تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر الخبر عن وقت وفاته ومبلغ سنه وقدر ولايته ومن صلى عليه
قَالَ أبو معشر: توفي موسى الهادي ليلة الجمعة للنصف من شهر ربيع الأول، حدثنا بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق.
وقال الواقدي: مات موسى بعيساباذ للنصف من شهر ربيع الأول.
وقال هشام بْن محمد: هلك موسى الهادي لأربع عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ليلة الجمعة في سنة سبعين ومائة.
وقال بعضهم: توفي ليلة الجمعة لستة عشر يوما منه، وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر.
وقَالَ هشام: ملك أربعة عشر شهرا، وتوفي وهو ابن ست وعشرين سنة.
وقال الواقدي: كانت ولايته سنة وشهرا واثنين وعشرين يوما وقال غيرهم: توفي يوم السبت، لعشر خلت من ربيع الأول- أو ليلة الجمعة- وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة وعشرين يوما، وصلى عليه أخوه هارون بْن محمد الرشيد وكان كنيته أبا محمد، وأمه الخيزران أم ولد، ودفن بعيساباذ الكبرى في بستانه

(8/213)


وذكر الفضل بْن إسحاق أنه كان طويلا جسيما جميلا أبيض، مشربا حمرة، وكان بشفته العليا تقلص، وكان يلقب موسى أطبق، وكان ولد بالسيروان من الري
. ذكر أولاده
وكان له من الأولاد تسعة، سبعة ذكور وابنتان فاما الذكور فاحدهم جعفر- وهو الذي كان يرشحه للخلافة- والعباس وعبد الله وإسحاق وإسماعيل وسليمان وموسى بْن موسى الأعمى، كلهم من أمهات أولاد وكان الأعمى- وهو موسى- ولد بعد موت أبيه والابنتان، إحداهما أم عيسى كانت عند المأمون، والاخرى أم العباس بنت موسى، تلقب نوته
. ذكر بعض أخباره وسيره
ذكر إبراهيم بْن عبد السلام، ابن أخي السندي أبو طوطة، قَالَ: حدثني السندي بْن شاهك، قَالَ: كنت مع موسى بجرجان، فأتاه نعي المهدي والخلافة، فركب البريد إلى بغداد، ومعه سعيد بْن سلم، ووجهني إلى خراسان، فحدثني سعيد بْن سلم، قَالَ: سرنا بين أبيات جرجان وبساتينها، قَالَ: فسمع صوتا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى، فقال لصاحب شرطته: علي بالرجل الساعة، قَالَ: فقلت يا أمير المؤمنين، ما أشبه قصة هذا الخائن بقصة سليمان بْن عبد الملك! قَالَ: وكيف؟ قَالَ: قلت له:
كان سليمان بْن عبد الملك في متنزه له ومعه حرمه، فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى، فدعا صاحب شرطته، فقال: علي بصاحب الصوت، فأتي به، فلما مثل بين يديه، قَالَ له: ما حملك على الغناء وأنت إلى جنبي ومعي حرمي! أما علمت أن الرماك إذا سمعت صوت الفحل حنت إليه! يا غلام جبه، فجب الرجل فلما كان في العام المقبل رجع سليمان إلى ذلك المتنزه، فجلس مجلسه الذي فيه، فذكر الرجل وما صنع به، فقال لصاحب

(8/214)


شرطته: علي بالرجل الذي كنا جببناه، فأحضره، فلما مثل بين يديه، قَالَ له: إما بعت فوفيناك، واما وهبت فكافأناك، قال: فو الله ما دعاه بالخلافة، ولكنه قَالَ له: يا سليمان، الله الله! إنك قطعت نسلي، فذهبت بماء وجهي، وحرمتني لذتي، ثم تقول: إما وهبت فكافأناك، وإما بعت فوفيناك! لا والله حتى أقف بين يدي الله قَالَ: فقال موسى: يا غلام، رد صاحب الشرطة، فرده، فقال: لا تعرض للرجل وذكر أبو موسى هارون بْن محمد بْن إسماعيل بْن موسى الهادي، ان على ابن صالح حدثه، أنه كان يوما على رأس الهادي وهو غلام- وقد كان جفا المظالم عامة ثلاثة أيام- فدخل عليه الحراني، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن العامة لا تنقاد على ما أنت عليه، لم تنظر في المظالم منذ ثلاثة أيام، فالتفت إلي، وقال: يا علي، ائذن للناس، علي بالجفلى لا بالنقرى، فخرجت من عنده أطير على وجهي ثم وقفت فلم أدر ما قَالَ لي، فقلت: أراجع أمير المؤمنين، فيقول: أتحجبني ولا تعلم كلامي! ثم أدركني ذهني، فبعثت الى اعرابى كان قد وفد، وسألته عن الجفلى والنقرى، فقال: الجفلى جفالة، والنقرى ينقر خواصهم فأمرت بالستور فرفعت وبالأبواب ففتحت، فدخل الناس على بكرة أبيهم، فلم يزل ينظر في المظالم إلى الليل، فلما تقوض المجلس مثلت بين يديه، فقال: كأنك تريد أن تذكر شيئا يا علي، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كلمتني بكلام لم أسمعه قبل يومي هذا، وخفت مراجعتك، فتقول: أتحجبني وأنت لم تعلم كلامي! فبعثت إلى أعرابي كان عندنا، ففسر لي الكلام، فكافئه عني يا أمير المؤمنين، قَالَ: نعم مائة ألف درهم تحمل اليه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنه أعرابي جلف، وفي عشرة آلاف درهم ما أغناه وكفاه، فقال: ويلك يا علي! أجود وتبخل! قَالَ: وحدثني علي بْن صالح، قَالَ: ركب الهاديّ يوما يريد عيادة أمه الخيزران من علة كانت وجدتها، فاعترضه عمر بْن بزيع، فقال له:

(8/215)


