تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
الياس واليسع عليهما
السلام
ولما قبض الله حزقيل كثرت الأحداث- فيما ذكر- في بني إسرائيل، وتركوا
عهد الله الذي عهد إليهم في التوراة، وعبدوا الأوثان، فبعث الله إليهم
فيما قيل: إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
فحَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق:
ثم إن الله عز وجل قبض حزقيل، وعظمت في بني إسرائيل الأحداث، ونسوا ما
كان من عهد الله إليهم، حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله، فبعث
الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران
نبيا، وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم
بتجديد ما نسوا من التوراة فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال
له أحاب، وكان اسم امرأته أزبل، وكان يسمع منه ويصدقه، وكان إلياس يقيم
له أمره، وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله،
يقال له: بعل قَالَ ابن إسحاق: وقد سمعت بعض أهل العلم يقول: ما كان
بعل إلا امرأة يعبدونها من دون الله يقول الله لمحمد «وَإِنَّ إِلْياسَ
لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ» - الى
قوله:
«اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» - فجعل الياس
يدعوهم الى الله، وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك،
والملوك متفرقة بالشام، كل ملك له ناحية منها يأكلها، فقال ذلك الملك،
الذي كان إلياس معه، يقوم له بأمره، ويراه على هدى من بين أصحابه يوما
يا إلياس، والله
(1/461)
ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلا، والله ما
أرى فلانا وفلانا فعد ملوكا من ملوك بني إسرائيل قد عبدوا الأوثان من
دون الله إلا على مثل ما نحن عليه، يأكلون ويشربون ويتنعمون، مملكين،
ما ينقص دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل، وما نرى لنا عليهم من فضل.
فيزعمون- والله أعلم- أن إلياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده، ثم رفضه
وخرج عنه ففعل ذلك الملك فعل أصحابه، عبد الأوثان، وصنع ما يصنعون فقال
إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، والعبادة لغيرك،
فغير ما بهم من نعمتك أو كما قال.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن إسحاق،
قَالَ: ذكر لي أنه أوحي إليه: إنا قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدك وإليك،
حتى تكون أنت الذي تأمر في ذلك فقال إلياس: اللهم فأمسك عنهم المطر
فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والدواب والهوام والشجر، وجهد
الناس جهدا شديدا.
وكان إلياس- فيما يذكرون- حين دعا بذلك على بني إسرائيل قد استخفى شفقا
على نفسه منهم، وكان حيث ما كان وضع له رزق، فكانوا إذا وجدوا ريح
الخبز في دار أو بيت قَالُوا: لقد دخل إلياس هذا المكان، فطلبوه، ولقي
أهل ذلك المنزل منهم شرا ثم إنه أوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل،
لها ابن يقال له اليسع بن أخطوب، به ضر، فآوته وأخفت أمره، فدعا إلياس
لابنها فعوفي من الضر الذي كان به، واتبع اليسع فآمن به وصدقه ولزمه،
فكان يذهب معه حيثما ذهب، وكان إلياس قد أسن وكبر، وكان اليسع غلاما
شابا فيزعمون- والله أعلم- أن الله أوحى إلى إلياس أنك قد أهلكت كثيرا
من الخلق ممن لم يعص، سوى بني إسرائيل ممن لم أكن أريد هلاكه بخطايا
(1/462)
بني إسرائيل من البهائم والدواب والطير
والهوام والشجر، بحبس المطر عن بني إسرائيل فيزعمون- والله أعلم- أن
إلياس قَالَ: أي رب، دعني أكن أنا الذي أدعو لهم به، وأكن أنا الذي
آتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء الذي أصابهم، لعلهم أن يرجعوا
وينزعوا عما هم عليه من عبادة غيرك قيل له نعم، فجاء إلياس إلى بني
إسرائيل، فقال لهم: إنكم قد هلكتم جهدا، وهلكت البهائم والدواب والطير
والهوام والشجر بخطاياكم، وإنكم على باطل وغرور- أو كما قَالَ لهم- فإن
كنتم تحبون أن تعلموا ذلك وتعلموا أن الله عليكم ساخط فيما أنتم عليه،
وأن الذي أدعوكم إليه الحق، فاخرجوا بأصنامكم هذه التي تعبدون وتزعمون
أنها خير مما أدعوكم إليه، فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم
تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم، ودعوت الله ففرج عنكم ما أنتم فيه من
البلاء قَالُوا: أنصفت، فخرجوا بأوثانهم وما يتقربون به إلى الله من
أحداثهم التي لا يرضى، فدعوها فلم تستجب لهم، ولم تفرج عنهم ما كانوا
فيه من البلاء، حتى عرفوا ما هم فيه من الضلالة والباطل، - ثم قَالُوا
لإلياس: يا إلياس، إنا قد هلكنا، فادع الله لنا، فدعا لهم إلياس بالفرج
مما هم فيه، وأن يسقوا، فخرجت سحابة مثل الترس بإذن الله على ظهر
البحر، وهم ينظرون، ثم ترامى إليه السحاب، ثم أدجنت، ثم أرسل الله
المطر فأغاثهم، فحييت بلادهم، وفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء، فلم
ينزعوا ولم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه فلما رأى ذلك إلياس
من كفرهم دعا ربه أن يقبضه إليه فيريحه منهم، فقيل له- فيما يزعمون:
انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه إلى بلد كذا وكذا، فما جاءك من شيء فاركبه
ولا تهبه، فخرج إلياس، وخرج معه اليسع بن أخطوب حتى إذا كان بالبلد
الذي ذكر له في المكان الذي أمر به أقبل فرس من نار، حتى وقف بين يديه
فوثب عليه، فانطلق به فناداه اليسع: يا إلياس، يا إلياس، ما تأمرني؟
فكان آخر عهدهم به، فكساه الله الريش وألبسه النور، وقطع عنه لذة
(1/463)
المطعم، والمشرب، وطار في الملائكة، فكان
إنسيا ملكيا أرضيا سمائيا.
