.

(3/527)


ويقول: ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة [1] .
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، ثنا قَيْسٌ قَالَ: رَمَى مَرْوَانُ يَوْمَ الْجَمَلِ طَلْحَةَ بِسَهْمٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ، فَإِذَا أَمْسَكُوهُ اسْتَمْسَكَ، وَإِذَا تَرَكُوهُ سَالَ، فَقَالَ دَعُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، قَالَ:
فَمَاتَ، فَدَفَنَّاهُ عَلَى شَاطِئِ الْكَلإِ، فَرَأى بَعْضُ أَهْلِهِ أَنَّهُ أَتَاهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ:
أَلا تُرِيحُونِي مِنْ هَذَا الْمَاءِ، فَإِنِّي قَدْ غَرِقْتُ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا- قَالَ:
فَنَبَشُوهُ، فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ كَأَنَّهُ السَّلْقُ، فَنَزَعُوا عَنْهُ الْمَاءَ فَاسْتَخْرَجُوهُ، فَإِذَا مَا يَلِي الأَرْضَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَوَجْهِهِ قَدْ أَكَلَتْهُ الأَرْضُ. فَاشْتَرَوْا لَهُ دَارًا مِنْ دُورِ آلِ أَبِي بَكْرَةَ، بِعَشَرَةِ آلاف فدفنوه فيها [2] .
الكلّاء بالمدّ والتّشديد: مرسى المراكب، ويُسمَّى الميناء.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ مَعَ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ بَعْدَ (الْجَمَلِ) ، فَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي وَأَبَاكَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ: وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً 15: 47 الآيَةَ [3] . فَقَالَ رَجُلانِ [4] عِنْدَهُ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قُومَا أَبْعَدَ أَرْضٍ وَأَسْحَقَهَا، فَمَنْ هو إذا لم أن أنا وطلحة، يا بن أَخِي إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَأْتِنَا [5] . وعن أمّ يحيى قالت: قُتِلَ طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا
__________
[1] قال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 1/ 37: «مرسل» ، وهو على إرساله ضعيف لضعف ليث، ومع ذلك فقد حسّن الهيثمي إسناده في مجمع الزوائد 9/ 150، ورواه الحاكم في المستدرك 3/ 372، والطبراني في المعجم الكبير 1/ 113 رقم 202، وأخرجه أيضا عن قيس بن عبادة بلفظ آخر 1/ 114 رقم 203.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 223، 224، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 90.
[3] سورة الحجر- الآية 47.
[4] في سير أعلام النبلاء 1/ 39 «أحدهما الحارث الأعور» .
[5] طبقات ابن سعد 3/ 225، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 89، 90، تفسير الطبري 14/ 36.

(3/528)


ألف دِرْهم، وَقُوِّمَتْ أصولُه وعِقارُه بثلاثين ألف ألف دِرْهم [1] .
وقد مضى من أخباره في وقعة الجمل، حَشَرنا الله معه.
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ [2]
القُرَشيّ العامريّ، أَبُو يحيى، أخو عثمان من الرّضاعة. له صُحْبة.
ولّاه عثمانُ مصر، ولمّا مات عثمان اعتزل الفتنة. وجاء من مصر إلى الرَّمْلَةِ، فتُوُفّي بها. وكان صاحب مَيْمَنة عَمْرو بن العاص في حروبه.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 222، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 85.
[2] المغازي للواقدي 787 و 804 و 825 و 855- 857 و 865، البرصان والعرجان للجاحظ 126، الأخبار الموفقيّات للزبير 495، طبقات ابن سعد 7/ 496، 497، تاريخ خليفة 99 و 159 و 160 و 166 و 168 و 178، طبقات خليفة 291، التاريخ الكبير 5/ 29 رقم 49، نسب قريش 433، المعارف 300، تاريخ أبي زرعة 1/ 185، 186، المعرفة والتاريخ 1/ 253، 254، فتوح البلدان 250 و 253 و 262 و 263 و 267 و 268، أنساب الأشراف 1/ 160 و 226 و 357 و 358 و 531، ق 4 ج 1/ 505 و 512- 514 و 533 و 538- 540 و 550 و 555- 557 و 585، و 5/ 20 و 26- 28 و 43 و 49- 51 و 61 و 65 و 67، وق 3/ 66، تاريخ الطبري 4/ 341- 343، الولاة والقضاة للكندي 10- 14 و 17 و 302، ولاة مصر له 33- 38 و 40، الجرح والتعديل 5/ 63 رقم 292، الحلّة السيراء لابن الأبّار 1/ 18 و 20 و 24 و 25 و 28 و 2/ 321- 323، جمهرة أنساب العرب 170، الاستيعاب 2/ 375- 378، مشاهير علماء الأمصار 53 رقم 358، الخراج وصناعة الكتابة 339 و 343 و 344 و 352، التذكرة الحمدونية 2/ 416، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 435- 437، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام) 13/ 202، 203، الوزراء والكتّاب للجهشياريّ 13، أسد الغابة 3/ 173، 174، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 269، 270 رقم 302، لباب الآداب لابن منقذ 175، وفيات الأعيان 4/ 344 و 7/ 214، دول الإسلام 1/ 31، 32، سير أعلام النبلاء 3/ 33- 35 رقم 8، العبر 1/ 29، البداية والنهاية 7/ 310، 311، مرآة الجنان 1/ 100، الوافي بالوفيات 17/ 191- 193 رقم 175، العقد الثمين 5/ 166، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 1/ 56 و 83 و 2/ 200 و 224- 227 و 229 و 232، الإصابة 2/ 316- 318 رقم 4711، النجوم الزاهرة 1/ 79- 82، حسن المحاضرة 1/ 579، شذرات الذهب 1/ 44، معالم الإيمان للدبّاغ 1/ 137- 140.

(3/529)


وكان بطلًا شجاعًا مذكورًا. غزا بالجيش غير مرّة المغرب [1] . وكان أميرَ غزوة ذات الصَّوَارِي من أرض الروم، غزاها في البحر [2] .
وكان قد أسلم وكتب للنّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمّ ارتدّ ولحق بالمشركين. فلما كان يوم الفتح أُهْدِر دمُه، فأجاره عثمان. ثُمَّ حسُن إسلامُه وبلاؤه.
وَقَالَ اللَّيث بن سعد: إنّه كان محمود السيرة، وإنه غزا إفريقية، وقُتِل جرجير صاحبها، وغزا ذات الصَّواري، فالتقى الرّوم وكانوا في ألف مركب، فقتلهم مقتلةً عظيمةً لم يُقْتلوا مثلها [3] .
ولمّا احتضر قَالَ: اللَّهمّ اجعلْ آخر عملي صلاة الصُّبحْ، فلمّا طلع الفجرُ توضّأ وصلّى فلمّا ذهب يسلِّم عن يساره فاضت [4] نفسه.
وقيل: شهد صِفِّين مع معاوية.
وَقَالَ أَبُو سعيد بن يونس المصريّ: تُوُفّي بعَسْقلان [5] .
(عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ)
[6] بْنِ أُسيد بْنِ أبي العيص الأمويّ. ولد
__________
[1] فتوح مصر لابن عبد الحكم 183، تاريخ أبي زرعة 1/ 185 و 290، فتوح البلدان 262.
[2] فتوح مصر 192، ولاة مصر 36، فتوح البلدان 181، تاريخ الطبري 4/ 291، التنبيه والإشراف للمسعوديّ 135، الكامل في التاريخ 3/ 117، أنساب الأشراف 5/ 50.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 436.
[4] في المنتقى «فاطت» يريد «فاظت» وهو خطأ.
[5] تهذيب تاريخ دمشق 7/ 436 وفيه مات سنة ست وستين، وفي مشاهير علماء الأمصار لابن حبّان مات سنة تسع وخمسين.
[6] المحبّر لابن حبيب 450، تاريخ خليفة 181 أو 187، المعارف 283، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 456 و 457 و 551 و 565، و 4/ 150، و 5/ 61 و 75، تاريخ أبي زرعة 1/ 591، تاريخ الطبري 4/ 359 و 454 و 461 و 468 و 471 و 507 و 516 و 519- 521 و 525 و 538 و 544، جمهرة أنساب العرب 113، الكامل في التاريخ 3/ 162 و 215 و 242 و 245 و 246 و 251 و 255 و 260، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 297 رقم 353، وفيات الأعيان 3/ 19 و 7/ 61، معجم بني أميّة 56، 57.

(3/530)


قديمًا. وأمُّه جُوَيْرية بنت أبي جهل بن هشام التّي كان قد خطبها عليّ، ثمّ تزوّجها عتّاب بن أُسّيْد أمير مكة.
كان عبد الرحمن يوم الجمل مع عائشة، فكان يصلِّي بهم، وقُتِلَ يومئذٍ. وقيل لمّا رآه عليّ قتيلًا قَالَ: هذا يعسوب [1] القوم. [2] . وقيل إنّ يده قُطِعَت فحمَلَها الطَّيْر حتّى ألْقَتها بالمدينة، فعرفوا أنها يده بخاتمه، فصلُّوا عليه [3] .
(عبد الرحمن بن عُدَيْسٍ)
[4] أَبُو محمد البَلَويّ. له صُحْبة. وبايع تحت الشجرة. وله رواية. سكن مصر.
وكان ممن خرج على عثمان وسار إلى قتاله. نسأل الله العافية. ثمّ ظفر به معاوية فسجنه بفلسطين في جماعة، ثمّ هرب من السّجن، فأدركوه بجبل لبنان فقُتِلَ. ولمّا أدركوه قَالَ لمن قتله: وَيْحَكَ اتّقِ الله في دمي، فإنّي من أصحاب الشَّجرة، فَقَالَ: الشَّجَرُ بالجبل كثير، وقتله [5] .
قَالَ ابن يونس: كان رئيس الخيل التي سارت من مصر الى عثمان [6] .
__________
[1] اليعسوب: السيد والرئيس والمقدّم. وأصله فحل النحل.
[2] المعارف لابن قتيبة 283.
[3] تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 297.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 509، المعرفة والتاريخ 3/ 358، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 161 رقم 916، تاريخ خليفة 168، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 486 و 549 و 550 و 555 و 590، و 5/ 59 و 61 و 65 و 97 و 361، تاريخ الطبري 4/ 348 و 357 و 359 و 368 و 369 و 372 و 373 و 378 و 379 و 381 و 390 و 413 و 414، العقد الفريد 4/ 286 و 293، جمهرة أنساب العرب 443، الاستيعاب 2/ 411، ولاة مصر للكندي 41- 43، الولاة والقضاة 17 و 19 و 20، مشاهير علماء الأمصار 56 رقم 390، تجريد أسماء الصحابة 1/ 352، الكامل في التاريخ 3/ 158 و 161 و 163 و 168 و 169 و 174 و 177 و 179 و 287، الإصابة 2/ 411 رقم 5163.
[5] تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) 36/ 102، 103، الإصابة 2/ 411.
[6] تاريخ خليفة 168.

(3/531)


وعن محمد بن يحيى الذُّهْلي قَالَ: لَا يحلّ أن يُحدّث عنه بشيء، هو رأس الفتنة.
(عَمْرو بن أبي عَمْرو)
[1] الحارث بن شدّاد. وقيل: الحارث بن زهير ابن شدّاد القُرَشيّ الفِهْريّ. أحد من شهِدَ بدْرًا في قول الواقديّ وابن عُقْبة.
(قُدامة بن مظعون)
[2] أَبُو عمر الجُمَحِيّ، تُوُفّي فيها عن عثمان وستّين سنة. شهِدَ بدْرًا. واستعمله عمر على البحْرَيْن. وهو خالِ عبد الله وحفصة ابني عمر، وزوْج عمّتهما صفيّة بنت الخطّاب. وله هجرة إلى الحبشة.
ثمّ إنّ عمر عزله عن البحرين لمّا شرب الخَمر، وتأوَّل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا 5: 93 [3] وحدّه عمر [4] .
__________
[1] المغازي للواقدي 22 و 144 و 153 و 157 و 576 و 654 و 1111 و 1113، طبقات خليفة 266، المعرفة والتاريخ 1/ 246، تاريخ خليفة 248، تاريخ الطبري 8/ 203 الاستيعاب 2/ 503، الإصابة 2/ 530 رقم 5799.
[2] السير والمغازي لابن إسحاق 143 و 177 و 225، المغازي للواقدي 24 و 84 و 156 و 475، تهذيب سيرة ابن هشام 56، طبقات ابن سعد 3/ 401، المحبّر لابن حبيب 173، طبقات خليفة 25، تاريخ خليفة 154 و 191 و 204، المعرفة والتاريخ 2/ 270، أخبار مكة للأزرقي 2/ 224 و 240 و 264 تاريخ أبي زرعة 1/ 430، فتوح البلدان 100، أنساب الأشراف 1/ 213 و 426، تاريخ الطبري 4/ 79 و 112 و 430 و 756، التاريخ الكبير 7/ 178 رقم 794، التاريخ الصغير 1/ 43، الجرح والتعديل 7/ 127 رقم 723، الاستيعاب 3/ 258- 262، مشاهير علماء الأمصار 22 رقم 92، العقد الفريد 6/ 349، الكامل في التاريخ 2/ 538 و 569 و 3/ 192 و 287، أسد الغابة 4/ 394- 396، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 60 رقم 71، سير أعلام النبلاء 1/ 161، 162 رقم 10، تعجيل المنفعة 343 رقم 882، الإصابة 3/ 228، 229 رقم 7088، المستدرك 3/ 379، تلخيص المستدرك 3/ 379.
[3] سورة المائدة، الآية 93.
[4] زاد في سير أعلام النبلاء 1/ 161 «وعزله من البحرين» .
أخرجه عبد الرزّاق في «المصنّف» 9/ 240- 243 رقم (17076) قال: عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة- وكان أبوه شهد بدرا- أنّ عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر، فقدم الجارود سيّد عبد القيس على عمر من البحرين، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ قدامة شرب فسكر، ولقد

(3/532)


(كَعْب بن سُور الأزديّ)
[1] قاضي البصرة لعمر بن الخطّاب. أتاه وهو يذكّر النّاس يوم الجمل سهمٌ فقتله.
(كِنانة بن بِشْر التُجَيْبيّ)
[2] أحد رءوس المصريّين الذين ساروا إلى
__________
[ () ] رأيت حدّا من حدود الله، حقا عليّ أن أرفعه إليك، فقال عمر: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا أبا هريرة فقال: بم أشهد؟ قال، لم أره يشرب، ولكنني رأيته سكران، فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد؟ قال: بل شهيد، قال: فقد أدّيت شهادتك، قال: فقد صمت الجارود حتى غدا على عمر، فقال: أقم على هذا حدّ الله، فقال عمر: ما أراك إلّا خصما، وما شهد معك إلّا رجل، فقال الجارود: إني أنشدك الله، فقال عمر: لتمسكنّ لسانك أو لأسوءنّك، فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق أن شرب ابن عمّك وتسوءني، فقال أبو هريرة: إن كنت تشكّ في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها، وهي امرأة قدامة، فأرسل عمر إلى هند ابنة الوليد ينشدها، فأقامت الشهادة على زوجها، فقال عمر لقدامة: إنّي حادّك، فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني، فقال عمر: لم؟ قال قدامة: قال الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا 5: 93 الآية، فقال عمر: أخطأت التأويل، إنّك إذا اتّقيت اجتنبت ما حرّم الله عليك، قال: ثم أقبل عمر على الناس فقال: ماذا ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان مريضا، فسكت عن ذلك أياما، وأصبح يوما وقد عزم على جلده، فقال لأصحابه: ماذا ترون في جلد قدامة؟
قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان ضعيفا، فقال عمر: لأن يلقي الله تحت السّياط أحبّ إليّ من أن يلقاه وهو في عنقي، ائتوني بسوط تام، فأمر بقدامة فجلد، فغاضب عمر قدامة وهجره، فحجّ وقدامة معه مغاضبا له، فلمّا قفلا من حجّهما ونزل عمر بالسّقيا نام، ثم استيقظ من نومه، قال: عجّلوا عليّ بقدامة فائتوني به، فو الله إني لأرى آت أتاني، فقال سالم قدامة فإنّه أخوك، فعجّلوا إليّ به، فلمّا أتوه أبي أن يأتي، فأمر به عمر إن أبي أن يجرّوه إليه، فكلّمه عمر، واستغفر له، فكان ذلك أوّل صلحهما» .
وانظر الحديث في سنن البيهقي 8/ 316 وأخرجه من حديث ابن عون، عن ابن سيرين، أنّ الجارود لمّا قدم.
[1] طبقات ابن سعد 7/ 91- 93، تاريخ خليفة 154 و 179 و 185 و 189، طبقات خليفة 201، التاريخ الكبير 7/ 223 رقم 961، المعارف 558، المعرفة والتاريخ 3/ 312، أخبار القضاة 1/ 273- 283 و 287، تاريخ الطبري 4/ 84 و 85 و 101 و 241 و 352 و 467 و 468 و 495 و 498 و 504 و 507 و 513 و 514 و 523 و 529 و 538، جمهرة أنساب العرب 380، الكامل في التاريخ 3/ 245- 247، الجرح والتعديل 7/ 162 رقم 912، مشاهير علماء الأمصار 101 رقم 744، الاستيعاب 3/ 302- 307، وفيات الأعيان 6/ 149، أسد الغابة 4/ 342، 343، الإصابة 3/ 314، 315 رقم 7493.
[2] تاريخ خليفة 175، المعارف 196، تاريخ الطبري 4/ 341 و 348 و 380 و 393 و 394 و 414-

(3/533)


حصار عُثْمَان، ثمّ إنّه هرب وقُتل فِي هَذِهِ المدّة.
(مُجَاشع بْن مَسْعُود)
[1] خ م د ق [2]- بن ثَعْلَبَة السُّلَميّ. له صُحْبة.
روى عَنْهُ أَبُو عُثْمَان النَّهْديّ. وكُلَيْب بْن وائل، وغيرهما.
قُتِلَ في هذه السنة كما ذكرنا.
(مجالد بن مسعود)
[3] خ م [4] أخو مجاشع المذكور. لَهُ رواية عن أخيه.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عُثْمَان النهدي. وقتل مَعَ أخيه.
(مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ التَّيْميّ)
[5] ولد فِي حياة رسول الله
__________
[ () ] و 5/ 102- 104 أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 548 و 549 و 553 و 555 و 574 و 590- 592، و 5/ 59 و 63 و 65 و 83 و 97- 99- العقد الفريد 4/ 292، الكامل في التاريخ 3/ 155 و 158 و 178 و 356 و 358.
[1] تاريخ خليفة 127 و 129 و 142 و 154 و 164 و 181 و 183، طبقات خليفة 49 و 181، المعارف 330، أنساب الأشراف 1/ 137، وق 4 ج 1/ 561 و 578 و 579 و 5/ 72 و 87، المعرفة والتاريخ 3/ 53، عيون الأخبار 4/ 24، فتوح البلدان 387 و 420 و 421 و 422، الأخبار الموفقيات 166، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 105 رقم 288، تاريخ الطبري 3/ 497 و 595 و 4/ 94 و 127 و 128 و 174 و 175 و 286 و 287 و 301 و 385 و 469 و 505، مشاهير علماء الأمصار 27 رقم 127، جمهرة أنساب العرب 262، الخراج وصناعة الكتابة 365 و 390 و 391، ربيع الأبرار 4/ 318، العقد الفريد 2/ 66 و 67، الاستيعاب 3/ 520، 521، لباب الآداب 349، الكامل في التاريخ 2/ 488 و 553 و 3/ 10 و 39 و 119 و 124 و 127 و 170 و 200 و 216 و 241 و 263 أسد الغابة 4/ 300، الإصابة 3/ 362 رقم 7721، الأخبار الطوال 147، تقريب التهذيب 2/ 229 رقم 917.
[2] الرموز مستدركة من مصادر الترجمة.
[3] طبقات خليفة 49 و 181 المعارف 331 و 583، البرصان والعرجان للجاحظ 131، 132، فتوح البلدان 425، الاستيعاب 3/ 521، 522، الكامل في التاريخ 3/ 61 و 263، أسد الغابة 4/ 301، الإصابة 3/ 363 رقم 7724، تقريب التهذيب 2/ 229 رقم 921.
[4] الرموز مستدركة من مصادر الترجمة.
[5] المغازي للواقدي 292، السير والمغازي لابن إسحاق 270، طبقات ابن سعد 5/ 52- 55،

(3/534)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمّاه محمّدًا، وكناه أَبَا سُلَيْمَان. وكان يلقّب (السَّجَّاد) لكثرة صلاته وعبادته. لم يزل به أَبُوهُ حتّى وافقه وخرج معه على عليّ. وأمُّهُ حمْنَة بنتُ جَحْش. قُتِلَ يوم الجمل.
(مُسلم الجُهَنيّ)
[1] أمره عليٌّ يوم الجمل بحمْل مُصْحَفٍ، فطاف به على القوم يدعوهم إِلَى الطاعة، فقُتِلَ.
هند بْن أبي هالة التَّميمي [2]
ربيب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخو أولاده من أمَّهم خديجة. اختُلِف فِي اسم أَبِيهِ فَقِيلَ: نبَّاش بْن زُرَارة، وقيل مالك بْن زُرَارة، وقيل مالك بن النّبّاش
__________
[ () ] المحبّر لابن حبيب 104 و 275، نسب قريش 281، طبقات خليفة 233، تاريخ خليفة 181 و 188، أخبار القضاة 2/ 402 و 3/ 19، المعارف 231، الأخبار الطوال 146، أنساب الأشراف 1/ 436، 437، ق 3/ 10 و 17، ق 4 ج 1/ 540 و 558، 559، تاريخ الطبري 4/ 385 و 388 و 454 و 465 و 468 و 506 و 526 و 542، الجرح والتعديل 7/ 291 رقم 1577، العقد الفريد 4/ 290، أنساب الاشراف 5/ 50 و 69 و 70، الاستيعاب 3/ 349- 353، جمهرة أنساب العرب 138 و 258، مشاهير علماء الأمصار 23 رقم 100، المستدرك 3/ 374- 379، الكامل في التاريخ 3/ 172 و 174 و 176 و 209 و 220 و 249، أسد الغابة 4/ 322، 323، تلخيص المستدرك 3/ 374- 379، سير أعلام النبلاء 4/ 368 رقم 145، العقد الثمين 2/ 36، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 84، 85 رقم 12، وفيات الأعيان 3/ 70 و 4/ 170، الوافي بالوفيات 3/ 174- 175 رقم 1144، الإصابة 3/ 376، 377 رقم 7781، تعجيل المنفعة 366 رقم 942، شذرات الذهب 1/ 43، الاسامي والكنى للحاكم (مخطوط دار الكتب) الورقة 242.
[1] هو مسلم بن عبد الله الجهنيّ. (انظر: المغازي للواقدي 750) .
[2] الأخبار الموفّقيّات للزبير 354، التاريخ الكبير 8/ 240 رقم 2855، تهذيب سيرة ابن هشام 331، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 135 رقم 598، المعرفة والتاريخ 3/ 284 و 288، طبقات خليفة 43 و 179، المحبّر لابن حبيب 78 و 452، أنساب الأشراف 1/ 390 و 535، المعارف 133، ثمار القلوب للثعالبي 195، تاريخ الطبري 3/ 161، الجرح والتعديل 9/ 116 رقم 489، جمهرة أنساب العرب 210 و 493، الكامل في التاريخ 2/ 307 و 3/ 263، أسد الغابة 5/ 71- 73، التذكرة الحمدونية 1/ 56، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 140، 141 رقم 219، المستدرك 3/ 640، تلخيص المستدرك 3/ 640، المعين في طبقات المحدّثين 27 رقم 134، الإصابة 3/ 611، 612 رقم 9907، تهذيب التهذيب 11/ 72 رقم 111،

(3/535)


ابن زُرَارة. والأوّل أكثر. شهِدَ هند أحُدًا ويقال: وبدْرًا. وكان وصّافًا لِحلْية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولشمائله.
روى عَنْهُ ابن أخته الْحَسَن بْن عليّ. وقُتِلَ يوم الجمل مع عليّ. وقُتِل ابنه هند بْن هند مع مصعب بْن الزُّبَيْر.
يُقال انفرجت (وقعة الجمل) عن ثلاثة عشر ألف قتيل.
وعن قتَادَة قَالَ: قُتِلَ يوم الجمل عشرون ألفًا [1] . وممّن قُتِلَ يومئذٍ:
عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله بْن عامر بْن كُرَيْزٍ، وعبد الله بْن مُسافع بْن طَلْحَةَ العَبْدَريّ، وعبد الله بْن حُكَيْم بْن حِزام [2] الأسديّ، ومَعْبَد بْن مقداد بن الأسود الكندي. والله أعلم [3] .
__________
[ () ] تقريب التهذيب 2/ 322 رقم 115، المعجم الكبير للطبراني 22/ 154- 163، المشتبه في أسماء الرجال 1/ 119، تهذيب الكمال 3/ 1450.
[1] تاريخ خليفة 186.
[2] في منتقى ابن الملّا (حرام) وأكثر الأصل بلا إعجام، وهو (حزام) بالزاي، على ما (في تاريخ الطبري) .
[3] من ترجمة (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ) إلى هنا ساقط من نسخة دار الكتب.

(3/536)


سَنَة سَبْع وَثَلاثِين
وقعة صفين [1]
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: أنبأ مُحَمَّد بْن عُمَر قَالَ: لما قُتِلَ عُثْمَان، كتبت نائلة زوجته إِلَى الشام إِلَى مُعَاوِيَة كتابًا تصف فِيهِ كيف دُخِلَ على عُثْمَان وقُتِلَ، وبعثت إليه بقميصه بالدِّماء، فقرأ مُعَاوِيَة الكتاب على أَهْل الشام، وَطَيَّفَ بالقميص فِي أجناد الشام، وحرَّضهم على الطَّلب بدمه، فبايعوا مُعَاوِيَة على الطَّلب بدمه.
ولمّا بوُيع عليّ بالخلافة قال له ابنه الحَسَن وابن عبّاس: اكتب إلى مُعَاوِيَة فأقرَّه على الشَّام، وأَطْمِعْهُ فإنّه سيطمع ويكفيك نفسَه وناحيته، فإذا بايع لك النّاس أَقْرَرْته أو عَزَلْته، قَالَ: فإنّه لَا يرضى حَتَّى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أنْ لَا أعزله، قَالا: لَا تُعْطه ذلك. وبلغ ذلك مُعَاوِيَة فقال:
والله لَا ألي له شيئًا ولا أبايعه، وأظهر بالشام أنّ الزُّبَيْر بْن العوّام قادم عليهم، وأنّه مُبَايع له، فلمّا بلغه (أمر الجمل) أمسك، فلمّا بلغه قتْلُ الزُّبير [2] ترحَّم عليه وقال: لو قدِم علينا لبَايَعْناه وكان أهلا.
__________
[1] صفّين اليوم في موضع قرية (أبي هريرة) بقرب الرقة، في شمال سورية، على شاطئ الفرات.
[2] في المنتقى لابن الملّا (ابن الزّبير) وهو وهم.

(3/537)


فلمّا انصرف عليّ من البصرة، أرسل جرير بْن عَبْد الله البَجليّ إِلَى مُعَاوِيَة، فكلَّم مُعَاوِيَة، وعظَّم أمرَ عليٍّ ومُبَايعته [1] واجتماع النّاس عليه، فأبى أنْ يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلامٌ كثير، فانصرف جريرُ إِلَى عليّ فَأَخْبَرَه، فأجمع على المسير إِلَى الشام، وبعث معاويةُ أَبَا مسلم الخَوْلاني إِلَى عليّ بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قَتَلَة عثمان، فأبى عليّ، وجرت بينهما رسائل.
ثمّ سار كلٌّ منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفِّين لسبْعٍ بقين من المحرّم، وشبَّت الحربُ بينهم فِي أوّل صفر، فاقتتلوا أيّامًا.
فَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الْحَجِّ، فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، ثُمَّ قَدِمْتُ وَقَدْ قُتِلَ وَبُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا، قُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيِ، مُعَاوِيَةَ ابْنِ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلِهِ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ، وَأَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي، قَالَ عَلِيٌّ: وَلِمَ؟
قُلْتُ: لِقَرَابَتِي مِنْكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ حَمَلَ عَلَيَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَمُنَّهُ وَعِدْهُ. فَأَبَى عَلِيٌّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا. رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لعليّ: ابعثني إلى معاوية، فو الله لأَفْتِلَنَّ لَهُ حَبْلا لا يَنْقَطِعُ وَسَطُهُ، قَالَ: لَسْتُ مِنْ مَكْرِكَ وَمَكْرِهِ فِي شَيْءٍ، وَلا أَعْطِيهِ إِلا السَّيْفَ، حَتَّى يَغْلِبَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ:
كَيْفَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ يُطَاعُ وَلا يُعْصَى، وَأَنْتَ عَنْ قَلِيلٍ تُعْصَى وَلا تُطَاعُ، قَالَ: فَلَمَّا جَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَخْتَلِفُونَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه قال: للَّه درّ [2]
__________
[1] في المنتقى لابن الملا، ع، ح (وسابقته) بدل (مبايعته) التي في نسخة الدار.
[2] (در) ساقطة من نسخة الدار، فاستدركتها من المنتقى لابن الملا.

(3/538)


ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى الْغَيْبِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ.
وقال مجالد، عن الشَّعْبِيّ قَالَ: لمّا قُتِلَ عُثْمَان، أرسلتْ أمُّ المؤمنين [1] أمّ حبيبة بنت أَبِي سُفيان إِلَى أَهْل عُثْمَان: أرسِلُوا إليّ بثياب عُثْمَان التي قُتِلَ فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضَرَّجًا بالدَّم، وبُخصْلة الشَّعْر التي نُتِفَتْ من لِحْيَتِهِ، ثمّ دعتِ النُّعمان بْن بشير، فبعثته إِلَى مُعَاوِيَة، فمضى بِذَلِك وبكتابها، فصعد مُعَاوِيَة المنبر، وجمع النّاس، ونشر القميص عليهم، وذكر مَا صُنِعَ بعثمان، ودعا إِلَى الطَّلب بدمه.
فقام أَهْل الشام فقالوا: هُوَ ابن عمّك وأنت وليّه، ونحن الطّالبون معك بدمه، وبايعوا له.
وقال يُونُس، عن الزُّهْرِيّ قَالَ [2] : لمّا بلغ مُعَاوِيَة قتْلَ طَلْحَةَ والزُّبَيْر، وظهور عليّ، دعا أَهْل الشام للقتال معه على الشُّورى والطَّلب بدم عُثْمَان، فبايعوه على ذلك أميرًا غير خليفة.
وذكر يحيى الجُعْفيّ فِي (كتاب صِفِّين) بإسناده أنّ مُعَاوِيَة قال لجرير ابن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ:
وبعث الْوَلِيد بْن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ: وبعث الْوَلِيد بْن عقبة إليه يقول:
مُعَاوِيّ إنّ الشام شامُك فاعتصمْ ... بشامِكَ لَا تُدْخِلْ عليك الأفاعيا
وحامٍ عليها بالقبائل والقِنا ... ولا تك محشوش الذّراعين وانيا
فإنّ عليًّا ناظرٌ مَا تُجِيبُه ... فَاهْدِ له حربا تشيب النّواصيا [3]
__________
[1] (أم المؤمنين) مستدركة من المنتقى لابن الملا.
[2] (قال) سقطت من نسخة الدار، فاستدركتها من ع، ح وغيرهما.
[3] انظر أنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) - ص 289 و 290 وفيه:
وحام عليه بالقبائل والفنا (كذا) ... ولاتك ذا عجز ولا تلف وانيا
وإنّ عليّا ناظر ما تريغه ... فأوقد له حَرْبًا تُشِيب النَّوَاصيَا

(3/539)


وحدّثني يَعْلَى بْن عُبَيْد: ثنا أبي قَالَ: قال أَبُو مُسْلِم الخَوْلاني وجماعة لمعاوية: أنت تُنازع عليًّا! هَلْ أنت مثله؟ فقال: لَا والله إنّي لأعلم أنّ عليًّا أفضل منّي وأحقّ بالأمر، ولكن ألَسْتُمْ تعلمون أنّ عُثْمَان قُتِلَ مظلومًا، وأنا ابن عمّه، وإنّما أطلب بدمه، فأتُوا عليًّا فقولوا له: فلْيَدْفَعْ إليّ قَتَلَة عُثْمَان وأسلم له، فأتّوْا عليًّا فكلَّموه بِذَلِك، فلم يدفعهم إليه.
وَحَدَّثَنِي خَلادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ- أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ شَكَّ خَلادٌ- قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ دَعَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْتَقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَيَدْخُلَ بِهَيْئَةِ السَّفَرِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ، وَكَانَ قَدْ وَصَّاهُ بِمَا يَقُولُ [1] ، فَسَأَلُوهُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ الْعِرَاقِ: قَالُوا: ما وَرَاءَكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ عَلِيًّا قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُمْ وَنَهَدَ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ. فبلغ مُعَاوِيَة، فأرسل أَبَا الأعور السُّلَمِيّ يحقّق أمره، فأتاه فسأله، فَأَخْبَرَه بالأمر الَّذِي شاع، فنودي: الصّلاة جامعة، وامتلأ النّاس فِي المسجد، فصعد معاوية المِنْبَر وتشهّدّ ثمّ قَالَ: إنّ عليًّا قد نَهَدَ إليكم فِي أَهْل العراق، فَمَا الرّأي؟ فضرب النّاس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفعْ إليه أحدٌ طَرْفَه، فقام ذو الكلاع الحِمْيرِيّ فقال: عليك الرأيّ وعلينا أمّ فعال- يعني الفِعال [2]- فنزل مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النّاس: اخرجوا إِلَى مُعَسْكَركم، ومن تخلَّف بعد ثلاثٍ أحلّ بنفسه [3] .
فخرج رسول عليّ حتّى وافاه، فَأَخْبَرَه بِذَلِك، فأمر عليٌّ فنوديّ:
الصّلاة جامعة، فاجتمع النّاس، وصعِدَ المِنْبَر فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثمّ
__________
[1] (بما يقول) سقطت من نسخة الدار، فاستدركتها من ابن الملا.
[2] وهي لغة حمير فإنّهم يجعلون لام التعريف ميما.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 272.

(3/540)


قَالَ: إنّ رسولي الَّذِي أرسلته إِلَى الشام قد قَدِمَ عليّ، وأخبرني أنّ مُعَاوِيَة قد نَهَدَ إليكم فِي أَهْل الشام فَمَا الرأي؟ قَالَ: فأضبَّ [1] أهلُ المسجد يقولون:
يا أمير المؤمنين الرأي كذا، الرأي كذا، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلّم، وكثُر اللَّغَط، فنزل وهو يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، 2: 156 ذهب بها ابن آكلة الأكباد، يعني مُعَاوِيَة. وقال الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي من رَأَى عليًّا يوم صِفِّين يصفِّق بيديه ويعضّ عليهما ويقول: وا عجبا أُعْصَى ويُطاع مُعَاوِيَة. وقال الواقديّ اقتتلوا أيّامًا حتّى قُتِلَ خلْقٌ وضجروا، فرفع أهلُ الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فِيهِ، وكان ذلك مكيدةً من عمرو بْن العاص، يعني لمّا رَأَى ظهورَ جيش عليّ. فاصطلحوا كما يأتي.
وقال الزُّهْرِيّ: اقتتلوا قتالًا لَم تَقْتَتِلْ هَذِهِ الأمةُ مثله قطّ، وغلب أَهْل العراق على قتلى أَهْل حمص، وغلب أَهْلُ الشام على قتلى أَهْل العالية، وكان على ميمنة عليّ الأشعث بْن قَيْس الكِنْدي، وعلى المَيْسَرة عَبْد الله بْن عبّاس، وعلى الرَّجَّالَةِ عَبْد الله بْن بُدَيْل بْن وَرْقَاء [2] الخُزَاعيّ، فقُتِلَ يومئذٍ.
ومن أمراء عليّ يومئذٍ الأحنف بْن قَيْس التَّيْميّ، وعمّار بْن ياسر العَنْسِيّ [3] وسليمان بْن صُرد الخُزاعيّ، وعَديّ بْن حاتم الطّائيّ، والأشتر النَّخْعي، وعمرو بْن الحَمِق الخُزَاعيّ، وشبَث [4] بْن رِبعيّ الرِّياحيّ، وسعيد بن قيس
__________
[1] في نسخة الدار «فأصب» ، والتصحيح من «النهاية» حيث قال: يقال أضبّوا إذا تكلّموا متتابعا.
[2] في الأصل «عبد الله بن عبديل بن ورقاء» ، والتصحيح من (شذرات الذهب 1/ 46) وبعض النّسخ.
[3] في النسخ (العبسيّ) وهو تصحيف.
[4] في نسخة الدار «شبيب» والتصحيح من بقية النسخ والتبصير بالدّين.

(3/541)


الهمداني، وكان رئيس هَمدَان المهاجر بْن خَالِد [1] بْن الْوَلِيد المخزوميّ، وقيس بْن مكشوح المُراديّ، وخُزَيْمة بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ، وغيرهم.
وكان عليّ فِي خمسين ألفًا، وقيل: فِي تسعين ألفًا، وقيل: كانوا مائة ألف [2] .
وكان مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفًا، وكان لواؤه مع عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن خَالِد بْن الْوَلِيد المخزوميّ، وعلى مَيْمَنَته عمرو بْن العاص، وقيل ابنه عُبَيْد الله بْن عمرو، وعلى الميسرة حبيب بْن مَسْلَمَة الفِهْريّ، وعلى الخيل عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ أَبُو الأعور السُّلميّ، وزُفَر بْن الْحَارِث، وذو الكلاعِ الحِميرِيّ، ومَسْلَمَة بْن مَخْلَد، وبُسْر بْن أرطاة العامريّ، وحابس بْن سعد الطّائي، ويزيد بْن هُبَيْرة السَّكونيّ، وغيرهم [3] .
قال عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَة [4] قَالَ: رَأَيْت عمار بْن ياسر بصِفّين، ورأى راية مُعَاوِيَة فقال: إنّ هَذِهِ قاتلْتُ بها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مرّات. ثمّ قاتل حَتَّى قُتِلَ [5] .
وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أَبُو الأعور فِي خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثمّ غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه [6] .
__________
[1] في نسخة الدار (والمهاجرين خالد) والتصحيح من (ح) وتاريخ الطبري 4/ 65
[2] تاريخ خليفة 193.
[3] تاريخ خليفة 195 و 196.
[4] في نسخة الدار «مسلمة» والتصحيح من طبقات ابن سعد، وهو بكسر اللام، كما في تقريب التهذيب 1/ 420 رقم 352.
[5] في النسخ اضطراب، والتصحيح من (مجمع الزوائد ج 7 ص 243) .
[6] تاريخ خليفة 193، وانظر تاريخ الطبري 4/ 569 وما بعدها، ومروج الذهب للمسعوديّ 3/ 386.

(3/542)


ثُمَّ التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثُمَّ يوم الخميس والجمعة وليلة السَّبْت، ثُمَّ رفع أَهْل الشام لمّا رأوا الكَسْرَة الْمَصَاحِفَ بإشارة عمرو، ودعوا إِلَى الصُّلح والتّحكيم [1] ، فأجاب عليّ إلى تحكيم الحَكَمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لَا حُكم إلّا للَّه. وخرجوا عليه فهُمُ (الخوارج) وقال ثُوَيْر بْن أبي فاختة، عن أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ مع عليّ بصفين خمسة وعشرون بدْريًا. ثُوَيْر متروك.
قَالَ الشَّعْبِيّ: كان عَبْد الله بْن بُدَيْل يوم صفين عليه دِرْعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهلَ الشام ويقول:
لم يبق إلّا الصَّبْر وَالتَّوَكُّلْ ... ثُمَّ [2] التمشّي فِي الرعيل الأوّلْ
مَشْيَ الْجِمَالِ فِي حياض الْمَنْهَلْ ... والله يقضي مَا يشا ويفعلْ [3]
فلم يَزَلْ يضرب بسيفه حَتَّى انتهى إِلَى مُعَاوِيَة فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحابُ مُعَاوِيَة يرمونه بالحجارة حَتَّى أثخنوه وقُتِلَ، فَأَقْبَلَ إليه مُعَاوِيَة، وألقى عَبْد الله بْن عامر عليه، عمامته غطّاه بها وترحَّم عليه، فقال مُعَاوِيَة لعبد الله [4] : قد وَهَبْنَاه لك، هَذَا كَبْشُ [5] القومِ وربّ الكعبة، اللَّهمّ أظفر
__________
[1] تاريخ خليفة 194.
[2] في نهاية الأرب 20/ 123 «مع» بدل «ثم» .
[3] البيتان في الاستيعاب 2/ 268، 269، وقعة صفين لابن مزاحم 276، نهاية الأرب للنويري 20/ 123، الإصابة 2/ 281.
وورد هذا الرجز عند ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1/ 486 هكذا:
لم يبق غير الصبر والتوكّل ... والترس والرمح وسيف مصقل
ثُمَّ التمشّي فِي الرعيل الأوّلْ ... مَشْيَ الْجِمَالِ في حياض المنهل
والقافية هنا بكسر اللام.
[4] في نسخة دار الكتب «لعنة الله» بدل «عبد الله» والتصحيح من بقية النسخ، ونهاية الأرب 20/ 130.
[5] بمعنى قائدهم ورئيسهم وحاميهم والمنظور إليه فيهم.

