تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية
سيرة علي بن أبي
طالب:
5- "ع" علي بن أبي طالب "ت 40 هـ" -رضي الله عنه.
عَبْد مناف بن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف. أمير المؤمنين
أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ الهاشمي، وأمُّه فاطمة بِنْت أسد بْن هاشم
بْن عَبْد مناف الهاشمية، وهي بِنْت عم أبي طَالِب، كَانَتْ من
المهاجرات، تُوُفيّت فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالمدينة.
قَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ:
قُلْتُ لأُمِّي اكْفِي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- سِقَايَةَ الْمَاءِ وَالذَّهَابَ فِي
الْحَاجَةِ، وَتَكْفِيكِ هِيَ الطَّحْنَ وَالْعَجْنَ، وَهَذا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ.
روى الكثير عن النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعُرِض
عليه القرآن وأقرأه.
عرض عليه أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمّي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد
الرَّحْمَن بْن أبي ليلى.
وروى عن عليّ: أَبُو بَكْر، وعمر، وبنوه الْحَسَن والحسين، ومحمد،
وعمر، وابن عمّه ابن عَبَّاس، وابن الزُّبَيْر، وطائفة من الصحابة،
وقيس بْن أبي حازم، وعلقمة بْن قَيْس، وعبيدة السَّلْمَانيّ، ومسروق،
وأبو رجاء العُطَارديّ، وخلق كثير.
وكان من السابقين الأوّلين، شهِدَ بدْرًا وما بعدها، وكان يُكنَى أَبَا
تُراب أيضًا.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
سَهْلٍ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ آلِ مَرْوَانَ اسْتُعْمِلَ عَلَى
الْمَدِينَةِ، فَدَعَانِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتِمَ عَلِيًّا
فَأَبَيْتُ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا أَتَيْتَ فَالْعَنْ أَبَا تُرَابٍ،
فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ،
إِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنَا
عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ؟ فَقَالَ: جَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ
يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ"؟
فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاظَنِي، فَخَرَجَ
وَلَمْ يَقُلْ عِنْدِي، فَقَالَ لِإِنْسَانٍ: "اذْهَبِ انظر
(3/136)
أَيْنَ هُوَ". فَجَاءَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَاقِدٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ
سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، فَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ عنه التُّرَابَ
وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ" 1. أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ.
وقال أَبُو رجاء العُطارِدِيّ: رَأَيْت عليًّا شيخًا أصلع كثير الشعر،
كأنْما اجتاب2 إهابَ3 شاةٍ، رَبْعَةً عظيم البطن، عظيم اللِّحْية4.
وقال سوادة بْن حَنْظَلة: رَأَيْت عليًّا أصفر اللّحية5.
وعن مُحَمَّد بْن الحنفية قَالَ: اختضب عليٌّ بالحناء مرّة ثُمَّ
تركه6.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: رَأَيْت عليًّا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنّهما
قُطْن7.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: رَأَيْت عليًّا أبيض اللحية، مَا رَأَيْت أعظم
لحيةً منه، وَفِي رأسه زغبات.
وقال أَبُو إِسْحَاق: رَأَيْته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخْم
البطْن، أبيض الرأس واللحية8.
وعن أبي جَعْفَر الباقر قَالَ: كان عليّ آدمَ، شديد الأدمة، ثقيل
العينين، عظيمَهُما، وهو إِلَى القِصَر أقرب9.
قال عروة: أسلم عليٌّ وهو ابن ثمانٍ.
وقال الْحَسَن بْن زَيْدُ بْن الْحَسَن: أسلم وهو ابن تسع.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "441" في كتاب الصلاة، باب: نوم الرجال في
المسجد، ومسلم "2409" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي -رضي
الله عنه.
2 اجتاب: لبس.
3 الإهاب: الجلد.
4 أخرج ابن سعد في "الطبقات" "2/ 16" بعضه.
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 16".
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 16".
7 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 16".
8 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 15، 16" بعضه.
9 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 16" بإسناد ضعيف جدا.
(3/137)
وقال المُغِيرَة: أسلم وله أربع عشرة سنة.
رواه جرير عَنْهُ. وثبت عن ابن عَبَّاس قَالَ: أول من أسلم عليّ1.
وعن مُحَمَّد القُرَظِيّ قَالَ: أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ،
وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَإِنَّ
أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ من أظهر الْإِسْلَام، وكان عليّ يَكْتُمُ
الْإِسْلَامَ فَرَقًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو طَالِب
فقال: أسلمتَ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: وازِرْ ابن عمّك وَانْصُرْهُ، وأسلم
عليّ قبل أبي بَكْر2.
وقال قَتَادَةَ إنّ عليًّا كان صاحب لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بدْر، وَفِي كل مشهد3.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لَأُعْطِيَنَّ
الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ". قَالَ عُمَرُ: فَمَا
أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَدَعَا عَلِيًّا
فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ4، كَمَا تَقَدَّمَ فِي
غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِطُرُقِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ
الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ
أَبِي يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلَيٌّ يَلْبَسُ ثياب الصيف في
__________
1 صحيح بنحوه: أخرجه الترمذي "3755" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي
بن أبي طالب، بلفظ "أول من صلى علي" وصححه الألباني في "صحيح سنن
الترمذي".
وأخرجه الترمذي "3756" عن زيد بن أرقم قال: "أول من أسلم علي" وصححه
الألباني وقد عارضه ما أخرجه الترمذي أيضا "3687" في كتاب المناقب،
باب: مناقب أبي بكر، وأبو حبان "6863" عن أبي بكر الصديق قال: ألست أحق
الناس بها، ألست أول من أسلم، وصححه الألباني.
قلت: وهذا أرجح عند التعارض فإن أبا بكر -رضي الله عنه- قد أدرك هذه
الفترة دون ابن عباس وزيد بن أرقم، أما ابن عباس فقد ولد بعد البعثة،
وروى عنه أنه ولد أثناء حصار المسلمين في الشعب، وأما زيد بن أرقم
فأنصاري، ومات متأخرا، فالظاهر أنه لم يدرك أول المبعث لا زمانا ولا
مكانا، وبالتالي فروايتي ابن عباس وزيد بن أرقم كلاهما مرسل صحابي،
وعند التعارض يقدم من شهد دون من أرسل، والله أعلم بالصواب.
2 مرسل.
3 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 14".
4 صحيح: أخرجه مسلم "2405" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي
بن أبي طالب، والبيهقي في "الدلائل" "4/ 206".
(3/138)
الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي:
لَوْ سَأَلْتَهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ
الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي
أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ
الْحَرَّ وَالْبَرْدَ"، فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا مُنْذُ
يَوْمَئِذٍ1.
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوسَى: سَمِعْتُ
عَلِيًّا يَقُولُ: مَا رَمِدْتُ وَلا صَدَعْتُ مُنْذُ مَسَحَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجْهِي وَتَفَلَ فِي
عَيْنِي2.
وَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ
عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ، حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ
عَلَيْهِ فَفَتَحُوهَا يَعْنِي خَيْبَرَ، وَأَنَّهُمْ جَرُّوهُ بَعْدَ
ذَلِكَ، فَلَمْ يَحْمِلْهُ إِلا أَرْبَعُونَ رَجُلا3. تَفَرَّدَ بِهِ
إِسْمَاعِيلُ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْمُطَّلِبِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي": حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنَ، خَرَجَ
إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ،
فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا عِنْدَ
الْحِصْنِ، فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ،
وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ علينا، رأيتنا ثم ألقاه، فلقد
رأينا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ، نَجْهَدُ أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ،
فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ4.
وَقَالَ غُنْدَرٌ: عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ
الْبَرَاءِ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ مِنِّي
كَهَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرُ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ" 5.
مَيْمُونٌ صَدُوقٌ.
وَقَالَ بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ سَعْدًا فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ
أَنْ تَسُبَّ أبا تراب؟ قال: أما ذكرت ثلاثًا قالهن له رسول الله
__________
1 حسن: أخرجه ابن ماجه "117" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحسنه الألباني
في "صحيح سنن ابن ماجه" "95".
2 أخرجه أحمد "1/ 78".
3 إسناده ضعيف: ليث هو ابن أبي سليم ضعيف الحفظ.
4 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
5 صحيح: انظر الآتي.
(3/139)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَلَنْ أَسُبَّهُ؛ لِأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ، وَخَلَّفَ عَلِيًّا فِي بَعْضِ
مغازيه، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ قَالَ:
"أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ
مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" 1. أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"، فَدَفَعَهَا
إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ2.
وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} 3، دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاطِمَةَ، وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا
فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي" 4. بُكَيْرٌ احْتَجَّ بِهِ
مُسْلِمٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ أَشْهَدُ
لَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ5، وَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ: "أَيُّهَا
النَّاسُ مَنْ مَوْلَاكُمْ"؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ:
"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ
وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ" الْحَدِيثَ.
إِبْرَاهِيمُ هَذَا، قَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ.
ويُرْوَى عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لَابنته فاطمة: "قد زَوَّجْتُكِ أعظَمَهُمْ حِلْمًا،
وأقدَمَهُمْ سِلْمًا، وأكثرهم علمًا" 6.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4416" في كتاب المغازي، باب: غزوة تبوك، ومسلم
"2404" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب،
والترمذي "3745" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب، وابن
ماجه "115" في المقدمة، باب: في فضائل أصحاب رسول -صلى الله عليه
وسلم"- وأحمد "1/ 185" والطبراني في "الأوسط" "2728"، وأبو نعيم في
"الحلية" "10300، 10306"، والبيهقي في "الدلائل" "5/ 220".
2 صحيح: انظر التخريج السابق.
3 سورة آل عمران: 61.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2404/ 32" في المصدر السابق، والترمذي "3745" كما
تقدم.
5 غدير خم: موضع بالجحفة بين مكة والمدينة.
6 أخرجه أحمد "2615" عن معقل بن يسار.
(3/140)
وروى نحوه جابر الجعفي -وهو متروك- عن ابن
بريدة عن أَبِيهِ.
وَقَالَ الأجلح الكندي، عن عبد الله ن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا
بُرَيْدَةُ لَا تَقَعَنَّ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا
مِنْهُ، وَهُوَ وليكم بعدي".
وقال الأعمش، عن سعيد بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ
وَلِيُّهُ" 1.
وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ
مَوْلَاهُ" 2. هَذَا حَدِيثٌ صحيح.
وقال أبو الجواب: حدثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُجَنَّبَتَيْنِ عَلَى إِحْدَاهُمَا عَلِيٌّ،
وَعَلَى الْآخِرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَقَالَ: "إِذَا كَانَ
قِتَالٌ فَعَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ"، فَافْتَتَحَ عَلِيٌّ حِصْنًا،
فَأَخَذَ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَكَتَبَ خَالِدٌ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا
قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْكِتَابَ قَالَ: "مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" قُلْتُ: أَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ3.
أَبُو الْجَوَّابِ ثِقَةٌ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ،
أَخْبَرَكُمُ الْفَتْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ. "ح".
وأخبرنا يحيى بن أبي مَنْصُورٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةٌ قَالُوا: أَنَا
أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَلَاجِلِيِّ قَالَا:
أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاسِبُ،
أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ،
ثنا عيسى بن علي
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 350، 358، 361" وصححه الألباني في "الصحيحة"
"1750" وقد استوعب طرقه وشواهده في بحث مطول، فانظر "الصحيحة" "4/
330-344" واستوعب طرق هذا الحديث كذلك الحافظ ابن كثير في "البداية"
"3/ 265، 272" و"4/ 453، 458" وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "7/ 93":
هو كثير الطرق جدًّا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من
أسانيدها صحاح وحسان.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3733" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي
طالب، وأحمد "4/ 368، 372" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3746" في المصدر السابق، وقال الألباني في
"ضعيف سنن الترمذي" "776": ضعيف الإسناد.
(3/141)
بْنِ الْجَرَّاحِ إِمْلَاءً سَنَةَ تِسْعٍ
وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثنا أبو القاسم بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثنا سُوَيْدُ بْنُ سعيد، ثنل شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "عَلِيٌّ مِنِّي
وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ هو" 1.
رواه ابْنُ مَاجَه عَنْ سُوَيْدٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ،
وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَدِّهِ.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْخَصَائِصِ.
وَقَالَ جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا يزيد الرِّشْكِ، عَنْ مُطَرِّفِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَعَثَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً،
وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا
قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَزْوًا، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا رِحَالَهُمْ،
فَأَخْبَرُوهُ بِمَسِيرِهِمْ، فَأَصَابَ عَلِيٌّ جَارِيَةً فَتَعَاقَدَ
أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَنُخْبِرَنَّهُ، قَالَ: فَقَدِمَتِ السَّرِيَّةُ فَأَتَوْا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ
بِمَسِيرِهِمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَصَابَ عَلِيٌّ جَارِيَةً، فَأَعْرَضَ عَنْهُ،
ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ: صَنَعَ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْرَضَ عنه،
ثم الثالث كذلك، ثُمَّ الرَّابِعُ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ: "مَا
تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ
وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي" 2. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي
"الْمُسْنَدِ" وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ: اشْتَكَى النَّاسُ عَلِيًّا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فينا خطيبًا، فقال: "لَا تَشْكُوا
عَلِيًّا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأُخَيْشَنٌ 3 فِي ذات الله - أو في
سبيل ال له " 4. رواه سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ عَمِّهِ
سُلَيْمَانُ بْنُ محمد أبو كعب، عن عمتهما.
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3740" في المصدر السابق، وابن ماجه "119" في
المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 أخرجه الترمذي "3732" في المصدر السابق، في "الكبرى" "8474"، وأبو
نعيم في "الحلية" "8783" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 أخيشن: تصغير: أخشن.
