تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر خبر حمل الطالبيين من بغداد الى سامرا
وفيها حمل محمد بن علي بن خلف العطار وجماعة من الطالبيين من بغداد إلى سامرا، فيهم أبو أحمد محمد بن جعفر بن حسن بن جعفر بْن حسن بْن

(9/369)


حسن بن علي بن أبي طالب، وحمل معهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وذلك لثمان خلون من شعبان منها ذكر السبب في حملهم:
وكان السبب- فيما ذكر- أن رجلا من الطالبيين شخص من بغداد في جماعة من الجيشية والشاكرية إلى ناحية الكوفة، وكانت الكوفة وسوادها من عمل أبي الساج في تلك الأيام، وكان مقيما ببغداد لمناظرة ابن طاهر إياه في الخروج إلى الري، فلما بلغ ابن طاهر خبر الطالبي الشاخص من بغداد إلى ناحية الكوفة، أمر أبا الساج بالشخوص إلى عمله بالكوفة، فقدم أبو الساج خليفته عبد الرحمن إلى الكوفة، فلقي أبا الساج أبو هاشم الجعفري مع جماعة معه من الطالبيين ببغداد، فكلموه في أمر الطالبي الشاخص إلى الكوفة، فقال لهم أبو الساج: قولوا له يتنحى عني، ولا أراه فلما صار عبد الرحمن خليفة أبي الساج إلى الكوفة ودخلها رمي بالحجارة حتى صار إلى المسجد، فظنوا أنه جاء لحرب العلوي، فقال لهم: إني لست بعامل، إنما أنا رجل وجهت لحرب الأعراب، فكفوا عنه، وأقام بالكوفة وكان أبو أحمد محمد بن جعفر الطالبي الذى ذكرت انه حمل من الطالبيين إلى سامرا كان المعتز ولاه الكوفة بعد ما هزم مزاحم بن خاقان العلوي الذي كان وجه لقتاله بها الذي قد مضى ذكره قبل في موضعه، فعاث- فيما ذكر- أبو أحمد هذا في نواحي الكوفة وآذى الناس، وأخذ أموالهم وضياعهم فلما أقام خليفة أبي الساج بالكوفة لطف لأبي أحمد العلوي هذا وآنسه حتى خالطه في المؤاكلة والمشاربة، وداخله ثم خرج متنزها معه إلى بستان من بساتين الكوفة، فأمسى وقد عبى له عبد الرحمن اصحابه، فقيده وحمله مقيدا بالليل على بغال الدخول، حتى ورد به بغداد في أول شهر ربيع الآخر، فلما أتي به محمد بن عبد الله حبسه عنده، ثم أخذ منه كفيلا وأطلقه، ووجدت مع ابن أخ لمحمد بن علي بن خلف العطار كتب من الحسن بن زيد، فكتب بخبره إلى المعتز، فورد الكتاب بحمله مع عتاب بن عتاب، وحمل هؤلاء الطالبيين، فحملوا جميعا

(9/370)


مع خمسين فارسا، وحمل أبو أحمد هذا وأبو هاشم الجعفري وعلي بن عبيد الله ابن عبد الله بن حسن بن جعفر بْن حسن بْن حسن بْن علي بْن أبي طالب، وتحدث الناس في علي بن عبيد الله أنه إنما استأذن في المصير إلى منزله بسامرا، فأذن له ووصله- فيما قيل- محمد بن عبد الله بألف درهم، لأنه شكا إليه ضيقه، وودع أبو هاشم أهله.
وقيل إن سبب حمل أبي هاشم، إنما كان ابن الكردية وعبد الله بن داود بن عيسى بن موسى قالا للمعتز: إنك إن كتبت إلى محمد بن عبد الله في حمل داود بن القاسم لم يحمله، فاكتب إليه، وأعلمه أنك تريد توجيهه إلى طبرستان لإصلاح أمرها، فإذا صار إليك رأيت فيه رأيك، فحمل على هذا السبيل ولم يعرض له بمكروه.
وفيها ولي الحسن بن أبي الشوارب قضاء القضاة، وكان محمد بن عمران الضبي مؤدب المعتز قد سمى رجالا للمعتز للقضاء نحو ثمانية رجال، فيهم الخلنجي والخصاف، وكتب كتبهم، فوقع فيه شفيع الخادم ومحمد بن إبراهيم بن الكردية وعبد السميع بن هارون بن سليمان بن أبي جعفر، وقالوا:
انهم من اصحاب ابن ابى داود، وهم رافضة وقدرية وزيدية وجهمية.
فأمر المعتز بطردهم وإخراجهم إلى بغداد، ووثب العامة بالخصاف، وخرج الآخرون إلى بغداد، وعزل الضبي إلا عن المظالم.
وذكر أن أرزاق الأتراك والمغاربة والشاكرية قدرت في هذه السنة، فكان مبلغ ما يحتاجون إليه في السنة مائتي ألف ألف دينار، وذلك خراج المملكة كلها لسنتين.
وفيها توجه أبو الساج إلى طريق مكة، وكان سبب ذلك- فيما ذكر- إن وصيفا لما صلح أمره، ودفع المعتز اليه خاتمه كتب إلى أبي الساج يأمره