(3/543)


بالأشتر والأشعث، والله مَا مثل هَذَا إلّا كما قال الشاعر:
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحرب عضَّها ... وإنْ شَمَّرتْ يومًا به الحربُ شَمّرا
كلَيْث هزَبرٍ كان يحمي ذِمارَهُ ... رَمَتْهُ المَنايا قَصْدَهَا فتقصَّرا [1]
ثُمَّ قَالَ: لو قدِرَت نساءُ خُزاعةَ أنْ تُقاتلني فضلًا عن رجالها لَفَعَلَتْ [2] .
وَفِي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بْن شَرَاحيل، عن حَنَش [3] بْن عَبْد الله الصَّنْعاني [4] عن عَبْد الله بْن زُرَيْر [5] الغافقي قَالَ: لقد رأيتنا يوم صفِّين، فاقتتلنا نحن وأهل الشّام، حتّى ظننت أنّه لَا يبقى أحدٌ، فأسمع صائحًا يصيح: مَعْشَرَ النّاس، اللَّه اللَّه فِي النساء والوِلدان من الروم ومن الترك، الله الله [6] .
والتقينا، فأسمع حركةً من خلفي، فإذا عليٌّ يَعْدُو بالرّاية حَتَّى أقامها، ولحِقَه ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة [7] ، فسمعته يقول: يا بُنَيّ الْزَمْ رايَتَكَ، فإنّي متقدِّمٌ فِي القوم، فأنظرُ إليه يضرب بالسّيف حتّى يفرج له، ثمّ يرجع فيهم.
__________
[1] البيتان في الاستيعاب 2/ 269، وديوان حاتم الطائي 121، ومروج الذهب 2/ 398، وهما في الأخبار الطوال- ص 176 هكذا:
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحرب عضَّها ... وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا
كليث عرين بات يحمي عرينه ... رمته المنايا قصدها فتقطّرا
والبيتان أيضا في نهاية الأرب 20/ 131، وورد البيت الأول فقط في: تاريخ الطبري 5/ 24، والكامل لابن الأثير 3/ 302، وانظر شرح ابن أبي الحديد 1/ 486، والتذكرة الحمدونية 2/ 399.
[2] وقعة صفين 276- 278.
[3] في نسخة دار الكتب «حبش» ، والتصحيح من بقية النسخ.
[4] في منتقى الأحمدية «الصغاني» ، وهو تحريف.
[5] في نسخة دار الكتب مهمل، والتصويب من «المشتبه في أسماء الرجال» 1/ 336، وورد في النسخة (ع) و (ح) «ندير» وهو خطأ، وانظر طبقات ابن سعد 7/ 510.
[6] مروج الذهب 2/ 400، والأخبار الطوال 719.
[7] (ابن الحنفيّة) مستدركة من ابن الملا.

(3/544)


وقال [1] خليفة [2] : شهِدَ مع عليّ من البدْريين: عمار بْن ياسر، وسهل بْن حُنَيْف، وخَوّات بن جبير، وأبو سعد السّاعديّ، وأبو اليُسْر، ورِفَاعة بْن رافع الْأَنْصَارِيّ، وأبو أيّوب الأنصاريّ بخُلْفٍ فِيهِ، قَالَ: وشهد معه من الصحابة ممّن لم يشهد بدْرًا: خُزَيْمة بْن ثابت ذو الشهَّادتين، وقيس بْن سعد بْن عُبَادة، وأبو قَتَادَةَ، وسهل بْن سعد السّاعدي، وقَرَظَة [3] بْن كعب، وجابر بْن عَبْد الله، وابن عَبَّاس، والحسن، والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب، وأبو مَسْعُود عقبة بْن عمرو، وأبو عيّاش الزُّرَقي، وعديّ بْن حاتم، والأشعث بن قَيْس، وسليمان بْن صُرَد، وجُنْدُب بْن عَبْد الله، وجارية [4] بْن قُدامة السَّعْدِيّ.
وعن ابن سِيرِينَ قَالَ: قُتِلَ يوم صفين سبعون ألفًا يُعَدُّون بالقَصَب [5] .
وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستّين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفًا، منهم خمسة وأربعون ألفًا من أَهْل الشام [6] .
وقال عَبْد السلام بْن حرب، عن يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن، عن جَعْفَر- أظنّه ابن أبي المُغْيَرة- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبْزى، عن أَبِيهِ قَالَ:
شهدْنا مع عليّ ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرّضوان، قُتِلَ منهم ثلاثةٌ وستون رجلًا، منهم عمّار [7] .
وقال أَبُو عبيدة وغيره: كانت راية عليّ مع هاشم بن عتبة بن أبي
__________
[1] من هنا خرم في (ع) يبلغ زهاء صفحة.
[2] هذا القول غير موجود بنصّه في تاريخ خليفة. انظر ص: 194، 195.
[3] في نسخة الدار (قريظة) والتصحيح من ابن الملّا والأحمدية، ح.
[4] في نسخة الدار «حارثة» والتصحيح من الاستيعاب، ومنتقى الأحمدية، وتاريخ خليفة بن خياط 195.
[5] تاريخ خليفة 194.
[6] تاريخ خليفة 194.
[7] تاريخ خليفة 196.

(3/545)


وقاص، وكان على الخيل عمّار بْن ياسر [1] .
وقال غيره: حيل بين عليّ وبين الفرات، لأن مُعَاوِيَة سَبَقَ إِلَى الماء، فأزالهم الأشعثُ عن الماء [2] .
قلت: ثُمَّ افترقوا وتواعدوا ليوم الحَكَمَيْن.
وقُتِلَ مع عليّ: خُزَيْمة بْن ثابت، وعمار بْن ياسر، وهاشم بْن عُتْبَة، وعبد الله بْن بُدَيْل، وعبد الله بْن كعب المُراديّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن كلدة الجمحي [3] ، وقيس بن مكشوح المرادي، وأُبيّ بْن قَيْس النخعي أخو عَلْقَمة، وسعد بْن الْحَارِث بْن الصِّمَّة الأنصاريّ، وجُنْدُب بْن زُهَير الغامِديّ، وأبو ليلى الْأَنْصَارِيّ [4] .
وقُتِلَ مع مُعَاوِيَة: ذو الكَلاع، وحَوْشَب ذو ظُلَيْم [5] ، وحابس بْن سعد الطّائي قاضي حمص، وعَمْرو بْن الحَضْرَميّ، وعُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب العدويّ، وعُرْوة بْن دَاوُد [6] ، وكُرَيْب بن الصَّبَّاح الحِمْيَريّ أحد الأبطال، قتلَ يومئذٍ جماعةً، ثُمَّ بارَزَه عليّ فقتله [7] .
قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْكُوفِيُّ الرَّافِضِيُّ: ثنا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عن الحارث بن حصيرة [8] ، وإنّ وَلَدَ ذِي الْكَلاعِ أَرْسَلَ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قيس
__________
[1] تاريخ خليفة 194.
[2] تاريخ خليفة 193.
[3] هنا ينتهي الخرم الّذي في النسخة (ع) .
[4] تاريخ خليفة 194.
[5] في نسخة دار الكتب مهمل، والتصحيح من تاريخ خليفة 195، ومروج الذهب 2/ 399، والأخبار الطوال 185.
[6] تاريخ خليفة 194.
[7] الإصابة 3/ 314 رقم 7489.
[8] في نسخة دار الكتب مهمل، وفي النسخة (ح) «حضيرة» ، والتصويب من تاريخ الطبري 4/ 540.

(3/546)


يَقُولُ: إِنَّ ذَا الْكَلاعِ قَدْ أُصِيبَ، وَهُوَ فِي الْمَيْسَرَةِ، أَفَتَأْذَنُ لَنَا فِي دَفْنِهِ؟ فَقَالَ الأَشْعَثُ لِرَسُولِهِ أَقْرِئْهُ السَّلامَ، وَقُلْ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّهِمَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَاطْلُبُوا ذَلِكَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ فَإِنَّهُ فِي الْمَيْمَنَةِ، فَذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَا عَسَيْتُ أَنْ أَصْنَعَ، وَقَدْ كَانُوا مَنَعُوا أَهْلَ الشَّامِ أن يدخلوا عَسْكَرَ عَلِيٍّ، خَافُوا أَنْ يُفْسِدُوا أَهْلَ الْعَسْكَرِ، فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ لأَصْحَابِهِ:
لأَنَا أَشَدُّ فَرَحًا بِقَتْلِ ذِي الْكَلاعِ مِنِّي بِفَتْحِ مِصْرَ لَوِ افْتَتَحْتُهَا [1] ، لأَنَّ ذَا الْكَلاعِ كَانَ يَعْرِضُ لِمُعَاوِيَةَ فِي أَشْيَاءَ كَانَ يَأْمُرُ بِهَا، فَخَرَجَ ابْنُ ذِي الكلاع الى سعيد ابن قَيْسٍ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَبِيهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَغْلٍ وَقَدِ انْتَفَخَ.
وشهد صِفِّين مع مُعَاوِيَة من الصحابة: عمرو بْن العاص السَّهْميّ، وابنُهُ عَبْد الله، وفضالة بْن عُبَيْد الْأَنْصَارِيّ، ومَسْلَمة بْن مَخْلَد، والنُّعمان بْن بشير، ومعاوية بْن حُدَيْج الكِنْدي، وأبو غادية الجُهَني قاتل عمّار، وحبيب ابن مَسْلَمة الفِهْري، وأبو الأعور السُّلَمِيّ، وبُسْر بْن أرطاة [2] العامريّ [3] .
تحكيم الحَكَمين [4]
عن عِكْرِمة قَالَ: حَكَّم مُعَاوِيَة عمرو بْن العاص، فقال الأحنف بْن قَيْس لعليّ: حَكِّمْ أنت وابن عَبَّاس، فإنّه رجلٌ مُجَربّ، قَالَ: أفعل، فأبت الْيَمَانِيَةُ وقالوا: لَا، حتّى يكون منّا رَجُل، فجاء ابن عَبَّاس إِلَى عليّ لمّا رآه قد همّ أنْ يُحَكّم أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فقال له: عَلَام تُحَكّم أَبَا موسى، فو الله لقد عرفت رأيه فينا، فو الله مَا نَصَرنا، وهو يرجو مَا نَحْنُ فِيهِ، فتدخله
__________
[1] (لو افتتحتها) سقطت من نسخة الدار، فاستدركتها من أربع نسخ.
[2] في (ع) و (ح) (بسر بن أبي أرطاة) وكلاهما صحيح، وفي الأحمدية (بشر) وهو تصحيف.
[3] هنا في هامش ح: الحمد للَّه، مررت على هذه الكرّاسة وأصلحتها، وقابلتها على نسخة بخطّ البدر البشتكي، فصحّت وللَّه الحمد. قاله يوسف سبط ابن حجر.) .
[4] هذا العنوان وما يتبعه إلى ترجمة سيّدنا (أويس) ساقط من نسخة الدار، فاستدركته من باقي النسخ.

(3/547)


الآن فِي معاقد أمرنا، مع أنّه ليس بصاحب ذاك، فإذْ أبيْتَ أن تجعلني مع عمرو، فاجْعَل الأحنفَ بْن قَيْس، فإنّه مُجَرَّبٌ من العرب، وهو، قِرْنٌ لعَمْرو، فقال عليّ أفعل، فأبت اليَمَانِيَةُ أيضًا. فلمّا غُلِبَ جعل أَبَا مُوسَى، فسمعتُ ابن عَبَّاس يقول: قلتُ لعلي يوم الحَكَمَيْن: لَا تُحَكّم أَبَا مُوسَى، فإنّ معه رجلًا حذر فرس فاره، فلزَّني إِلَى جنبه، فإنّه لَا يحلّ عُقْدَةً إلّا عقدتُها ولا يَعْقِدُ عُقْدَةً إلّا حَلَلْتُها. قَالَ: يا بْن عَبَّاس مَا أصنع: إنّما أُوتَى من أصحابي، قد ضعفْتُ بينهم وكلُّوا فِي الحرب، هَذَا الأشعث بْن قَيْس يقول: لَا يكون فيها مُضَرِيّان أبدًا حَتَّى يكون أحدهما يمانٍ، قَالَ: فَعَذَرْتُهُ وعرفت أنه مُضْطَهَدٌ، وأنّ أصحابه لَا نيَّة لهم [1] .
وقال أَبُو صالح السمّان: قال عليّ لأبي مُوسَى: أحْكُمْ ولو على حزّ عُنُقي. وقال غيره: حكّم معاويةُ عَمْرًا، وحكَّم عليّ أَبَا مُوسَى، على أنّ من ولَّيَاهُ الخلافة فهو الخليفة، ومن اتَّفقا على خلْعه خُلِعَ. وتواعدا أنْ يأتيا فِي رمضان، وأن يأتي مع كلّ واحدٍ جَمْعٌ من وجوه العرب [2] .
فلمّا كان الموعد سار هَذَا من الشام، وسار هَذَا من العراق، إِلَى أن التقى الطّائفتان بدُومَة الجَنْدل وهي طَرَف الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق.
فعن عُمَر بْن الحكم قَالَ: قال ابن عَبَّاس لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: احْذَرْ عَمْرًا، فإنّما يريد أن يقدِّمك ويقول: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي فتكلّم حتّى أتكلّم، وإنّما يريد أن يقدِّمك فِي الكلام لتخلع عليًّا. قَالَ:
فاجتمعا على إمرةٍ، فأدار عمرو أَبَا مُوسَى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو
__________
[1] انظر تاريخ الطبري 5/ 52، ونهاية الأرب 20/ 148، 149، والأخبار الطوال 193.
[2] انظر تاريخ الطبري 5/ 54.

(3/548)


مُوسَى: بل عَبْد الله بْن عُمَر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك؟ فقال أَبُو مُوسَى: أرى أن نخلع هذين الرجُلَين، ونجعل هَذَا الأمر شورى بيْن المُسْلِمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبّوا.
قال عمرو: الرَّأْيُ مَا رَأَيْت، قَالَ: فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون بدومة الجَنْدَل، فقال عمرو: يا أَبَا مُوسَى أعلِمْهُمْ أنّ رَأيَنَا قد اجتمع، فقال: نعم، إنّ رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يُصْلِح الله به أمر الأمة، فقال عَمْرو: صَدَقَ وَبَرَّ، ونِعْمَ النّاظر للإسلام وأهله. فتكلَّم يا أَبَا مُوسَى. فأتاه ابن عَبَّاس، فخلا به، فقال: أنت فِي خدعة، ألم أقل لك لَا تَبْدَأه وتعقَّبه، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمرًا خاليًا، ثُمَّ ينزع عَنْهُ على ملَأٍ من النّاس، فقال: لَا تخشى ذلك فقد اجتمعنا واصْطَلحْنا.
ثُمَّ قام أَبُو مُوسَى فحمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أيُّها النّاس، قد نظرنا فِي أمر هَذِهِ الأمة، فلم نر شيئًا هُوَ أصْلَحُ لأمرها ولا ألَمُّ لشَعْثها من أن لَا نُغَيّر أمرها ولا بعضه، حتّى يكون ذلك عن رضًا منها وتشاورٍ، وقد اجتمعت أَنَا وصاحبي على أمرٍ واحدٍ: على خلْع عليٍّ ومعاوية، وتستقبل الأمّةُ هَذَا الأمر فيكون شُورى بينهم يُوَلّون من أحبُّوا، وإنّي قد خلعت عليًّا ومعاوية، فَوَلّوا أمركم من رأيتم. ثمّ تأخّر.
وأقبل عَمْرو فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا قد قَالَ مَا سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي خلعت صاحبه وأثبتُّ صاحبي مُعَاوِيَة، فإنّه وَلِيُّ عُثْمَان، والطّالب بدَمِهِ، وأحقُّ النّاس بمقامه، فقال سعد بْن أبي وقاص: وَيْحَكَ يا أَبُو مُوسَى مَا أضعفك عن عَمْرو ومكايده، فقال: مَا أصنع به، جامعني على أمرٍ، ثُمَّ نزع عَنْهُ، فقال ابن عَبَّاس: لَا ذَنْبَ لك، الذَّنْب للَّذي قدَّمَك، فقال: رَحِمَك الله غَدَرَ بي، فَمَا أصنع: وقال أَبُو مُوسَى: يا عَمْرو إنّما مَثَلُك كَمَثل الكلْب إنْ تحمِلْ عليه يَلْهَثْ أو تتركه

(3/549)


يَلْهَثْ، فقال عَمْرو: إنّما مَثَلُكَ كَمَثَلِ الحمار يحمل أسفارًا. فقال ابن عُمَر: إِلَى مَا صير أمر هذه الأمّة! إِلَى رجلٍ لَا يبالي مَا صنع، وَآخَرَ ضعيف [1] .
قال المسعوديّ فِي «المروج» [2] : كان لقاء الحَكَمين بدومة الجَنْدل فِي رمضان، سنة ثمانٍ وثلاثين، فَقَالَ عَمْرو لأبي مُوسَى: تكلَّم، فقال:
بل تكلّم أنت، فقال: مَا كنت لأفعل، ولك حقوقٌ كلُّها واجبة. فحمد الله أَبُو مُوسَى [3] وأثنى عليه، ثمّ قَالَ: هَلُمَّ يا عَمْرو إِلَى أمر يجمع الله به الأمة [4] ، ودعا عَمْرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتُب وهو غُلام لَعمْرو، وقال: إنّ للكلام أوّلًا وآخرًا، ومتى تنازعْنا الكلام لم نبلغ آخرَهُ حتّى يُنْسَى أوَّلُهُ، فاكتُبْ مَا نقول، قَالَ: لَا تكتب شيئًا يأمرك به أحدُنا حَتَّى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتُبْ، فكتب: هَذَا مَا تقاضى عليه فلانُ وفلان. إِلَى أن قال عَمْرو: وإنّ عُثْمَان كان مؤمنًا، فقال أَبُو مُوسَى: ليس لهذا قَعَدْنا، قَالَ عَمْرو: لَا بدّ أن يكون مؤمنًا أو كافرًا. قَالَ: بل كان مؤمنًا. قَالَ: فمُرْهُ أن يكتب، فكتب. قال عمرو: فظالما قتل أو مظلومًا؟ قَالَ [أَبُو مُوسَى: بل قُتِلَ مظلومًا، قَالَ] [5] عَمْرو: أفَلَيْس قد جعل الله لوليِّه سُلْطانًا يطلبُ بدمه؟
قال أَبُو مُوسَى: نعم، قَالَ عَمْرو: فَعَلَى قاتله الْقَتْلُ، قَالَ: بلى. قَالَ:
أفليس لمعاوية أنْ يطلب بدَمِهِ حتّى يَعْجَز؟ قَالَ: بلى، قَالَ عَمْرو: فإنّا نُقِيم البيّنة على أنّ عليّا قتله.
__________
[1] انظر تاريخ الطبري 5/ 67- 71، وأنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) - ص 350، 351، ونهاية الأرب 20/ 158، 159، والأخبار الطوال 199- 201.
[2] مروج الذهب 2/ 406.
[3] (أبو موسى) زيادة (مروج الذهب 2/ 407) .
[4] في مروج الذهب «الألفة» .
[5] ما بين الحاصرتين ساقط من الأصول، والاستدراك من مروج الذهب 2/ 408.

(3/550)


قَالَ أَبُو مُوسَى: إنّما اجتمعنا للَّه، فَهَلُمَّ إِلَى مَا يصلح الله به أمرَ الأمة، قَالَ: وما هُوَ؟ قَالَ: قد علِمْتَ أنّ أَهْل العراق لَا يحبُّون مُعَاوِيَة أبدًا، وأهل الشام لَا يحبُّون عليًّا أبدًا، فهَلُمَّ نخلعهما معًا، ونستخلف ابن عُمَر- وكان ابن عُمَر على بِنْت أبي مُوسَى- قَالَ عَمْرو: أَيَفْعَلُ ذلك عبدُ الله؟
قَالَ: نعم إذا حمله النّاس على ذلك. فصوَّبه عَمْرو وقال: فهل لك فِي سعد؟ وعدَّدَ له جماعة، وأبو مُوسَى يأبى إلّا ابن عُمَر، ثُمَّ قَالَ: قُمْ حتّى نخلع صاحبينا جميعًا، واذكْر اسم من تستخلِف، فقام أَبُو مُوسَى وخطب وقال: إنّا نظرنا فِي أمرنا، فرأينا أقرب مَا نحقن به الدماء ونلُمَّ به الشَّعْث خَلْعنا مُعَاوِيَة وعليًّا، فقد خلعتُهما كما خلعْتُ عمامتي هذه، واستخلفنا رجلًا قد صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه، وله سابقةٌ: عَبْد الله بْن عُمَر، فأطراه ورغِب النّاس فِيهِ.
ثُمَّ قَام عَمْرو فقال: أيُّها النّاس، إنّ أَبا موسى قد خلع عليّا، وهو أعلم به، وقد خلعته معه، وأثبّت معاوية عليّ وعليكم، وإنّ أَبا مُوسَى كتب فِي هَذِهِ الصحيفة أنّ عُثْمَان قُتِل مظلومًا، وأنّ لِولِيّه أن يطلب بدَمِه، فقام أَبُو مُوسَى فقال: كذِب عَمْرو، [لم نستخلف مُعَاوِيَة، ولكنّا خلعنا مُعَاوِيَة وعليًّا معًا] [1] .
قال المَسْعُوديّ: ووجدتُ فِي روايةٍ أنّهما اتّفقا وخلعا عليًّا ومعاوية، وجعلا الأمر شُورَى، فقام عَمْرو بعده، فوافقه على خلع عليّ، وعلى إثبات مُعَاوِيَة، فقال له: لَا وَفَّقَكَ الله، غدرت. وقنّع شريح بن هانئ [2] عَمْرًا بالسَّوْط. وانْخَذَل أَبُو مُوسَى، فلحِق بمكَّة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا
__________
[1] ما بين الحاصرتين إضافة من مروج الذهب 2/ 409.
[2] كذا في المروج وتاريخ الطبري 5/ 71 (شريح بها هانئ) ، وفي النسخ (شريح بن عمرو الهمذاني) ولعلّه سهو، لأنّ هذا الاسم ورد في حوادث أخرى في هذا السياق.

(3/551)


ينظر فِي وجه عليٍّ مَا بقي.
ولِحق سعدُ وابن عُمَر ببيت المقدس فأحْرمَا، وانصرف عَمْرو، فلم يأتِ مُعَاوِيَة، فأتاه وهيّأ طعامًا كثيرًا، وجرى بينهما كلامٌ كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عَبِيدُ عَمْرٍو، ثمّ قاموا ليأكل عَبَيْد مُعَاوِيَة، وأمر من أغلق الباب وَقْتَ أَكْلِ عبيده، فقال عَمْرو: فعلْتَها؟ قَالَ: إي واللهِ بايعْ وإلّا قتلتُكَ. قَالَ: فمِصْر، قَالَ: هِيَ لك مَا عشْتُ [1] .
وقال الواقدي: رفع أَهْل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فِيهِ. فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابًا على أن يوافوا رأسَ الْحَوْلِ أذْرُحَ [2] ويُحَكِّمُوا حَكَمَيْن، ففعلوا ذلك فلم يقع اتّفاق، ورجع عليّ بالاختلاف والدّغّل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه وقالوا: لَا حُكْم إلّا للَّه، ورجع مُعَاوِيَة بالألفة واجتماع الكلمة عليه [3] .
ثُمَّ بايع أَهْل الشام مُعَاوِيَة بالخلافة فِي ذي القعدة سنة ثمانٍ وثلاثين.
كذا قَالَ [4] :
وقال خليفة وغيره إنّهم بايعوه فِي ذي القعدة سنة سبعٍ وثلاثين [5] ، وهو أشبه، لأنّ ذَلِكَ كان إثْر رجوع عَمْرو بْن العاص من التحكيم.
وقال مُحَمَّد بْن الضَّحّاك الحِزَامِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قام عليٌّ على مِنبْرَ الكوفة، فقال: حين اختلف الحَكَمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة
__________
[1] مروج الذهب 2/ 410- 412.
[2] أذرح: بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، ثم من نواحي البلقاء. (معجم البلدان 1/ 129) .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 32.
[4] في تاريخ الطبري 5/ 71 الاجتماع كان في شعبان.
[5] تاريخ خليفة 192.

(3/552)


فعصيتموني، فقام إليه شابٌ آدمُ فقال: إنّك واللهِ مَا نهيتَنَا ولكنْ أمرتَنَا ودمَّرتنا، فَلَمَّا كان منها مَا تكرهُ برَّأْتَ نَفْسَكَ ونَحَلْتَنا ذَنْبَك. فقال عليّ: مَا أنت وهذا الكلام قبَّحَكَ الله، واللهِ لقد كَانَتِ الجماعة فكنت فيها خاملًا، فَلَمَّا ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثُمَّ قَالَ: للَّه منزلٌ نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، واللهِ لئن كان ذَنْبًا إنّه لَصَغيرٌ مغفورٌ، وإنْ كان حَسَنًا إنّه لعظيمٌ مشكور. قلت: مَا أحسنها لولا أنّها مُنْقطعة السَّنَد.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَقُلْتُ:
قَدْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، قَالَتْ: فَالْحَقْ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَذَهَبَ.
فلمّا تفرَّق الحَكَمَان خطب معاويةُ فقال: مَن كان يريد أن يتكلّم فِي هَذَا الأمر فليُطْلِع إِلَى قرنه فَلَنَحْنُ أحقُّ بهذا الأمر منه ومن أَبِيهِ- يعرِّض بابن عُمَر- قال ابن عُمَر: فحَلَلْتُ حَبْوَتي وَهَمَمْتُ أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وَتَسْفِكُ الدَّمَ، فَذَكَرَتْ مَا أعدّ الله فِي الجنان [1] .
قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: لا أَرَى لَهَا غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ عَمْرٌو لابْنِ عُمَرَ: أَمَا تُرِيدُ أَنْ نُبَايِعَكَ؟ فَهَلْ لك أن تعطى مالا عظيما على أن تَدَعَ هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ منك.
__________
[1] أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق، وعبد الرزاق في المصنّف 5/ 465 من خبر طويل برقم (9770) .

(3/553)


فغضب ابن عمر وقام. رواه مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ [1] .
وفيها أخرج عليٌّ سهل بْن حُنَيْف على أَهْل فارس، فمانَعُوه، فوجّه عليٌّ زيادًا، فصالحوه وأدُّوا الخَرَاج [2] .
وفيها قال أَبُو عبيدة: خرج أَهْل حَرُوراء [3] فِي عشرين ألفًا، عليهم شَبَثُ بْن رِبْعيّ، فكَّلمهم عليّ فحاجَّهُم، فرجعوا [4] .
وقال سُلَيْمَان التَّيْميّ، عن أَنَس قَالَ: قَالَ شَبَثُ بْن رِبْعيّ: أَنَا أوّل من حرَّر الْحَرُورِيَّةَ، فقال رَجُل: مَا فِي هَذَا مَا تمتدح به [5] .
وعن مُغِيرَةَ قَالَ: أوّل من حكم ابن الكَوَّاء [6] وشَبَث.
قلت: معنى قوله «حكم» هذه كلمة قد صارت سِمَةً للخَوارج. يُقَالُ «حكم» إذا خرج فقال: لا حكم إلّا للَّه.
__________
[1] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 293، 294 من طريق أبي العباس الثقفي، عن عبد الله بن جرير بن جبلة، عن سليمان بن حرب، بهذا الإسناد.
[2] تاريخ خليفة 192.
[3] بظاهر الكوفة، على ميلين منها.
[4] تاريخ خليفة 192.
[5] تاريخ خليفة 192.
[6] هو عبد الله بن أبي أوفى الكوّاء اليشكري. (تاريخ الطبري 5/ 63) .

(3/554)


الوفيَّات
أُوَيْس القَرَنيّ [1]
ابن عامر بْن جَزْء [2] بْن مالك المُرادِي القَرَني الزّاهد، سيّد التابعين، فِي نسبه أقوالٌ مختلفة، وكنيته أَبُو عَمْرو.
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 161- 165، الزهد لابن المبارك 2/ 293، الزهد لابن حنبل 411- 416، طبقات خليفة 146، التاريخ لابن معين 2/ 45، 46، التاريخ الكبير 2/ 55 رقم 1666، ترتيب الثقات للعجلي 74 رقم 124، المعرفة والتاريخ 2/ 107 و 780 و 3/ 105، العقد الفريد 3/ 171 و 398، الجرح والتعديل 2/ 326 رقم 1245، حلية الأولياء 2/ 79- 87 رقم 162، الضعفاء الكبير للعقيليّ 1/ 135- 137 رقم 167، جمهرة أنساب العرب 407، ربيع الأبرار 4/ 198 و 385، مشاهير علماء الأمصار 100 رقم 743، الثقات لابن حبّان 4/ 52، المستدرك 3/ 402- 408، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ 1/ 403، 404، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 160- 177 وهو باسم «أوس» ، الأنساب للسمعاني 10/ 114، التذكرة الحمدونية 1/ 135 و 136 و 140، اللباب 3/ 29، أسد الغابة 1/ 151، 152، الكامل في التاريخ 3/ 325، المعين في طبقات المحدّثين 32 رقم 186، ميزان الاعتدال 1/ 278- 282 رقم 1048، تلخيص المستدرك 3/ 402- 408، سير أعلام النبلاء 4/ 19- 33 رقم 5، الوافي بالوفيات 9/ 456، 457 رقم 4411، مرآة الجنان 1/ 102، الإصابة 1/ 115- 117 رقم 500، تهذيب التهذيب 1/ 386 رقم 707، تقريب التهذيب 1/ 86 رقم 661، لسان الميزان 1/ 471- 475 رقم 1449، شرح المقامات الحريرية 2/ 217، مسالك الأبصار 1/ 122، خلاصة تذهيب التهذيب 41، تاج العروس (أوس) .
[2] مصحّفة في النسخ، والتصحيح من مصادر الترجمة.

(3/555)


قال ابن الكلبي: استشهد أُوَيْسٌ يوم صِفِّين مع عليّ.
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى: أن أُوَيْسًا شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ رَوَى عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أُوَيْسٌ خَيْرُ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ [1] » . وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ أُوَيْسًا وَفَدَ عَلَى عُمَرَ مِنَ الْيَمَنِ، وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ.
رَوَى عَنْهُ يُسَيْرُ [2] بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عَبْدِ رَبٍّ الدِّمَشْقِيُّ.
وَسَكَنَ الْكُوفَةَ، وَلَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ بَلْ لَهُ حِكَايَاتٌ.
قَالَ أُسَيْرُ [3] بْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «خَيْرُ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ، كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ فِي سُرَّتِهِ، لَا يَدعُ بِالْيُمْنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» . قال عُمَر: فقدِم علينا رجلٌ فَقُلْتُ له: من أَيْنَ أنت؟ قَالَ: من اليمن، قلت: مَا اسمك؟ قَالَ: أُوَيْس. قلت: فَمَنْ تركتَ باليمن؟ قَالَ:
أُمًّا لي، قلت: أكان بك بياض، فدعوت الله فأذْهَبه عنك؟ قَالَ: نعم، قلت: فاستغفِرْ لي، قَالَ: أَوَ يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين! قَالَ:
فاستغفر لي، وقلت له: أنت أخي لَا تفارِقْني، قَالَ: فانْمَلَسَ [4] منيّ.
فأُنْبِئْتُ أنّه قدِم عليكم الكوفة، قَالَ: فجعل رجلٌ كان يسخر بأويس
__________
[1] إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وهو في المستدرك 3/ 402.
[2] في نسخة دار الكتب «بشير» والتصحيح من نسختي (ح) و (ع) ، وسير أعلام النبلاء 4/ 22، وتهذيب التهذيب 11/ 379.
[3] في نسخة دار الكتب «أسيد» والتصحيح من نسختي (ح) و (ع) وسير أعلام النبلاء 4/ 22.
[4] في نسخة الدار وطبعة القدسي 3/ 338 «فاملس» ، والتصويب من منتقى الأحمدية، ومنتقى ابن الملا، ونسختي (ع) و (ح) ، وسير أعلام النبلاء 4/ 23 وهي بمعنى: أفلت.

(3/556)


بالكوفة ويحقِّره يقول: مَا هَذَا فينا ولا نعرفه، فقال عُمَر: بلى إنّه رَجُل كذا وكذا، فقال كأنّه يضع شأنه: فينا رجلٌ يا أمير المؤمنين يُقَالُ له أُوَيْس، فقال عُمَر: أَدْرِكْه فلا أراك تُدْرِكُه، قَالَ: فَأَقْبَلَ ذلك الرجل حتّى دخل على أُويْس قبل أن يأتي أهله، فقال له أُوَيْس: مَا هَذِهِ عادتُكَ، فَمَا بدا لك؟ قَالَ:
سمعت عُمَر بْن الخطاب يقول: فيك كذا وكذا فاستغفر لي، قَالَ: لَا أفعل حتّى تجعل لي عليك أن لَا تسخر بْي فيما بعد، وأن لَا تذكر مَا سمعته من عُمَر لأحدٍ، قَالَ: نعم، فاستغفر له، قَالَ أُسَيْر: فَمَا لبِثْنا أنْ فشا أمرُهُ بالكوفة، قَالَ: فدخلت عليه فَقُلْتُ: يا أخي إنّ أمرك لَعَجَبٌ [1] ونحن لَا نشعر، فقال: ما كان فِي هَذَا مَا أتبلَّغ به فِي النّاس، وما يُجْزَى كلُّ عبدٍ إلّا بعمله قال: وانملس [2] منّي فذهب. رواه مسلم [3] .
وَفِي أوّل الحديث: قال أُسَيْر: كان رَجُل بالكوفة يتكلّم بكلام لَا أسمع أحدًا يتكلّم به، ففقدته فسألت عَنْهُ، فقالوا: ذاك أُوَيْس فاستدْلَلْتُ عليه وأتيته، فَقُلْتُ: مَا حَبَسَك عنّا؟ قَالَ: الْعُرْيُ. قَالَ: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، فَقُلْتُ: هَذَا بُرْدٌ فخُذْه، فقال: لا تفعل فإنّهم إذن يؤذونني، فلم أزل بِهِ حَتَّى لبسه، فخرج عليهم فقالوا: مَنْ تَرَوْن خُدِع عن هَذَا البُرْد! قَالَ: فجاء فوضعه، فأتيتُ فَقُلْتُ: مَا تريدون من هَذَا الرجل؟
فقد آذيتموه والرجل يَعْرَى مرَّةً ويكتسي أخرى، وآخَذْتُهُم [4] بلساني، فقُضِي أنّ أَهْل الكوفة وفدوا على عُمَر، فوفد رجلٌ ممّن كان يسخر به، فقال عُمَر:
مَا ها هنا أحدٌ من القَرَنِيّين؟ فقام ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
__________
[1] في ح، ومنتقى الأحمدية وحلية الأولياء 2/ 80: (يا أخي ألا أراك العجب) .
[2] في طبعة القدسي 3/ 339 «وأملس» ، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 4/ 23.
[3] في فضائل الصحابة (2542) وهو بسياق ولفظ مقارب لما هنا.
[4] في نسخة دار الكتب هنا تحريف وتصحيف، والتصحيح من طبقات ابن سعد 6/ 162، وسير أعلام النبلاء 4/ 23.
وفي طبقات ابن سعد، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 163 «فأخذتهم بلساني أخذا شديدا» .

(3/557)


قَالَ: «إنّ رجلًا يأتيكم من اليمن يُقَالُ له أُوَيْس» فذكر الحديث.
وروى نحو هَذِهِ القصة عُثْمَان بْن عطاء الخُرَاساني، عن أَبِيهِ، وزاد فيها: ثمّ إنّه غزا أَذْرَبَيْجان، فَمَات، فتنافس أصحابُهُ فِي حفْر قبره [1] .
وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ [2] عَنْ عُمَرَ- وَهُوَ مُنْقَطِعٌ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ أُوَيْسٍ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» [3] . وَقَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: ثنا أَبُو قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: نَادَى عُمَرُ بِمِنًى عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَهْلَ قَرَنٍ، فَقَامَ مَشَايِخُ، فَقَالَ: أَفِيكُمْ مَنِ اسْمُهُ أُوَيْسٌ [4] ؟ فَقَالَ شَيْخٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ذَاكَ مَجْنُونٌ يسكن القفار لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي أَعْنِيهِ، فَإِذَا عُدْتُمْ فَاطْلُبُوهُ وَبَلِّغُوهُ سَلامِي وَسَلامَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم [فعادوا إِلَى قَرَنٍ، فَوَجَدُوهُ فِي الرِّمَالِ، فَأَبْلَغُوهُ سَلامَ عُمَرَ، وَسَلامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] قَالَ: فَقَالَ: عَرَّفَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَشَهَّرَ باسمي، اللَّهمّ صلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ، السَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ هَامَ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يُوقَفْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَثَرٍ دَهْرًا، ثُمَّ عَادَ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ فَاسْتُشْهِدَ مَعَهُ بِصِفِّينَ، فَنَظَرُوا فَإِذَا عَلَيْه نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ جِرَاحَةً [6] .
وقال هشام بْن حسّان، عن الْحَسَن قَالَ: يخرج من النار بشفاعة أُوَيْس أكثر من ربيعة ومضر [7] .
__________
[1] اختلف في وفاته ومكان دفنه. انظر: حلية الأولياء 2/ 83، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 177.
[2] في نسخة دار الكتب «جرير» ، وهو خطأ، والتصحيح من نسختي (ع) و (ح) وسير أعلام النبلاء 4/ 31.
[3] سيأتي بعد قليل ما يشبهه.
[4] هنا اضطراب في النص في نسخة دار الكتب، والتصحيح من نسخة (ح) ، ومنتقى الأحمدية، ومنتقى ابن الملا.
[5] ما بين الحاصرتين زيادة من «ميزان الاعتدال 1/ 281» .
[6] ميزان الاعتدال 1/ 281، سير أعلام النبلاء 4/ 32.
[7] سير أعلام النبلاء 4/ 32، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 174.

(3/558)


وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ:
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ» [1] . وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، نَادَى مُنَادِي أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ [2] : أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ؟ قَالُوا:
نَعَمْ، فَضَرَبَ دَابَّتَهُ وَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» . قَالَ: فَوُجِدَ فِي قَتْلَى صِفِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه [3] .
قَالَ ابن عدي [4] : أُوَيْس ثقة صَدُوق، ومالك يُنْكر أُوَيْسًا. قَالَ: ولا يجوز أن يُشَكَّ فِيهِ.
قلت: وروى قصة أُوَيس مبارك بْن فضالة، عن مروان الأصغر، عن صعصعة بْن مُعَاوِيَة. ورواه هُدْبَةُ، عن مبارك عن أبي الأصفر، وقد ذكر ابن حِبّان أَبَا الأصفر فِي «الضُّعفاء» [5] ، وساق الحديث بطُوله.
وأخبار أُوَيْس مُسْتَوْعَبة فِي «تاريخ دمشق» [6] ، ليس فِي التابعين أحدٌ أفضل منه، وأمّا أن يكون أحد مثله فِي الفضل فيُمْكن كسعيد بن المسيّب، وهم قليل.
__________
[1] أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2440) ، والدارميّ 2/ 328، وابن ماجة (4316) ، وأحمد في المسند 5/ 366 من حديث: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وفي ميزان الاعتدال 1/ 282 «أكثر من ربيعة وبني تميم» وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 10/ 381، 382، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 175.
[2] كذا في ع، ح ومنتقى الأحمدية، وفي نسخة دار الكتب (أصحاب علي) ، والمثبت يرجّحه ما جاء في ميزان الاعتدال 1/ 281 «فنادى منادي أهل الشام» .
[3] حلية الأولياء 2/ 86.
[4] الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 404.
[5] الضعفاء والمتروكين 3/ 151.
[6] انظر مخطوط الظاهرية 3/ 97 آ، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 160.