4 أخرجه الحاكم "4654".
(3/142)
ويُروى عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ
الْأَسْلَمِيِّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي" 1.
وَقَالَ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: جَمَعَ
عَلِيٌّ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَنْشُدُ
اللَّهَ كُلَّ امْرِئٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِعَ لَمَّا
قَامَ، فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَ بِيَدِهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
لِلنَّاسِ: "أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ"؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "مَنْ
كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ،
وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ" ثُمَّ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ
ذَلِكَ لَهُ2.
قَالَ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سُرَيْحَةَ -أَوْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، شَكَّ شُعْبَةُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فعليٌّ مَوْلَاهُ" 3.
حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يُصحِّحْهُ4 لِأَنَّ شُعْبَةَ رواه
عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
نَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَ شُعْبَةَ من طريقين، والأول
رواه بُنْدَارٌ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ،
عَنْ يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ
"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ" 5.
وروى نحوه يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن
أبي ليلى، أنّه سمع عليًّا ينشد فِي الرَّحبة. وروى نحوه عَبْد الله
بْن أَحْمَد فِي مسند أَبِيهِ، من حديث سِمَاك بْن عُبَيْد، عن ابن أبي
ليلى، وله طُرُق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر فِي ترجمة عليّ يصدّق
بعضها بعضًا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي
هارون، عن عدي بن ثابت،
__________
1 أخرجه الحاكم "4619".
2 إسناده صحيح: أخرجه أحمد "4/ 370" وقال الألباني في "الصحيحة" "4/
331": إسناده صحيح على شرط البخاري.
3 صحيح وقد تقدم.
4 في نسخة السنن عندي "قال أبو عيسى -أي الترمذي- هذا حديث حسن صحيح".
5 صحيح: تقدم.
(3/143)
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ
شَجَرَتَيْنِ، ونُودي فِي النَّاسِ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، وَدَعَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا
فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: "أَلَسْتُ
أَوْلَى بِكُلِّ مؤمن من نفسه"؟ قالوا: بلى، فقال: "فَإِنَّ هَذَا
مَوْلَى مَنْ أَنَا مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ
مَنْ عَادَاهُ" 1. فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ:
هَنِيئًا لَكَ يَا عَلِيُّ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ
مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِيسَى بْنِ
عُمَرَ الْقَارِيِّ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ، قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَطْيَارٌ، فَقَسَّمَهَا، وَتَرَكَ طَيْرًا
فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ
مَعِي" فَجَاءَ عَلِيٌّ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الطَّيْرِ2. وَلَهُ طُرُقٌ
كَثِيرَةٌ عَنْ أَنَسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهَا، وَبَعْضُهَا عَلَى شَرْطِ
السنن3، ومن أَجْوَدِهَا حَدِيثُ قَطَنِ بْنِ نُسَيْرٍ شَيْخِ
مُسْلِمٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَلٌ مَشْوِيٌّ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ائْتِنِي
بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ4.
وَقَالَ جَعْفَرُ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ،
وَمِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ5. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
الْجَدَلِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أم
__________
1 صحيح بنحوه: أخرجه ابن ماجه "116" في المقدمة، باب: في فضائل
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحمد
"4/ 281" وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "94".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "3742" في كتاب المناقب، مناقب علي بن أبي طالب،
وأبو نعيم في "الحلية" "8973" وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"
773": ضعيف.
3 وقد جمعها الحافظ ابن كثير في "البداية" "4/ 458-462" وقال فهذه طرق
متعددة عن أنس بن مالك وكل منها فيه ضعف ومقال. ثم نقل عن المصنف أنه
قال: ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة.
4 عزاة الحافظ ابن كثير في "البداية" "4/ 458" لأبي يعلى.
5 منكر: أخرجه الترمذي "3894" في كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة -رضي
الله عنها- وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "1/ 811": منكر.
(3/144)
سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لِي: أَيُسَبُّ
فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ:
مَعَاذَ اللَّهِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي"1.
ورواه أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا
يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ2. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ بِبُغْضِهِمْ عليًّا3.
وقال أبو الزبير، عن جابر قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا
بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا4.
قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ -أَحَدُ الْضُّعَفَاءِ- ثنا أَبُو
حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللَّهُ
أَبَا بَكْرٍ، زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ
الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا. رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ
الْحَقَّ، وَإِنْ كان مرا، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان
تستحييه الملائكة. رحم اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ
مَعَهُ حَيْثُ دَارَ"5. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ
لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ الْحَارِثِ،
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يَهْلِكَ فِيَّ رَجُلانِ، مُبْغِضٌ مُفْتَرٍ،
وَمُحِبٌّ مُطْرٍ.
وَقَالَ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي
بِشْرٍ، عن سعيد بن جبير،
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 323" وقال الألباني في "الصحيحة" "3/
288": إسناده ضعيف.
2 صحيح: أخرجه مسلم "78" في كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن حب
الأنصار وعلي -رضي الله عنه- من الإيمان، الترمذي "3757" في كتاب
المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب، والنسائي "8/ 116" في كتاب
الإيمان، باب: علامة الإيمان، وابن ماجه "114" في المقدمة، باب: في
فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه الترمذي "3737" في المصدر السابق، وقال
الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "769": ضعيف الإسناد جدًّا.
4 إسناده ضعيف: أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.
5 ضعيف جدًّا: أخرجه الترمذي "3734" في المصدر السابق، وقال الألباني
في "ضعيف سنن الترمذي"767": ضعيف جدًّا.
(3/145)
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ
عَلَيٌّ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ هَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ" قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ
وَلَدِ آدَمَ، وَهَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ" 1. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ
مِثْلُهُ، عَنْ عَائِشَةَ. وَهُوَ غَرِيبٌ.
قال أَبُو الجحّاف، عن جُمَيِّع بْن عمير التَّيْميّ قَالَ: دخلت مع
عمّتي على عَائِشَةَ، فسُئلَتْ: أيُّ النّاس كَانَ أَحَبَّ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: فاطمة،
فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، إنْ كان مَا علِمْتُ صوّامًا قوّامًا2.
أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
قلت: جُمَيع كذَّبه غير واحد.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى نَخِيلِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ:
"يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَطَلَعَ أَبُو
بَكْرٍ، فَبَشَّرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَطَلَعَ عُمَرُ، فَبَشَّرْنَاهُ، ثُمَّ
قَالَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" وَجَعَلَ
يَنْظُرُ مِنَ النَّخْلِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ
جَعَلْتَهُ عَلِيًّا". فَطَلَعَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3.
حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اثْبُتْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا
نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" وَعَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ. وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْعَشْرَةِ4.
وقال مُحَمَّد بْن كعب القُرَظي: قال عليّ: لقد رأيتني مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنّي لأرْبُطُ الحجر على
بطني من الجوع، وإنّ صَدَقَة مالي لَتَبْلُغُ اليوم أربعين ألفًا5.
رواه شريك، عن عاصم بْن كُلَيْب، عَنْهُ. أخرجه أحمد في "مسنده".
__________
1 أخرجه الحاكم في "مستدركه" "3/ 124".
2 منكر: أخرجه الترمذي "3900" في كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة -رضي
الله عنها- ويأتي عن المصنف قوله: ليس إسناده بذلك. وقال الألباني في
"ضعيف سنن الترمذي" "813": منكر.
3 أخرجه أحمد "3/ 356، 380".
4 أخرجه أبو يعلى "2445".
5 أخرجه أحمد "1/ 159".
(3/146)
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قال عليّ: مَا كان
لنا إلّا إهابُ كَبْشٍ ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني
ننام على وجهٍ، وتعْجِنُ على وجه.
وَقَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، لَيْسَ لِي
عِلْمٌ بِالْقَضَاءِ، فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ: "اذْهَبْ فَإِنَّ
اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ" قَالَ: فَمَا
شَكَكْتُ فِي قضاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدُ1.
وَقَالَ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا
شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ،
وَفِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَشَيْءٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَدْ
كَذَبَ2.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:
وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ
وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَعَلَى مَنْ نَزَلَتْ، وَإِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي
قَلْبًا عَقُولا، وَلِسَانًا نَاطِقًا.
وقال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبطأ عليّ عن بيعة أبي بَكْر، فلقيه أَبُو
بَكْر فقال: أَكَرِهْتَ إمارتي? فقال: لَا، ولكن آليْتُ لَا أرتدي
بردائي إلّا إِلَى الصلاة، حَتَّى أجمع القرآن، فزعموا أنّه كتبه على
تنزيله فقال مُحَمَّد: لو أصبتُ ذلك الكتاب كان فِيهِ العلم3.
وقال سَعِيد بْن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: "سلوني" إلّا
عليّ.
وقال ابن عَبَّاس: قَالَ عُمَر: عليّ أقضانا، وأُبَي أقْرؤنا.
وقال ابن مَسْعُود: كنّا نتحدث أنّ أقضى أَهْل المدينة عليّ.
وقال ابن المسيّب، عن عُمَر قَالَ: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أَبُو
حَسَن.
وقال ابن عَبَّاس: إذا حَدَّثَنَا ثقةٌ بفُتيا عن عليّ لم نتجاوزها.
__________
1 أخرجه أحمد "1/ 88، 136".
2 تقدم بنحوه.
3 مرسل.
(3/147)
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ كُلَيْبٍ، عَنْ
جَسْرَةَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ،
فَقَالَتْ: مَنْ يَأْمُرُكُمْ بِصَوْمِهِ? قَالُوا: عَلِيٌّ قَالَتْ:
أَمَا إِنَّهُ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالسُّنَّةِ.
وقال مسروق: انتهى علْم أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُمَر، وعليّ، وعبد الله.
وقال مُحَمَّد بْن مَنْصُورٌ الطُّوسيّ: سمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول:
مَا ورد لأحدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ الفضائل مَا ورد لعليّ.
وقال أَبُو إِسْحَاق، عَنْ عُمَرو بْن مَيْمُونٍ قَالَ: شهدت عُمَر يوم
طُعِن، فذكر قصّة الشُّورى، فلمّا خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها
الأجيلح يسلك بهم الطَّريق المستقيم، فقال له ابنه عَبْد الله فَمَا
يمنعك؟ -يعني أن تولّيه- قَالَ: أكره أن أتحمَّلها حيًّا وميتًا.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَعْهَدْ
إِلَيْنَا فِي الإِمَارَةِ شَيْئًا، وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْنَاهُ،
فَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ وَاسْتَقَامَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ
عُمَرُ، فَقَامَ وَاسْتَقَامَ، ثُمَّ ضَرَبَ الدَّيْنُ بِجِرَانِهِ،
وَإِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا الدُّنْيَا فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يُعَذِّبَ مِنْهُمْ عَذَّبَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْحَمَ رَحِمَ1.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا
عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَهْدًا إِلا شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّ النَّاسُ
وَقَعُوا فِي عُثْمَانَ فَقَتَلُوهُ، فَكَانَ غَيْرِي فِيهِ أَسْوَأَ
حَالا وَفِعْلا مِنِّي، ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَحَقُّهُمْ
بِهَذَا الأَمْرِ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَصَبْنَا
أمُّ أَخْطَأْنَا2.
قَرَأتُ عَلَى أَبِي الْفَهْمِ بْنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيِّ،
أَخْبَرَكُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ
سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَتْحِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَ مَالِكُ بْنُ أَحْمَدَ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ
محمد بن عبد الله
__________
1 أخرجه أحمد "1/ 114" مختصرا.
2 إسناده ضعيف: علي بن زيد سيئ الحفظ.
(3/148)
المعدل إملاء سنة ست وأربعمائة، حدثنا
أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ،
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ قَامَ
إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ فَقَالا لَهُ:
أَلا تُخْبِرُنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا الَّذِي سِرْتَ فِيهِ،
تَتَوَلَّى عَلَى الأُمَّةِ، تَضْرِبُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَعَهْدٌ
من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهِدَهُ
إِلَيْكَ، فَحَدِّثْنَا فَأَنْتَ الْمَوْثُوقُ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا
سَمِعْتَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ فَلا،
وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ أَوَّلَ مَنْ صَدَّقَ بِهِ، فَلا أَكُونُ
أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي مِنَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ فِي ذَلِكَ، مَا تَرَكْتُ
أَخَا بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
يَقُومَانِ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلَقَاتَلْتُهُمَا بِيَدِي، وَلَوْ لَمْ
أَجِدْ إِلا بُرْدِي هَذَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُقْتَلْ قَتْلا، وَلَمْ يَمُتْ فَجْأَةً،
مَكَثَ فِي مَرَضِهِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ، يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ
فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي
بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، ثُمَّ يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ
فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي
بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، وَلَقَدْ أَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ
نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَأَبَى وَغَضِبَ
وَقَالَ: "أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ".
فلمّا قبض الله نبيه، نظرنا فِي أمورنا، فاخترنا لُدنيانا من رضيه
نبيُّ الله لدِيننا. وكانت الصلاة أصل الْإِسْلَام، وهي أعظم الأمر،
وقوام الدين. فبايعنا أَبَا بَكْر، وكان لذلك أهلًا، لم يختلف عليه
منّا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيتُ
إِلَى أبي بَكْر حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جنوده، وكنت آخذ
إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض،
ولّاها عُمَر، فأخذ بسُنَّة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعْنا عُمَر،
لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع البراءة
منه. فأدّيتُ إِلَى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت
آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسَوْطي.