يا أمير المؤمنين، ألا أدلك على وجه هو أعود عليك من هذا؟ فقال: وما هو يا عمر؟ قَالَ: المظالم لم تنظر فيها منذ ثلاث، قَالَ: فأومأ إلى المطرقة أن يميلوا إلى دار المظالم، ثم بعث إلى الخيزران بخادم من خدمه يعتذر إليها من تخلفه، وقال: قل لها إن عمر بْن بزيع أخبرنا من حق الله بما هو أوجب علينا من حقك، فملنا إليه ونحن عائدون إليك في غد إن شاء الله.
وذكر عن عبد الله بْن مالك، أنه قَالَ: كنت أتولى الشرطة للمهدي، وكان المهدي يبعث إلى ندماء الهادي ومغنيه، ويأمرني بضربهم، وكان الهادي يسألني الرفق بهم والترفيه لهم، ولا ألتفت إلى ذلك، وأمضي لما أمرني به المهدي قَالَ: فلما ولي الهادي الخلافة أيقنت بالتلف، فبعث إلي يوما، فدخلت عليه متكفنا متحنطا، وإذا هو على كرسي، والسيف والنطع بين يديه، فسلمت، فقال: لا سلم الله على الآخر! تذكر يوم بعثت إليك في أمر الحراني، وما أمر أمير المؤمنين به من ضربه وحبسه فلم تجبني، وفي فلان وفلان- وجعل يعدد ندماءه- فلم تلتفت إلى قولي، ولا أمري! قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي في استيفاء الحجة؟ قَالَ: نعم، قلت: ناشدتك بالله يا أمير المؤمنين، أيسرك أنك وليتني ما ولاني أبوك، فأمرتني بأمر، فبعث إلى بعض بنيك بأمر يخالف به أمرك، فاتبعت أمره وعصيت أمرك؟ قَالَ:
لا، قلت: فكذلك أنا لك، وكذا كنت لأبيك فاستدناني، فقبلت يديه، فأمر بخلع فصبت علي، وقال: قد وليتك ما كنت تتولاه، فامض راشدا فخرجت من عنده فصرت إلى منزلي مفكرا في أمري وأمره، وقلت:
حدث يشرب، والقوم الذين عصيته في أمرهم ندماؤه ووزراؤه وكتابه، فكأني بهم حين يغلب عليهم الشراب قد أزالوا رأيه في، وحملوه من أمري على ما كنت أكره وأتخوفه قَالَ: فإني لجالس وبين يدي بنية لي في وقتي ذلك، والكانون بين يدي، ورقاق أشطره بكامخ وأسخنه وأضعه للصبية، وإذا ضجة عظيمة، حتى توهمت أن الدنيا قد اقتلعت وتزلزلت بوقع الحوافر وكثرة الضوضاء، فقلت:
هاه! كان والله ما ظننت، ووافاني من أمره ما تخوفت، فإذا الباب قد فتح، وإذا الخدم قد دخلوا، وإذا أمير المؤمنين الهادي على حمار في وسطهم، فلما

(8/216)


رأيته وثبت عن مجلسي مبادرا، فقبلت يده ورجله وحافر حماره، فقال لي:
يا عبد الله، إني فكرت في أمرك، فقلت: يسبق إلى قلبك أني إذا شربت وحولي أعداؤك، أزالوا ما حسن من رأيي فيك، فأقلقك وأوحشك، فصرت إلى منزلك لأونسك وأعلمك أن السخيمة قد زالت عن قلبي لك، فهات فأطعمني مما كنت تاكل، وافعل فيه ما كنت تفعل، لتعلم أني قد تحرمت بطعامك وأنست بمنزلك، فيزول خوفك ووحشتك فأدنيت إليه ذلك الرقاق والسكرجة التي فيها الكامخ، فأكل منها ثم قَالَ: هاتوا الزلة التي أزللتها لعبد الله من مجلسي فأدخلت الى أربعمائة بغل موقرة دراهم، وقال: هذه زلتك، فاستعن بها على أمرك، واحفظ لي هذه البغال عندك، لعلي أحتاج إليها يوما لبعض أسفاري، ثم قَالَ: أظلك الله بخير، وانصرف راجعا.
فذكر موسى بْن عبد الله أن أباه أعطاه بستانه الذي كان وسط داره، ثم بنى حوله معالف لتلك البغال، وكان هو يتولى النظر إليها والقيام عليها أيام حياة الهادي كلها.
وذكر محمد بْن عبد الله بْن يعقوب بْن داود بْن طهمان السلمي، قَالَ:
أخبرني أبي، قَالَ: كان علي بْن عيسى بْن ماهان يغضب غضب الخليفة، ويرضى رضا الخليفة، وكان أبي يقول: ما لعربي ولا لعجمي عندي ما لعلي ابن عيسى، فإنه دخل إلي الحبس وفي يده سوط، فقال: أمرني أمير المؤمنين موسى الهادي أن أضربك مائة سوط، قَالَ: فأقبل يضعه على يدي ومنكبي، يمسني به مسا إلى أن عد مائة، وخرج فقال له: ما صنعت بالرجل؟
قَالَ: صنعت به ما أمرت قَالَ: فما حاله؟ قَالَ: مات، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! ويلك! فضحتني والله عند الناس، هذا رجل صالح، يقول الناس: قتل يعقوب بْن داود! قَالَ: فلما رأى شدة جزعه، قَالَ: هو حي يا أمير المؤمنين لم يمت، قَالَ: الحمد لله على ذلك.
قَالَ: وكان الهادي قد استخلف على حجابته بعد الربيع ابنه الفضل، فقال له: لا تحجب عني الناس، فإن ذلك يزيل عني البركة، ولا تلق إلي أمرا إذا كشفته أصبته باطلا، فإن ذلك يوقع الملك، ويضر بالرعية

(8/217)


وقال موسى بْن عبد الله: أتي موسى برجل، فجعل يقرعه بذنوبه ويتهدده، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرعني به رد عليك، وإقراري يوجب علي ذنبا، ولكني أقول:
فإن كنت ترجو في العقوبة رحمة ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر
قَالَ: فأمر بإطلاقه.
وذكر عمر بْن شبة أن سعيد بْن سلم كان عند موسى الهادي، فدخل عليه وفد الروم وعلى سعيد بْن سلم قلنسوة- وكان قد صلع وهو حدث- فقال له موسى: ضع قلنسوتك حتى تتشايخ بصلعتك.
وذكر يحيى بْن الحسن بْن عبد الخالق أن أباه حدثه، قَالَ: خرجت إلى عيساباذ أريد الفضل بْن الربيع، فلقيت موسى أمير المؤمنين وهو خليفة، وأنا لا أعرفه، فإذا هو في غلالة على فرس، وبيده قناة لا يدرك أحدا إلا طعنه فقال لي: يا بن الفاعلة! قَالَ: فرأيت إنسانا كأنه صنم، وكنت رأيته بالشام، وكان فخذاه كفخذي بعير، فضربت يدي إلى قائم السيف، فقال لي رجل: ويلك! أمير المؤمنين، فحركت دابتي- وكان شهريا حملني عليه الفضل بْن الربيع، وكان اشتراه بأربعة آلاف درهم- فدخلت دار محمد بْن القاسم صاحب الحرس، فوقف على الباب، وبيده القناه، وقال: اخرج يا بن الفاعلة! فلم أخرج، ومر فمضى قلت للفضل: فإني رأيت أمير المؤمنين، وكان من القصة كذا وكذا، فقال: لا أرى لك وجها إلا ببغداد، إذا جئت أصلي الجمعة فالقني، قَالَ: فما دخلت عيساباذ حتى هلك الهادي.
وذكر الهيثم بْن عروة الأنصاري أن الحسين بْن معاذ بْن مسلم- وكان رضيع موسى الهادي- قَالَ: لقد رأيتني أخلو مع موسى، فلا أجد له هيبة في قلبي عند الخلوه، لما كان يبسطنى وربما صارعني فأصرعه غير هائب له، وأضرب به الأرض، فإذا تلبس لبسة الخلافة ثم جلس مجلس الأمر والنهى

