تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. ذكر ردة هَوَازِن وسليم وعامر
حَدَّثَنَا السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ سَهْلٍ
وَعَبْدِ اللَّهِ، قَالا:
أَمَّا بَنُو عَامِرٍ فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا رِجْلا وَأَخَّرُوا
أُخْرَى، وَنَظَرُوا مَا تَصْنَعُ أَسَدٌ وَغَطَفَانُ، فَلَمَّا
أُحِيطَ بِهِمْ وَبَنُو عَامِرٍ عَلَى قَادَتِهِمْ وَسَادَتِهِمْ،
كَانَ قُرَّةُ بن
(3/261)
هُبَيْرَةَ فِي كَعْبٍ وَمَنْ لافَّهَا،
وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ فِي كِلابٍ وَمَنْ لافَّهَا، وَقَدْ كَانَ
عَلْقَمَةُ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ فِي أَزْمَانِ النَّبِيِّ ص، ثُمَّ
خَرَجَ بَعْدَ فَتْحِ الطَّائِفِ حَتَّى لَحِقَ بالشام، فلما توفى
النبي ص أَقْبَلَ مُسْرِعًا حَتَّى عَسْكَرَ فِي بَنِي كَعْبٍ،
مُقَدِّمًا رِجْلا وَمُؤَخِّرًا أُخْرَى، وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا
بَكْرٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا
الْقَعْقَاعَ بن عمرو، وقال: يا قعقاع، سر حتى تُغِيرُ عَلَى
عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ، لَعَلَّكَ أَنْ تَأْخُذَهُ لِي أَوْ
تَقْتُلَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شِفَاءَ الشق الحوص، فَاصْنَعْ مَا
عِنْدَكَ فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ، حَتَّى أَغَارَ عَلَى
الْمَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ عَلْقَمَةُ، وَكَانَ لا يَبْرَحُ أَنْ
يَكُونَ عَلَى رِجْلٍ، فَسَابَقَهُمْ عَلَى فَرَسِهِ، فَسَبَقَهُمْ
مُرَاكَضَةً، وَأَسْلَمَ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ، فَانْتَسَفَ امْرَأَتَهُ
وَبَنَاتَهُ وَنِسَاءَهُ، وَمَنْ أَقَامَ مِنَ الرِّجَالِ،
فَاتَّقَوْهُ بِالإِسْلامِ فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ،
فَجَحَدَ وَلَدُهُ وَزَوْجَتُهُ أَنْ يَكُونُوا مَالَئُوا عَلْقَمَةَ،
وَكَانُوا مُقِيمِينَ فِي الدَّارِ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ إِلا ذَلِكَ،
وَقَالُوا: مَا ذَنْبُنَا فِيمَا صَنَعَ عَلْقَمَةُ مِنْ ذَلِكَ!
فَأَرْسَلَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا السري، عن شعيب، عَنْ سَيْفٍ، عن أبي عمرو وأبي ضمرة، عن
ابن سيرين مثل معانيه.
وأقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون: ندخل فيما خرجنا مِنْهُ،
فبايعهم على ما بايع عَلَيْهِ أهل البزاخة من أسد وغطفان وطيئ قبلهم،
وأعطوه بأيديهم على الإسلام، ولم يقبل من أحد من أسد ولا غطفان ولا
هَوَازِن ولا سليم ولا طيئ إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على
أهل الإسلام فِي حال ردتهم فأتوه بهم، فقبل منهم إلا قرة بْن هبيرة
ونفرا معه أوثقهم، ومثل بالذين عدوا على الإسلام، فأحرقهم بالنيران وو
رضخهم بالحجارة، ورمى بهم من الجبال، ونكسهم فِي الآبار، وخزق بالنبال
وبعث بقرة وبالأسارى، وكتب
(3/262)
إلى أبي بكر: إن بني عامر أقبلت بعد إعراض،
ودخلت فِي الإسلام بعد تربص، وإني لم أقبل من أحد قاتلني أو سالمني
شَيْئًا حَتَّى يجيئوني بمن عدا على الْمُسْلِمين، فقتلتهم كل قتلة،
وبعثت إليك بقرة وأصحابه حَدَّثَنَا السَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ: لِيُزِدْكَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ
بِهِ عَلَيْكَ خَيْرًا، وَاتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِكَ، فَإِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ جِدَّ
فِي أَمْرِ اللَّهِ ولا تبنين، وَلا تَظْفَرَنَّ بِأَحَدٍ قَتَلَ
الْمُسْلِمِينَ إِلا قَتَلْتَهُ وَنَكَّلْتَ بِهِ غَيْرَهُ، وَمَنْ
أَحْبَبْتَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ أَوْ ضَادَّهُ، مِمَّنْ تَرَى أَنَّ
فِي ذَلِكَ صَلاحًا فَاقْتُلْهُ فَأَقَامَ عَلَى الْبُزَاخَةِ شَهْرًا
يَصْعَدُ عَنْهَا وَيَصُوبُ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهَا فِي طَلَبِ
أُولَئِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَحْرَقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَمَطَهُ
وَرَضَخَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَى بِهِ مِنْ رؤوس
الْجِبَالِ وَقَدِمَ بِقُرَّةَ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَنْزِلُوا
وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ كَمَا قِيلَ لِعُيَيْنَةَ وَأَصْحَابِهِ،
لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي مِثْلِ حَالِهِمْ، وَلَمْ يَفْعَلُوا
فِعْلَهُمْ قَالَ السري: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ، عن سهل
وابى يعقوب، قال: واجتمعت فلال غطفان إلى ظفر، وبها أم زمل سلمى ابنة
مالك بْن حذيفة بْن بدر، وهي تشبه بأمها أم قرفة بنت ربيعة بْن فلان
بْن بدر، وكانت أم قرفة عِنْد مالك بْن حذيفة، فولدت لَهُ قرفة، وحكمة،
وجراشة، وزملا، وحصينا، وشريكا، وعبدا، وزفر، ومعاوية، وحملة، وقيسا،
ولأيا، فأما حكمة فقتله رسول الله ص يوم أغار عيينة بْن حصن على سرح
الْمَدِينَة، قتله أبو قتادة، فاجتمعت تلك الفلال إلى سلمى، وكانت فِي
مثل عز أمها، وعندها جمل أم قرفة، فنزلوا إليها فذمرتهم، وأمرتهم
بالحرب، وصعدت سائرة فيهم وصوبت، تدعوهم إلى حرب خالد، حَتَّى اجتمعوا
لَهَا، وتشجعوا على ذَلِكَ، وتأشب إِلَيْهِم الشرداء من كل جانب- وكانت
قد سبيت أيام
(3/263)
أم قرفة، فوقعت لعائشة فأعتقتها، فكانت
تكون عندها، ثُمَّ رجعت إلى قومها، [وقد كَانَ النبي ص دخل عليهن يوما،
فَقَالَ إن إحداكن تستنبح كلاب الحوأب،] ففعلت سلمى ذَلِكَ حين ارتدت،
وطلبت بذلك الثأر، فسيرت فيما بين ظفر والحوأب، لتجمع إليها، فتجمع
إليها كل فل ومضيق عَلَيْهِ من تلك الأحياء من غطفان وهوازن وسليم وأسد
وطيئ، فلما بلغ ذَلِكَ خالدا- وهو فيما هو فيه من تتبع الثأر، وأخذ
الصدقة ودعاء الناس وتسكينهم- سَارَ الى المرأة وقد استكثف أمرها، وغلظ
شأنها، فنزل عليها وعلى جُمَّاعها، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهي واقفة
على جمل أمها، وفي مثل عزها، وَكَانَ يقال: من نخس جملها فله مائة من
الإِبِل لعزها، وابيرت يومئذ بيوتات من جاس- قال ابو جعفر:
جاس حي من غنم- وهاربه، وغنم، وأصيب فِي أناس من كاهل، وَكَانَ قتالهم
شديدا، حَتَّى اجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها.
وقتل حول جملها مائة رجل، وبعث بالفتح، فقدم على أثر قرة بنحو من عشرين
ليلة.
قَالَ السري: قَالَ شعيب، عن سيف، عن سهل وأبي يعقوب، قالا:
كَانَ من حديث الجواء وناعر، أن الفجاءة إياس بْن عبد ياليل قدم على
أبي بكر، فَقَالَ: أعني بسلاح، ومرني بمن شئت من أهل الردة، فأعطاه
سلاحا، وأمره أمره، فخالف أمره إلى الْمُسْلِمين، فخرج حَتَّى ينزل
بالجواء، وبعث نجبة بْن أبي الميثاء من بني الشريد، وأمره بالمسلمين،
فشنها غارة على كل مسلم فِي سليم وعامر وهوازن، وبلغ ذَلِكَ أبا بكر،
فأرسل إلى طريفة بْن حاجز يأمره أن يجمع لَهُ وأن يسير إليه، وبعث إليه
عبد الله بْن قيس الجاسي عونا، ففعل، ثُمَّ نهضا إليه وطلباه، فجعل
يلوذ منهما حَتَّى لقياه على الجواء، فاقتتلوا، فقتل نجبة، وهرب
الفجاءة، فلحقه طريفة فأسره ثُمَّ بعث بِهِ إلى أبي بكر، فقدم بِهِ على
أبي بكر، فأمر فأوقد لَهُ نارا فِي مصلى الْمَدِينَة على حطب كثير،
ثُمَّ رمي بِهِ فيها مقموطا
(3/264)
قال أبو جعفر: وأما ابن حميد، فإنه
حَدَّثَنَا فِي شأن الفجاءة عن سلمة، عَنْ محمد بن إسحاق، عن عبد الله
بن أبي بكر، قَالَ: قدم على أبي بكر رجل من بني سليم، يقال لَهُ
الفجاءة، وهو إياس بْن عبد الله بْن عبد ياليل بْن عميرة بْن خفاف،
فَقَالَ لأبي بكر: إني مسلم، وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار، فاحملني
وأعني، فحمله أبو بكر على ظهر، وأعطاه سلاحا، فخرج يستعرض الناس:
المسلم والمرتد، يأخذ أموالهم، ويصيب من امتنع منهم، ومعه رجل من بني
الشريد، يقال لَهُ: نجبة بْن أبي الميثاء، فلما بلغ أبا بكر خبره، كتب
إلى طريفة بْن حاجز: إن عدو الله الفجاءة أتاني يزعم أنه مسلم، ويسألني
أن أقويه على من ارتد عَنِ الإِسْلامِ، فحملته وسلحته، ثُمَّ انتهى
إليَّ من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس: المسلم والمرتد يأخذ
أموالهم، ويقتل من خالفه منهم، فسر إليه بمن معك مِنَ الْمُسْلِمين
حَتَّى تقتله، أو تأخذه فتأتيني بِهِ فسار طريفة بْن حاجز، فلما التقى
الناس كانت بينهم الرِّمّيّا بالنبل، فقتل نجبة بْن أبي الميثاء بسهم
رمي بِهِ، فلما رأى الفجاءة مِنَ الْمُسْلِمين الجد قَالَ لطريفة:
والله ما أنت بأولى بالأمر مني، أنت أمير لأبي بكر وأنا أميره فَقَالَ
لَهُ طريفة: إن كنت صادقا فضع السلاح، وانطلق معي إلى أبي بكر فخرج
معه، فلما قد ما عَلَيْهِ أمر أبو بكر طريفة بْن حاجز، فَقَالَ: اخرج
بِهِ إلى هذا البقيع فحرّقه فيه بالنار، فخرج بِهِ طريفة إلى المصلى
فأوقد لَهُ نارا، فقذفه فيها، فَقَالَ خفاف بْن ندبة- وهو خفاف بْن
عمير- يذكر الفجاءة، فيما صنع:
لم يأخذون سلاحه لقتاله ... ولذاكم عند الإله اثام
لادينهم ديني ولا انا منهم ... حتى يسير الى الصراة شمام
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق،
عن عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَتْ سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ
قَدِ انْتُقِضَ بَعْضُهُمْ، فَرَجَعُوا كُفَّارًا، وَثَبَتَ بَعْضُهُمْ
عَلَى الإِسْلامِ مَعَ أَمِيرٍ كَانَ لأَبِي بَكْرٍ عليهم،
(3/265)
يُقَالُ لَهُ مَعْنُ بْنُ حَاجِزٍ، أَحَدُ
بَنِي حَارِثَةَ، فَلَمَّا سَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى
طُلَيْحَةَ وَأَصْحَابِهِ، كَتَبَ إِلَى مَعْنِ بْنِ حَاجِزٍ أَنْ
يَسِيرَ بِمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ عَلَى الإِسْلامِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
مَعَ خَالِدٍ، فَسَارَ وَاسْتَخْلَفَ على عمله أخاه طريفه ابن حَاجِزٍ،
وَقَدْ كَانَ لَحِقَ فِيمَنْ لَحِقَ مِنْ بنى سليم باهل الرده ابو شجره
ابن عَبْدِ الْعُزَّى، وَهُوَ ابْنُ الْخَنْسَاءِ، فَقَالَ:
فَلَوْ سالت عنا غداه مرامر ... كَمَا كُنْتَ عَنْهَا سَائِلا لَوْ
نَأَيْتُهَا
لِقَاءَ بَنِي فِهْرٍ وَكَانَ لِقَاؤُهُمْ ... غَدَاةَ الْجَوَاءِ
حَاجَةً فَقَضَيْتُهَا
صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي وَعَرَّجْتُ مُهْرَتِي ... عَلَى الطَّعْنِ
حَتَّى صَارَ وَرْدًا كُمَيْتُهَا
إِذَا هِيَ صَدَّتْ عَنْ كَمِيٍّ أُرِيدُهُ ... عَدَلْتُ إِلَيْهِ
صَدْرَهَا فَهدِيتُهَا
فَقَالَ أَبُو شَجَرَةَ حِينَ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ:
صَحَا الْقَلْبُ عَنْ مَيَّ هَوَاهُ وَأَقْصَرَا ... وطلوع فِيهَا
الْعَاذِلِينَ فَأَبْصَرَا
وَأَصْبَحَ أَدْنَى رَائِدَ الْجَهْلِ والصبا ... كَمَا وُدُّهَا
عَنَّا كَذَاكَ تَغَيَّرَا
وَأَصْبَحَ أَدْنَى رَائِدَ الْوَصْلِ مِنْهُمُ ... كَمَا حَبْلُهَا
مِنْ حَبْلِنَا قَدْ تَبَتَّرَا
أَلا أَيُّهَا الْمُدْلِي بِكَثْرَةِ قَوْمِهِ ... وَحَظُّكَ مِنْهُمْ
أَنْ تُضَامَ وَتُقْهَرَا
سَلِ النَّاسَ عَنَّا كُلَّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ ... إِذَا مَا
الْتَقَيْنَا: دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
أَلَسْنَا نُعَاطِي ذَا الطِّمَاحِ لِجَامَهُ ... وَنَطْعَنُ فِي
الْهَيْجَا إِذَا الْمَوْتُ أَقْفَرَا!
وَعَاضِرَةٌ شَهْبَاءُ تَخْطُرُ بِالْقَنَا ... تَرَى الْبُلْقَ فِي
حَافَّاتِهَا وَالسَّنَّوْرَا
فَرَوَيْتُ رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ ... وَإِنِّي لأرجو بعدها
ان اعمرا
ثم ان أَبَا شَجَرَةَ أَسْلَمَ، وَدَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ
النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَنَسٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ وَحَدَّثَنَا
السَّرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ سَهْلٍ
وَأَبِي يَعْقُوبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مرزوق،
(3/266)
وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ السُّلَمِيِّ، قَالُوا:
فَأَنَاخَ نَاقَتَهُ بِصَعِيدِ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ: ثُمَّ أَتَى
عُمَرَ وَهُوَ يُعْطِي الْمَسَاكِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَيَقْسِمُهَا
بَيْنَ فُقَرَاءِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
أَعْطِنِي فَإِنِّي ذُو حَاجَةٍ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَبُو
شَجَرَةَ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَبُو شَجَرَةَ!
أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَلَسْتَ الَّذِي تَقُولُ:
فَرَوَيْتُ رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ ... وَإِنِّي لأَرْجُو
بَعْدَهَا أَنْ أُعَمَّرَا
قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَعْلُوهُ بِالدِّرَّةِ فِي رَأْسِهِ حَتَّى
سَبَقَهُ عَدْوًا، فَرَجَعَ إِلَى نَاقَتِهِ فَارْتَحَلَهَا، ثُمَّ
أَسْنَدَهَا فِي حَرَّةِ شَوْرَانَ رَاجِعًا إِلَى أَرْضِ بَنِي
سُلَيْمٍ، فَقَالَ:
ضَنَّ عَلَيْنَا أَبُو حَفْصٍ بِنَائِلِهِ ... وَكُلُّ مُخْتَبِطٍ
يَوْمًا لَهُ وَرَقُ
مَا زَالَ يُرْهِقُنِي حَتَّى خَذِيتُ لَهُ ... وَحَالَ مِنْ دُونِ
بَعْضِ الرَّغْبَةِ الشَّفَقُ
لَمَّا رَهِبْتُ أَبَا حَفْصٍ وَشُرْطَتَهُ ... وَالشَّيْخُ يُفْزَعُ
أَحْيَانًا فَيَنْحَمِقُ
ثُمَّ ارْعَوَيْتُ إِلَيْهَا وَهْيَ جَانِحَةً ... مِثْلَ الطَّرِيدَةِ
لَمْ يَنْبُتْ لَهَا ورق
أوردتها الحل مِنْ شَوْرَانِ صَادِرَةً ... إِنِّي لأُزْرِي عَلَيْهَا
وَهِيَ تَنْطَلِقُ
تَطِيرُ مَرْوَ أَبَّانٍ عَنْ مَنَاسِمِهَا ... كَمَا تَنْوَقِدُ
عِنْدَ الْجَهَبِذِ الْوَرَقُ
إِذَا يُعَارِضُهَا خِرْقٌ تُعَارِضُهُ ... وَرْهَاءُ فِيهَا إِذَا
اسْتَعْجَلْتُهَا خَرِقُ
يَنُوءُ آخِرُهَا مِنْهَا بِأَوَّلِهَا ... سَرْحُ الْيَدَيْنِ بِهَا
نِهَاضَةَ الْعُنُقُ
ذكر خبر بني تميم وأمر سجاح بنت الحارث بْن سويد
وَكَانَ من أمر بنى تميم، ان رسول الله ص توفي وقد فرق فيهم عماله،
فكان الزبرقان بْن بدر على الرباب وعوف والأبناء- فيما
(3/267)
ذكر السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بْن
عطية بْن بلال، عن أبيه وسهم بْن منجاب- وقيس بْن عاصم على مقاعس
والبطون، وصفوان ابن صفوان وسبرة بْن عمرو على بني عمرو، هذا على بهدي
وهذا على خضم- قبيلتين من بني تميم- ووكيع بْن مالك ومالك بْن نويرة
على بني حنظلة، هذا على بني مالك، وهذا على بني يربوع فضرب صفوان إلى
أبي بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبي ص بصدقات بني عمرو، وما ولى
منها وبما ولى سبرة، وأقام سبرة فِي قومه لحدث ان ناب القوم، وقد أطرق
قيس ينظر ما الزبرقان صانع وَكَانَ الزبرقان متعتّبا عَلَيْهِ، وقلما
جامله إلا مزقه الزبرقان بحظوته وجده وقد قَالَ قيس وهو ينتظر لينظر ما
يصنع ليخالفه حين أبطأ عليه: وا ويلنا من ابن العكلية! والله لقد مزقني
فما أدري ما أصنع! لئن أنا تابعت أبا بكر وأتيته بالصدقة لينحرنها فِي
بني سعد فليسودني فيهم، ولئن نحرتها فِي بني سعد ليأتين أبا بكر
فليسودني عنده فعزم قيس على قسمها فِي المقاعس والبطون، ففعل وعزم
الزبرقان على الوفاء، فاتبع صفوان بصدقات الرباب وعوف والأبناء حَتَّى
قدم بِهَا الْمَدِينَة، وهو يقول ويعرض بقيس:
وفيت بأذواد الرسول وقد أبت ... سعاة فلم يردد بعيرا مجيرها
وتحلل الأحياء ونشب الشر، وتشاغلوا وشغل بعضهم بعضا ثُمَّ ندم قيس بعد
ذَلِكَ، فلما أظله العلاء بْن الحضرمي أخرج صدقتها، فتلقاه بِهَا،
ثُمَّ خرج معه، وقال فِي ذَلِكَ:
ألا أبلغا عني قريشا رسالة ... إذا ما أتتها بينات الودائع
فتشاغلت فِي تلك الحال عوف والأبناء بالبطون والرباب بمقاعس، وتشاغلت
خضم بمالك وبهدي بيربوع، وعلى خضم سبرة بْن عمرو، وذلك الذى حلفه عن
صفوان والحصين بْن نيار على بهدي، والرباب، عبد الله بْن صفوان
(3/268)
على ضبة، وعصمة بْن أبير على عبد مناة،
وعلى عوف والأبناء عوف بْن البلاد ابن خالد من بني غنم الجشمي، وعلى
البطون سعر بن خفاف، وقد كان ثمامة ابن أثال تأتيه أمداد من بني تميم،
فلما حدث هذا الحدث فيما بينهم تراجعوا إلى عشائرهم، فأضر ذَلِكَ
بثمامة بْن أثال حَتَّى قدم عَلَيْهِ عكرمة وأنهضه، فلم يصنع شَيْئًا،
فبينا الناس فِي بلاد تميم على ذَلِكَ، قد شغل بعضهم بعضا، فمسلمهم
بإزاء من قدم رجلا وأخر أخرى وتربص، وبإزاء من ارتاب، فجئتهم سجاح بنت
الحارث قد أقبلت من الجزيرة، وكانت ورهطها فِي بني تغلب تقود أفناء
ربيعة، معها الهذيل بْن عمران في بنى تغلب، وعقه ابن هلال في النمر،
وتاد بْن فلان فِي إياد، والسليل بْن قيس فِي شيبان، فأتاهم أمر دهي،
هو أعظم مما فيه الناس، لهجوم سجاح عليهم، ولما هم فيه من اختلاف
الكلمة، والتشاغل بما بينهم وقال عفيف بْن المنذر فِي ذَلِكَ:
ألم يأتيك والأنباء تسري ... بما لاقت سراة بني تميم
تداعى من سراتهم رجال ... وكانوا فِي الذوائب والصميم
وألجوهم وَكَانَ لهم جناب ... الى احياء خاليه وخيم
وكانت سجاح بنت الحارث بْن سويد بْن عقفان- هي وبنو أبيها عقفان- فِي
بني تغلب، فتنبت بعد موت رسول الله ص بالجزيرة فِي بني تغلب، فاستجاب
لَهَا الهذيل، وترك التنصر، وهؤلاء الرؤساء الذين أقبلوا معها لتغزو
بهم أبا بكر فلما انتهت إلى الحزن راسلت مالك بْن نويرة ودعته إلى
الموادعة، فأجابها، وفثأها عن غزوها، وحملها على أحياء من بني تميم،
قالت: نعم، فشأنك بمن رأيت، فإني إنما أنا امرأة من بني يربوع، وإن
كَانَ ملك فالملك ملككم فأرسلت إلى بني مالك بْن حنظلة تدعوهم إلى
الموادعة، فخرج عطارد بْن حاجب وسروات بني مالك حَتَّى نزلوا فِي بني
العنبر على سبرة بْن عمرو هُرَّابا قد كرهوا ما صنع وكيع،
(3/269)
وخرج أشباههم من بني يربوع، حَتَّى نزلوا
على الحصين بْن نيار فِي بني مازن، وقد كرهوا ما صنع مالك، فلما جاءت
رسلها إلى بني مالك تطلب الموادعة، أجابها إلى ذَلِكَ وكيع، فاجتمع
وكيع ومالك وسجاح، وقد وادع بعضهم بعضا، واجتمعوا على قتال الناس
وقالوا: بمن نبدأ؟ بخضم، أم ببهدي، أم بعوف والأبناء، أم بالرباب؟
وكفوا عن قيس لما رأوا من تردده وطمعوا فيه، فقالت: أعدوا الركاب،
واستعدوا للنهاب، ثُمَّ أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب.
قَالَ: وصمدت سجاح للأحفار حَتَّى تنزل بِهَا، وقالت لهم: إن الدهناء
حجاز بني تميم، ولن تعدو الرباب، إذا شدها المصاب، أن تلوذ بالدجاني
والدهاني، فلينزلها بعضكم فتوجه الجفول- يعني مالك بْن نويرة- إلى
الدجاني فنزلها، وسمعت بهذا الرباب فاجتمعوا لَهَا، ضبتها وعبد مناتها،
فولي وكيع وبشر بني بكر من بني ضبة، وولي ثعلبة بْن سعد بْن ضبة عقة،
وولي عبد مناة الهذيل فالتقى وكيع وبشر وبنو بكر من بني ضبة، فهُزما،
وأسر سماعة ووكيع وقعقاع، وقتلت قتلى كثيرة، فَقَالَ فِي ذَلِكَ قيس
بْن عاصم، وذلك أول ما استبان فيه الندم:
كأنك لم تشهد سماعة إذ غزا ... وما سر قعقاع وخاب وكيع
رأيتك قد صاحبت ضبة كارها ... على ندب فِي الصفحتين وجيع
ومطلق أسرى كَانَ حمقا مسيرها ... إلى صخرات أمرهن جميع
فصرفت سجاح والهذيل وعقة بني بكر، للموادعة التي بينها وبين وكيع-
وَكَانَ عقة خال بشر- وقالت: اقتلوا الرباب ويصالحونكم ويطلقون أسراكم،
وتحملون لهم دماءهم، وتحمد غب رأيهم أخراهم فاطلقت
(3/270)
لهم ضبة الأسرى، وودوا القتلى، وخرجوا عنهم
فَقَالَ فِي ذَلِكَ قيس يعيرهم صلح ضبة، إسعادا لضبة وتأنيبا لهم ولم
يدخل فِي أمر سجاح عمري ولا سعدي ولا ربي، ولم يطمعوا من جميع هؤلاء
إلا فِي قيس، حَتَّى بدا مِنْهُ إسعاد ضبة، وظهر مِنْهُ الندم ولم
يمالئهم من حنظلة إلا وكيع ومالك، فكانت ممالأتهما موادعة على أن ينصر
بعضهم بعضا، ويحتاز بعضهم إلى بعضهم، وقال أصم التيمي فِي ذَلِكَ:
أتتنا أخت تغلب فاستهدت ... جلائب من سراة بني أبينا
وأرست دعوة فينا سفاها ... وكانت من عمائر آخرينا
فما كنا لنرزيهم زبالا ... وما كانت لتسلم إذ أتينا
ألا سفهت حلومكم وضلت ... عشية تحشدون لَهَا ثبينا
قَالَ: ثُمَّ إن سجاح خرجت فِي جنود الجزيرة، حَتَّى بلغت النباج،
فأغار عليهم أوس بْن خزيمة الهجيمي فيمن تأشب إليه من بني عمرو، فأسر
الهذيل، أسره رجل من بني مازن ثُمَّ أحد بني وبر، يدعى ناشرة.
وأسر عقة، أسره عبدة الهجيمي، وتحاجزوا على أن يترادوا الأسرى،
وينصرفوا عنهم، ولا يجتازوا عليهم، ففعلوا، فردوها وتوثقوا عليها
وعليهما، أن يرجعوا عنهم، ولا يتخذوهم طريقا إلا من ورائهم فوفوا لهم،
ولم يزل فِي نفس الهذيل على المازني، حَتَّى إذا قتل عثمان بْن عفان،
جمع جمعا فأغار على سفار، وعليه بنو مازن، فقتلته بنو مازن ورموا بِهِ
فِي سفار.
ولما رجع الهذيل وعقة إليها واجتمع رؤساء أهل الجزيرة قالوا لَهَا: ما
تأمريننا؟
فقد صالح مالك ووكيع قومهما، فلا ينصروننا ولا يزيدوننا على أن نجوز
فِي أرضهم، وقد عاهدنا هؤلاء القوم فقالت: اليمامة، فقالوا: إن شوكة
أهل اليمامة شديدة، وقد غلظ أمر مسيلمة، فقالت: عليكم باليمامة،
(3/271)
ودفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا
يلحقكم بعدها ملامة.
فنهدت لبني حنيفة، وبلغ ذَلِكَ مسيلمة فهابها، وخاف إن هو شغل بِهَا أن
يغلبه ثمامة على حجر أو شرحبيل بْن حسنة، أو القبائل التي حولهم، فأهدى
لَهَا، ثُمَّ أرسل إليها يستأمنها على نفسه حَتَّى يأتيها.
فنزلت الجنود على الأمواه، وأذنت لَهُ وآمنته، فجاءها وافدا فِي أربعين
من بني حنيفة- وكانت راسخة فِي النصرانية، قد علمت من علم نصارى تغلب-
فَقَالَ مسيلمة: لنا نصف الأرض، وَكَانَ لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد
الله عليك النصف الَّذِي ردت قريش، فحباك بِهِ، وَكَانَ لَهَا لو قبلت
فقالت: لا يرد النصف إلا من حنف، فاحمل النصف إلى خيل تراها كالسهف
فَقَالَ مسيلمة: سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذ طمع، ولا زال أمره
فِي كل ما سر نفسه يجتمع رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشة خلاكم، ويوم دينه
أنجاكم فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجار، يقومون
الليل ويصومون النهار، لربكم الكبار، رب الغيوم والأمطار.
وقال أيضا: لما رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفلت، قلت
لهم: لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنكم معشر أبرار، تصومون
يوما، وتكلفون يوما، فسبحان الله! إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك
السماء ترقون! فلو أنها حبة خردلة، لقام عليها شهيد يعلم ما فِي
الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور.
وَكَانَ مما شرع لهم مسيلمة أن من أصاب ولدا واحدا عقبا لا يأتي
(3/272)
امرأة إلى أن يموت ذَلِكَ الابن فيطلب
الولد، حَتَّى يصيب ابنا ثُمَّ يمسك، فكان قد حرم النساء على من لَهُ
ولد ذكر.
قَالَ أبو جعفر: وأما غير سيف ومن ذكرنا عَنْهُ هذا الخبر، فإنه ذكر أن
مسيلمة لما نزلت بِهِ سجاح، أغلق الحصن دونها، فقالت لَهُ سجاح: انزل،
قَالَ: فنحي عنك أصحابك، ففعلت فَقَالَ مسيلمة:
اضربوا لَهَا قبة وجمروها لعلها تذكر الباه، ففعلوا، فلما دخلت القبة
نزل مسيلمة فَقَالَ: ليقف هاهنا عشرة، وهاهنا عشرة، ثُمَّ دارسها،
فَقَالَ:
ما أوحي إليك؟ فقالت: هل تكون النساء يبتدئن! ولكن أنت قل ما أوحي
إليك؟ قَالَ: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من
بين صفاق وحشي قالت: وماذا أيضا؟ قَالَ: أوحي إلي: أن الله خلق النساء
أفراجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فنولج فيهن قعسا إيلاجا، ثُمَّ نخرجها
إذا نشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا قالت: أشهد أنك نبي، قَالَ:
هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب! قالت: نعم، قَالَ:
ألا قومي إلى النيك ... فقد هيى لك المضجع
وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت بِهِ أجمع
(3/273)
قالت: بل بِهِ أجمع، قَالَ بذلك أوحي إلي
فأقامت عنده ثلاثا ثُمَّ انصرفت إلى قومها، فقالوا: ما عندك؟ قالت:
كَانَ على الحق فاتبعته فتزوجته، قالوا: فهل أصدقك شَيْئًا؟ قالت: لا،
قالوا: ارجعي إليه، فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق! فرجعت، فلما رآها
مسيلمة أغلق الحصن، وقال: ما لك؟ قالت: أصدقني صداقا، قَالَ: من مؤذنك؟
قالت: شبث بْن ربعي الرياحي، قَالَ: علي بِهِ، فجاء فَقَالَ: ناد فِي
أصحابك أن مسيلمة بْن حبيب رَسُول اللَّهِ قد وضع عنكم صلاتين مما
أتاكم بِهِ محمد: صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر.
قَالَ: وَكَانَ من أصحابها الزبرقان بْن بدر وعطارد بْن حاجب ونظراؤهم.
- وذكر الكلبي أن مشيخة بني تميم حدثوه أن عامة بني تميم بالرمل لا
يصلونهما- فانصرفت ومعها أصحابها، فيهم الزبرقان، وعطارد بْن حاجب،
وعمرو بْن الأهتم، وغيلان بْن خرشة، وشبث ابن ربعي، فَقَالَ عطارد بْن
حاجب:
أمست نبيتنا أنثى نطيف بِهَا ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وقال حكيم بْن عياش الأعور الكلبي، وهو يعير مضر بسجاح، ويذكر ربيعة:
أتوكم بدين قائم وأتيتم ... بمنتسخ الآيات فِي مصحف طب
(3/274)
رجع الحديث إلى حديث سيف فصالحها على أن
يحمل إليها النصف من غلات اليمامة، وأبت إلا السنة المقبلة يسلفها،
فباح لَهَا بذلك، وقال: خلِّفي على السلف من يجمعه لك، وانصرفي أنت
بنصف العام، فرجع فحمل إليها النصف، فاحتملته وانصرفت بِهِ إلى
الجزيرة، وخلفت الهذيل وعقة وزيادا لينجز النصف الباقي، فلم يفجأهم إلا
دنو خالد بْن الوليد منهم، فارفضُّوا فلم تزل سجاح فِي بني تغلب،
حَتَّى نقلهم معاوية عام الجماعة فِي زمانه، وَكَانَ معاوية حين أجمع
عَلَيْهِ أهل العراق بعد على ع يخرج من الكوفة المستغرب فِي أمر علي،
وينزل داره المستغرب فِي أمر نفسه من أهل الشام وأهل البصرة وأهل
الجزيرة، وهم الذين يقال لهم النواقل فِي الأمصار، فأخرج من الكوفة
قعقاع بْن عمرو بْن مالك الى إيليا بفلسطين، فطلب إليه أن ينزل منازل
بني أبيه بني عقفان، وينقلهم إلى بني تميم، فنقلهم من الجزيرة إلى
الكوفة، وأنزلهم منازل القعقاع وبني أبيه، وجاءت معهم وحسن إسلامها،
وخرج الزبرقان والأقرع إلى أبي بكر، وقالا: اجعل لنا خراج البحرين
ونضمن لك ألا يرجع من قومنا أحد، ففعل وكتب الكتاب وَكَانَ الَّذِي
يختلف بينهم طلحة بْن عبيد الله وأشهدوا شهودا منهم عمر فلما أتي عمر
بالكتاب فنظر فيه لم يشهد، ثُمَّ قال: لا والله ولا كرامة! ثم مرق
الكتاب ومحاه، فغضب طلحة، فأتى أبا بكر، فَقَالَ: أأنت الأمير أم عمر؟
فَقَالَ: عمر، غير أن الطاعة لي.
فسكت.
وشهدا مَعَ خالد المشاهد كلها حَتَّى اليمامة، ثُمَّ مضى الأقرع ومعه
شرحبيل إلى دومة
(3/275)
ذكر البطاح وخبره
كتب إلي السري بْن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بْن عطية بْن بلال،
قَالَ: لما انصرفت سجاح إلى الجزيرة، ارعوى مالك بْن نويرة، وندم وتحير
فِي أمره، وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا، فرجعا رجوعا حسنا، ولم
يتجبرا، وأخرجا الصدقات فاستقبلا بِهَا خالدا، فَقَالَ خالد: ما حملكما
على موادعة هؤلاء القوم؟ فقالا: ثأر كنا نطلبه فِي بني ضبة، وكانت أيام
تشاغل وفرص، وقال وكيع فِي ذَلِكَ:
فلا تحسبا أني رجعت وأنني ... منعت وقد تحنى إلي الأصابع
ولكنني حاميت عن جل مالك ... ولاحظت حَتَّى أكحلتني الأخادع
فلما أتانا خالد بلوائه ... تخطت إليه بالبطاح الودائع
ولم يبق فِي بلاد بني حنظلة شيء يكره إلا ما كَانَ من مالك بْن نويرة
ومن تأشب إليه بالبطاح، فهو على حاله متحير شج.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن سهل، عن القاسم
وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالا: لَمَّا أَرَادَ خَالِدٌ السَّيْرَ
خَرَجَ مِنْ ظُفَرَ، وَقَدِ اسْتَبْرَأَ أَسَدًا وَغَطَفَانَ
وَطَيِّئًا وَهَوَازِنَ، فَسَارَ يُرِيدُ الْبِطَاحَ دُونَ الْحَزَنِ،
وَعَلَيْهَا مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ، وَقَدْ تَرَدَّدَ عليه امره، وقد
تردبت الأَنْصَارُ عَلَى خَالِدٍ وَتَخَلَّفَتْ عَنْهُ، وَقَالُوا: مَا
هَذَا بِعَهْدِ الْخَلِيفَةِ إِلَيْنَا! إِنَّ الْخَلِيفَةَ عَهِدَ
إِلَيْنَا إِنْ نَحْنُ فَرَغْنَا مِنَ الْبُزَاخَةِ، وَاسْتَبْرَأْنَا
بِلادَ الْقَوْمِ أَنْ نُقِيمَ حَتَّى يَكْتُبَ إِلَيْنَا.
فَقَالَ خَالِدٌ: إِنْ يَكُ عَهِدَ إِلَيْكُمْ هَذَا فَقَدْ عَهِدَ
إِلَيَّ أَنْ أَمْضِيَ، وَأَنَا الأَمِيرُ وَإِلَيَّ تَنْتَهِي
الأَخْبَارُ وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِنِي لَهُ كِتَابٌ وَلا أَمْرٌ،
ثُمَّ رَأَيْتُ فُرْصَةً، فَكُنْتُ إِنْ أَعْلَمْتُهُ فَاتَتْنِي لَمْ
أُعْلِمْهُ حَتَّى أَنْتَهِزَهَا، كَذَلِكَ لَوِ ابْتُلِينَا بِأَمْرٍ
لَيْسَ مِنْهُ
(3/276)
عَهْدٌ إِلَيْنَا فِيهِ لَمْ نَدَعْ أَنْ
نَرَى أَفْضَلَ مَا بِحَضْرَتِنَا، ثُمَّ نَعْمَلَ بِهِ.