فَلَمَّا قُبِض تذكَّرت فِي نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا
أظن أن لَا يَعْدِلَ بي، ولكنْ خشي أن لَا يعمل الخليفة بعده ذَنْبًا
إلّا لحِقَه فِي قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه
لآثر بها ولده فبرئ منها إِلَى رهطِ من قريش ستّة، أَنَا أحدهم.
(3/149)
فَلَمَّا اجتمع الرهط تذكَّرت فِي نفسي
قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لَا يَعْدِلُوا بي، فأخذ عَبْد
الرَّحْمَن مواثقنا على أن نسمع ونُطيع لمن ولّاه الله أمرَنا، ثُمَّ
أخذ بيد ابن عَفَّان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد
سبقت بيعتي، وَإِذَا ميثاقي قد أَخَذَ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له
حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني،
وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.
فلما أصيبَ نظرت فِي أمري، فإذا الخليفتان اللّذان أخذاها بِعَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهما بالصلاة
قد مضيا، وهذا الَّذِي قد أُخذ له الميثاق، قد أصيب، فبايعني أَهْل
الحرمين، وأهل هذين المصرين1.
روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبدة بْن سُلَيْمَان، ثنا أَبُو العلاء
سالم المُرَاديّ، سمعت الْحَسَن، وروى نحوه وزاد فِي آخره: فوثب فيها
من ليس مثلي، ولا قرابتُهُ كقرابتي، ولا عِلْمه كعِلْمي، ولا سابقتُهُ
كسابقتي، وكنت أحقُّ بها منه.
قَالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين -يعنيان: طَلْحَةَ والزُّبَيْر-
قَالَ: بايعني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أنّ رجلًا ممّن بايع
أَبَا بَكْر وعمر خَلَعَهُ لقاتلناه.
وروى نحوه الجُرَيْري، عن أبي نَضْرَةَ.
وَقَالَ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ: ثنا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ
التَّيْمِيُّ، ثنا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ،
وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا. رَحِمَ
اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَلَوْ كَانَ مُرًّا، تركه الحق وما
له من صديق. رحم الله عثمان تستحيه الْمَلَائِكَةُ. رَحِمَ اللَّهُ
عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ"2.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
"إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، كَمَا
قاتلت على تنزيله".
__________
1 إسناده ضعيف جدا: أبو بكر الهذلي متروك كما تقدم.
2 ضعيف جدا: وقد تقدم.
(3/150)
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ? قَالَ:
لَا، قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ? قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ
النَّعْلِ، وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا" 1.
قُلْتُ: فَقَاتَلَ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ أَوَّلُوا الْقُرْآنَ
بِرَأْيِهِمْ وَجَهْلِهِمْ.
وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ،
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَ أُنَاسٌ إِلَى
عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَنْتَ هُوَ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ
هُوَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا، قَالَ:
ارْجِعُوا، فَأَبَوْا، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ خَدَّ2 لَهُمْ
فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: يَا قَنْبَرُ ائْتِنِي بِحِزَمِ الْحَطَبِ،
فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ وَقَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ الأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا ... أَوْقَدْتُ نَارِي
وَدَعَوْتُ قُنْبُرا
وقال أَبُو حيان التَّيْميّ: حَدَّثَنِي مجمّع، أنّ عليًّا كان يكنس
بيت المال ثُمَّ يصلي فِيهِ، رجاء أن يشهد له أنّه لم يحبس فِيهِ المال
عن المُسْلِمين.
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ
عَلِيٌّ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، وَاللَّهِ الَّذِي لا إلَهُ إِلا
هُوَ، مَا رَزَأْتُ3 من مالكم قليلًا ولا كثير، إِلا هَذِهِ
الْقَارُورَةَ، وَأَخْرَجَ قَارُورَةً فِيهَا طِيبٌ، ثُمَّ قَالَ:
أَهْدَاهَا إليَّ دِهْقَانَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
عَلِيٍّ يَوْمَ الأَضْحَى فَقَرَّبَ إِلَيْنَا خَزِيرَةً، فَقُلْتُ:
لَوْ قَرَّبْتَ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الإِوَزِّ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ
أَكْثَرَ الْخَيْرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لا يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ
مَالِ اللَّهِ إِلا قَصْعَتَانِ، قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ
وَأَهْلُهُ، وَقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ"4.
وقال سُفْيَان الثوري: إذا جاءك عن عليّ شيءٌ فخُذْ به، مَا بنى
لَبِنَةً، على لَبِنَة، ولا قَصْبة على قصْبَة، ولقد كان يُجاء بجيوبه
فِي جُراب.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ،
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى علي
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 435".
2 خد: أي شق.
3 رزأت: أصبت.
4 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 78" وابن لهيعة ضعيف الحفظ.
(3/151)
بالخوارنق، وَعَلَيْهِ سَمَلُ1 قَطِيفَةٍ،
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكَ
لأَهْلِ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبًا، وَأَنْتَ تَفْعَلُ
هَذَا بِنَفْسِكَ! فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَرْزَؤُكُمْ
شَيْئًا، وَمَا هِيَ إِلا قَطِيفَتِي الَّتِي أَخْرَجْتُهَا مِنْ
بَيْتِي.
وعن علي أنّه اشترى قميصًا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع مَا فضل عن أصابعه
من الكُمّ.
وعن جُرْمُوز قَالَ: رَأَيْت عليًّا وهو يخرج من القصر، وعليه إزارٌ
إِلَى نصف السّاق، ورداءٌ مُشَمَّر، ومعه دِرَّةٌ يمشي بها فِي
الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحُسْن البَيْع، ويقول: أوْفُوا الكيل
والميزان، ولا تنفخوا اللَّحْم.
وقال الْحَسَن بْن صالح بْن حيّ: تذاكروا الزُّهاد عند عُمَر بْن عَبْد
الْعَزِيز، فقال: أزهد النّاس فِي الدُّنيا عليّ بْن أبي طَالِب.
وعن رَجُل أنّه رَأَى عليًّا قد ركب حمارًا ودلّى رجليْه إِلَى موضع
واحد، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الَّذِي أهنتُ الدُّنيا.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمَّارٍ
الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أَنَّ رَجُلا حَدَّثَ عَلِيًّا بِحَدِيثٍ،
فَقَالَ: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ كَذَّبْتَنِي، قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ،
قَالَ: إنْ كِنْتَ كَذَبْتَ أَدْعُو عَلَيْكَ، قَالَ: ادْعُ، فَدَعَا،
فَمَا بَرَحَ حَتَّى عُمِيَ.
وقال عطاء بْن السّائب، عن أبي البَخْتَرِيّ، عن عليّ قَالَ: وأبْردُها
على الْكَبِدِ إذا سُئلْتُ عمّا لَا أعلم أن أقول: الله أعلم.
وقال خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن: قال عليّ: من أراد أن يُنِصف
النّاس من نفسه فلْيُحِبَ لهم مَا يحبّ لنفسه.
وقال عَمْرو بْن مُرَّة، عن أبي البَخْتَرِيّ قَالَ: جاء رَجُل إِلَى
عليّ فأثنى عليه، وكان قد بَلَغَه عَنْهُ أمرٌ، فقال: إنّي لست كما
تقول، وأنا فوق مَا فِي نفسك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الأَسَدِيُّ -وَهُوَ صَدُوقٌ- ثنا أبو
مُوسَى بْنُ مُطَيْرٍ -وَهُوَ وَاهٍ-2 عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَعْصَعَةَ
بْنِ صَوْحَانَ قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ علي أتيناه، فقلنا:
__________
1 السمل: البالي من الثياب.
2 متروك ومتهم بالكذب كما في "الميزان" "8928".
(3/152)
اسْتَخْلِفْ، قَالَ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ
بِكُمْ خَيْرًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ خَيْرَكُمْ، كَمَا أَرَادَ
بِنَا خَيْرًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا أَبَا بَكْرٍ.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ
قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: أَلَا تُوصِي؟ قَالَ: مَا أَوْصَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَوْصَى، وَلَكِنْ إِنْ
يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا سَيَجْمَعُهُمْ على خيرهم، كَمَا
جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ.
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،
رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَلْعٍ الْهَمَدَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ
خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: استُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ
بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وسُنَّتِه، الْحَدِيثَ1.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَبْعٍ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ
مِنْ هَذِهِ، فَمَا يَنْتَظِرُنِي إِلا شَقِيٌّ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبِرْنَا عَنْهُ نُبِرُّ، عِتْرَتَه، قَالَ:
أنشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَنْ تَقْتُلُوا غَيْرَ قَاتِلِي، قَالُوا:
فَاسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ إِلَى
مَا تَرَككُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالُوا: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا أَتَيْتَهُ؟ قَالَ:
أَقُولُ: اللَّهُمَّ تَرَكْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ، ثُمَّ
قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ، وَأَنْتَ فِيهِمْ، إِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ،
وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ2.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ
ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ:
أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ يُسِرُّ إِلَيَّ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم:
"لتخضبن هذه من هَذِهِ، يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَمَا يُحبس
أَشْقَاهَا" 3.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قدِمَ عَلَى عَلِيٍّ قَوْمٌ مِنَ الْبَصْرَةِ مِنَ
الْخَوَارِجِ، فَقَالَ مِنْهُمُ الْجَعْدُ بْنُ نَعْجَةَ: اتَّقِ
اللَّهَ يَا عَلِيُّ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ
مَقْتُولٌ: ضَرْبَةٌ عَلَى هَذِهِ تُخَضِّبُ هَذِهِ، عَهْدٌ مَعْهُودٌ
وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، قال: وعاتبه في
لباسه فقال: مالكم وللباسي، هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي
المسلم4.
__________
1 أخرجه أحمد "1/ 114" وقد تقدم.
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "2/ 20".
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 439".
4 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 438، 439" وشريك في
حفظه ضعف.
(3/153)
وقال فِطْر، عن أبي الطُّفَيْل: إنّ عليًّا
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- تمثّل:
أشْدُدْ حَيَازِيمَكَ للموت ... فَإِن الموتَ لاقيكا
ولا تَجْزَعْ من القتل ... إذا حَلَّ بوادِيكا
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ
أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: أَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وَقَدْ وَضَعْتُ
قَدَمِي فِي الْغَرْزِ، فَقَالَ لِي: لا تَقْدَمِ الْعِرَاقَ فَإِنِّي
أَخْشَى أَنْ يُصيبك بِهَا ذُبَابُ السَّيْفِ، قُلْتُ: وَأَيْمُ
اللَّهِ لَقَدْ أخبرني به رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَمَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطُّ
مُحَارِبًا يُخْبِرُ بِذَا عَنْ نَفْسِهِ1.
قال ابْن عتبة: كان عَبْد الملك رافضيًّا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي
فَاطِمَةَ، حَدَّثَنِي الأَصْبَغُ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: لَمَّا
كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُصِيبَ فِيهَا عَلِيٌّ أَتَاهُ ابْنُ
النَّبَّاحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ
يَمْشِي، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ الصَّغِيرَ، شَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ، فَضَرَبَهُ، فَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ
فَجَعَلَتْ تقول: ما لي وَلِصَلاةِ الصُّبْحِ، قُتِلَ زَوْجِي عُمَرُ
صَلاةَ الْغَدَاةِ، وقُتِلَ أَبِي صَلاةَ الْغَدَاةِ.
وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَوْنٍ
الثَّقَفِيُّ، عَنْ لَيْلَةِ قُتِلَ عَلِيٌّ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ
بْنُ عَلِيٍّ: خَرَجْتُ الْبَارِحَةَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
يُصَلِّي فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي بِتُّ الْبَارِحَةَ أُوقِظُ
أَهْلِي لأَنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ بَدْرٍ، لِسَبْعَ
عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَلَكَتْنِي عَيْنَايَ، فَسَنَحَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الأَوَدِ2
وَاللَّدَدِ3، فَقَالَ: "ادْعُ عَلَيْهِمْ" فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ
أَبْدِلْنِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي
مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي. فَجَاءَ ابْنُ النَّبَّاحِ فَآذَنَهُ
بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَوَرَهُ رَجُلانِ:
أَمَّا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي السُّدَّةِ، وأما الآخر
فأثبتها في رأسه4.
__________
1 أخرجه الحاكم "4678" وضعف الحافظ الذهبي إسناده في "التلخيص".
2 الأود: العوج.
3 اللدد: شدة الخصومة.
4 إسناده ضعيف: أبو جناب الكلبي ضعيف.
(3/154)
وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ،
إنّ عليًّا كان يخرج إِلَى الصلاة، وَفِي يده دِرَّةٌ يوقظ النّاس بها،
فضربه ابن مُلجَم، فقال علي أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي.
رواه غيره، وزاد: فإنْ بقيتُ قَتَلْتُ أو عفوتُ فإنْ مِتُّ فاقتلوه
قِتْلَتي، ولا تعتدوا إنّ الله لَا يحب المعتدين.
وقال مُحَمَّد بْن سعد: لقي ابنُ مُلْجم شَبِيبَ بْن بَجْرة الأشجعيّ،
فأعلمه بما عزم عليه من قُتِلَ عليّ، فوافقه، قَالَ: وجلسا مقابل
السُّدة التي يخرج منها عليّ، قَالَ الْحَسَن: وأتيته سَحَرًا، فجلست
إليه فقال: إنّي مَلَكَتْني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النّبيّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر المنام المذكور. قَالَ: وخرج وأنا
خلفه، وابن النّبّاح بين يديه، فَلَمَّا خرج من الباب نادى: أيُّها
النّاس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع كل يوم، ومعه دِرَّتُهُ يُوقِظُ
النّاس، فاعْتَرَضَهُ الرجلان، فضربه ابنُ مُلْجَم على دماغِه، وأمّا
سيف شبيب فوقع فِي الطّاق، وسمع النّاس عليًّا يقول: لَا
يَفُوتَنَّكُمُ الرجل، فشدّ النّاس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب،
وَأُخِذَ عَبْد الرَّحْمَن، وكان قد سمّ سيفه.