(9/371)


بالخروج إلى طريق مكة ليصلحه، ووجه إليه من المال ما يحتاج إليه، فأخذ في الجهاز، فكتب محمد بن عبد الله يسأل أن يصير طريق مكة إليه، فأجيب إلى ذلك، فوجه أبا الساج من قبله.
وفي أول ذي الحجة عقد لعيسى بن الشيخ بن السليل على الرملة، فأنفذ خليفته أبا المغراء إليها، فقيل: أنه أعطى بغا أربعين ألف دينار على ذلك، أو ضمنها إليه.
وفيها كتب وصيف إلى عبد العزيز بن أبي دلف بتوليته الجبل، وبعث إليه بخلع، فتولى ذلك من قبله.
وفيها قتل محمد بن عمرو الشاري بديار ربيعة، قتله خليفة لأيوب بن أحمد في ذي القعدة.
وفيها سخط على كنجور، وأمر بحبسه في الجوسق، ثم حمل إلى بغداد مقيدا، ثم وجه به إلى اليمامة فحبس هنالك وفيها أغار ابن جستان صاحب الديلم مع أحمد بن عيسى العلوي والحسين ابن احمد الكوكبى على الري فقتلوا وسبوا، وكان ما بها حين قصدوها عبد الله ابن عزيز، فهرب منها، فصالحهم أهل الري على الفى درهم، فأدوها، وارتحل عنها ابن جستان، وعاد إليها ابن عزيز، فأسر أحمد بن عيسى وبعث به إلى نيسابور.
وفيها مات إسماعيل بن يوسف الطالبي الذي كان فعل بمكة ما فعل.
وحج فيها بالناس محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور من قبل المعتز.

(9/372)


ثم دخلت

سنه ثلاث وخمسين ومائتين

ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث
فمن ذلك ما كان من عقد المعتز في اليوم الرابع من رجب لموسى بن بغا الكبير على الجبل، ومعه من الجيش يومئذ من الأتراك ومن يجري مجراهم الفان وأربعمائة وثلاثة وأربعون رجلا، منهم مع مفلح ألف ومائه وثلاثون رجلا.

ذكر خبر أخذ الكرج من ابن ابى دلف
وفيها أوقع مفلح وهو على مقدمة موسى بن بغا بعبد العزيز بن أبي دلف لثمان ليال بقين من رجب من هذه السنة وعبد العزيز في زهاء عشرين ألفا من الصعاليك وغيرهم، وكانت الوقعة بينهما- فيما قيل- خارج همذان على نحو من ميل، فهزمه مفلح ثلاثة فراسخ يقتلون ويأسرون، ثم رجع مفلح ومن معه سالمين، وكتب بالفتح في ذلك اليوم فلما كان في شهر رمضان عبا مفلح خيله نحو الكرج، وجعل لهم كمنين، ووجه عبد العزيز عسكرا فيه أربعة آلاف فقاتلهم مفلح، وخرج كمين مفلح على أصحاب عبد العزيز فانهزموا، ووضع أصحاب مفلح فيهم السيف، فقتلوا وأسروا، وأقبل عبد العزيز معينا لأصحابه، فانهزم بانهزام أصحابه، وترك الكرج، ومضى إلى قلعة له في الكرج يقال له زز، متحصنا بها، ودخل مفلح الكرج، فأخذ جماعة من آل أبي دلف أسرا، وأخذ نساء من نسائهم، يقال أنه كان فيهم أم عبد العزيز، فأوثقهم.
وذكر أنه وجه سبعين حملا من الرءوس إلى سامرا وأعلاما كثيرة.
وشخص فيها موسى بن بغا من سامرا إلى همذان فنزلها.
وفيها خلع المعتز على بغا الشرابي في شهر رمضان، وألبسه التاج والوشاحين، فخرج فيهما الى منزله.

(9/373)


ذكر الخبر عن قتل وصيف
وفيها قتل وصيف التركي، وذلك لثلاث بقين من شوال منها، وكان السبب في ذلك- فيما ذكر- أن الأتراك والفراغنة والأشروسنية شغبوا وطلبوا أرزاقهم لاربعه اشهر، فخرج إليهم بغا ووصيف وسيما الشرابي في نحو من مائة إنسان من أصحابهم، فكلمهم وصيف، وقال: ما تريدون؟ قالوا:
أرزاقنا، فقال: خذوا ترابا، وهل عندنا مال! وقال بغا: نعم، نسأل أمير المؤمنين في ذلك، ونتناظر في دار أشناس، وينصرف عنكم من ليس منكم، فدخلوا دار أشناس، ومضى سيما الشرابي منصرفا الى سامرا، ثم تبعه بغا لاستمار الخليفة في إعطائهم، وكان وصيف في أيديهم، فوثب عليه بعضهم، فضربه بالسيف ضربتين، ووجأه آخر بسكين، فاحتمله نوشري بن طاجبك- وهو أحد قواده- إلى منزله، فلما أبطأ عليهم بغا ظنوا انهم في التعبئة عليهم، فاستخرجوه من منزل نوشري، فضربوه بالطبرزينات حتى كسروا عضديه، ثم ضربوا عنقه، ونصبوا رأسه على محراك تنور، وقصدت العامة بسامرا الانتهاب لمنازل وصيف وولده، فرجع بنو وصيف، فمنعوا منازلهم، ثم جعل المعتز ما كان إلى وصيف من الأمور إلى بغا الشرابي.

