تاريخ دمشق لابن القلانسي
سنة ثلاث وستين
وأربعمائة
فيها جمع اتسز بن أوق مقدم الأتراك الغز بالشام واحتشد وقصد أرض فلسطين
فافتتح الرملة وبيت المقدس وضايق دمشق وواصل
(1/166)
الغارات عليها وعلى أعمالها وقطع الميرة
عنها ورعى زرعها عدة سنين في كل ربيع لمضايقتها والطمع في ملكتها ولم
يزل متردداً إلى أن اضطرب أمرها وخربت المنازل بها وزاد غلاء الأسعار
فيها وعدم تواصل الأقوات إليها وجلا أكثر أهلها عنها واستحكم الخلف بين
العسكرية والمصامدة والأحداث من أهلها وكون الوالي معلى بن منزو لعنه
الله قد هرب عنها ولم يبق فيها من المقدمين على الأجناد غير الأمير زين
الدولة زمام المصامدة بها. وفي هذه السنة نزل السلطان العادل البارسلان
بن داود أخي السلطان طغرلبك بن سلجوق رحمه الله على حلب محاصراً لها
وبها محمود بن صالح في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة وضايقها إلى
أن ملكها بالأمان فخرج محمود إليه فأمنه وأنعم عليه وولاه البلد. ورحل
عنه ثالث وعشرين رجب قاصداً إلى بلاد الروم طالباً ملكهم وقد توجه إلى
منازجرد فلحقه وأوقع به وهزمه وكان عسكره على ما حكي تقدير ستمائة ألف
من الروم وما انضاف إليهم من سائر الطوائف وعسكر الاسلام على ما ذكر
تقدير أربع مائة ألف من الأتراك وجميع الطوائف وقتل من عسكر الروم
الخلق الكثير بحيث امتلأ واد هناك عند التقاء الصفين وحصل الملك في
أيدي المسلمين أسيراً وامتلأت الأيدي من سوادهم وأموالهم وآلاتهم
وكراعهم ولم تزل المراسلات مترددةً بين السلطان البارسلان وبين ملك
الروم المأسور إلى أن تقرر اطلاقه والمن عليه بعد أخذ العهود عليه
والمواثيق بترك التعرض لشيء من أعمال الاسلام واطلاق الأسارى وأطلق
وسير إلى بلده وأهل مملكته فيقال أنهم اغتالوه وسلموه وأقاموا غيره في
(1/167)
مكانه لأشياء أنكروها عليه ونسبوها إليه
سنة أربع وستين وأربعمائة
في المحرم منها قتل الأمير جعبر صاحب قلعة دوسر فيها بمكيدة نصبت له
وحيلة تمت عليه وغفلة استمرت به. وفيها ملكت الرقة واستولى عليها.
وفيها نهض محمود بن صالح من حلب فيمن حشد من العرب وقصد ناحية عزاز في
يوم السبت الثاني والعشرين من رجب للقاء الروم فاندفعت الروم بين أيدي
العرب والعرب في عدة قليلة تناهز ألف فارس وقصدوا أنطاكية واجتمعوا بها
وعادت العرب إلى حلب. وفيها ورد الخبر من بغداد في شهر ربيع الأول منها
بأن الامام الحافظ أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الخطيب رحمه
الله توفي يوم الاثنين
(1/168)
السابع من ذي الحجة منها وحمل إلى الجانب
الغربي من بغداد وصلي عليه ودفن بالقرب من قبة أحمد بن حنبل رحمه الله
سنة خمس وستين وأربعمائة
فيها هرب الأمير أبو الجيوش علي بن المقلد بن منقذ من حلب خوفاً من
صاحبها الأمير محمود بن صالح حين عرف عزمه على القبض عليه وقصد المعرة
ثم قصد كفرطاب. وفيها ورد نعي الأمير عطية عم الأمير محمود بن صالح من
القسطنطينية في ذي الحجة. وفيها ورد سأر الأمير محمود بن صالح من حلب
فيمن جمعه وحشده من عسكره إلى الرحبة. وفي هذه السنة ورد الأخبار
باستشهاد السلطان العادل البارسلان ابن داود أخي السلطان طغرلبك ملك
الترك على نهر جيحون عند
(1/169)
حصن هناك بيد من اغتاله من الباطنية
المتزيين بطريقة الزهاد المتصوفة على القضية المشهورة والسجية المذكورة
سنة ست وستين وأربعمائة
فيها فتح الأمير محمود بن صالح قلعة السن في يوم الخميس تاسع شهر ربيع
الآخر. وفيها وردت الأخبار من بغداد بزيادة مد دجلة حتى غرق بها عدة
أماكن وهدم عدة مساكن. وفيها وردت الأخبار من ناحية العراق بانتصاب
السلطان العادل ملك شاه أبي الفتح محمد بن السلطان البارسلان في
المملكة بعد أبيه وجلوسه على سرير الملك بعد أخذ البيعة له على أمراء
الأجناد وكافة ولاة الأعمال والبلاد فاستقامت له الأمور وانتظمت به
الأحوال على المراد والمأثور واستمر التدبير على نهج الصلاح وسنن
النجاح وسلك في العدل والانصاف مسلك أبيه العادل عن طريقة الجور
والاعتساف ورتب النواب في الأعمال والثقات في حفظ الأموال.