ومكث عليّ يوم الجمعة والسبت، وتُوُفيّ ليلة الأحد، لإحدى عشرة
لَيْلَةً بقيت من رمضان. فَلَمَّا دُفِنَ أحضروا ابن ملجم، فاجتمع
النّاس، وجاءوا بالنّفْط والبَوَاري، فقال مُحَمَّد بْن الحنفية،
والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب: دَعُونا نَشْتَفّ منه،
فقطع عَبْد الله يديه ورِجْلَيه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكَحَل عينيه،
فلم يجزع، وجعل يقول: إنّك لَتَكْحُل عيني عمّك، وجعل يقرأ: {اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} 1 حَتَّى ختمها، وإنّ عينيه
لَتَسيلان، ثُمَّ أمر به فعولج عن لسانه ليُقْطَع، فجزع، فَقِيلَ له في
ذلك. فقال: ما ذاك بِجَزَعٍ، ولكنّي أكره أن أبقى فِي الدُّنيا
فُوَاقًا لَا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثُمَّ أحرقوه فِي قَوْصرة، وكان
أسمر حَسَن الوجه، أفلَجَ، شعْرُهُ مع شَحْمَه أُذُنيه، وَفِي جبهته
أثر السُّجود.
ويُرْوَى أن عليًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أمرهم أن يحرِّقوه بعد
الْقَتْلِ.
وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ قَالَ: صلّى الحَسَن على عليّ،
وَدُفِنَ بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره.
__________
1 سورة العلق: 1.
(3/155)
وعن أبي بَكْر بْن عيّاش قَالَ: عَمُّوه
لئلّا تَنْبُشَه الخوارج.
وقال شَرِيك، وغيره: نقله الْحَسَن بْن عليّ إِلَى المدينة.
وذكر المُبَرّد عن مُحَمَّد بْن حبيب قَالَ: أوّل من حُوِّلَ من قبرٍ
إِلَى قبرٍ عليّ.
وقال صالح بْن احمد النَّحْويّ: ثنا صالح بْن شُعيب، عن الْحَسَن بْن
شُعَيب الفَرَويّ، أنّ عليًّا صُيِّر فِي صُندوقٍ، وكثَّروا عليه من
الكافور، وَحُمِلَ على بعير، يريدون به المدينة، فَلَمَّا كان ببلاد
طيّء، أضلوا البعير ليلًا، فأخذته طيء وهم يظنون أنّ فِي الصُّندوق
مالًا فلمّا رأوه خافوا فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه.
وقال مُطَيْن: لو عَلِمَتِ الرافضة قبرَ مَن هَذَا الَّذِي يُزار بظاهر
الكوفة لَرَجَمَتْهُ، هَذَا قبر المُغيرة بْن شُعْبَة.
قال أبو جَعْفَر الباقر: قُتِلَ عليّ وهو ابنُ ثمانٍ وخمسين.
وعنه رواية أخرى أنّه عاش ثلاثًا وستّين سنة، وكذا رُوِيَ عن ابنُ
الحنفية، وقاله أبو إِسْحَاق السبيعيّ، وأبو بَكْر بْن عياش، وينصر ذلك
ما رواه ابنُ جُريْج، عن مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طالب، أنه أخبر أنّ عليًّا تُوُفيّ لثلاثٍ أو أربعٍ وستين سنة.
وعن جَعْفَر الصادق، عن أَبِيهِ قَالَ: كان لعلي سبع عشر سرِيّة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ
قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ: لَقَدْ فَارَقَكُمْ
بِالأَمْسِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ إِلا الأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلا
يُدْرِكُهُ الآخِرُونَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِيهِ الرَّايَةَ، فَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى
يُفْتَحَ لَهُ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَلا صَفْرَاءَ، إِلا
سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فضلت من عطائه، كان أرصدها لخادم أهله.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو الأَصَمِّ قَالَ: قُلْتُ
لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِنَّ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا
مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ
مَا هَؤُلاءِ بِشِيعَةٍ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ مَا
زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، وَلا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ. وَرَوَاهُ شَرِيكٌ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، بَدَلَ عَمْرٍو.
ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين لطال الكتاب. والله تعالى أعلم.
(3/156)
وقعة الجمل:
سنة ست وثلاثين:
لمّا قُتِلَ عثمان صبرًا، سُقِط في أيدي أصحاب النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعوا عليًّا، ثمّ إنّ طلحة بن عُبَيْد الله،
والزُّبَيْر بن العوام، وأمّ المؤمنين عائشة، ومَن تبِعَهُم رأوا أنّهم
لَا يخلِّصهم ممّا وقعوا فيه من تَوَانِيهم في نُصْرة عثمان، إلّا أن
يقوموا في الطلب دمه، والأخْذ بثأره من قَتَلَته، فساروا من المدينة
بغير مشورةٍ من أمير المؤمنين عليّ، وطلبوا البصرة.
قَالَ خليفة: قدِم طلْحة، والزُّبَيْر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن
حُنَيْف الأنصاريّ وَالِيًا لعليّ، فخاف وخرج منها، ثمّ سار عليّ من
المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حُنَيْف أخا عثمان، وبعث ابنه
الحسن، وعمّار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران النّاس، ثمّ إنّه
وصل إلى البصرة، وهو أحد الرءوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى
هو وجيش طلْحة والزُّبَيْر، فقتل الله حُكَيْمًا في طائفة من قومة،
وقُتِل مقدّم جيش الآخرين أيضًا مُجَاشع بن مسعود السُّلَميّ.
ثمّ اصطلحت الفئتان، وكفُّوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حُنَيْف
دار الإمارة والصّلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصْرة،
حتّى يقدم عليّ -رضي الله عنه.
وَقَالَ عمّار لأهل الكوفة: أما واللَّهِ إنّي لأعلم أنّها -يعني
عائشة- زَوْجَة نبيكم في الدُّنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم بها
لينظُر أَتَّتبِعُونه أو إيّاها.
قَالَ سعد بن إبراهيم الزُّهْريّ: حدّثني رجلٌ من أسلم قَالَ: كنّا مع
عليّ أربعة آلاف من أهل المدينة.
وَقَالَ سعيد بن جُبَيْر: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من
الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان.
(3/157)
رواه جعفر بن أبي المُغْيرة عن سعيد.
وَقَالَ المطّلب بن زياد، عن السُّدِّيّ: شهِدَ مع عليّ يوم الجمل
مائةٌ وثلاثون بدريًا وسبعمائة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقُتِلَ بينهما ثلاثون ألفًا، لم تكن
مقتله أعظم منها.
وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلّا عليّ، وعمار، وطلحة،
والزُّبَيْر من الصحابة.
وَقَالَ سَلَمة بن كُهَيْلٍ: فخرج من الكوفة ستَّةٌ آلافٍ، فقدِموا على
عليّ بذي قار، فسار في نحو عشرة آلافٍ، حتّى أتى البصرة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة: كان على خيل عليّ يوم الجمل عمّار، وعلى
الرَّجَّالَةِ محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق، وعلى الميمنة عِلْباء بن
الهيثم السَّدُوسيّ، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحَسَن بن عليّ،
وعلى الميسرة الحسين بن عليّ وعلى المقدّمة عبد الله بن عباس، ودفع
اللّواء إلى ابنه محمد بن الحنفيّة وكان لواء طلحة والزُّبَيْر مع عبد
الله بن حُكَيْم بن حِزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرَّجَّالَةِ عبد
الله بن الزُّبَيْر، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، وعلى
الميسرة مروان بن الحكم.
وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عُبَيْد الله بن زياد.
قَالَ اللَّيث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جُمَادى الأولى.
وَقَالَ أَبُو اليَقْظان: خرج يومئذ كعب بن سُور الأزديّ في عُنُقه
المُصْحَف، ومعه تِرْس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله.
قَالَ محمد بن سعد: وكان كعب قد طيّن عليه بيتًا، وجعل فيه كُوَّةً
يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالًا للفتنة، فقيل لعائشة: إنْ خرج معك
لم يتخلف من الأزد أحدٌ، فركِبْتَ إليه فنادته وكلَّمَتْهُ فلَم
يُجبْها، فَقَالَتْ: ألست أمّك ولي عليك حقّ، فكلَّمَهَا، فَقَالَتْ:
إنّما أريد أنْ أصْلِحَ بين النّاس. فذلك حين خرج ونشر المُصْحف، ومشى
بين الصَّفَّين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله.
وَقَالَ حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سُور فنشر مُصْحَفًا بين
الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتى قتل.
(3/158)
وَقَالَ غيره: اصطفّ الفريقان، وليس لطلحة
ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة،
فترامى أوباش الطائفتين بالنَّبْل، وشبّت نارُ الحرب، وثارت النفوس،
وبقي طلحة يَقُولُ: أيها الّناس أنْصِتُوا، والفتنة تغلي، فَقَالَ:
أُفّ فَرَاش النار، وذِئاب طمع، وَقَالَ: اللَّهُمَّ خذ لعثمان منّي
اليوم حتّى ترضى، إنّا داهَنّا في أمر عثمان، كنّا أمس يدًا على من
سوانا، وأصبحنا اليوم جَبَلَيْن من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه
كان منّي في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلّا بسفْك دمي، وبطلَب دمِه.
فروى قَتَادة، عن الجارود بن أبي سَبْرَة الهُذَليّ قَالَ: نظر مروان
بن الحَكَم إلى طلحة يوم الجمل، فَقَالَ: لَا أطلب ثأري بعد اليوم،
فرَمى طلحة بسهم فقتله.
وَقَالَ قيس بن أبي حازم: رأيت مَروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذٍ
بسهمٍ، فوقع في رُكبته، فما زال يسحّ حتّى مات. وفي بعض طُرُقه: رماه
بسهمٍ، وَقَالَ: هذا ممّن أعان على عثمان.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أنّ مروان رمى طلحة، والتفت إلى
أبان بن عثمان وَقَالَ: قد كفيناك بعض قَتَلَة أبيك.
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ رجل، أن عليًّا قال: بشروا
طلحة بالنار.
وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ستمائة رجل،
فسلكنا على طريق الرَّبَذَة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وَقَالَ:
ائْذنْ لي فأتكلّم، فَقَالَ: تكلّم، ودعْ عنك أنْ تحن حنين الجارية،
قَالَ: لقد كنت أشرتُ عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إنّ للعرب
جوْلة، ولو قد رجعَتْ إليها غواربُ أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل،
حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حُجْر الضَّبّ.
فَقَالَ عليّ: أتراني لَا أبالَكَ كنتُ منتظرًا كما تنتظر الضَّبُعُ
اللَّدْمَ1. وَرُوِيَ نحوه من وجهين آخرين.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمّ له قال: لمّا كان يوم الجمل نادى علي
في
__________
1 اللدم: اللطم.
(3/159)
النّاس: لَا ترموا أحدًا بسهم، وكلِّموا
القوم، فإنّ هذا مقام من فَلَجَ فيه فُلِج يوم القيامة، قَالَ:
فتوافقنا حتّى أتانا حَرُّ الحديد، ثمّ إنّ القوم نادوا بأجمعهم: "يا
لثارات عثمان"، قال: وابن الحنفية رتوة1 معه اللّواء، فمدّ عليٌّ يديه
وَقَالَ: اللَّهُمَّ أكِبَّ قتله عثمان على وُجُوههم، ثمّ إن
الزُّبَيْر قَالَ لأساوِرَة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنّه إنّما أراد
أن ينشب القتال. فلمّا نظر أصحابنا إلى النّشّاب لم ينتظروا أن يقع إلى
الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهْمٍ فشكّ ساقه
بجَنْب فَرَسه.
وعن أبي جرو المازِنّي قَالَ: شهدت عليًّا والزبير حين توافقا، فَقَالَ
له عليّ: يا زُبير أنْشُدُك الله أسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إنّك تقاتلُني وأنت ظالم لي"
قَالَ: نعم ولم أَذْكُرُه إلّا في موقفي هذا، ثمّ انصرف2.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ، لَيْتَ أَبَاكَ مَاتَ
مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ قَدْ كُنْتُ
أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَمْ أر أن الأمر يبلغ هذا.
وقال سعد ابن سعد: إنّ محمد بن طلحة تقدّم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه
رجل، فقال محمد: أذكركم "حم" فطعنه فقتله، ثُمَّ قَالَ في محمد:
وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآيات ربِّهِ ... قليلِ الَأذَى فيما ترى العينُ
مسلمِ
هتكتُ له بالرّمح جيبَ قميصه ... فَخَرّ صَريعًا لليّدَيْن وللفم
يُذَكّرني حم وَالرُّمْحُ شاجر ... فهلا تلاحم قبل التَّقدُّمِ
على غير شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعًا ... عليًّا ومَن لَا يَتْبَعِ
الْحَقَّ يندَمِ
فسار عليّ ليلته في الْقَتْلَى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة
قتيلًا، فَقَالَ: يا حسن "محمّد السّجّاد وربّ الكعبة"، ثمّ قَالَ:
أبوه صَرَعَه هذا المصرع، ولولا برِّه بأبيه مَا خَرَج. فَقَالَ الحسن:
ما كان أغناك عن هذا، فقال: ما لي وما لك يا حسن.
__________
1 الرتوة: الخطوة.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 415".
