تاريخ دمشق لابن القلانسي

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
في هذه السنة نزل السلطان تاج الدولة على حمص في عسكره ومعه الأمير قسيم الدولة صاحب حلب في عسكره والأمير بوزان صاحب انطاكية وفيها خلف ابن ملاعب فضايقوها وصابروها إلى أن ملكوها بالأمان وخرج ابن ملاعب منها وسلمها ووفوا له بما قرروه معه واطلقوا سراحه فتوجه إلى مصر فأقام بها مدة وعاد إلى الشام واعمل الحيلة والتدبير على حصن أفامية إلى أن ملكه وحصل بيده

(1/198)


سنة أربع وثمانين وأربعمائة
في ليلة الثلاثاء التاسع من شعبان من السنة حدث في الشام زلزلة عظيمة هائلة لم يسمع بمثلها ووافق هذا اليوم كونه من تشرين الأول وخرج الناس من دورهم خوفاً من عودها. وحكي أن دوراً كثيرة خربت بأنطاكية واضطربت كنيسة السيدة فيها وهلك خلق كثير بالردم وانهدم بها تقدير سبعين برجاً من سورها وبقيت على حالها إلى أن أمر السلطان ملك شاه بعمارتها ولم ما تشعث منها. وفيها نزل الأمير قسيم الدولة صاحب حلب على حصن أفامية فملكه وأبعد خلف بن ملاعب عنها ورتب نائبه في حفظها في ثالث رجب وعاد إلى حلب. وفيها وردت الأخبار من المشرق بوفاة الملك أحمد ابن أخت السلطان ملك شاه المرتب في مملكة جده في سمرقند وخطب له على المنابر حسب ما تقدم ذكره فعاجله القضاء الذي لا يدافع والمحتوم الذي لا يمانع

سنة خمس وثمانين وأربعمائة
في هذه السنة اقترن المريخ وزحل في برج السرطان وقت الظهر من يوم الاثنين النصف من شهر ربيع الأول وهو السادس والعشرون من نيسان وذكر أهل المعرفة من أهل صناعة النجوم أن هذا القران لم يحدث مثله في هذا البرج منذ مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى هذه الغاية.

(1/199)


وفيها توجه السلطان العادل ملك شاه من أصفهان إلى بغداد معولاً على قصد مصر لتملكها فلما وصل إلى همذان وثب رجل ديلمي من الباطنية على وزيره خواجه بزرك نظام الملك أبي علي الحسن بن إسحق الطوسي فقتله رحمه الله وهرب من ساعته فطلب فلم يوجد ولا ظهر له خبر ولا بان له أثر فأسف الناس وتألموا لمصابه وتضاعف حزنهم لفقد مثله لما كان عليه من حسن الطريقة وآثار العدل والنصفة والاحسان إلى أهل الدين والفقه والقرآن والعلم وحب الخير وحميد السياسة وكان قد آثر الاثارات الحسنة في البلاد من المدارس والرباطات بالعراق وبلاد العجم بحيث كان رزقه يجري على اثني عشر ألف إنسان من فقيه إلى غيره. وحزن السلطان ملك شاه عليه وأسف لفقده وأسرع السير إلى أن وصل إلى بغداد في أيام قلائل من شوال من السنة وقام مديدةً وخرج إلى المتصيد وعاد منه وقد وجد فتوراً في جسمه واشتد به المرض الحاد فتوفي رحمه الله في ليلة الأربعاء السادس من شوال من السنة وكان بين وفاته ومقتل خواجه بزرك ثلاثة وثلاثون يوماً وأقام مقامه في المملكة ولده السلطان بركيارق وانتصب في منصبه وأخذت له البيعة ودعي على المنابر باسمه واستقام أمره وانتظمت الحال على مراده. وكان السلطان تاج الدولة تتش قد توجه من دمشق إلى بغداد للقاء أخيه السلطان ملك شاه والخدمة له والتقرب إليه وورد الخبر عليه بوفاته فانكفأ راجعاً ونزل على الرحبة وضايقها وأرسل المقيم بها يلتمس تسليمها إليه فلم يتم له فيها أمر ولا مراد فرحل عنها إلى دمشق وجمع وحشد وعاد