وَهَذَا مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ بِحِيَالِنَا، وَأَنَا قَاصِدٌ
إِلَيْهِ وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالتَّابِعِينَ
بِإِحْسَانٍ، وَلَسْتُ أُكْرِهُكُمْ وَمَضَى خَالِدٌ، وَنَدِمَتِ
الأَنْصَارُ، وَتَذَامَرُوا، وَقَالُوا: إِنْ أَصَابَ الْقَوْمُ
خَيْرًا إِنَّهُ لَخَيْرٌ حُرِمْتُمُوهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ لَيَجْتَنِبَنَّكُمُ النَّاسُ فَأَجْمَعُوا اللِّحَاقَ
بِخَالِدٍ وَجَرَّدُوا إِلَيْهِ رَسُولا، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ حَتَّى
لَحِقُوا بِهِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى قَدِمَ الْبِطَاحَ فَلَمْ يَجِدْ
بِهِ أَحَدًا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السَّرِيُّ بْنُ
يَحْيَى، يذكر عن شعيب ابن إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ سَيْفِ
بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ شَجَرَةَ الْعُقْفَانِيِّ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ الْمُثْعِبَةِ
الرِّيَاحِيِّ، قال: قدم خالد ابن الْوَلِيدِ الْبِطَاحَ فَلَمْ يَجِدْ
عَلَيْهِ أَحْدًا، وَوَجَدَ مَالِكًا قَدْ فَرَّقَهُمْ فِي
أَمْوَالِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الاجْتِمَاعِ حِينَ تَرَدَّدَ
عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَقَالَ: يَا بَنِي يَرْبُوعٍ، إِنَّا قَدْ كُنَّا
عَصَيْنَا أُمَرَاءَنَا إِذْ دَعَوْنَا إِلَى هَذَا الدِّينِ،
وَبَطَّأْنَا النَّاسَ عنه فَلَمْ نُفْلِحْ وَلَمْ نَنْجَحْ، وَإِنِّي
قَدْ نَظَرْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ، فَوَجَدْتُ الأَمْرَ يَتَأَتَّى
لَهُمْ بِغَيْرِ سِيَاسَةٍ، وَإِذَا الأَمْرُ لا يَسُوسُهُ النَّاسُ،
فَإِيَّاكُمْ وَمُنَاوَأَةَ قَوْمٍ صُنِعَ لَهُمْ، فَتَفَرَّقُوا إِلَى
دِيَارِكُمْ وَادْخُلُوا فِي هَذَا الأَمْرِ فَتَفَرَّقُوا عَلَى
ذَلِكَ إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَخَرَجَ مَالِكٌ حَتَّى رَجَعَ إِلَى
مَنْزِلِهِ وَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ الْبِطَاحَ بَثَّ السَّرَايَا
وَأَمَرَهُمْ بِدَاعِيَةِ الإِسْلامِ أَنْ يَأْتُوهُ بِكُلِّ مَنْ لَمْ
يُجِبْ، وَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَكَانَ مِمَّا أَوْصَى
بِهِ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا نَزَلْتُمْ مَنْزِلا فَأَذِّنُوا
وَأَقِيمُوا، فَإِنْ أَذَّنَ الْقَوْمُ وَأَقَامُوا فَكُفُّوا
عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلا شيء الا الغارة، ثم اقتلوهم
كُلَّ قِتْلَةٍ، الْحَرْقَ فَمَا سِوَاهُ، وَإِنْ
(3/277)
أَجَابُوكُمْ إِلَى دَاعِيَةِ الإِسْلامِ
فَسَائِلُوهُمْ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِالزَّكَاةِ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ،
وَإِنْ أَبَوْهَا فَلا شَيْءٌ إِلا الْغَارَةُ وَلا كَلِمَةٌ
فَجَاءَتْهُ الْخَيْلُ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فِي نَفَرٍ مَعَهُ
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، مِنْ عَاصِمٍ وَعُبَيْدٍ
وَعُرَيْنٍ وَجَعْفَرٍ، فَاخْتَلَفَتِ السَّرِيَّةُ فِيهِمْ، وَفِيهِمْ
أَبُو قَتَادَةَ، فَكَانَ فِيمَنْ شَهِدَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذَّنُوا
وَأَقَامُوا وَصَلَّوْا فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِمْ أَمَرَ بِهِمْ
فَحُبِسُوا فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ لا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ،
وَجَعَلَتْ تَزْدَادُ بَرْدًا، فَأَمَرَ خَالِدٌ مُنَادِيًا فَنَادَى:
ادفئوا اسراكم، وكانت في لغة كنانه إذا قَالُوا: دَثِّرُوا الرَّجُلَ
فَأَدْفِئُوهُ، دِفْئُهُ قَتْلُهُ وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ: أَدْفِهِ
فَاقْتُلْهُ، فَظَنَّ الْقَوْمُ- وَهِيَ فِي لُغَتِهِمِ الْقَتْلُ-
أَنَّهُ أَرَادَ الْقَتْلَ، فَقَتَلُوهُمْ، فَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ
الأَزْوَرِ مَالِكًا، وَسِمَع خَالِدٌ الْوَاعِيَةَ، فَخَرَجَ وَقَدْ
فَرَغُوا مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَصَابَهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِيهِمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هَذَا
عَمَلُكَ، فَزَبَرَهُ خَالِدٌ فَغَضِبَ وَمَضَى، حَتَّى أَتَى أَبَا
بَكْرٍ فَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، حَتَّى كَلَّمَهُ عُمَرُ
فِيهِ، فَلَمْ يَرْضَ إِلا أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ
حَتَّى قَدِمَ مَعَهُ الْمَدِينَةَ، وَتَزَوَّجَ خَالِدٌ أُمَّ تَمِيمِ
ابْنَةَ الْمِنْهَالِ، وَتَرَكَهَا لِيَنْقَضِيَ طُهْرُهَا، وَكَانَتِ
الْعَرَبُ تَكْرَهُ النِّسَاءَ فِي الْحَرْبِ وَتُعَايِرُهُ، وَقَالَ
عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ هَذَا حَقًّا، حَقَّ عَلَيْهِ أَنْ تُقِيدَهُ، وَأَكَثَرَ
عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ- وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لا يُقِيدُ مِنْ عُمَّالِهِ
وَلا وَزَعَتِهِ- فَقَالَ: هَيْهٍ يَا عُمَرُ! تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ،
فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ وَوَدي مَالِكًا وَكَتَبَ إِلَى
خَالِدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ،
(3/278)
فَعَذَرَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ، وَعَنَّفَهُ
فِي التَّزْوِيجِ الَّذِي كَانَتْ تَعِيبُ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ
ذَلِكَ وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدَ قَوْمٌ مِنَ
السَّرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَذَّنُوا وَأَقَامُوا وَصَلَّوْا، فَفَعَلُوا
مِثْلَ ذَلِكَ.
وَشَهِدَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقُتِلُوا
وَقَدِمَ أَخُوهُ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ يُنْشِدُ أَبَا بَكْرٍ
دَمَهُ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ فِي سَبْيِهِمْ، فَكَتَبَ لَهُ بِرَدِّ
السَّبْيِ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي خَالِدٍ أَنْ يَعْزِلَهُ،
وَقَالَ: إِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقًا فَقَالَ: لا يَا عُمَرُ، لَمْ
أَكُنْ لأُشِيمَ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ
خُزَيْمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سُوَيْدٍ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ
نُوَيْرَةَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ شَعْرًا، وَإِنَّ أَهْلَ
الْعَسْكَرِ أَثَفُّوا بِرُءُوسِهِمْ الْقُدُورَ، فَمَا مِنْهُمْ
رَأْسٌ إِلا وَصَلَتِ النَّارُ إِلَى بَشْرَتِهِ مَا خَلا مَالِكًا،
فَإِنَّ الْقِدْرَ نَضَجَتْ وَمَا نَضَجَ رَأْسُهُ مِنْ كَثْرَةِ
شَعْرِهِ، وَقَى الشَّعْرُ الْبَشْرَةَ حَرَّهَا أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُ
ذَلِكَ.
وَأَنْشَدَهُ مُتَمِّمٌ، وَذَكَرَ خَمْصَهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَآهُ
مَقْدَمَهُ عَلَى النبي ص، فَقَالَ: أَكَذَاكَ يَا مُتَمِّمُ كَانَ!
قَالَ: أَمَّا ما أَعْنِي فَنَعَمْ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حدثنا محمد
بن إسحاق، عن طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مِنْ
عَهْدِهِ إِلَى جُيُوشِهِ: أَنْ إِذَا غَشِيتُمْ دَارًا مِنْ دُورِ
النَّاسِ فَسَمِعْتُمْ فِيهَا أَذَانًا لِلصَّلاةِ، فَأَمْسِكُوا عَنْ
أَهْلِهَا حَتَّى تَسْأَلُوهُمْ مَا الَّذِي نَقَمُوا! وَإِنْ لَمْ
تَسْمَعُوا أَذَانًا، فَشِنُّوا الْغَارَةَ، فَاقْتُلُوا، وَحَرِّقُوا
(3/279)
وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ لِمَالِكٍ
بِالإِسْلامِ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَخُو بَنِي
سَلَمَةَ، وَقَدْ كَانَ عَاهَدَ اللَّهَ أَلا يَشْهَدَ مَعَ خَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ حَرْبًا أَبَدًا بَعْدَهَا، وَكَانَ يُحَدِّثُ
أَنَّهُمْ لَمَّا غَشُوا الْقَوْمَ رَاعُوهُمْ تَحْتَ اللَّيْلِ،
فَأَخَذَ الْقَوْمُ السِّلاحَ قَالَ: فَقُلْنَا: إِنَّا
الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: وَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، قُلْنَا: فَمَا
بَالُ السِّلاحُ مَعَكُمْ! قَالُوا لَنَا: فَمَا بَالُ السِّلاحُ
مَعَكُمْ! قُلْنَا: فَإِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَضَعُوا
السِّلاحَ، قَالَ: فَوَضَعُوهَا، ثُمَّ صَلَّيْنَا وَصَلُوا وَكَانَ
خَالِدٌ يَعْتَذِرُ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ وَهُوَ
يُرَاجِعُهُ: مَا أَخَالُ صَاحِبَكُمْ إِلا وَقَدْ كَانَ يقول كذا وكذا
قال: او ما تَعُدُّهُ لَكَ صَاحِبًا! ثُمَّ قَدَّمَهُ فَضَرَبَ
عُنُقَهُ وَأَعْنَاقَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ قَتْلَهُمْ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ، تَكَلَّمَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فَأَكْثَرَ،
وقال: عدو الله عدا عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ نَزَا
عَلَى امْرَأَتِهِ! وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَافِلا حَتَّى
دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ لَهُ عَلَيْهِ صَدَأُ
الْحَدِيدِ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ لَهُ، قَدْ غَرَزَ فِي
عِمَامَتِهِ أَسْهُمًا، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ
إِلَيْهِ عُمَرُ فَانْتَزَعَ الأَسْهُمَ مِنْ رَأْسِهِ فَحَطَّمَهَا،
ثم قال:
ارثاء! قتلت امْرَأً مُسْلِمًا، ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ!
وَاللَّهِ لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ- وَلا يُكَلِّمُهُ خَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ، وَلا يَظُنُّ إِلا أَنَّ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى
مِثْلِ رَأْيِ عُمَرَ فِيهِ- حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ،
فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَاعْتَذَرَ
إِلَيْهِ فَعَذَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُ مَا كَانَ فِي
حَرْبِهِ تِلْكَ قَالَ: فَخَرَجَ خَالِدٌ حِينَ رَضِيَ عَنْهُ أَبُو
بَكْرٍ، وَعُمَرُ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: هَلُمَّ الى يا بن
أُمِّ شَمْلَةَ! قَالَ: فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ
رَضِيَ عَنْهُ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ.
وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ مَالِكَ بْنِ نُوَيْرَةَ عَبْدُ بْنُ
الأَزْوَرِ الأَسَدِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: الَّذِي قَتَلَ
مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ ضِرَارُ بْنُ الأزور
(3/280)
ذِكْرُ بَقِيَّةِ خَبَرِ مُسَيْلِمَةَ
الْكَذَّابِ وَقَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عَنْ سَهْلِ بْنِ
يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ
حِينَ بَعَثَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى مُسَيْلِمَةَ
وَأَتْبَعَهُ شُرَحْبِيلَ عَجِلَ عِكْرِمَةُ، فَبَادَرَ شُرَحْبِيلَ
لِيَذْهَبَ بِصَوْتِهَا فَوَاقَعَهُمْ، فَنَكَبُوهُ، وَأَقَامَ
شُرَحْبِيلُ بِالطَّرِيقِ حَيْثُ أَدْرَكَهُ الْخَبَرُ، وَكَتَبَ
عِكْرِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ،
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابو بكر: يا بن أُمِّ عِكْرِمَةَ، لا أَرَيْنَكَ
وَلا تَرَانِي عَلَى حَالِهَا! لا تَرْجِعْ فَتُوهِنَ النَّاسَ، امْضِ
عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى تُسَانِدَ حُذَيْفَةَ وَعُرْفُجَةَ فَقَاتِلْ
مَعَهُمَا أَهْلَ عُمَانَ وَمهْرَةَ، وَإِنْ شُغِلا فَامْضِ أَنْتَ، ثم
تسير وتسير جندك تستبرئون مَنْ مَرَرْتُمْ بِهِ، حَتَّى تَلْتَقُوا
أَنْتُمْ وَالْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بِالْيَمَنِ
وَحَضْرَمَوْتَ.
وَكَتَبَ إِلَى شُرَحْبِيلَ يَأْمُرُهُ بِالْمُقَامِ حَتَّى يَأْتِيَهُ
أَمْرُهُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُوَجِّهَ خَالِدًا
بِأَيَّامٍ إِلَى الْيَمَامَةِ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ خَالِدٌ، ثُمَّ
فَرَغْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَالْحَقْ بِقُضَاعَةَ، حَتَّى تَكُونَ
أَنْتَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مَنْ أَبَى مِنْهُمْ وَخَالَفَ
فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْبِطَاحِ رَضِيَ
أَبُو بَكْرٍ عَنْ خَالِدٍ، وَسَمِعَ عُذْرَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ
وَصَدَّقَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، وَوَجَّهَهُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ
وَأَوْعَبَ مَعَهُ النَّاسَ وَعَلَى الأَنْصَارِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ
وَالْبَرَاءِ بْنِ فُلانٍ، وَعَلَى الْمُهَاجِرِينَ أَبُو حُذَيْفَةَ
وَزَيْدٌ، وَعَلَى الْقَبَائِلِ، عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ.
وَتَعَجَّلَ خَالِدٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ
بِالْبِطَاحِ، وَانْتَظَرَ الْبَعْثَ الَّذِي ضَرَبَ بِالْمَدِينَةِ،
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ نَهَضَ حَتَّى أَتَى الْيَمَامَةَ وَبَنُو
حَنِيفَةَ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي
عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ رِجَالٍ، قَالُوا: كَانَ عَدَدُ بَنِي
حَنِيفَةَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فِي قُرَاهَا
(3/281)
وَحِجْرِهَا، فَسَارَ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا
أَظَلَّ عَلَيْهِمْ أَسْنَدَ خُيُولا لِعُقةَ وَالْهُذَيْلِ وَزِيَادٍ،
وَقَدْ كَانُوا أَقَامُوا عَلَى خَرْجٍ أَخْرَجَهُ لَهُمْ مُسَيْلِمَةُ
لِيُلْحِقُوا بِهِ سَجَاحَ.
وَكَتَبَ إِلَى الْقَبَائِلِ مِنْ تَمِيمٍ فِيهِمْ، فَنَفَرُوهُمْ
حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَعَجَلَ شُرَحْبِيلُ
بْنُ حَسَنَةَ، وَفَعَلَ فِعْلَ عِكْرِمَةَ، وَبَادَرَ خَالِدًا
بِقِتَالِ مُسَيْلِمَةَ قَبْلَ قُدُومِ خَالِدٍ عَلَيْهِ، فَنُكِبَ،
فَحَاجَزَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ خَالِدٌ لامَهُ، وَإِنَّمَا
أَسْنَدَ خَالِدٌ تِلْكَ الْخُيُولَ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتُوهُ مِنْ
خَلْفِهِ، وَكَانُوا بِأَفْنِيَةِ الْيَمَامَةِ.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت، عَمَّنْ
حَدَّثَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ فُلانٍ، قَالَ: وَأَمَدَّ أَبُو بَكْرٍ
خَالِدًا بِسُلَيْطٍ، لَيَكُونَ رِدْءًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهُ
أَحَدٌ مِنْ خَلْفِهِ، فَخَرَجَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ خَالِدٍ وَجَدَ
تِلْكَ الْخُيُولَ الَّتِي انْتَابَتْ تِلْكَ الْبِلادَ قَدْ
فُرِّقُوا، فَهَرَبُوا، وَكَانَ مِنْهُمْ قَرِيبًا رِدْءًا لَهُمْ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: لا أَسْتَعْمِلُ أَهْلَ بَدْرٍ،
أَدَعُهُمْ حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ،
فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِهِمْ وَبِالصُّلَحَاءِ مِنَ الأُمَمِ
أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِمَّا يَنْتَصِرُ بِهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لأُشْرِكَنَّهُمْ وليُواسُنَّني كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن
شعيب، عن سيف، عن طلحة بْن الأعلم، عن عبيد بْن عمير، عن اثال الحنفي-
وكان مع ثمامة بْن أثال- قال: وكان مسيلمة يصانع كل أحد ويتألفه ولا
يبالي أن يطلع الناس منه على قبيح، وكان معه نهار الرجال بْن عنفوة،
وكان قد هاجر الى النبي ص، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه معلما
لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم
فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أنه سمع محمدا ص يقول: إنه قد
أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وامروه بمكاتبه النبي ص
(3/282)
، ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه،
فكان نهار الرجال بْن عنفوة لا يقول شيئا إلا تابعه عليه، وكان ينتهي
الى امره، وكان يؤذن للنبي ص، ويشهد في الأذان أن محمدا رسول اللَّه،
وكان الذي يؤذن له عبد اللَّه بْن النواحة، وكان الذي يقيم له حجير بْن
عمير، ويشهد له، وكان مسيلمة إذا دنا حجير من الشهادة، قال: صرح حجير،
فيزيد في صوته، ويبالغ لتصديق نفسه، وتصديق نهار وتضليل من كان قد
أسلم، فعظم وقاره في أنفسهم قال: وضرب حرما باليمامة، فنهى عنه، وأخذ
الناس به، فكان محرما فوقع في ذلك الحرم قرى الأحاليف، أفخاذ من بنى
اسيد، كانت دراهم باليمامة، فصار مكان دارهم في الحرم- والأحاليف:
سيحان ونمارة ونمر والحارث بنو جروة- فإن أخصبوا أغاروا على ثمار أهل
اليمامة، واتخذوا الحرم دغلا، فإن نذروا بهم فدخلوه أحجموا عنهم، وإن
لم ينذروا بهم فذلك ما يريدون فكثر ذلك منهم حتى استعدوا عليهم، فقال:
أنتظر الذي يأتي من السماء فيكم وفيهم ثم قال لهم: والليل الأطحم،
والذئب الأدلم والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم، فقالوا: أما
محرم استحلال الحرم وفساد الأموال! ثم عادوا للغارة، وعادوا للعدوى.
فقال: أنتظر الذي يأتيني، فقال: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت
أسيد من رطب ولا يابس، فقالوا: أما النخيل مرطبة فقد جدوها، وأما
الجدران يابسة فقد هدموها، فقال: اذهبوا وارجعوا فلا حق لكم.
وكان فيما يقرأ لهم فيهم: إن بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه
(3/283)
عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان،
نمنعهم من كل إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن.
وكان يقول: والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها والشاء السوداء
واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون!.
وكان يقول: يا ضفدع ابنة ضفدع، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في
الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين.
وكان يقول: والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات
طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا،
لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعتر
فآووه، والباغي فناوئوه.
قال: وأتته امرأة من بني حنيفة تكنى بأم الهيثم فقالت: إن نخلنا لسحق
وإن آبارنا لجرز، فادع اللَّه لمائنا ولنخلنا كما دعا مُحَمَّد لأهل
هزمان.
فقال: يا نهار ما تقول هذه؟ فقال: ان اهل هزمان أتوا محمدا ص فشكوا بعد
مائهم، - وكانت آبارهم جرزا- ونخلهم أنها سحق، فدعا لهم فجاشت آبارهم،
وانحنت كل نخلة قد انتهت حتى وضعت جرانها لانتهائها، فحكت به الأرض حتى
أنشبت عروقا ثم قطعت من دون ذلك، فعادت فسيلا مكمما ينمى صاعدا.