(1/170)
وفيها توفي أبو علي الحسين بن سعيد بن محمد
بن سعيد العطار بدمشق في يوم الجمعة من صفر وكان من أعيان شهودها وحدث
عن جماعة
سنة سبع وستين وأربعمائة
فيها وردت الأخبار من ناحية العراق بوفاة القائم بأمر الله أبي جعفر
عبد الله بن الامام القادر بالله في يوم الخميس الثالث عشر من شعبان
وأمه أم ولد تسمى قطر الندى رومية وأدركت خلافته وماتت في رجب سنة 452
وكان مولده في الساعة الثالثة من نهار يوم الخميس وقيل الجمعة الثامن
عشر من ذي القعدة سنة 391 وتولى الأمر بعد أبيه وعمره إحدى وثلاثون سنة
في يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة 422 ومات وعمره ست وسبعون
سنة وكانت أيامه أربعاً وأربعين سنة وتسعة أشهر وأياماً وكان جميلاً
مليح الوجه أبيض اللون مشرباً خمرة حسن الجسم أبيض الرأس واللحية ورعاً
متديناً زاهداً عالماً وكان رحمه الله قد يلي من أرسلان الفساسيري بما
يلي إلى أن أهلكه الله وأراحه بالعزائم السلطانية حسب ما تقدم به شرح
الحال. وروي عنه أنه لما اعتقل في الحديثة كتب رقعةً وأنفذها إلى مكة
حرسها الله تعالى مستعدياً إلى الله تعالى على الفساسيري وعلقت على
الكعبة ولم تحط عنها إلى أن ورد الخبر بخروجه من الاعتقال من الحديثة
وعوده إلى داره وهلاك عدوه الفساسيري وعنونها
(1/171)
إلى الله العظيم من المسكين عبده. ونسخة
الاستغاثة: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنك العالم بالسرائر والمطلع
على مكنون الضمائر اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على خلقك عن اعلامي هذا
عبد من عبيدك قد كفر نعمتك وما شكرها وألغى العواقب وما ذكرها اطغاه
حكمك وتجبر باناتك حتى تعدى علينا بغياً وأساء إلينا عتواً وعدواً
اللهم قل الناصر واعتز الظالم فأنت المطلع العالم والمنصف الحاكم بك
نعتز عليه وإليك نهرب من يديه فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك
يا رب العالمين اللهم أنا حاكمناه إليك وتوكلنا في انصافنا منه عليك
ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك ووثقنا في كشفها بكرمك فاحكم بيننا بالحق
وأنت خير الحاكمين وأظهر اللهم قدرتك فيه وأرنا ما نرتجيه فقد أخذته
العزة بالاثم اللهم فاسلبه عزه وملكنا بقدرتك ناصيته يا أرحم الراحمين
وصل يا رب على محمد وسلم وكرم
(1/172)
وتولى بعده الأمر ولد ولده الامام أبو
القاسم عبد الله بن ذخيرة الدين بن القائم بأمر الله أمير المؤمنين
وكان ذخيرة الدين ولي العهد فتوفي في حياة أبيه القائم بأمر الله فعتد
الأمر لابنه أبي القاسم عبد الله ولقبه المقتدي بالله وأخذت له البيعة
في شعبان سنة 477 وعمره تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأيام. وفي هذه السنة
وردت الأخبار من ناحية حلب بوفاة صاحبها الأمير محمود بن شبل الدولة بن
صالح بحلب في جمادى الأولى وقام في منصبه ولده الأمي نصر بن محمود
وهنأه بعد التعزية الأمير أبو الفتيان ابن حيوس بالقصيدة الألفية
المشهورة التي يقول فيها
وقد جاد محمودٌ بألفٍ تصرّمت ... وإني سأرجو أن سيخلفها نصر
فأطلق له ألف دينار وقال له: لو كنت قلت سيضعفها نصر لفعلت
(1/173)
|