تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ثم دخلت
سنه ثمانين ومائتين
ذكر الخبر عن الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا
فمن ذلك ما كان من أخذ المعتضد عبد الله بن المهتدى ومحمد بن الحسن بن
سهل المعروف بشيلمه- وكان شيلمه هذا مع صاحب الزنج الى آخر ايامه، ثم
لحق بالموفق في الامان فآمنه- وكان سبب اخذه إياهما ان بعض المستأمنة
سعى به الى المعتضد، واعلمه انه يدعو الى رجل لم يوقف على اسمه، وانه
قد استفسد جماعه من الجند وغيرهم، وأخذ معه رجل صيدنانى وابن أخ له من
المدينة، فقرره المعتضد فلم يقر بشيء، وساله عن الرجل الذى يدعو اليه،
فلم يقر بشيء، وقال: لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، ولو عملتنى
كردناك لما اخبرتك به، فامر بنار فاوقدت، ثم شد على خشبة من خشب الخيم،
وادير على النار حتى تقطع جلده، ثم ضربت عنقه، وصلب عند الجسر الأسفل
في الجانب الغربي.
وحبس ابن المهتدى الى ان وقف على براءته، فاطلق، وكان صلبه لسبع خلون
من المحرم.
فذكر ان المعتضد قال لشيلمه: قد بلغنى انك تدعو الى ابن المهتدى، فقال:
الماثور عنى غير هذا، وانى اتولى آل ابن ابى طالب- وقد كان قرر ابن
أخيه فاقر- فقال له: قد اقر ابن أخيك، فقال له: هذا غلام حدث تكلم بهذا
خوفا من القتل، ولا يقبل قوله ثم اطلق ابن أخيه والصيدناني بعد مده
طويله
. ذكر خبر قصد المعتضد بنى شيبان وصلحه
معهم
ولليلة خلت من صفر يوم الأحد شخص المعتضد من بغداد يريد بنى شيبان،
فنزل بستان بشر بن هارون، ثم سار يوم الأربعاء منه، واستخلف على داره
(10/32)
وبغداد صالحا الامين حاجبه، فقصد الموضع
الذى كانت شيبان تتخذه معقلا من ارض الجزيرة، فلما بلغهم قصده إياهم،
ضموا اليهم أموالهم وعيالاتهم.
ثم ورد كتاب المعتضد انه اسرى الى الاعراب من السن، فاوقع بهم، فقتل
منهم مقتلة عظيمة، وغرق منهم خلق كثير في الزابين، وأخذ النساء
والذراري، وغنم اهل العسكر من أموالهم ما اعجزهم حمله، وأخذ من غنمهم
وابلهم ما كثر في أيدي الناس حتى بيعت الشاه بدرهم والجمل بخمسه دراهم،
وامر بالنساء والذراري ان يحفظوا حتى يحدروا الى بغداد ثم مضى المعتضد
الى الموصل، ثم الى بلد، ثم رجع الى بغداد، فلقيه بنو شيبان يسالونه
الصفح عنهم، وبذلوا له الرهائن، فاخذ منهم خمسمائة رجل- فيما قيل ورجع
المعتضد يريد مدينه السلام، فوافاه احمد بن ابى الأصبغ بما فارق عليه
احمد ابن عيسى بن الشيخ من المال الذى اخذه من مال إسحاق بن كنداج،
وبهدايا ودواب وبغال في يوم الأربعاء لسبع خلون من شهر ربيع الاول.
[أخبار متفرقة]
وفي شهر ربيع الاول ورد الخبر بان محمد بن ابى الساج افتتح المراغه بعد
حصار شديد وحرب غليظه كانت بينهم، وانه أخذ عبد الله بن الحسين بعد ان
آمنه واصحابه، فقيده وحبسه، وقرره بجميع أمواله، ثم قتله بعد وفي شهر
ربيع الآخر ورد الخبر بوفاه أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف.
وكانت وفاته في آخر شهر ربيع الاول، فطلب الجند أرزاقهم، وانتهبوا منزل
اسماعيل بن محمد المنشئ، وتنازع الرئاسة عمر وبكر ابنا عبد العزيز، ثم
قام بالأمر عمر، ولم يكتب اليه المعتضد بالولاية.
وفيها افتتح محمد بن ثور عمان، وبعث برءوس جماعه من أهلها.
وذكر ان جعفر بن المعتمد توفى في يوم الأحد لاثنتى عشره خلت من شهر
ربيع الآخر منها، وانه كان مقامه في دار المعتضد لا يخرج ولا يظهر، وقد
كان المعتضد نادمه مرارا
(10/33)
وفيها انصرف المعتضد الى بغداد من خرجته
الى الاعراب.