(3/559)


(جندب [1] بن زهير)
[2] بن الْحَارِث الغامدّي الأزْدِي [3] ، كوفيّ، يُقَالُ: له صُحبة. وله حديث تفرَّد به السّرِيّ بن إسماعيل، وهو ضعيف [4] .
وكان يوم صِفِّين على الرَّجَّالَةِ مع عليّ، فقُتِل.
(جَهْجاه بْن قَيْس)
[5] وقيل بن سَعِيد- الغِفاريّ، مدني، له صُحْبة.
شهِدَ بيعة الرَّضوان، وكان فِي غزوة المُرَيْسِيع أجيرًا لعمر [6] ، ووقع بينه
__________
[1] هذه الترجمة واللتان بعدها ساقطة من نسخة دار الكتب، والاستدراك من نسختي (ع) و (ح) والمنتقى لابن الملا.
[2] نسب قريش 193، تاريخ خليفة 195، 196، التاريخ الكبير 2/ 222 رقم 2268، المعارف 405، الأخبار الطوال 146 و 172 و 185، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 519 و 521 و 522 و 528 و 529 و 5/ 31 و 32 و 34 و 40 و 41 و 242، تاريخ الطبري 4/ 318 و 326 و 5/ 27، الجرح والتعديل 2/ 511 رقم 2107، المعجم الكبير للطبراني 2/ 177، رقم 184، جمهرة أنساب العرب 378، الاستيعاب 1/ 218- 220، تلقيح فهوم أهل الأثر 175، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 413، 414 وذكره في ترجمتين: جندب بن زهير بن الحارث، وجندب بن عبد الله، أسد الغابة 1/ 303، الكامل في التاريخ 3/ 106 و 144 و 251 و 303 و 325، تهذيب الكمال 5/ 141- 148 رقم 975 (تحقيق د. بشار عوّاد) ، الكاشف 1/ 133 رقم 828، تجريد أسماء الصحابة رقم 856، سير أعلام النبلاء 3/ 175- 177 رقم 31، الوافي بالوفيات 11/ 194 رقم 288 و 11/ 195 رقم 290، تهذيب التهذيب 2/ 118، 119 رقم 190، تقريب التهذيب 1/ 135 رقم 120، الإصابة 1/ 248 رقم 1217، تحفة الأشراف 2/ 446 رقم 77، خلاصة تذهيب التهذيب 55.
[3] انظر الأقوال في اسمه: في سير اعلام النبلاء 3/ 177 فهو جندب الخير، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وجندب بن عفيف، وهو قاتل الساحر.
[4] الكامل في ضعفاء الرجال 3/ 1295.
[5] المغازي للواقدي 415، 416 و 435، تهذيب سيرة ابن هشام 210، طبقات خليفة 33، التاريخ الكبير 2/ 249 رقم 2355، المعارف 323، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 153 رقم.
817، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 536، 537 و 581، و 5/ 47 و 48 و 89، تاريخ الطبري 2/ 605 و 4/ 366 و 367، الاستيعاب 1/ 252، 253، الجرح والتعديل 2/ 543 رقم 2258، المعجم الكبير للطبراني 2/ 274 رقم 208، أسد الغابة 1/ 309، الكامل في التاريخ 2/ 192 و 3/ 168 و 403، تجريد أسماء الصحابة 1/ 92، الوافي بالوفيات 11/ 207 رقم 304، الإصابة 1/ 253 رقم 1245.
[6] في نسختي (ع) و (ح) «لعمرو» ، والتصحيح من منتقى ابن الملا، والاستيعاب، والإصابة.

(3/560)


وبين سنان الجُهَنّي، فنادي: يا للمهاجرين: ونادي سِنان: يا للأنصار [1] .
وعن عطاء بْن يسار، عن جهجاه أنّه هُوَ الَّذِي شرب حِلاب سبع شِياه قبل أن يُسْلِم، فلمّا أسلم لم يتمّ حِلابَ شاة [2] .
وقال ابن عَبْد البَرّ [3] : هُوَ الَّذِي تناول العصا من يد عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وهو يخطب، فكسرها على رُكْبته، فوقعت فيها الآكِلة، وكانت عصا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تُوُفيّ بعد عُثْمَان بسنة [4] .
(حابس بْن سعد الطّائي)
[5] ولي قضاءَ حمص زمن عُمَر، وكان أَبُو بَكْر قد وَجَّهَهُ إِلَى الشام، وكان من العُبّاد.
روى عَنْهُ جُبَيْر بْن نُفَير. قُتِلَ يوم صفّين مع معاوية.
__________
[1] الاستيعاب 1/ 252، أسد الغابة 1/ 309.
[2] الاستيعاب 1/ 253، أسد الغابة 1/ 309، الوافي بالوفيات 11/ 207.
[3] في الاستيعاب 1/ 253، وانظر أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 537 و 581 رقم 1381 و 1485، وأسد الغابة 1/ 309، والإصابة 1/ 253.
[4] التاريخ الكبير 2/ 249.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 431، 432، تاريخ خليفة 194 و 196، التاريخ الكبير 3/ 108 رقم 365، الأخبار الطوال 171، الجرح والتعديل 3/ 292 رقم 1301، المعجم الكبير للطبراني 4/ 37 رقم 335، الاستيعاب 1/ 359، 360، جمهرة أنساب العرب 403، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 422، 423، أسد الغابة 1/ 314، الكامل في التاريخ 3/ 325، المعرفة والتاريخ 2/ 308، مسند أحمد 4/ 105- 109، تهذيب الكمال 5/ 183- 186 رقم 990، العبر 1/ 39، الكاشف 1/ 135 رقم 839، ميزان الاعتدال 1/ 428 رقم 1594، المغني في الضعفاء 1/ 139 رقم 1209، تجريد أسماء الصحابة رقم 888، الوافي بالوفيات 11/ 232، 233 رقم 330، مرآة الجنان 1/ 102، تهذيب التهذيب 2/ 127 رقم 207، تقريب التهذيب 1/ 137 رقم 1، الإصابة 1/ 272 رقم 1356، خلاصة تذهيب التهذيب رقم 1102، شذرات الذهب 1/ 46.

(3/561)


خَبّاب بْن الَأرَتّ [1] ع
ابن جَنْدَلَةَ بْن سعد بْن خزيمة [2] التميمي، مَوْلَى أمّ سِباع بِنْت أنمار، أَبُو عَبْد الله. من المهاجرين الأولين. شهِدَ بدْرًا والمشاهد بعدها، وروى عدّةَ أحاديث.
وعنه أَبُو وائل، ومسروق، وعلقمة، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم.
__________
[1] المغازي للواقدي 100 و 155، السير والمغازي لابن إسحاق 143 و 182 و 183، الزهد لابن المبارك 183، تهذيب سيرة ابن هشام 56 و 78- 79 و 82 و 83، طبقات ابن سعد 3/ 164- 167، تاريخ خليفة 192، طبقات خليفة 17 و 126، المحبّر لابن حبيب 73، البرصان والعرجان للجاحظ 8 و 251، التاريخ الكبير 3/ 215 رقم 730، ترتيب الثقات 143 رقم 376، مسند أحمد 5/ 108- 112 و 6/ 395، 396، المعارف 316، 317 مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 88 رقم 91، المعرفة والتاريخ 3/ 167، فتوح البلدان 335، أنساب الأشراف 1/ 116 و 156 و 158 و 175- 180 و 184 و 187 و 197 و 201 و 3/ 26 و 286، تاريخ الطبري 3/ 589 و 5/ 61، المنتخب من ذيل المذيّل 558، 559، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 79، الجرح والتعديل 3/ 395 رقم 1817، الزاهر للأنباري 2/ 46، المعجم الكبير للطبراني 4/ 61، 94 رقم 364، مشاهير علماء الأمصار 44 رقم 273، العقد الفريد 3/ 238، حلية الأولياء 1/ 143- 147 رقم 23، البدء والتاريخ 5/ 101، الاستيعاب 1/ 423، 424، المستدرك 3/ 381- 383، صفة الصفوة 1/ 427- 429 رقم 21، أسد الغابة 2/ 98- 100، الكامل في التاريخ 2/ 60 و 67 و 85 و 86 و 3/ 324 و 351، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 174، 175 رقم 143، تحفة الأشراف 3/ 113- 120 رقم 124، تهذيب الكمال 1/ 373، وفيات الأعيان 2/ 476، الكاشف 1/ 211 رقم 1384، دول الإسلام 1/ 32، المعين في طبقات المحدّثين 30 رقم 34، سير أعلام النبلاء 2/ 323- 325 رقم 62، العبر 1/ 43، تلخيص المستدرك 3/ 381- 383، الوافي بالوفيات 13/ 287 رقم 348، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 124 رقم 488، رجال الطوسي 19، الوفيات لابن قنفذ 57، مجمع الزوائد 9/ 298، تهذيب التهذيب 3/ 133، 134 رقم 254، تقريب التهذيب 1/ 221، 222 رقم 105، الإصابة 1/ 416 رقم 2210، النكت الظراف 3/ 118، 119، خلاصة تذهيب التهذيب 104/ كنز العمال 13/ 375، شذرات الذهب 1/ 47، طبقات الشعراني 1/ 18، 19، قاموس الرجال 4/ 2- 4، البداية والنهاية 7/ 316.
[2] في النسخة (ع) و (ح) «جديمة» وهو وهم.

(3/562)


قيل: كان أصابه سبْيٌ، فبيع بمكة، فاشترته أمُّ سِباع بِنْت أنمار الخُزَاعية من حُلفاء بني زُهْرَةَ، ويقال: كَانَتْ خَتَّانة بمكة، أسلم قبل دخول دار الأرقم، وكان من المستضعفين بمكة الذين عُذِّبُوا فِي الله [1] .
وقال أَبُو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خَبَّاب إِلَى عُمَر فقال: أدْنِهِ، فَمَا أحدٌ أحقُّ بهذا المجلس منك إلّا عمّار بْن ياسر، قَالَ: فجعل خَبَّاب يُرِيه آثارًا فِي ظهره ممّا عذبه المشركون [2] .
وقال مُجالد، عن الشَّعْبِيّ: دخل خَبَّاب بْن الأرتّ على عُمَر، فأجلسه على مُتَّكَئه وقال: مَا على الأرض أحدٌ أحق بهذا المجلس من هَذَا، إلّا رجلٌ واحدٌ وهو بلال، فقال: مَا هُوَ بأحقّ به منّي، إنّه كان من المشركين من يمنعه، ولم يكن لي أحدٌ يمنعني، لقد رأيتُني يومًا أخذوني وأوقدوا لي نارًا، ثمّ سلقوني فيها، ثُمَّ وضع رَجُل رِجْلَه على صدري، فَمَا اتقيتُ الأرضّ إلّا بظهري، قَالَ: ثمّ كشف عن ظهره، فإذا هُوَ قد بَرِص [3] .
وَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ مُضَرِّبٍ: دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابٍ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّات، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ» لَأَلْفَانِي قَدْ تَمَنَّيْتُهُ، قَالَ: وَقَدْ أُتِيَ بِكَفَنِهِ قَبَاطيّ، فبكى، ثُمَّ قَالَ: لكنَّ حمزةَ عَمّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّن فِي بُرْدَةٍ، إذا مُدَّتْ على قَدَمْيه قَلُصَت عن رأسه، وَإِذَا مُدَّتْ على رأسه قَلُصَت عن قَدَمْيه، ولقد رأيتني مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أمِلك دينارًا ولا دِرْهمًا، وإنّ فِي ناحية بيتي فِي تابوتي لَأربعين ألف وَافٍ، ولقد خشيتُ أن تكون عُجِّلَتْ لنا طيّباتنا في حياتنا الدّنيا [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 164 و 165.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 165.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 165.
[4] مسند الحميدي 1/ 86 رقم 158، طبقات ابن سعد 3/ 166، حلية الأولياء 1/ 144، 145، الزهد لابن المبارك 183، 184 رقم 522، أسد الغابة 2/ 99.

(3/563)


وقال الواقدي: سمعت من يقول: هُوَ أوّل من قَبَره عليٌّ بالكوفة، وصلّى عليه مُنْصَرَفَه من صِفِّين [1] .
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: إِنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ أَمَا آنَ لِهَذَا الْخَاتَمِ أَنْ يُطَّرَحَ، فَقَالَ: لا تَرَاهُ عَلَيَّ بَعْدَ الْيَوْمِ.
(خزيمة بن ثابت)
[2] م 4- بن الفاكه أبو عمارة الأنصاريّ الخطميّ [3]
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 167.
[2] المغازي للواقدي 1052، الأخبار الموفقيّات للزبير 579 و 597 و 598، طبقات ابن سعد 4/ 378- 381، طبقات خليفة 83 و 135 و 190، المحبّر لابن حبيب 291 و 420، التاريخ الكبير 3/ 205، 206 رقم 704، المسند لأحمد 5/ 213- 216، المعارف 149، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 87 رقم 83، المعرفة والتاريخ 1/ 380، أنساب الأشراف 1/ 170، تاريخ الطبري 3/ 173 و 4/ 447، المنتخب من ذيل المذيّل 572، الجرح والتعديل 3/ 381، 382 رقم 1744، المعجم الكبير للطبراني 4/ 94، 95 رقم 366، مشاهير علماء الأمصار 45 رقم 277، ثمار القلوب للثعالبي 87 و 288، العقد الفريد 4/ 341 و 6/ 153، الاستيعاب 1/ 417، 418، جمهرة أنساب العرب 334، 335، المستدرك 3/ 396، 397، الاستبصار 267، 268، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 135- 137، المرصّع لابن الأثير 217، الكامل في التاريخ 2/ 314 و 3/ 221 و 325، أسد الغابة 2/ 114، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 175، 176 رقم 146، تهذيب الكمال 1/ 375، تحفة الأشراف 3/ 123 رقم 127، الكاشف 1/ 212 رقم 1394، المعين في طبقات المحدّثين 20 رقم 37، سير أعلام النبلاء 2/ 485- 487 رقم 100، الوافي بالوفيات 13 310- 312 رقم 380، صفة الصفوة 1/ 293، الإكليل 2/ 462، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 128 رقم 505، الاشتقاق 447، العبر 1/ 41، أخبار شعراء الشيعة للمرزباني 36، رجال الطوسي 19، قاموس الرجال للتستري 4/ 12- 16، رجال الكشي 51، الوفيات لابن قنفذ 57، تهذيب التهذيب 3/ 140، 141 رقم 267، تقريب التهذيب 1/ 223 رقم 118، الإصابة 1/ 425، 426 رقم 2251، النكت الظراف 3/ 123- 126، تلخيص المستدرك 3/ 396، 397، خلاصة تذهيب الكمال 104، كنز العمال 13/ 379، شذرات الذهب 1/ 45، بغية الوعاة 1/ 354، أعيان الشيعة 29/ 85 رقم 6020، البداية والنهاية 7/ 311.
[3] في النسخة (ح) «الحطمي» وهو تصحيف، والتصحيح من نسخة (ع) و «الإيناس بعلم الأنساب للوزير المغربي- ص 59» ، والخطميّ: بفتح الخاء المنقوطة وسكون الطاء المهملة،

(3/564)


ذو الشهادتين، يُقَالُ إنه بدْرِيّ [1] ، والصحيح أنّه شهِدَ أُحُدًا وما بعدها. له أحاديث.
روى عَنْهُ إِبْرَاهِيم بْن سعد بْن أبي وقاص، وعمرو بْن ميمون الأوْدي [2] ، وابنه، عمارة بْن خُزَيْمة، وأبو عَبْد الله الجَدَليّ، وغيرهم.
شهدِ صِفِّين مع عليّ، وقاتل حَتَّى قُتِلَ.
ذو الكَلاع الحميري [3]
اسمه السَّمَيْفَع، ويقال: سَمَيْفَع بْن ناكور [4] . وقيل: اسمه أيفع، كنيته أَبُو شُرَحْبِيل [5] . أسلم فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: له صحبة، فَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ كُلَيْبٍ، سَمِعَ ذَا الْكَلَاعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اتركوا التّرك ما تركوكم [6] » .
__________
[ () ] نسبة إلى بطن من الأنصار يقال له خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة. (الأنساب للسمعاني 5/ 149) .
[1] في هذا خلاف. انظر تهذيب التهذيب، والإصابة.
[2] على خلاف فيه، كما في (تهذيب التهذيب 12/ 148) وفي المنتقى (الأزدي) وهو تحريف.
[3] المحبّر لابن حبيب 75 و 232، المعارف 421، الأخبار الطوال 172 و 178 و 179، التاريخ الكبير 3/ 266، 267 رقم 911، المعرفة والتاريخ 3/ 358، أنساب الأشراف 1/ 13 و 25، تاريخ الطبري 3/ 389 و 391 و 397 و 438- 440 و 443 و 598 و 5/ 34 و 36 و 44، و 362، الجرح والتعديل 3/ 448 رقم 2032، العقد الفريد 4/ 404، ربيع الأبرار 4/ 74 و 219، جمهرة أنساب العرب 343، الكامل في التاريخ 2/ 338 و 376 و 403 و 490 و 3/ 307 و 308 و 310 و 314، أسد الغابة 2/ 143، 144، تهذيب تاريخ دمشق 5/ 269- 274، الاستيعاب 1/ 485- 488، المرصّع 293، مرآة الجنان 1/ 102، الوافي بالوفيات 14/ 46، 47 رقم 43، الإصابة 1/ 487 رقم 2466.
[4] في النسخة (ح) «باكور» وفي النسخة (ع) «ماكور» ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] ويقال «شراحيل» .
[6] أخرجه أبو داود في الملاحم (4302) باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة، من طريق عيسى بن محمد الرمليّ، حدثنا ضمرة، عن السيباني، عن أبي سكينة رجل من المحررين، عن رجل

(3/565)


كَانَ ذُو الْكَلَاعِ سَيِّدَ قَوْمِهِ، شَهِدَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَفَتَحَ دِمَشْقَ، وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّينَ [1] .
روى عن عُمَر، وغيرِ واحد.
روى عنه أبو أزهر بن سعيد، وزامل بْن عَمْرو، وأبو نوح الحمْيَرِيّ.
والدليل على أنّه لم ير النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ بِالْيَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: ذَا الْكَلاعِ، وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلا مَعِي، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا: قُبِضَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ. الحديث رواه مُسْلِمٌ [2] .
وروى علوان بن دَاوُد، عن رجلٍ قَالَ: بعثني أهلي بهدّيةٍ إِلَى ذي الكَلاع، فلبِثْتُ على بابه حَوْلًا لَا أصل إليه، ثُمَّ إِنَّهُ أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحدٌ إلّا سجد له، فأمر بهديّتي فقبلت، ثمّ رأيته بعد في الْإِسْلَام، وقد اشترى لحمًا بدِرهم فسَمَطَه على فرسه [3] .
وَرُوِيَ أنّ ذا الكلاع لمّا قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتنن أحدٌ بحُسْنه [4] . وكان عظيم الخطر عند مُعَاوِيَة، وربّما كان يعارض معاوية، فيطيعه معاوية [5] .
__________
[ () ] مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم» ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق 5/ 270) .
[1] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 270.
[2] وأخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 485.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 5/ 270، 271.
[4] انظر تهذيب تاريخ دمشق 5/ 271.
[5] قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 1/ 485، 486 «وكان ذو الكلاع القائم بأمر معاوية في حرب صفّين، وقتل قبل انقضاء الحرب، ففرح معاوية بموته، وذلك أنه بلغه أن ذا الكلاع ثبت عنده

(3/566)


(عبد الله بن بديل بن ورقاء)
[1] بن عَبْد العُزَّى الخُزاعيّ، كنيته أَبُو عُمَرو. روى الْبُخَارِيّ فِي «تاريخه» أنّه ممّن دخل على عُثْمَان، فطعن عُثْمَان فِي وَدَجِه، وعلا التنوخيّ عُثْمَان بالسيف، فأخذهم مُعَاوِيَة فقتلهم [2] .
أسلم مع أَبِيهِ قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفًا وجليلًا. قُتِلَ هُوَ وأخوه عَبْد الرَّحْمَن يوم صِفِّين مع عليّ، وكان على الرّجّالة.
قَالَ الشَّعْبِيّ: كان على عَبْد الله يومئذٍ درْعان وسيْفان، فَأَقْبَلَ يضرب أَهْل الشام حَتَّى انتهى إِلَى مُعَاوِيَة، فتكاثروا عليه فقتلوه، فَلَمَّا رآه مُعَاوِيَة صريعًا قَالَ: واللهِ لو استطاعت نساءُ خُزاعةَ لقاتَلَتْنا فضلًا عن رجالها [3] .
__________
[ () ] أنّ عليّا بريء من دم عثمان، وأنّ معاوية لبس عليهم ذلك فأراد التشتيت على معاوية، فعاجلته منيته بصفّين» .
وقال ابن عساكر: «ولما بلغ قتله معاوية قال لأَصْحَابِهِ: لأَنَا أَشَدُّ فَرَحًا بِقَتْلِ ذِي الْكَلاعِ منّي بفتح مصر لو افتتحتها، وذلك لأنه كان يعرض له في أشياء كان يأمر بها» . (تهذيب تاريخ دمشق 5/ 274) .
[1] المغازي للواقدي 750، المحبّر لابن حبيب 184، تاريخ خليفة 166 و 194، التاريخ الكبير 5/ 56 و 57 (ذكره ثلاث مرات) 126 و 127 و 128، الأخبار الطوال 150 و 171 و 172 و 175، تاريخ الطبري 4/ 139 و 180 و 383 و 5/ 11 و 15 و 18 و 21 و 23 و 44، الجرح والتعديل 5/ 14، 15 (ذكره مرتين) رقم 67 و 68، الاستيعاب 2/ 268، ثمار القلوب للثعالبي 88، العقد الفريد 4/ 292 و 295 و 298 و 328، مشاهير علماء الأمصار 83 رقم 600، الخراج وصناعة الكتابة 373، 374 و 400، المستدرك 3/ 395، التذكرة الحمدونية 2/ 399، الكامل في التاريخ 3/ 44 و 297 و 298 و 301 و 302 و 314 و 409، تلخيص المستدرك 3/ 395، مرآة الجنان 1/ 101، تهذيب التهذيب 5/ 155، 156 رقم 268، تقريب التهذيب 1/ 403 رقم 199 الإصابة 2/ 280، 281 رقم 4559، تهذيب الكمال 2/ 667، المنتخب من ذيل المذيل 511.
[2] هذه الرواية ليست في التراجم التي أوردها البخاري في تاريخه.
[3] الاستيعاب 2/ 268، 269.

(3/567)


(عَبْد الله بْن كعب المُرَادي)
[1] من كبار عسكر عليّ، قُتِلَ يوم صِفِّين، ويقال إنّ له صحبة [2] .
عبيد الله ابن أمير المؤمنين عمر [3]
ابن الخطاب القُرَشيّ العَدَوِيّ الْمَدَنِيّ. وُلِد فِي زمان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمع أَبَاهُ، وعثمان، وَأَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كنيته أَبُو عِيسَى. غزا فِي أيام أَبِيهِ. وأُمُّه أمُّ كُلثوم الخُزاعية.
وعن أسلم، أن عُمَر ضرب ابنه عُبَيْد الله بالدِّرَّة وقال: أتكتني بأبي عيسى، أوكان لعيسى أبّ! وقد ذكرنا أنّ عُبَيْد الله لَمَّا قُتِلَ عُمَر أَخَذَ سيفَه وشدَّ على الهُرْمُزان فقتله، وقُتِل جُفَيْنَة، ولُؤلُؤة بنت أبي لُؤلُؤة، فَلَمَّا بويع عُثْمَان همَّ بقتْله، ثُمَّ عفا عَنْهُ. وكان قد أشار عليٌّ على عُثْمَان بقتله، فَلَمَّا بويع ذهب عُبَيْد الله هاربا منه إِلَى الشام [4] . وكان مقدّم جيش مُعَاوِيَة يوم صفّين، فقتل يومئذ.
__________
[1] تاريخ خليفة 194، تاريخ الطبري 5/ 46، الاستيعاب 2/ 315، الكامل في التاريخ 3/ 314، الإصابة 2/ 363 رقم 4918.
[2] من ترجمة «خزيمة بن ثابت» إلى هنا ساقط من نسخة دار الكتب.
[3] نسب قريش 355، الطبقات الكبرى لابن سعد 5/ 15- 20، تاريخ خليفة 164 و 194 و 195، الأخبار الموفقيّات 602، البرصان والعرجان للجاحظ 92، عيون الأخبار 1/ 29 و 2/ 362، المعارف 180، المعرفة والتاريخ 2/ 729، فتوح البلدان 3 و 4 و 267، أنساب الأشراف 1/ 427، ق 4 ج 1/ 510، و 5/ 24، أخبار القضاة 2/ 138 و 268 و 274 و 299 و 338، تاريخ الطبري 2/ 640 و 3/ 597 و 4/ 198 و 239 و 243 و 574 و 5/ 12 و 34 و 36 و 37 و 39 و 44، مشاهير علماء الأمصار 65 رقم 441، ثمار القلوب للثعالبي 88، جمهرة أنساب العرب 81 و 152 و 153 و 154، العقد الفريد 6/ 349، الاستيعاب 2/ 431- 433، المرصّع لابن الأثير 343، الكامل في التاريخ 2/ 489 و 3/ 53 و 75 و 76 و 287 و 295 و 307 و 308، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 314- 316 رقم 383، مرآة الجنان 1/ 101، الإصابة 3/ 75، 76 رقم 6239، مروج الذهب 2/ 395.
[4] طبقات ابن سعد 5/ 17، الاستيعاب 2/ 433.

(3/568)


ويُقال: قتله عمار بْن ياسر، وقيل رجلٌ من هَمَدان [1] ، ورثاه بعضُهم [2] بقصيدةٍ مليحة.
عمّار بْن ياسر [3] ع
ابن عامر بْن مالك بن كنانة
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 19.
[2] هو أبو زبيد الطائي. (الاستيعاب 2/ 431) .
[3] المغازي للواقدي 24 و 54 و 55 و 84 و 139 و 147 و 150 و 151 و 155 و 334 و 397 و 407 و 435 و 859 و 881 و 1004 و 1042 و 1044 و 1067، السير والمغازي لابن إسحاق 144 و 177 و 228 و 292، تهذيب سيرة ابن هشام 57 و 71 و 127، الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 246- 264 و 6/ 14، فتوح الشام للأزدي 254، الزهد لابن المبارك 459، مسند أحمد 4/ 262- 265 و 319- 321، تاريخ خليفة 123 و 144 و 145 و 149 و 151 و 152 و 154 و 181 و 183 و 184 و 186 و 189 و 190 و 191 و 194 و 196، طبقات خليفة 21 و 75 و 126 و 134 و 189، المحبّر لابن حبيب 73 و 289 و 295 و 296، الأخبار الموفقيّات للزبير 322 و 604 و 608- 611، البرصان والعرجان للجاحظ 274 و 341، التاريخ الكبير 7/ 25، 26 رقم 107، التاريخ الصغير للبخاريّ 1/ 79 و 84 و 85، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 84 رقم 54، الأخبار الطوال لابن قتيبة 129 و 130 و 132 و 139 و 144 و 145 و 147 و 149 و 165 و 171 و 174 و 178، المعارف لابن قتيبة 105 و 157 و 256 و 258 و 550 و 584، عيون الأخبار لابن قتيبة 3/ 111، المعرفة والتاريخ للفسوي (انظر فهرس الأعلام) 3/ 691، 692 فتوح البلدان للبلاذري 212 و 328 و 330 و 335، أنساب الأشراف له 1/ 3 و 116 و 156- 175 و 177 و 180 و 184 و 187 و 197 و 204 و 211 و 259 و 297 و 300 و 302 و 304 و 337 و 338 و 360 و 421 و 540، و 3/ 287 وق 4 ج 1/ 512 و 513 و 525 و 526 و 537- 539 و 541 و 544 و 549 و 551 و 554 و 557 و 560 و 580 و 588 و 592 و 5/ 26 و 37 و 48- 52 و 54 و 55 و 59 و 61 و 65 و 68 و 70 و 88 و 95 و 99، أخبار القضاة لوكيع 2/ 188، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 62، تاريخ الطبري 2/ 330 و 408 و 409 و 413 و 3/ 108 و 589 و 4/ 41 و 90 و 138 و 139 و 144 و 145 و 160 و 233 و 308 و 341 و 353 و 358 و 359 و 363 و 399 و 482- 484 و 487 و 499 و 500 و 510 و 512 و 517 و 519 و 531 و 533 و 545 و 5/ 6 و 11 و 12 و 15 و 27 و 38- و 40 و 96 و 361 و 8/ 644 و 10/ 59، المنتخب من ذيل المذيّل 508- 511، الاستيعاب 2/ 476- 481، مروج الذهب 2/ 391، 392، ثمار القلوب للثعالبي 80 و 371، حلية الأولياء 1/ 139- 143 رقم 22، الخراج وصناعة الكتابة 367 و 370 و 371 و 373- 375 و 385، جمهرة أنساب العرب لابن حزم 228 و 404 و 405

(3/569)


بْن قيس [4] بْن الحُصين المّذْحِجيّ العَنْسِيّ [5] أَبُو اليقظان مَوْلَى بني مخزوم، من نُجباء أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهِدَ بدْرًا والمشاهد كلها، وعاش ثلاثًا وتسعين سنة، وكان من السابقين إِلَى الْإِسْلَام، وممّن عُذِّب فِي الله فِي أول الْإِسْلَام.
وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ أوّل شهيدةٍ فِي الْإِسْلَام، طعنها أَبُو جهل فِي قلبها بحَرْبةٍ فقتلها. له نحو ثلاثين حديثًا.
روى عَنْهُ ابن عَبَّاس، وجابر، ومحمد بْن الحَنَفِيَّةِ، وزِرّ بْن حُبَيْش، وهَمّام بْن الْحَارِث، وآخرون.
قدِم ياسر بْن عامر وأخواه من اليمن إِلَى مكة يطلبون أخًا لهم، فرجع أخواه وحالف ياسر أَبَا حُذَيْفَة بْن المُغِيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم،
__________
[ () ] و 406 و 432، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام) 7/ 136، الجرح والتعديل 6/ 389 رقم 2165، مشاهير علماء الأمصار 43 رقم 266، تاريخ اليعقوبي 2/ 188، رجال الكشي 31، التنبيه والإشراف 295، المستدرك للحاكم 3/ 383- 395، ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 214 و 245، تاريخ بغداد 1/ 150- 153 رقم 6، صفة الصفوة 1/ 442- 446 رقم 27، التذكرة الحمدونية لابن حمدون 1/ 123 و 139 و 2/ 478، الكامل في التاريخ 3/ 227- 231 و 294- 297 و 308- 311 و 325 و 353 و 4/ 26 و 6/ 427، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 37، 38 رقم 30، تهذيب الكمال 2/ 998، 999، تحفة الأشراف للمزّي 7/ 473- 485 رقم 390، وفيات الأعيان 2/ 329 و 476 و 3/ 18، أسد الغابة 4/ 43- 47، المعين في طبقات المحدّثين 24 رقم 94، تجريد أسماء الصحابة 1/ 394، الكاشف 2/ 261 رقم 406، تلخيص المستدرك 3/ 383- 394، سير أعلام النبلاء 1/ 406- 428 رقم 84، دول الإسلام 1/ 28، العبر 1/ 25 و 38 و 40، مرآة الجنان 1/ 100، 101، البداية والنهاية 7/ 312، الوفيات لابن قنفذ 56 رقم 37، مجمع الزوائد 9/ 291- 298، الوافي بالوفيات 22/ 376- 378 رقم 264، الجمع بين رجال الصحيحين 399، العقد الثمين 6/ 279، النكت الظراف 7/ 473- 484، تهذيب التهذيب 7/ 408- 410 رقم 664، تقريب التهذيب 2/ 48 رقم 454، الإصابة 2/ 512، 513 رقم 5704، خلاصة تذهيب التهذيب 279، كنز العمال 13/ 526، شذرات الذهب 1/ 45.
[4] «بن قيس» ساقط من نسخة دار الكتب، و (ع) ، والاستدراك من المصادر.
[5] في منتقى ابن الملا «العبسيّ» وهو تصحيف، والتصحيح من مصادر الترجمة.

(3/570)


فزوَّجه أمةً اسمها سُمَيَّةُ، فولدت له عمّارًا، فَلمّا بُعِث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلم عمّار وأبواه وأخوه عَبْد الله، وقُتِل أخوهما حُرَيْث فِي الجاهلية.
وعن عَمَّار قَالَ: لقيت صهيبا على باب دار الأرقم، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فدخلنا فأسلمنا [1] .
وعن عمّر بْن الحكم قَالَ: كان عمّار يُعَذَّب حَتَّى لَا يدري مَا يقول، وكذا صهيب، وعامر بْن فُهَيْرة. وفيهم نزلت وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا 16: 41 [2] .
وقال أَبُو بَلْج [3] عن عَمْرو بْن ميمون قَالَ: أحرق المشركون عمّار بْن ياسر بالنار، فكان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمّر به ويُمرّ يدَه على رأسه فيقول: «يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً 21: 69 على عمّار كما كُنْتِ على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية» .
رواه ابن سعد [4] ، عن يحيى بْن حمّاد، أنبأ أَبُو عُوانة، عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ: ثنا عمرو [5] بن مرة، عن سالم بن أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدِي نَتَمَاشَى فِي الْبَطْحَاءِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ، وَهُمْ
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 247 من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ ياسر، عن أبيه، قال: قال عمّار بن ياسر.. بنحوه ورواية أطول من هنا.
[2] سورة النحل، الآية 41 وفي النسخ «فتنوا» بدل «ظلموا» وكذا في طبقات ابن سعد 3/ 248 من طريق محمد بن عمر (الواقدي) قال: حدّثني عثمان بن محمد، عن عبد الحكيم بن صهيب، عن عمر بن الحكم. والواقديّ متروك.
[3] في نسخة القدسي 3/ 347 «بلخ» بالخاء، وهو تصحيف، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 1/ 410 وهو أبو بلج الفزاري الكوفي الواسطي.
[4] في الطبقات 3/ 248 من طريق يحيى بن حمّاد، قال أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون.
[5] في النسخة (ع) «عمر» ، والمثبت من: سيرة أعلام النبلاء 1/ 410 وتهذيب التهذيب 3/ 432.

(3/571)


يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ يَاسِرٌ: الدَّهْرُ هَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْبِرْ، اللَّهمّ اغْفِرْ لآل ياسر، وقد فعلت [1] » . كذا رواه مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْحَدَّانِيُّ [2] ، وَرَوَاهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ الْحَدَّانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِآلِ عَمَّارٍ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» . مُرْسَلٌ [3] . وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: «أَخَذَكَ الْكُفَّارُ فَغَطُّوكَ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ عَادُوا فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ [4] » . قُلْتُ: حِينَ تَكَلَّمَ يَعْنِي بِالْكُفْرِ، فَرُخِّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ.
وقال المسعودي، عن القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَن: أوّل من بني مسجدًا يُصَلِّي فِيهِ عمّار [5] .
وقال ابن سعد [6] : قَالُوا: وهاجر عمّار إِلَى الحبشة الهجرة الثانية.
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 62، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 293 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 248، 249 من طريق مسلم بن إبراهيم وعمرو بن الهيثم أبو قطن، قالا: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: أخبرنا عمرو بن مرّة الجملي، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عُثْمَانَ بن عفان، ورواه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 443.
[2] في نسخة الدار «الحداني» وفي نسخة (ح) «الحرّاني» وكلاهما وهم.
[3] رواه ابن سعد في الطبقات 3/ 249 من طريق مسلم بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 249 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن محمد، (وهو ابن سيرين) .
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 250 من طريق محمد بن عبيد الطنافسي، والفضل بن دكين، عن المسعودي.. والحاكم في المستدرك 3/ 358.
[6] في الطبقات 3/ 250.

(3/572)


وَقَالَ فِطْرُ [1] بْنُ خَلِيفَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مُلَيْكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلا وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةً رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ [2] ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلالٌ، وَسَلْمَانُ» [3] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ [4] ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَمَّارٌ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ» [5] . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أبي عمّار الهمذانيّ، عَنْ عَمْرِو [6] بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمَّارٌ مُلِيءَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ» [7] . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بكر وعمر،
__________
[1] في نسخة دار الكتب «مطر» ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح) .
[2] «أبو ذر» ساقط من نسخة الدار، والاستدراك من بقيّة النسخ، وفي «مجمع الزوائد» 9/ 156 «عقيل» بدل «أبو ذر» ، وفي رواية أخرى «مصعب بن الزبير» .
[3] أخرجه أحمد في المسند 1/ 88 و 142 و 149، والترمذي في المناقب (3787) و (3791) وقال: حديث حسن غريب. هذا مع أنّ كثير النّواء ضعيف.
[4] في نسخة دار الكتب «هانئ» لمرة واحدة، والمثبت من منتقى الأحمدية، ونسختي (ع) و (ح) .
[5] إسناده قويّ، وقد أخرجه الترمذي في المناقب (3799) باب مناقب عمّار بن ياسر، وابن ماجة في المقدّمة (146) باب فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 140 و 7/ 135، والحاكم في المستدرك 3/ 388 وصحّحه الذهبيّ ووافقه في تلخيصه للمستدرك.
[6] في نسخة دار الكتب «عمر» ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح) ومنتقى الأحمدية.
[7] رجاله ثقات. وأخرجه النسائي في الإيمان (8/ 111) باب تفاضل أهل الإيمان، والحاكم في المستدرك 3/ 392، وقال ابن حجر في «فتح الباري» 7/ 92: روى البزّار من حديث عائشة:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مليء إيمانا إلى مشاشه» يعني عمّارا، واسناده صحيح.
والمشاش: جمع مشاشة، وهي رءوس العظام اللّيّنة.

(3/573)


وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ [1] . حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كُنَّا نَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ رَجُلا، قَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، قَالُوا: فَذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ، قَالَ: قد والله قتلناه [2] . رواه جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَمَّارٍ كَلَامٌ، فَأَغْلَظْتُ لَهُ، فَشَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ عَادَى عَمَّارًا عَادَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَمَّارًا أَبْغَضَهُ اللَّهُ» . رواه أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [3] ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، ثنا الْعَوَّامُ عَنْهُ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ- لَكِنْ لَهُ علّة- وهو ما رواه عمرو بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَخَالِدٍ كَلَامٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
رَوَى أَبُو رَبِيعَةَ الْإِيَادِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلَيٍّ، وَعَمَّارٍ، وسلمان» [4] . حسّنه التّرمذيّ.
__________
[1] قال الحافظ في سير أعلام النبلاء 1/ 414: رواه طائفة عن الثوري بإسقاط مولى لربعي، وكذا رواه زائدة وغيره عن عبد الملك، وروي عن عمرو بن هرم، عن ربعي، عن حذيفة.
وهو حديث حسن. رواه أحمد في المسند 5/ 385 و 402، وابن حبّان في صحيحه (2193) ، والحاكم في المستدرك 3/ 75 ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 263، والحاكم في المستدرك 3/ 392 وقد صحّحه الذهبي، وتعقّبه في تلخيصه فقال إنه مرسل. وأخرجه أحمد في المسند 4/ 199 من طريق عفان، عن الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أبي عقرب، عن عمرو بن العاص، بنحوه، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 294 وقال: رجال أحمد رجال الصحيح.
[3] 1/ 89، والحاكم في المستدرك 3/ 391، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 293 وقال: رواه أحمد، والطبراني. ورجاله رجال الصحيح.
[4] أخرجه الترمذي في المناقب (3798) باب مناقب سلمان، وقال: هذا حديث حسن غريب لا

(3/574)


وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَمُ عَمَّارٍ وَلَحْمُهُ حَرَامٌ عَلَى النَّارِ» [1] . وَقَالَ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ [2] ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: جَاءَ رجلٌ إِلَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَدْرَكْتُ فِتْنَةً، قَالَ: عَلَيْكَ بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ:
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الْحَقِّ [3] » . فِيهِ انْقِطَاعٌ.
وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عمّار مَا عُرِض عليه أمران إلّا أختار أرشدَهما» [4] . أخرجه النسائي والترمذي، وإسناده صحيح.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، عَنْ بلال بن يَحْيَى، أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ، لَنْ يَدَعَهَا حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يلبسه الهرم» [5] هذا منكر، وسعد ضعيف.
__________
[ () ] نعرفه إلّا من حديث الحسن بن صالح. وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 137 ووافقه الذهبي، وفيهما «سلمان» بدل «بلال» ، وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 190 بزيادة رابع هو «المقداد بن الأسود» ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 344 وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي ربيعة الإيادي، وقد حسّن الترمذي حديثه.
[1] قال المؤلّف في سير أعلام النبلاء 1/ 415: «هذا غريب» ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 295 وقال: رواه البزّار، ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضرّ. وهو عطاء بن مسلم الخفّاف، فإنه كثير الخطأ.
[2] في نسخة دار الكتب «الذهبي» وهو تصحيف، والتصحيح من بقيّة النسخ، وسير أعلام النبلاء 1/ 415.
[3] رجاله ثقات لكنه منقطع كما قال المؤلّف. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 391 من طريق أبي البختري، عن عبيد الله بن محمد بن شاكر، عن أبي أسامة، عن مسلم بن عبد الله الأعور، عن حبّة العرني بنحوه، وقد وافقه الذهبي في تلخيصه.
[4] أخرجه أحمد في المسند 1/ 389، والترمذي في المناقب (3800) باب مناقب عمّار، وابن ماجة في المقدّمة (148) ، باب فضل عمّار، وصحّحه الحاكم في المستدرك 3/ 388، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 263 وفيه «ينسيه» بدل «يلبسه» ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 295 وقال: رواه الطبراني والبزّار باختصار، ورجالهما ثقات.

