تاريخ دمشق لابن القلانسي

سنة أربع وسبعين وأربعمائة
فيها ملك الأمير أبو الحسن علي بن المقلد بن منقذ حصن شيزر في يوم السبت السابع والعشرين من رجب من الأسقف الذي كان فيه بمال بذله له وأرغبه فيه إلى أن حصل في يده وشرع في عمارته وتحصينه والممانعة عنه إلى أن تمكنت حاله فيه وقويت نفسه في حمايته والمراعاة دونه

(1/184)


سنة خمس وسبعين وأربعمائة
فيها توجه السلطان تاج الدولة إلى ناحية الشام من دمشق ومعه في خدمته الأمير وثاب بن محمود بن صالح ومنصور بن كامل وقصد ناحية الروم وأقام هناك مدةً واتصل به خبر شرف الدولة مسلم بن قريش وما هو عليه من الجمع والاحتشاد والتأهب والاستعداد واجتماع العرب إليه من بني نمير وعقيل والأكراد والمولدة وبني شيبان للنزول على دمشق والمضايقة لها والطمع في تملكها فعاد تاج الدولة منكفئاً إلى دمشق لما عرف هذا العزم ووصل إليها في أوائل المحرم سنة 476. وورد الخبر بوصول

(1/185)


شرف الدولة في حشده إلى بالس أيضاً في المحرم ووصله جماعة من بني كلاب ونهض بالعسكر مسرعاً في السير إلى أن نزل على دمشق ووصل إليه جماعة من عرب قيس واليمن وقاتل أهل دمشق في بعض الأيام وخرج إليه عسكر تاج الدولة من دمشق وحمل على عسكره حملةً صادقةً فانكشف وتضعضع عسكره وعاد كل فريق إلى مكانه وعاد عليهم بحملة اخرى وانهزمت العرب وثبت شرف الدولة مكانه وأشرف على الأسر وتراجع أصحابه. وكان شرف الدولة قد اعتمد على معونة عسكر المصريين على دمشق ومعاضدته بالعسكر المصري على أخذها فوقع التقاتل عليه بالانجاد والتقاعد عنه بالاسعاد إشفاقاً من ميل الناس إليه وعظم شأنه بتواصلهم ووفودهم عليه فلما وقع يأسه مما أمله ورجاه وخاف ما تمناه وورد عليه من أعماله ما شغل خاطره في تدبيره وأعماله وتواترت الأخبار بما أزعجه وأقلقه رأى أن رحيله عن دمشق إلى بلاده وعوده إلى ولايته لتسديد أحوالها وإصلاح اختلالها أصوب من مقامه على دمشق وأوفق من شأنه فأوهم إنه سائر مقتبلاً لأمر مهم عليه وارب مطلوب نهد إليه فرحل عن دمشق ونزل مرج الصفر وعرف من بدمشق ذلك فقلقوا لذلك واضطربوا ثم رحل مشرقاً في البرية وجلاً وجد في سيره مجفلاً وأوصل السير ليلاً ونهاراً فهلك من المواشي والدواب للعرب ما لا يحصيه عدد ولا يحصر كثرةً من العطش وتلف وانقطع من الناس خلق كثير وخرجت به الطريق إلى وادي بني حصين قريباً من سلمية فأنفذ وزيره أبا العز بن صدقة إلى خلف ابن ملاعب المقيم بحمص ليجعله بين الشام وبين السلطان تاج الدولة لما يعلمه من نكايته

(1/186)


في الأتراك وفتكه بمن يظفر به من أبطالهم الفتاك. فأقام أبو العز الوزير بحمص إلى حين عوده فخلع عليه شرف الدولة وأكرمه وقرر معه حفظ الشام وطيب بنفسه. وسار بعد ذلك السلطان تاج الدولة إلى ناحية طرابلس وافتتح انطرطوس وبعض الحصون وعاد إلى دمشق. وورد الخبر بنزول السلطان العادل ملك شاه أبي الفتح بن البارسلان على حلب في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان من السنة وضايقها إلى أن ملكها مع القلعة. وفي يوم الخميس الثاني من المحرم توجه شرف الدولة إلى بلد انطاكية للقاء الفردوس ملك الروم.

(1/187)


وفيها وصل الأمير شمس الدولة سالم بن مالك بالخلع السلطانية إلى شرف الدولة إلى حلب وقرر الصلح بين شرف الدولة وابن ملاعب بحمص. وفيها وصل أبو العز بن صدقة وزير شرف الدولة في عسكر كثيف لإنجاد حلب على تاج الدولة فلما وصل إليها رحل تاج الدولة في الحال عنها

سنة ست وسبعين وأربعمائة
فيها عمل على مدينة حران وأخذت من ملكة شرف الدولة مسلم بن قريش في سابع صفر وعاد إليها حين عرف خبرها فنزل عليها في عسكره

(1/188)


وضايقها وواظبها إلى أن افتتحها وملكها ورتب أمرها واحتط عليها واعتمد على الثقات في حفظها.

(1/189)


وفي هذه السنة تنكر شرف الدولة على وزيره أبي العز بن صدقة لأسباب أنكرها منه وأحوال بلغته عنه فقبض عليه واعتقله وأقام أياماً وقرر أمره وأطلقه وطيب نفسه

سنة سبع وسبعين وأربعمائة
في هذه السنة شرع سليمان بن قتلمش في العمل على مدينة انطاكية والتدبير لأمرها والاجتهاد في أخذها والتملك لها ولم يزل على هذه القضية إلى أن تم له ما أراده فيها وملكها سرقةً في يوم الأحد العاشر من شعبان ورتب أمرها بمن اعتمد عليه في حفظها من ثقات ولاته.

(1/190)


وفي شهر ربيع الأول من السنة كانت وقعة بين عسكر شرف الدولة وعسكر الأتراك بأرض آمد من ديار بكر واستظهر الأتراك على عسكر شرف الدولة فهزموه. وفي رجب منها توجه شرف الدولة مسلم بن قريش إلى دركاه السلطان العادل ملك شاه بن البارسلان ودخل عليه ووطئ بساطه فأكرمه واحترمه وخلع عليه وقرر أمره على ما يهوى من اصلاح أحواله والاقرار على أعماله وإزالة ما كان يخشاه وعاد مسروراً بما لقي ومحبوراً بنيل مبتغاه

(1/191)