وفيها، في جمادى الآخرة ورد الخبر بدخول عمرو بن الليث نيسابور، في
جمادى الاولى منها.
وفيها وجه يوسف بن ابى الساج اثنين وثلاثين نفسا من الخوارج، من طريق
الموصل، فضربت اعناق خمسه وعشرين رجلا منهم، وصلبوا، وحبس سبعه منهم في
الحبس الجديد.
وفيها دخل احمد بن أبا طرسوس لغزاه الصائفه، لخمس خلون من رجب من قبل
خمارويه، ودخل بعده بدر الحمامي، فغزوا جميعا مع العجيفى امير طرسوس
حتى بلغوا البلقسور وفيها ورد الخبر بغزو اسماعيل بن احمد بلاد الترك
وافتتاحه- فيما ذكر- مدينه ملكهم، واسره اياه وامراته خاتون ونحوا من
عشره آلاف، وقتل منهم خلقا كثيرا، وغنم من الدواب دواب كثيره لا يوقف
على عددها، وانه أصاب الفارس من المسلمين من الغنيمه في المقسم الف
درهم ولليلتين بقيتا من شهر رمضان منها، توفى راشد مولى الموفق
بالدينور، وحمل في تابوت الى بغداد.
ولثلاث عشره خلت من شوال منها مات مسرور البلخى وفيها- فيما ذكر- في ذي
الحجه ورد كتاب من دبيل بانكساف القمر في شوال لاربع عشره خلت منها، ثم
تجلى في آخر الليل، فأصبحوا صبيحة تلك الليلة والدنيا مظلمه، ودامت
الظلمه عليهم، فلما كان عند العصر هبت ريح سوداء شديده، فدامت الى ثلث
الليل، فلما كان ثلث الليل زلزلوا، فأصبحوا وقد ذهبت المدينة فلم ينج
من منازلها الا اليسير، قدر مائه دار، وانهم دفنوا الى حين كتب الكتاب
ثلاثين الف نفس يخرجون من تحت الهدم،
(10/34)
ويدفنون، وانهم زلزلوا بعد الهدم خمس مرات.
وذكر عن بعضهم ان جمله من اخرج من تحت الهدم خمسون ومائه الف ميت.
وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر محمد بن هارون المعروف بابن ترنجه.
(10/35)
ثم دخلت
سنه احدى وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث
فمن ذلك ما كان من موافاه ترك بن العباس عامل السلطان على ديار مضر
مدينه السلام لتسع خلون من المحرم بنيف واربعين نفسا من اصحاب ابى
الأغر صاحب سميساط، على جمال، عليهم برانس ودراريع حرير.
فمضى بهم الى دار المعتضد، ثم ردوا الى الحبس الجديد فحبسوا به، وخلع
على ترك، وانصرف الى منزله.
وفيها ورد الخبر بوقعه كانت لوصيف خادم ابن ابى الساج بعمر بن عبد
العزيز بن ابى دلف وهزيمته اياه، ثم صار وصيف الى مولاه محمد ابن ابى
الساج، في شهر ربيع الآخر منها.
وفيها دخل طغج بن جف طرسوس لغزاه الصائفه من قبل خمارويه يوم الخميس
للنصف من جمادى الآخرة- فيما قيل- وغزا، فبلغ طرايون، وفتح ملوريه.
ولخمس ليال بقين من جمادى الآخرة مات احمد بن محمد الطائي بالكوفه،
ودفن بها في موضع يقال له مسجد السهله.
وفيها غارت المياه بالري وطبرستان.
ولليلتين خلتا من رجب منها شخص المعتضد الى الجبل، فقصد ناحيه الدينور،
وقلد أبا محمد على بن المعتضد الري وقزوين وزنجان وابهر وقم وهمذان
والدينور، وقلد كتبته احمد بن ابى الأصبغ، ونفقات عسكره والضياع بالري
الحسين بن عمرو النصراني، وقلد عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان
ونهاوند والكرج، وتعجل للانصراف من اجل غلاء السعر
(10/36)
وقله الميرة، فوافى بغداد يوم الأربعاء
لثلاث خلون من شهر رمضان.
وفيها استامن الحسن بن على كوره عامل رافع على الري الى على بن المعتضد
في زهاء الف رجل، فوجهه الى ابيه المعتضد.
وفيها دخل الاعراب سامرا فأسروا ابن سيما انف في ذي القعده منها
وانتهبوا.