(3/575)


وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَعْدٍ «إِنَّ عَمَّارًا عَلَى الْفِطْرَةِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَهُ هَفْوَةٌ مِنْ كِبَرٍ [1] » . وقال علقمة: سمعت أَبَا الدَّرداء يقول: أليس فيكم صاحب السِّواك والوِساد- يعني ابن مسعود-، أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان- يعني عمارا-، أليس فيكم صاحب السّرّ حذيفة [2] . أخرجه البخاريّ.
__________
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 393، 394 وصحّحه الذهبي ووافقه في تلخيصه، وقد تقدّم آنفا في مقتل الخليفة عثمان مرفوعا، وفيه «ولهة» بدل «هفوة» .
[2] أخرجه أحمد في المسند 6/ 445 و 451، والبخاري في فضائل الصحابة (3742) و (3761) في باب فضائل عمّار، وباب مناقب عبد الله بن مسعود، من طريق موسى بن أبي عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة: دخلت الشام فصلّيت ركعتين فقلت: اللَّهمّ يسّر لي جليسا، فرأيت شيخا مقبلا، فلما دنا قلت: أرجو أن يكون استجاب الله، قال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أفلم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أو لم يكن فيكم الّذي أجير من الشيطان؟ أو لم يكن فيكم صاحب السّرّ الّذي لا يعلمه غيره؟ كيف قرأ ابن أمّ عبد وَاللَّيْلِ 92: 1؟ فقرأت: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى 92: 1- 3. قال: أقرأنيها النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فاه إلى في. فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني» .
وأخرجه الطبري في تفسيره 30/ 217، 218 من طرق، منها الطريق التي ذكرها البخاري هذه، وأخرج مسلم نحوه (824) ، وانظر تفسير ابن كثير 4/ 517 وما بعدها.
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 8/ 707 رقم (4944) : وبين رواياته (أي الحديث) : باب وما خلق الذكر والأنثى. ثم إن هذه القراءة- يعني قراءة ابن مسعود- لم تنقل إلّا عمّن ذكر هنا، ومن عداهم قرءوا وما خلقوا الذكر والأنثى، وعليها استقرّ الأمر مع قوّة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه. ولعلّ هذا ممّا نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه. والعجب من نقل الحفّاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة، وعن ابن مسعود، وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم. وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا. فهذا ممّا يقوّي أن التلاوة بها نسخت.
وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» 2/ 475: قال القاضي: قال المازري: يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآنا ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ، فبقي على النسخ. ولعلّ هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ. وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظنّ بأحد منهم أنه خالف فيه. وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة منها ما ليس بثابت عند أهل النقل. وما ثبت منها مخالفا لما قلناه

(3/576)


وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَجَعَلَ يَنْقُلُ عَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَتَرِبَ رَأْسُهُ، فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: «وَيْحَكَ يَا بن سُمَيَّةَ! تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [1] . رَوَى آخِرَهُ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ [2] ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ [3] . وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ أَبَا هِشَامٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الباغية» [4] . وقال أحمد بن المقدام العجليّ، عن عَبْد الله بْن جَعْفَر، حَدَّثَنِي العلاء، عن أَبِيهِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، نحوَه.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أَبْشِرْ عَمَّارُ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ [5] : صحيح غريب من حديث العلاء.
__________
[ () ] فهو محمول على أنه كان يكتب في مصحفه بعض الأحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن، وكان لا يعتقد تحريم ذلك. وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما يشاء. وكان رأي عثمان والجماعة منع ذلك لئلّا يتطاول الزمان فيظنّ ذلك قرآنا.
وقال الأبيّ في شرحه لمسلم 2/ 434، 435: «هذا الخبر وأمثاله ممّا يطعن به الملحدة، في نقل القرآن متواترا، فيجب أن يحمل على أنّ ذلك كان قرآنا ونسخ، ولم يعلم بالنسخ بعض من خالف فبقي على الأول. ولعلّ هذا إنّما وقع من بعضهم قبل أن يبلغه مصحف عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ، وأمّا بعد بلوغه، فلا يظنّ بأحد منهم أنه خالف فيه» .
[1] أخرجه مسلم في الفتن (2915) ، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة..، وأحمد في المسند 3/ 5، وابن سعد في الطبقات 3/ 252.
[2] في طبعة القدسي 3/ 350 «سلمة» ، وهو تحريف، والتصويب من طبقات ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 252، 253.
[4] أخرجه ابن سعد 3/ 252.
[5] في مناقب عمّار بن ياسر (3888) وفيه «أبشر يا عمّار» .

(3/577)


وَقَالَ: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِي وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» ، فَجَعَلَ عَمَّارٌ يَقُولُ: أَعُوذُ باللَّه مِنَ الْفِتَنِ [1] . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ مَوْلاهُ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [2] . رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفُهُ مِنْ صِفِّينَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرٍو، فقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَه، أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَمَّارٍ: «وَيْحَكَ يَا بْنَ سُمَيَّةَ! تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ؟ قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلَا تسمع ما
__________
[1] أخرجه أحمد في المسند 3/ 91، والبخاري في الصلاة (447) ، باب التعاون في بناء المسجد، و (2812) في الجهاد، باب مسح الغبار عن الرأس.
[2] أخرجه أحمد في المسند 4/ 197 من طريق شعبة، عن عمرو بن دينار، عن رجل من أهل مصر، عن عمرو بن العاص، وأخرجه ابن جميع الصيداوي، من طريق سفيان الثوري، عن ليث بن مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:.. (انظر له معجم الشيوخ (بتحقيقنا) - ص 283 رقم 242) ، والطبراني في «المعجم الكبير 4/ 98 رقم 3720 و 4/ 200 رقم 4030 و 1/ 300 رقم 954، وفي «المعجم الصغير» 1/ 187، وأخرجه ابن عساكر من طريق الحسن بن أحمد بن الحسن بن سعيد أبي محمد الصيداوي (تاريخ دمشق- مخطوطة التيمورية- 9/ 355، تهذيب التاريخ 4/ 150) .
وقال ابن حجر: روى حديث «تقتل عمّارا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة، منهم: قتادة بن النعمان، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليسر، وعمّار نفسه، وكلّها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة، أو حسنة. وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم. (جامع الأصول 9/ 43) .

(3/578)


يَقُولُ هَذَا؟! فَقَالَ: لَا تَزَالُ تَأْتِينَا بِهَنَةٍ، مَا نَحْنُ قَتَلْنَاهُ، إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ [1] . وَقَالَ جَمَاعَةٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» [2] . وقال عبد الله بن طاووس، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ دَخَلَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بن العاص فقال:
قُتِلَ عَمَّارٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ، فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَاذَا! قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الباغية» . قال: دحضت في بولك أو نحن قَتَلْنَاهُ، إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ [3] . وعن عُثْمَان بن عفان، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تقتل عمّارا الفئة الباغية» [4] . رواه أَبُو عُوانة فِي «مسنده» . وقال عَبْد الله بْن أبي الْهُذَيْلِ وغيره، عَنْ عمّار قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تقتلك الفئة الباغية» [5] . وله طُرُق عن عمّار.
وَرُوِيَ هَذَا الحديث عن ابن عَبَّاس، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 253.
[2] أخرجه أحمد في المسند 6/ 289، و 300 و 311 و 315، ومسلم في الفتن (2916) ، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة..
[3] إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق في «المصنّف» (20427) وأخرجه أحمد من طريقه 4/ 199، وانظر «مجمع الزوائد» 7/ 242 و 9/ 297.
ودحضت في بولك: أي زللت وزلقت.
[4] انظر الحاشية رقم (2) من الصفحة السابقة.
[5] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 295 وقال: أبو يعلى، والطبراني بنحوه، ورواه البزّار باختصار، وإسناده حسن.

(3/579)


رافع، وابن أبي أَوْفَى، وجابر بْن سَمُرَة، وأبي اليُسْر السّلَميّ، وكعب بْن مالك، وأنس، وجابر، وغيرهم، وهو متواتر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَحْمَد بْن حنبل: فِي هَذَا غَيْرَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قَتَلَتْهُ الفئةُ الباغية.
وقال أَبُو إِسْحَاق السّبيعيّ، عن أبي ليلى الكنْديّ قَالَ: جاء خبّاب، فقال عُمَر: ادْنُ، فَمَا أحدٌ أحقُّ بهذا المجلس منك، إلّا عمّار [1] .
وقال حارثة بن مضرّب: قرئ علينا كتاب عُمَر: إنّي بعثت إليكم- يعني إِلَى الكوفة- عمّار بْن ياسر أميرًا، وابن مَسْعُود معلِّمًا ووزيرًا، وإنّهما لَمِنَ النُّجَبَاء مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتَدُوا بهما، وقد آثرتُكُم بهما على نفسي [2] .
وعن سالم بْن أبي الجَعْد، أنّ عُمَر جعل عطاء عمّار ستة آلاف.
وعن ابن عمر قال: رأيت عمّارا يوم اليمامة على صخرةٍ، وقد أشرف يَصِيح: يا معشر المُسْلِمين، أَمِن الجنّة تفُّرون، أَنَا عمّار بْن ياسر، هَلُمُّوا إليّ، وأنا أنظر إلى أذنه وقد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشدَّ القتال [3] .
وعن عَبْد الله بْن أبي الْهُذَيْلِ قَالَ: رَأَيْت عمّار بْن ياسر اشترى قَتًّا [4] بدِرْهم، فاستزاد حبلًا، فأبى، فجاذَبَه حَتَّى قاسمه نِصْفَين، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة [5] .
وقد رُوِي أنُهم قَالُوا لعمر: إنّ عمّار غير عالم بالسياسة، فعزله.
__________
[1] سير أعلام النبلاء 1/ 421.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 255.
[3] ابن سعد 3/ 254، الطبري في المنتخب من الذيل 509.
[4] القتّ: الفصفصة، وهي الرطبة من علف الدوابّ.
[5] ابن سعد 3/ 255.

(3/580)


قال الشَّعْبِيّ: قال عُمَر لعمّار: أَسَاءَكَ عَزْلُنا إيّاك؟ قَالَ: لئن قلتَ ذاك، لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلَتني [1] .
وقال نوفل بْن أبي عَقْرَب: كان عمّار قليل الكلام، طويل السكوت، وكان عامة أن يقول [2] : عائذٌ بالرحمن من فتنةٍ، عائذٌ بالرحمن من فتنة، قَالَ:
فَعَرَضَتْ له فتنةٌ عظيمة [3] . يعني مبالغته فِي القيام فِي أمر عُثْمَان وبعده.
وعن ابن عُمَر قَالَ: [مَا أعلم أحدًا خرج في الفتنة يريد الله إلّا عمّار ابن ياسر، وما أدري [4]] مَا صنع [5] .
وعن عمّار أنّه قَالَ وهو يسير إِلَى صِفِّين: اللَّهُمَّ لو أعلم أنّه أرضى لك عنّي أن أرمي بنفسي من هَذَا الجبل لَفَعَلْتُ، وإنّي لَا أقاتل إلّا أريد وجهك [6] .
وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ: ائْتُونِي بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، قَالَ: فَشَرِبَ، ثُمّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا مِنَ الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فقاتل حتّى قتل [7] .
__________
[1] ابن سعد 3/ 256.
[2] في المنتقى لابن الملا، وسير أعلام النبلاء 1/ 424 «عامّة قوله» .
[3] ابن سعد 3/ 256، وأبو نعيم في الحلية 1/ 145، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 444 وقال: رواه أحمد.
[4] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من بقيّة النسخ.
[5] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 142 من طريق سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد الله البهيّ، عن ابن عمر ...
[6] أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/ 143 من طريق سلمة عن ذر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمّار أنه قال..، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 445.
[7] أخرجه أحمد في المسند 4/ 319، وابن سعد في الطبقات 3/ 257، والحاكم في المستدرك 3/ 389.

(3/581)


وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَجُلٍ، سَمِعَ عَمَّارًا بِصِفِّينَ يُنَادِي: أَزِفَتِ الْجِنَانُ، وَزُوِّجَتِ الْحُورُ الْعِينُ، الْيَوْمَ نَلْقَى حَبِيبَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثنا أَبُو حَفْصٍ كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ الْجُهَنِيِّ. قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقَعُ فِي عُثْمَانَ يَشْتُمُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ صِفِّينَ جَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ وَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ فَوَقَعَ، فَقَتَلْتُهُ. تَمَامَ الْحَدِيثِ. فَقِيلَ: قُتِلَ عَمَّارٌ. وَأَخْبَرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ [1] » . وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ» [2] . وقال الواقدي وغيره: استلحمت الحرب بصِفِّين، وكادوا يتفانون، فقال مُعَاوِيَة: هَذَا يوم تَفَانَي فِيهِ العرب إلّا أن تُدْركَهم خَفّة العبد، يعني عمّارًا، وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن آخرهنّ ليله الهَرِير، فَلَمَّا كان اليوم الثالث، قال عمّار لهاشم بْن عُتْبة ومعه اللواء: احمِلْ فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمّار إنّك رَجُل تستخفُّك الحربُ، وإنّي إنّما أزحف باللواء رجاء أن أبلغ بِذَلِك بعض مَا أريد [3] .
وقال قَيْس بْن أبي حازم: قال عمّار: ادفنوني فِي ثيابي، فإنّي رجلٌ مخاصم [4] .
قَالَ أَبُو عاصم النّبيل: توفي عن ثلاث وتسعين سنة. وكان لا يركب
__________
[1] إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4/ 198، وابن سعد 3/ 360، 361.
[2] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 297 وقال: رواه الطبراني.
[3] ابن سعد 3/ 261.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 262 من طريق: وكيع، عَنْ إسماعيل بْن أَبِي خَالِد، عَنْ يحيى بن عابس، قال: عمّار..

(3/582)


على سَرْجٍ، وكان يركب راحلته مِنَ الكِبَر.
وفيها غزا الْحَارِث بْن مُرّة العبدي [1] أرضَ الهند، إِلَى أن جاوز مُكْران [2] ، وبلاد قَنْدابيل [3] ، ووغل فِي جبل القيِقان [4] ، فآب بسْبيٍ وغنائم، فأخذوا عليه بمضيق فقُتِلَ هُوَ وعامة من معه فِي سبيل الله تعالى [5] .
(قَيْس بْن المكشوح [6] )
أَبُو شدّاد [7] المُرادي، أحد شُجعان العرب، أدرك النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باليمن ولم يره. وهو أحدُ من أعان على قتْل الأسود العَنْسِيّ، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه يومئذ [8] .
__________
[1] في نسخة دار الكتب «الفهري» ، والتصحيح من: فتوح البلدان 531، وتاريخ الطبري 5/ 82، والخراج وصناعة الكتابة 414، والكامل في التاريخ 3/ 343 و 381 وغيره.
[2] مكران: يضم الميم ثم سكون الكاف. اسم لسيف البحر. (معجم البلدان 5/ 179) .
[3] قندابيل: هي مدينة بالسند وقصبة الولاية. (معجم البلدان 4/ 402) ..
[4] القيقان: بلاد قرب طبرستان. (معجم البلدان 4/ 423) .
[5] تاريخ خليفة 191، فتوح البلدان 531، تاريخ الطبري 5/ 82، الخراج وصناعة الكتابة 414، معجم البلدان 4/ 423، الكامل في التاريخ 3/ 343 و 381.
[6] تاريخ خليفة 117 و 132، تهذيب سيرة ابن هشام 313، 314، المحبّر لابن حبيب 95 و 261 و 303، البرصان والعرجان للجاحظ 55 و 363، فتوح الشام 10 و 16 و 26 و 27 و 128 و 132 و 133 و 135 و 173 و 178 و 188 و 209 و 229، الأخبار الطوال 120 و 121 و 122 و 123 و 125 و 128، المعارف 587 و 600، فتوح البلدان 126، و 127 و 160 و 314 و 315 و 317 و 320، أنساب الأشراف 1/ 456، تاريخ الطبري 3/ 511 و 513- 515 و 533 و 559، المنتخب من ذيل المذيّل 545، 546، الخراج وصناعة الكتابة 360، الاستيعاب 3/ 244- 247، العقد الفريد 1/ 121، جمهرة أنساب العرب 407، الأمالي للقالي 1/ 14 و 23، لباب الآداب لابن منقذ 205، الكامل في التاريخ 2/ 337- 340 و 346 و 374- 377 و 477- 480 و 517 و 3/ 102 و 304 و 351، أسد الغابة 4/ 227، 228، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 64 رقم 81، وفيات الأعيان 6/ 36، مرآة الجنان 1/ 101، 102، الإصابة 3/ 260 رقم 7239/ و 3/ 274 رقم 7413، طبقات ابن سعد 5/ 526، معجم الشعراء 198، شذرات الذهب 1/ 46، سير أعلام النبلاء 3/ 520 رقم 127.
[7] في النسخ «أبو حسان» ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[8] البرصان والعرجان للجاحظ 363.

(3/583)


وقد ارتد بعد موت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما قيل، وقُتِل دادَوَيْه الأبناوي. ثُمَّ حمل عليه المهاجر بْن أبي أمية فأوثقه، وبعث به إِلَى أبي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَهَم بقتْله وقال: قتلت الرجل الصالح، فأنكر وحلف خمسين يمينًا قسامة أنّه مَا قتله، فقال: يا خليفة رسول اللَّه استبقني لحربك، فإنّ عندي بصرًا بالحرب ومكيدة للعدوّ، فخلّاه، ثُمَّ إنّه كان من أعوان عليّ، وقُتِل يوم صِفِّين رحِمَه الله تعالى.
(هَاشِمٍ بْن عُتْبة بْن أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيّ)
[1] ابن أخي سعد، ويُعرف بالمِرْقال [2] . وُلد فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم تثبُتْ له صُحْبة، وشَهِد اليرموك [3] وأصيبت عينُه يومئذٍ، وشهد فتح دمشق، وكان أحد الأشراف، كَانَتْ معه رايةُ عليّ يوم صِفِّين فِيمَا ذكر حبيب بن أبي ثابت [4] .
__________
[1] المحبّر لابن حبيب 69 و 261 و 291 و 302، فتوح الشام للأزدي 27 و 33 و 96 و 123 و 189 و 217، تاريخ خليفة 137، و 140 و 193، 194، طبقات خليفة 126، نسب قريش 263، 264، الأخبار الطوال 120 و 121 و 144 و 171 و 174 و 183، المعرفة والتاريخ 2/ 811 و 3/ 307 و 314، أنساب الأشراف 1/ 171 و 172 و 174، فتوح البلدان 160 و 324 و 325 و 370، تاريخ الطبري 3/ 396 و 400 و 497 و 543 و 549 و 551 و 554 و 578 و 619 و 620 و 622 و 4/ 24 و 25 و 28 و 33 و 34 و 37 و 53 و 252 و 499 و 597 و 5/ 11 و 12 و 40 و 42 و 44 و 110، المنتخب من ذيل المذيّل 511، 512، الخراج وصناعة الكتابة 360 و 361 و 370، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 40، التذكرة الحمدونية 2/ 451 و 478، لباب الآداب 179، الكامل في التاريخ 2/ 429 و 473 و 476- 478 و 506 و 508 و 520 و 521 و 525 و 533 و 3/ 82 و 260 و 282 و 294 و 309 و 313 و 314، أسد الغابة 5/ 49، 50، مروج الذهب 3/ 130، الاستيعاب 3/ 619- 622، المستدرك 3/ 395، 396، تاريخ بغداد 1/ 196 رقم 34، العبر 1/ 39، سير أعلام النبلاء 3/ 486 رقم 108- تلخيص المستدرك 3/ 395، 396، العقد الثمين 7/ 359، مرآة الجنان 1/ 101، الإصابة 3/ 593 رقم 8912، شذرات الذهب 1/ 46.
[2] لقّب بالمرقال لأنه كان يرقل في الحرب، أي: يسرع، من الإرقال، وهو ضرب من العدو.
(الإصابة 3/ 593) .
[3] فتوح الشام للأزدي 217.
[4] انظر روايته في «الإصابة 3/ 593» من طريق يعقوب بن شيبة، عنه، ومن طريق يعقوب بن سفيان، عن الزهري، وانظر المستدرك 3/ 395، والتذكرة الحمدونية 2/ 478.

(3/584)


وقال: كان أعور [1] فجعل عليّ يقول له: أَقْدِمْ يا أعور، لَا خير فِي أعور لَا يأتي الفرج. فَيَسْتَحِي فيتقدّم. قال عَمْرو بْن العاص: إنّي لأرى لصاحب الراية السَّوداء عملًا، لئِن دام على مَا أرى لَتُقْتَلَنَّ العرب اليوم، قَالَ: فَمَا زال أَبُو اليقظان حَتَّى لَفَّ بينهم.
وعن الشَّعْبِيّ أنّ عليًّا صلّى على عمّار بْن ياسر، وهاشم بْن عُتْبة، فجعل عمّارًا ممّا يليه، فلمّا قَبَرهُما جعل عمّارًا أمام هاشم.
(أَبُو فَضَالَةَ الأَنْصَاري)
[2] بدري. قُتِلَ مع عليّ يوم صِفِّين. انفرد بهذا القول مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْن عُقَيْلٍ، وليسا بحُجَّة.
(أبو عمرة الْأَنْصَارِيّ)
[3] س- بشير بْن عَمْرو بْن محصن الخَزْرَجيّ النَّجَّاري. وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثَعْلَبَة، وقيل: عَمْرو.
بدْريّ كبير. له رواية فِي النسائي.
روى عَنْهُ ابنه عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي عَمْرة، ومحمد بْن الحَنَفية. وقُتل يوم صِفِّين مع عليّ. قاله ابن سعد.
__________
[1] البرصان والعرجان 353.
[2] المنتخب من ذيل المذيّل 512، الاستيعاب 4/ 153، 154، أسد الغابة 5/ 273، الإصابة 4/ 155 رقم 904.
[3] المحبّر لابن حبيب 64 و 292، التاريخ الكبير 9/ 61 رقم 535، تاريخ الطبري 4/ 573 و 5/ 16، المنتخب من ذيل المذيّل 511، الجرح والتعديل 9/ 415 رقم 2027، الاستيعاب 4/ 132، الكامل في التاريخ 3/ 285، أسد الغابة 5/ 264، الإصابة 4/ 141 رقم 814.

(3/585)


سَنَة ثَمانٍ وَثَلَاثِين
فيها وجَّه مُعَاوِيَة من الشام عبد الله بن الحَضْرميّ فِي جيشٍ إِلَى البصرة ليأخذها، وبها زياد ابن أَبِيهِ من جهة عليّ، فنزل ابن الْحَضْرَمِيّ فِي بني تميم وتحول زياد إِلَى الأزد، فنزل على صَبِرة بْن شَيْمان الحُدَّانيّ [1] .
وكتب إِلَى عليّ فوجّه عليّ أَعْيَنَ بْن ضُبَيْعَة المُجَاشِعِيّ، فقتل أعْين غِيلةً على فراشه. فندب عليّ جارية بْن قُدامة السَّعْدِيّ، فحاصر ابن الْحَضْرَمِيّ فِي الدّار التي هُوَ فيها، ثُمَّ حرَّقها عليه [2] .
وَفِي شعبان ثارت (الخوارج) وخرجوا على عليّ، وأنكروا عليه كَوْنَه حكَّم الحَكَمين، وقالوا: حكَّمْتَ فِي دين الله الرجال، والله يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ 6: 57 [3] ، فناظَرَهُمْ، ثُمَّ أرسل إليهم عَبْد الله بن عَبَّاس، فبيَّن لهم فسادَ شُبْهَتهم، وفسر لهم، واحتجَّ بقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ 5: 95 [4] ، وبقوله فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها 4: 35 [5] ، فرجع إلى
__________
[1] في نسخة دار الكتب «الجدادي» ، والتصحيح من بقية النسخ، وتاريخ الطبري 5/ 110.
[2] انظر هذه الأخبار مطوّلة في تاريخ الطبري 5/ 110- 112، وتاريخ خليفة 197.
[3] سورة الأنعام- الآية 57.
[4] سورة المائدة- الآية 45.
[5] سورة المائدة- الآية 95.

(3/587)


الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عَبْد الله بْن خَبَّاب بْن الأرت، ومعه امرأته فقالوا: من أنت؟ فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بَكْر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فأثنى عليهم كلّهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حُبْلَى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة [1] .
وفيها سارت الخوارج لحرب عليّ، فكانت بينهم (وقعة النَّهْرَوان) ، وكان على الخوارج عَبْد الله بْن وهب السبائي، فهزمهم عليّ وقُتِل أكثرهم، وقُتِل ابن وهب. وقُتِلَ من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلًا [2] .
وقيل فِي تسميتهم (الحرُورِيّة) لأنهم خرجوا على عليّ من الكوفة، وعسكروا بقريةٍ قريبةٍ [3] من الكوفة يُقَالُ لها (حَرُوراء) ، واسْتَحَلّ عليّ قتْلَهُم لِمَا فعلوا بابن خَبَّاب وزوجته.
وكانت الوقعة فِي شعبان سنة ثمانٍ، وقيل: فِي صَفَر.
قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْخَوَارِجُ فِي دَارِهَا، وَهُمْ سِتَّةُ آلافٍ أَوْ نَحْوُهَا، قُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالصَّلاةِ لَعَلِّي أَلْقَى هَؤُلاءِ، فَإِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ، قُلْتُ:
كَلا، قَالَ: فَلَبِسَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُلَّتَيْنِ مِنْ أَحْسَنِ الْحُلَلِ، وَكَانَ جَهِيرًا جَمِيلا، قَالَ: فَأَتَيْتُ الْقَوْمَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا: مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟
قُلْتُ: وَمَا تُنْكِرُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً مِنْ أَحْسَنِ الْحُلَلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَوْتُ عَلَيْهِمْ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ 7: 32 [4] .
__________
[1] الأخبار الطوال 207، ابن سعد 3/ 32، تاريخ الطبري 5/ 2.
[2] تاريخ خليفة 197.
[3] (قريبة) سقطت من نسخة الدار فاستدركتها من منتقى الأحمدية، ح.
[4] سورة الأعراف، الآية 32.

(3/588)


قَالُوا: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَرَى فيكم أحدا منهم، ولأبلغنّكم مَا قَالُوا، وَلأُبَلِّغَنَّهُمْ مَا تَقُولُونَ: فَمَا تَنْقِمُونَ مِنَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرِهِ؟ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: لا تُكَلِّمُوهُ فَإِنَّ اللَّهُ يَقُولُ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 43: 58 [1] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يَمْنَعُنَا مِنْ كَلامِهِ، ابْنِ عمّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَيَدْعُونَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاثَ خِلالٍ: إِحْدَاهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَمَا لِلرِّجَالِ وَلِحُكْمِ اللَّهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِن كَانَ قَدْ حَلَّ قِتَالُهُمْ فَقَدْ حَلَّ سَبْيُهُمْ، وَإِلا فَلا، وَالثَّالِثَةُ، مَحَا نَفْسَهُ مِنْ (أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ. قُلْتُ: هَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ خَرَجْتُ لَكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَرَاجِعُونَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: وَمَا يَمْنَعُنَا، قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ 5: 95 وَذَلِكَ فِي ثَمَنِ صَيْدِ أَرْنَبٍ أَوْ نَحْوِهِ قِيمَتُهُ رُبْعُ دِرْهَمٍ فَوَّضَ اللَّهُ الْحُكْمَ فِيهِ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُحَكِّمَ لَحَكَّمَ. وَقَالَ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً من أَهْلِهِ 4: 35 [2] الآيَةَ. أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ أمّكم، لأنّ الله يقول: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ 33: 6 [3] فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا أُمُّكُمْ فَمَا حَلَّ سِبَاؤُهَا، فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نعم.
__________
[1] سورة الزخرف، الآية 58 سورة النساء، الآية 35.
[2] سورة النساء، الآية 35.
[3] سورة الأحزاب، الآية 6.

(3/589)


قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي أُنَبِّئُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَا تعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ جَرَى الْكِتَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ يَا عَلِيُّ اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ محمدٌ رَسُول اللَّهِ فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فَقَالَ اللَّهمّ إنّك تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ، ثُمَّ أَخَذَ الصَّحِيفَةَ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فو الله مَا أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ ثُلُثُهُمْ، وَانْصَرَفَ ثُلُثُهُمْ، وَقُتِلَ سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلالةٍ [1] .
قَالَ عَوْفٌ: ثنا أَبُو نَضْرَةَ [2] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ تَقْتُلُهُمْ، أولى الطّائفتين بالحقّ» [3] . وكذا رواه قَتَادَةُ [4] وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ [5] بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ عَلَى عَلِيٍّ قَالُوا: لا حُكْمَ إِلا للَّه، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا إِنِّي لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- مِنْ أبغض خلق الله إليه،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 32 وهو بطوله في مجمع الزوائد 6/ 239- 241 وقال: رواه الطبراني وأحمد ببغضه، ورجالهما رجال الصحيح. وانظر تاريخ اليعقوبي 2/ 292.
[2] في ح (نصرة) وهو تصحيف.
[3] أخرجه مسلم في الزكاة (1064/ 150 و 151 و 152 و 153) باب ذكر الخوارج وصفاتهم، وأبو داود بنحوه في السّنّة (4764) باب في قتال الخوارج، وأحمد في المسند 3/ 32 و 48.
[4] في النسخة (ع) «جنادة» وهو تحريف، والتصحيح من تهذيب التهذيب 10/ 303.
[5] في منتقى الأحمدية، ونسخة دار الكتب، و (ح) «بشر» وهو تصحيف. والتصحيح من النسخة (ع) وتهذيب التهذيب 1/ 437.

(3/590)


مِنْهُمْ أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ [1] ، فَلَمَّا قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ قَالَ:
انْظُرُوا، فنظروا فلم يجدوا شيئا، قال: ارجعوا، فو الله مَا كَذِبْتُ وَلا كُذِبْتُ، ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خِرْبَةٍ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَنَا حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِمْ [2] ..
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ [3] ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهَا لَيَالِي قُتِلَ عَلِيٌّ، فَقَالَتْ: حَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ- يَعْنِي عُبَّادَهُمْ- فَنَزَلُوا بِأَرْضِ حَرُورَاءَ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ وَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ ألْبَسَكَ اللَّهُ وَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ، وَلا حُكْمَ إِلا للَّه.
فَلَمَّا بَلَغ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا [4] عَلَيْهِ، جَمَعَ أَهْلَ الْقُرآنِ، ثُمَّ دَعَا بِالْمُصْحَفِ إِمَامًا عَظِيمًا، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطَفِقَ يُحَرِّكُهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ، مَا تَسْأَلُ؟ إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ وَوَرَقٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رَوَيْنَا [5] مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَصْحَابُكُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا، بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً من أَهْلِها 4: 35 [6] ، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ أَعْظَمُ حَقًّا وَحُرْمَةً مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ شِبْهَ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ: فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، ومضى
__________
[1] في نسخة دار الكتب هنا تصحيف وتحريف، والتصحيح من مروج الذهب 2/ 417 ومجمع الزوائد 6/ 242، والنسخة (ح) ، وتاريخ الطبري 5/ 88.
[2] انظر مجمع الزوائد 6/ 242، ومسند أحمد 1/ 139 و 140.
[3] في مجمع الزوائد 6/ 236 «عيّبوا» .
[4] في المجمع «ما رأينا» بدل «ما روينا» .
[5] : زاد في المجمع «في امرأة ورجل» .
[6] سورة النساء، الآية 35.

(3/591)


الآخَرُونَ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَلِم قَتَلَهُمْ؟ قَالَ: قَطَعُوا السّبيل، واستحلّوا أهل الذّمّة، وسفكوا الدّم [1] .
__________
[1] مجمع الزوائد 6/ 235- 237 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

(3/592)


الوفيَّات
[1] الأشتر النَّخعِيّ [2] س
واسمه مالك بْن الْحَارِث، شريف كبير القدر فِي النَّخع.
روى عن عُمَر، وخالد بْن الْوَلِيد. وشهِدَ اليرموك، وقُلِعَتْ عينه
__________
[1] من هنا حتى ترجمة «صهيب بن سنان» القادمة، ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من بقيّة النسخ.
[2] الأخبار الموفقيّات 194، الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 213، تاريخ خليفة 168، و 170 و 192 و 195 و 200 و 201 و 308، طبقات خليفة 148، التاريخ لابن معين 2/ 546، فتوح الشام للأزدي 232، التعليقات والنوادر للهجري 2/ 1063، المحبّر لابن حبيب 233، 234 و 261، البرصان والعرجان للجاحظ 313، التاريخ الكبير 7/ 311 رقم 1325، عيون الأخبار 1/ 186 و 201 الأخبار الطوال 120 و 143 و 147 و 149 و 150 و 156 و 161 و 164 و 167 و 172 و 177 و 182 و 190 و 195، المعارف 196 و 231 و 586، المعرفة والتاريخ 1/ 445 و 2/ 541 و 544 و 555 و 585 و 618، أنساب الأشراف 1/ 264، ق 4 ج 1/ 35 و 250 و 517 و 528 و 532- 535 و 545 و 549 و 572 و 584 و 589 و 590، و 5/ 30 و 40 و 41 و 43 و 44- 46 و 55 و 56 و 59 و 81 و 92 و 96 و 97 و 102، تاريخ الطبري 5/ 19- 24 و 49- 52 و 95- 97، الجرح والتعديل 8/ 207، 208 رقم 910، الولاة والقضاة للكندي 23، المؤتلف والمختلف للآمدي 28، معجم الشعراء للمرزباني 262، ربيع الأبرار 4/ 139، التذكرة الحمدونية 1/ 309 و 408 و 2/ 478، سمط اللآلئ 277، شرح الحماسة للتبريزي 1/ 75، الزيارات للهروي 9 و 96، لباب الآداب لابن منقذ 187 و 188 و 205، العقد الفريد 1/ 119 و 120 و 4/ 206 و 286 و 292 و 293 و 295، و 319 و 325 و 326،

(3/593)


يومئذٍ. وكان ممّن ألّب على عُثْمَان، وسار إليه وأبلى شرًّا. وكان خطيبًا بليغًا فارسًا. حضر صِفِّين وبين يومئذٍ، وكاد أن يظهر على مُعَاوِيَة، فحلّ عليه أصحاب عليّ لما رأوا المصاحف على الأسِنَّة، فوبَّخهم الأشتر، وما أمكنه مخالفة عليّ، وكف بقومه عن القتال [1] .
قال عَبْد الله بْن سلمة المُرادي: نظر عُمَر بْن الخطاب إِلَى الأشتر، وأنا عنده فصعَّد فِيهِ عُمَر النَّظَر، ثُمَّ صوَّبه، ثُمَّ قَالَ: إنّ للمسلمين من هَذَا يومًا عصيبًا. ثُمَّ إنّ عليًّا لما انصرف من صِفِّين أو بعدها، بعث الأشتر على مصر، فمات فِي الطريق مسمومًا، وكان عليّ يتبرّم به ويكرهه، لأنّه كان صَعْبَ المِرَاس، فلمّا بلغه موتُهُ قَالَ: للمِنْخَرَيْن والفم.
وقيل: إنّ عَبْدًا لعثمان لقيه فسمّ له عسلًا وسقاه، فبلغ عَمْرو بْن العاص فقال: إنّ للَّه جنودًا من عسل [2] .
وقال عُوانة بْن الحَكَم وغيره: لمّا جاء نَعيُ الأشتر إِلَى عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: إنّا للَّه: مالك، وما مالِكٌ وكلٌّ هالك، وهل موجودٌ مثل ذلك، لو كان من حديد لكان قيدًا، أو كان من حجرٍ لكان صَلْدًا، على مثل مالك فلتبك البواكي [3] .
__________
[ () ] الكامل في التاريخ 3/ 315- 319 و 352- 354، تهذيب الكمال 3/ 1299، وفيات الأعيان 3/ 18 و 7/ 195، 196، الأمالي للقالي 1/ 85، الكاشف 3/ 99 رقم 5337، العبر 1/ 45، سير أعلام النبلاء 4/ 34، 35 رقم 6، تهذيب التهذيب 10/ 11، 12 رقم 8، تقريب التهذيب 2/ 224 رقم 864، الإصابة 3/ 482 رقم 8341، النجوم الزاهرة 1/ 102، وما بعدها، خلاصة تذهيب التهذيب 366.
[1] انظر تاريخ الطبري 5/ 48 وما بعدها.
[2] انظر: أسماء المغتالين لابن حبيب 2/ 59 تحقيق عبد السلام هارون.
[3] ولاة مصر وقضاتها للكندي 24.

(3/594)


سهل بن حنيف [1] ع
ابن واهب بْن عكيم الْأَنْصَارِيّ الأوْسيّ، والد أبي أمامة، وأخو عُثْمَان. شهِدَ بدْرًا والمشاهد، وله رواية.
روى عَنْهُ ابناه أَبُو أُمامة، وعبدُ الله، وأبو وائل، وعبيد بْن السَّبَّاق، وعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو.
__________
[1] المغازي للواقدي 159 و 240 و 249 و 253 و 303 و 372 و 379 و 380 و 710 و 985، تهذيب سيرة ابن هشام 170 و 182، طبقات ابن سعد 3/ 471- 473 و 6/ 15، المحبّر لابن حبيب 71 و 290، تاريخ خليفة 181 و 192 و 198 و 201، طبقات خليفة 85 و 135 و 190، التاريخ الكبير 4/ 97 رقم 2090، ترتيب الثقات للعجلي 209 رقم 633، المسند لأحمد 3/ 485- 487، المعارف 291، عيون الأخبار 1/ 251، الأخبار الطوال 141 و 182 و 196، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 86 رقم 78 و 160 رقم 903، المعرفة والتاريخ 1/ 216 و 220 و 337 و 2/ 814، فتوح البلدان 19 و 22، أنساب الأشراف 1/ 243 و 265 و 270 و 277 و 318 و 518 و 3/ 287، ق 4 ج 1/ 553 و 569، و 5/ 64 و 78، تاريخ الطبري 2/ 383 و 520 و 533 و 3/ 111 و 4/ 423 و 442 و 452 و 467 و 474 و 555 و 5/ 11 و 18 و 93 و 122 و 137 و 156، المنتخب من ذيل المذيّل 512، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 65، الجرح والتعديل 4/ 195 رقم 840، مشاهير علماء الأمصار 47 رقم 298، الثقات لابن حبّان 3/ 169، الاستيعاب 2/ 92، المعجم الكبير للطبراني 6/ 86- 113 رقم 579، جمهرة أنساب العرب 336، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوط دار الكتب) 1 ورقة 94، المستدرك له 3/ 408- 412، الاستبصار 320، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 186، لباب الآداب لابن منقذ 162، الزيارات للهروي 88، أسد الغابة 2/ 364، 365، الكامل في التاريخ 2/ 107 و 129 و 174 و 3/ 187 و 201 و 202 و 215 و 219 و 222 و 273 و 294 و 298 و 351 و 367 و 381 و 398، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 237 رقم 237، تحفة الأشراف للمزّي 4/ 96- 102 رقم 217، تهذيب الكمال 2/ 557، تجريد أسماء الصحابة 1/ 143، تلخيص المستدرك 3/ 408- 412، الكاشف 1/ 325 رقم 2190، العبر 1/ 41، سير أعلام النبلاء 2/ 325- 329 رقم 63، المعين في طبقات المحدّثين 22 رقم 52، البداية والنهاية 7/ 318، مرآة الجنان 1/ 105، الوافي بالوفيات 16/ 7، 8 رقم 5، النكت الظراف لابن حجر 4/ 97- 99، الإصابة 2/ 87 رقم 3527، تهذيب التهذيب 4/ 251 رقم 428، تقريب التهذيب 1/ 336 رقم 553، خلاصة تذهيب التهذيب 157، كنز العمال 13/ 340، شذرات الذهب 1/ 48، مجمع الرجال 3/ 178.

(3/595)


وقال ابن سعد [1] : قَالُوا: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سهل بْن حُنَيْف، وعليّ بْن أبي طَالِب.
وَثَبَتَ مَع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أُحُدٍ، وَبَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَجَعَلَ يَنْضَحُ يَوْمَئِذٍ بِالنَّبْلِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نَبِّلُوا سَهْلًا فَإِنَّهُ سَهْلٌ» [2] . وقال الزُّهْرِيّ لم يُعْط رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أموال بني النَّضير أحدًا من الأَنْصَار، إلّا سهل بْن حُنَيْف، وأبا دُجَانة. وكانا فقيرين [3] .
وقال أَبُو وائل: قال سهل بْن حُنَيْف يوم صِفِّين: أيُّها النّاس اتَّهموا رأيكم، فإنّا والله مَا وضعنا سيوفنا على عواتقنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمرٍ يفظعنا إلّا أسهل [4] بنا إِلَى أمرٍ نعرفه، إلّا أمْرَنا هَذَا [5] .
وعن أبي أمامة قَالَ: مات أبي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلّى عليه عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه [6] .
وقال الشَّعْبِيّ، عن عَبْد الله بْن مَعْقِلٍ قَالَ: صلّيتُ مع عليّ على سهل، فكبّر عليه ستًّا [7] .
وروى نحوه عن حَنَش بْن المعتمر، وزاد: فكأنّ بعضهم أنكر ذاك، فقال عليّ: إنّه رَضِيَ الله عنه [8] .
__________
[1] في الطبقات 3/ 471.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 471 وينضح: يرمي ويرشق. ونبلو: أي ناولوه النبل ليرمي.
[3] سير أعلام النبلاء 2/ 328.
[4] في النسخ «أسهلن» ، والتصويب من طبقات ابن سعد.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 472.
[6] ابن سعد 3/ 472.
[7] ابن سعد 3/ 472.
[8] ابن سعد 3/ 473.