(3/160)
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ
قَيْسٍ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْجَمَلِ،
وَنَادَاهُ عَلِيٌّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى
الْتَقَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ،
أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أُنَاجِيكَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "تُنَاجِيهِ فَوَاللَّهِ
لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ". قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ
سَمِعَ الْحَدِيثَ، فَضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتَهُ وَانْصَرَفَ1.
وَقَالَ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو شِهَابٍ
الْحَنَّاطُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه
قال يوم الجمل للزبير: يابن صَفِيَّةَ، هَذِهِ عَائِشَةُ تملِكُ
طَلْحَةَ، فَأَنْتَ عَلَى مَاذَا تُقَاتِلُ قَرِيبَكَ عَلِيًّا،
فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ، فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ.
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي لَيْلَى قَالَ: انصرف الزُّبَيْر يوم الجمل عن عليّ، وهم في
المصافّ، فَقَالَ له ابنه عبد الله: جُبْنًا جُبْنًا، فَقَالَ: قد علم
النّاس أنّي لست بجبانٍ، ولكن ذكَّرني عليّ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحلفت أن لَا
أقاتله، ثمّ قَالَ:
تَرْكُ الأمورِ التي أخشي عواقِبَها ... في الله أحْسَنُ في الدُّنيا
وفي الدِّين
وَكِيعٌ، عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ -وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ
الأَدْبَبِ، يُقْتَلُ حَوَالَيْهَا قَتْلَى كَثِيرُونَ، وَتَنْجُو
بَعْدَ مَا كَادَتْ" 2.
وقيل: إنّ أوّل قتيلٍ كان يومئذٍ مسلم الجُهَنيّ، أمره عليّ فحمل
مُصْحفًا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتِلَ.
وَقُطِعَتْ يومئذ سبعون يدًا من بني ضبّة بالسيوف، صار كلَّما أخذ رجل
بخطام الجمل الَّذِي لعائشة، قطِعَتْ يدُه، فيقوم آخرُ مكانه
وَيَرْتَجِزُ، إلى أن صرخ صارخ اعقُروا الجمل، فعقره رجلٌ مُخْتَلَفٌ
في اسمه، وبقي الجمل والهودج الَّذِي عليه، كأنّه قُنْفُذٌ من
النَّبْلِ، وكان الهودج مُلَبَّسًا بالدُّروع، وداخله أمّ المؤمنين،
وهي تشجّع الذين حول الجمل: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن".
ثمّ إنّها ندِمَتْ وَنَدِمَ عليّ لأجل ما وقع.
__________
1 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
2 إسناده صحيح: عزاه الحافظ ابن حجر في "الفتح" "3/ 59" للبزار، وقال:
رجاله ثقات. وقال الألباني في "الصحيحة" "1/ 774، 775": إسناده صحيح.
(3/161)
وقعة صفين 1:
سنة سبع وثلاثين:
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: أنبأ مُحَمَّد بْن عُمَر قَالَ: لما قُتِلَ
عُثْمَان، كتبت نائلة زوجته إِلَى الشام إِلَى مُعَاوِيَة كتابًا تصف
فِيهِ كيف دُخِلَ على عُثْمَان وقُتِلَ، وبعثت إليه بقميصه بالدِّماء،
فقرأ مُعَاوِيَة الكتاب على أَهْل الشام، وَطَيَّفَ بالقميص فِي أجناد
الشام، وحرَّضهم على الطَّلب بدمه، فبايعوا مُعَاوِيَة على الطَّلب
بدمه.
ولمّا بوُيع عليّ بالخلافة قال له ابن الحَسَن وابن عبّاس: اكتب إلى
مُعَاوِيَة فأقرَّه على الشَّام، وأَطْمِعْهُ فإنّه سيطمع ويكفيك نفسَه
وناحيته، فإذا بايع لك النّاس أَقْرَرْته أو عَزَلْته، قَالَ: فإنّه
لَا يرضى حَتَّى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أنْ لَا أعزله، قَالا:
لَا تُعْطه ذلك. وبلغ ذلك مُعَاوِيَة فقال: والله لَا ألي له شيئًا ولا
أبايعه، وأظهر بالشام أنّ الزُّبَيْر بْن العوّام قادم عليهم، وأنّه
مُبَايع له، فلمّا بلغه أمر الجمل أمسك، فلمّا بلغه قتْلُ الزُّبير
ترحم عليه وقال: لو قدم علينا فبايعناه وكان أهلًا.
فلمّا انصرف عليّ من البصرة، أرسل جرير بْن عَبْد الله البَجليّ إِلَى
مُعَاوِيَة، فكلَّم مُعَاوِيَة، وعظَّم أمرَ عليٍّ ومُبَايعته واجتماع
النّاس عليه، فأبى أنْ يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلامٌ كثير، فانصرف
جريرُ إِلَى عليّ فَأَخْبَرَه، فأجمع على المسير إِلَى الشام، وبعث
معاويةُ أَبَا مسلم الخَوْلاني إِلَى عليّ بأشياء يطلبها منه، منها أن
يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل.
ثمّ سار كلٌّ منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفِّين لسبْعٍ بقين من
المحرّم، وشبَّت الحربُ بينهم فِي أوّل صفر، فاقتتلوا أيّامًا.
فَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ
سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبد
__________
1 صفين: موضع قرب الرقة على شاطئ الفرات.
(3/162)
اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الْحَجِّ، فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ
الْحَجَّ، ثُمَّ قَدِمْتُ وَقَدْ قُتِلَ وَبُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ:
سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا، قُلْتُ: مَا هَذَا
بِرَأْيِ، مُعَاوِيَةَ ابْنِ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلِهِ عَلَى
الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ،
وَأَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي، قَالَ عَلِيٌّ: ولِمَ؟
قُلْتُ: لِقَرَابَتِي مِنْكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ
حَمَلَ عليَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فمَنِّه وَعِدْهُ.
فَأَبَى عَلِيٌّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا.
رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ،
عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
لِعَلِيٍّ: ابْعَثْنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَوَاللَّهِ لأَفْتِلَنَّ
لَهُ حَبْلا لا يَنْقَطِعُ وَسَطُهُ، قَالَ: لَسْتُ مِنْ مَكْرِكَ
وَمَكْرِهِ فِي شَيْءٍ، وَلا أَعْطِيهِ إِلا السَّيْفَ، حَتَّى
يَغْلِبَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْ غَيْرُ
هَذَا؟ قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ يُطَاعُ وَلا يُعْصَى، وَأَنْتَ
عَنْ قَلِيلٍ تُعْصَى وَلا تُطَاعُ، قَالَ: فَلَمَّا جَعَلَ أَهْلُ
الْعِرَاقِ يَخْتَلِفُونَ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قَالَ:
لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى الْغَيْبِ
مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ.
وقال مجالد، عن الشَّعْبِيّ قَالَ: لمّا قُتِلَ عُثْمَان، أرسلتْ أمُّ
المؤمنين أمّ حبيبة بنت أَبِي سُفيان إِلَى أَهْل عُثْمَان: أرسِلُوا
إليّ بثياب عُثْمَان التي قُتِلَ فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضَرَّجًا
بالدَّم، وبُخصْلة الشَّعْر التي نُتِفَتْ من لِحْيَتِهِ، ثمّ دعتِ
النُّعمان بْن بشير، فبعثته إِلَى مُعَاوِيَة، فمضى بِذَلِك وبكتابها،
فصعد مُعَاوِيَة المنبر، وجمع النّاس، ونشر القميص عليهم، وذكر مَا
صُنِعَ بعثمان، ودعا إِلَى الطَّلب بدمه.
فقام أَهْل الشام فقالوا: هُوَ ابن عمّك وأنت وليّه، ونحن الطّالبون
معك بدمه، وبايعوا له.
وقال يُونُس، عن الزُّهْرِيّ قَالَ: لمّا بلغ مُعَاوِيَة قتْلَ
طَلْحَةَ والزُّبَيْر، وظهور عليّ، دعا أَهْل الشام للقتال معه على
الشُّورى والطَّلب بدم عُثْمَان، فبايعوه على ذلك أميرًا غير خليفة.
وذكر يحيى الجُعْفيّ فِي كتاب صفين بإسناده أن معاوية قال لجرير بْن
عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ:
وبعث الْوَلِيد بْن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام،
وأنا أبايع له، قَالَ: وبعث الْوَلِيد بْن عقبة إليه يقول:
(3/163)
مُعَاوِيّ إنّ الشام شامُك فاعتصمْ ...
بشامِكَ لَا تُدْخِلْ عليك الأفاعيا1
وحامٍ عليها بالقبائل والقِنا ... ولا تك محشوش الذراعين وانيا
فإنّ عليًّا ناظرٌ مَا تُجِيبُه ... فَاهْدِ له حَرْبًا تُشيب
النَّوَاصيَا
وحدّثني يَعْلَى بْن عبيد: حدثنا أبي قَالَ: قال أَبُو مُسْلِم
الخَوْلاني وجماعة لمعاوية: أنت تُنازع عليًّا! هَلْ أنت مثله؟ فقال:
لَا والله إنّي لأعلم أنّ عليًّا أفضل منّي وأحقّ بالأمر، ولكن
ألَسْتُمْ تعلمون أنّ عُثْمَان قُتِلَ مظلومًا، وأنا ابن عمّه، وإنّما
أطلب بدمه، فأتُوا عليًّا فقولوا له: فلْيَدْفَعْ إليّ قَتَلَة
عُثْمَان وأسلم له، فأتّوْا عليًّا فكلَّموه بِذَلِك، فلم يدفعهم إليه.
وَحَدَّثَنِي خَلادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ
شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ -أَوْ أَبِي
جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ شَكَّ خَلادٌ- قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ
مُعَاوِيَةَ دَعَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- رَجُلا، وَأَمَرَهُ
أَنْ يَسِيرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْتَقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ
الْمَسْجِدِ، وَيَدْخُلَ بِهَيْئَةِ السَّفَرِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ،
وَكَانَ قَدْ وَصَّاهُ بِمَا يَقُولُ، فَسَأَلُوهُ: مِنْ أَيْنَ
جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ العراق، قالوا: ما وَرَاءَكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ
عَلِيًّا قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُمْ وَنَهَدَ2 فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ.
فبلغ مُعَاوِيَة، فأرسل أَبَا الأعور السُّلَمِيّ يحقّق أمره، فأتاه
فسأله، فَأَخْبَرَه بالأمر الَّذِي شاع، فنودي: الصّلاة جامعة، وامتلأ
النّاس فِي المسجد، فصعد معاوية المِنْبَر وتشهّدّ ثمّ قَالَ: إنّ
عليًّا قد نَهَدَ إليكم فِي أَهْل العراق، فَمَا الرّأي؟ فضرب النّاس
بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفعْ إليه أحدٌ طَرْفَه، فقام ذو الكلاع
الحِمْيرِيّ فقال: عليك الرأيّ وعلينا أمّ فعال -يعني الفِعال- فنزل
مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النّاس: اخرجوا إِلَى مُعَسْكَركم، ومن
تخلَّف بعد ثلاثٍ أحلّ بنفسه.
فخرج رسول عليّ حتّى وافاه، فَأَخْبَرَه بِذَلِك، فأمر عليٌّ فنوديّ:
الصّلاة جامعة، فاجتمع النّاس، وصعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رسولي الَّذِي أرسلته إِلَى
الشام قد قَدِمَ عليّ، وأخبرني أنّ مُعَاوِيَة قد نهد إليكم في أهل
__________
1 معاوي: يريد معاوية.
2 نهد: قصد.
(3/164)
الشام فَمَا الرأي? قَالَ: فأضبَّ أهلُ
المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا الرأي كذا، فلم يفهم على
كلامهم من كثرة من تكلّم، وكثُر اللَّغَط، فنزل وهو يقول: {إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1، وذهب بها ابن آكلة الأكباد،
يعني مُعَاوِيَة.
وقال الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي من رَأَى عليًّا يوم صِفِّين يصفِّق
بيديه ويعضّ عليهما ويقول: واعجبا أُعْصَى ويُطاع مُعَاوِيَة.
وقال الواقديّ اقتتلوا أيّامًا حتّى قُتِلَ خلْقٌ وضجروا، فرفع أهلُ
الشام المَصَاحِف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فِيهِ، وكان
ذلك مكيدةً من عمرو بْن العاص، يعني لمّا رَأَى ظهورَ جيش عليّ.
فاصطلحوا كما يأتي.
وقال الزُّهْرِيّ: اقتتلوا قتالًا لَم تَقْتَتِلْ هَذِهِ الأمةُ مثله
قطّ، وغلب أَهْل العراق على قتلى أَهْل حمص، وغلب أَهْلُ الشام على
قتلى أَهْل العالية، وكان على ميمنة عليّ الأشعث بْن قَيْس الكِنْدي،
وعلى المسيرة عَبْد الله بْن عبّاس، وعلى الرَّجَّالَةِ عَبْد الله بْن
بُدَيْل بْن وَرْقَاء الخُزَاعيّ، فقُتِلَ يومئذٍ. ومن أمراء عليّ
يومئذٍ الأحنف بْن قيس التيمي، وعمار بن ياسر العنبسي وسليمان بْن صُرد
الخُزاعيّ وعَديّ بْن حاتم الطّائيّ والأشتر النَّخْعي وعمرو بْن
الحَمِق الخُزَاعيّ، وشبَث بْن رِبعيّ الرِّياحيّ، وسعيد بْن قَيْس
الهمداني، وكان رئيس هَمدَان المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَلِيد
المخزوميّ، وقيس بْن مكشوح المُراديّ، وخُزَيْمة بْن ثابت
الْأَنْصَارِيّ، وغيرهم.
وكان عليّ فِي خمسين ألفًا، وقيل: فِي تسعين ألفًا، وقيل: كانوا مائة
ألف.