ذكر خبر الوقعه بين الأكراد والاعراب
ولست ليال بقين من ذي القعده خرج المعتضد الخرجه الثانيه الى الموصل
عامدا لحمدان بن حمدون، وذلك انه بلغه انه مايل هارون الشاري الوازقى،
ودعا له فورد كتاب المعتضد من كرخ جدان على نجاح الحرمي الخادم بالوقعه
بينه وبين الاعراب والأكراد، وكانت يوم الجمعه سلخ ذي القعده:
بسم الله الرحمن الرحيم كتابي هذا وقت العتمه ليله الجمعه، وقد نصر
الله- وله الحمد- على الأكراد والاعراب، واظفرنا بعالم منهم
وبعيالاتهم، ولقد رايتنا ونحن نسوق البقر والغنم كما كنا نسوقها عاما
أولا، ولم تزل الأسنة والسيوف تأخذهم، وحال بيننا وبينهم الليل، واوقدت
النيران على رءوس الجبال، ومن غد يومنا، فيقع الاستقصاء، وعسكرى يتبعني
الى الكرخ وكان وقاعنا بهم وقتلنا إياهم خمسين ميلا، فلم يبق منهم مخبر
والحمد لله كثيرا، فقد وجب الشكر لله علينا والحمد لله رب العالمين،
وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم كثيرا.
وكانت الاعراب والأكراد لما بلغهم خروج المعتضد، تحالفوا انهم يقتلون
على دم واحد، واجتمعوا، وعبوا عسكرهم ثلاثة كراديس، كردوسا دون كردوس،
وجعلوا عيالاتهم وأولادهم في آخر كردوس، وتقدم المعتضد عسكره في خيل
جريدة، فاوقع بهم، وقتل منهم، وغرق في الزاب منهم
(10/37)
خلق كثير، ثم خرج الى الموصل عامدا لقلعه
ماردين، وكانت في يد حمدان ابن حمدون، فلما بلغه مجيء المعتضد هرب وخلف
ابنه بها، فنزل عسكر المعتضد على القلعة، فحاربهم من كان فيها يومهم
ذلك، فلما كان من الغد ركب المعتضد، فصعد القلعة حتى وصل الى الباب، ثم
صاح: يا بن حمدون، فأجابه: لبيك! فقال له: افتح الباب، ويلك! ففتحه،
فقعد المعتضد في الباب، وامر من دخل فنقل ما في القلعة من المال
والأثاث، ثم امر بهدمها فهدمت، ثم وجه خلف حمدان بن حمدون، فطلب أشد
الطلب، وأخذت اموال كانت له مودعه، وجيء بالمال الى المعتضد، ثم ظفر به
ثم مضى المعتضد الى مدينه يقال لها الحسنيه، وفيها رجل يقال له شداد،
في جيش كثيف، ذكر انهم عشره آلاف رجل، وكان له قلعه في المدينة فظفر به
المعتضد، فأخذه فهدم قلعته.
وفيها ورد الخبر من طريق مكة انه أصاب الناس في المصعد برد شديد ومطر
جود وبرد اصيب فيه اكثر من خمسمائة انسان وفي شوال منها غزا المسلمون
الروم، فكانت بينهم الحرب اثنى عشر يوما، فظفر المسلمون وغنموا غنيمه
كثيره وانصرفوا.
(10/38)
ثم دخلت
سنه اثنتين وثمانين ومائتين
(ذكر الاحداث التي كانت فيها)
ذكر امر النيروز المعتضدي
فمن ذلك ما كان من امر المعتضد في المحرم منها بإنشاء الكتب الى جميع
العمال في النواحي والأمصار بترك افتتاح الخراج في النيروز الذى هو
نيروز العجم، وتاخير ذلك الى اليوم الحادي عشر من حزيران، وسمى ذلك
النيروز المعتضدي، فانشئت الكتب بذلك من الموصل والمعتضد بها، وورد
كتابه بذلك على يوسف بن يعقوب يعلمه انه اراد بذلك الترفيه على الناس،
والرفق بهم، وامر ان يقرا كتابه على الناس، ففعل.
وفيها قدم ابن الجصاص من مصر بابنه ابى الجيش خمارويه بن احمد بن طولون
التي تزوجها المعتضد، ومعها احد عمومتها، فكان دخولهم بغداد يوم الأحد
لليلتين خلتا من المحرم، وادخلت للحرم ليله الأحد، ونزلت في دار صاعد
ابن مخلد، وكان المعتضد غائبا بالموصل.
وفيها منع الناس من عمل ما كانوا يعملون في نيروز العجم من صب الماء
ورفع النيران وغير ذلك. |