قال: وكيف صنع بالآبار؟ قال: دعا بسجل، فدعا لهم فيه،
(3/284)
ثم تمضمض بفمه منه، ثم مجه فيه، فانطلقوا
به حتى فرغوه في تلك الآبار، ثم سقوه نخلهم، ففعل النبي ما حدثتك، وبقي
الآخر إلى انتهائه فدعا مسيلمة بدلو من ماء فدعا لهم فيه، ثم تمضمض
منه، ثم مج فيه فنقلوه فأفرغوه في آبارهم فغارت مياه تلك الآبار، وخوى
نخلهم، وإنما استبان ذلك بعد مهلكه.
وقال له نهار: برك على مولودي بني حنيفة، فقال له: وما التبريك؟
قال: كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمدا ص فحنكه ومسح
رأسه، فلم يؤت مسيلمة بصبي فحنكه ومسح رأسه إلا قرع ولثغ واستبان ذلك
بعد مهلكه.
وقالوا: تتبع حيطانهم كما كان محمد ص يصنع فصل فيها: فدخل حائطا من
حوائط اليمامة، فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وضوء
الرحمن فتسقي به حائطك حتى يروى ويبتل، كما صنع بنو المهرية، أهل بيت
من بني حنيفة- وكان رجل من المهرية قدم على النبي ص فأخذ وضوءه فنقله
معه إلى اليمامة فأفرغه في بئره، ثم نزع وسقى، وكانت أرضه تهوم فرويت
وجزأت فلم تلف إلا خضراء مهتزة- ففعل فعادت يبابا لا ينبت مرعاها.
وأتاه رجل فقال: ادع اللَّه لأرضي فإنها مسبخه، كما دعا محمد ص لسلمي
على أرضه فقال: ما يقول يا نهار؟ فقال:
(3/285)
قدم عليه سلمي، وكانت أرضه سبخة فدعا له،
وأعطاه سجلا من ماء، ومج له فيه، فأفرغه في بئره، ثم نزع، فطابت وعذبت،
ففعل مثل ذلك فانطلق الرجل، ففعل بالسجل كما فعل سلمي، فغرقت أرضه، فما
جف ثراها، ولا أدرك ثمرها.
وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها، فجزت كبائسها يوم
عقرباء كلها، وكانوا قد علموا واستبان لهم، ولكن الشقاء غلب عليهم.
كتب إلي السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن خليد بن ذفرة النمري، عن
عمير بْن طلحة النمري، عن أبيه، أنه جاء اليمامة، فقال: أين مسيلمة؟
قالوا: مه رسول اللَّه! فقال: لا، حتى أراه، فلما جاءه، قال: أنت
مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟
قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك
كذاب وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، فقتل معه
يوم عقرباء.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الكلبي مثله، إلا أنه قال: كذاب
ربيعة أحب إلي من كذاب مضر.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة بْن الأعلم، عن عبيد بْن
عمير، عن رجل منهم، قال: لما بلغ مسيلمة دنو خالد، ضرب عسكره بعقرباء،
واستنفر الناس، فجعل الناس يخرجون إليه، وخرج مجاعة بْن مرارة في سريه
يطلب ثارا له في بني عامر وبني تميم قد خاف فواته، وبادر به الشغل،
فأما ثأره في بني عامر فكانت خولة ابنة جعفر فيهم، فمنعوه منها،
فاختلجها، وأما ثأره في بني تميم فنعم أخذوا له واستقبل خالد شرحبيل
بْن حسنة، فقدمه وأمر على المقدمة خالد بْن فلان المخزومي، وجعل على
المجنبتين زيدا وأبا حذيفة، وجعل مسيلمة على
(3/286)
مجنبتيه المحكم والرجال، فسار خالد ومعه
شرحبيل، حتى إذا كان من عسكر مسيلمة على ليله، هجم على جبيله هجوم-
المقلل يقول:
أربعين، والمكثر يقول: ستين- فإذا هو مجاعة وأصحابه، وقد غلبهم الكرى،
وكانوا راجعين من بلاد بني عامر، قد طووا إليهم، واستخرجوا خولة ابنة
جعفر فهي معهم، فعرسوا دون أصل الثنية، ثنية اليمامة، فوجدوهم نياما
وأرسان خيولهم بأيديهم تحت خدودهم وهم لا يشعرون بقرب الجيش منهم،
فأنبهوهم، وقالوا: من أنتم؟ قالوا: هذا مجاعة وهذه حنيفة، قالوا:
وأنتم فلا حياكم اللَّه! فأوثقوهم وأقاموا إلى أن جاءهم خالد بْن
الوليد، فأتوه بهم، فظن خالد أنهم جاءوه ليستقبلوه وليتقوه بحاجته،
فقال: متى سمعتم بنا؟
قالوا: ما شعرنا بك، إنما خرجنا لثأر لنا فيمن حولنا من بني عامر
وتميم، ولو فطنوا لقالوا: تلقيناك حين سمعنا بك فأمر بهم أن يقتلوا،
فجادوا كلهم بأنفسهم دون مجاعة بْن مرارة، وقالوا: إن كنت تريد بأهل
اليمامة غدا خيرا أو شرا فاستبق هذا ولا تقتله، فقتلهم خالد وحبس مجاعة
عنده كالرهينة.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ،
عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعَثَ إِلَى الرَّجَّالِ فَأَتَاهُ
فَأَوْصَاهُ بِوَصِيَّتِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ
الْيَمَامَةِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَلَى الصِّدْقِ حِينَ أَجَابَهُ
قَالا:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: جَلَسْتُ مَعَ النَّبِيِّ ص في رهط معنا
الرجال ابن عُنْفُوَةَ، فَقَالَ: [إِنَّ فِيكُمْ لَرَجُلا ضَرْسُهُ فِي
النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ،] فَهَلَكَ الْقَوْمُ وَبَقِيتُ أَنَا
وَالرَّجَّالُ، فَكُنْتُ مُتَخَوِّفًا لَهَا، حَتَّى خَرَجَ
الرَّجَّالُ مَعَ مُسَيْلِمَةَ، فَشَهِدَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ،
فَكَانَتْ فِتْنَةُ الرَّجَّالِ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ مُسَيْلِمَةَ،.
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ خَالِدًا، فَسَارَ حَتَّى إِذَا بلغ
ثنية اليمامه، استقبل مجاعه ابن مِرَارَةَ- وَكَانَ سَيَّدَ بَنِي
حَنِيفَةَ- فِي جَبَلٍ مِنْ قَوْمِهِ، يُرِيدُ الْغَارَةَ عَلَى
(3/287)
بَنِي عَامِرٍ، وَيَطْلُبُ دَمًا، وَهُمْ
ثَلاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَارِسًا رُكْبَانًا قَدْ عَرَسُوا.
فَبَيَّتَهُمْ خَالِدٌ فِي مَعْرَسِهِمْ، فَقَالَ: مَتَى سَمِعْتُمْ
بِنَا؟ فَقَالُوا: مَا سمعنا بكم، انما خرجنا لنثئر بِدَمٍ لَنَا فِي
بَنِي عَامِرٍ فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ،
وَاسْتَحْيَا مُجَّاعَةَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْيَمَامَةِ، فَخَرَجَ
مُسَيْلِمَةُ وَبَنُو حَنِيفَةَ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدٍ، فَنَزَلُوا
بِعَقْرَبَاءَ، فَحَلَّ بِهَا عَلَيْهِمْ- وَهِيَ طَرَفُ الْيَمَامَةِ
دُونَ الأَمْوَالِ- وَرِيفُ الْيَمَامَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَقَالَ
شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسَيْلِمَةَ: يَا بَنِي حَنِيفَةَ، الْيَوْمَ يَوْمَ
الْغَيْرَةِ، الْيَوْمَ إِنْ هزمتم تستردف النساء سبيات، وينكحن غير
خطيبات، فَقَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، وَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ
فَاقْتَتَلُوا بِعَقْرَبَاءَ، وَكَانَتْ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ
سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالُوا: تَخْشَى عَلَيْنَا مِنْ
نَفْسِكَ شَيْئًا! فَقَالَ: بِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا إِذًا!
وَكَانَتْ رَايَةُ الأَنْصَارِ مَعَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
شَمَّاسٍ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ عَلَى رَايَاتِهَا وَمُجَّاعَةُ أَسِيرٌ
مَعَ أُمِّ تَمِيمٍ فِي فُسْطَاطِهَا فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً،
وَدَخَلَ أُنَاسٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى أُمِّ تَمِيمٍ،
فَأَرَادُوا قَتْلَهَا، فَمَنَعَهَا مُجَّاعَةُ قَالَ: أَنَا لَهَا
جَارٌ، فَنِعْمَتِ الْحُرَّةُ هِيَ! فَدَفَعَهُمْ عَنْهَا، وَتَرَادَّ
الْمُسْلِمُونَ، فَكَرُّوا عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَتْ بَنُو حَنِيفَةَ،
فَقَالَ الْمُحكمُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا بَنِي حَنِيفَةَ، ادْخُلُوا
الْحَدِيقَةَ، فَإِنِّي سَأَمْنَعُ أَدْبَارَكُمْ، فَقَاتَلَ دُونَهُمْ
سَاعَةً ثُمَّ قَتَلَهُ اللَّهُ، قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ، وَدَخَلَ الْكُفَّارُ الْحَدِيقَةَ، وَقَتَلَ وَحْشِيُّ
مُسَيْلِمَةَ، وَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَشَارَكَهُ فِيهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، بِنَحْوِ حَدِيثِ سَيْفٍ هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:
دَعَا خَالِدٌ بِمُجَّاعَةَ وَمَنْ أُخِذَ مَعَهُ حِينَ أَصْبَحَ،
فَقَالَ: يَا بَنِي حَنِيفَةَ، مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: نَقُولُ:
مِنَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ،
حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ سَارِيَةُ بْنُ
عَامِرٍ وَمُجَّاعَةُ بْنُ مِرَارَةَ، قَالَ لَهُ سَارِيَةٌ: أَيُّهَا
الرَّجُلُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ غَدًا خَيْرًا
أَوْ شَرًّا، فَاسْتَبْقِ هَذَا الرَّجُلَ- يَعْنِي مُجَّاعَةَ-
فَأَمَرَ بِهِ خَالِدٌ فَأَوْثَقَهُ فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ دَفَعَهُ
إِلَى أُمِّ تَمِيمٍ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: اسْتَوْصِي بِهِ
(3/288)
خَيْرًا، ثُمَّ مَضَى حَتَّى نَزَلَ
الْيَمَامَةَ عَلَى كَثِيبٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَ
بِهِ عَسْكَرَهُ، وَخَرَجَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ
وَقَدْ قَدِمَ فِي مُقَدِّمَتِهِ الرَّحَّالُ- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ،
هَكَذَا قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ بِالْحَاءِ- بْنُ عُنْفُوَةَ بْنِ
نَهْشَلٍ، وَكَانَ الرَّحَّالُ رَجُلا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ قَدْ كَانَ
أَسْلَمَ، وَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْيَمَامَةَ
شَهِدَ لِمُسَيْلِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَدْ كَانَ أَشْرَكَهُ
فِي الأَمْرِ فَكَانَ أَعْظَمَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ فِتْنَةً
مِنْ مُسَيْلِمَةَ، وَكَانَ المسلمون يسألون عن الرجال يَرْجُونَ
أَنَّهُ يَثْلِمُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَمْرَهُمْ بِإِسْلامِهِ،
فَلَقِيَهُمْ فِي أَوَائِلِ النَّاسِ مُتَكَتِّبًا، وَقَدْ قَالَ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِهِ، وَعِنْدَهُ
أَشْرَافُ النَّاسِ وَالنَّاسُ عَلَى مُصَافِّهِمْ، وَقَدْ رَأَى
بَارِقَةً فِي بَنِي حَنِيفَةَ:
أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ كَفَاكُمُ اللَّهُ
أَمْرَ عَدُوِّكُمْ وَاخْتَلَفَ الْقَوْمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
فَنَظَرَ مُجَّاعَةُ وَهُوَ خَلْفَهُ مُوَثَّقًا فِي الْحَدِيدِ،
فَقَالَ: كَلا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّهَا الْهُنْدُوَانِيَّةِ خَشَوْا
عَلَيْهَا مِنْ تَحَطُّمِهَا، فَأَبْرَزُوهَا لِلشَّمْسِ لِتَلِينَ
لَهُمْ، فَكَانَ كَمَا قَالَ فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ كَانَ
أَوَّلُ مَنْ لقيهم الرجال بْنُ عُنْفُوَةَ، فَقَتَلَهُ اللَّهَ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن محمد بن
إسحاق، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، عَنْ أَبِي هريرة، [ان رسول
الله ص قَالَ يَوْمًا- وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ
فِي مَجْلِسٍ عِنْدَهُ:
لَضِرْسُ أَحَدِكُمْ أَيُّهَا الْمَجْلِسُ فِي النَّارِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ] .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَضَى الْقَوْمُ لِسَبِيلِهِمْ، وَبَقِيتُ
انا ورجال بْنُ عُنْفُوَةَ، فَمَا زِلْتُ لَهَا مَتَخَوِّفًا، حَتَّى
سمعت بمخرج رجال، فَأَمَنْتُ وَعَرَفْتُ أَنَّ مَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ص حَقٌّ.
ثُمَّ الْتَقَى النَّاسُ وَلَمْ يَلْقَهُمْ حَرْبٌ قَطُّ مِثْلَهَا
مِنْ حَرْبِ الْعَرَبِ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالا شَدِيدًا، حَتَّى
انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَخَلَصَ بَنُو حَنِيفَةَ إِلَى مُجَّاعَةَ
وَإِلَى خَالِدٍ، فَزَالَ خَالِدٌ عَنْ فُسْطَاطِهِ وَدَخَلَ أُنَاسٌ
الْفُسْطَاطَ وَفِيهِ مُجَّاعَةَ عِنْدَ أُمِّ تَمِيمٍ، فَحَمَلَ
عَلَيْهَا رَجُلٌ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: مَهْ،
(3/289)
أَنَا لَهَا جَارٌ، فَنِعْمَتِ الْحُرَّةُ!
عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ، فَرَعْبَلُوا الْفُسْطَاطَ بِالسُّيُوفِ
ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَدَاعَوْا، فَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ:
بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ- يَعْني
أَهْلَ الْيَمَامَةِ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ-
يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- ثُمَّ جَالَدَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ انْكَشَفَ النَّاسُ عَنْ
رِحَالِهِمْ: لا تَحُوزُ بَعْدُ الرِّحَالُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى
قُتِلَ ثُمَّ قَامَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ- وَكَانَ إِذَا حَضَرَ الْحَرْبُ أَخَذَتْهُ الْعُرَوَاءُ
حَتَّى يَقْعُدَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، ثُمَّ يَنْتَفِضُ تَحْتَهُمْ
حَتَّى يَبُولَ فِي سَرَاوِيلِهِ، فَإِذَا بَالَ يَثُورُ كَمَا يَثُورُ
الأَسَدُ- فَلَمَّا رَأَى مَا صَنَعَ النَّاسُ أَخَذَهُ الَّذِي كَانَ
يَأْخُذُهُ حَتَّى قَعَدَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَمَّا بَالَ وَثَبَ،
فَقَالَ: أَيْنَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمينَ! أَنَا الْبَرَاءُ بْنُ
مَالِكٍ، هَلُمَّ إِلَيَّ! وَفَاءَتْ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ،
فَقَاتَلُوا الْقَوْمَ حَتَّى قَتَلَهَمُ اللَّهُ، وَخَلَصُوا إِلَى
مُحَكِّمِ الْيَمَامَةِ- وَهُوَ مُحَكِّمُ بْنُ الطُّفَيْلِ- فَقَالَ
حِينَ بَلَغَهُ الْقِتَالُ: يَا مَعْشَرَ بَنِي حَنِيفَةَ، الآنَ
وَاللَّهِ تُسْتَحْقَبُ الْكَرَائِمُ غَيْرَ رَضِيَّاتٍ، وَيُنْكَحْنَ
غير خطيبات، فَمَا عِنْدَكُمْ مِنْ حَسَبٍ فَأَخْرِجُوهُ فَقَاتَلَ
قِتَالا شَدِيدًا، وَرَمَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي نَحْرِهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ زَحَفَ
الْمُسْلِمُونَ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى الْحَدِيقَةِ، حَدِيقَةِ
الْمَوْتِ، وَفِيهَا عَدُوُّ اللَّهِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ،
فَقَالَ الْبَرَاءُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلْقُونِي
عَلَيْهِمْ فِي الْحَدِيقَةِ فَقَالَ النَّاسُ: لا تَفْعَلْ يَا
بَرَاءُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَطْرِحُنِّي عَلَيْهِمْ فِيهَا،
فَاحْتَمَلَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْحَدِيقَةِ مِنَ
الْجِدَارِ، اقْتَحَمَ فقاتلهم عن باب الحديقة، حتى فتحها المسلمون،
وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى
قَتَلَ اللَّهُ مُسَيْلِمَةَ عَدُوَّ اللَّهِ، وَاشْتَرَكَ فِي
قَتْلِهِ وَحْشِيٌّ مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ وَرَجُلٌ مِنَ
الأَنْصَارِ، كِلاهُمَا قَدْ أَصَابَهُ، أَمَّا وَحْشِيٌّ فَدَفَعَ
عَلَيْهِ حَرْبَتَهُ، وَأَمَّا الأَنْصَارِيُّ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ،
فَكَانَ وَحْشِيٌّ يَقُولُ: رَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ!
(3/290)
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال:
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا
يَوْمَئِذٍ يَصْرُخُ يَقُولُ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ! كَتَبَ
إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عُبَيْدِ
بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجَّالُ بِحِيَالِ زَيْدِ بْنِ
الْخَطَّابِ، فَلَمَّا دَنَا صَفَّاهُمَا، قَالَ زَيْدٌ: يَا رَجَّالُ،
اللَّهَ الله! فو الله لَقَدْ تَرَكْتَ الدِّينَ، وَإِنَّ الَّذِي
أَدْعُوكَ إِلَيْهِ لأَشْرَفُ لَكَ، وَأَكْثَرُ لِدُنْيَاكَ فَأَبَى،
فَاجْتَلَدَا فَقُتِلَ الرِّجَّالُ وَأَهْلُ الْبَصَائِرِ مِنْ بَنِي
حَنِيفَةَ فِي أَمْرِ مُسَيْلِمَةَ، فَتَذَامَرُوا وَحَمَلَ كُلُّ
قَوْمٍ فِي نَاحِيَتِهِمْ، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى بَلَغُوا
عَسْكَرَهُمْ، ثُمَّ أَعْرُوهُ لَهُمْ، فَقَطَعُوا أَطْنَابَ
الْبُيُوتِ، وَهَتَكُوهَا، وَتَشَاغَلُوا بِالْعَسْكَرِ، وَعَالَجُوا
مُجَّاعَةَ، وَهَمُّوا بِأُمِّ تَمِيمٍ، فَأَجَارَهَا، وَقَالَ: نِعْمَ
أُمُّ الْمَثْوَى! وَتَذَامَرَ زَيْدٌ وَخَالِدٌ وَأَبُو حُذَيْفَةَ،
وَتَكَلَّمَ النَّاسُ- وَكَانَ يَوْمَ جَنُوبٍ لَهُ غُبَارٌ- فَقَالَ
زَيْدٌ: لا وَاللَّهِ لا أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ حَتَّى نَهْزِمَهُمْ
أَوْ أَلْقَى اللَّهَ فَأُكَلِّمَهُ بِحُجَّتِي! عَضُّوا عَلَى
أَضْرَاسِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاضْرِبُوا فِي عَدُوِّكُمْ،
وَامْضُوا قُدُمًا فَفَعَلُوا، فَرَدُّوهُمْ إِلَى مُصَافِّهِمْ حَتَّى
أَعَادُوهُمْ إِلَى أَبْعَدِ مِنَ الْغَايَةِ الَّتِي حُيِّزُوا
إِلَيْهَا مِنْ عَسْكَرِهِمْ، وَقُتِلَ زَيْدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَتَكَلَّمَ ثَابِتٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَنْتُمْ
حِزْبُ اللَّهِ وَهُمْ أَحْزَابُ الشَّيْطَانِ، وَالْعِزَّةُ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ وَلأَحْزَابِهِ، أَرُونِي كَمَا أُرِيكُمْ، ثُمَّ جَلَدَ
فِيهِمْ حَتَّى حَازَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآِن، زَيِّنُوا
الْقُرْآنَ بِالْفِعَالِ وَحَمَلَ فَحَازَهُمْ حَتَّى أَنْفَذَهُمْ،
وَأُصِيبَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَحَمَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
وَقَالَ لِحُمَاتِهِ: لا أُوتِيَنَّ مِنْ خَلْفِي حَتَّى كَانَ
بِحِيَالِ مُسَيْلِمَةَ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ وَيَرْقُبُ مُسَيْلِمَةَ.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر بْنِ الْفُضَيْلِ،
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا أُعْطِيَ سَالِمٌ
الرَّايَةَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: مَا أَعْلَمُنِي لأَيِّ شَيْءٍ
أَعْطَيْتُمُونِيهَا! قُلْتُمْ: صَاحِبُ قُرْآنٍ وَسَيَثْبُتُ كَمَا
ثَبَتَ صَاحِبُهَا
(3/291)
قَبْلَهُ حَتَّى مَاتَ! قَالُوا: أَجَلْ
وَقَالُوا: فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُونُ؟ فَقَالَ: بِئْسَ وَاللَّهِ
حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا إِنْ لَمْ أَثْبُتْ! وَكَانَ صَاحِبَ
الرَّايَةِ قَبْلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصِ بْنِ غَانِمٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ:
فَلَمَّا قَالَ مُجَّاعَةُ لِبَنِي حَنِيفَةَ: وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ
بِالرَّجَّالِ، إِذَا فِئَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَذَامَرُوا
بَيْنَهُمْ فَتَفَانُوا وَتَفَانَى الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، وتكلم
رجال من اصحاب رسول الله ص، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ:
وَاللَّهِ لا أَتَكَلَّمُ أَوْ أَظْفَرُ أَوْ أُقْتَلُ، وَاصْنَعُوا
كَمَا أَصْنَعُ أَنَا، فَحَمَلَ وَحَمَلَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ ثَابِتُ
بْنُ قَيْسٍ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ! هَكَذَا عَنِّي حَتَّى أُرِيَكُمُ الْجلادَ وَقُتِلَ
زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ،
عَنْ مُبَشِّرٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ حِينَ رَجَعَ: أَلا هَلَكْتَ قَبْلَ زيد! هلك زيد وأنت حي!