وكان مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفًا، وكان لواؤه مع عَبْد الرَّحْمَن بْن
خَالِد بْن خَالِد بْن الْوَلِيد المخزوميّ وعلى مَيْمَنَته عمرو بْن
العاص وقيل ابنه الأشتر عُبَيْد الله بْن عمرو، وعلى الميسرة حبيب ببن
مَسْلَمَة الفِهْريّ، وعلى الخيل عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب،
ومن أمرائه يومئذ أَبُو الأعور السُّلميّ، وزُفَر بْن الْحَارِث، وذو
الكلاعِ الحِميرِيّ، ومَسْلَمَة بْن مَخْلَد، وبُسْر بْن أرطاة
العامريّ، وحابس بْن سعد الطّائي، ويزيد بْن هبيرة السكوني، وغيرهم.
__________
1 سورة البقرة: 156.
(3/165)
قال عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلِمَة قَالَ: رَأَيْت عمار بْن ياسر بصِفّين، ورأى راية
مُعَاوِيَة فقال: إنّ هَذِهِ قاتلْتُ بها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع مرّات. ثمّ قاتل حَتَّى قُتِلَ.
وقال غيره: برز الأشعث بْن قَيْس في ألفين، فبرز لهم أَبُو الأعور فِي
خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثمّ غلب الأشعث على الماء وأزالهم عَنْهُ.
ثُمَّ التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثُمَّ يوم الخميس والجمعة وليلة
السَّبْت، ثُمَّ رفع أَهْل الشام لمّا رأوا الكَسْرَة الْمَصَاحِفَ
بإشارة عمرو، ودعوا إِلَى الصُّلح والتّحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم
الحَكَمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لَا حُكم إلّا لله.
وخرجوا عليه فهُمُ الخوارج.
وقال ثُوَيْر بْن أبي فاختة، عن أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ مع عليّ بصفين
خمسة وعشرون بدْريًا. ثُوَيْر متروك.
قَالَ الشَّعْبِيّ: كان عَبْد الله بْن بُدَيْل يوم صفين عليه دِرْعان
ومعه سيفان، فكان يضرب أهلَ الشام ويقول:
لم يبق إلّا الصَّبْر وَالتَّوَكُّلْ ... ثُمَّ التمشّي فِي الرعيل
الأوّلْ
مَشْيَ الْجِمَالِ فِي حياض الْمَنْهَلْ ... والله يقضي مَا يشا ويفعلْ
فلم يَزَلْ يضرب بسيفه حَتَّى انتهى إِلَى مُعَاوِيَة فأزاله عن موقفه،
وأقبل أصحابُ مُعَاوِيَة يرمونه بالحجارة حَتَّى أثخنوه وقُتِلَ،
فَأَقْبَلَ إليه مُعَاوِيَة، وألقى عَبْد الله بْن عامر عليه، عمامته
غطاه بها وترحَّم عليه، فقال مُعَاوِيَة لعبد الله: قد وَهَبْنَاه لك،
هَذَا كَبْشُ القومِ وربّ الكعبة، اللَّهُمَّ أظْفِرْ بالأشتر والأشعث،
والله مَا مثل هَذَا إلّا كما قال الشاعر:
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحرب عضَّها ... وإنْ شَمَّرتْ يومًا به
الحربُ شَمّرا
كلَيْث هزَبرٍ كان يحمي ذِمارَهُ ... رَمَتْهُ المَنايا قَصْدَهَا
فتقصَّرا
ثُمَّ قَالَ: لو قدِرَت نساءُ خُزاعةَ أنْ تُقاتلني فضلًا عن رجالها
لَفَعَلَتْ. وَفِي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بْن شَرَاحيل، عن
حَنَش بْن عَبْد الله
(3/166)
الصَّنْعاني عن عَبْد الله بْن زُرَيْر
الغافقي قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت
أنّه لَا يبقى أحدٌ، فأسمع صائحًا يصيح: مَعْشَرَ النّاس، اللَّه
اللَّه فِي النساء والوِلدان من الروم ومن الترك، الله الله.
والتقينا، فأسمع حركةً من خلفي، فإذا عليٌّ يَعْدُو بالرّاية حَتَّى
أقامها، ولحِقَه ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة، فسمعته يقول: يا
بُنَيّ الْزَمْ رايَتَكَ، فإنّي متقدِّمٌ فِي القوم، فأنظرُ إليه يضرب
بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم.
وقال خليفة: شهِدَ مع عليّ من البدْريين: عمار بْن ياسر، وسهل بْن
حُنَيْف، وخوات بن جبير، وأبو سعد السّاعديّ، وأبو اليُسْر، ورِفَاعة
بْن رافع الْأَنْصَارِيّ، وأبو أيّوب الأنصاريّ بخُلْفٍ فِيهِ، قَالَ:
وشهد معه من الصحابة ممّن لم يشهد بدْرًا: خُزَيْمة بْن ثابت ذو
الشهَّادتين، وقيس بْن سعد بْن عُبَادة، وأبو قَتَادَةَ، وسهل بْن سعد
السّاعدي، وقَرَظَة بْن كعب، وجابر بْن عَبْد الله، وابن عَبَّاس،
والحسن، والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب، وأبو مَسْعُود
عقبة بْن عمرو، وأبو عيّاش الزُّرَقي، وعديّ بْن حاتم، والأشعث بن
قَيْس، وسليمان بْن صُرَد، وجُنْدُب بْن عَبْد الله، وجارية بْن قُدامة
السَّعْدِيّ.
وعن ابن سِيرِينَ قَالَ: قُتِلَ يوم صفين سبعون ألفًا يُعَدُّون
بالقَصَب.
وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستّين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفًا،
منهم خمسة وأربعون ألفًا من أَهْل الشام.
وقال عَبْد السلام بْن حرب، عن يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن عن جَعْفَر
-أظنّه ابن أبي المُغْيَرة- عن عبيد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن
أبْزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرّضوان،
قُتِلَ منهم ثلاثةٌ وستون رجلًا، منهم عمّار.
وقال أَبُو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بْن عُتْبة بْن أبي
وقاص، وكان على الخيل عمّار بْن ياسر.
وقال غيره: حيل بين عليّ وبين الفرات؛ لأن مُعَاوِيَة سَبَقَ إِلَى
الماء، فأزالهم الأشعثُ عن الماء.
قلت: ثُمَّ افترقوا وتواعدوا ليوم الحَكَمَيْن.
(3/167)
وقُتل مع عليّ: خُزَيْمة بْن ثابت، وعمار
بْن ياسر، وهاشم بْن عُتْبَة، وعبد الله بْن بُدَيْل، وعبد الله بْن
كعب المُراديّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح
المرادي، وأُبيّ بْن قَيْس النخعي أخو عَلْقَمة، وسعد بْن الْحَارِث
بْن الصِّمَّة الأنصاريّ، وجُنْدُب بْن زُهَير الغامِديّ، وأبو ليلى
الْأَنْصَارِيّ.
وقُتِلَ مع مُعَاوِيَة: ذو الكَلاع، وحَوْشَب ذو ظُلَيْم، وحابس بْن
سعد الطّائي قاضي حمص، وعَمْرو بْن الحَضْرَميّ، وعُبَيْد الله بْن
عُمَر بْن الخطاب العدويّ، وعُرْوة بْن دَاوُد، وكُرَيْب بن الصَّبَّاح
الحِمْيَريّ أحد الأبطال، قتلَ يومئذٍ جماعةً، ثُمَّ بارَزَه عليّ
فقتله.
قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْكُوفِيُّ الرَّافِضِيُّ: ثنا عُمَرُ
بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، أَنَّ وَلَدَ ذِي
الْكَلاعِ أَرْسَلَ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ: إِنَّ ذَا
الْكَلاعِ قَدْ أُصِيبَ، وَهُوَ فِي الْمَيْسَرَةِ، أَفَتَأْذَنُ لَنَا
فِي دَفْنِهِ؟ فَقَالَ الأَشْعَثُ لِرَسُولِهِ أَقْرِئْهُ السَّلامَ،
وَقُلْ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّهِمَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ،
فَاطْلُبُوا ذَلِكَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ
فَإِنَّهُ فِي الْمَيْمَنَةِ، فَذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ
فَقَالَ: مَا عَسَيْتُ أَنْ أَصْنَعَ، وَقَدْ كَانُوا مَنَعُوا أَهْلَ
الشَّامِ أَنْ يدخلوا عَسْكَرَ عَلِيٍّ، خَافُوا أَنْ يُفْسِدُوا
أَهْلَ الْعَسْكَرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لأَصْحَابِهِ: لأَنَا أَشَدُّ
فَرَحًا بِقَتْلِ ذِي الْكَلاعِ مِنِّي بِفَتْحِ مِصْرَ لَوِ
افْتَتَحْتُهَا؛ لأَنَّ ذَا الْكَلاعِ كَانَ يَعْرِضُ لِمُعَاوِيَةَ
فِي أَشْيَاءَ كَانَ يَأْمُرُ بِهَا، فَخَرَجَ ابْنُ ذِي الْكَلاعِ
إِلَى سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَبِيهِ فَأَذِنَ
لَهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَغْلٍ وَقَدِ انْتَفَخَ.
وشهد صِفِّين مع مُعَاوِيَة من الصحابة: عمرو بْن العاص السَّهْميّ،
وابنُهُ عَبْد الله، وفضالة بْن عُبَيْد الْأَنْصَارِيّ، ومَسْلَمة بْن
مَخْلَد، والنُّعمان بْن بشير، ومعاوية بْن حُدَيج الكِنْدي، وأبو
غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب بن مَسْلَمة الفِهْري، وأبو الأعور
السُّلَمِيّ، وبُسْر بْن أرطاة العامريّ.
تحكيم الحَكَمين:
عن عِكْرِمة قَالَ: حَكَّم مُعَاوِيَة عمرو بْن العاص، فقال الأحنف بْن
قَيْس لعليّ: حَكِّمْ أنت وابن عَبَّاس، فإنّه رجلٌ مُجَربّ، قَالَ:
أفعل، فأبت الْيَمَانِيَةُ
(3/168)
وقالوا: لَا، حتّى يكون منّا رَجُل، فجاء
ابن عَبَّاس إِلَى عليّ لمّا رآه قد همّ أنْ يُحَكّم أَبَا مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ، فقال له: عَلَام تُحَكّم أَبَا مُوسَى، فَوَالله لقد
عرفت رأيه فينا، فَوَالله مَا نَصَرنا، وهو يرجو مَا نَحْنُ فِيهِ،
فتُدْخِلَهُ الآن فِي معاقد أمرنا، مع أنّه ليس بصاحب ذاك فإذا أبيْتَ
أن تجعلني مع عمرو فاجْعَل الأحنفَ بْن قَيْس فإنّه مُجَرَّبٌ من
العرب، وهو، قِرْنٌ لعَمْرو، فقال عليّ أفعل، فأبت اليَمَانِيَةُ
أيضًا. فلمّا غُلِبَ جعل أَبَا مُوسَى، فسمعتُ ابن عَبَّاس يقول: قلتُ
لعلي يوم الحَكَمَيْن: لَا تُحَكّم أَبَا مُوسَى، فإنّ معه رجلًا حذر
فرس فاره، فلزَّني إِلَى جنبه، فإنّه لَا يحلّ عُقْدَةً إلّا عقدتُها
ولا يَعْقِدُ عقدة إلا حللتها. قال: يابن عَبَّاس مَا أصنع؟ إنّما
أُوتَى من أصحابي، قد ضعفْتُ بينهم وكلُّوا فِي الحرب، هَذَا الأشعث
بْن قَيْس يقول: لَا يكون فيها مُضَرِيّان أبدًا حَتَّى يكون أحدهما
يمانٍ، قَالَ: فَعَذَرْتُهُ وعرفت أنه مُضْطَهَدٌ، وأنّ أصحابه لَا
نيَّة لهم.
وقال أَبُو صالح السمّان: قال عليّ لأبي مُوسَى: أحْكُمْ ولو على حزّ
عُنُقي.
وقال غيره: حكّم معاويةُ عَمْرًا، وحكَّم عليّ أَبَا مُوسَى، على أنّ
من ولَّيَاهُ الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقنا على خلْعه خُلِعَ.
وتواعدا أنْ يأتيا فِي رمضان، وأن يأتي مع كلّ واحدٍ جَمْعٌ من وجوه
العرب.
فلمّا كان الموعد سار هَذَا من الشام، وسار هَذَا من العراق، إِلَى أن
التقى الطّائفتان بدُومَة الجَنْدل وهي طرف من الشام من جهة زاوية
الجنوب والشرق.
فعن عُمَر بْن الحكم قَالَ: قال ابن عَبَّاس لأبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ: احْذَرْ عَمْرًا، فإنّما يريد أن يقدِّمك ويقول:
أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأسنّ منّي فتكلّم حتّى أتكلّم، وإنّما يريد أن يقدِّمك فِي الكلام
لتخلع عليًّا. قَالَ: فاجتمعا على إمرةٍ، فأدار عمرو أَبَا مُوسَى،
وذكر له مُعَاوِيَة فأبى، وقال أَبُو مُوسَى: بل عَبْد الله بْن عُمَر،
فقال عمرو: أخبرني عن رأيك، فقال أَبُو مُوسَى: أرى أن نخلع هذين
الرجُلَين، ونجعل هَذَا الأمر شورى بيْن المُسْلِمين، فيختاروا لأنفسهم
من أحبوا.