(3/596)


(صفوان بْن بيضاء)
[1] وهي أمُّهُ، وأبوه وهْب بن ربيعة بْن هلال القُرَشيّ الفِهْريّ، أَبُو عَمْرو، أخو سهل وَسُهَيْلٍ.
قَالَ ابن سعد [2] : قَالُوا، آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين صفوان ورافع بْن المُعَلّي. وَقُتِلَا يوم بدْر.
قَالَ الواقدي: قد رُوِيَ لنا أنّ صفوان بْن بيضاء لم يقُتل يوم بدْر، وَإِنَّهُ شهِدَ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتُوُفيّ فِي رمضان سنة ثمانٍ وثلاثين [3] ، والله أعلم.
صُهَيْب بْن سِنَان [4] ع
الرُّوميّ، لأنّ الروم سَبَتْهُ من نِينَوَى بالموصل، وهو من النَّمر بْن قاسط، كان أبوه أو عمُّه عاملًا بنِينُوَى لِكسْرى، ثُمَّ إنّه جُلِب إِلَى مكة، فاشتراه عَبْد الله بْن جدعان التّيميّ، وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة،
__________
[1] المغازي للواقدي 146 و 157، طبقات ابن سعد 3/ 416، تاريخ خليفة 60، المحبّر لابن حبيب 75، المعارف 157، أنساب الأشراف 1/ 225 و 296، الجرح والتعديل 4/ 421 رقم 1849، الاستيعاب 2/ 182، 183، حلية الأولياء 1/ 373 رقم 81، أسد الغابة 3/ 31، الكامل في التاريخ 3/ 351، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 445، سير أعلام النبلاء 1/ 384 رقم 79، البداية والنهاية 7/ 318، الوافي بالوفيات 16/ 321 رقم 354، الإصابة 2/ 188 رقم 4075، و 191 رقم 4090، شذرات الذهب 1/ 9، العقد الثمين 5/ 43.
[2] في الطبقات 3/ 416.
[3] ابن سعد 3/ 416.
[4] المغازي 149 و 155 و 379 و 770، تهذيب سيرة ابن هشام 57، طبقات ابن سعد 3/ 226- 230، السير والمغازي 144 و 287، المحبّر لابن حبيب 14 و 73 و 103 و 288، تاريخ خليفة 153 و 198، طبقات خليفة 19 و 62، المسند لأحمد 4/ 332، 333، و 6/ 15- 18، التاريخ الكبير 4/ 315 رقم 3963، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 88 رقم 95، عيون الأخبار 1/ 85 و 3/ 273، المعارف 264 و 265، المعرفة والتاريخ 1/ 511 و 3/ 168 و 381، أنساب الأشراف 1/ 156 و 158 و 180- 184 و 187 و 197 و 271 و 289 و 304 و 433 و 488، ق 4 ج 1/ 108 و 499 و 501 و 503 و 504 و 507 و 511، و 5/ 16 و 18 و 21

(3/597)


وحالف ابن جُدْعان.
كان صُهَيْب من السابقين الأوّلين، شهِدَ بدْرًا والمشاهد.
روى عَنْهُ من أولاده: حبيب، وزياد، وحمزة، وسعيد بْن المسيب، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي ليلى، وكعب الأحبار، وغيرهم.
وكنيته أَبُو يحيى، تُوُفيّ بالمدينة فِي شوّال، ونشأ صُهَيْب بالروم، فبقيت فِيهِ عُجْمة، وكان رجلًا أحمر شديد الحُمْرة ليس بالطّويل ولا بالقصير، وكان كثير شعر الرأس، ويَخْضِب بالحنّاء [1] .
صَحَّ مِنْ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صُهَيْبٌ سابق الروم [2] » .
__________
[ () ] و 25، الجرح والتعديل 4/ 444 رقم 1950، تاريخ الطبري 4/ 192 و 194 و 229 و 230 و 234 و 237 و 241 و 242 و 431 و 467، مشاهير علماء الأمصار 20 رقم 76، العقد الفريد 4/ 272 و 273 و 277 و 6/ 303، ثمار القلوب للثعالبي 162 رقم 231، حلية الأولياء 1/ 151- 156 رقم 25، جمهرة أنساب العرب 138 و 300، المستدرك 3/ 397- 402 المعجم الكبير 8/ 32- 53 رقم 719، الاستيعاب 2/ 174- 182، البدء والتاريخ 5/ 100، 101، التذكرة الحمدونية 1/ 123، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 448- 456، صفة الصفوة 6/ 430، 431 رقم 22، الزيارات للهروي 13، الكامل في التاريخ 2/ 67، 68 و 3/ 52 و 66، 67 و 79 و 191 و 215 و 351 و 374، تحفة الأشراف 4/ 195- 201 رقم 242، تهذيب الكمال 2/ 613، أسد الغابة 3/ 36، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 227، المعين في طبقات المحدّثين 22 رقم 61، الكاشف 2/ 29 رقم 2439، دول الإسلام 1/ 32، سير أعلام النبلاء 2/ 17- 26 رقم 4، العبر 1/ 44، تلخيص المستدرك 3/ 397- 402، مرآة الجنان 1/ 105، الوافي بالوفيات 16/ 335- 338 رقم 368، البداية والنهاية 7/ 318، 319، الوفيات لابن قنفذ 58 رقم 38، مجمع الزوائد 9/ 305، 306، النكت الظراف 4/ 199، 200، تهذيب التهذيب 4/ 438، 439 رقم 759، تقريب التهذيب 1/ 370 رقم 124، الإصابة 2/ 195، 196 رقم 4104، خلاصة تذهيب التهذيب 175، كنز العمال 13/ 437، شذرات الذهب 1/ 47.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 226.
[2] رواه ابن سعد 3/ 226 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس، عن الحسن. وهو إسناد ضعيف لإرساله.

(3/598)


وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّاهُ أَبَا يَحْيَى [1] .
وعن صَيْفيّ بْن [2] صُهَيْب قَالَ: إني صحِبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أن يُوحَى إليه [3] .
وقال مَنْصُورٌ، عن مجاهد قَالَ: أوّل من أظهر الْإِسْلَام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بَكْر، وبلال، وخبَّاب، وصُهَيْب [4] .
وعن عُمَر بْن الحكم قَالَ: كان صُهَيْب يُعَذّب حَتَّى لَا يدري مَا يقول [5] .
وقال عوف الأعرابي، عن أبي عُثْمَان النَّهْديّ إنّ صُهَيْبًا حين أراد الهجرة إِلَى المدينة، قال له أَهْل مكة: أتيتنا صُعْلُوكًا حقيرًا فتنطلق بنفسك ومالك، والله لَا يكون هَذَا أبدًا، قَالَ: أرأيتم إنْ تركت مالي، أَمُخَلُّون أنتم سبيلي؟ قَالُوا: نعم، فترك لهم ماله أجمع، فبلغ ذلك النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
«ربح صُهَيْب ربح صُهَيْب» [6] . ورُوِيَ أنّهم أدركوه، وقد سار عن مكة، فأطلق لهم ماله، ولِحَق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بعد بقِباء، قَالَ: فلّما رآني قَالَ: «ربح الْبَيعُ أَبَا يحيى» قالها ثلاثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما أخبرك إلّا جبريل [7] .
__________
[1] ابن سعد 3/ 227.
[2] في نسخة دار الكتب «صيفي عن صهيب» والتصويب من سير أعلام النبلاء 3/ 19.
[3] المستدرك 3/ 400.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 227، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) 6/ 450، وابن الأثير في أسد الغابة 3/ 380.
[5] ابن سعد 3/ 227.
[6] أخرجه ابن سعد 3/ 228 من طريق هوذة بن خليفة، عن عوف، عن أبي عثمان النهدي.
ورجاله ثقات.
[7] ابن سعد 3/ 228 من طريق عفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، وموسى بن إسماعيل، عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عن سعيد بن المسيّب.

(3/599)


وعن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التَّيْميّ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين صُهَيْب والحارث بْن الصِّمَّة [1] .
وقد ذكرنا أنّ صُهَيْبًا استخلفه عُمَر على الصلاة، حَتَّى يتّفق أَهْل الشورى على خليفة، وأنّه الَّذِي صلّى على عُمَر [2] .
وقال الواقدي: كان صُهَيْب أحمر، شديد الصَّهبة، تحتها حُمْرة، وعاش سبعين سنة [3] .
وقال المدائني: عاش ثلاثًا وسبعين سنة.
مُحَمَّد بْن أبي بَكْر الصَّدَّيق [4] س ق
خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووزيره ومُؤْنِسُه فِي الغار، وصِدِّيق الأمة أبي بَكْر عَبْد الله بْن أبي قحافة عُثْمَان بن عامر القرَشيّ التَّيْميّ الْمَدَنِيّ.
الَّذِي ولدته أسماء بِنْت عُمَيْس فِي حجة الوداع، وكان أحد الرءوس
__________
[1] ابن سعد 3/ 229.
[2] ابن سعد 3/ 230.
[3] ابن سعد 3/ 230.
[4] الأخبار الموفقيّات 347، 348، نسب قريش 277، المحبّر لابن حبيب 108 و 275 و 295 و 437، تاريخ خليفة 174 و 175 و 184 و 190 و 192 و 201، التاريخ الكبير 1/ 124 رقم 369، التاريخ الصغير 1/ 253، ترتيب الثقات للعجلي 401 رقم 1437، الأخبار الطوال 150، 151، المعارف 173 و 175 و 196، عيون الأخبار 4/ 8، أنساب الأشراف 1/ 369 و 447 و 538 ق 4 ج 1/ 40 و 95 و 113 و 539- 541 و 550 و 554 و 556- 560 و 574 و 583 و 585 و 591 و 592 و 596 و 598، و 5/ 26 و 49 و 50 و 51 و 61 و 65 و 67- 70 و 82 و 83 و 91- 93 و 97- 99 و 102 و 103، تاريخ الطبري 3/ 421 و 426 و 4/ 292 و 346 و 353 و 357 و 363 و 372 و 378 و 379 و 383 و 386 و 387 و 391 و 393 و 400 و 477 و 478 و 487 و 496 و 499 و 509 و 519 و 533 و 534 و 536 و 546 و 553- 557 و 5/ 93- 96 و 99 و 101- 110 و 229، الجرح والتعديل 7/ 301 رقم 1632، مشاهير علماء الأمصار 19 رقم 73، الاستيعاب 3/ 348، 349، مروج الذهب 2/ 420، الخراج وصناعة الكتابة 325، جمهرة أنساب العرب 138، الولاة والقضاة 26، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام)

(3/600)


الذين ساروا إِلَى حصار عُثْمَان كما قدَّمنا، ثُمَّ انضمّ إِلَى عليّ، فكان من أعيان أمرائه، فبعثه على إمارة مصر فِي رمضان سنة سبعٍ وثلاثين، وجمع له صلاتها وخَرَاجها، فسار إليها فِي جيش من العراق.
وسيَّر مُعَاوِيَة من الشام مُعَاوِيَة بْن حُدَيْج على مصر أيضًا، وعلى حرب مُحَمَّد. فالتقى الجمعان، فكسره ابن حُدَيْج، وانهزم عسكر مُحَمَّد، واختفى هُوَ بمصر فِي بيت امْرَأَة، فدلّت عليه فقال: احفظوني لأبي بَكْر، فقال مُعَاوِيَة بْن حُدَيْج: قتلت ثمانين رجلًا من قومي فِي دم عُثْمَان، وأترُكُكَ وأنت صاحبُهُ، فقتله ثُمَّ جعله فِي بطن حمار وأحرقه [1] .
وقال عَمْرو بن دينار: أتي عمرو بن العاص بمحمد بْن أبي بَكْر أسيرًا، فقال: هَلْ معك عقد من أحد؟ قَالَ: لَا. فأمر به فقُتِل [2] .
روى مُحَمَّد عن أَبِيهِ مُرْسلًا. وعنه ابنه القاسم بْن مُحَمَّد، ولم يسمع منه.
(محمد بن أبي حُذَيْفَةَ)
[3] بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شمس القرشيّ
__________
[7] / 147، الزيارات للهروي 38 و 55 و 81، أسد الغابة 4/ 324، 325، الكامل في التاريخ 3/ 352، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 85، 86 رقم 15، وفيات الأعيان 3/ 18 و 69 و 70 و 267 و 4/ 170 تهذيب الكمال 3/ 1178، دول الإسلام 1/ 32، سير أعلام النبلاء 3/ 481، 482 رقم 104 العبر 1/ 44، الكاشف 3/ 23 رقم 4823، البداية والنهاية 7/ 318، مرآة الجنان 1/ 105، الوفيات لابن قنفذ 58 رقم 38، المغرب في حليّ المغرب 1/ 69، العقد الثمين 2/ 68، تهذيب التهذيب 9/ 80، تقريب التهذيب 2/ 148 رقم 82، الإصابة 3/ 472، 473 رقم 8294، النجوم الزاهرة 1/ 106، خلاصة تذهيب التهذيب 280، شذرات الذهب 1/ 48.
[1] كتاب الولاة والقضاة للكندي 28، 29.
[2] انظر كتاب الولاة والقضاة 29، 30.
[3] المحبّر لابن حبيب 104 و 274، السير والمغازي لابن إسحاق 176 و 223، الأخبار الموفقيّات للزبير 300، تاريخ خليفة 201 و 250، التاريخ الصغير 1/ 81، الأخبار الطوال 157، المعارف 195 و 272، المعرفة والتاريخ 2/ 508، فتوح البلدان 269، أنساب الأشراف ق 4

(3/601)


العبشميّ أبو القاسم. كان أبوه من السابقين إِلَى الْإِسْلَام، وهاجر إِلَى الحبشة فُولِد له هَذَا بها. واستُشْهِدَ يوم اليمامة، فنشأ مُحَمَّد فِي حُجْر عُثْمَان، ثُمَّ إنّه غضب على عُثْمَان لكونه لم يستعمله أو لغير ذلك، فصار إلْبًا على عُثْمَان [1] . فلمّا وفد أميرُ مصر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِلَى عُثْمَان، وكان مُحَمَّد بمصر، فتوثّب على مصر، وأخرج عَنْهَا نائبَ ابن أبي سَرْح عُقْبَة بْن مالك، وخلع عُثْمَان واستولى على مصر، فلم يتمّ أمرُهُ، وكان يسمّى مشئوم قريش.
وقيل: إنّه كان مع عليّ، فسيّره على مصر، فقتلته شيعةُ عُثْمَان بفلسطين. وقيل: قتلوه سنة ستٍّ وثلاثين، وقيل بعدها.
(أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ)
[2] فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فارس شجاع، له شأن مذكور في سنة أربع وخمسين.
__________
[ () ] ج 1/ 539- 541، 550، 5/ 49- 51 و 61، تاريخ الطبري 4/ 291، 292 و 353 و 357 و 358 و 378 و 399 و 421 و 546 و 547 و 5/ 105، 106، الولاة والقضاة 14، مشاهير علماء الأمصار 56 رقم 391، الاستيعاب 3/ 341، 342، جمهرة أنساب العرب 77، أسد الغابة 4/ 315، 316، الكامل في التاريخ 3/ 118 و 158 و 161 و 181 و 265- 267، الوافي بالوفيات 2/ 328، سير أعلام النبلاء 3/ 479- 481 رقم 103، العقد الثمين 1/ 454، الإصابة 3/ 373، 374 رقم 7767.
[1] انظر الولاة والقضاة للكندي 17.
[2] فتوح الشام للأزدي 20، طبقات خليفة 139، تاريخ خليفة 99 و 105 و 201 و 223، المعرفة والتاريخ 1/ 214، 215 فتوح البلدان 117، تاريخ الطبري 2/ 293 و 495 و 496 و 498 و 598 و 600 و 603 و 3/ 34 و 35 و 40 و 247 و 263 و 278 و 280 و 4/ 401 و 5/ 85، الاستيعاب 4/ 161 162، مشاهير علماء الأمصار 14 رقم 39، جمهرة أنساب العرب 257، أسد الغابة 5/ 274، 275، المستدرك 3/ 480، الكامل في التاريخ 2/ 146 و 190 و 191 و 233 و 265 و 358 و 3/ 221 و 345 و 500، صفة الصفوة 1/ 647، 648 رقم 78 الإصابة 4/ 158، 159 رقم 921، تلخيص المستدرك 3/ 480.

(3/602)


وأمّا أَهْل الكوفة فيقولون: تُوُفيّ بالكوفة، وصلّى عليه عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما [1] .
قال غسّان بن الربيع: توفّي سنة ثمان وثلاثين [2] .
__________
[1] المستدرك للحاكم 3/ 480.
[2] هنا ينتهي السقط من نسخة دار الكتب.

(3/603)


سَنَة تِسْعٍ وَثلَاثيْن
فيها كَانَتْ وقعة الخوارج بحروراء بالنّخيلة، قاتلهم عليّ فكسرهم، وقتل رءوسهم وسجد شكرًا للَّه تعالى لمّا أُتي بالمخدَّج [1] إليه مقتولا، وكان رءوس الخوارج زَيْدُ بْن حصن الطائي، وشُرَيْح بْن أوْفَى العبسيّ، وكانا على المُجَنَّبَتَيْن، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السّبئيّ، وكان على رَجَّالتهم حُرْقُوص بْن زهير [2] .
وفيها بعث مُعَاوِيَة يزيد بْن شجرة [3] الرَّهاوِيّ ليقيم الحجّ، فنازعه قثم ابن الْعَبَّاس ومَانَعه، وكان من جهة عليّ، فتوسّط بينهما أَبُو سَعِيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شَيْبَة [4] بْن عُثْمَان العَبْدَرِيّ حاجب الكعبة [5] .
__________
[1] اسمه نافع. (انظر تاريخ الطبري 5/ 91) وهو ذو الثديّة (مروج الذهب 2/ 417) .
[2] الأخبار الطوال 204 وفيه «يزيد بن حصين» وهو خطأ. مروج الذهب 2/ 417.
[3] في المنتقى لابن الملّا و (ع) (سخبرة) وهو تحريف صحّحته من نسخة الدار، و (تاريخ الطبري 5/ 136) ومنتقى الأحمدية.
[4] في نسخة الدار (شيبان) ، وفي منتقى الأحمدية (سنان) وكلاهما تحريف، والتصويب من المنتقى لابن الملا وتاريخ الطبري 5/ 136.
[5] تاريخ الطبري 5/ 136، تاريخ خليفة 198.

(3/605)


وقيل تُوُفيّ فيها (أمُّ المؤمنين ميمونة) ، وحسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ، وسيأتيان.
وكان عليّ قد تجهّز يريد مُعَاوِيَة، فردّ من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحَرُوريّة، وهمّ العُبّاد والقُرّاء من أصحاب عليّ الذين مَرَقُوا من الْإِسْلَام، وأوقعهم الغُلُوّ فِي الدين إِلَى تكفير العُصاة بالذُّنوب، وإلى قُتِلَ النساء والرجال، إلّا من اعترف لهم بالكفر وجدَّد إسلامه.
ابْنُ سَعْدٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي الموالي، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل، سمع مُحَمَّد بْن الحنَفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثُمَّ يحلف لَا يحلّه حَتَّى يسير، فيأبَى عليه النّاس، وينتشر عليه رأيهُم، ويَجْبُنون [1] فيحله ويكفّر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرّات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وَقُلْتُ: ألا تكلمه أَيْنَ يسير بقوم لَا والله مَا أرى عندهم طائلًا، قَالَ: يا أَبَا القاسم يسير الأمر قد حُمّ، قد كلَّمْتُهُ فرأيته يأبى إلّا المسير.
قَالَ ابن الحَنَفّية: فلمّا رَأَى منهم مَا رَأَى قَالَ: اللَّهمّ إنّي قد مَللْتُهُم وقد ملُّوني، وأبغضْتُهُم وأبغضوني، فأبْدِلني خيرا منهم، وأبدلهم شرّا [2] منّي.
__________
[1] في نسخة الدار هنا تصحيفات، صحّحتها من (طبقات ابن سعد 5/ 93) .
[2] في نسخة الدار (خيرا) عوض (شرا) وهو تحريف صحّحته من منتقى الاحمدية، و (ع) وطبقات ابن سعد 3/ 93.

(3/606)


سَنَة أربَعِين
فيها بعث مُعَاوِيَة إِلَى اليمن بُسْر بْن أبي أرطاة الْقُرَشِيَّ العامريّ فِي جنودٍ، فتنحّى عَنْهَا عاملُ علي عُبَيْد الله بْن عَبَّاس، وبلغ عليًّا فجهز إِلَى اليمن جارية [1] بْن قُدامة السَّعْديّ فوثب بُسْر على وَلَديْ عُبَيْد الله بْن عَبَّاس صَبِيَّيْن، فذبحهما بالسّكين وهرب، ثمّ رجع عبيد الله على اليمن [2] .
قَالَ ابن سعد: قَالُوا انتدب ثلاثةً من الخوارج، وهم: عبد الرحمن ابن مُلْجم المُرَادِيّ، والبُرَك بْن عَبْد الله التميميّ، وعمرو بْن بَكْر [3] التميميّ، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا لَيَقْتُلُنَّ هؤلاء الثّلاثة عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، ومعاوية بْن أبي سُفْيَان، وعمرو بْن العاص، ويُريحوا العباد منهم [4] .
فقال ابن ملجم: أنا لعليّ، وقال البرك: أنا لمعاوية، وقال الآخر:
__________
[1] في نسخة الدار (حارثة) والتصويب من تاريخ خليفة.
[2] تاريخ خليفة 198.
[3] في نسخة الدار (بكير) والتصويب من (مجمع الزوائد 9/ 139) وتاريخ الطبري 5/ 143 ومنتقى الأحمدية و (ع) .
[4] تاريخ الطبري 5/ 143 وما بعدها.

(3/607)


أَنَا أكفيكم عَمْرًا، فتواثقوا أنْ لَا ينْكُصُوا، واتَّعَدُوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثمّ تَوَجَّه كلُّ رجلٍ منهم إِلَى بلدٍ بها صاحبُهُ، فقدِم ابنُ مُلْجم الكوفة، فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسرَّ إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قَطَام بِنْت شِجْنَة من بني تَيْمٍ الرّباب، وكان عليّ قتل أباها وأخاها يوم النَّهروان، فأعْجَبَتْهُ، فقالت: لَا أتزوَّجُكَ حَتَّى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل عليًّا، فقال: لكِ ذلك، ولقي شبيب بْن بجرَة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه.
وبقي ابن مُلْجَم فِي الليلة التي عزم فيها على قتْل علي يناجي الأشعث [بْن قَيْس فِي مسجده] [1] حَتَّى طلع الفجر، فقال له الأشعث: فَضَحكَ الصُّبْحُ، فقام هُوَ وشبيب، فأخذا أسيافهما، ثُمَّ جاءا حَتَّى جلسا مقابل السُّدَّةِ التي يخرج منها عليّ، فذكر مقتل عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فلمّا قُتِلَ أخذوا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُلْجَم، وعذَّبوه وقتلوه [2] .
وَقَالَ [3] حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ: نَبَّأَ جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَعَاهَدَ ثَلاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى قَتْلِ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَبِيبِ بْنِ مسلمة [4] ، وذكره.
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من نسخة الدار، فاستدركته من منتقى الأحمدية ومنتقى ابن الملا.
وسقط منها أيضا من (الأشعث) الى (الأشعث) فاستدركته من بقية النسخ وأسد الغابة.
[2] تاريخ الطبري 5/ 144، 145، مروج الذهب 2/ 424 وانظر: الأخبار الطوال 213، 214.
[3] من هنا إلى ترجمة (تميم الداريّ) ساقط من نسخة دار الكتب، فاستدركته من ح، ع والمنتقى لابن الملّا.
[4] في ح (سلمة) وهو تحريف صحّحته من تاريخ الطبري 5/ 274، ع.

(3/608)


مَنْ تُوُفيّ فيْهَا
(الأشعث [1] بْن قَيْس)
[2] أَبُو محمد الكنديّ نزيل الكوفة. له صحبة
__________
[1] لقّب بهذا لشعث رأسه، على ما في (تهذيب التهذيب 1/ 359) .
[2] طبقات ابن سعد 6/ 22، 23، المحبّر لابن حبيب 64 و 95 و 244 و 245 و 251 و 261 و 291 و 302 و 452 طبقات خليفة 71 و 133، البرصان والعرجان للجاحظ 362، تهذيب سيرة ابن هشام 315، التاريخ الكبير 1/ 434 رقم 1396، التعليقات والنوادر رقم 1063، مقدمة مسند بقيّ بن مخلد 98 رقم 208، المعارف 168 و 189 و 333 و 551 و 555 و 586 والأخبار الطوال 52 و 120 و 122 و 134 و 156 و 169 و 171 و 174 و 188 و 190 و 195 و 196 و 211 و 224، المسند لأحمد 5/ 211- 213، المعرفة والتاريخ 1/ 226 و 668، فتوح البلدان 120 و 121 و 123 و 124 و 160 و 315 و 325 و 336 و 371 و 374 و 378 و 401 و 403 و 406، أنساب الأشراف 1/ 164 و 456 و 458 و 5/ 262، الجرح والتعديل 2/ 276، 277 رقم 994، أخبار القضاة لوكيع 2/ 201 و 216 و 233 و 256 و 258 و 302، و 3/ 38، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام) 10/ 183، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 52، الخراج وصناعة الكتابة 329 و 379 و 380، مشاهير علماء الأمصار 45 رقم 282، ثمار القلوب للثعالبي 78 و 85 و 89 و 91، الثقات لابن حبّان 3/ 13، 14، المعجم الكبير للطبراني 1/ 232- 238 رقم 40، الاستيعاب 1/ 109- 111، العقد الفريد (انظر فهرس الأعلام) 7/ 98، ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 301، أمالي المرتضى 1/ 295، جمهرة أنساب العرب 425، تاريخ بغداد 1/ 196، 197 رقم 35، أمالي القالي 3/ 145، المستدرك 3/ 522، 523، التذكرة الحمدونية 2/ 19، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 67- 78، لباب الآداب لابن منقذ 104، الزيارات للهروي 79، الكامل في التاريخ 3/ 318- 321، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 123، 124 رقم 61، وفيات الأعيان 4/ 90 و 6/ 334، تحفة الأشراف للمزّي 1/ 76- 78 رقم 17، تهذيب الكمال 3/ 286- 295 رقم 532، أسد الغابة 1/ 118، سير أعلام

(3/609)


ورواية، وقد ارتدّ أيام الرَّدة، فحوصِر وَأُخِذَ بالأمان له ولسبعين من قومه، وقيل لم يأخذ لنفسه أمانًا، فأُتي به أَبُو بَكْر، فقال أَبُو بَكْر: إنّا قاتلوك. لَا أمان لك. فقال: أتَمُنَّ عليَّ وأُسْلِم؟ قَالَ: نعم. فمنّ عليه وزوَّجه بأخته فروة بِنْت أبي قُحافة [1] .
وَكَانَ سيد كندة، وأصيبت عينه يوم اليرموك.
روى عنه قيس بْن أبي حازم، وأبو وائل، وجماعة، وكان على ميمنة عليّ (يوم صِفِّين) . وقد استعمله مُعَاوِيَة على أَذْرَبِيجَان [2] . وكان سيّدًا جوادًا. وهو أول من مشت الرجال فِي خدمته وهو راكب [3] وتُوُفيّ بعد عليّ بأربعين ليلة، وصلّى عليه الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه [4] .
تميم الدّاريّ [5]
ابن أوس بْن خارجة بْن سُود بن جُذَيْمة، أَبُو رُقَيّة اللَّخْمِيّ الدّاريّ.
صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختُلِفَ فِي نَسبه إِلَى الدّار بْن هانئ أحد بني لخم،
__________
[ () ] النبلاء 2/ 37- 43 رقم 8، تلخيص المستدرك 3/ 522، دول الإسلام 1/ 34، العبر 1/ 42 و 46، الكاشف 1/ 84 رقم 451، مرآة الجنان 1/ 107، 108، الوافي بالوفيات 9/ 274، 275 رقم 4193، تهذيب التهذيب 1/ 359، تقريب التهذيب 1/ 80 رقم 608، النكت الظراف 1/ 76، 77، الإصابة 1/ 51، 52 رقم 205، خلاصة تذهيب التهذيب 39، البدء والتاريخ 5/ 109.
[1] طبقات ابن سعد 6/ 22، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 71.
[2] في نسخة (ع) «أرذبيحان» وهو تحريف. وفي تهذيب تاريخ دمشق 3/ 77 أنّ الأشعث كان عاملا لعثمان على أذربيجان.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 77.
[4] طبقات ابن سعد 6/ 22، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 78.
[5] المغازي للواقدي 695، طبقات ابن سعد 7/ 408، 409، التاريخ لابن معين 2/ 66، المحبّر لابن حبيب 452، المسند لأحمد 4/ 102، 103، الزهد لابن المبارك 31 و 452 و 471 و 508، الطبقات لخليفة 70 و 305، مقدمة مسند بقي بن مخلد 91 رقم 132، المعرفة والتاريخ 2/ 439، 440، المعارف 102 و 168، فتوح البلدان 153، أنساب الأشراف 1/ 510، ق 3/ 302، تاريخ أبي زرعة 1/ 569، 570، عيون الأخبار 1/ 297، تاريخ

(3/610)


وَلَخْمُ مِنْ يَعْرُب بْن قَحْطان.
وَفَدَ تميم الدّاريّ سنة تسعٍ فأسلم، وحدّث النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ بقصّة (الجسّاسة) [1] فِي أمر الدّجّال عن تميم الدّاريّ.
ولتميم عدّة أحاديث، روى عَنْهُ أَنَس، وابن عَبَّاس، وكُثَير بْن مُرّة، وعطاء بْن يزيد اللَّيثي، وعبد اللَّه بْن موْهب [2] ، وزُرارة بْن أوفى، وشهر بْن حَوْشَب، وطائفة.
قال ابن سعد [3] : لم يزل بالمدينة حَتَّى تحوّل بعد قتْل عُثْمَان إِلَى الشام.
وقال الْبُخَارِيّ [4] : هُوَ أخو أبي هند الدّاريّ.
__________
[ () ] الطبري 3/ 174، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 30، العقد الفريد 2/ 372، الجرح والتعديل 2/ 440 رقم 1754، التاريخ الكبير 2/ 150، 151 رقم 2016، مشاهير علماء الأمصار 52 رقم 353، تاريخ واسط لبحشل 167 و 258 و 259، الثقات لابن حبّان 3/ 39، 40، الاستيعاب 1/ 184، المعجم الكبير 2/ 49- 59 رقم 129، ربيع الأبرار 4/ 12، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوط دار الكتب) 1 ورقة 200، جمهرة أنساب العرب 422، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 64، التذكرة الحمدونية 1/ 143، صفة الصفوة 1/ 737- 739 رقم 115، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 347- 360، الكامل في التاريخ 2/ 314، أسد الغابة 1/ 215، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 138، 139 رقم 90، تحفة الأشراف للمزّي 2/ 115- 119 رقم 47، تهذيب الكمال 4/ 326- 328 رقم 800، وفيات الأعيان 3/ 41 و 5/ 318، المعين في طبقات المحدّثين 19 رقم 18، الكاشف 1/ 113 رقم 679، سير أعلام النبلاء 2/ 442- 448 رقم 86، الوافي بالوفيات 10/ 407، 408 رقم 491، تهذيب التهذيب 1/ 511، 512، تقريب التهذيب 1/ 113 رقم 9، النكت الظراف 2/ 115- 117، الاصابة 1/ 183، 184 رقم 837، مجمع الزوائد 9/ 392، خلاصة تذهيب التهذيب 55.
[1] الجسّاسة: هي الدّابّة التي رآها في جزيرة بالبحر، وإنّما سمّيت بذلك لأنها تجسسّ الأخبار للدجّال. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) ، وتفصيل الخبر في تاريخ دمشق تحقيق دهمان 10/ 446 وأخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2942) باب قصة الجسّاسة، وأحمد في المسند 6/ 373، 374، والطبراني في المعجم الكبير 2/ 54- 56 رقم 1270.
[2] وفي روايته عنه كلام، انظر تقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب و (تاريخ البخاري 5/ 199) .
[3] في الطبقات 7/ 409.
[4] في التاريخ 2/ 151.

(3/611)


وروى ابن سعد [1] بإسنادين أنّ وفد الدّاريّين قدموا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفِه من تَبُوك، وهم عشرة، فيهم تميم.
وقال ابن جُرَيْج: قَالَ عِكْرِمة: لمّا أسلم تميم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنّ الله مُظْهِرُك على الأرض كلها، فهَبْ لي قريتي من بيت لحْم، قَالَ: «هِيَ لك» وكتب له بها، قَالَ: ثُمَّ جاء [2] تميم بالكتاب [3] إِلَى عُمَر فقال: أَنَا شاهِدُ ذلك، وأعطاه إيّاه [4] .
وذكر اللَّيث بْن سعد، أنّ عُمَر قَالَ لتميم: ليس لك أن تبيع، فهي فِي أيدي أَهْل بيته إِلَى اليوم [5] .
وقال الواقدي: ليس لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشام قطيعة غير حَبْرَى [6] وبيت عَيْنُون، أقطعهما تميمًا الدّاريّ وأخاه نُعَيْمًا [7] .
وَفِي «الْبُخَارِيّ» من حديث ابن عَبَّاس قَالَ: خرج رَجُل من بني سهم مع تميم الدّاريّ وعدّي بْن بَدّا، فَمَات السهمي بأرض ليس بها مُسْلِم، فلمّا قدِما بِتَرِكتِه فقدوا جامًا من فضّة، فأحلفهما رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ، ثم وجدوا الجام بمكة، فَقِيلَ: اشتريناه من تميم وعديّ، فقام رجلان من أولياء السَّهميّ، فحلفا لشهادتنا أحقّ من شهادتهما، وأنّ الجام لصاحبهم.
__________
[1] في الطبقات 1/ 343، تهذيب تاريخ دمشق 3/ 354.
[2] في المنتقى لابن الملّا (فلما فتح الشام) عوض (قال ثم) .
[3] صورة الكتاب في (تاريخ دمشق لابن عساكر 10/ 466) و (مجموعة الوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله ص 102) من الطبعة الثالثة.
[4] أخرجه أبو عبيد في «الأموال» 349 من طريق حجاج بن محمد المصّيصي، عن ابن جريج، وهو منقطع.
[5] أخرجه أبو عبيد في «الأموال» 350 من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث.
[6] حبرى: هي حبرون كما في تاريخ دمشق، ومعجم البلدان 2/ 212 اسم القرية التي فيها قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، ببيت المقدس، وقد غلب على اسمها «الخليل» . وقد رسمت مصحّفة في النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية.
[7] طبقات ابن سعد 1/ 367 و 7/ 408، والأموال لابن عبيد 349، 350.

(3/612)


وفيهم نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ 5: 106 [1] .
وقال قَتَادَةَ فِي قوله: وَمن عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ 13: 43 [2] قَالَ: سَلمان، وابن سلّام، وتميم الدّاريّ [3] . وقال قُرَّةُ بْن خَالِد، عن ابن سِيرِينَ: جمع القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبيّ، وعثمان، وزيدُ، وتميم الدّاريّ [4] .
أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ قَالَ: كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ [5] .
وقال عاصم بْن سُلَيْمَان، عن ابن سِيرِينَ: إنّ تميمًا الدّاريّ كان يقرأ القرآن فِي رَكْعة [6] .
وقال عَمْرو بْن مُرّة، عن أبي الضُّحى، عن مسروق قَالَ: قال لي رجلٌ من أَهْل مكة: هَذَا مقام أخيكم تميم الدّاريّ، صلّى ليلة حتّى أصبح
__________
[1] سورة المائدة، الآية 106، والحديث أخرجه البخاري في الوصايا 5/ 308 باب قول الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ 5: 106، والترمذي (3062) ، وأبو داود (3606) .
[2] سورة الرعد، الآية 43.
[3] أخرجه ابن جرير في التفسير 13/ 177 من طريق محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن قتادة. وقال ابن كثير في تفسيره 2/ 521: والصحيح في هذا أن (ومن عنده) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلّم ونعته في كتبهم المتقدّمة من بشارات الأنبياء به، كما قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ 7: 156- 157. وقال تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ 26: 197 وأمثال ذلك مما فيه الإخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة.
[4] أخرجه ابن سعد 2/ 355 من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرّة بن خالد، عن ابن سيرين ورجاله ثقات.
[5] أخرجه ابن سعد 3/ 500 من طريق عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، وإسناده صحيح، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 738.
[6] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 359 الزهد لابن المبارك 452، 453 رقم 1277، صفة الصفوة 1/ 738.

(3/613)


أو كاد، يقرأ آيةً يردّدها ويبكي: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ 45: 21 [1] الآية [2] .
وَقَالَ أَبُو نُباتَةَ يُونُسُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ نَامَ لَيْلَةً لَمْ يَقُمْ بِتَهَجُّدٍ، فَقَامَ سَنَةً لَمْ يَنَمْ فِيهَا، عُقُوبَةً لِلَّذِي صَنَعَ [3] .
الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَتَيْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ فَتَحَدَّثْنَا حَتَّى اسْتَأْنَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَمْ جُزْؤُكَ؟ قَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَصْبَحُ فَيَقُولُ: قد قرأت القرآن في هذه اللّيلة، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ أُصَلِّيَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ نَافِلَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ، فَأُصْبِحَ فَأَقُولَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أَغْضَبَنِي قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ مَعَاشِرَ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ لَجَدِيرٌ أَنْ تَسْكُتُوا، فَلا تَعْلَمُوا وَتَعْنُوا مَنْ سَأَلَكُمْ [4] ، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ غَضِبْتُ لانَ وَقَالَ: ألا أحدّثك يا بن أَخِي، أَرَأَيْتَ إِنْ كُنْتُ أَنَا مُؤْمِنًا قَوِيًّا، وَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ضَعِيفٌ، فَتَحْمِلُ قُوَّتِي عَلَى ضَعْفِكَ، فَلا تَسْتَطِيعُ فَتَنْبَتُّ، أَوْ رَأَيْتَ إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا قَوِيًّا وَأَنَا مُؤْمِنٌ ضَعِيفٌ [أَتَيْتُكَ بِنَشَاطِي حَتَّى] [5] أَحْمِلَ قُوَّتَكَ عَلَى ضَعْفِي، فَلا أَسْتَطِيعُ،
__________
[1] سورة الجاثية، الآية 21.
[2] أخرجه الطبراني برقم (1250) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، عن عمرو بن قرة بهذا الإسناد، ورجاله ثقات. ونسبه ابن حجر في الإصابة 1/ 184 الى البغوي في «الجعديات» ، ورواه ابن المبارك في الزهد 31 رقم 94، وأحمد في الزهد 182، وابن نصر في قيام الليل 60، الصفوة 1/ 738.
[3] نسبه ابن عساكر لابن أبي الدنيا. (تهذيب تاريخ دمشق 3/ 359) ، صفة الصفوة 1/ 739.
[4] في تهذيب تاريخ دمشق 3/ 359 «وأن تضعوا من سألكم» ، وفي سير أعلام النبلاء 2/ 446 «وأن تعنّفوا من سألكم» .
[5] ما بين الحاصرتين نقلته عن «الزهد» لابن المبارك 471 رقم 1339، وفي تهذيب تاريخ دمشق 3/ 359 «ثم أتيتك ببساطي حتى» ، وفي طبعة القدسي 3/ 372 «إنك لشاطي حين» ، وهي عبارة لا معنى لها. وقد سقطت أيضا من سير أعلام النبلاء 2/ 446.

(3/614)


فَأنْبَتُّ، وَلَكِنْ خُذْ مِنْ نَفْسِكَ لِدِينِكَ، وَمِنْ دِينِكَ لِنَفْسِكَ، حَتَّى يَسْتَقِيمَ بِكَ الأَمْرُ عَلَى عِبَادَةٍ تُطِيقُهَا. رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي «كِتَابِ الزُّهْدِ» ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ [1] .
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْمَلٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَبِثْتُ فِي الْمَسْجِدِ ثَلاثًا لا أُطْعَمُ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَائِبٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيَّ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْمَلٍ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى خَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَانْزِلْ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ إِذَا صَلَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَأَخَذَ رَجُلَيْنِ فَذَهَبَ بِهِمَا، فَصَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخَذَنِي، فَأَتَيْنَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلْتُ أَكْلا شَدِيدًا، وَمَا شَبِعْتُ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ خَرَجَتْ نَارٌ بِالْحَرَّةِ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تَمِيمٍ فَقَالَ: قُمْ إِلَى هَذِهِ النَّارِ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ أَنَا، وَمَا أَنَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ، وَتَبِعْتُهُمَا، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّارِ، فَجَعَلَ تَمِيمٌ يَحُوشُهَا بِيَدِهِ، حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ، وَدَخَلَ تَمِيمٌ خَلْفَهَا، فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ، قَالَهَا ثَلاثًا [2] . رَوَاهُ عَفَّانُ عَنْهُ. وَمُعَاوِيَةُ هَذَا لا يُعْرَفُ [3] .
قَتَادَةَ، عن ابن سِيرِينَ، أنّ تميمًا الدّاريّ اشترى رداء بألف درهم يخرج فيه إلى الصّلاة [4] .
__________
[1] الزهد لابن المبارك 471، 472 رقم 1339 من طريق سعيد الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: ... ، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 359، وصفة الصفوة 1/ 739.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 360.
[3] قال ابن حجر في الإصابة 3/ 497 رقم (8434) : «معاوية بن حرمل الحنفي صهر مسيلمة الكذاب. له إدراك، وكان مع مسيلمة في الردّة، ثم قدم على عمر تائبا» ثم أخرج الخبر عن:
البغوي، من طريق الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حرمل.
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 49 رقم (1248) من طريق أبي كريب، عن وكيع، عن همام، عن قتادة، عن ابن سيرين، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 5/ 135: ورجاله رجال الصحيح. صفة الصفوة 1/ 738.