فقال: قد حَرَصْتُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ، وَلَكِنَّ نَفْسِي
تَأَخَّرَتْ، فَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ وَقَالَ سَهْلٌ:
قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ وَقَدْ هَلَكَ زَيْدٌ؟ أَلا وَارَيْتَ وَجْهَكَ
عَنِّي! فَقَالَ: سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ فَأُعْطِيهَا،
وَجَهَدْتُ أَنْ تُسَاقَ إِلَيَّ فَلَمْ أُعْطَهَا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة بْن الأعلم، عن عبيد بْن
عمير: إن المهاجرين والأنصار جبنوا أهل البوادي وجبنهم أهل البوادي،
فقال بعضهم لبعض: امتازوا كي نستحيا من الفرار اليوم، ونعرف اليوم من
أين نؤتى! ففعلوا وقال أهل القرى: نحن أعلم بقتال أهل القرى يا معشر
أهل البادية منكم، فقال لهم أهل البادية: إن أهل القرى لا يحسنون
القتال، ولا يدرون ما الحرب! فسترون إذا امتزنا من اين يجيء الخلل!
فامتازوا، فما رئى يوم كان أحد ولا أعظم نكاية مما رئى يومئذ، ولم يدر
أي الفريقين كان أشد فيهم نكاية! إلا أن المصيبة كانت في المهاجرين
والأنصار أكثر منها في أهل البادية، وأن البقية أبدا في الشدة.
ورمى عبد الرحمن بْن أبي بكر المحكم بسهم فقتله وهو يخطب، فنحره
(3/292)
وقتل زيد بْن الخطاب الرجال بْن عنفوة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ يَرْبُوعٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُحَيْمٍ قَدْ شَهِدَهَا مَعَ
خَالِدٍ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ- وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ
سِجَالا إِنَّمَا تَكُونُ مَرَّةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَرَّةً
عَلَى الْكَافِرِينَ- فَقَالَ خَالِدٌ: أَيُّهَا النَّاسُ امْتَازُوا
لِنَعْلَمَ بَلاءَ كُلِّ حَيٍّ، وَلِنَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ نُؤْتَى!
فَامْتَازَ أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي، وَامْتَازَتِ الْقَبَائِلُ
من اهل البادية واهل الحاضر، فَوَقَفَ بَنُو كُلِّ أَبٍ عَلَى
رَايَتِهِمْ، فَقَاتَلُوا جَمِيعًا، فَقَالَ أَهْلُ الْبَوَادِي
يَوْمَئِذٍ: الآنَ يَسْتَحِرُّ الْقَتْلُ فِي الأَجْزَعِ الأَضْعَفِ،
فَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي أَهْلِ الْقُرَى، وَثَبَتَ مُسَيْلِمَةُ،
وَدَارَتْ رَحَاهُمْ عَلَيْهِ، فَعَرَفَ خَالِدٌ أنَّهَا لا تَرْكُدُ
إِلا بِقَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، وَلَمْ تَحْفَلْ بَنُو حَنِيفَةَ بِقَتْلِ
مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ ثُمَّ بَرَزَ خَالِدٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ
أَمَامَ الصَّفِّ دَعَا إِلَى الْبِرَازِ وَانْتَمَى، وَقَالَ: أَنَا
ابْنُ الْوَلِيدِ الْعود، أَنَا ابْنُ عَامِرٍ وَزَيْدٍ! وَنَادَى
بِشِعَارِهِمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ: يَا
مُحَمَّدَاهُ! فَجَعَلَ لا يَبْرُزُ لَهُ أَحَدٌ إِلا قَتَلَهُ، وَهُوَ
يَرْتَجِزُ:
أَنَا ابْنُ أَشْيَاخٍ وَسَيْفِي السَّخْتُ أَعْظَمُ شَيْءٍ حِينَ
يَأْتِيكَ النَّفْتُ وَلا يَبْرُزُ لَهُ شَيْءٌ إِلا أَكَلَهُ، ودارت
رحا المسلمى وَطَحَنَتْ ثُمَّ نَادَى خَالِدٌ حِينَ دَنَا مِنْ
مسيلمه-[وكان رسول الله ص قَالَ: إِنْ مَعَ مُسَيْلِمَةَ شَيْطَانًا لا
يَعْصِيهِ، فَإِذَا اعْتَرَاهُ أَزْبَدَ كَأَنَّ شِدْقَيْهِ
زَبِيبَتَانِ لا يَهِمُّ بِخَيْرٍ أَبَدًا إِلا صَرَفَهُ عَنْهُ،
فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُ عَوْرَةً، فَلا تُقِيلُوهُ الْعَثْرَةَ]-
فَلَمَّا دَنَا خَالِدٌ مِنْهُ طَلَبَ تِلْكَ، وَرَآهُ ثَابِتًا
وَرَحَاهُمْ تَدُورُ عَلَيْهِ، وَعَرَفَ أَنَّهَا لا تَزُولُ إِلا
بِزَوَالِهِ، فَدَعَا مُسَيْلِمَةَ طَلَبًا لِعَوْرَتِهِ، فَأَجَابَهُ،
فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ مِمَّا يَشْتَهِي مُسَيْلِمَةُ، وَقَالَ:
إِنْ قَبِلْنَا النِّصْفَ، فَأَيُّ الأَنْصَافِ تُعْطِينَا؟ فَكَانَ
إِذَا هَمَّ بِجَوَابِهِ أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ مُسْتَشِيرًا،
فَيَنْهَاهُ شيطانه ان
(3/293)
يَقْبَلَ، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ مَرَّةً
مِنْ ذَلِكَ، وَرَكِبَهُ خَالِدٌ فَأَرْهَقَهُ فَأَدْبَرَ، وَزَالُوا
فَذَمَرَ خَالِدٌ النَّاسَ، وَقَالَ: دُونَكُمْ لا تُقِيلُوهُمْ!
وَرَكِبُوهُمْ فَكَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ، فَقَالَ مُسَيْلِمَةُ حِينَ
قَامَ، وَقَدْ تَطَايَرَ النَّاسُ عَنْهُ، وَقَالَ قَائِلُونَ:
فَأَيْنَ مَا كُنْتَ تَعِدُنَا؟ فَقَالَ: قَاتِلُوا عَنْ
أَحْسَابِكُمْ، قَالَ: وَنَادَى الْمُحَكِّمُ:
يَا بَنِي حَنِيفَةَ، الْحَدِيقَةَ الْحَدِيقَةَ! وَيَأْتِي وَحْشِيٌّ
عَلَى مُسَيْلِمَةَ وَهُوَ مُزْبِدٌ مُتَسَانِدٌ لا يَعْقِلُ مِنَ
الْغَيْظِ، فَخَرَطَ عَلَيْهِ حَرْبَتَهُ فَقَتَلَهُ، وَاقْتَحَمَ
النَّاسُ عَلَيْهِمْ حَدِيقَةَ الْمَوْتِ مِنْ حِيطَانِهَا
وَأَبْوَابِهَا، فَقُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَحَدِيقَةُ الْمَوْتُ
عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن هارون،
وطلحة، عن عمرو بْن شعيب وابن إسحاق أنهم لما امتازوا وصبروا، وانحازت
بنو حنيفة تبعهم المسلمون يقتلونهم، حتى بلغوا بهم إلى حديقة الموت،
فاختلفوا في قتل مسيلمة عندها، فقال قائلون: فيها قتل، فدخلوها
وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم وصرخ البراء بْن مالك، فقال: يا
معشر المسلمين، احملوني على الجدار حتى تطرحوني عليه، ففعلوا حتى إذا
وضعوه على الجدار نظر وأرعد فنادى: أنزلوني، ثم قال: احملوني، ففعل ذلك
مرارا ثم قال:
أف لهذا خشعا! ثم قال: احملوني، فلما وضعوه على الحائط اقتحم عليهم،
فقاتلهم على الباب حتى فتحه للمسلمين وهم على الباب من خارج فدخلوا،
فأغلق الباب عليهم، ثم رمى بالمفتاح من وراء الجدار، فاقتتلوا قتالا
شديدا لم يروا مثله، وأبير من في الحديقة منهم، وقد قتل اللَّه مسيلمة،
وقالت له بنو حنيفة: أين ما كنت تعدنا! قال: قاتلوا عن أحسابكم! كتب
إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن هارون وطلحة وابن إسحاق، قالوا: لما
صرخ الصارخ أن العبد الأسود قتل مسيلمة، خرج
(3/294)
خالد بمجاعة يرسف في الحديد ليريه مسيلمة،
وأعلام جنده، فأتى على الرجال فقال: هذا الرِّجَالِ! حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
لَمَّا فَرَغَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ أَتَى خَالِدٌ
فَأُخْبِرَ، فَخَرَجَ بِمُجَّاعَةَ يَرْسُفُ مَعَهُ فِي الْحَدِيدِ
لِيَدُلَّهُ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَجَعَلَ يَكْشِفُ لَهُ الْقَتْلَى
حَتَّى مَرَّ بِمُحَكِّمِ بْنِ الطُّفَيْلِ- وَكَانَ رَجُلا جَسِيمًا
وَسِيمًا- فَلَمَّا رَآهُ خَالِدٌ، قَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ قَالَ:
لا، هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَكْرَمُ، هَذَا مُحَكِّمُ
الْيَمَامَةِ قَالَ: ثُمَّ مَضَى خَالِدٌ يَكْشِفَ لَهُ الْقَتْلَى
حَتَّى دَخَلَ الْحَدِيقَةَ، فَقَلَبَ لَهُ الْقَتْلَى، فَإِذَا
رُوَيْجِلٌ أُصَيْفِرُ أُخَيْنِس فَقَالَ مُجَّاعَةُ: هَذَا
صَاحِبُكُمْ، قَدْ فَرَغْتُمْ مِنْهُ، فَقَالَ خَالِدٌ لِمُجَّاعَةَ:
هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي فَعَلَ بِكُمْ مَا فَعَلَ، قَالَ: قَدْ
كَانَ ذَلِكَ يَا خَالِدُ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا جَاءَكَ إِلا
سَرْعَانُ النَّاسِ، وَإِنَّ جَمَاهِيرَ النَّاسِ لَفِي الْحُصُونِ
فَقَالَ: وَيْلَكَ مَا تَقُولُ! قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ الْحَقُّ،
فَهَلُمَّ لأُصَالِحُكَ عَلَى قَوْمِي.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن الضحاك، عن
أبيه، قال: كان رجل من بني عامر بْن حنيفة يدعى الأغلب بْن عامر بْن
حنيفة، وكان أغلظ أهل زمانه عنقا، فلما انهزم المشركون يومئذ، وأحاط
المسلمون بهم، تماوت، فلما أثبت المسلمون في القتلى أتى رجل من الأنصار
يكنى أبا بصيرة ومعه نفر عليه، فلما رأوه مجدلا في القتلى وهم يحسبونه
قتيلا، قالوا: يا أبا بصيرة، إنك تزعم- ولم تزل تزعم- أن سيفك قاطع،
فاضرب عنق هذا الأغلب الميت، فإن قطعته فكل شيء كان يبلغنا حق، فاخترطه
ثم مشى إليه ولا يرونه إلا ميتا، فلما دنا منه ثار،
(3/295)
فحاضره، واتبعه أبو بصيرة، وجعل يقول: أنا
أبو بصيرة الأنصاري! وجعل الأغلب يتمطر ولا يزداد منه إلا بعدا، فكلما
قال ذلك أبو بصيرة، قال الأغلب: كيف ترى عدو أخيك الكافر! حتى أفلت
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عَنْ سَهْلِ بْنِ
يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ
خَالِدٌ مِنْ مُسَيْلِمَةَ وَالْجُنْدِ، قَالَ لَهُ عبد الله ابن
عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: ارْتَحِلْ بِنَا
وَبِالنَّاسِ فَانْزِلْ عَلَى الْحُصُونِ، فَقَالَ: دَعَانِي أَبُثُّ
الْخُيُولَ فَأَلْقُطُ مَنْ لَيْسَ فِي الْحُصُونِ، ثُمَّ أَرَى
رَأْيِي.
فَبَثَّ الْخُيُولَ فَحَوَوْا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ وَنِسَاءٍ
وَصِبْيَانٍ، فَضَمُّوا هَذَا إِلَى الْعَسْكَرِ، وَنَادَى
بِالرَّحِيلِ لِيَنْزِلَ عَلَى الْحُصُونِ، فَقَالَ لَهُ مُجَّاعَةُ:
إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا جَاءَكَ إِلا سَرْعَانُ النَّاسِ، وَإِنَّ
الْحُصُونَ لَمَمْلُوءَةٌ رِجَالا، فَهَلُمَّ لَكَ إِلَى الصُّلْحِ
عَلَى مَا وَرَائِي، فَصَالَحَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ دُونَ النُّفُوسِ
ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ إِلَيْهِمْ فَأُشَاوِرُهُمْ وَنَنْظُرُ فِي
هَذَا الأَمْرِ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَيْكَ فَدَخَلَ مُجَّاعَةُ
الْحُصُونَ، وَلَيْسَ فِيهَا إِلا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ
وَمَشْيَخَةٌ فَانِيَةٌ، وَرِجَالٌ ضَعْفَى فَظَاهَرَ الْحَدِيدَ عَلَى
النِّسَاءِ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَنْشُرْنَ شُعُورَهُنَّ، وَأَنْ
يُشْرِفْنَ عَلَى رُءُوسِ الْحُصُونِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِنَّ،
ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَى خَالِدًا فَقَالَ: قَدْ أَبَوْا أَنْ يُجِيزُوا
مَا صَنَعْتَ، وَقَدْ أَشْرَفَ لَكَ بَعْضُهُمْ نَقْضًا عَلَيَّ وَهُمْ
مِنِّي بَرَاءٌ فَنَظَرَ خَالِدٌ إِلَى رُءُوسِ الْحُصُونِ وَقَدِ
اسْوَدَّتْ، وَقَدْ نَهَكَتِ الْمُسْلِمِينَ الْحَرْبُ، وَطَالَ
اللِّقَاءُ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الظَّفْرِ، وَلَمْ
يَدْرُوا مَا كَانَ كَائِنًا لَوْ كَانَ فِيهَا رِجَالٌ وَقِتَالٌ،
وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والانصار من اهل قصبه المدينة
يومئذ ثلاثمائة وَسِتُّونَ قَالَ سَهْلٌ: وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ
غَيْرِ اهل المدينة والتابعين باحسان ثلاثمائة
(3/296)
من هؤلاء وثلاثمائة من هؤلاء، ستمائه أَوْ
يَزِيدُونَ وَقُتِلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمَئِذٍ، قَتَلَهُ رَجُلٌ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَرَمَى بِهَا قَاتلَهُ
فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْفَضَاءِ
بِعَقْرَبَاءِ سَبْعَةُ آلافٍ، وَفِي حَدِيقَةِ الْمَوْتِ سَبْعَةُ
آلافٍ، وَفِي الطَّلَبِ نَحْوٌ مِنْهَا.
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ فِي يَوْمِ الْيَمَامَةِ:
وَلَوْ سُئِلَتْ عَنَّا جَنُوبُ لأَخْبَرَتْ ... عَشِيَّةَ سَالَتْ
عَقْرَبَاءُ وَمَلْهَمُ
وَسَالَ بِفَرْعِ الْوَادِ حَتَّى تَرَقْرَقَتْ ... حِجَارَتُهُ فِيهَا
مِنَ الْقَوْمِ بِالدَّمِ
عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا ... وَلا النَّبْلُ إِلا
الْمَشْرَفِيُّ الْمُصَمِّمُ
فَإِنْ تَبْتَغِي الْكُفَّارَ غَيْرُ مَلِيمَةٍ ... جَنُوبُ، فَإِنِّي
تَابِعُ الدِّينِ مُسْلِمُ
أُجَاهِدُ إِذْ كَانَ الْجِهَادُ غَنِيمَةً ... وَلَلَّهُ بِالْمَرْءِ
الْمُجَاهِدِ أَعْلَمَ
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إِسْحَاقَ،
قَالَ:
قَالَ مُجَّاعَةُ لِخَالِدٍ مَا قَالَ إِذْ قَالَ لَهُ: فَهَلُمَّ
لأُصَالِحَكَ عَنْ قَوْمِي لِرَجُلٍ قَدْ نَهَكَتْهُ الْحَرْبُ،
وَأُصِيبَ مَعَهُ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ مَنْ أُصِيبَ، فَقَدْ رَقَّ
وَأَحَبَّ الدَّعَةَ وَالصُّلْحَ فَقَالَ: هَلُمَّ لأُصَالِحَكَ،
فَصَالَحَهُ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلَقَةِ وَنِصْفِ
السَّبْيِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي آتِي الْقَوْمَ فَأَعْرِضُ عَلَيْهِمْ
مَا قَدْ صَنَعْتَ قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ
لِلنِّسَاءِ: الْبِسْنَ الْحَدِيدَ ثُمَّ أَشْرِفْنَ عَلَى الْحُصُونِ،
فَفَعَلْنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خَالِدٍ، وَقَدَ رَأَى خَالِدٌ
الرِّجَالَ فِيمَا يَرَى عَلَى الْحُصُونِ عَلَيْهِمُ الْحَدِيدُ
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى خَالِدٍ، قَالَ: أَبَوْا مَا صَالَحْتُكَ
(3/297)
عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ صَنَعْتُ
لَكَ شَيْئًا، فَعَزَمْتُ عَلَى الْقَوْمِ قَالَ:
مَا هُوَ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مِنِّي رُبْعَ السَّبْيِ وَتَدَعُ رُبْعًا
قَالَ خَالِدٌ:
قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: قَدْ صَالَحْتُكَ، فَلَمَّا فَرَغَا فُتِحَتِ
الْحُصُونُ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا إِلا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ،
فَقَالَ خَالِدٌ لِمُجَّاعَةَ: وَيْحَكَ خَدَعْتَنِي! قَالَ:
قَوْمِي، وَلَمْ أَسْتَطِعْ إِلا مَا صَنَعْتُ.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، قال: قال
مجاعة يومئذ ثانية: إن شئت أن تقبل مني نصف السبي والصفراء والبيضاء
والحلقة والكراع عزمت وكتبت الصلح بيني وبينك.
