تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
سنه ثلاثمائة
طالب القواد الخاقانى باستحقاقهم، فقصر واعتذر، فعزم المقتدر بالله على
رد ابن الفرات، فاشار مؤنس ان يولى على بن عيسى، وذكر ديانته وثقته،
وقال:
يقبح ان يعلم الناس ان الضرورة قادت الى ابن الفرات للطمع في ماله،
فامر المقتدر الخاقانى ان يكاتب على بن عيسى بالحضور، واظهر له الايثار
لاستنابته له، فكان الخاقانى يقول: قد استدعيت على بن عيسى لينوب عن
عبد الله ابنى في الدواوين ثم ركب الى دار السلطان فقبض عليه وعلى
أسبابه
(11/202)
سنه احدى وثلاثمائة
قدم فيها على بن عيسى من مكة، فقلده المقتدر وزارته وخلع عليه، وسلم
الخاقانى اليه، فصادره وأسبابه مصادره قريبه، وصان حرم الخاقانى.
واعتمد على على بن عيسى لما اشتهر عنه من افاضه المعروف وعماره الثغور
والجوامع والمارستانات في سائر الأوقات، ورد المظالم بها، وكتب في ذلك
كتابا اوله:
بسم الله الرحمن الرحيم، سبيل ما يرفعه إليك كل واحد من المتظلمين قبل
النوروز من مظلمته، ويدعى انه تلف بالآفة من غلته، ان تعتمد في كشف
حاله على اوثق ثقاتك، واصدق كفاتك حتى يصح لك امره، فتزيل الظلم عنه،
وترفعه، وتضع الإنصاف موضعه، وتحتسب من المظالم بما يوجب الوقوف عليه
حسبه، وتستوفى الخراج بعده، من غير محاباه للاقوياء، ولا حيف على
الضعفاء واعمل بما رسم لك ما يظهر ويذيع ويشتهر ويشيع، ويكون العدل به
على الرعية كاملا، وللانصاف شاملا ان شاء الله.
وساس على بن عيسى الدنيا السياسة المشهوره، التي عمرت البلاد، حتى قال
له ابن الفرات لما ناظره: قد اسقطت من مال امير المؤمنين خمسمائة الف
دينار في السنه، فقال: لم استكثر هذا المقدار في جنب ما حططته عن امير
المؤمنين من الأوزار، لأنني حططت المكس بمكة، والتكمله بفارس، وجبايه
الخمور بديار ربيعه، ولكن انظر الى نفقاتى ونفقاتك، وضياعي وضياعك
فاسكته.
وزادت في ايامه العمارة وتضاعف الزراعة، حين كتب اليه عامله: ان قوما
يبادوريا لا يؤدون الخراج، فان امرت عاقبناهم، فكتب اليه: ان الخراج
دين، ولا يجب فيمن امتنع عن أداء الدين غير الملازمة، فلا تتعد ذاك الى
غيره والسلام.
ومما استحسن من افعال الخاقانى بعد عزله، ان قوما زوروا عليه باطلاقات
ومسامحات، فانفذ بها على بن عيسى يسأله عنها ليمضى منها ما اعترف به،
فصادفه
(11/203)
الرسول يصلى فلما راى ابنه يتأمل
التوقيعات، قطع صلاته وقال: هذه توقيعاتى صحيحه، الوزير يرى رايه فيمضى
ما آثر منها، ويعرض على ما أحب منها والتفت الى ابنه حين خرج الرسول
فقال: اردت ان نتبغض الى الناس فتكون السبب في رد ما تضمنته، ويتنزه
على بن عيسى من ذلك، فلم لا نتحبب بالاعتراف بها، فان أمضاها حمدنا وان
ردها عذرنا.
وقصد القواد على بن عيسى، بإسقاطه الزيادات التي زادها ابن الفرات،
ووقعوا فيه وثلبوه.
وفي هذه السنه، خلع على الأمير ابى العباس بن المقتدر- وهو الذى ولى
الخلافه ولقب بالراضى- واستخلف له مؤنس.
وفيها انفذ على بن احمد الراسبى الحسين بن منصور الحلاج وقد قبض عليه
بالسوس، فشهر على جمل ببغداد، وصلب وهو حي وظهر عنه بانه ادعى انه
الله.
ومات الراسبى بعد قليل، فاخذ السلطان من ماله الف الف دينار.
وفيها ورد الخبر بان اسماعيل بن احمد صاحب خراسان قتله غلمانه على شاطئ
نهر بلخ، وقام ابنه ابو الحسن نصر مقامه وانفذ اليه الخليفة عهده.