(8/218)


قمت على راسه، فو الله ما أملك نفسي من الرعدة والهيبة له.
وذكر يحيى بْن الحسن بْن عبد الخالق أن محمد بْن سعيد بْن عمر بْن مهران، حدثه عن أبيه، عن جده، قَالَ: كانت المرتبه لإبراهيم بن سلم ابن قتيبة عند الهادي، فمات ابن لإبراهيم يقال له سلم، فأتاه موسى الهادي يعزيه عنه على حمار أشهب، لا يمنع مقبل ولا يرد عنه مسلم، حتى نزل في رواقه، فقال له: يا إبراهيم، سرك وهو عدو وفتنة، وحزنك وهو صلاة ورحمة فقال: يا أمير المؤمنين، ما بقي مني جزء كان فيه حزن إلا وقد امتلأ عزاء قَالَ: فلما مات إبراهيم صارت المرتبة لسعيد بْن سلم بعده.
وذكر عمر بْن شبة أن علي بْن الحسين بْن علي بْن الحسين بْن علي بْن أبي طالب كان يلقب بالجزري، تزوج رقية بنت عمرو العثمانية- وكانت تحت المهدي- فبلغ ذلك موسى الهادي في أول خلافته، فأرسل إليه فجهله وقال: أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين، فقال: ما حرم الله على خلقه إلا نساء جدي ص، فأما غيرهن فلا ولا كرامة فشجه بمخصرة كانت في يده، وامر بضربه خمسمائة سوط، فضرب، وأراده أن يطلقها فلم يفعل، فحمل من بين يديه في نطع فألقي ناحية، وكان في يده خاتم سري فرآه بعض الخدم وقد غشي عليه من الضرب، فأهوى إلى الخاتم، فقبض على يد الخادم فدقها، فصاح وأتى موسى فأراه يده، فاستشاط وقال: يفعل هذا بخادمي، مع استخفافه بأبي، وقوله لي! وبعث إليه: ما حملك على ما فعلت؟ قَالَ: قل له وسله، ومره أن يضع يده على رأسك وليصدقك ففعل ذلك موسى، فصدقه الخادم، فقال:
أحسن والله، أنا أشهد أنه ابن عمي، لو لم يفعل لانتفيت منه وأمر بإطلاقه.
وذكر أبو إبراهيم المؤذن، أن الهادي كان يثب على الدابة وعليه درعان، وكان المهدي يسميه ريحانتي

(8/219)


وذكر محمد بْن عطاء بْن مقدم الواسطي، أن أباه حدثه أن المهدي قَالَ لموسى يوما- وقد قدم إليه زنديق، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فضرب عنقه وأمر بصلبه: يا بني، إن صار لك هذا الأمر فتجرد لهذه العصابة- يعني أصحاب ماني- فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن، كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومس الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرجا وتحوبا، ثم تخرجها من هذه إلى عبادة اثنين:
أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات والاغتسال بالبول وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب، وجرد فيها السيف، وتقرب بأمرها إلى الله لا شريك له، فإني رأيت جدك العباس في المنام قلدني بسيفين، وأمرني بقتل أصحاب الاثنين قَالَ: فقال موسى بعد أن مضت من أيامه عشرة أشهر: أما والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عينا تطرف.
ويقال: إنه أمر أن يهيأ له ألف جذع، فقال: هذا في شهر كذا، ومات بعد شهرين.
وذكر أيوب بْن عنابة أن موسى بْن صالح بْن شيخ، حدثه أن عيسى ابن دأب كان أكثر أهل الحجاز أدبا وأعذبهم ألفاظا، وكان قد حظي عند الهادي حظوة لم تكن عنده لأحد، وكان يدعو له بمتكأ، وما كان يفعل ذلك بأحد غيره في مجلسه وكان يقول: ما استطلت بك يوما ولا ليلة، ولا غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك وكان لذيذ المفاكهة طيب المسامرة، كثير النادرة، جيد الشعر حسن الانتزاع له قَالَ: فأمر له ذات ليلة بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابن دأب وجه قهرمانه إلى باب موسى، وقال له: الق الحاجب، وقل له: يوجه إلينا بهذا المال، فلقي الحاجب، فأبلغه رسالته، فتبسم وقال: هذا ليس إلي، فانطلق إلى صاحب

(8/220)


التوقيع ليخرج له كتابا إلى الديوان، فتدبره هناك ثم تفعل فيه كذا وكذا.
فرجع إلى ابن دأب فأخبره، فقال: دعها ولا تعرض لها، ولا تسأل عنها.
قَالَ: فبينا موسى في مستشرف له ببغداد، إذ نظر إلى ابن دأب قد أقبل، وليس معه إلا غلام واحد! فقال لإبراهيم الحراني: أما ترى ابن دأب، ما غير من حاله، ولا تزين لنا، وقد بررناه بالأمس ليرى أثرنا عليه! فقال له إبراهيم: فإن أمرني أمير المؤمنين عرضت له بشيء من هذا، قَالَ: لا، هو أعلم بأمره، ودخل ابن دأب، فأخذ في حديثه إلى أن عرض له موسى بشيء من أمره، فقال: أرى ثوبك غسيلا، وهذا شتاء يحتاج فيه إلى الجديد اللين، فقال: يا أمير المؤمنين، باعي قصير عما أحتاج إليه، قَالَ: وكيف وقد صرفنا إليك من برنا ما ظننا أن فيه صلاح شأنك! قَالَ: ما وصل إلي ولا قبضته، فدعا صاحب بيت مال الخاصة، فقال: عجل له الساعة ثلاثين ألف دينار، فأحضرت وحملت بين يديه.
وذكر علي بْن محمد، أن أباه حدثه عن علي بْن يقطين، قَالَ: إني لعند موسى ليلة مع جماعة من أصحابه، إذ أتاه خادم فساره بشيء، فنهض سريعا، وقال: لا تبرحوا، ومضى فأبطأ، ثم جاء وهو يتنفس، فألقى بنفسه على فراشه يتنفس ساعة حتى استراح، ومعه خادم يحمل طبقا مغطى بمنديل، فقام بين يديه، فأقبل يرعد، فعجبنا من ذلك ثم جلس وقال للخادم: ضع ما معك، فوضع الطبق، وقال: ارفع المنديل، فرفعه فإذا في الطبق رأسا جاريتين، لم أر والله أحسن من وجوههما قط ولا من شعورهما، وإذا على رءوسهما الجوهر منظوم على الشعر، وإذا رائحة طيبة تفوح، فأعظمنا ذلك، فقال: أتدرون ما شأنهما؟ قلنا: لا، قَالَ: بلغنا أنهما تتحابان قد اجتمعتا على الفاحشة، فوكلت هذا الخادم بهما ينهي إلي أخبارهما، فجاءني فأخبرني أنهما قد اجتمعتا، فجئت فوجدتهما في لحاف واحد على الفاحشة