ففعل خالد ذلك، فصالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع وعلى نصف
السبي وحائط من كل قرية يختاره خالد، ومزرعة يختارها خالد.
فتقاضوا على ذلك، ثم سرحه، وقال: أنتم بالخيار ثلاثا، والله لئن تتموا
وتقبلوا لأنهدن إليكم، ثم لا أقبل منكم خصلة أبدا إلا القتل فأتاهم
مجاعة فقال: أما الآن فاقبلوا، فقال سلمة بْن عمير الحنفي: لا والله لا
نقبل، نبعث إلى أهل القرى والعبيد فنقاتل ولا نقاضي خالدا، فإن الحصون
حصينة والطعام كثير، والشتاء قد حضر فقال مجاعة: إنك امرؤ مشئوم، وغرك
أني خدعت القوم حتى أجابوني إلى الصلح، وهل بقي منكم أحد فيه خير، أو
به دفع! وإنما أنا بادرتكم قبل أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن مسيلمة،
فخرج مجاعة سابع سبعة حتى أتى خالدا، فقال: بعد شد ما رضوا، اكتب
كتابك، فكتب:
هذا ما قاضى عليه خالد بْن الوليد مجاعة بْن مرارة وسلمة بْن عمير
وفلانا وفلانا، قاضاهم على الصفراء والبيضاء ونصف السبي والحلقة
والكراع وحائط من كل قرية، ومزرعة، على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان
اللَّه، ولكم ذمة خالد بْن الوليد وذمة أبي بكر خليفة رسول اللَّه
(3/298)
ص، وذمه المسلمين على الوفاء.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن عكرمة،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ خَالِدٌ مُجَّاعَةَ،
صَالَحَهُ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلَقَةِ وَكُلِّ
حَائِطٍ رضَانَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَنِصْفِ الْمَمْلُوكِينَ.
فَأَبَوْا ذَلِكَ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ، فَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ عُمَيْرٍ: يَا بَنِي حَنِيفَةَ،
قَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، وَلا تُصَالِحُوا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ
الْحِصْنَ حَصِينٌ، وَالطَّعَامَ كَثِيرٌ وَقَدْ حَضَرَ الشِّتَاءُ
فَقَالَ مُجَّاعَةُ:
يَا بَنِي حَنِيفَةَ، أَطِيعُونِي وَاعْصُوا سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ
رَجُلٌ مَشْئُومٌ، قَبْلَ أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن مسيلمة قَبْلَ
أَنْ تُسْتَرْدَفَ النِّسَاءُ غَيْرَ رَضِيَّاتٍ، وَيُنْكَحْنَ غير
خطيبات فَأَطَاعُوهُ وَعَصَوْا سَلَمَةَ، وَقَبِلُوا قَضْيَتَهُ وَقَدْ
بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكِتَابٍ إِلَى خَالِدٍ
مَعَ سَلَمَةَ بْنِ سَلامَةَ بْنِ وَقشٍ، يَأْمُرُهُ إِنْ ظَفَرَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يقتل من جرت عليه المواسى مِنْ بَنِي
حَنِيفَةَ، فَقَدِمَ فَوَجَدَهُ قَدْ صَالَحَهُمْ، فَوَفَّى لَهُمْ،
وَتَمَّ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَحُشِرَتْ بَنُو حَنِيفَةَ إِلَى
الْبَيْعَةِ وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إِلَى خَالِدٍ،
وَخَالِدٌ فِي عَسْكَرِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ سَلَمَةُ بْنُ
عُمَيْرٍ لِمُجَّاعَةَ:
اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى خَالِدٍ أُكَلِّمُهُ فِي حَاجَةٍ لَهُ عِنْدِي
وَنَصِيحَةٍ- وَقَدْ أَجْمَعَ أَنْ يَفْتِكَ بِهِ- فَكَلَّمَهُ
فَأَذِنَ لَهُ، فَأَقْبَلَ سَلَمَةُ بْنُ عُمَيْرٍ، مُشْتَمِلا عَلَى
السَّيْفِ يُرِيدُ مَا يُرِيدُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْمُقْبِلُ؟
قَالَ مُجَّاعَةُ: هَذَا الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، وَقَدْ أَذِنْتَ
لَهُ، قَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي، فَأَخْرَجُوهُ عَنْهُ، فَفَتَّشُوهُ
فَوَجَدُوا مَعَهُ السَّيْفَ، فَلَعَنُوهُ وَشَتَمُوهُ وَأَوْثَقُوهُ،
وَقَالُوا: لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُهْلِكَ قَوْمَكَ، وَايْمِ اللَّهِ
مَا أَرَدْتَ إِلا أَنْ تُسْتَأْصَلُ بَنُو حَنِيفَةَ، وَتُسْبَى
الذَّرِيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَايْمِ اللَّهِ لَوْ أَنَّ خَالِدًا
عَلِمَ أَنَّكَ حَمَلْتَ السِّلاحَ لَقَتَلَكَ، وَمَا نَأْمَنُهُ إِنْ
بَلَغَهُ ذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَكَ وَأَنْ يَقْتُلَ الرِّجَالَ
وَيُسْبِيَ النِّسَاءَ بِمَا فَعَلْتَ، وَيَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ
مَلإٍ مِنَّا فَأَوْثَقُوهُ وَجَعَلُوهُ فِي الْحِصْنِ، وَتَتَابَعَ
بَنُو حَنِيفَةَ عَلَى الْبَرَاءِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، وَعَلَى
الإِسْلامِ، وَعَاهَدَهُمْ سَلَمَةُ عَلَى أَلا يُحْدِثُ حَدَثًا
وَيُعْفُوهُ، فَأَبَوْا وَلَمْ يَثِقُوا بِحُمْقِهِ أَنْ يَقْبَلُوا
مِنْهُ عَهْدًا، فَأَفْلَتَ
(3/299)
لَيْلا، فَعَمَدَ إِلَى عَسْكَرِ خَالِدٍ،
فَصَاحَ بِهِ الْحَرَسُ، وَفَزِعَتْ بَنُو حَنِيفَةَ، فَاتَّبَعُوهُ
فَأَدْرَكُوهُ فِي بَعْضِ الْحَوَائِطِ، فَشَدَّ عَلَيْهِمْ
بِالسَّيْفِ، فَاكْتَنَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَأَجَالَ السَّيْفَ
عَلَى حَلْقِهِ فَقَطَعَ أَوْدَاجَهُ، فَسَقَطَ فِي بِئْرٍ فَمَاتَ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَالَحَ خَالِدٌ
بَنِي حَنِيفَةَ جَمِيعًا إِلا مَا كَانَ بِالْعَرْضِ وَالْقَرْيَةِ
فَإِنَّهُمْ سُبُوا عِنْدَ انْبِثَاثِ الْغَارَةِ، فَبَعَثَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ مِمَّنْ جَرَى عَلَيْهِ الْقَسْمُ بِالْعَرْضِ
وَالْقَرْيَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَوْ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ او
يشكر، خمسمائة رَأْسٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا قَالَ
لِمُجَّاعَةَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَقَالَ لَهُ مُجَّاعَةُ: مَهْلا،
إِنَّكَ قَاطِعٌ ظَهْرِي وَظَهْرَكَ مَعِي عِنْدَ صَاحِبِكَ قَالَ:
أَيُّهَا الرَّجُلُ، زَوِّجْنِي، فَزَوَّجَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا
بَكْرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا يقطر الدم: لعمري يا بن أُمِّ
خَالِدٍ، إِنَّكَ لَفَارِغٌ تَنْكِحُ النِّسَاءَ وَبِفِنَاءِ بَيْتِكَ
دَمُ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْفُفْ
بَعْدُ! قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ خَالِدٌ فِي الْكِتَابِ جَعَلَ
يَقُولُ:
هَذَا عَمَلُ الأُعَيْسِرِ- يَعْنِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- وَقَدْ
بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفْدًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ:
وَيْحَكُمْ! مَا هَذَا الَّذِي اسْتَزَلَّ مِنْكُمْ مَا اسْتَزَلَّ!
قَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، قَدْ كَانَ الَّذِي بَلَغَكَ
مِمَّا أَصَابَنَا كَانَ امرا لَمْ يُبَارِكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَهُ وَلا لِعَشِيرَتِهِ فِيهِ، قَالَ: عَلَى ذَلِكَ، مَا الَّذِي
دَعَاكُمْ بِهِ! قَالُوا: كَانَ يَقُولُ:
يَا ضُفْدَعُ نَقِّي نَقِّي، لا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، وَلا الْمَاءَ
تَكْدُرِينَ، لَنَا نِصْفُ الأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفُ الأَرْضِ،
وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُّونَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَيْحَكُمْ! إِنَّ هَذَا
لَكَلامٌ مَا خَرَجَ مِنْ إِلٍّ وَلا برٍّ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ بِكُمْ!
فَلَمَّا فَرَغَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْيَمَامَةِ- وَكَانَ
مَنْزِلُهُ الَّذِي بِهِ الْتَقَى النَّاسَ أَبَاضَ، وَادٍ مِنْ
(3/300)
أَوْدِيَةِ الْيَمَامَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ
إِلَى وَادٍ مِنْ أوديتها يقال له الوبر- كان مَنْزِلُهُ بِهَا
. ذكر خبر أهل البحرين وردة الحطم ومن تجمع معه بالبحرين
قال أبو جعفر: وكان فيما بلغنا من خبر أهل البحرين وارتداد من ارتد
منهم ما حَدَّثَنَا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرنا عمي يعقوب بن
إبراهيم، قال: أخبرنا سيف، قال: خرج العلاء بْن الحضرمي نحو البحرين،
وكان من حديث البحرين ان النبي ص والمنذر بْن ساوى اشتكيا في شهر واحد،
ثم مات المنذر بعد النبي ص بقليل، وارتد بعده أهل البحرين، فأما عبد
القيس ففاءت، وأما بكر فتمت على ردتها، وكان الذي ثنى عبد القيس
الجارود حتى فاءوا.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمِّي، قال: أخبرنا
سيف، عن إسماعيل بن مسلم، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ:
[قَدِمَ الجارود بن المعلى على النبي ص مرتادا، فَقَالَ: أَسْلِمْ يَا
جَارُودُ، فَقَالَ: إِنَّ لِي دينا، قال له النبي ص: إِنَّ دِينَكَ يَا
جَارُودُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ بِدِينٍ، فَقَالَ لَهُ
الْجَارُودُ: فَإِنْ أَنَا أَسْلَمْتُ فَمَا كَانَ مِنْ تَبَعَةٍ فِي
الإِسْلامِ فَعَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَسْلَمَ وَمَكَثَ
بِالْمَدِينَةِ حَتَّى فَقِهَ.
فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَجِدُ
عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ ظَهْرًا نَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مَا
أَصْبَحَ عِنْدَنَا ظَهْرٌ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا
(3/301)
نَجِدُ بِالطَّرِيقِ ضَوَالَّ مِنْ هَذِهِ
الضَّوَالِّ، قَالَ: تِلْكَ حرق النَّارِ، فَإِيَّاكَ وَإِيَّاهَا]
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ دَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلامِ
فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ
النَّبِيُّ ص فَقَالَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ
نَبِيًّا لَمَا مَاتَ، وَارْتَدُّوا، وَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَبَعَثَ
فِيهِمْ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: يَا
مَعْشَرَ عَبْدِ الْقَيْسِ، إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ أَمْرٍ
فَأَخْبِرُونِي بِهِ إِنْ عَلِمْتُمُوهُ وَلا تُجِيبُونِي إِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا قَالُوا: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ: تَعْلَمُونَ
أَنَّهُ كَانَ لِلَّهِ أَنْبِيَاءٌ فِيمَا مَضَى؟ قَالُوا: نَعَمْ،
قَالَ: تَعْلَمُونَهُ أَوْ تَرَوْنَهُ؟
قَالُوا: لا بَلْ نَعْلَمُهُ، قَالَ: فَمَا فَعَلُوا؟ قَالُوا: ماتوا،
قال: فان محمدا ص مَاتَ كَمَا مَاتُوا، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدا عبده ورسوله، قَالُوا:
وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا وَثَبَتُوا
عَلَى إِسْلامِهِمْ، وَلَمْ يُبْسِطُوا وَلَمْ يُبْسَطْ إِلَيْهِمْ
وَخَلُّوا بَيْنَ سَائِرِ رَبِيعَةَ وَبَيْنَ الْمُنْذِرِ
وَالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ الْمُنْذِرُ مِشْتَغِلا بِهِمْ حَيَاتَهُ،
فَلَمَّا مَاتَ الْمُنْذِرُ حُصِرَ أَصْحَابُ الْمُنْذِرِ فِي
مَكَانَيْنِ حَتَّى تَنَقَّذَهُمُ الْعَلاءُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي
ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ
الْيَمَامَةِ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَلاءَ
بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَكَانَ الْعَلاءُ هو الذى كان رسول الله ص
بَعَثَهُ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، فَأَسْلَمَ
الْمُنْذِرُ، فَأَقَامَ بِهَا الْعَلاءُ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ ص،
فَمَاتَ الْمُنْذِرُ بْنُ سَاوَى بِالْبَحْرَيْنِ بَعْدَ مُتَوَفَّى
رسول الله ص، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِعُمَانَ، فَتُوُفِّيَ
رَسُولُ الله ص وَعَمْرٌو بِهَا فَأَقْبَلَ عَمْرٌو، فَمَرَّ
بِالْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ
فَقَالَ الْمُنْذِرُ له:
(3/302)
كم كان رسول الله ص يَجْعَلُ لِلْمَيِّتِ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ؟ قَالَ عَمْرٌو:
فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ يَجْعَلُ لَهُ الثُّلُثَ، قَالَ: فَمَا تَرَى لِي
أَنْ أَصْنَعَ فِي ثُلُثِ مَالِي؟ قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ
شِئْتَ قَسَّمْتَهُ فِي أَهْلِ قَرَابَتِكَ، وَجَعَلْتَهُ فِي سَبِيلِ
الْخَيْرِ، وَإِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهِ فَجَعَلْتَهُ صَدَقَةً
مُحَرَّمَةً تَجْرِي مِنْ بَعْدِكَ عَلَى مَنْ تَصَدَّقْتَ بِهِ
عَلَيْهِ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ مِنْ مَالِي شَيْئًا
مُحَرَّمًا كَالْبُحَيْرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي
وَلَكِنْ أُقَسِّمُهُ، فَأُنْفِذُهُ عَلَى مَنْ أَوْصَيْتُ بِهِ لَهُ
يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ قَالَ:: فَكَانَ عَمْرٌو يَعْجَبُ لَهَا
مِنْ قَوْلِهِ وَارْتَدَّتْ رَبِيعَةُ بِالْبَحْرَيْنِ فِيمَنِ
ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ، إِلا الْجَارُودَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَنَشِ
بْنِ مُعَلَّى، فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَلَى الإِسْلامِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ
قَوْمِهِ، وَقَامَ حِينَ بَلَغَتْهُ وفاه رسول الله ص وَارْتِدَادُ
الْعَرَبِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُكَفِّرُ مَنْ لا يَشْهَدُ
وَاجْتَمَعَتْ رَبِيعَةُ بِالْبَحْرَيْنِ وَارْتَدَّتْ، فَقَالُوا:
نَرُدُّ الْمُلْكَ فِي آلِ الْمُنْذِرِ، فَمَلَّكُوا الْمُنْذِرَ بْنَ
النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ يُسَمَّى الْغَرُورَ، وَكَانَ
يَقُولُ حِينَ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَ النَّاسُ وَغَلَبَهُمُ السَّيْفُ:
لَسْتُ بِالْغَرُورِ، وَلَكِنِّي الْمَغْرُورُ حدثنا عبيد الله بن سعد،
قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف،
(3/303)
عن إسماعيل بْن مسلم، عن عمير بْن فلان
العبدى، قال: لما مات النبي ص خرج الحطم بْن ضبيعة أخو بني قيس بْن
ثعلبة فيمن اتبعه من بكر بْن وائل على الردة، ومن تأشب إليه من غير
المرتدين ممن لم يزل كافرا، حتى نزل القطيف وهجر، واستغوى الخط ومن
فيها من الزط والسيابجة، وبعث بعثا إلى دارين، فأقاموا له ليجعل عبد
القيس بينه وبينهم، وكانوا مخالفين لهم، يمدون المنذر والمسلمين، وأرسل
إلى الغرور بْن سويد، أخي النعمان بْن المنذر، فبعثه الى جؤاثى، وقال:
اثبت، فإني إن ظفرت ملكتك بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة وبعث الى
جؤاثى، فحصرهم وألحوا عليهم فاشتد على المحصورين الحصر، وفي المسلمين
المحصورين رجل من صالح المسلمين يقال له عبد اللَّه بْن حذف، أحد بني
أبي بكر بْن كلاب، وقد اشتد عليه وعليهم الجوع حتى كادوا أن يهلكوا
وقال في ذلك عبد اللَّه بْن حذف:
ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام ... قعود في جؤاثى محصرينا!
كأن دماءهم في كل فج ... شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن إنا ... وجدنا الصبر للمتوكلينا
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف، عن الصعب بن عطية
ابن بِلالٍ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ، عَنْ مِنْجَابِ بْنِ رَاشِدٍ،
قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ عَلَى
قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالْبَحْرَيْنِ، فَلَمَّا أَقْبَلَ
إِلَيْهَا، فَكَانَ بِحِيَالِ الْيَمَامَةِ، لَحِقَ بِهِ ثُمَامَةُ
بْنُ أَثَالٍ فِي مُسْلِمَةِ بَنِي حنيفه
(3/304)
مِنْ بَنِي سُحَيْمٍ وَمِنْ أَهْلِ
الْقُرَى مِنْ سَائِرِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ مُتَلَدِّدًا، وَقَدْ
أَلْحَقَ عِكْرِمَةَ بِعُمَانَ ثُمَّ مَهْرَةَ، وَأَمَرَ شُرَحْبِيلَ
بِالْمقَامِ حَيْثُ انْتَهَى إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُ أَمْرُ أَبِي
بَكْرٍ، ثُمَّ يُغَاوِرُ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَهْلَ
الرِّدَّةِ مِنْ قُضَاعَةَ فَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَكَانَ
يُغَاوِرُ سَعْدًا وَبليا وأمر هذا بكلب ولفها، فَلَمَّا دَنَا مِنَّا
وَنَحْنُ فِي عُلْيَا الْبِلادِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ لَهُ فَرَسٌ مِنَ
الرَّبَابِ وَعَمْرو بن تَمِيمٍ إِلا جنبه، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ،
فَأَمَّا بَنُو حَنْظَلَةَ فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا رِجْلا وَأَخَّرُوا
أُخْرَى وَكَانَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ فِي الْبِطَاحِ وَمَعَهُ
جُمُوعٌ يُسَاجِلُنَا وَنُسَاجِلُهُ.