قال عمرو: الرَّأْيُ مَا رَأَيْت، قَالَ: فأقبلا على النّاس وهم
مجتمعون بدومة الجَنْدَل، فقال عمرو: يا أَبَا مُوسَى أعلِمْهُمْ أنّ
رَأيَنَا قد اجتمع، فقال: نعم، إنّ
(3/169)
رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يُصْلِح
الله به أمر الأمة، فقال عَمْرو: صَدَقَ وَبَرَّ، ونِعْمَ النّاظر
للإسلام وأهله. فتكلَّم يا أَبَا مُوسَى. فأتاه ابن عَبَّاس، فخلا به،
فقال: أنت فِي خدعة، ألم أقل لك لا تبدؤه وتعقَّبه، فإنّي أخشى أن يكون
أعطاك أمرًا خاليًا، ثُمَّ ينزع عَنْهُ على ملَأٍ من النّاس، فقال: لَا
تخشى ذلك فقد اجتمعنا واصْطَلحْنا.
ثُمَّ قام أَبُو مُوسَى فحمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ: أيُّها النّاس، قد نظرنا فِي أمر هَذِهِ الأمة، فلم نر شيئًا هو
أصلح لأمرنا ولا ألَمُّ لشَعْثها من أن لَا نُغَيّر أمرها ولا بعضه،
حتّى يكون ذلك عن رضًا منها وتشاورٍ، وقد اجتمعت أَنَا وصاحبي على أمرٍ
واحدٍ: على خلْع عليٍّ ومعاوية، وتستقبل الأمّةُ هَذَا الأمر فيكون
شُورى بينهم يُوَلّون من أحبُّوا، وإنّي قد خلعت عليًّا ومعاوية،
فَوَلّوا أمركم من رأيتم. ثمّ تأخّر.
وأقبل عَمْرو فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا قد
قَالَ مَا سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي خلعت صاحبه وأثبتُّ صاحبي
مُعَاوِيَة، فإنّه وَلِيُّ عُثْمَان، والطّالب بدَمِهِ، وأحقُّ النّاس
بمقامه، فقال سعد بْن أبي وقاص: ويحك يا أبا مُوسَى مَا أضعفك عن
عَمْرو ومكايده، فقال: مَا أصنع به، جامعني على أمرٍ، ثُمَّ نزع
عَنْهُ، فقال ابن عَبَّاس: لَا ذَنْبَ لك، الذَّنْب للَّذي قدَّمَك،
فقال: رَحِمَك الله غَدَرَ بي، فَمَا أصنع، وقال أَبُو مُوسَى: يا
عَمْرو إنّما مَثَلُك كَمَثل الكلْب إنْ تحمِلْ عليه يَلْهَثْ أو
تَتْرُكْه يَلْهَثْ، فقال عَمْرو: إنّما مَثَلُكَ كَمَثَلِ الحمار يحمل
أسفارًا، فقال ابن عُمَر: إِلَى مَا صِير أمرُ هذه الأمّة! إِلَى رجلٍ
لَا يبالي مَا صنع، وَآخَرَ ضعيف.
قال المسعوديّ فِي "المروج": كان لقاء الحَكَمين بدومة الجَنْدل فِي
رمضان، سنة ثمانٍ وثلاثين، فَقَالَ عَمْرو لأبي مُوسَى: تكلَّم، فقال:
بل تكلّم أنت، فقال: مَا كنت لأفعل، ولك حقوقٌ كلُّها واجبة. فحمد الله
أَبُو مُوسَى وأثنى عليه، ثمّ قَالَ: هَلُمَّ يا عَمْرو إِلَى أمر يجمع
الله به الأمة، ودعا عَمْرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتُب وهو غُلام
لَعمْرو، وقال: إنّ للكلام أوّلًا وآخرًا، ومتى تنازعنا الكلام لو نبلغ
آخرَهُ حتّى يُنْسَى أوَّلُهُ، فاكتُبْ مَا نقول، قَالَ: لَا
(3/170)
تكتب شيئًا يأمرك به أحدُنا حَتَّى تستأمر
الآخر، فإذا أمرك فاكتُبْ، فكتب: هَذَا مَا تقاضى عليه فلانُ وفلان.
إِلَى أن قال عَمْرو وإنّ عُثْمَان كان مؤمنًا فقال أَبُو مُوسَى: ليس
لهذا قَعَدْنا، قَالَ عَمْرو: لَا بدّ أن يكون مؤمنًا أو كافرًا.
قَالَ: بل كان مؤمنًا. قَالَ: فمُرْهُ أن يكتب، فكتب. قال عمرو:
فظالمًا قُتل أو مظلومًا، قَالَ أَبُو مُوسَى: بل قُتِلَ مظلومًا،
قَالَ عَمْرو: أفَلَيْس قد جعل الله لوليِّه سُلْطانًا يطلبُ بدمه؟ قال
أَبُو مُوسَى: نعم، قَالَ عَمْرو: فَعَلَى قاتله الْقَتْلُ، قَالَ:
بلى. قَالَ: أفليس لمعاوية أنْ يطلب بدَمِهِ حتّى يَعْجَز؟ قَالَ: بلى،
قَالَ عَمْرو: فإنّا نُقِيم البَيِّنة على أنّ عليًّا قتله.
قَالَ أَبُو مُوسَى: إنّما اجتمعنا لله، فَهَلُمَّ إِلَى مَا يصلح الله
به أمرَ الأمة، قَالَ: وما هُوَ؟ قَالَ: قد علِمْتَ أنّ أَهْل العراق
لَا يحبُّون مُعَاوِيَة أبدًا، وأهل الشام لَا يحبُّون عليًّا أبدًا،
فهَلُمَّ نخلعهما معًا، ونستخلف ابن عُمَر -وكان ابن عُمَر على بِنْت
أبي مُوسَى- قَالَ عَمْرو: أَيَفْعَلُ ذلك عبدُ الله؟ قَالَ: نعم إذا
حمله النّاس على ذلك. فصوَّبه عَمْرو وقال: فهل لك فِي سعد؟ وعدَّدَ له
جماعة، وأبو مُوسَى يأبى إلّا ابن عُمَر، ثُمَّ قَالَ: قُمْ حتّى نخلع
صاحبينا جميعًا، واذكْر اسم من تستخلِف، فقام أَبُو مُوسَى وخطب وقال:
إنّا نظرنا فِي أمرنا، فرأينا أقرب مَا نحقن به الدماء ونلُمَّ به
الشَّعْث خَلْعنا مُعَاوِيَة وعليًَّا، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي
هذه، واستخلفنا رجلًا قد صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه، وله سابقةٌ: عَبْد الله بْن عُمَر، فأطراه
ورغِب النّاس فِيهِ.
ثُمَّ قَام عَمْرو فقال: أيُّها النّاس، إنّ أَبا موسى قد خلع عليًّا،
وهو أعلم به، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أَبا مُوسَى
كتب فِي هَذِهِ الصحيفة أنّ عُثْمَان قُتِل مظلومًا، وأنّ لِولِيّه أن
يطلب بدَمِه، فقام أَبُو مُوسَى فقال: كذِب عَمْرو، لم نستخلف
مُعَاوِيَة، ولكنّا خلعنا مُعَاوِيَة وعليًّا معًا.
قال المَسْعُوديّ: ووجدتُ فِي روايةٍ أنّهما اتّفقا وخلعا عليًّا
ومعاوية، وجعلا الأمر شُورَى، فقام عَمْرو بعده، فوافقه على خلع عليّ،
وعلى إثبات مُعَاوِيَة، فقال له: لَا وَفَّقَكَ الله، غدرت. وقَنَّع
شريح بن هانئ عَمْرًا بالسَّوْط. وانْخَذَل أَبُو مُوسَى، فلحِق
بمكَّة، ولم يعد إِلَى الكوفة، وحلف لَا ينظر فِي وجه عليٍّ مَا بقي.
(3/171)
ولِحق سعدُ وابن عُمَر ببيت المقدس
فأحْرمَا، وانصرف عَمْرو، فلم يأتِ مُعَاوِيَة، فأتاه وهيّأ طعامًا
كثيرًا، وجرى بينهما كلامٌ كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عَبِيدُ عَمْرٍو،
ثمّ قاموا ليأكل عَبَيْد مُعَاوِيَة، وأمر من أغلق الباب وَقْتَ أَكْلِ
عبيده، فقال عَمْرو: فعلْتَها؟ قَالَ: إي واللهِ بايعْ وإلّا قتلتُكَ.
قَالَ: فمِصْر، قَالَ: هِيَ لك مَا عشْتُ.
وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله
والحكم بما فِيهِ. فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابًا على أن يوافوا رأسَ
الْحَوْلِ أذْرُحَ1 ويُحَكِّمُوا حَكَمَيْن، ففعلوا ذلك فلم يقع
اتّفاق، ورجع عليّ بالاختلاف والدّغّل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج،
وأنكروا تحكيمه وقالوا: لَا حُكْم إلّا لله، ورجع مُعَاوِيَة بالألفة
واجتماع الكلمة عليه.
ثُمَّ بايع أَهْل الشام مُعَاوِيَة بالخلافة فِي ذي القعدة سنة ثمانٍ
وثلاثين. كذا قَالَ: وقال خليفة وغيره إنّهم بايعوه فِي ذي القعدة سنة
سبعٍ وثلاثين، وهو أشبه؛ لأنّ ذَلِكَ كان إثْر رجوع عَمْرو بْن العاص
من التحكيم.
وقال مُحَمَّد بْن الضَّحّاك الحِزَامِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قام
عليٌّ على مِنبْرَ الكوفة، فقال: حين اختلف الحَكَمان: لقد كنت
نَهَيْتُكم عن هَذِهِ الحكومة فعصيتموني، فقام إليه شابٌ آدمُ فقال:
إنّك واللهِ مَا نهيتَنَا ولكنْ أمرتَنَا ودمَّرتنا، فَلَمَّا كان منها
مَا تكرهُ برَّأْتَ نَفْسَكَ ونَحَلْتَنا ذَنْبَك. فقال عليّ: مَا أنت
وهذا الكلام قبَّحَكَ الله، واللهِ لقد كَانَتِ الجماعة فكنت فيها
خاملًا، فَلَمَّا ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثُمَّ قَالَ:
لله منزلٌ نزله سعد بْن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذَنْبًا
إنّه لَصَغيرٌ مغفورٌ، وإنْ كان حَسَنًا إنّه لعظيمٌ مشكور.
قلت: مَا أحسنها لولا أنّها مُنْقطعة السَّنَد.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى حَفْصَةَ وَقُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ،
وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، قَالَتْ: فَالْحَقْ بِهِمْ،
فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يكون في احتباسك
عنهم فرقة، فذهب.
__________
1 أذرح: بلد في أطراف الشام.
(3/172)
فلمّا تفرَّق الحَكَمَان خطب معاويةُ فقال:
مَن كان يريد أن يتكلّم فِي هَذَا الأمر فليطلع إلى قرنه فلنحن أحق
بهذا الأمر منه ومن أَبِيهِ -يعرِّض بابن عُمَر- قال ابن عُمَر:
فحَلَلْتُ حَبْوَتي وَهَمَمْتُ أن أقول: أحق من قاتلك وأباك على
الإسلام. فخشيت أن أقول كلمةً تفرِّق الجمعَ وَتَسْفِكُ الدَّمَ،
فَذَكَرَتْ مَا أعدّ الله فِي الجنان1.
قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ
أَبُو مُوسَى: لا أَرَى لَهَا غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ عَمْرٌو
لابْنِ عُمَرَ: أَمَا تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تُعطي مَالا عَظِيمًا
عَلَى أَنْ تَدَعَ هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ
مِنْكَ.
فَغَضِبَ ابْنُ عمر وقام. رواه مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وفيها أخرج عليٌ سهل بْن حُنَيْف على أَهْل فارس، فمانَعُوه، فوجّه
عليٌّ زيادًا، فصالحوه وأدُّوا الخَرَاج.
وفيها قال أَبُو عبيدة: خرج أَهْل حَرُوراء2 فِي عشرين ألفًا، عليهم
شَبَثُ بْن رِبْعيّ، فكَّلمهم عليّ فحاجَّهُم، فرجعوا.
وقال سُلَيْمَان التَّيْميّ، عن أَنَس قَالَ: قَالَ شَبَثُ بْن
رِبْعيّ: أَنَا أوّل من حرَّر الْحَرُورِيَّةَ، فقال رَجُل: مَا فِي
هَذَا مَا تمتدح به.
وعن مُغِيرَةَ قَالَ: أوّل من حكم ابن الكَوَّاء وشَبَث.
قلت: معنى قوله "حكم" هذه كلمة قد صارت سِمَةً للخَوارج. يُقَالُ "حكم"
إذا خرج فقال: لا حكم إلا لله.
سَنَة ثَمانٍ وَثَلَاثِين:
فيها وجَّه مُعَاوِيَة من الشام عبد الله بن الحَضْرميّ فِي جيشٍ إِلَى
البصرة ليأخذها، وبها زياد ابن أَبِيهِ من جهة عليّ، فنزل ابن
الْحَضْرَمِيّ فِي بني تميم وتحول زياد إِلَى الأزد، فنزل على صَبِرة
بْن شَيْمان الحُدَّانيّ.
وكتب إِلَى عليّ فوجّه عليّ أَعْيَنَ بْن ضُبَيْعَة المُجَاشِعِيّ،
فقتل أعْين غِيلةً على فراشه. فندب علي
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري بنحوه "4108" في كتاب المغازي، باب: غزوة
الخندق.
2 حروراء: قرية على بعد ميلين من الكوفة.
(3/173)
جارية بْن قُدامة السَّعْدِيّ، فحاصر ابن
الْحَضْرَمِيّ فِي الدّار التي هُوَ فيها، ثُمَّ حرَّقها عليه.