(3/615)


الأَصَحُّ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ اشْتَرَى حُلَّةً بِأَلْفٍ، كَانَ يَلْبَسُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُرَى فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [1] .
الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَصَّ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ فَقَصَّ قَائِمًا [2] .
وعن سهيل بن مالك، عن أَبِيهِ، أنّ تميمًا استأذن عُمَر فِي القَصَص فأذِنَ له، ثُمَّ مر عليه بعدُ فضربه بالدِّرَّة، ثُمَّ قَالَ لَهُ: بُكْرة وعَشِيَّة [3] ! عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ تَمِيمًا اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِي الْقَصَصِ سِنِينَ، وَيَأْبَى عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَآمُرُهُمْ بِالْخَيْرِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ، قَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ الذَّبْحُ، ثُمَّ قَالَ: عِظْ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ لِلْجُمُعَةِ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ اسْتَزَادَهُ فَزَادَهُ يَوْمًا آخَرَ [4] .
وقال عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، أنّ تميمًا الدّاريّ استأذن عُمَر فِي القصص، فقال له: على مثل الذَّبح، قَالَ: إنّي أرجو العاقبة، فأذِنَ له.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبْرَةَ قَالَ: رَأَى عُمَرُ تميما
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 360، صفة الصفوة 1/ 738.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 360.
[3] انظر تهذيب تاريخ دمشق 3/ 360.
[4] تهذيب تاريخ دمشق 3/ 360، وانظر المعجم الكبير للطبراني 2/ 49، 50 رقم 1249، وفي تاريخ أبي زرعة (1915) من طريق حيوة بن شريح، عن بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أنه لم يكن يقص عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ولا أبي بكر، وكان أَوَّلُ مَنْ قَصَّ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بن الخطاب أن يقصّ على الناس قائما، فأذن له عمر، رحمة الله عليه.

(3/616)


الدَّارِيَّ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ، فَضَرَبَهُ بِدِرَّتِهِ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ تَمِيمٌ: يَا عُمَرُ تَضْرِبُنِي عَلَى صَلاةٍ صَلَّيْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ [1] ! قَالَ: يَا تَمِيمُ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْلَمُ مَا تَعْلَمُ [2] . خَالِدُ بْنُ إِيَاسٍ، وَهُوَ وَاهٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ الْمَسْجِدَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ [3] .
قيل: وُجِدَ على نصيبة قبر تميم أنّه مات سنة أربعين.
(الْحَارِث بْن خَزَمَة)
[4] بْن عَدِيّ أَبُو بشير الْأَنْصَارِيّ الأشهليّ. شهِدَ بدْرًا والمشاهد كلها. وهو من حلفاء بني عَبْد الأشهل. تُوُفيّ بالمدينة سنة أربعين وله سبعٌ وستّون سنة.
وخَزَمة بفَتْحَتَيْن. قيّده ابن ماكولا [5] .
(خارجة بْن حُذافة)
[6] د ت ق- بْن غانم. قال ابن ماكولا: له
__________
[1] لعلّ هذا كان قبل النّهي.
[2] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 58، 59 رقم (1281) من طريق: مطلب بن شعيب الأزدي، عن عبد الله بن صالح، عن الَّليْث، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، وهو سند ضعيف لضعف عبد الله بن صالح.
[3] في المساجد (760) ، وأخرجه الطبراني 2/ 49 رقم (1247) من حديث أبي هريرة. وفي سنده عندهما خالد بن إياس. متّفق على ضعفه.
[4] في النسخ (خزيمة) والتصويب من السياق ومن (تبصير المنتبه 1/ 436) والمشتبه في الرجال للمؤلف 1/ 232.
وانظر ترجمته في المغازي للواقدي 24 و 158 و 405 و 432، و 534 و 1010، طبقات ابن سعد 3/ 447، طبقات خليفة 99، المحبّر لابن حبيب 74، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 131 رقم 563، أنساب الأشراف 1/ 242، المعجم الكبير 3/ 312 رقم 298، الإستيعاب 1/ 293، 294، الكامل في التاريخ 3/ 403، أسد الغابة 1/ 226، 227، الوافي بالوفيات 11/ 244 رقم 352 (وفيه: بسكون الزاي) ، وتعجيل المنفعة لابن حجر 76 رقم 157، الإصابة 1/ 277 رقم 399، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوطة دار الكتب) ورقة 90.
[5] في الإكمال 2/ 445.
[6] نسب قريش 374، 375، طبقات ابن سعد 7/ 496، طبقات خليفة 23 و 291، المحبّر

(3/617)


صُحْبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المَدد الذين أمدَّ بهم عُمَر بْن الخطاب عَمْرو بْن العاص، وكان على شُرْطة مصر فِي خلافة عُمَر، وَفِي خلافة مُعَاوِيَة، قتله عَمْرو بْن بُكَيْر الخارجيّ بمصر، وهو يعتقد أنه عُمَرو بْن العاص [1] .
روى عَنْهُ عَبْد الله بْن أبي مُرَّة حديثًا.
خَوّات بْن جُبَيْر [2] م
ابنُ النُّعمان الْأَنْصَارِيّ. شهِدَ بدْرًا والمشاهد بعدها.
__________
[ () ] لابن حبيب 294، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 115 رقم 409، أنساب الاشراف 1/ 66، فتوح البلدان 114 و 116، تاريخ الطبري 3/ 122 و 242، مشاهير علماء الأمصار 56 رقم 383، الولاة والقضاة 10 و 15 و 31 و 33، الخراج وصناعة الكتابة 338 و 340، الاستيعاب 1/ 420، 421، جمهرة أنساب العرب 135 و 156، المعجم الكبير 4/ 237، 238 رقم 388، أسد الغابة 2/ 71، الكامل في التاريخ 2/ 290، تحفة الأشراف 3/ 86، 87 رقم 120، تهذيب الكمال 1/ 348، المعين في طبقات المحدّثين 20 رقم 31، الكاشف 1/ 200 رقم 1308، مرآة الجنان 1/ 113، الوافي بالوفيات 13/ 239 رقم 288، التاريخ الكبير 2/ 303 رقم 695، الجرح والتعديل 3/ 373 رقم 1700، مروج الذهب 2/ 417، الإصابة 1/ 399 رقم 2132، تهذيب التهذيب 3/ 74 رقم 142، تقريب التهذيب 1/ 210 رقم 2، حسن المحاضرة 1/ 193، شذرات الذهب 1/ 49.
[1] ابن سعد 7/ 496، الولاة والقضاة، 32.
[2] المغازي للواقدي 101 و 131 و 160 و 232 و 284 و 303 و 459- 461 و 554، تهذيب سيرة ابن هشام 191، طبقات ابن سعد 3/ 477، 478، التاريخ الكبير 3/ 216، 217 رقم 736، المعارف 159 و 327، أنساب الأشراف 1/ 241 و 289 و 317 و 331، الجرح والتعديل 3/ 392 رقم 1799، تاريخ الطبري 2/ 478 و 509 و 571، مشاهير علماء الأمصار 18 رقم 68، المعجم الكبير 4/ 240، 241 رقم 392، الاستيعاب 1/ 442- 448، ثمار القلوب للثعالبي 141 و 293، ربيع الأبرار 4/ 333، فتوح البلدان 12، الاستبصار 323، 324، البدء والتاريخ 5/ 119، المستدرك 3/ 412، 413، جمهرة أنساب العرب 336، المرصّع لابن الأثير 334 و 339، أسد الغابة 2/ 125، 126، الكامل في التاريخ 2/ 137 و 152 و 3/ 403، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 178، 179 رقم 150، تهذيب الكمال 6/ 381، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوطة دار الكتب) 1/ ورقة 280، مرآة الجنان 1/ 107، الوافي بالوفيات 13/ 425- 427 رقم 515، الاشتقاق لابن دريد 442، الأغاني 14/ 316- 318 و 3/ 271، تجريد أسماء الصحابة 1/ 163 رقم 1690، تهذيب التهذيب

(3/618)


(فائدة) لم يشهد خوّات بْن جُبَيْر بدرًا. قال عَبْد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وغيره: أصابه فِي ساقة حجر بالصَّفراء، فرجع فضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه [1] .
يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنْبَأَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ، عَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا مَعَ عُمَرَ، فَسِرْنَا فِي رَكْبٍ، فِيهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ الْقَوْمُ:
غَنِّنَا [2] فَقَالَ، عُمَرُ: دَعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَلْيُغَنِّ مِنْ شِعْرِهِ، فَمَا زِلْتُ أُغَنِّيهِمْ حَتَّى كَانَ السَّحَرُ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعْ لِسَانَكَ يَا خَوَّاتُ، فَقَدْ أَسْحَرْنَا [3] .
وكان أحد الأبطال المشهورين. له أحاديث.
روى عَنْهُ عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء بْن يسار [4] وابنه صالح بْن خوّات، وبُسْر بْن سَعِيد.
روى له الْبُخَارِيّ فِي كتاب «الأدب» ، خارج الصّحيح.
وقيل: هُوَ صاحب ذات النّحيين [5] .
__________
[3] / 171 رقم 323، تقريب التهذيب 1/ 229 رقم 170، الإصابة 1/ 457، 458 رقم 2298، تلخيص المستدرك 3/ 412، 413، معجم رجال الطوسي 40، العبر 1/ 46، سير أعلام النبلاء 2/ 329- 330، رقم 64، مجمع الزوائد 9/ 401، خلاصة تذهيب التهذيب 108، شذرات الذهب 1/ 48.
[1] طبقات ابن سعد 3/ 477.
[2] قال ابن حجر في الإصابة 1/ 457: فقال القوم: غنّنا من شعر ضرار. فقال عمر أدعوا أبا عبد الله فليغنّ من بنيّات فؤاده.
[3] الاستيعاب 1/ 447، 448، الإصابة 1/ 457، الوافي بالوفيات 13/ 427.
[4] في ح (سيار) والتصويب من تقريب التهذيب، ع.
[5] ذات النّحيين: اسم امرأة تسمّى هداية أو هزليّة. جرى بها المثل في الشغل والشحّ، فقيل:
أشغل من ذات النحيين، ومن حديثها أنّ خوّات بين جبير الأنصاري في الجاهلية حضر سوق عكاظ، فانتهى إلى هذه المرأة وهي تبيع السمن، فأخذ نحيا من أنحائها، ففتحه ثم ذاقه ودفع النّحي في إحدى يديها، ثم فتح، نحيا آخر ودفع فمه في يدها الأخرى، ثم كشف ذيلها

(3/619)


قَالَ زَيْدُ بْن أسلم: قَالَ خوّات نزلنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّ الظّهران، فإذا بنسوة يتحدّثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حُلَّة لي فلبستُها، وجئت فجلست معهنَّ، وخرج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قُبّته فقال: «أَبَا عَبْد الله مَا يُجْلِسُكَ مَعَهُنّ؟» وذكر الحديث [1] .
تُوُفيّ خوّات بْن جُبَيْر بْن النُّعمان سنة أربعين. وقيل سنة اثنتين وأربعين، بعد أن كُفّ بصره. روى له «الْبُخَارِيّ» فِي «الأدب» موقوفًا «النَّوم أوّل النّهار خرْقٌ، وأوسطه خلْق، وآخره حُمْقٌ» [2] .
(شرحبيل بن السّمط)
[3] م 4 [4] بن الأسود الكندي، أبو يزيد، ويقال
__________
[ () ] وواقعها، وهي غير ممانعته لحفظ فم النّحيين، ولم تدفعه خوفا على السمن، حتى قضى حاجته، فضربت العرب بها المثل فقالوا: أنكح وأغلم من خوّات، وأشغل وأشحّ من ذات النّحيين.
والنّحي: زقّ السمن.
انظر: مجمع الأمثال للميداني 1/ 376، ثمار القلوب 293، المرصّع 334، 335 و 339، جمهرة الأمثال 2/ 322، الاستيعاب 1/ 446، الإصابة 1/ 457، 458، أسد الغابة 2/ 125.
[1] انظر الإصابة 1/ 457 وفيه: رواه البغوي والطبراني من طريق جرير بن حازم، عن زيد بن أسلم، وانظر التاريخ الكبير 3/ 217، وأسد الغابة 2/ 126.
[2] ربيع الأبرار للزمخشري 4/ 333.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 445، طبقات خليفة 307، التاريخ الكبير 4/ 248، 249 رقم 2691، الأخبار الطوال 121 و 122 و 159 و 160 و 170 و 171، المعرفة والتاريخ 2/ 311، 312، فتوح البلدان 163 و 172، تاريخ الطبري 3/ 334 و 488 و 515 و 530 و 565 و 567 و 570 و 579 و 619 و 620 و 4/ 9 و 574 و 5/ 7 و 98، الجرح والتعديل 4/ 338 رقم 1484، مشاهير علماء الأمصار 51 رقم 336، جمهرة أنساب العرب 426، الاستيعاب 2/ 141- 143، العقد الفريد 1/ 297 و 298، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 299- 301، التذكرة الحمدونية 2/ 286، 287، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 218، أسد الغابة 2/ 391، 392، الكامل في التاريخ 2/ 380 و 452 و 482 و 498 و 501 و 506 و 3/ 277 و 278 و 287 و 291 و 354 و 403، تهذيب الكمال 2/ 576، الكاشف 2/ 7 رقم 2279، الوافي بالوفيات 16/ 128، 129 رقم 147، تهذيب التهذيب 4/ 322، 323 رقم 554، تقريب التهذيب 1/ 348 رقم 41، الإصابة 2/ 143 رقم 3870.
[4] الرموز في هذه الترجمة وما بعدها ساقطة من النسخ، والاستدراك من تقريب التهذيب.

(3/620)


أَبُو السِّمط. له صُحْبة ورواية. وروى أيضًا عن عُمَر، وسلمان الفارسي.
وعنه جُبَيْر بْن نفير، وكُثَيّر بْن مُرّة، وجماعة.
قَالَ الْبُخَارِيّ [1] : كان على حمص، وهو الَّذِي افتتحها. وكان فارسا بطلًا شجاعًا، قيل: إنّه شهِدَ القادسية [2] . وكان قد غلب الأشعث بْن قَيْس على شَرَف كِنْدة [3] . واستقدمه مُعَاوِيَة قبل صِفِّين يستشيره.
وقد قَالَ الشَّعْبِيّ: إنّ عُمَر استعمل شُرَحْبيل بْن السِّمْط على المدائن، واستعمل أَبَاهُ بالشام، فكتب إِلَى عُمَر: إنك تأمر أن لَا يفرَّق بين السبايا وأولادهنّ، فإنّك قد فرقت بيني وبين ابني، قَالَ: فألْحَقَه بابنه [4] .
قَالَ يزيد بن عَبْد ربّه الحمصيّ: تُوُفيّ شُرَحْبيل سنة أربعين [5] .
عليّ بْن أبي طَالِب ع
عَبْد مناف بن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف. أمير المؤمنين أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ الهاشمي، وأمُّه فاطمة بِنْت أسد بْن هاشم بْن عَبْد مناف الهاشمية، وهي بِنْت عم أبي طَالِب، كَانَتْ من المهاجرات، تُوُفيّت فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة.
قَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: قُلْتُ لأُمِّي اكْفِي فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِقَايَةَ الْمَاءِ وَالذَّهَابَ فِي الْحَاجَةِ، وَتَكْفِيكِ هِيَ الطَّحْنَ وَالْعَجْنَ [6] ، وَهَذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ.
__________
[1] في التاريخ الكبير 4/ 248، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 299 و 300.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 6/ 301.
[3] تهذيب تاريخ دمشق 6/ 300.
[4] تهذيب تاريخ دمشق 6/ 301.
[5] اختلف في تاريخ وفاته، فقال احمد بن محمد بن عيسى البغدادي: توفي بسلمية سنة ست وثلاثين، بلغني انه هاجر الى المدينة زمن عمر بن الخطاب، وهذا وهم، والصحيح ما قاله ابو نعيم الحافظ من أنه توفي سنة ثلاث وستين. ويقال: إنه مات سنة أربعين. انظر: تهذيب تاريخ دمشق 6/ 300.
[6] رواه ابن الأثير في أسد الغابة 5/ 517 عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البختري،

(3/621)


روى الكثير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعُرِض عليه القرآن وأقرأه.
عرض عليه أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمّي، وأبو الأسود الدُّؤليّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي ليلى.
وروى عن عليّ: أَبُو بَكْر، وعمر، وبنوه الْحَسَن والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمّه ابن عَبَّاس، وابن الزُّبَيْر، وطائفة من الصحابة، وقيس بْن أبي حازم، وعلقمة بْن قَيْس، وعبيدة [1] السَّلْمَانيّ، ومسروق، وأبو رجاء العُطَارديّ، وخلق كثير.
وكان من السابقين الأوّلين، شهِدَ بدْرًا وما بعدها، وكان يُكنَى أَبَا تُراب أيضًا.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ [2] ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ آلِ مَرْوَانَ اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَدَعَانِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتِمَ عَلِيًّا فَأَبَيْتُ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا أَتَيْتَ فَالْعَنْ أَبَا تُرَابٍ، فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ، إِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ؟ فَقَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاظَنِي [3] ، فَخَرَجَ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدِي، فَقَالَ لِإِنْسَانٍ: «اذْهَبِ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ» . فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَاقِدٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قد سقط
__________
[ () ] باختلاف في الألفاظ، والبلاذري (في ترجمة الإمام علي) - ص 37، 38 من طريق مظفر بن مرجا، عن إبراهيم الفروي، عن أبي معاوية الضرير، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ.
والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 256 بسندين عن الطبراني، وقال: ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح.
[1] بفتح العين. وفي نسخة دار الكتب «عبيد» وهو تحريف.
[2] هو سهل بن سعد.
[3] في رواية مسلم «فغاضبني» .

(3/622)


رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، فَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح عنه التُّرَابَ وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1] . وقال أَبُو رجاء العُطارِدِيّ: رَأَيْت عليًّا شيخًا أصلع كثير الشعر، كأنْما اجتاب [2] إهابَ شاةٍ [3] ، رَبْعَةً عظيم البطن، عظيم اللِّحْية.
وقال سوادة بْن حَنْظَلة: رَأَيْت عليًّا أصفر اللّحية [4] .
وعن مُحَمَّد بْن الحنفية قَالَ: اختضب عليٌّ بالحناء مرّة ثُمَّ تركه [5] .
[وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: رَأَيْت عليًّا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنّهما [6] قطن [7]] [8] .
__________
[1] في فضائل الصحابة (2409) باب من فضائل عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، والبخاري في المناقب 4/ 208 باب مناقب علي بن أبي طالب، وأنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي- ص 90 رقم 3) ، وتاريخ دمشق (ترجمة الإمام علي) رقم 30- 33، ومعرفة علوم الحديث للحاكم 261، وكنز العمال 15/ 93، ومناقب أمير المؤمنين علي لابن المغازلي 22 و 23 رقم 6 و 7، وابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 54، 55.
[2] أي لبس. وفي رواية الطبراني «كأن بجانبه» .
[3] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 95 رقم 161 من طريق يوسف بن حماد المعني، عن وهيب بن جرير، عن أبيه، عن أبي رجاء العطاردي. وابن سعد في الطبقات 3/ 26، أنساب الاشراف 118.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 26 من طريق الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، عن أبي هلال، قال: حدّثني سوادة بن حنظلة القشيري، والبلاذري (ترجمة علي) ص 117.
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 26 من طريق عبد الله بن نمير، وأسباط بن محمد، عن إسماعيل بن سليمان الأزرق، عن أبي عمر البزّاز، عن محمد بن الحنفية. وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 308.
[6] في طبعة القدسي 3/ 378 «كأنها» والتصويب من طبقات ابن سعد.
[7] أخرجه ابن سعد 3/ 27 من طريق إسرائيل، عن جابر بن عامر قال: رأيت عليّا.
[8] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب، والاستدراك من النسخة (ع) ، ومنتقى ابن الملا، ومنتقى الأحمدية.

(3/623)


وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: رَأَيْت عليًّا أبيض اللحية، مَا رَأَيْت أعظم لحيةً منه، وَفِي رأسه زغبات [1] .
وقال أَبُو إِسْحَاق: رَأَيْته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع [2] ، ضخْم البطْن، أبيض الرأس واللحية [3] .
وعن أبي جَعْفَر الباقر قَالَ: كان عليّ آدمَ، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمَهُما، وهو إِلَى القِصَر أقرب [4] . قال عروة: أسلم عليٌّ وهو ابن ثمانٍ [5] .
وقال الْحَسَن بْن زَيْدُ بْن الْحَسَن: أسلم وهو ابن تسع [6] .
وقال المُغِيرَة: أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عَنْهُ. وثبت عن ابن عَبَّاس قَالَ: أول من أسلم عليّ [7] .
وعن مُحَمَّد القُرَظِيّ قَالَ: أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ، وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 94 رقم 157 من طريق عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري، عن أبي صالح الحراني، عن وكيع، عَنْ إسماعيل بْن أَبِي خَالِد، عَنْ الشعبي.
والزغبات: الشعرات الخفيفة. وانظر ابن سعد 3/ 25.
[2] الأنزع: الّذي ينحسر شعر مقدّم رأسه مما فوق الجبين.
[3] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 93 رقم 153 و 154 و 155، وابن سعد في الطبقات 3/ 25، والبلاذري 118.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 27 من طريق محمد بن عمر (الواقدي) ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ..
والاستيعاب 3/ 57 وفيه «أدعج العينين» وتاريخ الطبري 5/ 153، وذخائر العقبي 57، وصفة الصفوة 1/ 308، والمنتخب من ذيل المذيل 512، تاريخ بغداد 1/ 135.
[5] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 95 رقم 162 من طريق ابن لهيعة، والليث بن سعد، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير.
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 21 من طريق إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، عن الحسن بن زيد بن الحسن..
[7] الاستيعاب 3/ 31.

(3/624)


أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ من أظهر الْإِسْلَام، وكان عليّ يَكْتُمُ الْإِسْلَامَ فَرَقًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو طَالِب فقال: أسلمتَ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: وازِر ابن عمّك وَانْصُرْهُ، وأسلم عليّ قبل أبي بَكْر [1] .
وقال قَتَادَةَ إنّ عليًّا كان صاحب لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدْر، وَفِي كل مشهد [2] .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» . قَالَ عُمَرُ:
فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَدَعَا عَلِيًّا فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [3] ، [كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِطُرُقِهِ] [4] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ الله ابن أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أَبِي يَسْمُرُ [5] مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلَيٌّ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ فِي الشتاء، وثياب الشتاء في الصّيف، فقلت لأبي: لَوْ سَأَلْتَهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ» ، فَمَا وَجَدْتُ حرّا ولا بردا منذ يومئذ [6] .
__________
[1] الاستيعاب 3/ 29.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 23 من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة ... ، البلاذري في أنساب الاشراف 94 رقم 14.
[3] أخرجه البخاري في المغازي 5/ 76، 77 باب غزوة خيبر، وابن سعد في الطبقات 2/ 110 من طريق عفان بن مسلم، عن وهيب، عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، والبلاذري 93 رقم 11، والحاكم في المستدرك 3/ 109، وابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 36، وابن حجر في الإصابة 2/ 508 وأبو نعيم في الحلية 1/ 62.
[4] ما بين الحاصرتين مستدرك من منتقى الأحمدية، ومنتقى ابن الملّا، والنسخة (ع) .
[5] وفي رواية ابن المغازلي «يسير» .
[6] أخرجه ابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين علي ص 65، 66 رقم 110 من طريق محمد بن

(3/625)


وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوسَى: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَا رَمِدْتُ وَلا صَدَعْتُ مُنْذُ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهِي وَتَفَلَ فِي عَيْنِي [1] . وَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ، حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَفَتَحُوهَا يَعْنِي خَيْبَرَ، وَأَنَّهُمْ جَرُّوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَحْمِلْهُ إِلا أَرْبَعُونَ رَجُلا [2] . تَفَرَّدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْمُطَّلِبِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي «الْمَغَازِي» [3] : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنَ، خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا عِنْدَ الْحِصْنِ، فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ: حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَلْقَاهُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ، نَجْهَدُ أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ.
وَقَالَ غُنْدَرٌ: عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْبَرَاءِ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرُ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ» [4] . ميمون صدوق.
__________
[ () ] القاسم، عن أحمد بن إسحاق الوراق، عن عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عن أبي ليلى، وعن الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي ليلى. وابن ماجة في المقدمة (117) وأحمد في المسند 1/ 133.
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 78 و 99 و 133.
[2] انظر سيرة ابن هشام 4/ 42، 43، والمغازي للواقدي 2/ 655، وتاريخ الخلفاء 167.
[3] رواية ابن إسحاق لم ترد في كتابه المطبوع من «السير والمغازي» ، وهي باختصار في «المغازي» للواقدي 2/ 655 عن أبي رافع، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 167.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 24، 25.

(3/626)


وَقَالَ بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ [1] ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ سَعْدًا فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ؟ قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَلَنْ أَسُبَّهُ] [2] ، لِأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَخَلَّفَ عَلِيًّا في بعض مغازيه، فقال:
يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ! قَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:
صَحِيحٌ غَرِيبٌ [3] .
وَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ [4] .
وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ 3: 61 [5] ، دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاطِمَةَ، وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: «اللَّهمّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» [6] . بُكَيْرٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ [7] : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرِ بْنِ
__________
[1] في نسخة دار الكتب «مسبار» والتصويب من سنن الترمذي، وغيره.
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «جامع الأصول» لابن الأثير.
[3] أخرجه الترمذي في المناقب (3808) وفيه زيادة، وأخرجه ابن سعد 3/ 24، 25 وأبو الحسين الكلابي في «المسند» وهو ملحق بكتاب «مناقب أمير المؤمنين علي» لابن المغازلي- ص 276 رقم 29 و 30، وانظر: معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي- ص 240، 241 رقم 196 (بتحقيقنا) - الحاشية رقم (5) ، وجامع الأصول 8/ 649، ومسلم في فضائل الصحابة (2404/ 33) ، باب من فضائل علي بن أبي طالب.
[4] أخرجه البخاري في المغازي 5/ 76، 77 باب غزوة خيبر، ومسلم في فضائل الصحابة (2404) / 33) و 2405 و 2406 باب من فضائل علي بن أبي طالب، والترمذي في المناقب (3808) ، وابن سعد في الطبقات 2/ 110 عن طريق: عفان بن مسلم، عن وهيب، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، والحاكم في المستدرك 3/ 109 وأبو نعيم في الحلية 1/ 62، وابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 36، والبلاذري في أنساب الأشراف 93 رقم 11، وابن حجر في الإصابة 2/ 508، وأحمد في المسند 1/ 99.
[5] سورة آل عمران، الآية 61.
[6] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2404/ 33) ، والترمذي في المناقب (3808) .
[7] في النسخة (ع) «الخزامي» وهو تصحيف.

(3/627)


مِسْمَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ أَشْهَدُ لَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ [1] ، وَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ مَوْلَاكُمْ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» [2] الْحَدِيثَ.
إِبْرَاهِيمُ هَذَا، قَالَ النَّسَائِيُّ [3] : ضَعِيفٌ.
ويُرْوَى عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَابنته فاطمة: «قد زَوَّجْتُكِ أعظَمَهُمْ حِلْمًا، وأقدَمَهُمْ سِلْمًا، وأكثرهم علما [4] » وروى نحوه جابر الجعفيّ- وهو متروك [5]- عن ابن بريدة [6] عن أَبِيهِ. وَقَالَ الْأَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ لَا تَقَعَنَّ [7] فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بعدي» [8] .
__________
[1] غدير خمّ: بين مكة والمدينة عند الجحفة.
[2] أخرجه ابن ماجة في المقدّمة (116) من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عديّ بن ثابت، عن البراء بن عازب، وأحمد في المسند 1/ 118 و 119 و 152 و 4/ 281 و 368 و 370 و 372 و 373 و 5/ 370 بأسانيد مختلفة، وابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين علي- ص 31 رقم 23 و 26 و 27.
[3] في الضعفاء والمتروكين 283 رقم (8) .
[4] أخرجه أحمد في المسند 5/ 26 من طريق خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار.. في حديث طويل، ولفظه: «أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أمّتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما» . وأخرجه عبد الرزاق في «المصنّف» 5/ 490 رقم (9783) ، والبلاذري 104 رقم 39.
[5] هو جابر بن يزيد الجعفي. تركه يحيى بن سعيد، واتّهم بالكذب. الضعفاء الصغير للبخاريّ 255 رقم (49) .
[6] في النسخة (ع) «أبي بريدة» والمثبت من نسخة دار الكتب أو غيره.
[7] في نسخة دار الكتب «لا تقض» والمثبت من «مجمع الزوائد» وبقيّة النسخ.
[8] أخرجه الترمذي في المناقب (3796) من حديث طويل من طريق يزيد الرشك، عن مطرّف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، والهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 128 وقال: رواه الترمذي

(3/628)


وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ» [1] . وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ [2] » . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو الْجَوَّابِ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَنَّبَتَيْنِ [3] عَلَى إِحْدَاهُمَا عَلِيٌّ، وَعَلَى الْآخِرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَقَالَ: «إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ» ، فَافْتَتَحَ عَلِيٌّ حِصْنًا، فَأَخَذَ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَكَتَبَ خَالِدٌ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ قَالَ: «مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» قُلْتُ:
أَعُوذُ باللَّه مِنْ غَضَبِ اللَّهِ. أَبُو الْجَوَّابِ ثِقَةٌ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [4] ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حسن.
__________
[ () ] باختصار. رواه احمد والبزّار باختصار وفيه الأجلح الكندي، وثقه ابن معين وغيره، وضعّفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
[1] أخرجه ابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) 31 رقم 25 من طريق الباغندي، عن وهبان، عن خالد بن عبد الله، عن الحسن بن عبد الله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم، و 32، 33- رقم 28 بالسند الّذي أورده المؤلّف، و 35 رقم 35 بالسند نفسه.
[2] أخرجه الترمذي في المناقب (3797) ، وابن ماجة في المقدّمة (121) من طريق: موسى بن مسلم، عن ابن سابط عبد الرحمن، عن سعد بن أبي وقاص، وأحمد في المسند 1/ 84 و 118 و 119 و 152 و 331 و 4/ 281 و 268 و 270 و 272 و 5/ 347 و 366 و 419، والحاكم في المستدرك 3/ 110 من حديث بريدة. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.
[3] مجنّبة الجيش: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنّبتان- بكسر النّون- وقيل: هي الكتيبة التي تأخذ إحدى ناحيتي الطريق، (النهاية) . وفي منتقى الأحمدية، ع (جيشين) عوض (مجنّبتين) وهو تحريف.
[4] في المناقب (3809) .

(3/629)


قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكُمُ الْفَتْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ. (ح) .
وأخبرنا يحيى بن أبي مَنْصُورٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةٌ [1] قَالُوا: أَنَا أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَلَاجِلِيِّ قَالَا: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاسِبُ، أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ، ثنا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَرَّاحِ إِمْلَاءً سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، لَا يُؤَدِّي [2] عَنِّي إلّا أنا أو هو» . رواه ابْنُ مَاجَه [3] عَنْ سُوَيْدٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ [4] غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَدِّهِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْخَصَائِصِ [5] . وَقَالَ جعفر بن سليمان الضّبعيّ: ثنا يزيد الرِّشْكِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَزْوًا، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا رِحَالَهُمْ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَسِيرِهِمْ، فَأَصَابَ عَلِيٌّ جَارِيَةً فَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنُخْبِرَنَّهُ، قَالَ: فَقَدِمَتِ السَّرِيَّةُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ بِمَسِيرِهِمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَصَابَ عَلِيٌّ جَارِيَةً، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ: صَنَعَ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْرَضَ
__________
[1] «إجازة» مستدركة من النسخة (ع) ، ومنتقى الأحمدية.
[2] في نسخة دار الكتب مهملة من النقط، والتصويب من سنن الترمذي.
[3] في المقدّمة (119) .
[4] الترمذي في المناقب (3803) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وانظر: معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) 278 رقم 235.
[5] ص 61 رقم (23) .

(3/630)


عنه، ثمّ الثالث كذلك، ثُمَّ الرَّابِعُ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ: «مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي «الْمُسْنَدِ» [1] وَالتِّرْمِذِيُّ [2] ، وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اشْتَكَى النَّاسُ عَلِيًّا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا خطيبا، فقال: «لا تشكوا عليّا، فو الله إِنَّهُ لَأُخَيْشَنٌ [3] فِي ذَاتِ اللَّهِ- أَوْ فِي سبيل الله» [4] . رواه سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ عَمِّهِ سُلَيْمَانُ بْنُ محمد أبو كَعْبٍ، عَنْ عَمَّتِهِمَا. وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي» [5] . وَقَالَ فِطْرُ [6] بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: جَمَعَ عَلِيٌّ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَنْشُدُ اللَّهَ كُلَّ امْرِئٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِعَ لَمَّا قَامَ، فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَ بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ؟ قَالُوا:
نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» [7] ثُمَّ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ.
__________
[1] 1/ 331 و 4/ 438 و 5/ 356، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 110، 111.
[2] في المناقب (3796) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان.
[3] أخيشن: تصغير الأخشن للخشن. على ما في النهاية لابن الأثير. وفي نسخة دار الكتب «لأخشن» ، والمثبت من نسخة (ع) ، ومنتقى الأحمدية.
[4] أخرجه أحمد في المسند 3/ 86، وأبو نعيم في الحلية 1/ 68، والحاكم 3/ 134.
[5] أخرجه أحمد في المسند 3/ 483.
[6] في نسخة دار الكتب «مطر» ، والمثبت من النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية، وتقريب التهذيب 2/ 114.
[7] مرّ تخريج هذا الحديث في الصفحة 618 حاشية رقم (2) .

(3/631)


قَالَ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سُرَيْحَةَ [1]- أَوْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، شَكَّ شُعْبَةُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «من كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» . حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ [2] وَلَمْ يصحّحه لأنّ شعبة رواه عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَ شُعْبَةَ من طريقين، والأوّل رواه بُنْدَارٌ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» [3] .
وروى نحوه يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي ليلى، أنّه سمع عليًّا يَنْشُدُ النّاس فِي الرَّحبة. وروى نحوه عَبْد الله بْن أَحْمَد فِي مسند أَبِيهِ، من حديث سِمَاك بْن عُبَيْد، عن ابن أبي ليلى، وله طُرُق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر [4] فِي ترجمة عليّ يصدّق بعضها بعضًا. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هَارُونَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: (الصَّلاةُ جَامِعَةٌ) ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بكلّ مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى، فقال [5] :
«فَإِنَّ هَذَا مَوْلَى مَنْ أَنَا مَوْلاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . فَلَقِيَهُ عمر بن
__________
[1] في منتقى أحمد الثالث «ابن سريحة» ، والمثبت من نسخة دار الكتب، وتقريب التهذيب.
[2] في المناقب (3797) . وأبو سريحة هو: حذيفة بن أسيد صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلّم.
[3] انظر الحاشية رقم (1) من هذه الصفحة.
[4] انظر ترجمة الإمام علي المستخرجة من تاريخ دمشق لابن عساكر، بتحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي- الحديث رقم (248) وما بعده.
[5] في طبعة القدسي 3/ 384 «فقالوا» وهو وهم.

(3/632)


الْخَطَّابِ فَقَالَ: هَنِيئًا لَكَ يَا عَلِيُّ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ [1] .
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ الْقَارِيِّ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَارٌ، فَقَسَّمَهَا، وَتَرَكَ طَيْرًا فَقَالَ: «اللَّهمّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ [يَأْكُلُ مَعِي] [2] » فَجَاءَ عَلِيٌّ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الطَّيْرِ [3] . وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَنَسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهَا، وَبَعْضُهَا عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ، مَنْ أَجْوَدِهَا حَدِيثُ قَطَنِ بْنِ نُسَيْرٍ [4] شَيْخِ مُسْلِمٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَلٌ مَشْوِيٌّ فَقَالَ:
«اللَّهُمّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [5] .
وَقَالَ جَعْفَرُ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ، وَمِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [6] وَقَالَ: حسن غريب.
__________
[1] أخرجه ابن ماجة في المقدّمة (116) ، وليس فيه قول عمر رضي الله عنه، وأحمد في المسند 4/ 281 وفيه الحديث بنصّه كاملا.
[2] ما بين الحاصرتين مستدرك من سنن الترمذي.
[3] أخرجه الترمذي في المناقب (3805) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث السدّي إلّا من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس. والسّدّي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن، وقد أدرك أنس بن مالك ورأى الحسين بن عليّ.
[4] في نسخة دار الكتب ومنتقى الأحمدية «بشير» ، والتصحيح من تقريب التهذيب 2/ 126.
[5] رواه ابن المغازلي، رقم 205، وانظر أنساب الأشراف 142- 144 الحاشية رقم (4) ، والحاكم في المستدرك 3/ 130، 131.
[6] في المناقب (3960) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها. وقال: قال إبراهيم (بن سعيد الجوهري) : يعني من أهل بيته. هذا حديث حسن غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

(3/633)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لِي: أَيُسَبُّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ قَالَتْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «من سبّ عليا فقد سبّني» . رواه أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» [1] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2] ، وَالتِّرْمِذِيُّ [3] وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ بِبُغْضِهِمْ عليّا [4] .
وقال أبو الزّبير، عن جابر قال: ما كنّا نعرف منافقي هذه الأمّة إلّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا [5] .
قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ- أَحَدُ الْضُّعَفَاءِ- ثنا أَبُو حَيَّانَ [6] التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، زوّجني
__________
[1] 6/ 323، والترمذي في المناقب (3801) من طريق المساور الحميري، عن أمّه. والحاكم في المستدرك 3/ 121.
[2] في الإيمان رقم (78) باب الدليل على أنّ حب الأنصار وعليّ رضي الله عنهم من الإيمان.
[3] في المناقب (3737) ، والنسائي في الإيمان 8/ 117 باب علامة المنافق، وابن ماجة في المقدّمة (114) ، وابن المغازلي- ص 137 رقم (225) و (226) ، والبلاذري في أنساب الأشراف- ص 97 رقم (20) ، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) - ص 237 رقم (192) ، وترجمة الإمام علي المستخرجة من تاريخ دمشق 2/ 190 وما بعدها، وانظر التخريجات التي ذكرها الشيخ محمد باقر المحمودي في تحقيقه، ومسند أحمد 1/ 84 و 95
[4] أخرجه الترمذي في المناقب (3800) من طريق جعفر بن سليمان، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدريّ. وقال: هذا حديث غريب. وقد تكلّم شعبة في أبي هارون العبديّ، وقد روي هذا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سعيد.
[5] الاستيعاب 3/ 46، 47.
[6] في النسخ «أبو عثمان» ، والتصويب من سنن الترمذي.

(3/634)


ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا. رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَإِنْ كَانَ مرا، تركه الحق وما له من صديق. رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ، تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ. رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهمّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ [1] وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا من هذا الوجه.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يَهْلِكَ فِيَّ رَجُلانِ، مُبْغِضٌ مُفْتَرٍ، وَمُحِبٌّ مُطْرٍ [2] . وَقَالَ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ [3] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيٌّ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ قَالَ:
«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَهَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ» [4] . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ مِثْلُهُ، عَنْ عَائِشَةَ. وَهُوَ غَرِيبٌ.
قال أَبُو الجحّاف، عن جُمَيِّع بْن عمير التَّيْميّ قَالَ: دخلت مع عمّتي على عَائِشَةَ، فسُئلَتْ: أيُّ النّاس كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت:
فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، إنْ كان مَا علِمْتُ صوّامًا قوّامًا. أخرجه الترمذي [5] وقال: حسن غريب.
__________
[1] في المناقب (3798) .
[2] الاستيعاب 3/ 37 وانظر نهج البلاغة 3/ 306، وشرح النهج لابن أبي الحديد 1/ 372، ونهاية الأرب للنويري 20/ 5.
[3] في نسخة دار الكتب «أبي بشير» ، والتصويب من منتقى الأحمدية، والنسخة (ع) وتهذيب التهذيب 11/ 116، والمناقب لابن المغازلي.
[4] المناقب لابن المغازلي 148 رقم (259) وانظر رقمي (257) و (258) ، والحاكم 3/ 124، وأبو نعيم في الحلية 1/ 63.
[5] في المناقب (3965) باب من فضل فاطمة رضي الله عنها. وأبو الجحّاف هو داود بن أبي عوف.