ذكر الخبر عن قتل بندار الطبرى
وفي يوم الفطر من هذه السنة قتل بندار الطبري.
ذكر سبب قتله:
فكان سبب ذلك أنه حكم بالبوازيج محكم يدعى مساور بن عبد الحميد، في رجب من هذه السنة، فوجه المعتز إليه في شهر رمضان ساتكين، فمال إلى ناحية طريق خراسان، فوجه محمد بن عبد الله إليه، وذلك أن طريق خراسان كان إليه بندار ومظفر بن سيسل مسلحة، فلما صارا بدسكرة الملك أقاما، فذكر أن بندار خرج في آخر يوم من شهر رمضان متصيدا، فبعد في

(9/374)


طلب الصيد حتى جاوز دور الدسكرة بنحو فرسخ، فبينا هو كذلك، إذ نظر إلى علمين مقبلين معهما جماعة مقبلة نحو الدسكرة، فوجه بعض أصحابه لينظر ما الأعلام، فأخبره صاحب الجماعة أنه عامل كرخ جدان، وأنه انتهى إليه أن رجلا يقال له مساور بن عبد الحميد من الدهاقين من أهل البوازيج شرى، وأنه بلغه أنه يصير إلى كرخ جدان، فلما بلغه ذلك خرج هاربا إلى الدسكرة ليأنس بقرب بندار ومظفر، فانصرف بندار من ساعته إلى المظفر فقال له: إن الشاري يقصد كرخ جدان، ويريدنا، فامض بنا نلقاه، فقال له المظفر: قد أمسينا ونريد أن نصلي الجمعة، وغدا العيد، فإذا انقضى العيد قصدناه فأبى بندار، ومضى من ساعته طمعا بالمظفر الشاري وحده دون مظفر، فأقام مظفر ولم يبرح من الدسكرة- وبين الدسكرة وتل عكبراء ثمانية فراسخ، وبين تل عكبراء وموضع الوقعة أربعة فراسخ- فصار بندار إلى تل عكبراء، فوافاها عند العتمة ليلة الفطر فعلف دوابه شيئا، ثم ركب، فسار حتى أشرف على عسكر الشاري ليلا وهم يصلون ويقرءون القرآن، فأشار عليه بعض أصحابه وخاصته أن يبيتهم وهم غارون، فأبى وقال: لا، حتى أنظر إليهم وينظروا إلي فوجه فارسين أو ثلاثة ليأتوه بخبرهم، فلما قربوا من عسكرهم نذروا بهم، فصاحوا: السلاح! وركبوا فتواقفوا إلى أن أصبحوا، ثم اقتتلوا، فلم يمكن أصحاب بندار أن يرموا بسهم واحد، وكانوا زهاء ثلاثمائة فارس وراجل فعباهم ميمنة وميسرة وساقة، وأقام هو في القلب، فحمل عليهم مساور وأصحابه، فثبت لهم بندار وأصحابه، ثم انحدر لهم الشراة عن موضع عسكرهم ومبيتهم، ليطمع بندار وأصحابه في النهب، فلم يعرض بندار وأصحابه لعسكرهم ثم كر الشراة عليهم بالسيوف والرماح، وهم زهاء سبعمائة، فصبر الفريقان، فصار الشراة إلى السيوف دون الرماح، فقتل من الشراة نحو من خمسين رجلا، ومن أصحاب بندار مثلهم، ثم حمل الشراة حملة، فاقتطعوا من أصحاب بندار نحوا من

(9/375)


مائة رجل، فصبر لهم المائة ساعة، ثم قتلوا جميعا، وانهزم بندار وأصحابه، فجعلوا يقتطعونهم قطعة بعد قطعة فيقتلونهم وأمعن بندار في الهرب، فطلبوه فلحقوه بقرب تل عكبراء على قدر أربعة فراسخ من موضع الوقعة، فقتلوه ونصبوا رأسه، ونجا من أصحاب بندار نحو من خمسين رجلا- وقيل مائة رجل- انحازوا عن الوقعة عند اشتغال الخوارج بمن كانوا يقتطعون منهم، وانتهى خبره إلى مظفر وهو مقيم بالدسكرة، فتنحى من الدسكرة إلى ما قرب من بغداد، ووصل خبر مقتله إلى محمد بن عبد الله بغد الفطر، فذكر أنه لم يشرب ولم يله كما كان يفعل، غما بما ورد عليه من مقتله.
ثم مضى مساور من فوره إلى حلوان، فخرج اليه أهلها فقاتلوه، فقتل منهم أربعمائة إنسان، وقتلوا جماعة من أصحاب الشاري، وقتل عدة من حجاج خراسان كانوا بحلوان، فأعانوا اهل حلوان، ثم انصرفوا عنهم