(8/221)


فقتلتهما، ثم قَالَ: يا غلام، ارفع الرأسين قَالَ: ثم رجع في حديثه كأن لم يصنع شيئا.
وذكر أبو العباس بْن أبي مالك اليمامي أن عبد الله بْن محمد البواب، قال:
كنت احجب الهادي خليفه للفضل بْن الربيع، قَالَ: فإنه ذات يوم جالس وأنا في داره، وقد تغدى ودعا بالنبيذ، وقد كان قبل ذلك دخل على أمه الخيزران، فسألته أن يولي خاله الغطريف اليمن، فقال: اذكريني به قبل أن أشرب، قَالَ: فلما عزم على الشرب وجهت إليه منيرة- أو زهرة- تذكره، فقال: ارجعي فقولي: اختاري له طلاق ابنته عبيدة أو ولاية اليمن، فلم تفهم إلا قوله: اختاري له فمرت، فقالت: قد اخترت له ولاية اليمن، فطلق ابنته عبيدة، فسمع الصياح، فقال: ما لكم؟ فاعلمته الخبر، فقال:
أنت اخترت له، فقالت: ما هكذا أديت إلي الرسالة عنك قَالَ: فأمر صالحا صاحب المصلى أن يقف بالسيف على رءوس الندماء ليطلقوا نساءهم، فخرج إلي بذلك الخدم ليعلموني ألا آذن لأحد قَالَ: وعلى الباب رجل واقف متلفع بطيلسانه، يراوح بين قدميه، فعن لي بيتان، فأنشدتهما وهما:
خليلي من سعد ألما فسلما ... على مريم، لا يبعد الله مريما
وقولا لها: هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال بعد ذاك فيعلما!
قَالَ: فقال لي الرجل المتلفع بطيلسانه: فنعلما، فقلت: ما الفرق بين يعلما ونعلما؟ فقال: إن الشعر يصلحه معناه ويفسده معناه، ما حاجتنا إلى أن يعلم الناس أسرارنا! فقلت له: أنا أعلم بالشعر منك، قَالَ:
فلمن الشعر؟ قلت: للأسود بْن عمارة النوفلي، فقال لي: فأنا هو، فدنوت منه فأخبرته خبر موسى، واعتذرت إليه من مراجعتي إياه قَالَ: فصرف دابته، وقال: هذا أحق منزل بأن يترك

(8/222)


قَالَ مصعب الزبيري: قَالَ أبو المعافى: أنشدت العباس بْن محمد مديحا في موسى وهارون:
يا خيزران هناك ثم هناك ... إن العباد يسوسهم ابناك
قَالَ: فقال لي: إني أنصحك، قَالَ اليماني: لا تذكر أمي بخير ولا بشر وذكر أحمد بْن صالح بْن أبي فنن، فقال: حدثني يوسف الصيقل الشاعر الواسطي، قَالَ: كنا عند الهادي بجرجان قبل الخلافة ودخوله بغداد، فصعد مستشرفا له حسنا، فغني بهذا الشعر:
واستقلت رجالهم ... بالرديني شرعا
فقال: كيف هذا الشعر؟ فأنشدوه، فقال: كنت أشتهي أن يكون هذا الغناء في شعر أرق من هذا، اذهبوا إلى يوسف الصيقل حتى يقول فيه، قَالَ: فأتوني فأخبروني الخبر، فقلت:
لا تلمني أن أجزعا ... سيدي قد تمنعا
وابلائي إن كان ما ... بيننا قد تقطعا
إن موسى بفضله ... جمع الفضل أجمعا
قَالَ: فنظر فإذا بعير أمامه، فقال: أوقروا هذا دراهم ودنانير، واذهبوا بها إليه قَالَ: فأتوني بالبعير موقرا.
وذكر محمد بْن سعد، قَالَ: حدثني أبو زهير، قَالَ: كان ابن دأب أحظى الناس عند الهادي، فخرج الفضل بْن الربيع يوما، فقال: إن أمير المؤمنين يأمر من ببابه بالانصراف، فاما أنت يا بن دأب فادخل، قَالَ ابن دأب: فدخلت عليه وهو منبطح على فراشه، وإن عينيه لحمراوان من السهر وشرب الليل، فقال لي: حدثني بحديث في الشراب، فقلت: نعم

(8/223)


يا أمير المؤمنين، خرجت رجلة من كنانة ينتجعون الخمر من الشام، فمات أخ لأحدهم، فجلسوا عند قبره يشربون، فقال أحدهم:
لا تصرد هامة من شربها ... اسقه الخمر وإن كان قبر
أسق أوصالا وهاما وصدى ... قاشعا يقشع قشع المبتكر
كان حرا فهوى فيمن هوى ... كل عود وفنون منكسر
قَالَ: فدعا بدواة فكتبها، ثم كتب إلى الحراني بأربعين الف درهم، قال: عشرة آلاف لك، وثلاثون ألفا للثلاثة الأبيات قَالَ: فأتيت الحراني، فقال: صالحنا على عشرة آلاف، على أنك تحلف لنا ألا تذكرها لأمير المؤمنين، فحلفت ألا أذكرها لأمير المؤمنين حتى يبدأني، فمات ولم يذكرها حتى أفضت الخلافة إلى الرشيد.
وذكر أبو دعامة أن سلم بْن عمرو الخاسر مدح موسى الهادي، فقال:
بعيساباذ حر من قريش ... على جنباته الشرب الرواء
يعوذ المسلمون بحقوتيه ... إذا ما كان خوف أو رجاء
وبالميدان دور مشرفات ... يشيدهن قوم أدعياء
وكم من قائل إني صحيح ... وتأباه الخلائق والرواء
له حسب يضن به ليبقى ... وليس لما يضن به بقاء
على الضبي لؤم ليس يخفى ... يغطيه فينكشف الغطاء
لعمري لو أقام أبو خديج ... بناء الدار ما انهدم البناء
قَالَ: وقال سلم الخاسر لما تولى الهادي الخلافة بعد المهدي:
لقد فاز موسى بالخلافة والهدى ... ومات أمير المؤمنين محمد
فمات الذي عم البرية فقده ... وقام الذي يكفيك من يتفقد

(8/224)