(3/635)


قلت: (جُمَيع) كذَّبه غير واحد [1] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَخِيلِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ عُمَرُ، فَبَشَّرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَجَعَلَ يَنْظُرُ مِنَ النَّخْلِ وَيَقُولُ: «اللَّهمّ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ عَلِيًّا» . فَطَلَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. حَدِيثٌ حَسَنٌ [2] .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اثْبُتْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» وَعَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ. وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْعَشْرَةِ [3] . وقال مُحَمَّد بْن كعب القُرَظي: قال عليّ: لقد رأيتني مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنّي لأرْبُطُ الحجر على بطني من الجوع، وإنّ صَدَقَة مالي لَتَبْلُغُ اليوم أربعين ألفا. رواه شريك، عن عاصم بْن كُلَيْب، عَنْهُ. أخرجه أحمد في «مسندة» [4] .
__________
[1] قال ابن حبّان: رافضيّ يضع الحديث. (المجروحين 1/ 218) ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث من عتق الشيعة. (الجرح والتعديل 2/ 532) وقال البخاري: فيه نظر (التاريخ الكبير 2/ 442) وانظر: الكامل لابن عدي، وميزان الاعتدال 1/ 421، والكشف الحثيث 128 رقم 201، وتقريب التهذيب 1/ 133، وديوان الضعفاء والمتروكين للمؤلف- ص 46- طبعة مكة 1387 هـ. وغيره.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 136 وهو صحيح الإسناد. ولم يخرجاه.
[3] فضائل الصحابة، لخيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي (مخطوطة الظاهرية) 3 (ورقة 105 أ) . نشرناها ضمن كتابنا «من حديث خيثمة- طبعة دار الكتاب العربيّ ببيروت 1400 هـ/ 1980 م. - ص 95، وانظر روايات أخرى للحديث في الحاشية رقم (14) من الكتاب.
[4] 1/ 159، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 85، 86 وأحمد في الزهد 166، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 123 وقال: رواه كله أحمد، ورجال الروايتين رجال الصحيح غير شريك بن عبد الله النخعي، وهو حسن الحديث، ولكن اختلف في سماع محمد بن كعب من علي.

(3/636)


وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قال عليّ: مَا كان لنا إلّا إهابُ كَبْشٍ ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني ننام على وجهٍ، وتعْجِنُ على وجه.
وَقَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِالْقَضَاءِ، فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ: اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدُ [1] . وَقَالَ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ:
مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ، وَفِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَشَيْءٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَدْ كَذَبَ. وَعَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَعَلَى مَنْ نَزَلَتْ، وَإِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولا، وَلِسَانًا نَاطِقًا [2] . وقال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبطأ عليّ عن بيعة أبي بَكْر، فلقيه أَبُو بَكْر فقال: أَكَرِهْتَ إمارتي؟! فقال: لَا، ولكن آليْتُ لَا أرتدي بردائي إلّا إِلَى الصلاة، حَتَّى أجمع القرآن، فزعموا أنّه كتبه على تنزيله [3] فقال مُحَمَّد: لو أصبتُ ذلك الكتاب كان فيه العلم [4] .
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 337، وأحمد في المسند 1/ 88 و 136 والحاكم في المستدرك 3/ 135 وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والنويري في نهاية الأرب 20/ 5.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 338، حلية الأولياء 1/ 67، 68.
[3] في نسخة دار الكتب «نزيله» .
[4] حلية الأولياء 1/ 67، طبقات ابن سعد 2/ 338، نهاية الأرب 20/ 8، 9، الاستيعاب 3/ 36، 37.

(3/637)


وقال سعيد بن المسيّب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: «سلوني» إلّا عليّ [1] . وقال ابن عَبَّاس: قَالَ عُمَر: عليّ أقضانا، وأُبَيّ أقْرؤنا [2] .
وقال ابن مَسْعُود: كنّا نتحدث أنّ أقضى أَهْل المدينة عليّ [3] .
وقال ابن المسيّب، عن عُمَر قَالَ: أعوذ باللَّه من مُعْضِلَةٍ ليس لها أَبُو حَسَن [4] .
وقال ابن عَبَّاس: إذا حَدَّثَنَا ثقةٌ بفُتيا عن عليّ لم نتجاوزها [5] .
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ كُلَيْبٍ، عَنْ جَسْرَةَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَتْ: مَنْ يَأْمُرُكُمْ بِصَوْمِهِ؟ قَالُوا: عَلِيٌّ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالسُّنَّةِ [6] .
وقال مسروق: انتهى علْم أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَر، وعليّ، وعبد الله [7] .
وقال مُحَمَّد بْن مَنْصُورٌ الطُّوسيّ: سمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول: مَا ورد لأحدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الفضائل ما ورد لعليّ [8] .
__________
[1] تاريخ الخلفاء للسيوطي 171، الاستيعاب 3/ 40 و 41.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 339، حلية الأولياء 1/ 65، نهاية الأرب 20/ 6، الاستيعاب 3/ 39 و 41.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 338، والمستدرك للحاكم 3/ 135 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، نهاية الأرب 20/ 6.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 339، تاريخ الخلفاء 171، الاستيعاب 3/ 39.
[5] في طبقات ابن سعد 2/ 338 «لا نعدوها» ، وتاريخ الخلفاء 171، الاستيعاب 3/ 40.
[6] تاريخ الخلفاء 171، الاستيعاب 3/ 40.
[7] تاريخ الخلفاء 171.
[8] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 107 ووافقه الذهبي في تلخيصه.

(3/638)


وقال أَبُو إِسْحَاق، عَنْ عُمَرو بْن مَيْمُونٍ قَالَ: شهدت عُمَر يوم طُعِن، فذكر قصّة الشُّورى، فلمّا خرجوا من عنده قال عُمَر: إن يولّوها الأصيلع [1] يسلك بهم الطَّريق المستقيم، فقال له ابنه عَبْد الله فَمَا يمنعك؟! - يعني أن تولّيه- قَالَ: أكره أن أتحمَّلها حيًّا وميتًا [2] .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو [3] ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي الإِمَارَةِ شَيْئًا، وَلَكِنْ رَأْيٌ [4] ، رَأَيْنَاهُ، فَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ وَاسْتَقَامَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَقَامَ وَاسْتَقَامَ، ثُمَّ ضَرَبَ الدَّيْنُ بِجِرَانِهِ [5] ، وَإِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا الدُّنْيَا، فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَ مِنْهُمْ عَذَّبَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْحَمَ رَحِمَ [6] . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا إِلا شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّ النَّاسُ وَقَعُوا فِي عُثْمَانَ فَقَتَلُوهُ، فَكَانَ غَيْرِي فِيهِ أَسْوَأَ حَالا وَفِعْلا مِنِّي، ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَحَقُّهُمْ بِهَذَا الأَمْرِ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ، فاللَّه أَعْلَمُ أَصَبْنَا أمُّ أَخْطَأْنَا. قَرَأتُ عَلَى أَبِي الْفَهْمِ بْنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بن عبد الباقي،
__________
[1] في النسخة (ع) ومنتقى الأحمدية «الأجيلح» ، والمثبت من الاستيعاب 3/ 64 وغيره.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 342 وفيه «الأجلح» .
[3] في نسخة دار الكتب «سعيد بن عمرة» ، وفي النسخة (ح) والمنتقى لابن الملّا «سعد بن عمرو» .
[4] «رأي» ساقطة من نسخة دار الكتب، والاستدراك من النسختين (ع) و (ح) ، ومنتقى الأحمدية، وابن الملا.
[5] الجران باطن العنق، يعني قرّ قراره واستقام، كما أنّ البعير إذا برك واستراح مدّ عنقه على الأرض.
[6] أخرجه أحمد في المسند 1/ 114 وقال: عن الأسود بن قيس، عن رجل، عن علي.

(3/639)


أَنْبَأَ مَالِكُ بْنُ أَحْمَدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ إِمْلاءً سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ [1] ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ قَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ فَقَالا لَهُ: أَلا تُخْبِرُنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا الَّذِي سِرْتَ فِيهِ، تَتَوَلَّى عَلَى الأُمَّةِ، تَضْرِبُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَعَهْدٌ من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَهُ إِلَيْكَ، فَحَدِّثْنَا فَأَنْتَ الْمَوْثُوقُ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا سَمِعْتَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَلا، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ أَوَّلَ مَنْ صَدَّقَ بِهِ، فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ، مَا تَرَكْتُ أَخَا بَنِي تَيْمِ [2] بْنِ مُرَّةَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُومَانِ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلَقَاتَلْتُهُمَا بِيَدِي، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلا بُرْدِي هَذَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقْتَلْ قَتْلا، وَلَمْ يَمُتْ فَجْأَةً، مَكَثَ فِي مَرَضِهِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ، يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، [ثُمَّ يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي] [3] ، وَلَقَدْ أَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَأَبَى وَغَضِبَ وَقَالَ: «أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي [4] بِالنَّاسِ» .
فلمّا قبض الله نبيه، نظرنا فِي أمورنا، فاخترنا لُدنيانا من رضيه نبيُّ الله لدِيننا. وكانت الصلاة أصل الْإِسْلَام، وهي أعظم الأمر [5] ، وقوام الدّين.
__________
[1] في نسخة الدار (عليّ بن الفضل بن خزيمة بن عبد الله) والتصحيح من منتقى الأحمدية، و (ع) و (ح) وتذكرة الحفّاظ 3/ 898 حيث سمّاه (أبو علي أَحْمَد بْن الفضل بْن الْعَبَّاس بْن خُزَيْمَة) .
[2] في نسخة الدار (تميم) ، والتصحيح من منتقى الأحمدية، ومنتقى ابن الملّا و (ح) ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي 177 وهو يعني أبا بكر الصّديق رضي الله عنه.
[3] ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب. وكذلك في تاريخ الخلفاء 177، والاستدراك من بقيّة النسخ.
[4] في طبعة القدسي 3/ 390 «يصل» .
[5] في تاريخ الخلفاء 177 «وهي أمير الدين» .

(3/640)


فبايعنا أَبَا بَكْر، وكان لذلك أهلًا، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعضٍ، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيتُ إِلَى أبي بَكْر حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسَوْطي، فلمّا قُبِض، ولّاها [1] عُمَر، فأخذ بسُنَّة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعْنا عُمَر، لم يختلف عليه مِنَّا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع البراءة منه. فأدّيت إلى عمر حقّه، وعرفت طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسَوْطي.
فَلَمَّا قُبِض تذكَّرت فِي نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لَا يَعْدِلَ بي، ولكنْ خشي أن لَا يعمل الخليفة بعده ذَنْبًا إلّا لحِقَه فِي قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كَانَتْ محاباةً منه لآثر بها ولده فبرئ منها إِلَى رهطِ من قريش ستّة، أَنَا أحدهم.
فَلَمَّا اجتمع الرهط تذكَّرت فِي نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لَا يَعْدِلُوا بي، فأخذ عَبْد الرَّحْمَن مواثقنا على أن نسمع ونُطيع لمن ولّاه الله أمرَنا، ثُمَّ أخذ بيد ابن عَفَّان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وَإِذَا ميثاقي قد أَخَذَ لغيري، فبايعنا عثمان، فأدّيت له حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.
فلما أصيبَ نظرت فِي أمري، فإذا الخليفتان اللّذان أخذاها بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الَّذِي قد أخذ له الميثاق، قد
__________
[1] في تاريخ الخلفاء «تولّاها» .

(3/641)


أصيب، فبايعني أَهْل الحرمين، وأهل هذين المصرين [1] .
روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبدة بْن سُلَيْمَان، ثنا أَبُو العلاء سالم المُرَاديّ، سمعت الْحَسَن، وروى نحوه وزاد فِي آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابتُهُ كقرابتي، ولا عِلْمه كعِلْمي، ولا سابقتُهُ كسابقتي، وكنت أحقُّ بها منه [2] .
قَالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين- يعنيان: طَلْحَةَ والزُّبَيْر- قَالَ:
بايعاني بالمدينة، وخلعاني [3] بالبصرة، ولو أنّ رجلًا ممّن بايع أَبَا بَكْر وعمر خَلَعَهُ لقاتلناه. وروى نحوه الجُرَيْري، عن أبي نَضْرَةَ.
[وَقَالَ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ: ثنا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ التَّيْمِيُّ، ثنا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا. رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَلَوْ كَانَ مُرًّا، تركه الحق وما له من صديق. رحم اللَّهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ. رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهمّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ [4]] [5] .
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله»
__________
[1] الحديث بطوله ذكره السيوطي في «تاريخ الخلفاء- ص 177، 178 نقلا عن تاريخ دمشق لابن عساكر.
[2] تاريخ الخلفاء 178.
[3] في منتقى الأحمدية، ومنتقى ابن الملّا «وخالفاني» .
[4] أخرجه الترمذي في المناقب (3798) وقال: هذا حديث غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
واختصره الحاكم في المستدرك 3/ 124، 125 وفيه «المختار بن نافع التميمي» والصحيح «التيمي» .
[5] ما بين الحاصرتين مستدرك من النسختين (ع) و (ح) ومنتقى الأحمدية.

(3/642)


فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ، وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا [1] . قُلْتُ [2] : فَقَاتَلَ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ أَوَّلُوا الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِمْ وَجَهْلِهِمْ.
وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَ أُنَاسٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَنْتَ هُوَ، قَالَ: مَنْ أَنَا! قَالُوا: أَنْتَ هُوَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا، قَالَ: ارْجِعُوا، فَأَبَوْا، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ خَدَّ [3] لَهُمْ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: يَا قَنْبَرُ ائْتِنِي بِحِزَمِ الْحَطَبِ، فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ وَقَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ الأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا أَوْقَدْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قُنْبُرَا [4] وقال أَبُو حيان التَّيْميّ: حَدَّثَنِي مجمّع، أنّ عليًّا كان يكنس بيت المال ثُمَّ يصلي فِيهِ، رجاء أن يشهد له أنّه لم يحبس فِيهِ المال عن المُسْلِمين [5] .
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ قال: خطب عليّ فقال: أيّها
__________
[1] أخرجه الترمذي في المناقب (3799) وهو طويل، من طريق شريك، عن منصور، عن ربعيّ بن حراش قال: أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال: «لما كان يوم الحديبيّة ... » . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ من حديث ربعيّ عن عليّ. وأخرجه أحمد في المسند 3/ 33 كما هو هنا، وانظر 3/ 82 و 6/ 6. و 121 و 167 و 242 و 260، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 122، 123، وصحّحه الذهبي، وهو في مجمع الزوائد للهيثمي 9/ 133، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وانظر حلية الأولياء 1/ 67، وتاريخ بغداد 1/ 134.
[2] أي الحافظ الذهبي.
[3] في نسخة الدار (خذ) والتصحيح من ذخائر العقبي 92 وبقيّة النّسخ.
[4] ذخائر العقبي- ص 92.
[5] أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 49، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 81، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 180، 181، وأحمد في الزهد 163.

(3/643)


النَّاسُ، وَاللَّهِ الَّذِي لا إلَهُ إِلا هُوَ، مَا رَزَأْتُ [1] مِنْ مَالِكُمْ قَلِيلا وَلا كَثِيرًا، إِلا هَذِهِ الْقَارُورَةَ، وَأَخْرَجَ قَارُورَةً فِيهَا طِيبٌ، ثُمَّ قَالَ: أَهْدَاهَا إِلَى دِهْقَانَ [2] . وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ يَوْمَ الأَضْحَى فَقَرَّبَ إِلَيْنَا خَزِيرَةً [3] ، فَقُلْتُ: لَوْ قَرَّبْتَ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الإِوَزِّ [4] ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْثَرَ الْخَيْرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلا قَصْعَتَانِ، قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ، وَقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ [5] » . وقال سُفْيَان الثوري: إذا جاءك عن عليّ شيءٌ فخُذْ به، مَا بنى لَبِنَةً، على لَبِنَة، ولا قَصْبة على قصْبَة، ولقد كان يُجاء بجيوبه فِي جُراب.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ [6] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ بِالْخَوَرْنَقِ، وَعَلَيْهِ سَمَلُ [7] قَطِيفَةٍ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكَ لأَهْلِ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبًا، وَأَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا بِنَفْسِكَ! فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَرْزَؤُكُمْ شَيْئًا [8] ، وَمَا هِيَ إِلا قَطِيفَتِي الَّتِي أخرجتها من بيتي [9] .
__________
[1] أي ما أخذت. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) . وفي نسخة دار الكتب «رزئت» ، وفي النسخة (ح) «زويت» وكلاهما تحريف.
[2] أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 49، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 81 وفيه «أهداها إلى مولاي دهقان» ، وانظر نهاية الأرب 20/ 219.
[3] الخزيرة: لحم يقطّع صغارا ويصبّ عليه ماء كثير، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق.
[4] في نسخة دار الكتب، و (ح) «الوز» ، وهو جائز. وفي مسند أحمد «لو قرّبت إلينا من هذا البط يعني الوزّ» .
[5] أخرجه أحمد في المسند 1/ 78.
[6] في ع (عنزة) وفي ح (هتيرة) والتصحيح من نسخة الدار والتقريب والحلية.
[7] السمل: الخلق من الثياب. وفي ح (شمل) وهو تصحيف.
[8] في الحلية: «ما أرزؤكم من مالكم شيئا» .
[9] حلية الأولياء 1/ 82، صفة الصفوة 1/ 317.

(3/644)


وعن علي أنّه اشترى قميصًا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع مَا فضل عن أصابعه من الكمّ [1] .
وعن جرموز قال: رأيت عليّا وهو يخرج من القصر، وعليه إزارٌ إِلَى نصف السّاق، ورداءٌ مُشَمَّر، ومعه دِرَّةٌ يمشي بها فِي الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحُسْن البَيْع، ويقول: أوْفُوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللَّحْم [2] . وقال الْحَسَن بْن صالح بْن حيّ: تذاكروا الزُّهاد عند عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، فقال: أزهد النّاس فِي الدُّنيا عليّ بْن أبي طَالِب.
وعن رَجُل أنّه رَأَى عليًّا قد ركب حمارًا ودلّى رجليْه إِلَى موضع واحد، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الَّذِي أهنتُ الدُّنيا. وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمَّارٍ الحضرميّ، عن أبي عمر زاذان، أَنَّ رَجُلا حَدَّثَ عَلِيًّا بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ كَذَّبْتَنِي، قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، قَالَ: إنْ كِنْتَ كَذَبْتَ أَدْعُو عَلَيْكَ، قَالَ: ادْعُ، فَدَعَا، فَمَا بَرَحَ حَتَّى عُمِيَ [3] . وقال عطاء بْن السّائب، عن أبي البَخْتَرِيّ، عن عليّ قَالَ: وأبْردُها على الْكَبِدِ إذا سُئلْتُ عمّا لا أعلم أن أقول: والله أعلم [4] . وقال خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن: قال عليّ: من أراد أن ينصف النّاس،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 29، صفة الصفوة 1/ 318، حلية الأولياء 1/ 83.
[2] أخرجه ابن سعد 3/ 28، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 48، 49، والنويري في نهاية الأرب 200/ 220، 221.
[3] أخرجه أحمد في كتاب الزهد 164، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 179 وقال رواه أبو نعيم في الدلائل.
[4] تاريخ الخلفاء 186.

(3/645)


من نفسه فلْيُحِبَ لهم مَا يحبّ لنفسه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري قَالَ: جاء رَجُل إِلَى عليّ فأثنى عليه، وكان قد بَلَغَه عَنْهُ أمرٌ، فقال: إنّي لست كما تقول، وأنا فوق مَا فِي نفسك [1] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الأَسَدِيُّ- وَهُوَ صَدُوقٌ- ثنا مُوسَى بْنُ مُطَيْرٍ- وَهُوَ وَاهٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صَوْحَانَ قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عليٌّ أَتَيْنَاهُ، فَقُلْنَا:
اسْتَخْلِفْ، قَالَ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِكُمْ خَيْرًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ خَيْرَكُمْ، كَمَا أَرَادَ بِنَا خَيْرًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا أَبَا بَكْرٍ [2] . وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: أَلَا تُوصِي؟ قَالَ: مَا أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْصَى، وَلَكِنْ إِنْ يرد الله بالنّاس خيرا سيجمعهم على خيرهم، [كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ] [3] . وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَلْعٍ الْهَمَدَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: استُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسُنَّتِه، الْحَدِيثَ [4] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْعٍ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَمَا يَنْتَظِرُنِي إِلا شَقِيٌّ [5] ، قَالُوا:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبِرْنَا عَنْهُ نُبِرُّ [6] ، عِتْرَتَه، قال: أنشدكم باللَّه أن تقتلوا
__________
[1] تاريخ الخلفاء للسيوطي 182.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 145.
[3] ما بين الحاصرتين مستدرك من النسختين (ع) و (ح) ، ومنتقى ابن الملا.
[4] أخرجه أحمد في المسند 1/ 128.
[5] في طبقات ابن سعد «فما ينتظر بالأشقى» .
[6] في طبقات ابن سعد «نبير» . أي نهلك. انظر تاج العروس (أبر- بور) .

(3/646)


غَيْرَ قَاتِلِي [1] ، قَالُوا: فَاسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ إِلَى مَا تَرَككُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: أَقُولُ:
اللَّهمّ تَرَكْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ، ثُمَّ قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ، وَأَنْتَ فِيهِمْ، إِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ [2] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ [3] سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ يُسِرُّ إلي النبي صلى الله عليه وسلم: «لتخضبن هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَمَا يُحْبَسُ أَشْقَاهَا» [4] . وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قدِمَ عَلَى عَلِيٍّ قَوْمٌ مِنَ الْبَصْرَةِ من الخوارج، فقال منهم الجعد من نَعْجَةَ [5] : اتَّقِ اللَّهَ يَا عَلِيُّ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ مَقْتُولٌ: ضَرْبَةٌ عَلَى هَذِهِ تُخَضِّبُ هَذِهِ، عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، قَالَ: وَعَاتَبَهُ فِي لِبَاسِهِ فقال: ما لكم وللباسي هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم [6] .
__________
[1] هنا تحريف في نسخة دار الكتب، والتصحيح من ذخائر العقبي 112 وبقية النسخ. وفي طبقات ابن سعد «إذا والله تقتلوا بي غير قاتلي» .
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 34، والهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 137 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن «سبيع» وهو ثقة، ورواه البزّار بإسناد حسن. وانظر مروج الذهب 2/ 425.
[3] في النسخة (ح) «الجماني» وهو تصحيف.
[4] أخرجه ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 60، وابن سعد في الطبقات 3/ 34 من طريق إسرائيل، عن سنان بن حبيب، عن نبل بنت بدر، عن زوجها قال: سمعت عليّا يقول.. وانظر نهاية الأرب 20/ 211 وقد أثبت «الجماني» .
[5] في الزهد لأحمد 165 وصفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 332 «بعجة» بالباء.
[6] أخرجه أحمد في الزهد 165، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 82، 83، والحاكم في المستدرك 3/ 143، وتابعه الذهبي في تلخيصه، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1/ 332.

(3/647)


وقال فِطْر [1] ، عن أبي الطُّفَيْل: إنّ عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تمثّل:
أشْدُدْ حَيَازِيمَكَ للموت فَإِن الموتَ لاقيكا [2] ولا تَجْزَعْ من القتل [3] إذا حَلَّ بوادِيكا [4] وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وَقَدْ وَضَعْتُ قَدَمِي فِي الْغَرْزِ، فَقَالَ لِي، لا تَقْدَمِ الْعِرَاقَ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكَ بِهَا ذُبَابُ السَّيْفِ، قُلْتُ: وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ اخبرني به رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَمَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطُّ مُحَارِبًا يُخْبِرُ بِذَا عَنْ نَفْسِهِ [5] . قال ابْن عُيَيْنَة: كان عَبْد الملك رافضيًّا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي [6] فَاطِمَةَ، حَدَّثَنِي الأَصْبَغُ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُصِيبَ فِيهَا عَلِيٌّ أَتَاهُ ابْنُ النَّبَّاحِ [7] حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ يَمْشِي، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ الصَّغِيرَ، شَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ، فَضَرَبَهُ، فَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ [8] فجعلت تقول:
__________
[1] في نسخة دار الكتب «قطر» بالقاف، وهو تصحيف، والتصحيح من بقية النسخ.
[2] في طبقات ابن سعد 3/ 33 «آتيك» ، وكذا في صفة الصفوة 1/ 333 والحيازيم: مفردها حيزوم. وهو ما اشتمل عليه الصدر. والمعنى. وطّن نفسك على الموت.
[3] في طبقات ابن سعد «الموت» وكذا في منتقى الأحمدية.
[4] في الطبقات «بواديك» . والبيتان في «الكامل» للمبرّد 3/ 932 وصفة الصفوة 1/ 333، ومجمع الزوائد 9/ 138، والمعجم الكبير 1/ 105 وأنساب الأشراف 499.
[5] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 140 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتعقّبه الذهبي في تلخيصه فقال: ابن بشار ذو مناكير وابن أعين غير مرضيّ. وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 9/ 138 وقال: رواه ابو يعلى والبزار بنحوه، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة مأمون. وانظر: ذخائر العقبي 102.
[6] (أبي) مستدركة من (ع) ، والتقريب.
[7] هو عامر بن النّبّاح مؤذّن عليّ رضي الله عنه.
[8] أم كُلْثوم بِنْت عَلِيّ بن أَبِي طالب وزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين. انظر عنها:
طبقات ابن سعد 8/ 463.

(3/648)


ما لي وَلِصَلاةِ الصُّبْحِ، قُتِلَ زَوْجِي عُمَرُ صَلاةَ الْغَدَاةِ، وقُتِلَ أَبِي صَلاةَ الْغَدَاةِ.
وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ لَيْلَةِ قُتِلَ عَلِيٌّ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: خَرَجْتُ الْبَارِحَةَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلِّي فَقَالَ لِي:
يَا بُنَيَّ إِنِّي بِتُّ الْبَارِحَةَ أُوقِظُ أَهْلِي لأَنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ بَدْرٍ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَلَكَتْنِي عَيْنَايَ، فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الأَوَدِ وَاللَّدَدِ [1] ، فَقَالَ: «ادْعُ عَلَيْهِمْ» فَقُلْتُ: اللَّهمّ أَبْدِلْنِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي.
فَجَاءَ ابْنُ النَّبَّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَوَرَهُ رَجُلانِ:
أَمَّا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي السُّدَّةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَثْبَتَهَا فِي رَأْسِهِ [2] . وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، إنّ عليًّا كان يخرج إِلَى الصلاة، وَفِي يده دِرَّةٌ يوقظ النّاس بها، فضربه ابن مُلجَم، فقال عليّ أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا وليّ دمي [3] .
رواه غيره، وزاد: فإنْ بقيتُ قَتَلْتُ أو عفوتُ فإنْ مِتُّ فاقتلوه قِتْلَتي، ولا تعتدوا إنّ الله لَا يحب المعتدين [4] . وقال مُحَمَّد بْن سعد [5] : لقي ابنُ مُلْجم شَبِيبَ بْن بَجْرة الأشجعيّ،
__________
[1] الأود: العوج. واللّدد: الخصومة.
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 36، 37 في حديث طويل، وابن عبد البرّ في الاستيعاب 3/ 61، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 175، وانظر: نهاية الأرب 20/ 212، 213، الرياض النضرة 2/ 245.
[3] أخرج الحاكم في المستدرك 3/ 144 نحوه، من طريق عبد العزيز بن الخطاب، عن عليّ بن غراب، عن مجالد، عن الشعبيّ.
[4] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 35.
[5] في الطبقات 3/ 36، 37.

(3/649)


فأعلمه بما عزم عليه من قُتِلَ عليّ، فوافقه، قَالَ: وجلسا مقابل السُّدة التي يخرج منها عليّ، قَالَ الْحَسَن: وأتيته سَحَرًا، فجلست إليه فقال: إنّي مَلَكَتْني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر المنام المذكور. قَالَ وخرج وأنا خلفه، وابن النّبّاح بين يديه، فَلَمَّا خرج من الباب نادى: أيُّها النّاس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع كل يوم، ومعه دِرَّتُهُ يُوقِظُ النّاس، فاعْتَرَضَهُ الرجلان، فضربه ابنُ مُلْجَم على دماغِه، وأمّا سيف شبيب فوقع فِي الطّاق، وسمع النّاس عليًّا يقول: لَا يَفُوتَنَّكُمُ الرجل، فشدّ النّاس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وَأُخِذَ عَبْد الرَّحْمَن، وكان قد سمّ سيفه.
ومكث عليّ يوم الجمعة والسبت، وتُوُفيّ ليلة الأحد، لإحدى عشرة لَيْلَةً بقيت من رمضان [1] . فلمّا دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع النّاس، وجاءوا بالنّفْط والبَوَاري، فقال مُحَمَّد بْن الحنفية، والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب: دَعُونا نَشْتَفّ منه، فقطع عَبْد الله يديه ورِجْلَيه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكَحَل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنّك لَتَكْحُل عيني عمّك، وجعل يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 96: 1 [2] حَتَّى ختمها، وإنّ عينيه لَتَسيلان، ثُمَّ أمر به فعولج عن لسانه ليُقْطَع، فجزع، فَقِيلَ له في ذلك. فقال: ما ذاك بِجَزَعٍ، ولكنّي أكره أن أبقى فِي الدُّنيا فُوَاقًا لَا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثُمَّ أحرقوه فِي قَوْصرة، وكان أسمر، حَسَن الوجه، أفلَجَ، شعْرُهُ مع شَحْمَه أُذُنيه، وَفِي جبهته أثر السُّجود [3] . ويُرْوَى أن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أمرهم أن يحرِّقوه بعد الْقَتْلِ.
وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ قَالَ: صلّى الحسن على عليّ، ودفن
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 37.
[2] أول سورة العلق.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 39، وانظر الأخبار الطوال لابن قتيبة 215.

(3/650)


بالكوفة، عند قصر الإمارة، وَعُمِّيَ قبرهُ [1] . وعن أبي بَكْر بْن عيّاش قَالَ: عَمُّوه لئلّا تَنْبُشَه الخوارج [2] .
وقال شَرِيك، وغيره: نقله الْحَسَن بْن عليّ إِلَى المدينة [3] .
وذكر المُبَرّد عن مُحَمَّد بْن حبيب قَالَ: أوّل من حُوِّلَ من قبرٍ إِلَى قبرٍ عليّ [4] .
وقال صالح بْن احمد النَّحْويّ: ثنا صالح بْن شُعيب، عن الْحَسَن بْن شُعَيب الفَرَويّ، أنّ عليًّا صُيِّر فِي صُندوقٍ، وكثَّروا عليه من الكافور، وَحُمِلَ على بعير، يريدون به المدينة، فَلَمَّا كان ببلاد طيِّئ، أضلّوا البعير ليلا، فأخذته طيِّئ وهم يظنون أنّ فِي الصُّندوق مالًا فلمّا رأوه خافوا فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه [5] .
وقال مُطَيْن: لو عَلِمَتِ الرافضة قبرَ مَن هَذَا الَّذِي يُزار بظاهر الكوفة لَرَجَمَتْهُ، هَذَا قبر المغيرة بن شعبة [6] .
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 135.
[2] تاريخ الخلفاء 176.
[3] تاريخ الخلفاء 176، تاريخ بغداد 1/ 137.
[4] تاريخ الخلفاء 176.
[5] تاريخ الخلفاء 176 وقد استبعد ذلك ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 330.
فقال: «ومن قال انه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدرى أين ذهب فقد أخطأ وتكلّف ما لا علم له به ولا يسيغه عقل ولا شرع، وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أنّ قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك ولا أصل له، ويقال إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة، حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ..» .
وقد اختلف في موضع قبره، فقيل: دفن في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: دفن بنجف الحيرة في موضع بطريق الحيرة، وقيل عند مسجد الجماعة. (انظر تاريخ الطبري 4/ 117 ونهاية الأرب 20/ 217، 218، وتاريخ بغداد 1/ 137، 138) .
[6] تاريخ بغداد 1/ 138.

(3/651)


قال أبو جَعْفَر الباقر: قُتِلَ عليّ وهو ابنُ ثمانٍ وخمسين [1] . وعنه رواية أخرى أنّه عاش ثلاثًا وستّين سنة [2] ، وكذا رُوِيَ عن ابنُ الحنفية، وقاله أبو إِسْحَاق السبيعيّ، وأبو بكر بن عيّاش، وينصر ذلك ما رواه ابنُ جُريْج، عن مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب، أنّه أخبره أنّ عليًّا تُوُفيّ لثلاثٍ أو أربعٍ وستين سنة [3] .
وعن جَعْفَر الصادق، عن أَبِيهِ قَالَ: كان لعليّ سبع عشرة سرِيّة [4] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ: لَقَدْ فَارَقَكُمْ بِالأَمْسِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ إِلا الأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلا يُدْرِكُهُ الآخِرُونَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِ الرَّايَةَ، فَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَلا صَفْرَاءَ، إِلا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ، كَانَ أَرْصَدَهَا لِخَادِمٍ لأَهْلِهِ [5] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو الأَصَمِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِنَّ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ مَا هَؤُلاءِ بِشِيعَةٍ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، وَلا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ [6] . وَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، بَدَلَ عَمْرٍو. ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين لَطَالَ الكتاب. والله تعالى أعلم.
__________
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 96 رقم 165، والحاكم 3/ 144.
[2] أخرجه الطبراني 1/ 96 رقم 165، والخطيب في تاريخ بغداد 1/ 135، والحاكم في المستدرك 3/ 145، وابن سعد في الطبقات 3/ 38.
[3] الاستيعاب 3/ 57.
[4] في البداية والنهاية 7/ 333 «مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية» .
[5] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 65، وأحمد في الزهد 166 من طريق وكيع، عن إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حبشي، وفيه «لا خادم لأهله» .
[6] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 145 وتابعه الذهبي في تلخيصه.

(3/652)


[1] عَبْد الرَّحْمَن بْن مُلْجَم المُرَادِيّ [2]
قاتل عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: خارجيّ مُفْتَرٍ، ذكره ابنُ يُونُس فِي (تاريخ مصر) فقال: شهِدَ فتح مصر، واختطّ بها مع الأشراف. وكان ممّن قرأ القرآن، والفقة. وهو أحد بني تدُول [3] وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على مُعاذ بْن جبل. وكان من العُبّاد. ويقال: هُوَ الّذي أرسل صبيغا [4] التميميّ إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فسأله عما سأله مُسْتَعْجَم القرآن [5] .
وقيل إنّ عُمَر كتب إِلَى عَمْرو بْن العاص: أنْ قَرّبْ دار عَبْد الرَّحْمَن بْن مُلْجم من المسجد ليُعَلِّم النّاس القرآن والفقه، فوسَّع له مكان داره، وكانت إِلَى جانب دار عَبْد الرَّحْمَن بْن عُدَيْس البَلَوِيّ، يعني أحد من أعان على قتْل عُثْمَان. ثُمَّ كان ابنُ مُلْجم من شيعة عليّ بالكوفة سار إليه إِلَى الكوفة، وشهد معه صِفِّين.
قلت: ثُمَّ أدركه الكتاب، وفعل مَا فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمَّة، وكذلك تُعَظِّمُهُ النُّصَيْرِيَّةُ.
قال الفقيه أبو مُحَمَّد بْن حزم: يقولون إنّ ابنُ مُلْجَم أفضل أهل
__________
[1] من هنا إلى آخر هذا الجزء ساقط من نسخة الدار، والاستدراك من ح، ع والمنتقى لابن الملا.
[2] المحبّر لابن حبيب 17، الأخبار الطوال 213، 214، المعارف 209، أنساب الاشراف (ترجمة علي) 487 وما بعدها، ق 4 ج 1/ 166، الولاة والقضاة، 31، ربيع الأبرار 4/ 300 جمهرة أنساب العرب 200، التذكرة الحمدونية 2/ 475، الكامل في التاريخ 3/ 388- 392 و 395 و 411، وفيات الأعيان 2/ 65 و 7/ 218.
[3] في النسخة (ج) «بدول» والتصحيح من النسخة (ع) ، وجمهرة أنساب العرب 401 ونهاية الأرب 2/ 300، والمقتضب 90، والاشتقاق لابن دريد 223.
[4] في النسخة (ع) «صبيعا» ، وفي المنتقى لابن الملا «ضبيعا» ، وفي النسخة (ح) «صبيعة» ، وكلّها خطأ. والتصويب من الإصابة 2/ 198 رقم 4123 فقال: صبيغ، بوزن عظيم وآخره معجمة، ابن عسل، بمهملتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة، ويقال بالتصغير، ويقال: ابن سهل الحنظليّ.
[5] انظر قصّته في الإصابة 2/ 198، 199.

(3/653)


الأرض، خلّص روح اللاهوت من ظُلْمة الجَسَد وكَدَره [1] .
فاعْجَبُوا يا مسلمين لهذا الجنون.
وَفِي ابنُ مُلْجَم يقول عُمَران بْن حطّان الخارجيّ:
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا [2]
وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق فِي الآخرة. وهو عندنا أَهْل السُّنَّةِ ممّن نرجو له النار، ونجوِّز أن الله يتجاوز عَنْهُ، لَا كما يقول الخوارج والروافض فِيهِ. وحُكْمه حُكْم قاتِل عُثْمَان: وقاتل الزبير، وقاتل طَلْحَةَ، وقاتل سَعِيد بْن جُبَيْر، وقاتل عمّار، وقاتل خارجة، وقاتل الْحُسَيْن. فكلّ هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم فِي الله، وَنَكِلُ أمورَهُمْ إِلَى الله عز وجل.
(مُعَيْقِيب)
[3] ع- بْن أبي فاطمة الدَّوْسيّ حليف بني عبد شمس، من مهاجرة الحبشة.
__________
[1] انظر كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني- ج 2/ 139 الملحق بالفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم- طبعة القاهرة، ومذاهب الإسلاميين للدكتور عبد الرحمن بدوي 2/ 442 طبعة دار العلم للملايين- بيروت 1973، وكتابنا «تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ عبر العصور- ج 2/ 95- طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت 1981.
[2] الاستيعاب 3/ 62.
[3] السير والمغازي لابن إسحاق 227، المغازي للواقدي 721، تهذيب سيرة ابن هشام 236، طبقات ابن سعد 4/ 116- 118، طبقات خليفة 13 و 123، تاريخ خليفة 99 و 156 و 199 و 202، المحبّر لابن حبيب 127، التاريخ لابن معين 2/ 578، التاريخ الكبير 8/ 52، 53 رقم 2123، ترتيب الثقات للعجلي 436 رقم 1613، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 101 رقم 238، المعارف 316 و 584، المعرفة والتاريخ 2/ 467، مسند أحمد 3/ 426 و 5/ 425، فتوح البلدان 6 و 431، أنساب الأشراف 1/ 200، و 4/ 149 وق 4 ج 1/ 455 و 548، و 5/ 58، الجرح والتعديل 8/ 426 رقم 1938، مشاهير علماء الأمصار 28 رقم 135، الثقات لابن حبّان 3/ 404، العقد الفريد 4/ 161 و 273، الاستيعاب 3/ 476، 477، المعجم الكبير 20/ 349- 352، التذكرة الحمدونية 1/ 141، أسد الغابة 4/ 402، 403،

(3/654)


قَالَ ابنُ مَنْدَه وحدُه: إنّه شهد بدْرًا.
كان مُعَيْقِيب على خاتم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال. لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثان [1] .
روى عَنْهُ حفيده إياس بْن الْحَارِث، وأبو سلمة بْن عَبْد الرَّحْمَن.
أبو أسَيْد السّاعِدِيّ [2]
واسمه مالك بْن ربيعة بْن البدن [3] الْأَنْصَارِيّ. من كبار الصحابة. شهد
__________
[ () ] الكامل في التاريخ 3/ 199 و 403، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 108 رقم 157، تحفة الأشراف للمزّي 8/ 468، 469 رقم 537، تهذيب الكمال 3/ 1358، العبر 1/ 47، سير أعلام النبلاء 2/ 491، 493 رقم 102، الكاشف 3/ 147 رقم 5679، مرآة الجنان 1/ 107، تهذيب التهذيب 10/ 254 رقم 456، تقريب التهذيب 2/ 268 رقم 1302، الإصابة 3/ 451 رقم 8614، خلاصة تذهيب التهذيب 397، شذرات الذهب 1/ 48.
[1] في مسند أحمد. ومقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 101 رقم 238.
[2] المغازي للواقدي 76 و 99 و 103 و 104 و 150 و 151 و 168 و 274 و 295 و 426 و 800 و 877 و 896، تهذيب سيرة ابن هشام 236، طبقات ابن سعد 3/ 557، 558، تاريخ خليفة 166، طبقات خليفة 97، المحبّر لابن حبيب 95 و 298، التاريخ لابن معين 2/ 547، البرصان والعرجان 362، ترتيب الثقات للعجلي 489 رقم 1893، مقدّمة مسند بقي بن مخلد 89 رقم 100، المعارف 272 و 588، مسند أحمد 3/ 496- 498، المعرفة والتاريخ 1/ 344 و 442 و 2/ 467 و 3/ 25، تاريخ أبي زرعة 1/ 491، تاريخ الطبري 3/ 167 و 4/ 337 و 359، أنساب الأشراف ق 4 ج 1/ 549 و 551 و 585 و 589، و 5/ 60، 61، مشاهير علماء الأمصار 22 رقم 94، المستدرك 3/ 515، 516، الاستبصار 106، الاستيعاب 4/ 8، 9، العقد الفريد 2/ 409، جمهرة أنساب العرب 366، الكامل في التاريخ 2/ 310 و 3/ 130 و 151 و 162 و 4/ 44، أسد الغابة 4/ 279 و 5/ 137، تحفة الأشراف 8/ 340- 345 رقم 476، تهذيب الكمال 3/ 1298، المعين في طبقات المحدّثين 26 رقم 116، الكاشف 3/ 100 رقم 5343، تلخيص المستدرك 3/ 515، 516، سير أعلام النبلاء، 2/ 538- 540 رقم 110، العبر 1/ 46، مرآة الجنان 1/ 107، تهذيب التهذيب 10/ 15، 16 رقم 66، تقريب التهذيب 2/ 392 رقم 60، النكت الظراف 8/ 340- 343، الإصابة 3/ 344 رقم 7628، خلاصة تذهيب التهذيب 367، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 115، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوط) الورقة 52.
[3] البدن: بفتح الباء والدال. قال ابن دريد في الاشتقاق 340: «اشتقاقه من شيئين، إمّا من

(3/655)


بدْرًا والمشاهد كلّها، وذهب بَصَرُهُ فِي آخر عمره. له عدّة أحاديث.
روى عَنْهُ بنوه المُنْذر، والزبير، وحمزة، وأنس بْن مالك، وعباس بْن سهل (بْن سعد) [1] ، وأبو سَلَمَةَ بْن عَبْد الرَّحْمَن، وعلي بْن عُبَيْد الساعدي مولاه.
تُوُفيّ سنة أربعين، قاله خليفة [2] وغيره، وهو الصحيح.
وقال المدائني: تُوُفيّ سنة ستين.
وقال ابنُ مَنْدَه، سنة خمسٍ وستّين.
وقال أبو حَفْص الفلّاس: تُوُفيّ سنة ثلاثين.
وقال ابنُ سعد: كَانَتْ مع أبي أسيد رايةُ بني ساعدة يوم الفتح [3] .
وأخبرني مُحَمَّد بْن عُمَر، حَدَّثَنِي أُبَيّ بْن [4] عَبَّاس بْن سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
رَأَيْت أَبَا أسيْد بعد أن ذهب بصرُهُ قصيرًا دَحْداحًا [5] أبيض الرأس والّلحْية [6] .
وقال ابنُ عجلان عن عُبَيْد الله بْن أبي رافع قَالَ: رَأَيْت أَبَا أُسيد يُحفي شاربه كأخي الحلق [7] .
وقال ابنُ أبي ذئب، عن عثمان بن عبيد الله قَالَ: رَأَيْت أَبَا أسَيْد، وأبا هُرَيْرَةَ، وأبا قَتَادَةَ، وابن عُمَر، يمرُّون بنا ونحن فِي الكتّاب، فنجد منهم ريح
__________
[ () ] الدرع القصيرة وذكر بعض أهل التفسير في قوله جلّ وعزّ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ 10: 92 أي:
بدرعك. قال: والبدن: الوعل المسنّ.
[1] ما بين القوسين ساقط من النسخة (ح) ، والاستدراك من النسخة (ع) ومنتقى ابن الملا.
[2] في الطبقات 97.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 558.
[4] «بن» ساقطة من طبعة القدسي 3/ 401، وأثبتها من طبقات ابن سعد.
[5] الدحداح: القصير.
[6] ابن سعد 3/ 558.
[7] ابن سعد 3/ 558.

