تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ذكر أمر بني إسرائيل والقوام الذين كانوا
بأمرهم بعد يوشع ابن نون والأحداث التي كانت في عهد زو وكيقباذ
ولا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور الأمم السالفين من أمتنا
وغيرهم أن القيم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كان كالب بن يوفنا، ثم
حزقيل بن بوذى من بعده، وهو الذي يقال له ابن العجوز.
فحَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إِسْحَاقَ، قَالَ: إنما
سمي حزقيل بن بوزي ابن العجوز، أنها سألت الله الولد، وقد كبرت وعقمت،
فوهبه الله لها، فبذلك قيل له: ابن العجوز، وهو الذي دعا للقوم الذين
ذكر الله في الكتاب عليه السلام كما بلغنا: «أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ»
.
حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال:
حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني
إسرائيل بلاء وشدة من الزمان، فشكوا ما أصابهم فقالوا: يا ليتنا قدمتنا
فاسترحنا مما نحن فيه! فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء،
وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا، وأي راحة لهم في الموت! أيظنون
أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت! فانطلق إلى جبانة كذا كذا فإن
فيها أربعة آلاف- قَالَ وهب: وهم الذين قَالَ الله تعالى:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ
حَذَرَ الْمَوْتِ» - فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قد تفرقت، فرقتها
الطير والسباع، فناداها حزقيل، فقال: يا أيتها العظام النخرة، إن الله
عز وجل
(1/457)
يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل إنسان منهم
معا، ثم نادى ثانية حزقيل فقال: أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تكتسي
اللحم، فاكتست اللحم، وبعد اللحم جلدا، فكانت أجسادا، ثم نادى حزقيل
الثالثة فقال: أيتها الارواح، ان الله يأمرك ان تعودي في أجسادك فقاموا
بإذن الله، وكبروا تكبيرة واحدة.
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة
الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص «أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ
فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ» كَانَتْ قَرْيَةً
يُقَالُ لَهَا دَاوِرْدَانَ قَبْلَ وَاسِطَ، فَوَقَعَ بِهَا
الطَّاعُونُ، فَهَرَبَ عَامَّةُ أَهْلِهَا فَنَزَلُوا نَاحِيَةً
مِنْهَا، فَهَلَكَ أَكْثَرُ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَةِ وَسَلِمَ
الآخَرُونَ، فَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ
الطَّاعُونُ رَجَعُوا سَالِمِينَ، فَقَالَ الَّذِينَ بَقَوْا:
أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ كَانُوا أَحْزَمَ مِنَّا، لَوْ صَنَعْنَا كَمَا
صَنَعُوا بَقِينَا! وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ ثَانِيَةً
لَنَخْرُجَنَّ مَعَهُمْ فَوَقَعَ فِي قَابِلَ فَهَرَبُوا وَهُمْ
بِضْعَةٌ وَثَلاثُونَ أَلْفًا، حَتَّى نَزَلُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ،
وَهُوَ وَادٍ أَفْيَحُ، فَنَادَاهُمْ مَلَكٌ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي،
وَآخَرُ مِنْ أَعْلَاهُ: أَنْ مُوتُوا، فَمَاتُوا حَتَّى هَلَكُوا،
وَبَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ، فَمَرَّ بِهِمْ نبى يقال له هزقيل، فَلَمَّا
رَآهُمْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ فِيهِمْ، يَلْوِي
شِدْقَهُ وَأَصَابِعَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا هزقيل،
أَتُرِيدُ أَنْ أُرِيكَ كَيْفَ أُحْيِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّمَا
كَانَ تَفَكُّرُهُ أَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: نَادِ، فنادى يا أيتها
الْعِظَامُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَجْتَمِعِي، فَجَعَلَتِ
الْعِظَامُ يَطِيرُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى كَانَتْ أَجْسَادًا
مِنْ عِظَامٍ، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ أَنْ ناد: يأتيها الْعِظَامُ،
إِنَّ اللَّهُ يَأْمُرُكِ أَنْ تَكْتَسِيَ لَحْمًا فَاكْتَسَتْ لَحْمًا
وَدَمًا وَثِيَابَهَا الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا، وَهِيَ عَلَيْهَا، ثُمَّ
قِيلَ لَهُ: نَادِ،
(1/458)
فنادى: يا أيتها الْأَجْسَادُ، إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَقُومِي، فَقَامُوا حَدَّثَنِي موسى، قَالَ:
حَدَّثَنَا عمرو، قَالَ: حَدَّثَنَا أسباط، قَالَ: فزعم منصور بن
المعتمر عن مجاهد أنهم قَالُوا حين أحيوا: سبحانك ربنا وبحمدك لا إله
إلا أنت، فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت
على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن، حتى ماتوا لآجالهم
التي كتبت لهم.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا حكام، عن عنبسة، عن أشعث، عن
سالم النصري، قَالَ: بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه، وكان عمر
إذا أراد أن يركع خوى، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قَالَ:
فلما انفتل عمر قَالَ: أرأيت قول أحدكما لصاحبه: أهو هو؟ فقالا: إنا
نجد في كتابنا قرنا من حديد يعطى ما أعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن
الله، فقال عمر: ما نجد في كتابنا حزقيل، ولا أحيا الموتى بإذن الله
إلا عيسى ابن مريم، فقالا: أما تجد في كتاب الله «وَرُسُلًا لَمْ
نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» ، فقال عمر: بلى، قالا وأما إحياء الموتى
فسنحدثك إن بني إسرائيل وقع فيهم الوباء، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا
على رأس ميل أماتهم الله، فبنوا عليهم حائطا، حتى إذا بليت عظامهم بعث
الله حزقيل فقام عليهم، فقال: ما شاء الله! فبعثهم الله له، فأنزل الله
في ذلك: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ
أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ» ، الآيَةَ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن
إسحاق،
(1/459)
عن وهب بن منبه: أن كالب بن يوفنا لما قبضه
الله بعد يوشع، خلف فيهم- يعني في بني إسرائيل- حزقيل بن بوذى، وهو ابن
العجوز، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمُحَمَّد ص كما
بلغنا:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ» الآية.
قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ سَلَمَةُ قَالَ ابْنُ إسحاق: فبلغني أنه
كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء من الطاعون، أو من سقم
كان يصيب الناس حذرا من الموت وهم ألوف، حتى إذا نزلوا بصعيد من البلاد
قَالَ الله لهم: موتوا، فماتوا جميعا، فعمد أهل تلك البلاد فحظروا
عليهم حظيرة دون السباع، ثم تركوهم فيها، وذلك أنهم كثروا عن أن
يغيبوا، فمرت بهم الأزمان والدهور، حتى صاروا عظاما نخرة، فمر بهم
حزقيل بن بوذى، فوقف عليهم، فتعجب لأمرهم، ودخلته رحمة لهم، فقيل له:
أتحب أن يحييهم الله؟ فقال: نعم، فقيل له: فقل: أيتها العظام الرميم،
التي قد رمت وبليت، ليرجع كل عظم إلى صاحبه فناداهم بذلك، فنظر إلى
العظام تتواثب يأخذ بعضها بعضا، ثم قيل له: قل أيها اللحم والعصب
والجلد، اكس العظام بإذن ربك، قَالَ فنظر إليها والعصب يأخذ العظام، ثم
اللحم والجلد والأشعار، حتى استووا خلقا ليست فيهم الأرواح، ثم دعا لهم
بالحياة، فتغشاه من السماء شيء كربه، حتى غشي عليه منه، ثم أفاق والقوم
جلوس يقولون: سبحان الله فقد أحياهم الله! فلم يذكر لنا مدة مكث حزقيل
في بنى إسرائيل
(1/460)
|