وقال أيضا:
تخفى الملوك لموسى عند طلعته ... مثل النجوم لقرن الشمس إذ طلعا
وليس خلق يرى بدرا وطلعته ... من البرية إلا ذل أو خضعا
وقال أيضا:
لولا الخليفة موسى بعد والده ... ما كان للناس من مهديهم خلف
ألا ترى أمة الأمي واردة ... كأنها من نواحي البحر تغترف
من راحتي ملك قد عم نائله ... كأن نائله من جوده سرف
وذكر إدريس بْن أبي حفصة أن مروان بْن أبي حفصة حدثه، قَالَ:
لما ملك موسى الهادي دخلت عليه فأنشدته:
إن خلدت بعد الإمام محمد ... نفسي لما فرحت بطول بقائها
قَالَ: ومدحت فقلت فيه:
بسبعين ألفا شد ظهري وراشني ... أبوك وقد عاينت من ذاك مشهدا
وانى امير المؤمنين لواثق ... بالا يرى شربي لديك مصردا
فلما أنشدته قَالَ: ومن يبلغ مدى المهدي! ولكنا سنبلغ رضاك.
قَالَ: وعاجلته المنية فلم يعطني شيئا، ولا أخذت من أحد درهما حتى قام الرشيد.
وذكر هارون بن موسى الفروى، قَالَ: حدثني أبو غزية، عن الضحاك بْن معن السلمي، قَالَ: دخلت على موسى فأنشدته:
يا منزلي شجو الفؤاد تكلما ... فلقد أرى بكما الرباب وكلثما
ما منزلان على التقادم والبلى ... أبكى لما تحت الجوانح منكما
ردا السلام على كبير شاقه ... طللان قد درسا فهاج فسلما

(8/225)


قَالَ: ومدحته فيها، فلما بلغت:
سبط الأنامل بالفعال أخاله ... أن ليس يترك في الخزائن درهما
التفت إلى أحمد الخازن، فقال: ويحك يا أحمد! كأنه نظر إلينا البارحة، قَالَ: وكان قد أخرج تلك الليلة مالا كثيرا ففرقه وذكر عن إسحاق الموصلي- أو غيره- عن إبراهيم، قَالَ: كنا يوما عند موسى، وعنده ابن جامع ومعاذ بْن الطبيب- وكان أول يوم دخل علينا معاذ، وكان معاذ حاذقا بالاغانى، عارفا بقديمها- فقال: من أطربني منكم فله حكمه، فغناه ابن جامع غناء فلم يحركه، وفهمت غرضه في الأغاني، فقال هات يا إبراهيم، فغنيته:
سليمى أجمعت بينا ... فأين نقولها أينا!
فطرب حتى قام من مجلسه، ورفع صوته، وقال: أعد، فأعدت، فقال: هذا غرضي فاحتكم، فقلت: يا امير المؤمنين، حائط عبد الملك وعينه الخرارة، فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قَالَ:
يا بن اللخناء، أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني وأني حكمتك فأقطعتك! أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك لضربت الذي فيه عيناك ثم أطرق هنيهة، فرأيت ملك الموت بيني وبينه ينتظر أمره.
ثم دعا إبراهيم الحراني فقال: خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال، فليأخذ منه ما شاء، فأدخلني الحراني بيت المال، فقال: كم تأخذ؟ قلت: مائة بدرة، قَالَ: دعني أؤامره، قال: قلت: فثمانين، قال: حتى اؤامره، فعملت ما أراد، فقلت: سبعين بدرة لي، وثلاثين لك، قَالَ: الآن جئت بالحق، فشأنك فانصرفت بسبعمائة ألف وانصرف ملك الموت عن وجهي.
وذكر علي بْن محمد، قَالَ: حدثني صالح بْن علي بْن عطية الأضخم عن حكم الوادي، قَالَ كان الهادي يشتهي من الغناء الوسط الذى يقل

(8/226)


ترجيعه، ولا يبلغ أن يستخف به جدا قَالَ: فبينا نحن ليلة عنده، وعنده ابن جامع والموصلي والزبير بْن دحمان والغنوي إذ دعا بثلاث بدور وأمر بهن فوضعن في وسط المجلس، ثم ضم بعضهن إلى بعض، وقال: من غناني صوتا في طريقي الذي أشتهيه، فهن له كلهن قَالَ: وكان فيه خلق حسن، كان إذا كره شيئا لم يوقف عليه، وأعرض عنه فغناه ابن جامع، فأعرض عنه، وغنى القوم كلهم، فأقبل يعرض حتى تغنيت، فوافقت ما يشتهي، فصاح: أحسنت أحسنت! اسقوني، فشرب وطرب، فقمت فجلست على البدور، وعلمت أني قد حويتها، فحضر ابن جامع، فأحسن المحضر، وقال: يا أمير المؤمنين، هو والله كما قلت، وما منا أحد إلا وقد ذهب عن طريقك غيره، قال: هي لك، وشرب حتى بلغ حاجته على الصوت، ونهض، فقال: مروا ثلاثة من الفراشين يحملونها معه، فدخل وخرجنا نمشي في الصحن منصرفين، فلحقني ابن جامع، فقلت: جعلت فداك يا أبا القاسم! فعلت ما يفعل مثلك في نسبك، فانظر فيها بما شئت فقال: هنأك الله، وددنا أنا زدناك ولحقنا الموصلي، فقال: أجزنا، فقلت: ولم لم تحسن محضرك! لا والله ولا درهما واحدا.
وذكر محمد بْن عبد الله، قَالَ: قَالَ لي سعيد القارئ العلاف- وكان صاحب أبان القارئ: أنه كان عند موسى جلساؤه، فيهم الحراني وسعيد ابن سلم وغيرهما، وكانت جارية لموسى تسقيهم، وكانت ماجنة، فكانت تقول لهذا: يا جلفي، وتعبث بهذا وهذا، ودخل يزيد بْن مزيد فسمع ما تقول لهم، فقال لها: والله الكبير، لئن قلت لي مثل ما تقولين لهم لأضربنك ضربة بالسيف، فقال لها موسى: ويلك! إنه والله يفعل ما يقول، فإياك قَالَ:
فأمسكت عنه ولم تعابثه قط قَالَ: وكان سعيد العلاف وأبان القارئ إباضيين

(8/227)