(3/656)


العبير، وهو الخلوق يُصَفِّرون به لحاهم [1] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بن أبي أُسيد، والزبير بن المُنْذر بْن أبي أُسَيْد أنّهما نزعا من يد أبي أُسَيْد خاتمًا من ذهب حين مات.
وكان بدريًا [2] .
قيل إنّه عاش ثمانيًا وسبعين سنة، وله عقِب بالمدينة وبغداد [3] . رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
أبو مَسْعُود البدْريّ [4] ع
ولم يكن بدريًّا [5] بل سكن ماءً ببدْر فنسِبَ إليه، بل شهِدَ العقبة، وكان أصغر من السَّبعين حينئذٍ.
اسمه عُقْبَة بْن عَمْرو بْن ثَعْلَبَة بْن أُسَيرة بْن عُسَيْرة [6] الأنصاري. نزل
__________
[1] ابن سعد 3/ 558.
[2] ابن سعد 3/ 558.
[3] ابن سعد 3/ 588.
[4] المغازي للواقدي 295 و 331 و 724، طبقات ابن سعد 6/ 16، طبقات خليفة 96 و 136، تاريخ خليفة 202، المحبّر لابن حبيب 290، التاريخ لابن معين 2/ 410، الزهد لأحمد 235، المسند له 4/ 118- 122، و 5/ 272- 275، التاريخ الكبير 6/ 429 رقم 2884، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 83 رقم 37، المعرفة والتاريخ 1/ 449، 450، أنساب الأشراف 1/ 245، تاريخ أبي زرعة 1/ 576، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 54، تاريخ الطبري 4/ 129 و 335 و 352 و 422 و 5/ 38 و 93، الجرح والتعديل 6/ 313 رقم 1740، الاستبصار 130، الاستيعاب 3/ 105، مشاهير علماء الأمصار 44 رقم 270، جمهرة أنساب العرب 362، أمالي المرتضى 1/ 75، لباب الآداب 13 و 281، أسد الغابة 5/ 296، 297، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2 267 رقم 424، وفيات الأعيان 2/ 479، تهذيب الكمال 2/ 948، العبر 1/ 46، الكاشف 2/ 238 رقم 3902، المعين في طبقات المحدّثين 24 رقم 91، سير أعلام النبلاء 2/ 493- 496 رقم 103، مرآة الجنان 1/ 107، تهذيب التهذيب 7/ 247- 249 رقم 446، تقريب التهذيب 1/ 27 رقم 249 الإصابة 2/ 490، 491 رقم 5606، خلاصة تذهيب التهذيب 269.
[5] جزم البخاري بأنه شهد غزوة بدر، واستدلّ على ذلك بأحاديث أخرجها في صحيحه، وصرّح في بعضها بأنه شهدها.
[6] سقط من النسخة (ح) «بن عميرة» ، والاستدراك من منتقى ابن الملاء، والنسخة (ع) ، وتهذيب التهذيب 7/ 247.

(3/657)


الكوفة، وكان من الفقهاء.
روى عَنْهُ ابنه بشير بْن أبي مَسْعُود، وأوْس بْن ضَمْعَج، ورِبْعيُّ بْن حراش، وعلقمة، وهمام بن الْحَارِث، وقيس بْن أبي حازم، وأبو وائل، وآخرون.
وقال الحكم بْن عُتَيْبة: كان بدريًا.
وقال ابنُ أبي ذئب [1] : قال عُمَر، لأبي مَسْعُود الأَنْصَاري: نُبِّئتُ أنّك تفُتي النّاس، ولستَ بأميرٍ، فَوَلِّ حارَّها من تولّى قارَّها [2] .
وقال خليفة: لمّا خرج عليّ يريد مُعَاوِيَة استخلف أَبَا مَسْعُود على الكوفة [3] .
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ [4] ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى صِفِّينَ اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ عَلَى الْكُوفَةِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: قَدْ وَاللَّهِ أَهْلَكَ اللَّهُ أَعْدَاءَهُ وَأَظْهَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعُدُّهُ ظَفَرًا أَنْ تَظْهَرَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى. قَالُوا: فَمَهْ؟ قَالَ: الصُّلْحُ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اعْتَزِلْ عَمَلَنَا. قَالَ: مِمَّهْ؟ قَالَ: إِنَّا وَجَدْنَاكَ لا تَعْقِلُ عَقْلَةٌ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أمَّا أَنَا فَقَدْ بَقِيَ فِي عَقْلِي أَنَّ الآخَرَ شَرٌّ. عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدُ [5] بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَامَ أَبُو مَسْعُودٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فقال: من كان
__________
[1] كذا في النسخة (ح) ، والّذي في النسخة (ع) «قال ابن سيرين» . وفي سير أعلام النبلاء 2/ 495: «وقال حبيب، عن ابن سيرين» بدل «قال ابن أبي ذئب» .
[2] القار: من القرّ: البرد. قال ابن الأثير في النهاية: جعل الحر كناية عن الشرّ والشّدة، والبرد كناية عن الخير والهيّن. أراد: ولّ شرّها من تولّى خيرها، وولّ شديدها من تولّى هيّنها، ويدلّ الحديث على أن مذهب عمر أن يمنع الإمام إن أفتى بلا إذن.
[3] تاريخ خليفة 202.
[4] في النسخة (ح) «يزيد» ، والتصويب من النسخة (ع) .
[5] في ح (يزيد) والتصويب من (ع) والتقريب.

(3/658)


تَخَبَّأَ [1] فَلْيَظْهَرْ، فَإِنْ كَانَ إِلَى الْكَثْرَةِ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا أَكْثَرُ، وَمَا يُعَدُّ فَتْحًا أَنْ يَلْتَقِيَ هَذَانِ الْحَيَّانِ [2] ، فَيَقْتُلُ هَؤُلاءِ هَؤُلاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا رَجْرَجَةٌ [3] مِنْ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، ظَهَرَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ. وَلَكِنَّ الْفَتْحَ أَنْ يَحْقِنَ اللَّهُ دِمَاءَهُمْ، وَيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ.
قال المدائني وغيره: تُوُفيّ سنة أربعين. وقال خليفة [4] تُوُفيّ قبل الأربعين.
وقال الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ فِي شرحه للبُخاري: الجمهور على أنّه سكن بدْرًا، ولم يشهدها. وقال: أربعة كبار شَهِدُوها. قاله الزُّهْرِيّ، وابن إسحاق، والبُخاريّ، والحَكَم.
وقال الواقديّ: مات فِي آخر خلافة مُعَاوِيَة بالمدينة.
وله مائة حديث وحديثان [5] ، اتّفقا منها على تسعة، وانفرد البخاريّ بحديث، ومسلم بسبعة.
__________
[1] هذه الكلمة مضطربة مصحّفة في النسخ، فصحّحتها من سير أعلام النبلاء 2/ 496 حيث ورد فيه: «وتخبّأ رجال لم يخرجوا مع علي» .
[2] عند ابن الملا والذهبي في سير أعلام النبلاء (الجيلان) . بدل (الحيان) .
[3] في تاج العروس: الرجرجة: بقية الماء في الحوض، والجماعة الكثيرة في الحرب، ومن لا عقل له ولا خير فيه.
[4] في الطبقات 96.
[5] مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 83 رقم 37.

(3/659)


المُتَوفّون فِي خِلَافَةِ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه
تحِديدًا وتقريبًا على الحُروف
(رفاعة بْن رافع بْن مالك بْن العَجْلان)
[1] خ 4- أبو مُعاذ الْأَنْصَارِيّ الزُّرَقيّ، أخو مالك، وخلّاد. شهِدَ بدْرًا هُوَ وأخوه خلّاد، وكان أَبُوهُ من نُقباء الأَنْصَار. له أحاديث [2] .
روى عَنْهُ ابناه: عُبَيْد، ومُعاذ، وابن أَخِيهِ يحيى بْن خلّاد، وغيرهم.
وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد.
__________
[1] المغازي للواقدي 54 و 142 و 151 و 171 طبقات ابن سعد 3/ 596، 597، طبقات خليفة 100، تاريخ خليفة 205، المحبّر لابن حبيب 425، مسند أحمد 4/ 340، 341، التاريخ الكبير 3/ 319- 321 رقم 1809، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 90 رقم 112، المعرفة والتاريخ 1/ 317 و 3/ 329، أنساب الأشراف 1/ 192 و 245 و 300، ق 4 ج 1/ 549 و 569 و 570، و 5/ 59 و 78 و 79، أخبار القضاة 1/ 168، تاريخ الطبري 3/ 382 و 479. الجرح والتعديل 3/ 492 رقم 2230، مشاهير علماء الأمصار 21 رقم 86، الاستيعاب 1/ 501- 503، المعجم الكبير 5/ 25- 41 رقم 436، جمهرة أنساب العرب 358، المستدرك 3/ 233، الكامل في التاريخ 2/ 72 و 3/ 244 و 4/ 44، أسد الغابة 2/ 178، 179، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 190، 191 رقم 169، تحفة الأشراف 3/ 168- 171 رقم 150، تهذيب الكمال 1/ 415، الكاشف 1/ 242 رقم 1591، تلخيص المستدرك 3/ 233، تهذيب التهذيب 3/ 281 رقم 530، تقريب التهذيب 1/ 251 رقم 96، الإصابة 1/ 517 رقم 2664.
[2] عددها 24 حديثا. انظر مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد- ص 90 رقم 112.

(3/660)


تُوُفيّ فِي حدود سنة أربعين. وقال ابنُ سعد [1] تُوُفيّ فِي أوّل خلافة مُعَاوِيَة.
(سُراقة بن مالك)
[2] بن جُعشُم الكِنانيّ المُدْلجيّ، أبو سُفْيَان. أسلم بعد حصار الطّائف، وقيل بل شَهِد حُنينًا. وهو المذكور فِي هجرة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي سَأَلَ عن مُتْعَة الحج ألِلأبد هِيَ؟ وكان ينزلُ قُدَيْدًا [3] .
تُوُفيّ بعد عُثْمَان بعامين، أو فِي سنة أربعٍ وعشرين كما مر.
(صَفْوان بْن عَسّال [4] المُرَادِيّ)
[5] ت ن ق- غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عشرة غزوة. وله أحاديث [6] .
روى عَنْهُ زِرّ بْن حُبَيْش، وعبد الله بْن مسلَمة المُرَادي وأبو الغُرَيْف [7] عُبَيْد الله بْن خليفة، وأبو سلمة بْن عَبْد الرَّحْمَن. وسكن الكوفة.
(قَرَظَة [8] بْن كعب الْأَنْصَارِيّ الخزْرَجيّ)
[9] ق- أحد فقهاء الصّحابة.
__________
[1] في الطبقات 3/ 597.
[2] مرت ترجمته في هذا الجزء.
[3] قديد: كزبير. قرية جامعة بين مكة والمدينة. كثيرة المياه.
[4] في النسخة (ح) «غسان» وهو تحريف، والتصحيح من النسخة (ع) .
[5] طبقات ابن سعد 6/ 27، طبقات خليفة 74 و 134، التاريخ الكبير 4/ 304، 305 رقم 2921، مسند أحمد 4/ 239- 241، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 91 رقم 129، المعرفة والتاريخ 3/ 400، الجرح والتعديل 4/ 420، 421 رقم 1845، مشاهير علماء الأمصار 47 رقم 297، المعجم الكبير 8/ 63، 64 رقم 723، الاستيعاب 2/ 188، 189، جمهرة أنساب العرب 407، جوامع السيرة لابن حزم 283، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 249 رقم 264، تحفة الأشراف للمزّي 4/ 191- 194 رقم 240، تهذيب الكمال 2/ 610، الكاشف 2/ 27 رقم 2424، المنتخب من ذيل المذيل 546، أسد الغابة 3/ 24، الوافي بالوفيات 16/ 317 رقم 348، تهذيب التهذيب 4/ 428 رقم 745، تقريب التهذيب 1/ 368 رقم 108، النكت الظراف 4/ 193، 194، الإصابة 2/ 189 رقم 4080.
[6] عددها 20 حديثا. (جوامع السيرة 283، مقدمة مسند بقيّ بن مخلد 91 رقم 129.
[7] في النسخة (ح) «أبو العريف» بالعين المهملة، وهو تصحيف، والتصويب من بقية النسخ.
[8] قرظة: بالفتح. وعند ابن الملّا «قرضة» .
[9] طبقات ابن سعد 6/ 17، المحبّر لابن حبيب 342، تاريخ خليفة 157 و 202، طبقات خليفة

(3/661)


وهو أحد العشرة الذين وجَّههم عَمْر إِلَى الكوفة ليعلِّموا النّاس، ثُمَّ شَهِد فتح الرّيّ زمن عُمَر. وولّاه عليّ على الكوفة. ثُمَّ سار إِلَى (الجمل) مع عليّ، ثُمَّ شهِدَ صِفِّين.
تُوُفيّ بالكوفة، وصلّى عليه عليّ على الصحيح. وهو أوّل من نِيحَ عليه بالكوفة. وقيل: تُوُفيّ بعد عليّ.
(القَعْقَاع بْن عَمْرو [1] التَّميْميّ [2] )
قيل إنّه شهِدَ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَهُ أثر عظيم فِي قتال الفُرْس فِي القادسيّة وغيرها. وكان أحد الأبطال المذكورين.
يُقَالُ: إنّ أَبَا بَكْر قَالَ: صوت القعقاع فِي الجيش خيرٌ من ألف رجلٍ [3] . وشهِدَ (الجمل) مع عليّ وكان الرَّسُول فِي الصُّلح يومئذٍ بين الفريقين. وسكن الكوفة.
__________
[94] و 136، التاريخ لابن معين 2/ 487، التاريخ الكبير 7/ 193 رقم 858، المعرفة والتاريخ 1/ 220. 221، فتوح البلدان 241 و 291، الجرح والتعديل 7/ 144 رقم 801، تاريخ الطبري 4/ 148 و 499 و 5/ 117، الخراج وصناعة الكتابة 373، 374، المعجم الكبير 19/ 39، مشاهير علماء الأمصار 48 رقم 309، جمهرة أنساب العرب 365، الاستيعاب 3/ 265- 268، الكامل في التاريخ 3/ 33 و 34 و 260 و 365 و 403، تحفة الأشراف 8/ 281 رقم 449، تهذيب الكمال 2/ 1126، الكاشف 2/ 343 رقم 4635، تهذيب التهذيب 8/ 368، 369 رقم 654، تقريب التهذيب 2/ 124 رقم 98، الإصابة 3/ 231، 232 رقم 7098.
[1] الجرح والتعديل 7/ 136 رقم 762، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام) 10/ 375، المعجم الكبير 19/ 40 (ذكر الاسم دون ترجمة) ، الاستيعاب 3/ 263، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام) 13/ 290، 291، أسد الغابة 4/ 207، الإصابة 3/ 239، 240 رقم 7127.
[2] في النسخة (ع) «التيمي» وهو تحريف، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[3] أسد الغابة 4/ 207، الإصابة 3/ 239.

(3/662)


(هشام بْن حكيم بْن حزام [1] )
م د ن [2] بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيّ بْن كلاب القُرَشيّ الأسدَيّ. هُوَ وأبوه من مسلمة الفتح.
ولهذا رواية.
وعنه جُبَيْر بْن نُفَيْر، وعُرْوة بْن الزُّبَيْر، وغيرهما.
وهو الَّذِي صارعه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصرعه.
قال ابنُ سعد: كان صَلِيبًا مَهيبًا.
وقال الزُّهْرِيّ: كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عُمَر إذا رَأَى مُنْكَرًا قَالَ: أمّا مَا عِشْتُ أَنَا وهشام بْن حَكِيم، فلا يكون هَذَا [3] .
وقال ابنُ سعد: تُوُفيّ فِي أوّل خلافة مُعَاوِيَة. وقيل: إنّه قُتِلَ بأجْنَادَيْن، ولا يصحّ.
الْوَلِيد بْن عُقْبَة [4] د
ابنُ أبي مُعَيْطٍ، واسم أبي معيط أبان بْن أبي عَمْرو [5] بْن أُمَيّة بْن عَبْد
__________
[1] نسبت قريش 231، مسند أحمد 3/ 403، 404 و 468، طبقات خليفة 14، التاريخ الكبير 8/ 191، 192 رقم 2664، ترتيب الثقات للعجلي 457 رقم 1731 وفيه «خزام» ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 104 رقم 275، المعارف 219 و 311، جمهرة نسب قريش 1/ 377، المعرفة والتاريخ 2/ 356، الجرح والتعديل 9/ 53 رقم 226، المنتخب من ذيل المذيل 555، مشاهير علماء الأمصار 28 رقم 134، الثقات لابن حبّان 3/ 434، الاستيعاب 3/ 593، الجمع بين رجال الصحيحين 2/ 550، أسد الغابة 5/ 61، 62، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 137 رقم 209، تحفة الأشراف 9/ 70، 71 رقم 570، تهذيب الكمال 3/ 1438، الكاشف 3/ 195 رقم 6065، سير أعلام النبلاء 3/ 51، 52 رقم 13، العقد الثمين 7/ 370، تهذيب التهذيب 11/ 37 رقم 76، تقريب التهذيب 2/ 318 رقم 77، الإصابة 3/ 603 رقم 8963، خلاصة تذهيب التهذيب 351.
[2] الرموز من تقريب التقريب 2/ 218.
[3] جمهرة نسب قريش 378 وفيه: «كان عمر بن الخطّاب إذا أنكر الشيء قال: لا يكون هذا ما عشت أنا وهشام بن حكيم» .
[4] المغازي للواقدي 130 و 139 و 278 و 289 و 631 و 980، تهذيب سيرة ابن هشام 213،
[5] في بعض النسخ «عمر» ، والمثبت من الإصابة وغيره.

(3/663)


شمس، القُرَشيّ الأمويّ، أبو وهب. له صُحْبَة يسيرة، وهو أخو عُثْمَان لأمّه.
روى عَنْهُ الشَّعْبِيّ، وأبو مُوسَى الهمداني.
ووُلِّي الكوفة لعثمان. ولمّا قُتِلَ عُثْمَان سكن الجزيرة، ولم يشهد الفتنة [1] . وكان سخيًّا جوادًا شاعرًا شريفًا.
قال ابنُ سعد: إنّه أسلم يوم الفتح، وبعثه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقات بني المُصْطَلِق، وولّاه عُمَر صَدَقات بني تغلب [2] . وولّاه عثمان
__________
[ () ] مسند أحمد 4/ 32، الأخبار الموفقيّات 599- 601، طبقات ابن سعد 6/ 24، 25، و 7/ 476، 477، المحبّر لابن حبيب 126 و 342 و 379 و 407، نسب قريش 105 و 110 و 138 و 139 و 140 و 145 و 150 و 266، طبقات خليفة 11 و 126 و 140 و 189 و 318، تاريخ خليفة 98 و 157 و 158 و 160 و 163 و 178، عيون الأخبار 3/ 12، الأخبار الطوال 139، المعارف 242 و 318 و 319، 402، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 118 رقم 436، المعرفة والتاريخ 2/ 552 و 3/ 309 و 329، فتوح البلدان 78 و 214 و 343 و 352 و 395، أنساب الأشراف 1/ 301 و 3/ 311، ق 4 ج 1/ 516- 524، و 4/ 17، و 5/ 29 و 35 و 36 و 39 و 46 و 58 و 72 و 88 و 98 و 103 و 104 و 116 و 117 و 119، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام) 10/ 450، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 91، الجرح والتعديل 9/ 8 رقم 31، الزاهر للأنباري 1/ 188 و 228 و 504، الخراج وصناعة الكتابة 272 و 377 و 379، مشاهير علماء الأمصار 45، 46 رقم 284، الاستيعاب 3/ 631- 637، المعجم الكبير للطبراني 22/ 149- 151، ربيع الأبرار 4/ 292، أمالي المرتضى 1/ 110، الأمالي للقالي 2/ 37 و 38 و 83، جمهرة أنساب العرب 115 و 378 و 379، لباب الآداب 93 و 94، الزيارات للهروي 62، الكامل في التاريخ 3/ 105- 108 وانظر فهرس الأعلام 13/ 392، تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 2/ 145، 146 رقم 229، التذكرة الحمدونية 2/ 267 و 309، تحفة الأشراف 9/ 94 رقم 580، تهذيب الكمال 3/ 1470، سير أعلام النبلاء 3/ 412- 416 رقم 67، الكاشف 3/ 211 رقم 6188، مروج الذهب 3/ 79 و 99 و 119، الأغاني 5/ 122- 153، البداية والنهاية 8/ 214، العقد الثمين 7/ 398، الإصابة 3/ 637، 638، تهذيب التهذيب 11/ 142- 144 رقم 240، تقريب التهذيب 2/ 334 رقم 74، خلاصة تذهيب التهذيب 358، شذرات الذهب 1/ 35 و 36 و 66 و 72.
[1] طبقات ابن سعد 7/ 477 وانظر مسند أحمد 4/ 279، والمعجم الكبير للطبراني (3395) .
[2] في النسخة (ع) «ثعلب» ، وهو تصحيف، والتصحيح من الإصابة.

(3/664)


الكوفة بعد سعد، ثُمَّ عزله عَنْهَا، فقدِم المدينة، ولم يزل بها حَتَّى بويع عليّ، فخرج إِلَى الرَّقَّةِ فَنَزَلها، واعتزل عليًّا ومعاوية. وقبره بعين الروحيّة على بريد من الرَّقَّةِ، وولده بالرَّقَّة إِلَى اليوم [1] .
وقال ابنُ أبي نجيح، عن مجاهد، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل الْوَلِيد بْن عُقْبَة إِلَى بني المُصْطَلق ليصدقوه، فتلقّوه بالصَّدَقَة، فتوهّم منهم، ورجع إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنْ بني المُصْطَلق قد جمعوا لك ليُقَاتلوك.
فنزلت: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا 49: 6 [2] الآية [3] . وكذا قال قتادة،
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 24، 25.
[2] سورة الحجرات، الآية 6.
[3] أخرج أحمد في المسند 4/ 279، والطبراني في المعجم الكبير (3395) من طرق، عن محمد بن سابق، عن عيسى بن دينار، عن أبيه، أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدِمَتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه، وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي، فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة، فمن استجاب لي، جمعت زكاته، فيرسل إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولا بأن كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبّان الّذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظنّ الحارث أنّه قد حدث فيه سخطة من الله عزّ وجلّ، ورسوله، فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان وقّت لي وقتا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخلف. ولا أرى حبس رسوله إلّا من سخطة كانت، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم الوليد بن عقبة إلى الحارث، ليقبض ما كان عنده، مما جمع من الزكاة، فلما أنّ سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: يا رسول الله: إنّ الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه، إذ استقبل البعث وفصل من المدينة، لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلمّا غشيهم، قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنّك منعته الزكاة، وأردت قتله، قال: لا، والّذي بعث محمدا بالحق، ما رأيته بتّة، ولا أتاني فلمّا دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «منعت الزكاة، وأردت قتل رسولي» ؟ قال: لا، والّذي بعثك بالحق، وما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلّا حين احتبس عليّ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلّم، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عزّ وجلّ ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ 49: 6، إلى هذا المكان فَضْلًا من الله وَنِعْمَةً وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ 49: 8.

(3/665)


ويزيد بْن رومان، وزاد يزيد فقال: كان رجلًا جبانًا، فَلَمَّا ركِبُوا يتلقّونه ظنّ أنّهم يريدون قَتْلَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ لِعَلِيٍّ: أَنَا أَحَدُّ مِنْكَ سِنَانًا، وَأَبْسَطُ مِنْكَ لِسَانًا، وَأَمْلأُ لِلْكَتِيبَةِ مِنْكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْتَ فَاسِقٌ، فَنَزَلَتْ أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ 32: 18 [1] . وقال طارق بْن شهاب: لمّا قدم الْوَلِيدُ أميرًا على الكوفة، أتاه سعدُ فقال: يا أَبَا وهْب، أكستَ بعدي أو استحمقتُ بعدك [2] .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا فِي جَيْشٍ بِالرُّومِ، وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ، وَعَلَيْنَا الْوَلِيدُ، فَشَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحِدَّهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَتُحِدُّونَ أَمِيرَكُمْ وَقَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَبَلَغَهُ فَقَالَ:
لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ... وَأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَا [3]
وَقَالَ سَعِيدُ بن أبي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ [4] ، عَنْ أَبِي ساسان
__________
[ () ] وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» 7/ 108، 109 وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات، كذا قال، مع أن دينارا والد عيسى لم يوثّقه غير ابن حبّان على عادته في توثيق المجاهيل. ولم يرو عنه غير ابنه عيسى. وقال ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» 3/ 632: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أنّ قوله عزّ وجلّ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ 49: 6 نزلت في الوليد بن عقبة.
[1] سورة السجدة، الآية 18.
والحديث أورده السيوطي في «الدرّ المنثور» 5/ 177، 178 ونسبه إلى الأغاني 5/ 140، والواحدي، وابن عديّ، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، من طرق عن ابن عباس.
وقال الحافظ الذهبيّ في سير أعلام النبلاء 3/ 415: «إسناده قويّ، لكنّ سياق الآية يدلّ على أنها في أهل النار» .
[2] الاستيعاب 3/ 633.
[3] سير أعلام النبلاء 3/ 414.
[4] الداناج هو: عبد الله بن فيروز البصري.

(3/666)


حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ: صَلَّى الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ وَهُوَ سَكْرَانُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَزِيدُكُمْ. فَرَكِبَ نَاسٌ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى عُثْمَانَ فَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: دُونَك ابْنُ عَمِّكَ فخذه. قال: قم يا حسن فاجلده. قَالَ: فِيمَ أَنْتَ وَهَذَا؟ قَالَ: بَلْ ضَعُفْتَ وَوَهَنْتَ، قُمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَاجْلِدْهُ، فَقَامَ فَجَلَدَهُ عَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أربعين. رواه مُسْلِمٌ [1] . وقيل: إنّ أَهْل الكوفة كذبوا عليه.
وذكر أبو مخنف لوط- وهو واهٍ- عن خاله الصّعِق [2] بْن زُهير، عن مُحَمَّد بْن مخنف قَالَ: كان أوّل عمّال عُثْمَان أحدث الْوَلِيد بْن عُقْبَة: كان يدْني السَّحَرة، ويشرب الخمر، ويجالسه أبو زبيد الطائي النَّصْرانيّ. قَالَ:
وجاء ساحرٌ من أَهْل بابل، فأخذ يُريهم حبلًا فِي المسجد مستطيلًا، وعليه فيلٌ يمشي، وناقةٌ تخبّ، والناس يتعجَّبون، ثُمَّ يُريهم حبلًا يشتدّ حَتَّى يدخل فِي فِيهِ، فيخرج من دُبُرِه، ثُمَّ يضرب رأس رجلٍ فيقع ناحية، ثُمَّ يقول: قُمْ. فيقوم. فرأى جُنْدب بْن كَعب ذلك، فأخذ سيفًا وضرب عُنُقَ السّاحر وقال: أحْيي نفْسك، فأمر الْوَلِيد بقتله، فقام رجال من الأزْد فمنعوه، وقالوا: نقتله بعلْجٍ ساحر، فسجنه، وساق القصّة بطولها [3] .
__________
[1] في الحدود (1707) باب حدّ الخمر، من طريق عبد العزيز بن المختار، حدّثنا عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج، حدّثنا حصين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفّان وأتي بالوليد قد صلّى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيّا، فقال عثمان: إنه لم يتقيّا حتى شربها، فقال: يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها- فكأنّه وجد عليه- فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده- وعلي بعد- حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلّم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلّ سنّة، وهذا أحبّ إليّ.. وانظر الأغاني 5/ 126، وسير أعلام النبلاء 3/ 414.
[2] في إحدى النسخ (الصعقب) وورد محرّفا في نسخة أخرى والتصحيح من (لسان الميزان 4/ 492) .
[3] انظر الأغاني 5/ 143.

(3/667)


(أبو رافع القبطيّ)
[1] ع- مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسمه إِبْرَاهِيم، وقيل: أسلم. وكان عبدًا للعباس، فوَهَبَه للنّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمّا بشّره بإسلام الْعَبَّاس اعتقه [2] .
روى عَنْهُ ابنه عُبَيْد الله، وحفيدُه الْحَسَن بْن عليّ بْن أبي رافع، وحفيدُه الفضل بْن عُبَيْد الله بْن أبي رافع، وعليّ بْن الْحُسَيْن، وأبو سَعِيد المَقْبُرِيّ، وعمرو بْن الشَّريد الثَّقفيّ، وجماعة كثيرة.
وشهِدَ أُحُدًا والخندق. تُوُفيّ بعد مقتل عُثْمَان [3] . ورواية عليّ بْن الْحُسَيْن عَنْهُ مُرْسَلَة. وقيل: تُوُفيّ سنة أربعين بالكوفة.
(أبو لُبابة بْن عَبْد المُنْذِر)
قيل: بقي إِلَى خلافة عليّ. وقد تقدّم.
وممّن كان في هذا الوقت:
__________
[1] المغازي للواقدي 214 و 378 و 740 و 838 و 829 و 882، 1079، و 1080 و 1081 و 1113، تهذيب سيرة ابن هشام 238، مسند أحمد 6/ 8- 10، و 390- 393، طبقات ابن سعد 4/ 73- 75، التاريخ لابن معين 2/ 704، تاريخ خليفة 202، المحبّر لابن حبيب 92 و 128 و 406، المعارف 145، 146، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 84 رقم 49، المعرفة والتاريخ 1/ 511، 512، أنساب الأشراف 1/ 269 و 414 و 445 و 445 و 446 و 449 و 477 و 478 و 483 و 545، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 28 و 70، المنتخب من ذيل المذيّل 551، تاريخ الطبري 2/ 400، و 461 و 462 و 3/ 13 و 25 و 95 و 170 و 4/ 156 و 6/ 180، مشاهير علماء الأمصار 29 رقم 143، الجرح والتعديل 2/ 149، المعجم الكبير للطبراني 1/ 286، المستدرك 3/ 597، 598، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوطة دار الكتب) 1 (ورقة 196) ، الاستيعاب 4/ 68، أسد الغابة 5/ 191، الكامل في التاريخ 2/ 154 و 220 و 272 و 311 و 3/ 200 و 399 و 403 و 5/ 256، تهذيب الأسماء واللغات 1 ج 2/ 230 رقم 342، تحفة الأشراف 9/ 198- 206 رقم 617، تهذيب الكمال 3/ 1603، المعين في طبقات المحدّثين 28 رقم 144، الكاشف 3/ 294 رقم 149، تلخيص المستدرك 3/ 597، 598، سير أعلام النبلاء 2/ 16، 17 رقم 3، الوفيات لابن قنفذ 54 رقم 35، تهذيب التهذيب 12/ 92، 93 رقم 407، تقريب التهذيب 2/ 421 رقم 5، النكت الظراف 9/ 200 و 204، 205 الإصابة 4/ 67 رقم 391، خلاصة تذهيب التهذيب 449.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 73.
[3] ابن سعد 4/ 75.

(3/668)


(سُحَيْم [1] عَبْد بني الحَسْحَاس)
[2] شاعر مُفْلِقٌ، بديع القول، لَا صَحْبه له.
رَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدُ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنُ، عَنِ السَّائِبِ قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا عَبْدُ بَنِي الْحَسْحَاسِ يَقُولُ الشِّعْرَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟
فَقَالَ:
وَدِّعْ سُلَيْمَى إِنْ تَجَهَّزْتَ غَادِيًا [3] ... كَفَى الشَّيْبُ وَالإِسْلامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
قَالَ: حَسْبُكَ، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح [4] .
__________
[1] سحيم: تصغير أسحم: الأسود.
[2] البيان والتبيين 1/ 71، الشعر والشعراء 1/ 320، 321 رقم 65، طبقات ابن سلام 156، الزاهر للأنباري 1/ 572 و 2/ 97، الأغاني 22/ 303- 311، جمهرة أنساب العرب 194، أسماء المغتالين 272، شرح شواهد المغني 112، سمط اللآلي 720، وفيات الأعيان 1/ 40 و 2/ 295، فوات الوفيات 2/ 42- 44 رقم 162، خزانة الأدب للبغدادي 1/ 271، الزركشي 121، معجم الشعراء في لسان العرب (د. ياسين الأيوبي) - ص 204 رقم 462، تاريخ الأدب العربيّ- بروكلمان 1/ 171، وانظر ديوان عبد بني الحسحاس- نشره عبد العزيز الميمني بالقاهرة 1950، الإصابة 2/ 109، 110 رقم 3664.
قال ابن حزم في الجمهرة: «ومن بني عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان: الحسحاس بن هند بن سفيان بن غضاف بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة. وعبدهم كان سحيم الشاعر» .
وقال أبو بكر الهذليّ إن اسم عبد بني الحسحاس: حيّة. (الأغاني 22/ 303) .
[3] في البيت خرم، وهو في الإصابة 2/ 110، والشطر الثاني فقط في الأغاني 22/ 303.
وفي ديوان سحيم، والأغاني 22/ 304.
«عميرة ودّع إن تجهّزت غاديا» .
[4] قال الحافظ ابن حجر: أخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب، عن عمر، أنّه كان لا يمرّ على أحد بعد أن يفيء الفيء إلّا أقامه، ثم بينا هو كذلك إذ أقبل هذا مولى بني الحسحاس يقول الشعر.. الحديث. (3/ 110) .
وفي الأغاني قال أبو الفرج (22/ 303) : أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثنا أحمد بن منصور، قال: حدّثنا الحسن بن موسى قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد،

(3/669)


وهذه قصيدة طنّانة يقول فيها:
جُنونًا بها فيما اعتلقنا علاقة ... علاقة حبّ مَا استَسَرَّ وباديا [1]
ليالي تصطادُ الرجال [2] بفاحِمٍ ... تراه أثيثًا [3] ناعمَ النَّبْت عافيا [4]
وجيد كجيد الرِّيم ليس بعاطلٍ ... من الدُّرّ والياقوت أصبح حاليا
كأن الثُّرَيَّا علقت فوق نحرِها ... وجَمْر غَضَى هبَّتْ له الرِّيحُ زاكيا
إذا اندفَعَتْ فِي ريطةٍ وخميصة ... وألقت بأعلى الرأس سبًّا [5] يمانيًا [6]
تُريك غداة الْبَيْنِ كفًّا ومِعْصمًا ... وَوَجْهًا كدِينار الأعِزَّة صافيا
فلو كنت وردا لكونه لَعَشِقُتني ... ولكنّ ربّي شانني [7] بسواديا
أتَكَتُم حَيِّيتُمْ على النَّاي تكَتُّما ... تحية من أمسى بحبِّك مُغْرما
وماشيةٍ مَشْيََ القطاةِ اتَّبَعْتُها ... من السير [8] تخشى أهلها أن تكلما
فقالت له: يا وَيْح غيرك إنّني ... سمعت كلامًا [9] بينهم يَقْطُر الدّما
__________
[ () ] عَنِ الْحَسَنِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم تمثّل:
كفى بالإسلام والشيب ناهيا فقال أبو بكر: يا رسول الله:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا فجعل لا يطيقه، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله «وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له» .
[1] في الديوان:
جنونا بها فيما اعتشرنا علالة ... علاقة حبّ مستسرّا وباديا
[2] في الديوان «القلوب» بدل «الرجال» .
[3] أثيثا: كثيرا.
[4] عافيا: كثيرا.
[5] السب: الخمار.
[6] في الديوان ورد عجز البيت:
ولانت بأعلى الردف بردا يمانيا
[7] في المنتقى «ساءني» ، والمثبت من النسخة (ح) ، والديوان.
[8] في الأغاني 22/ 308 «الستر» .
[9] في الأغاني 22/ 309 «حديثا» .

(3/670)


وله من قصيدة:
وإن لَا تُلاقي الموتَ فِي اليوم فاعْلَمَنْ ... بأنك رَهْنٌ أنْ تلاقِيه غدا [1]
رَأَيْت المنايا لم يدَعْنَ محمَّدًا ... ولا أحدا إلّا له الموتُ أرْصَدا
وقيل إنّ سحيمًا لمّا أكثر التَّشبيب بنساء الحيّ عزموا على قتله، فبكت امرأةٌ كان يُرْمَى بها، فقال:
أمِنْ سُمَيَّةَ دمْعُ العين مذْرُوفُ ... لو أنّ ذا منك قبل اليوم معروفُ
المالُ مالُكُم والعبد عبدكمْ ... فهل عذابُكِ عنّي اليوم مصروفُ
كأنها يومَ صَدَّتْ مَا تكلَّمنا ... ظبْيٌ بعُسْفان ساجي الطَّرْف [2] مطروف
ثُمَّ قُتِلَ عفا الله عَنْهُ.
__________
[1] هنا آخر مصوّرة الجزء الثاني من النسخة (ع) .
[2] في الديوان «العين» بدل «الطرف» .

(3/671)


كان الفراغ من تحقيق هذا الجزء وتخريج أحاديثه وضبط نصّه، والإحالة إلى مصادره، في يوم الجمعة الواقع في 15 من ربيع الآخر سنة 1406 هـ. الموافق 27 كانون الأول (ديسمبر) 1985 م. على يد طالب العلم: «عمر بن عبد السلام تدمري» الطرابلسيّ مولدا وموطنا. بمنزله بساحة النجمة بطرابلس الشام المحروسة. والحمد للَّه رب العالمين.
يليه الجزء الرابع وفيه حوادث ووفيات (41- 80 هـ)

(3/672)