وَكَانَ وَكِيعُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْقَرْعَاءِ مَعَهُ جُمُوعٌ
يُسَاجِلُ عَمْرًا وَعَمْرٌو يُسَاجِلُهُ، وَأَمَّا سَعْدُ بْنُ زَيْدِ
مَنَاةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِرْقَتَيْنِ، فَأَمَّا عَوْفٌ
وَالأَبْنَاءُ فَإِنَّهُمْ أَطَاعُوا الزِّبْرَقَانَ بْنَ بَدْرٍ،
فَثَبَتُوا عَلَى إِسْلامِهِمْ وَتَمُّوا وَذَبُّوا عَنْهُ، وَأَمَّا
الْمَقَاعِسُ والبطون فإنهما اصاخا وَلَمْ يُتَابِعَا، إِلا مَا كَانَ
مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، فَإِنَّهُ قَسَّمَ الصَّدَقَاتَ الَّتِي
كَانَتِ اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فِي الْمَقَاعِسِ وَالْبُطُونِ حِينَ
شَخَصَ الزِّبْرِقَانُ بِصَدَقَاتِ عَوْفٍ وَالأَبْنَاءِ، فَكَانَتْ
عَوْفٌ وَالأَبْنَاءُ مَشَاغِيلٌ بِالْمَقَاعِسِ وَالْبُطُونِ فَلَمَّا
رَأَى قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ مَا صَنَعَتِ الربابُ وَعَمْرٌو مِنْ
تَلَقِّي الْعَلاءِ نَدَمَ عَلَى مَا كَانَ فرط مِنْهُ، فَتَلَقَّى
الْعَلاءُ بِإِعْدَادِ مَا كَانَ قسم مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَنَزَعَ عَنْ
أَمْرِهِ الَّذِي كَانَ هَمَّ بِهِ، وَاسْتَاقَ حَتَّى أَبْلَغَهَا
إِيَّاهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ،
وَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا كَمَا قَالَ الزِّبْرِقَانُ فِي صَدَقَتِهِ
حِينَ أَبْلَغَهَا أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ الَّذِي قَالَ الزِّبْرِقَانُ
فِي ذَلِكَ:
وَفَيْتُ بِأَذْوَادِ الرَّسُولِ وَقَدْ أَبَتْ ... سُعَاةٌ فَلَمْ
يَرْدُدْ بَعِيرًا مُجِيرُهَا
مَعًا وَمَنَعْنَاهَا مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... تُرَامِي الأَعَادِي
عِنْدَنَا مَا يُضِيرُهَا
فَأَدَّيْتُهَا كَيْ لا أَخُونَ بِذِمَّتِي ... مَحَانِيقَ لَمْ
تُدْرَسْ لِرَكْبٍ ظُهُورُهَا
أَرَدْتُ بِهَا التَّقْوَى وَمَجْدَ حَدِيثِهَا ... إِذَا عُصْبَة سامى
قبيلي فَخُورُهَا
وَإِنِّي لَمِنْ حَيٍّ إِذَا عُدَّ سَعْيُهُمْ ... يَرَى الْفَخْرَ
مِنْهَا حَيُّهَا وَقُبُورُهَا
(3/305)
أَصَاغِرُهُمْ لَمْ يَضْرَعُوا
وَكِبَارُهُمْ ... رَزَانٌ مَرَاسِيهَا، عِفَافٌ صُدُورُهَا
وَمِنْ رَهْطِ كَنادِ تَوَفَّيْتُ ذِمَّتِي ... وَلَمْ يَثْنِ سَيْفِي
نَبْحُهَا وَهَرِيرُهَا
وَلِلَّهِ ملك قَدْ دَخَلْتُ وَفَارِسٍ ... طَعَنْتُ إِذَا مَا
الْخَيْلِ شَدَّ مُغِيرُهَا
فَفَرَّجْتُ أُولاهَا بِنَجْلاءِ ثَرَّةٍ ... بِحَيْثُ الَّذِي يَرْجُو
الْحَيَاةَ يُضِيرُهَا
وَمَشْهَدِ صِدْقٍ قَدْ شَهِدْتُ فَلَمْ أَكُنْ ... بِهِ خَامِلا
وَالْيَوْمُ يُثْنَى مَصِيرُهَا
أَرَى رَهْبَةَ الأَعْدَاءِ مِنِّي جَرَاءَةً ... وَيَبْكِي إِذَا مَا
النَّفْسُ يُوحَى ضَمِيرُهَا
وَقَالَ قَيْسٌ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْعَلاءِ بِالصَّدَقَةِ:
أَلا أَبْلِغَا عَنِّي قُرَيْشًا رِسَالَةً ... إِذَا مَا أَتَتْهَا
بَيِّنَاتُ الْوَدَائِعِ
حَبَوْتُ بها في الدهر اعراض منقر ... وأيأست مِنْهَا كل أطلس طامع
وجدت أبي والخال كانا بنجوة ... بقاع فلم يحلل بها من ادافع
فاكرمه العلاء، وخرج مع العلاء من عَمْرٍو وَسَعْدٍ الرَّبَّابِ مِثْلَ
عَسْكَرِهِ، وَسَلَكَ بِنَا الدَّهْنَاءَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي
بُحْبُوحَتِهَا وَالْحَنانَاتِ وَالْعَزَّافَاتِ عَنْ يَمِينِهِ
وَشِمَالِهِ، وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرِيَنَا آيَاتِهِ
نَزَلَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ، فَنَفَرَتِ الإِبِلُ فِي
جَوْفِ اللَّيْلِ، فَمَا بَقِيَ عِنْدَنَا بَعِيرٌ وَلا زَادٌ وَلا
مَزَادٌ
(3/306)
وَلا بِنَاءٌ إِلا ذَهَبَ عَلَيْهَا فِي
عَرَضِ الرَّمْلِ، وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ النَّاسُ، وَقَبْلَ أَنْ
يَحُطُّوا، فَمَا عَلِمْتُ جَمْعًا هَجَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَمِّ
مَا هَجَمَ عَلَيْنَا وَأَوْصَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَنَادَى
مُنَادِي الْعَلاءِ: اجْتَمِعُوا، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ:
مَا هَذَا الَّذِي ظَهَرَ فِيكُمْ وَغَلَبَ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ
النَّاسُ: وَكَيْفَ نُلامُ وَنَحْنُ إِنْ بَلَغْنَا غَدًا لَمْ تَحْمِ
شَمْسُهُ حَتَّى نَصِيرَ حَدِيثًا! فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لا
تُرَاعُوا، أَلَسْتُمْ مُسْلِمِينَ! أَلَسْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ!
أَلَسْتُمْ أَنْصَارَ الله! قالوا: بلى، قال:
فابشروا، فو الله لا يَخْذُلُ اللَّهُ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكُمْ
وَنَادَى الْمُنَادِي بِصَلاةِ الصُّبْحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ
فَصَلَّى بِنَا، وَمِنَّا الْمُتَيَمِّمُ، وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَزَلْ
عَلَى طُهُورِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ
وَجَثَا النَّاسُ، فَنَصَبَ فِي الدُّعَاءِ وَنَصَبُوا مَعَهُ،
فَلَمَعَ لَهُمْ سَرَابُ الشَّمْسِ، فَالْتَفَتَ إِلَى الصَّفِّ،
فَقَالَ: رَائِدٌ يَنْظُرُ مَا هَذَا؟ فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ:
سَرَابٌ، فَأَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ، ثُمَّ لَمَعَ لَهُمْ آخَرُ
فَكَذَلِكَ، ثُمَّ لَمَعَ لَهُمْ آخَرُ، فَقَالَ: مَاءٌ، فَقَامَ
وَقَامَ النَّاسُ، فَمَشَيْنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَزَلْنَا عَلَيْهِ،
فَشَرِبْنَا وَاغْتَسَلْنَا، فَمَا تَعَالَى النَّهَارُ حَتَّى
أَقْبَلَتِ الإِبِلُ تكرد مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَأَنَاخَتْ إِلَيْنَا،
فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى ظَهْرِهِ، فَأَخَذَهُ، فَمَا فَقَدْنَا
سَلكًا فَأَرْوَيْنَاهَا وَأَسْقَيْنَاهَا العللَ بَعْدَ النَّهْلِ،
وَتَرَوَّيْنَا ثُمَّ تَرَوَّحْنَا- وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ
رَفِيقِي- فَلَمَّا غِبْنَا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، قَالَ لِي: كَيْفَ
علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أَنَا مَنْ أَهْدِي الْعَرَبَ بِهَذِهِ
الْبِلادِ قَالَ: فَكُنْ مَعِي حَتَّى تُقِيمَنِي عَلَيْهِ، فَكَرَرْتُ
بِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا
هُوَ لا غَدِيرَ بِهِ، وَلا أَثَرَ لِلْمَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ:
وَاللَّهُ لَوْلا أَنِّي لا أَرَى الْغَدِيرَ لأَخْبَرْتُكَ أَنَّ
هَذَا هُوَ الْمَكَانُ، وَمَا رَأَيْتُ بِهَذَا الْمَكَانِ مَاءً
نَاقِعًا قَبْلَ الْيَوْمِ، وَإِذَا إِدَاوَةٌ مَمْلُوءَةٌ، فَقَالَ:
يَا أَبَا سَهْمٍ، هَذَا وَاللَّهِ الْمَكَانُ،
(3/307)
وَلِهَذَا رَجَعْتُ وَرَجَعْتُ بِكَ
وَمَلأتُ إِدَاوَتِي ثُمَّ وَضَعْتُهَا عَلَى شَفِيرِهِ، فَقُلْتُ:
إِنْ كَانَ مَنًّا مِنَ الْمَنِّ وَكَانَتْ آيَةً عَرَفْتُهَا، وَإِنْ
كَانَ غِيَاثًا عَرَفْتُهُ، فَإِذًا مَنٌّ مِنَ المَنِّ، فَحَمَدَ
اللَّهَ، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَنْزِلَ هَجَرَ قَالَ: فَأَرْسَلَ
الْعَلاءُ إِلَى الْجَارُودِ وَرَجُلٍ آخَرَ أَنِ انْضَمَّا فِي عَبْدِ
الْقَيْسِ حَتَّى تَنْزِلا عَلَى الْحَطمِ مِمَّا يَلِيكُمَا، وَخَرَجَ
هُوَ فِيمَنْ جَاءَ مَعَهُ وَفِيمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْزِلَ
عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي هَجَرَ، وَتَجَمَّعَ الْمُشْرِكُونَ كُلُّهُمْ
إِلَى الْحطمِ إِلا أَهْلَ دَارِينَ، وَتَجَمَّعَ الْمُسْلِمُونَ
كُلُّهُمْ إِلَى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَخَنْدَقَ
الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَكَانُوا يَتَرَاوَحُونَ الْقِتَالَ
وَيَرْجِعُونَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ شَهْرًا،
فَبَيْنَا النَّاسُ لَيْلَةً إِذْ سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَسْكَرِ
الْمُشْرِكِينَ ضَوْضَاءً شَدِيدَةً، كَأَنَّهَا ضَوْضَاءُ هَزِيمَةٍ
أَوْ قِتَالٍ، فَقَالَ الْعَلاءُ: مَنْ يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد
الله ابن حذفٍ: أَنَا آتِيكُمْ بِخَبَرِ الْقَوْمِ- وَكَانَتْ أُمُّهُ
عِجْلِيَّةً- فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ خَنْدَقِهِمْ
أَخَذُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُمْ، وَجَعَلَ
يُنَادِي: يَا أَبْجَرَاهُ! فَجَاءَ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ،
فَعَرَفَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
فَقَالَ: لا أَضِيعَنَّ اللَّيْلَةَ بَيْنَ اللَّهَازِمِ! عَلامَ
أُقْتَلُ وَحَوْلِي عَسَاكِرُ مِنْ عِجْلٍ وَتَيْمِ اللاتِ وَقَيْسٍ
وَعَنْزَةَ! أَيَتَلاعَبُ بِي الحطمُ وَنِزَاعُ الْقَبَائِلِ
وَأَنْتُمْ شُهُودٌ! فَتَخَلَّصَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي
لأَظُنُّكَ بِئْسَ ابْنُ الأُخْتِ لأَخْوَالِكَ اللَّيْلَةَ! فَقَالَ:
دَعْنِي مِنْ هَذَا وَأَطْعِمْنِي، فَإِنِّي قَدْ مِتُّ جُوعًا
فَقَرَّبَ لَهُ طَعَامًا، فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: زَوِّدْنِي
وَاحْمِلْنِي وَجَوِّزْنِي انْطَلِقْ إِلَى طَيَّتِي.
وَيَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ، فَفَعَلَ
وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ، وَزَوَّدَهُ وَجَوَّزَهُ، وَخَرَجَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ حذفٍ حَتَّى دَخَلَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ،
فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقَوْمَ سُكَارَى، فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ
عَلَيْهِمْ حَتَّى اقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ عَسْكَرَهُمْ، فَوَضَعُوا
السُّيُوفَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا، وَاقْتَحَمُوا الْخَنْدَقَ
هُرَّابا، فَمُتَرَدٌّ، وَنَاجٍ وَدَهِشٌ، وَمَقْتُولٌ أَوْ مَأْسُورٌ،
وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا فِي الْعَسْكَرِ، لم يفلت
(3/308)
رَجُلٌ إِلا بِمَا عَلَيْهِ، فَأَمَّا
أَبْجَرُ فَأَفْلَتَ، وَأَمَّا الْحطمُ فَإِنَّهُ بَعِلَ وَدَهِشَ،
وَطَارَ فُؤَادُهُ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ- وَالْمُسْلِمُونَ
خِلالُهُمْ يَجُوسُونَهُمْ- لِيَرْكَبَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ
فِي الرِّكَابِ انْقَطَعَ بِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ
أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَالحطمُ يَسْتَغِيثُ وَيَقُولُ:
أَلا رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ يَعْقِلُنِي! فَرَفَعَ
صَوْتَهُ، فَعَرَفَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: أَبُو ضُبَيْعَةَ! قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: أَعْطِنِي رِجْلَكَ أُعْقِلَكَ، فَأَعْطَاهُ رِجْلَهُ
يَعْقِلَهُ، فَنَفَحَهَا فَأَطَنَّهَا مِنَ الْفَخِذِ، وتَرَكَهُ،
فَقَالَ: أَجْهِزْ عَلَيَّ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَلا تَمُوتَ
حَتَّى أمضكَ.
- وَكَانَ مَعَ عَفِيفٍ عِدَّةٌ مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ، فَأُصِيبُوا
ليلتئذ- وَجَعَلَ الحطمُ لا يَمُرُّ بِهِ فِي اللَّيْلِ أَحَدٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلا قَالَ: هَلْ لَكَ فِي الْحطمِ أَنْ تَقْتُلَهُ؟
وَيَقُولُ:
ذَاكَ لِمَنْ لا يَعْرِفُهُ، حَتَّى مَرَّ بِهِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ،
فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَمَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا رَأَى
فخذه نادره، قال: وا سوأتاه! لَوْ عَلِمْتُ الَّذِي بِهِ لَمْ
أُحَرِّكْهُ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ مَا أَحْرَزُوا
الْخَنْدَقَ عَلَى الْقَوْمِ يَطْلُبُونَهُمْ، فاتَّبَعُوهُمْ،
فَلَحِقَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ أَبْجَرَ- وَكَانَ فَرَسُ أَبْجَرَ
أَقْوَى مِنْ فَرَسِ قَيْسٍ- فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ طَعَنَهُ
فِي الْعُرْقُوبِ فَقَطَعَ الْعَصَبَ، وَسَلمَ النَّسَا، فَكَانَتْ
رَادَّةً، وَقَالَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ:
فَإِنْ يَرْقَإِ الْعُرْقُوبُ لا يَرْقَإِ النَّسَا ... وَمَا كُلُّ
مَنْ يَهْوَى بِذَلِكَ عَالِمُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّا قَدْ فَلَلْنَا حُمَاتَهُمْ ... بِأَسْرَةِ عَمْرٍو
وَالرَّبَابُ الأَكَارِمُ
وَأَسَرَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْغَرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ،
فَكَلَّمَتْهُ الرَّبَابُ فِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ ابْنُ أُخْتِ
التَّيْمِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُجِيرَهُ، فَقَالَ لِلْعَلاءِ: إِنِّي
قَدْ أَجَرْتُ هَذَا، قَالَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالَ: الْغَرُورُ، قَالَ:
أَنْتَ غَرَرْتَ هَؤُلاءِ، قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي لَسْتُ
بِالْغَرُورِ، وَلَكِنِّي الْمَغْرُورُ، قَالَ:
(3/309)
أَسْلِمْ، فَأَسْلَمَ وَبَقِيَ بِهَجَرَ،
وَكَانَ اسْمُهُ الْغَرُورُ، وَلَيْسَ بِلَقَبٍ، وَقَتَلَ عَفِيفٌ
الْمُنْذِرَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَخَا الْغَرُورِ
لأُمِّهِ، وَأَصْبَحَ الْعَلاءُ فَقَسَّمَ الأَنْفَالَ، وَنَفَّل
رِجَالا مِنْ أَهْلِ الْبَلاءِ ثِيَابًا، فَكَانَ فِيمَنْ نُفِلَ
عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَثُمَامَةُ بْنُ
أُثَالٍ، فَأَمَّا ثُمَامَةُ فَنُفِلَ ثِيَابًا فِيهَا خَمِيصَةٌ ذَاتُ
أَعْلامٍ، كَانَ الْحطمُ يُبَاهِي فِيهَا، وَبَاع الثِّيَابَ وَقَصَدَ
عَظم الفلال لدارين، فَرَكِبُوا فِيهَا السفن، وَرَجَعَ الآخَرُونَ
إِلَى بِلادِ قَوْمِهِمْ، فَكَتَبَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ
إِلَى مَنْ أَقَامَ عَلَى إِسْلامِهِ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ
فِيهِمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى عُتَيْبَةَ بْنِ النَّهَّاسِ وَإِلَى
عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الأَسْوَدِ بِلُزُومِ مَا هُمْ عَلَيْهِ
وَالْقُعُودِ لأَهْلِ الرِّدَّةِ بِكُلِّ سَبِيلٍ، وَأَمَرَ مِسْمَعًا
بِمُبَادَرَتِهِمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى خصفةَ التَّمِيمِيِّ
وَالْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيِّ، فَأَقَامُوا لأُولَئِكَ
بِالطَّرِيقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَنَابَ، فَقَبِلُوا مِنْهُ
وَاشْتَمَلُوا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى وَلَج فمنع مِنَ
الرُّجُوعِ، فَرَجَعُوا عَوْدهمْ عَلَى بَدْئِهِمْ، حَتَّى عَبَرُوا
إِلَى دَارِينَ، فَجَمَعَهُمُ اللَّهُ بِهَا، وَقَالَ فِي ذَلِكَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ عِجْلٍ، يُدْعَى وَهْبًا، يُعَيِّرُ
مَنِ ارْتَدَّ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْبُكُ خَلْقَهُ ... فَيَخْبُثُ أَقْوَامٌ
وَيَصْفُو مَعْشَرُ
لَحَى اللَّهُ أَقْوَامًا أُصِيبُوا بِخَنْعَةٍ ... أَصَابَهُمْ زَيْدُ
الضَّلال وَمَعْمَرُ!