وفيها ورد الخبر بان خادما صقلابيا لأبي سعيد الجنابى قتله وخرج، فلم
يزل يستدعى قائدا قائدا ويقتله، حتى قتل جماعه، ففطن به النساء فصحن
بالأمر، فقام ابو طاهر سليمان بن الحسن مقام ابيه.
واتى القرامطة في هذه السنه البصره في ثلاثين فارسا، والناس في صلاه
الجمعه، فقتلوا الموكلين بالباب ومن خرج اليهم من المطوعة وبلغ الخبر
امير البصره محمد بن إسحاق بن بنداحيق فغلق الأبواب
(11/204)
سنه اثنتين
وثلاثمائة
ورد فيها كتاب ابى الحسن نصر بن احمد صاحب خراسان بانه واقع عمه إسحاق
واسره.
وفي هذه السنه خرج مؤنس الى مصر، وضم اليه على بن عيسى أخاه عبد
الرحمن، وقلده كتابته، وذلك عند سماعهم قرب الخارج بالقيروان، وواقعه
مؤنس، فانهزم من بين يديه:
وهذا الخارج، ذكر الصولي عن اصحاب النسب انه عبيد الله بن عبد الله ابن
سالم، من اهل عسكر مكرم، وجده سالم قتله المهدى رضوان الله عليه على
الزندقة 4 وانفذ أبا عبد الله الصوفى الى المغرب، فأرى الناس زهدا
وعباده، وطرد زياده الله بن عبد الله بن الاغلب، وأتاه عبيد الله،
فقال: الى هذا ادعوكم.
فلما اظهر عبيد الله شرب الخمر تبرا الصوفى منه، فدس عليه عبيد الله من
قتله، وملك بلاد المغرب، فهزمه مؤنس، وتصدق المقتدر بالله عند هزيمته
باموال كثيره.
وفي هذه السنه صودر ابن الجصاص، قال الصولي: وجد له بداره بسوق يحيى
خمسمائة سفط من متاع مصر، ووجد فيها جرار خضر وقماقم مدفونة فيها
دنانير، وأخذ منه الف الف دينار.
قال الصولي: وحضرت مجلسا جرى فيه بين ابن الجصاص وابراهيم بن احمد
الماذرائى خلف، فقال ابراهيم: مائه الف دينار من مالي صدقه، لقد ابطلت
في الذى حكيته عنى، فقال ابن الجصاص: قفيز دنانير من مالي صدقه، اننى
صادق وانك مبطل، فقال ابن الماذرائى: من جهلك انك لا تعلم ان مائه الف
اكثر من قفيز، فانصرفت الى ابى بكر بن ابى حامد فاخبرته، فقال: نعتبر
هذا، فاحضر
(11/205)
كيلجه، فملأها دنانير، ثم وزنها، فكانت
اربعه آلاف، فنظرنا فإذا القفيز سنه وتسعون الف دينار كما قال
الماذرائى.
وكان ابن الجصاص قد انفذ له من مصر مائه عدل خيشا، في كل عدل الف
دينار، فأخذت ايام نكبته وتركت بحالها، ولما اطلق سال فيها، فردت عليه،
فاخذ المال منها، وكان إذا ضاق صدره اخرج جوهرا يساوى خمسين الف دينار،
وتركه في صينية ذهب ويلعب به، فلما قبض عليه وكبست داره، كان الجوهر في
حجره، فرمى به الى البستان، فوقع بين شجره، فلما اطلق فتش عليه في
البستان وقد جف نبته وشجره، وهو بحاله.
وفي هذه السنه، ختن اولاد الخليفة، ونثر عليهم خمسه آلاف دينار، ومائه
الف درهم وبلغت نفقه الطهر ستمائه الف دينار وادخلوا الى المكتب، وكان
مؤدبهم ابو إسحاق ابراهيم بن السرى الزجاج.
وفي هذه السنه، غزا افسن الافشينى فاسر مائه وخمسين بطريقا، والفى
فارس.
وفي ذي القعده، خلع على ابى الهيجاء بن حمدان، وقلد الموصل وأعمالها.
وفيها ماتت بدعه جاريه عريب، وكان إسحاق بن أيوب قد ضمن لأبي الحسن على
بن يحيى المنجم عشرين الف دينار، ان باعتها عريب منه بمائه الف دينار.
فجاء وخاطبها، فاستدعت بدعه وخيرتها بين المقام والبيع، فاختارت
المقام، فأعتقتها ولم يملكها قط رجل.