وذكر أحمد بْن إبراهيم بْن إسماعيل بْن داود الكاتب، قَالَ: حدثني ابن القداح، قَالَ: كانت للربيع جارية يقال لها أمة العزيز، فائقة الجمال، ناهدة الثديين، حسنة القوام، فأهداها إلى المهدي، فلما رأى جمالها وهيئتها، قَالَ: هذه لموسى أصلح، فوهبها له، فكانت أحب الخلق إليه، وولدت له بنيه الأكابر ثم إن بعض أعداء الربيع قَالَ لموسى: إنه سمع الربيع يقول: ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة العزيز، فغار موسى من ذلك غيرة شديدة، وحلف ليقتلن الربيع، فلما استخلف دعا الربيع في بعض الأيام، فتغدى معه وأكرمه، وناوله كاسا فيها شراب عسل، قَالَ:
فقال الربيع: فعلمت أن نفسي فيها، وأني إن رددت الكأس ضرب عنقي، مع ما قد علمت أن في قلبه علي من دخولي على أمه، وما بلغه عني، ولم يسمع مني عذرا فشربتها وانصرف الربيع إلى منزله، فجمع ولده، وقال لهم: إني ميت في يومي هذا أو من غد، فقال له ابنه الفضل: ولم تقول هذا جعلت فداك! فقال: إن موسى سقاني شربة سم بيده، فأنا أجد عملها في بدني، ثم أوصى بما أراد، ومات في يومه أو من غده ثم تزوج الرشيد أمة العزيز بعد موت موسى الهادي، فأولدها على بن الرشيد.
وزعم الفضل بْن سليمان بْن إسحاق الهاشمي أن الهادي لما تحول إلى عيساباذ في أول السنة التي ولي الخلافة فيها، عزل الربيع عما كان يتولاه من الوزارة وديوان الرسائل، وولى مكانه عمر بْن بزيع، وأقر الربيع على الزمام، فلم يزل عليه الى ان توفى الربيع، وكانت وفاته بعد ولاية الهادي بأشهر، وأوذن بموته فلم يحضر جنازته، وصلى عليه هارون الرشيد، وهو يومئذ ولي عهد، وولى موسى مكان الربيع إبراهيم بْن ذكوان الحراني، واستخلف على ما تولاه إسماعيل بْن صبيح، ثم عزله واستخلف يحيى بْن سليم، وولي إسماعيل زمام ديوان الشام وما يليها.
وذكر يحيى بْن الحسن بْن عبد الخالق، خال الفضل بْن الربيع، أن أباه حدثه، أن موسى الهادي قَالَ: أريد قتل الربيع، فما أدري كيف أفعل به! فقال له سعيد بْن سلم: تأمر رجلا باتخاذ سكين مسموم، وتأمره بقتله، ثم

(8/228)


تأمر بقتل ذلك الرجل قَالَ: هذا الرأي، فأمر رجلا فجلس له في الطريق، وأمره بذلك، فخرج بعض خلفاء الربيع، فقال له: إنه قد أمر فيك بكذا وكذا، فأخذ في غير ذلك الطريق، فدخل منزله، فتمارض، فمرض بعد ذلك ثمانية أيام، فمات ميتة نفسه وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة، وهو الربيع ابن يونس.

(8/229)


خلافة هارون الرشيد
بويع للرشيد هارون بْن محمد بْن عبد الله بْن محمد بْن علي بْن عبد الله بْن العباس بالخلافة ليلة الجمعة الليلة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي وكانت سنة يوم ولي اثنتين وعشرين سنة وقيل كان يوم بويع بالخلافة ابن إحدى وعشرين سنة وأمه أم ولد يمانية جرشية يقال لها خيزران، وولد بالري لثلاث بقين من ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة في خلافة المنصور.
وأما البرامكة فإنها- فيما ذكر- تزعم أن الرشيد ولد أول يوم من المحرم سنة تسع وأربعين ومائة، وكان الفضل بْن يحيى ولد قبله بسبعة أيام، وكان مولد الفضل لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومائة، فجعلت أم الفضل ظئرا للرشيد، وهي زينب بنت منير، فأرضعت الرشيد بلبان الفضل، وأرضعت الخيزران الفضل بلبان الرشيد.
وذكر سليمان بْن أبي شيخ أنه لما كان الليلة التي توفي فيها موسى الهادي أخرج هرثمة بْن أعين هارون الرشيد ليلا فأقعده للخلافة، فدعا هارون يحيى بْن خالد بْن برمك- وكان محبوسا، وقد كان عزم موسى على قتله وقتل هارون الرشيد في تلك الليلة- قَالَ: فحضر يحيى، وتقلد الوزارة، ووجه إلى يوسف بْن القاسم بْن صبيح الكاتب فأحضره، وأمره بإنشاء الكتب، فلما كان غداة تلك الليلة، وحضر القواد قام يوسف بْن القاسم، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وصلى عَلَى مُحَمَّد ص، ثم تكلم بكلام أبلغ فيه، وذكر موت موسى وقيام هارون بالأمر من بعده، وما أمر به للناس من الأعطيات.
وذكر أحمد بْن القاسم، أنه حدثه عمه علي بْن يوسف بْن القاسم هذا الحديث، فقال: حدثني يزيد الطبري مولانا أنه كان حاضرا يحمل دواه ابى يوسف ابن القاسم، فحفظ الكلام قَالَ: قَالَ بعد الحمد لله عز وجل والصلاة على النبي ص:

(8/230)


إن الله بمنه ولطفه من عليكم معاشر أهل بيت نبيه بيت الخلافة ومعدن الرسالة، وأتاكم أهل الطاعة من أنصار الدولة وأعوان الدعوة، من نعمه التي لا تحصى بالعدد، ولا تنقضي مدى الأبد، وأياديه التامة، أن جمع ألفتكم وأعلى أمركم، وشد عضدكم، وأوهن عدوكم، وأظهر كلمة الحق، وكنتم أولى بها وأهلها، فأعزكم الله وكان الله قويا عزيزا، فكنتم أنصار دين الله المرتضى والذابين بسيفه المنتضى، عن اهل بيت نبيه ص وبكم استنقذهم من أيدي الظلمة، أئمة الجور، والناقضين عهد الله، والسافكين الدم الحرام، والآكلين الفيء، والمستأثرين به، فاذكروا ما أعطاكم الله من هذه النعمة، واحذروا أن تغيروا فيغير بكم وإن الله جل وعز استأثر بخليفته موسى الهادي الإمام، فقبضه إليه، وولى بعده رشيدا مرضيا امير المؤمنين رءوفا بكم رحيما، من محسنكم قبولا، وعلى مسيئكم بالعفو عطوفا، وهو- أمتعه الله بالنعمة وحفظ له ما استرعاه إياه من أمر الأمة، وتولاه بما تولى به أولياءه وأهل طاعته- يعدكم من نفسه الرأفة بكم، والرحمة لكم وقسم أعطياتكم فيكم عند استحقاقكم، ويبذل لكم من الجائزة مما أفاء الله على الخلفاء مما في بيوت الأموال ما ينوب عن رزق كذا وكذا شهرا، غير مقاص لكم بذلك فيما تستقبلون من اعطياتكم، وحامل باقي ذلك، للدفع عن حريمكم، وما لعله أن يحدث في النواحي والأقطار من العصاة المارقين إلى بيوت الأموال، حتى تعود الأموال إلى جمامها وكثرتها، والحال التي كانت عليها، فاحمدوا الله وجددوا شكرا يوجب لكم المزيد من إحسانه إليكم، بما جدد لكم من رأي أمير المؤمنين، وتفضل به عليكم، أيده الله بطاعته وارغبوا إلى الله له في البقاء، ولكم به في إدامة النعماء، لعلكم ترحمون وأعطوا صفقة أيمانكم، وقوموا إلى بيعتكم، حاطكم الله وحاط عليكم، وأصلح بكم وعلى أيديكم، وتولاكم ولاية عباده الصالحين وذكر يحيى بْن الحسن بْن عبد الخالق، قَالَ: حدثني محمد بْن هشام