وَلَمْ يَزَلِ الْعَلاءُ مُقِيمًا فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى
رَجَعَتْ إِلَيْهِ الْكُتُبُ مِنْ عِنْدِ مَنْ كَانَ كَتَبَ إِلَيْهِ
مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَبَلَغَهُ عَنْهُمُ الْقِيَامُ بِأَمْرِ
اللَّهِ، وَالْغَضَبُ لِدِينِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ عَنْهُمْ مِنْ
ذَلِكَ مَا كَانَ يَشْتَهِي، أَيْقَنَ أَنَّهُ لَنْ يُؤْتَى مِنْ
خَلْفِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ،
وَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى دَارِينَ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ فَخَطَبَهُمْ،
وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ لَكُمْ أَحْزَابَ الشَّيَاطِينِ
وَشَرَدَ الْحَرْبَ فِي هَذَا الْبَحْرِ، وَقَدْ أَرَاكُمْ مِنْ
آيَاتِهِ فِي الْبَرِّ لِتَعْتَبِرُوا بها
(3/310)
فِي الْبَحْرِ، فَانْهَضُوا إِلَى
عَدُوِّكُمْ، ثُمَّ اسْتَعْرِضُوا الْبَحْرَ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ
اللَّهَ قَدْ جَمَعَهُمْ، فَقَالُوا: نَفْعَلُ وَلا نَهَابُ وَاللَّهِ
بَعْدَ الدَّهْنَاءِ هَوْلا مَا بَقِينَا فَارْتَحَلَ وَارْتَحَلُوا،
حَتَّى إِذَا أَتَى سَاحِلَ الْبَحْرِ اقْتَحَمُوا عَلَى الصَّاهِلِ،
وَالْجَامِلِ، وَالشَّاحِجِ وَالنَّاهِقِ، وَالرَّاكِبِ وَالرَّاجِلِ،
وَدَعَا وَدَعَوْا، وَكَانَ دُعَاؤُهُ وَدُعَاؤُهُمْ: يَا أَرْحَمَ
الرَّاحِمِينَ، يَا كَرِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا أَحَدُ، يَا صَمَدُ يَا
حَيُّ يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لا إِلَهَ
إِلا أَنْتَ يَا رَبَّنَا فَأَجَازُوا ذَلِكَ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ
اللَّهِ جَمِيعًا يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ مَيْثَاءَ،
فَوْقَهَا مَاءٌ يَغْمُرُ أَخْفَافَ الإِبِلِ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ
السَّاحِلِ وَدَارِينَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسُفُنِ الْبَحْرِ
فِي بَعْضِ الْحَالاتِ، فَالْتَقُوا بِهَا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالا
شَدِيدًا، فَمَا تَرَكُوا بِهَا مَخْبَرًا وَسَبُوا الذَّرَارِيَ،
وَاسْتَاقُوا الأَمْوَالَ، فَبَلَغَ نَفَلُ الْفَارِسِ سِتَّةَ آلافٍ،
وَالرَّاجِلِ أَلْفَيْنِ، قَطَعُوا لَيْلَهُمْ وَسَارُوا يَوْمَهُمْ،
فَلَمَّا فَرَغُوا رَجَعُوا عَوْدَهُمْ عَلَى بَدْئِهِمْ حَتَّى
عَبَرُوا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ذَلَّلَ بَحْرَهُ ... وَأَنْزَلَ
بِالْكُفَّارِ إِحْدَى الْجَلائِلِ!
دَعَوْنَا الَّذِي شَقَّ الْبِحَارَ فَجَاءَنَا ... بِأَعْجَبَ مِنْ
فَلْقِ الْبِحَارِ الأَوَائِلِ
وَلَمَّا رَجَعَ الْعَلاءُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَضَرَبَ الإِسْلامُ
فِيهَا بِجِرَانِهِ، وَعَزَّ الإِسْلامُ وَأَهْلُهُ، وَذُلَّ الشِّرْكُ
وَأَهْلُهُ، أَقْبَلَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَا فِيهَا عَلَى
الإِرْجَافِ، فَأَرْجَفَ مُرْجِفُونَ، وَقَالُوا: ها ذاك مَفْرُوقٌ،
قَدْ جَمَعَ رَهْطَهُ.
شَيْبَانَ وَتَغْلِبَ وَالنَّمِرَ، فَقَالَ لَهُمْ أَقْوَامٌ منِ
الْمُسْلِمِينَ: إِذَا تَشْغَلُهُمْ عَنَّا اللَّهَازِمُ-
وَاللَّهَازِمُ يَوْمَئِذٍ قَدِ اسْتُجْمِعَ أَمْرُهُمْ عَلَى نَصْرِ
الْعَلاءِ وَطَابَقُوا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
(3/311)
ابن حَذفٍ فِي ذَلِكَ:
لا تُوعِدُونَا بِمَفْرُوقٍ وَأُسْرَتِهِ ... إِنْ يَأْتِنَا يَلْقَ
فِينَا سُنَّةَ الْحَطَمِ
وَإِنَّ ذَا الْحَيِّ مِنْ بَكْرٍ وَإِنْ كَثُرُوا ... لأُمَّةٌ
دَاخِلُونَ النَّارَ فِي أُمَمِ
فَالنَّخْلُ ظَاهِرُهُ خَيْلٌ وَبَاطِنُهُ ... خَيْلٌ تَكَدَّسَ
بِالْفِتْيَانِ فِي النَّعَمِ
وَأَقْفَلَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ النَّاسَ، فَرَجَعَ النَّاسُ
إِلا مَنْ أَحَبَّ الْمُقَامِ، فَقَفَلْنَا وَقَفَلَ ثُمَامَةُ بْنُ
أُثَالٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا عَلَى مَاءٍ لِبَنِي قَيْسِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ، فَرَأَوْا ثُمَامَةَ، وَرَأَوْا خَمِيصَةَ الْحَطمِ
عَلَيْهِ دَسُّوا لَهُ رَجُلا، وَقَالُوا: سَلْهُ كَيْفَ صَارَتْ لَهُ؟
وَعَنِ الْحطمِ: أَهُوَ قَتَلَهُ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَأَتَاهُ، فَسَأَلَهُ
عَنْهَا، فَقَالَ: نُفِّلْتُهَا قَالَ: أَأَنْتَ قَتَلْتَ الْحطمَ؟
قَالَ: لا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَمَا بَالُ
هَذِهِ الْخَمِيصَةِ مَعَكَ؟ قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ! فَرَجَعَ
إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَتَجَمَّعُوا لَهُ، ثُمَّ أَتَوْهُ
فَاحْتَوَشُوهُ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا:
أَنْتَ قَاتِلُ الحطمَ؟ قَالَ: كَذَبْتُمْ، لَسْتُ بِقَاتِلِهِ
وَلَكِنِّي نُفِّلْتُهَا، قَالُوا:
هَلْ يُنَفَّلُ إِلا الْقَاتِلُ! قَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ
عَلَيْهِ، إِنَّمَا وُجِدَتْ فِي رَحْلِهِ، قَالُوا: كَذَبْتَ
فَأَصَابُوهُ.
قَالَ: وَكَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ رَاهِبٌ فِي هَجَرَ، فَأَسْلَمَ
يَوْمَئِذٍ فَقِيلَ: مَا دَعَاكَ إِلَى الإِسْلامِ؟ قَالَ: ثَلاثَةُ
أَشْيَاءَ، خَشِيتُ أَنْ يَمْسَخَنِي اللَّهُ بَعْدَهَا إِنْ أَنَا
لَمْ أَفْعَلْ:
فَيْضٌ فِي الرِّمَالِ، وَتَمْهِيدُ أَثْبَاجِ الْبِحَارِ، وَدُعَاءٌ
سَمِعْتُهُ فِي عَسْكَرِهِمْ فِي الْهَوَاءِ مِنَ السَّحَرِ قَالُوا:
وَمَا هُوَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، لا
إِلَهَ غَيْرُكَ، وَالْبَدِيعُ لَيْسَ قَبْلِكَ شَيْءٌ، وَالدَّائِمُ
غَيْرُ الْغَافِلِ، وَالْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَخَالِقُ مَا
يَرَى وَمَا لا يَرَى، وَكُلُّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ، وَعَلِمْتَ
اللَّهُمَّ كُلَّ شَيْءٍ بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ، فَعَلِمْتَ أَنَّ
الْقَوْمَ لَمْ يُعَانُوا بِالْمَلائِكَةِ إِلا وَهُمْ عَلَى أَمْرِ
اللَّهِ.
فلقد كان اصحاب رسول الله ص يَسْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ الْهجري بعد
(3/312)
وَكَتَبَ الْعَلاءُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَجَّرَ لَنَا
الدَّهْنَاءَ فَيْضًا لا تُرَى غَوَارِبُهُ، وَأَرَانَا آيَةً
وَعِبْرَةً بَعْدَ غَمٍّ وَكَرْبِ، لِنَحْمَدِ اللَّهَ وَنُمَجِّدْهُ،
فَادْعُ اللَّهُ وَاسْتَنْصِرْهُ لِجُنُودِهِ وَأَعْوَانِ دِينِهِ.
فَحَمَدَ أَبُو بَكْرٍ اللَّهَ وَدَعَاهُ، وَقَالَ: مَا زَالَتِ
الْعَرَبُ فِيمَا تُحَدِّثُ عَنْ بُلْدَانِهَا يَقُولُونَ: إِنَّ
لُقْمَانَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الدَّهْنَاءِ: أَيَحْتَفُرُونَهَا أَوْ
يَدَعُونَهَا؟
نَهَاهُمْ، وَقَالَ: لا تبلغها الأرشية، وَلَمْ تقر الْعُيُونُ،
وَأَنَّ شَأْنَ هَذَا الْفَيْضِ مِنْ عَظِيمِ الآيَاتِ، وَمَا
سَمِعْنَا بِهِ فِي أُمَّةٍ قَبْلَهَا اللهم اخلف محمدا ص فِينَا.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ الْعَلاءُ بِهَزِيمَةِ أَهْلِ الخندق وقتل
الحطم، قتله زيد ومعمر:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ سَلَبَ عَدُوَّنَا
عُقُولَهُمْ، وَأَذْهَبَ رِيحَهُمْ بِشَرَابٍ أَصَابُوهُ مِنَ
النَّهَارِ، فَاقْتَحَمْنَا عَلَيْهِمْ خَنْدَقَهُمْ، فَوَجَدْنَاهُمْ
سُكَارَى، فَقَتَلْنَاهُمْ إِلا الشَّرِيدَ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ
الْحطمَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ بَلَغَكَ عَنْ
بَنِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ تَمَامٌ عَلَى مَا بَلَغَكَ، وَخَاضَ
فِيهِ الْمُرْجِفُونَ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ جُنْدًا فَأَوْطِئْهُمْ
وَشَرِّدْ بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ فَلَمْ يَجْتَمِعُوا، وَلَمْ يَصر
ذَلِكَ مِنْ أَرْجَافِهِمْ إِلَى شَيْءٍ.
ذكر الخبر عن ردة أهل عمان ومهرة واليمن
قال أبو جعفر: وقد اختلف في تاريخ حرب المسلمين، فقال محمد ابن إسحاق-
فيما حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، عن سلمة عنه: كان فتح اليمامة واليمن
والبحرين وبعث الجنود إلى الشام في سنة اثنتي عشرة.
وأما أبو زيد فحدثني عن أبي الحسن المدائني في خبر ذكره، عن أبي معشر
ويزيد بْن عياض بْن جعدبة وأبي عبيدة بْن مُحَمَّد بْن أبي
(3/313)
عبيدة وغسان بْن عبد الحميد وجويرية بْن
أسماء، بإسنادهم عن مشيختهم وغيرهم من علماء أهل الشام وأهل العراق، أن
الفتوح في أهل الردة كلها كانت لخالد بْن الوليد وغيره في سنة إحدى
عشرة، إلا أمر ربيعة بْن بجير، فإنه كان في سنة ثلاث عشرة.
وقصة ربيعة بْن بجير التغلبي أن خالد بْن الوليد- فيما ذكر في خبره هذا
الذي ذكرت عنه- بالمصيخ والحصيد، قام وهو في جمع من المرتدين فقاتله،
وغنم وسبى، وأصاب ابنة لربيعة بْن بجير،، فسباها وبعث بالسبي إلى أبي
بكر رحمه اللَّه، فصارت ابنة ربيعة إلى علي بْن أبي طالب ع.
فأما أمر عمان فإنه كان- فيما كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ بْن يحيى
يخبرني عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يوسف، عن القاسم
بْن مُحَمَّد والغصن بْن القاسم وموسى الجليوسى عن ابن محيريز، قال:
نبغ بعمان ذو التاج لقيط بْن مالك الأزدي، وكان يسامي في الجاهلية
الجلندي، وادعى بمثل ما ادعى به من كان نبيا، وغلب على عمان مرتدا،
وألجأ جيفرا وعبادا الى الاجبال والبحر، فبعث جيفر إلى أبي بكر يخبره
بذلك، ويستجيشه عليه فبعث أبو بكر الصديق حذيفة بْن محصن الغلفاني من
حمير، وعرفجة البارقي من الأزد، حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة
وأمرهما إذا اتفقا أن يجتمعا على من بعثا إليه، وأن يبتدئا بعمان،
وحذيفة على عرفجة في وجهه، وعرفجة على حذيفة في وجهه.
فخرجا متساندين، وأمرهما أن يجدا السير حتى يقدما عمان، فإذا كانا منها
قريبا كاتبا جيفرا وعبادا، وعملا برأيهما فمضيا لما أمرا به، وقد كان
أبو بكر بعث عكرمة إلى مسيلمة باليمامة، وأتبعه شرحبيل بْن حسنة،
(3/314)
وسمى لهما اليمامة، وأمرهما بما أمر به
حذيفة وعرفجة فبادر عكرمة شرحبيل، وطلب حظوة الظفر، فنكبه مسيلمة،
فأحجم عن مسيلمة، وكتب إلى أبي بكر بالخبر، وأقام شرحبيل عليه حيث بلغه
الخبر، وكتب أبو بكر إلى شرحبيل بْن حسنة، أن أقم بأدنى اليمامة حتى
يأتيك أمري، وترك أن يمضيه لوجهه الذي وجهه له، وكتب إلى عكرمة يعنفه
لتسرعه، ويقول: لا أرينك ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، والحق بعمان حتى
تقاتل أهل عمان، وتعين حذيفة وعرفجة، وكل واحد منكم على خيله، وحذيفة
ما دمتم في عمله على الناس، فإذا فرغتم فامض إلى مهرة، ثم ليكن وجهك
منها إلى اليمن، حتى تلاقي المهاجر ابن أبي أمية باليمن وبحضرموت،
وأوطئ من بين عمان واليمن ممن ارتد، وليبلغني بلاؤك.
فمضى عكرمة في أثر عرفجة وحذيفة فيمن كان معه حتى لحق بهما قبل أن
ينتهيا إلى عمان، وقد عهد إليهم أن ينتهوا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ في
السير معه أو المقام بعمان، فلما تلاحقوا- وكانوا قريبا من عمان بمكان
يدعى رجاما- راسلوا جيفرا وعبادا وبلغ لقيطا مجيء الجيش، فجمع جموعه
وعسكر بدبا، وخرج جيفر وعباد من موضعهما الذي كانا فيه، فعسكرا بصحار،
وبعثا إلى حذيفة وعرفجة وعكرمة في القدوم عليهما، فقدموا عليهما بصحار،
فاستبرءوا ما يليهم حتى رضوا ممن يليهم، وكاتبوا رؤساء مع لقيط وبدءوا
بسيد بني جديد، فكاتبهم وكاتبوه حتى ارفضوا عنه، ونهدوا إلى لقيط،
فالتقوا على دبا، وقد جمع لقيط العيالات، فجعلهم وراء صفوفهم ليجربهم،
وليحافظوا على حرمهم-- ودبا هي المصر والسوق العظمى- فاقتتلوا بدبا
قتالا شديدا، وكاد لقيط يستعلي الناس، فبيناهم كذلك، وقد رأى المسلمون
الخلل ورأى المشركون الظفر، جاءت المسلمين موادهم العظمى من بنى ناجيه،
وعليهم الخريت بْن راشد، ومن عبد القيس وعليهم سيحان بْن صوحان، وشواذب
(3/315)
عمان من بني ناجية وعبد القيس، فقوى اللَّه
بهم أهل الإسلام، ووهنَّ اللَّه بهم اهل الشرك، فولى المشركون الأدبار،
فقتلوا منهم في المعركة عشرة آلاف، وركبوهم حتى أثخنوا فيهم، وسبوا
الذراري، وقسموا الأموال على المسلمين، وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع
عرفجة، ورأى عكرمة وحذيفة أن يقيم حذيفة بعمان حتى يوطئ الأمور، ويسكن
الناس، وكان الخمس ثمانمائه رأس، وغنموا السوق بحذافيرها فسار عرفجة
إلى أبي بكر بخمس السبي والمغانم، وأقام حذيفة لتسكين الناس، ودعا
القبائل حول عمان إلى سكون ما أفاء اللَّه على المسلمين، وشواذب عمان،
ومضى عكرمة في الناس، وبدأ بمهرة، وقال في ذلك عباد الناجي:
لعمري لقد لاقى لقيط بْن مالك ... من الشر ما أخزى وجوه الثعالب
وبادى أبا بكر ومن هلَّ فارتمى ... خليجان من تياره المتراكب
ولم تنهه الأولى ولم ينكأ العدا ... فألوت عليه خيله بالجنائب
ذكر خبر مهرة بالنجد
ولما فرغ عكرمة وعرفجة وحذيفة من ردة عمان، خرج عكرمة في جنده نحو
مهرة، واستنصر من حول عمان وأهل عمان، وسار حتى يأتي مهرة، ومعه ممن
استنصره من ناجية والأزد وعبد القيس وراسب وسعد من بني تميم بشر، حتى
اقتحم على مهرة بلادها، فوافق بها جمعين من مهرة: أما أحدهما فبمكان من
أرض مهرة يقال له:
جيروت، وقد امتلأ ذلك الحيز إلى نضدون- قاعين من قيعان مهرة- عليهم
شخريت، رجل من بني شخراة، وأما الآخر فبالنجد، وقد انقادت
(3/316)
مهرة جميعا لصاحب هذا الجمع، عليهم
المصبح،، أحد بني محارب والناس كلهم معه، إلا ما كان من شخريت، فكانا
مختلفين، كل واحد من الرئيسين يدعو الآخر إلى نفسه، وكل واحد من
الجندين يشتهي أن يكون الفلج لرئيسهم، وكان ذلك مما أعان اللَّه به
المسلمين وقواهم على عدوهم، ووهنهم.
ولما رأى عكرمة قلة من مع شخريت دعاه إلى الرجوع إلى الإسلام، فكان
لأول الدعاء، فأجابه ووهن اللَّه بذلك المصبح ثم أرسل إلى المصبح يدعوه
إلى الإسلام والرجوع عن الكفر، فاغتر بكثرة من معه، وازداد مباعدة
لمكان شخريت، فسار إليه عكرمة، وسار معه شخريت، فالتقوا هم والمصبح
بالنجد، فاقتتلوا أشد من قتال دبا.
ثم إن اللَّه كشف جنود المرتدين، وقتل رئيسهم، وركبهم المسلمون فقتلوا
منهم ما شاءوا، وأصابوا ما شاءوا، وأصابوا فيما أصابوا ألفي نجيبة،
فخمس عكرمة الفيء، فبعث بالأخماس مع شخريت إلى أبي بكر، وقسم الأربعة
الأخماس على المسلمين، وازداد عكرمة وجنده قوة بالظهر والمتاع والأداة،
وأقام عكرمة حتى جمعهم على الذي يحب، وجمع أهل النجد، اهل رياض الروضة،
وأهل الساحل، وأهل الجزائر، وأهل المر واللبان وأهل جيروت، وظهور الشحر
والصبرات، وينعب، وذات الخيم، فبايعوا على الإسلام، فكتب بذلك مع
البشير- وهو السائب أحد بني عابد من مخزوم- فقدم على أبي بكر بالفتح،
وقدم شخريت بعده بالأخماس، وقال في ذلك علجوم المحاربي:
جزى اللَّه شخريتا وأفناء هيشم ... وفرضم إذ سارت إلينا الحلائب
جزاء مسيء لم يراقب لذمة ... ولم يرجها فيما يرجى الأقارب
أعكرم لولا جمع قومي وفعلهم ... لضاقت عليك بالفضاء المذاهب
(3/317)
وكنا كمن اقتاد كفا بأختها ... وحلت علينا في الدهور النوائب |