وفي هذه السنه توفى ابو بكر جعفر بن محمد الغريانى، وهو ممن طوف شرقا
وغربا لسماع الحديث، واستقبل لما قدم بغداد بالطيارات والزبازب واملى
بشارع
(11/206)
المنار بباب الكوفه، فحزر في مجلسه ثلاثون
ألفا يكتب منهم عشره آلاف، وكان في مجلسه ثلاثمائة وسته عشر يستملون،
ومولده سنه سبع ومائتين ودفن بالشونيزي.
وفي هذه السنه، توفى احمد بن عبد العزيز بن طوما الهاشمى، نقيب
العباسيين، وولى مكانه ابنه محمد، وتوفى وهو ابن اثنتين وتسعين سنه،
وسمعت ان له عقبا بالحاذانيه ذباله البطيحة
(11/207)
سنه ثلاث وثلاثمائة
فيها اطلق السبكرى من الحبس، وخلع عليه خلع الرضا.
ووقع حريق في سوق النجارين بباب الشام واحترق، وطار الشرار فاحرق ستاره
جامع المدينة.
وعصى الحسين بن حمدان، واجتمع معه ثلاثون الف رجل من العرب وهزم رائقا
الكبير، واقام بإزاء جزيرة ابن عمر وورد مؤنس من مصر، وقد استدعاه على
بن عيسى لحرمه فانهزم اصحاب الحسين، واسره مؤنس، وادخله الى بغداد،
ومعه ابنه عبد الوهاب، فصلبه حيا على نقنق على ظهر فيل، ونقله ابنه على
جمل، والأمير ابو العباس والوزير على بن عيسى ومؤنس وابو الهيجاء بن
حمدان وابراهيم ابن حمدان يسيرون بين يديه، وحبس عند زيدان القهرمانه
وقبض بعد ذلك على ابى الهيجاء واخوته.
وطلب الجند الزيادة، فزيد الفارس ثلاثة دنانير، والراجل خمسه عشر
قيراطا.
وفي هذه السنه، توفى ابو على الجبائي، ومولده سنه خمس وثلاثين ومائتين،
وكان ابو على شيخ المعتزله في زمانه ومات بعسكر مكرم، وحمل الى منزله
بجبى، ولما احتضر قال اصحابه: من يلقنه التوبة؟ فلم يتجاسر احد على ذلك
إعظاما له، فقال اصغرهم سنا: انا القنه، وتقدم وقرأ: وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون، ففتح ابو على عينيه وقال:
اللهم انى تائب إليك من كل قول نصرته كان الصواب عندك غيره، واشتبه على
امره، فقال من حضره: لو كان على ذنب غير هذا لذكره وكان يذهب الى ان
حكم النجوم صحيح على وجه، وهو انه يجوز ان يكون الله تعالى، اجرى
العادة إذا صار الكوكب الفلاني الذى جعله
(11/208)
الله تعالى وخلقه سعدا الى الموضع الفلاني
كان كذا.
وكان ينكر على المنجمين ان الكواكب تفعل بأنفسها ذلك، فاجتاز بعسكر
مكرم على دار سمع فيها صيحه لأجل امراه تلد، فقال: ان صح ما يقوله
المنجمون، فهذا المولود ذو عاهة، فخرجت امراه، فسالت أبا على الدخول
وان يحنك المولود ويؤذن في اذنه، ففعل فإذا به احنف
(11/209)
سنه اربع وثلاثمائة
في فصل الصيف فزع الناس من شيء من الحيوان يسمى الزبزب ذكروا انهم
كانوا يرونه على السطوح ليلا، وربما قطع يد النائم وثدي النائمة فكانوا
يضربون بالهواوين ليفزعوه، وارتجت بغداد في الجانبين لذلك، وعمل الناس
لأولادهم مكاب من سعف يكبونها عليهم.
وفي هذه السنه، قبض على على بن عيسى وعلى اهله، وصودر اخوه عبيد الله
ابن على على ستين الف دينار، وصودر اخوه ابراهيم بن عيسى على خمسين الف
دينار.
وسال ان يؤذن له في المقام بدير العاقول، فأجيب الى ذلك.
والزم ابو بكر محمد بن عبد الله الشافعى اربعه آلاف دينار، وشفع القاضى
ابو عمر فيه فاطلق بعد أدائها وتم ذلك عليهم في وزارة ابى الحسين بن
الفرات الثانيه.
وظهر ابو على بن مقله من استتاره، وكان استتاره في ايام الخاقانى وعلى
ابن عيسى، واختص بابن الفرات، وتولى كتابه السيده والأمراء اولاد
المقتدر بالله.