وَفِي شعبان ثارت "الخوارج" وخرجوا على عليّ، وأنكروا عليه كَوْنَه
حكَّم الحَكَمين، وقالوا: حكَّمْتَ فِي دين الله الرجال، والله يقول:
{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} 1، فناظَرَهُمْ، ثُمَّ أرسل إليهم
عَبْد الله بن عَبَّاس، فبيَّن لهم فسادَ شُبْهَتهم، وفسر لهم، واحتجَّ
بقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2، وبقوله:
{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} 3، فرجع
إِلَى الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عَبْد الله بْن خَبَّاب
بْن الأرت، ومعه امرأته فقالوا: من أنت? فانتسب لهم، فسألوه عن أبي
بَكْر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته،
وكانت حُبْلَى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة.
وفيها سارت الخوارج لحرب عليّ، فكانت بينهم وقعة النَّهْرَوان، وكان
على الخوارج عَبْد الله بْن وهب السبائي، فهزمهم عليّ وقُتِل أكثرهم،
وقُتِل ابن وهب. وقُتِلَ من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلًا.
وقيل فِي تسميتهم الحرُورِيّة لأنهم خرجوا على عليّ من الكوفة، وعسكروا
بقريةٍ قريبةٍ من الكوفة يُقَالُ لها حَرُوراء، واسْتَحَلّ عليّ
قتْلَهُم لِمَا فعلوا بابن خَبَّاب وزوجته.
وكانت الوقعة فِي شعبان سنة ثمانٍ، وقيل: فِي صَفَر.
قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ أَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْخَوَارِجُ فِي دَارِهَا،
وَهُمْ سِتَّةُ آلافٍ أَوْ نَحْوُهَا، قُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالصَّلاةِ لَعَلِّي أَلْقَى هَؤُلاءِ،
فَإِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ، قُلْتُ: كَلا، قَالَ: فَلَبِسَ ابْنُ
عَبَّاسٍ حُلَّتَيْنِ مِنْ أَحْسَنِ الْحُلَلِ، وَكَانَ جَهِيرًا
جَمِيلا، قَالَ: فَأَتَيْتُ الْقَوْمَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا:
مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قُلْتُ: وما
تنكرون من ذلك؟ لقد
__________
1 سورة الأنعام: 57.
2 سورة المائدة: 95.
3 سورة النساء: 35.
(3/174)
رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً مِنْ أَحْسَنِ الْحُلَلِ، قَالَ:
ثُمَّ تَلَوْتُ عَلَيْهِمْ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} 1.
قَالُوا فَمَا جَاءَ بِكَ? قُلْتُ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا أَرَى فيكم أحدًا منهم، ولأبلغنكم
مَا قَالُوا، وَلأُبَلِّغَنَّهُمْ مَا تَقُولُونَ: فَمَا تَنْقِمُونَ
مِنَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَصِهْرِهِ? فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: لا
تُكَلِّمُوهُ فَإِنَّ اللَّهُ يَقُولُ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} 2
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يَمْنَعُنَا مِنْ كَلامِهِ، ابْنِ عمّ رَسُول
اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَيَدْعُونَا إِلَى كِتَابِ
اللَّهِ، قَالَ: فَقَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاثَ خِلالٍ:
إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ وَمَا
لِلرِّجَالِ وَلِحُكْمِ اللَّهِ، والثانية: أنه علم فَلَمْ يَسْبِ
وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِن كَانَ قَدْ حَلَّ قِتَالُهُمْ فَقَدْ حَلَّ
سَبْيُهُمْ، وَإِلا فَلا، وَالثَّالِثَةُ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ
أَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ. قُلْتُ: هَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا:
حَسْبُنَا هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ خَرَجْتُ لَكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَرَاجِعُونَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: وَمَا
يَمْنَعُنَا، قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ
فِي أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 3 وَذَلِكَ فِي ثَمَنِ صَيْدِ
أَرْنَبٍ أَوْ نَحْوِهِ قِيمَتُهُ رُبْعُ دِرْهَمٍ فَوَّضَ اللَّهُ
الْحُكْمَ فِيهِ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُحَكِّمَ
لحكَّم. وَقَالَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا
حَكَمًا مِنْ أَهْلِه} 4 الآيَةَ. أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا:
نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ، فَإِنَّهُ
قَاتَلَ أمكم؛ لأن الله يقول: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} 5 فَإِنْ
زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ
زَعَمْتُمْ أَنَّهَا أُمُّكُمْ فَمَا حَلَّ سِبَاؤُهَا، فَأَنْتُمْ
بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي أُنَبِّئُكُمْ عَنْ ذَلِكَ:
__________
1 سورة الأعراف: 32.
2 سورة الزخرف: 58.
3 سورة المائدة: 95.
4 سورة النساء: 35.
5 سورة الأحزاب: 6.
(3/175)
أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية جرى الكتاب يبنه
وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: "يَا عَلِيُّ اكْتُبْ: هَذَا
مَا قَاضَى عَلَيْهِ محمدٌ رَسُول اللَّهِ" فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا
أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ
وَاسْمَ أَبِيكَ، فقال: "اللهم إنك تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ"، ثُمَّ
أَخَذَ الصَّحِيفَةَ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا عَلِيُّ
اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ"
1، فَوَاللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَخَرَجْتُ
مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَرَجَعَ ثُلُثُهُمْ، وَانْصَرَفَ ثُلُثُهُمْ، وَقُتِلَ
سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلالةٍ.
قَالَ عَوْفٌ: ثنا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَفْتَرِقُ
أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ تقتلهم، أولى
الطائفتين بالحق" 2. وكذا رواه قَتَادَةُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ،
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ
عَلَى عَلِيٍّ قَالُوا: لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَفَ نَاسًا إِنِّي لأَعْرِفُ
صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْحَقَّ
بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ -وَأَشَارَ إِلَى
حَلْقِهِ- مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، مِنْهُمْ أَسْوَدُ
إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ، فَلَمَّا
قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ قَالَ: انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا
شَيْئًا، قَالَ: ارْجِعُوا، فَوَاللَّهِ مَا كَذِبْتُ وَلا كُذِبْتُ،
ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خِرْبَةٍ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَنَا حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِمْ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ
الْهَادِ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهَا لَيَالِي قُتِلَ
عَلِيٌّ، فَقَالَتْ: حَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ
عَلِيٌّ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ
الحكمين
__________
1 صحيح: بنحوه: أخرجه البخاري "2731، 2732" في كتاب الشروط، باب:
الشروط في الجهاد، وأبو داود "2765" في كتاب الجهاد، باب: في صلح
العدو، وأحمد "4/ 323، 326، 328، 331" من حديث المسور بن مخرمة ومروان
بن الحكم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1065/ 150" في كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج،
وأبو داود "4667" في كتاب السنة، باب: ما يدل على ترك الكلام في
الفتنة، وأحمد "3/ 5، 32، 45، 48، 79"، والبيهقي في "الدلائل" "6/
424".
(3/176)
خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلافٍ مِنْ
قُرَّاءِ النَّاسِ -يَعْنِي عُبَّادَهُمْ- فَنَزَلُوا بِأَرْضِ
حَرُورَاءَ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ وَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ
قَمِيصٍ ألْبَسَكَ اللَّهُ وَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ،
وَلا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ.
فَلَمَّا بَلَغ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ، جَمَعَ أَهْلَ
الْقُرآنِ، ثُمَّ دَعَا بِالْمُصْحَفِ إِمَامًا عَظِيمًا، فَوَضَعَ
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطَفِقَ يُحَرِّكُهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّهَا
الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ، مَا تَسْأَلُ؟
إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ وَوَرَقٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رَوَيْنَا
مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَصْحَابُكُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا،
بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّهُ فِي
كِتَابِهِ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ
أَهْلِهَا} 1، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ أَعْظَمُ حَقًّا وَحُرْمَةً مِنْ
رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ شِبْهَ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ:
فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، ومضى
الآخرون، قالت عائشة فلم قتلتهم؟ قَالَ: قَطَعُوا السَّبِيلَ،
وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ، وَسَفَكُوا الدم.
__________
1 سورة النساء: 35.
(3/177)
هزيمة الخوارج بحروراء:
سَنَة تِسْعٍ وَثلَاثيْن:
فيها كَانَتْ وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة1، قاتلهم علي فكسرهم، وقتل
رءوسهم وسجد شكرًا لله تعالى لمّا أُتي بالمخدَّج إليه مقتولًا، وكان
رءوس الخوارج زَيْدُ بْن حصن الطائي، وشُرَيْح بْن أوْفَى العبسيّ،
وكانا على المُجَنَّبَتَيْن، وكان رأسهم عَبْد الله بْن وهب السّبأي،
وكان على رَجَّالتهم حُرْقُوص بْن زهير.
وفيها بعث مُعَاوِيَة يزيد بْن شجرة الرَّهاوِيّ ليقيم الحجّ،
فنازَعَهُ قُثَمُ بْن الْعَبَّاس ومَانَعه، وكان من جهة عليّ، فتوسّط
بينهما أَبُو سَعِيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم
شَيْبَة بْن عُثْمَان العَبْدَرِيّ حاجب الكَعبة.
وقيل: تُوُفيّ فيها "أمُّ المؤمنين ميمونة"، وحسان بْن ثابت
الْأَنْصَارِيّ، وسيأتيان.
وكان عليّ قد تجهّز يريد مُعَاوِيَة، فردّ من عانات، واشتغل بحرب
الخوارج الحَرُوريّة، وهمّ العُبّاد والقُرّاء من أصحاب عليّ الذين
مَرَقُوا من الْإِسْلَام، وأوقعهم الغُلُوّ فِي الدين إِلَى تكفير
العُصاة بالذُّنوب، وإلى قُتِلَ النساء والرجال، إلّا من اعترف لهم
بالكفر وجدَّد إسلامه.
ابْنُ سَعْدٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن
أبي الموالي، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل، سمع
مُحَمَّد بْن الحنَفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه،
ثُمَّ يحلف لَا يحلّه حَتَّى يسير، فيأبَى عليه النّاس، وينتشر عليه
رأيهُم، ويَجْبُنون فيحله ويكفّر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرّات، وكنت
أرى حالهم فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وَقُلْتُ:
ألا تكلمه أَيْنَ يسير بقوم لَا والله مَا أرى عندهم طائلًا، قَالَ: يا
أَبَا القاسم يسير الأمر قد حُمّ، قد كلَّمْتُهُ فرأيته يأبى إلّا
المسير.
قَالَ ابن الحَنَفّية: فلمّا رَأَى منهم مَا رَأَى قَالَ: اللَّهُمَّ
إنّي قد مَللْتُهُم وقد ملُّوني، وأبغضْتُهُم وأبغضوني، فأبْدِلني
خيرًا منهم، وأبدِلْهم شرًّا مني.
__________
1 النخيلة: موضع قرب الكوفة.
(3/178)
"تعاهد الخوارج بعد هزيمتهم على قتل على
ومعاوية وعمرو بن العاص":
سَنَة أربَعِين:
فيها بعث مُعَاوِيَة إِلَى اليمن بُسْر بْن أبي أرطاة الْقُرَشِيَّ
العامريّ فِي جنودٍ، فتنحّى عَنْهَا عاملُ علي عُبَيْد الله بْن
عَبَّاس، وبلغ عليًّا فجهز إِلَى اليمن جارية بْن قُدامة السَّعْديّ
فوثب بُسْر على وَلَديْ عُبَيْد الله بْن عَبَّاس صَبِيَّيْن، فذبحهما
بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن.
قَالَ ابن سعد: قَالُوا انتدب ثلاثةً من الخوارج، وهم: عَبْد
الرَّحْمَن بْن مُلْجم المُرَادِيّ، والبُرَك بْن عَبْد الله التميميّ،
وعمرو بْن بَكْر التميميّ، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا
لَيَقْتُلُنَّ هؤلاء الثّلاثة عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْه، ومعاوية بْن أبي سُفْيَان، وعمرو بْن العاص، ويُريحوا
العباد منهم.
فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أَنَا لمعاوية، وقال الآخر:
أَنَا أكفيكم عَمْرًا، فتواثقوا أنْ لَا ينْكُصُوا، واتَّعَدُوا بينهم
أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثمّ تَوَجَّه كلُّ رجلٍ منهم إِلَى
بلدٍ بها صاحبُهُ، فقدِم ابنُ مُلْجم الكوفة، فاجتمع بأصحابه من
الخوارج، فأسرَّ إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قَطَام بِنْت
شِجْنَة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النَّهروان،
فأعْجَبَتْهُ، فقالت: لَا أتزوَّجُكَ حَتَّى تعطيني ثلاثة آلاف درهم،
وتقتل عليًّا، فقال: لكِ ذلك، ولقي شبيب بْن بجرَة الأشجعي، فأعلمه
ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه.
وبقي ابن مُلْجَم فِي الليلة التي عزم فيها على قتْل علي يناجي الأشعث
بْن قَيْس فِي مسجده حَتَّى طلع الفجر، فقال له الأشعث: فَضَحكَ
الصُّبْحُ، فقام هُوَ وشبيب، فأخذا أسيافهما، ثُمَّ جاءا حَتَّى جلسا
مقابل السُّدَّةِ التي يخرج منها عليّ، فذكر مقتل عليّ -رَضِيَ اللَّهُ
عَنْه، فلمّا قُتِلَ أخذوا عَبْد الرَّحْمَن بْن ملجم، وعذبوه فقتلوه.
وقال حجاج بن أبي منيع: أنبأنا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: تَعَاهَدَ ثَلاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى قَتْلِ
مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَة،
وَذَكَرَهُ.
(3/179)
|