(8/231)


المخزومي، قَالَ: جاء يحيى بْن خالد إلى الرشيد وهو نائم في لحاف بلا إزار، لما توفي موسى، فقال: قم يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: كم تروعني إعجابا منك بخلافتي! وأنت تعلم حالي عند هذا الرجل، فإن بلغه هذا، فما تكون حالي! فقال له: هذا الحراني وزير موسى وهذا خاتمه قَالَ: فقعد في فراشه، فقال: أشر علي، قَالَ: فبينما هو يكلمه إذ طلع رسول آخر، فقال: قد ولد لك غلام، فقال: قد سميته عبد الله، ثم قَالَ ليحيى: أشر علي، فقال: أشير عليك أن تقعد لحالك على أرمينية، قَالَ: قد فعلت، ولا والله لا صليت بعيساباذ إلا عليها، ولا صليت الظهر إلا ببغداد، وإلا ورأس أبي عصمة بين يدي قَالَ: ثم لبس ثيابه، وخرج فصلى عليه، وقدم أبا عصمة، فضرب عنقه، وشد جمته في رأس قناة، ودخل بها بغداد، وذلك أنه كان مضى هو وجعفر بْن موسى الهادي راكبين فبلغا إلى قنطرة من قناطر عيساباذ، فالتفت أبو عصمة إلى هارون، فقال له: مكانك حتى يجوز ولي العهد، فقال هارون: السمع والطاعة للأمير، فوقف حتى جاز جعفر، فكان هذا سبب قتل أبي عصمة.
قَالَ: ولما صار الرشيد إلى كرسي الجسر دعا بالغواصين، فقال: كان المهدي وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار يسمى الجبل، فدخلت على أخي وهو في يدي، فلما انصرفت لحقني سليم الأسود على الكرسي، فقال:
يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم، فرميت به في هذا الموضع فغاصوا، فأخرجوه، فسر به غاية السرور.
قَالَ محمد بْن إسحاق الهاشمي: حدثني غير واحد من أصحابنا، منهم صباح بْن خاقان التميمي، أن موسى الهادي كان خلع الرشيد وبايع لابنه جعفر، وكان عبد الله بْن مالك على الشرط، فلما توفي الهادي هجم خزيمة ابن خازم في تلك الليلة، فأخذ جعفرا من فراشه، وكان خزيمة في خمسة آلاف من مواليه معهم السلاح، فقال: والله لأضربن عنقك أو تخلعها، فلما كان من الغد، ركب الناس إلى باب جعفر، فأتى به خزيمة، فأقامه

(8/232)


على باب الدار في العلو، والأبواب مغلقة، فأقبل جعفر ينادي: يا معشر المسلمين، من كانت لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها، والخلافة لعمي هارون، ولا حق لي فيها.
وكان سبب مشي عبد الله بْن مالك الخزاعي إلى مكة على اللبود، لأنه كان شاور الفقهاء في أيمانه التي حلف بها لبيعة جعفر، فقالوا له: كل يمين لك تخرج منها إلا المشي إلى بيت الله، ليس فيه حيلة فحج ماشيا وحظي خزيمة بذلك عند الرشيد وذكر أن الرشيد كان ساخطا على إبراهيم الحراني وسلام الأبرش يوم مات موسى، فأمر بحبسهما وقبض أموالهما، فحبس إبراهيم عند يحيى بْن خالد في داره، فكلم فيه محمد بْن سليمان هارون، وسأله الرضا عنه وتخلية سبيله، والإذن له في الانحدار معه إلى البصرة، فأجابه إلى ذلك.
وفي هذه السنة عزل الرشيد عمر بْن عبد العزيز العمري عن مدينة الرسول ص، وما كان إليه من عملها، وولى ذلك إسحاق بن سليمان ابن علي.
وفيها ولد محمد بْن هارون الرشيد، وكان مولده- فيما ذكر أبو حفص الكرماني عن محمد بْن يحيى بْن خالد- يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال من هذه السنة، وكان مولد المأمون قبله في ليله الجمعه النصف من شهر ربيع الأول.
وفيها قلد الرشيد يحيى بْن خالد الوزارة، وقال له: قد قلدتك أمر الرعية، وأخرجته من عنقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، واعزل من رأيت، وأمض الأمور على ما ترى ودفع إليه خاتمه، ففي ذلك يقول إبراهيم الموصلي:
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة ... فلما ولي هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندى ... فهارون واليها ويحيى وزيرها

(8/233)


وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور، وكان يحيى يعرض عليها ويصدر عن رأيها.
وفيها أمر هارون بسهم ذوي القربى، فقسم بين بني هاشم بالسوية.
وفيها آمن من كان هاربا أو مستخفيا، غير نفر من الزنادقة، منهم يونس بْن فروة ويزيد بْن الفيض.
وكان ممن ظهر من الطالبيين طباطبا، وهو إبراهيم بْن إسماعيل، وعلي بْن الحسن بْن إبراهيم بْن عبد الله بْن الحسن.
وفيها عزل الرشيد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين، وجعلها حيزا واحدا وسميت العواصم.
وفيها عمرت طرسوس على يدي أبي سليم فرج الخادم التركي ونزلها الناس.
وحج بالناس في هذه السنة هارون الرشيد من مدينة السلام، فأعطى أهل الحرمين عطاء كثيرا، وقسم فيهم مالا جليلا.
وقد قيل: إنه حج في هذه السنة وغزا فيها، وفي ذلك يقول داود بْن رزين:
بهارون لاح النور في كل بلدة ... وقام به في عدل سيرته النهج
إمام بذات الله أصبح شغله ... وأكثر ما يعنى به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عن نور وجهه ... إذا ما بدا للناس منظره البلج
وإن أمين الله هارون ذا الندى ... ينيل الذي يرجوه أضعاف ما يرجو
وغزا الصائفة في هذه السنة سليمان بْن عبد الله البكائي.
وكان العامل فيها على المدينة إسحاق بْن سليمان الهاشمي، وعلى مكة والطائف عبيد الله بْن قثم، وعلى الكوفة موسى بْن عيسى، وخليفته عليها ابنه العباس بْن موسى، وعلى البصرة والبحرين والفرض وعمان واليمامة وكور الأهواز وفارس محمد بْن سليمان بن على.