وكان يوسف بن ابى الساج، قد قاطع على اعمال ابهر وزنجان والري وقزوين،
واستبد بالمال، واظهر ان على بن عيسى كاتبه بذلك، وانفذ اليه لوائين
وخلعا، فأنكر على بن عيسى، وقد عنفه ابن الفرات على ذلك، وقال: اللواء
والخلع والكتاب على حامله وكاتبه لا من كتم ذلك فانفذ المقتدر خاقان
المفلحى لمحاربته، فهزمه يوسف، وشهر اصحابه بالري وقدم مؤنس من الثغر،
فانفذه المقتدر بالله
(11/210)
لحربه، فواصل ابن ابى الساج المكاتبة
بالرضا والسؤال في المقاطعه عما بيده من الاعمال، وان يؤدى في كل سنه
سبعمائة الف دينار، فلم تقع له اجابه فسار من الري الى اذربيجان، وركب
الأشد، وحارب مؤنسا، فهزمه، ومضى مؤنس الى زنجان، وقتل من اصحابه
وقواده عده.
وانفذ ابن ابى الساج يطلب الصلح، ومؤنس لا يجيبه، ولو اراد يوسف اسره
لتم، ولكنه ابقى عليه فلما كان في المحرم سنه سبع وثلاثمائة في ايام
حامد بن العباس واقعه مؤنس باردبيل، واستؤسر يوسف مجروحا، وحمل الى
بغداد في شهر ربيع الآخر، وشهر على الفالج، وهو جمل له سنامان، يشهر
عليه الخوارج على السلطان، وترك على راسه برنس، والقراء يقرءون بين
يديه والجيش وراءه.
وحبس عند زيدان القهرمانه وخلع على مؤنس وطوق وسور، وزيد في ارزاق
اصحابه.
ولما انكفأ مؤنس الى بغداد استولى سبك، غلام يوسف على الاعمال، فانفذ
اليه مؤنس قائده الفارقى لحربه فهزمه وسال سبك ان يقاطع على الاعمال
فأجيب.
واتصلت العداوة بين ابن الفرات وبين الحاجب نصر القشورى وشفيع
المقتدرى.
وكان ابن الفرات قد قلد ابن مقله كتابه نصر، فاستوحش ابن مقله من ابن
الفرات، فاطمعه صاحبه وابن الحوارى في تقلد الوزارة، وكان يهدى إليهما
اخبار ابن الفرات
(11/211)
سنه خمس وثلاثمائة
فيها مات السبكرى بعد اطلاقه من الحبس.
وفيها اطلق ابو الهيجاء واخوته، وخلع عليهم.
وفيها مات غريب الخال خال المقتدر بالله، وعقد لابنه مكانه، وحضر ابن
الفرات جنازته بداره، بالنجمى.
وفيها قلد ابو عمر قضاء الحرمين
(11/212)
سنه ست وثلاثمائة
[أخبار متفرقة]
في هذه السنه، تاخرت ارزاق الجند، واحتج ابن الفرات بان المال صرف في
نفقه الجيش الذى جهزه لمحاربه ابن ابى الساج، فقبض عليه فكانت وزارته
هذه سنه وخمسه اشهر وتسعه عشر يوما.
ودخل على جحظه بعض اصدقائه، فقال له: ما تتمنى؟ فقال: لم يبق لي منى
غير نكبات الوزراء! فقال له: قد نكب ابن الفرات، فقال جحظه:
احسن من قهوة معتقه ... تخالها في انائها ذهبا
من كف مقدودة منعمه ... تقسم فينا الحاظها الوصبا
ومسمع نهض السرور إذا ... رجع فيما تقول او ضربا
نعمه قوم أزالها قدر ... لم يحظ حر فيها بما طلبا
وزارة حامد بن العباس
كان حامد يستدعى قسيما الجوهري خادم السيده، إذا خرج الى واسط لمشارفه
أعمالها بها، ويلاطفه، فعاد من عنده وقد نكب ابن الفرات، فاشار به،
فوافق ذلك مشوره ابن الحوارى أيضا فوصل وقد كوتب الى بغداد في اليوم
الرابع من القبض على ابن الفرات وكان له أربعمائة غلام يحملون السلاح
وعده حجاب تجرى مجرى القواد.
واشار ابن الحوارى عليه بطلب على بن عيسى، ومساءله المقتدر بالله فيه
ليخلفه على الدواوين، ففعل، فقال المقتدر بالله: ما احسب على بن عيسى
يرضى ان يكون تابعا، بعد ان كان متبوعا فقال حامد: انا اعامل الوزراء
منذ ايام الناصر لدين الله، فما رايت اعف من على بن عيسى، ولا اكبر
نفسا منه، ولم لا يستجيب لخلافه الوزارة؟ وانما الكاتب كالخياط يخيط
يوما ثوبا قيمته الف دينار، ويخيط يوما
(11/213)
ثوبا قيمته عشره دراهم فضحك منه من سمع
قوله، وعيب بهذا.