ثم قام بعد إلياس بأمر بني إسرائيل- فيما حَدَّثَنَا ابن حميد، قال:
حَدَّثَنَا سلمة عن ابن إسحاق، قال: كما ذكر لي عن وهب بن منبه قَالَ:
ثم نبئ فيهم- يعني في بني إسرائيل- بعده يعني بعد إلياس- اليسع، فكان
فيهم ما شاء الله أن يكون، ثم قبضه الله إليه، وخلفت فيهم الخلوف،
وعظمت فيهم الخطايا، وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر، فيه
السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فكانوا لا يلقاهم عدو
فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو.
والسكينة فيما ذكر ابن إسحاق عن وهب بن منبه عن بعض أهل العلم من بني
إسرائيل رأس هرة ميتة، فإذا صرخت في التابوت بصراخ هر أيقنوا بالنصر،
وجاءهم الفتح.
ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاف، وكان الله قد بارك لهم في جبلهم من
إيليا، لا يدخله عليهم عدو، ولا يحتاجون معه إلى غيره، فكان أحدهم-
فيما يذكرون- يجمع التراب على الصخرة، ثم ينبذ فيه الحب، فيخرج الله له
ما يأكل منه سنه وهو وعياله، ويكون لأحدهم الزيتونة فيعتصر منها ما
يأكل، هو وعياله سنة، فلما عظمت أحداثهم، وتركوا عهد الله إليهم، نزل
بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا التابوت كما كانوا يخرجونه، ثم زحفوا به
فقوتلوا حتى استلب من أيديهم، فأتى ملكهم إيلاف، فأخبر أن التابوت قد
أخذ واستلب، فمالت عنقه فمات كمدا عليه، فمرج أمرهم بينهم واختلف
ووطئهم عدوهم حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم، فمكثوا على اضطراب من
أمرهم، واختلاف من أحوالهم يتمادون أحيانا في غيهم وضلالهم، فسلط الله
عليهم من ينتقم به منهم، ويراجعون التوبة أحيانا فيكفيهم الله عند
(1/464)
ذلك شر من بغاهم سوءا، حتى بعث الله فيهم
طالوت ملكا، ورد عليهم تابوت الميثاق.
وكانت مدة ما بين وفاة يوشع بن نون- التي كان أمر بني إسرائيل في بعضها
إلى القضاة منهم والساسة، وفي بعضها إلى غيرهم ممن يقهرهم فيتملك عليهم
من غيرهم إلى أن ثبت الملك فيهم، ورجعت النبوه اليهم بشمويل بن بالي-
أربعمائة سنة وستين سنة فكان أول من سلط عليهم فيما قيل رجل من نسل
لوط، يقال له: كوشان، فقهرهم وأذلهم ثماني سنين، ثم تنقذهم من يده أخ
لكالب الأصغر يقال له عتنيل بن قيس- فقام بأمرهم فيما قيل- اربعين سنه،
سلط عليهم ملك يقال له جعلون فملكهم ثماني عشرة سنة، ثم تنقذهم منه-
فيما قيل- رجل من سبط بنيامين يقال له أهود بن جيرا الأشل اليمنى، فقام
بأمرهم ثمانين سنة، ثم سلط عليهم ملك من الكنعانيين يقال له يافين،
فملكهم عشرين سنة، ثم تنقذهم- فيما قيل- امرأة نبية من أنبيائهم يقال
لها دبورا فدبر أمرهم- فيما قيل- رجل من قبلها يقال له باراق أربعين
سنة، ثم سلط عليهم قوم من نسل لوط كانت منازلهم في تخوم الحجاز فملكوهم
سبع سنين، ثم تنقذهم منهم رجل من ولد نفثالي بن يعقوب يقال له جدعون بن
يواش، فدبر أمرهم أربعين سنة، ثم دبر أمرهم من بعد جدعون ابنه أبيملك
بن جدعون ثلاث سنين، ثم دبرهم من بعد ابيملك تولغ بن فوا بن خال أبيملك
وقيل إنه ابن عمه- ثلاثا وعشرين سنة، ثم دبر
(1/465)
أمرهم بعد تولغ رجل من بني إسرائيل يقال
له: يائير اثنتين وعشرين سنة، ثم ملكهم بنو عمون، وهم قوم من أهل
فلسطين ثماني عشرة سنة، ثم قام بأمرهم رجل منهم يقال له يفتح ست سنين،
ثم دبرهم من بعده يجشون، وهو رجل من بني إسرائيل سبع سنين، ثم دبرهم
بعده الون عشر سنين، ثم من بعده كيرون- ويسميه بعضهم عكرون- ثماني
سنين، ثم قهرهم أهل فلسطين وملوكهم أربعين سنة، ثم وليهم شمسون وهو من
بني إسرائيل عشرين سنة، ثم بقوا بغير رئيس ولا مدبر لأمرهم بعد شمسون-
فيما قيل- عشر سنين، ثم دبر أمرهم بعد ذلك عالي الكاهن، وفي أيامه غلب
أهل غزة وعسقلان على تابوت الميثاق، فلما مضى من وقت قيامه بامرهم
اربعين سنه، بعث سمويل نبيا فدبر شمويل أمرهم- فيما ذكر- عشر سنين ثم
سألوا شمويل حين نالهم بالذل والهوان بمعصيتهم ربهم أعداؤهم، أن يبعث
لهم ملكا يجاهدون معه في سبيل الله، فقال لهم شمويل ما قد قص الله في
كتابه العزيز
(1/466)
|