(8/234)


ثم دخلت

سنة إحدى وسبعين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كان فيها من ذلك قدوم أبي العباس الفضل بْن سليمان الطوسي مدينة السلام منصرفا عن خراسان، وكان خاتم الخلافة حين قدم مع جعفر بْن محمد بْن الأشعث، فلما قدم أبو العباس الطوسي أخذه الرشيد منه، فدفعه إلى أبي العباس، ثم لم يلبث أبو العباس إلا يسيرا حتى توفي، فدفع الخاتم إلى يحيى بْن خالد، فاجتمعت ليحيى الوزارتان.
وفيها قتل هارون أبا هريرة محمد بْن فروخ- وكان على الجزيرة- فوجه إليه هارون أبا حنيفة حرب بْن قيس، فقدم به عليه مدينة السلام، فضرب عنقه في قصر الخلد.
وفيها أمر هارون بإخراج من كان في مدينة السلام من الطالبيين إلى مدينه الرسول ص، خلا العباس بْن الحسن بْن عبد الله بن على ابن أبي طالب، وكان أبوه الحسن بْن عبد الله فيمن أشخص.
4 وخرج الفضل بْن سعيد الحروري فقتله أبو خالد المروروذي.
وفي هذه السنة كان قدوم روح بْن حاتم إفريقية، وخرجت في هذه السنة الخيزران إلى مكة في شهر رمضان، فأقامت بها إلى وقت الحج فحجت.
وحج بالناس في هذه السنة عبد الصمد بْن علي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس.

(8/235)


ثم دخلت

سنة اثنتين وسبعين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك شخوص الرشيد فيها إلى مرج القلعة مرتادا بها منزلا ينزله.
ذكر السبب في ذلك:
ذكر أن الذي دعاه إلى الشخوص إليها أنه استثقل مدينة السلام، فكان يسميها البخار، فخرج إلى مرج القلعة، فاعتل بها، فانصرف، وسميت تلك السفرة سفرة المرتاد.
وفيها عزل الرشيد يزيد بْن مزيد عن أرمينية، وولاها عبيد الله بْن المهدي.
وغزا الصائفة فيها إسحاق بْن سليمان بْن علي.
وحج بالناس في هذه السنة يعقوب بْن أبي جعفر المنصور.
وفيها وضع هارون عن أهل السواد العشر الذي كان يؤخذ منهم بعد النصف

(8/236)


ثم دخلت

سنة ثلاث وسبعين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر خبر وفاه محمد بن سليمان
فمن ذلك وفاة محمد بْن سليمان بالبصرة، لليال بقين من جمادى الآخرة منها.
وذكر أنه لما مات محمد بْن سليمان وجه الرشيد إلى كل ما خلفه رجلا أمره باصطفائه، فأرسل إلى ما خلف من الصامت من قبل صاحب بيت ماله رجلا، وإلى الكسوة بمثل ذلك، وإلى الفرش والرقيق والدواب من الخيل والإبل، وإلى الطيب والجوهر وكل آلة برجل من قبل الذي يتولى كل صنف من الأصناف، فقدموا البصرة، فأخذوا جميع ما كان لمحمد مما يصلح للخلافة، ولم يتركوا شيئا إلا الخرثي الذي لا يصلح للخلفاء، وأصابوا له ستين ألف ألف، فحملوها مع ما حمل، فلما صارت في السفن أخبر الرشيد بمكان السفن التي حملت ذلك، فأمر أن يدخل جميع ذلك خزائنه إلا المال، فإنه أمر بصكاك فكتبت للندماء، وكتبت للمغنين صكاك صغار لم تدر في الديوان، ثم دفع إلى كل رجل صكا بما رأى أن يهب له، فأرسلوا وكلاءهم إلى السفن، فأخذوا المال على ما أمر لهم به في الصكاك أجمع، لم يدخل منه بيت ماله دينار ولا درهم، واصطفى ضياعه، وفيها ضيعة يقال لها برشيد بالأهواز لها غلة كثيرة.
وذكر علي بْن محمد، عن أبيه، قَالَ: لما مات محمد بْن سليمان اصيب في خزانه لباسه مذ كان صبيا في الكتاب إلى أن مات مقادير السنين، فكان من ذلك ما عليه آثار النقس، قَالَ: وأخرج من خزانته ما كان يهدى له من بلاد السند ومكران وكرمان وفارس والأهواز واليمامة والري وعمان، من الالطاف والادهان والسمك والحبوب والجبن، وما أشبه ذلك، ووجد اكثره فاسدا وكان من ذلك خمسمائة كنعدة ألقيت من دار جعفر

(8/237)


ومحمد في الطريق، فكانت بلاء قَالَ: فمكثنا حينا لا نستطيع أن نمر بالمربد من نتنها
. ذكر وفاه الخيزران أم الهادي والرشيد
وفيها توفيت الخيزران أم هارون الرشيد وموسى الهادي.
ذكر الخبر عن وقت وفاتها:
ذكر يحيى بْن الحسن أن أباه حدثه، قَالَ: رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران، وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائة، وعليه جبة سعيديه وطيلسان خرق أزرق، قد شد به وسطه، وهو آخذ بقائمة السرير حافيا يعدو في الطين، حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه، ثم دعا بخف وصلى عليها، ودخل قبرها، فلما خرج من المقبرة وضع له كرسي فجلس عليه، ودعا الفضل بْن الربيع، فقال له: وحق المهدي- وكان لا يحلف بها إلا إذا اجتهد- إني لأهم لك من الليل بالشيء من التولية وغيرها، فتمنعني أمي فأطيع أمرها، فخذ الخاتم من جعفر فقال الفضل بْن الربيع لإسماعيل بْن صبيح: أنا أجل أبا الفضل عن ذلك، بأن أكتب إليه وآخذه، ولكن إن رأى أن يبعث به! قَالَ وولى الفضل نفقات العامة والخاصة وبادوريا والكوفة، وهي خمسة طساسيج، فأقبلت حالة تنمى إلى سنة سبع وثمانين ومائة.
وقيل إن وفاة محمد بْن سليمان والخيزران كانت في يوم واحد.
وفيها أقدم الرشيد جعفر بْن محمد بْن الأشعث من خراسان، وولاها ابنه العباس بْن جعفر بْن محمد بْن الأشعث.
وحج بالناس فيها هارون، وذكر أنه خرج محرما من مدينة السلام.

(8/238)