وازرى عليه، ان أم موسى القهرمانه، خرجت اليه برقعة من الخليفة فقرأها،
ووضعها بين يديه، وأخذ يتحدث حديث شق الفرن المنفجر ايام الناصر لدين
الله بواسط، وأم موسى مستعجله بالجواب، ولم يجب الى ان استوفى حديث
الشق.
وحكايته معها في قوله لها: والتقطي واحذرى ان تغلطى مشهوره.
وكتب ابو الحسن محمد بن جعفر بن ثوابه، عن المقتدر بالله كتابا الى
اصحاب الاطراف يذكر فيه وزارة حامد اوله: اما بعد، فان احمد الأمور ما
عم صلاحه ومنفعته، وخير التدبير ما رجى سداده واصابته، وازكى الاعمال
ما وصل الى الكافه يمنه وبركته، وافضل الاكوان ما كان اتباع الحق سبيله
وعادته.
وخلع المقتدر بالله على على بن عيسى، وانفذ به مع صاحب نصر الحاجب
وشفيع المقتدرى الى دار حامد على اعمال المملكة.
وكتب اليه على بن عيسى في بعض الأيام رقعه خاطبه فيها بعبده، فأنكر ذلك
حامد وقال: لست اقرا له رقعه إذا خاطبني بهذا، بل يخاطبني بمثل ما
اخاطبه به.
وكان يكتب كل واحد منهما الى صاحبه اسمه واسم ابيه، وشكر له على بن
عيسى هذا الفعل.
وسقطت منزله حامد، وتفرد على بالأمور، وقيل فيهما، قال ابن بسام:
يا بن الفرات تعزى ... قد صار امرك آيه
لما عزلت حصلنا ... على وزير بدايه
وضمن على بن عيسى الحسين بن احمد الماذرائى، اعمال مصر والشام بثلاثة
آلاف الف دينار، فاوصله الى المقتدر بالله، فخلع عليه وشخص الى عمله
وقدم على بن احمد بن بسطام من مصر فولاه اعمال فارس.
قال ابو الفضل العباس بن الحسين وزير معز الدولة: رايت أبا القاسم بن
بسطام وقد دخل إلينا فارس عاملا، ومعه اثقال لم ير مثلها، ورايت في
جمله اثقاله اربعين نجيبا موقره اسره مشبكه، ذكروا انه يستعملها في
الطرقات للمجلس والتمس يوما سجاده للصلاة بعينها، وكان يألفها، ففتشت
رزم الفرش، فكان فيها نحو أربعمائة سجاده
(11/214)
ولما تبين حامد ان منزلته قد وهت، استاذن
في الانحدار الى واسط، فاذن الخليفة له، وليس له من الوزارة غير الاسم.
واقطع المقتدر بالله ابنه أبا العباس دار حامد بالمخرم، فانتقل حامد
الى داره في باب البصره.
ولما انحدر حامد استخلف مكانه صهره أبا الحسين محمد بن بسطام وأبا
القاسم الكلوذانى، فظهرت كفاية الكلوذانى.
وتقلد ابو الهيجاء بن حمدان طريق خراسان
(11/215)
سنه سبع وثلاثمائة
ضجت العامه من الغلاء، وكسروا المنابر، وقطعوا الصلاة، واحرقوا الجسور،
وقصدوا دار الروم ونهبوها، فانفذ المقتدر بمن قبض على عده منهم،
واستدعى حامدا ليبيع الغلات التي له ببغداد، فاصعد، وباعها، ونقص في كل
كر خمسه دنانير.
وركب هارون بن غريب وابراهيم بن بطحاء المحتسب الى قطيعه أم جعفر،
فسعروا الكر الدقيق بخمسين دينارا، فرضى الناس وسكتوا وانحل السعر
(11/216)
سنه ثمان وثلاثمائة
ورد الخبر بحركة الخارج بالقيروان الى مصر، فاخرج مؤنس الى هناك.
ودخل صاحب السند بغداد، فاسلم على يدي المقتدر بالله.
وفي هذه السنه، خلع على ابى الهيجاء، وقلد الدينور.
وتحركت الأسعار فيها فافتتن الناس ببغداد لذلك.
وبرد الهواء في تموز، فنزل الناس من السطوح وتدثروا بالاكسيه واللحف.
(11/217)
|