(1/200)


في العسكر إلى الرحبة. وقد كان كاتب قسيم الدولة صاحب حلب ومؤيد الدولة ياغي سيان صاحب أنطاكية يستدعي منهما المساعدة ويبعثهما على الموازرة والمرافدة فسارا نحوه واجتمعا معه فقوي أمره بها واستظهر بعسكرهما ونزل على الرحبة وضايقها إلى أن ملكها بالأمان وأحسن إلى أهلها وأجمل السيرة فيها. وكان قد نذر على نفسه أنه متى ملكها بالأمان والقهر شهر فيها السيف فعند ذاك شهر سيفه عند دخوله إليها واغمده عند استقرار أمرها ووفى بنذره ورحل عنها بعد أن قرر أمرها ورتب المستحفظين من قبله فيها قاصداً ناحية نصيبين. وقد كان بعد وفاة السلطان ملك شاه قد رجع ابرهيم بن قريش إلى بلاده وتسلم الموصل وأعمالها وجمع العرب والأكراد ونزل في بلاد بني عقيل الموصل وما والاها وغلب ولد أخيه شرف الدولة محمداً وأبعده عن الولاية. ولما وصل تاج الدولة إلى نصيبين وصل إليه الأمير بوزان صاحب الرها وخرج إليه والي نصيبين يبذل الطاعة له والمناصحة في الخدمة فامتنع أهل البلد من الجند الذين بها من أصحاب ابراهيم بن قريش فقاتلها وهدم بعض سورا وملكها بالسيف وقتل فيها تقدير ألفي رجل وقتل كل من التجأ إلى جامعها ومساجدها وأخذت الحرم وهتكت البنات وعوقبوا بأنواع العقوبات إلى أن أظهرن كل مذخور وأبرزن كل مستور وفعل في أمرهم ما لا يستحله مسلم ولا يستحسنه كافر وأطلق بعد ذلك من كان في الأسر من الرجال والنسوان إلا من بقي في أيدي الأتراك وذلك في صفر سنة 486 وحكى بعض من حضر هذه الكائنة القبيحة أنه

(1/201)


شاهد امرأة تحت الأتراك يطلب منها الفاحشة وهي تصيح وتستغيث وتتمنع أشد التمنع فجئته وحاولت تخليصها منه فلم يفعل فجرحته فتخلى عنها وإذا بها امرأة من وجوه الأشراف وأخرجتها إلى المخيم إلى أن سكنت الفتنة وأعدتها سالمةً إلى دارها دون كل بنت هتكت وأحرزت ثوابها وحسن الذكر بين أشراف نصيبين

سنة ست وثمانين وأربعمائة
في هذه السنة عاد السلطان تاج الدولة عن نصيبين بعد ما جرى فيها طالباً لابرهيم ابن قريش فلما عرف خبره جمع وحشد واستصرخ واستنجد وحصل في خلق عظيم ونزل بهم في المنزل المعروف بشرقي الهرماس ونزل السلطان تاج الدولة على دارا. فلما كان يوم الاثنين الثاني من شهر ربيع الأول من السنة التقى الجيشان على نهر الهرماس واختلط الفريقان واشتد القتال وانكشفت الوقعة عن قتل جماعة من الأتراك والعرب وعاد كل فريق منهما إلى مكانه فلما استقر بالعرب المنزل عاد عسكر تاج الدولة إليهم وهم غارون وحمل عليهم وهم غافلون فانهزمت العرب وأخذهم السيف فقتل منهم العدد الكثير والأكثر من الرجالة المقيمين في المخيم وقتل الأمير ابرهيم بن قريش وجماعة من الأمراء والمقدمين من بني عقيل وغيرهم وقيل أن تقدير القتلى من الفريقين عشرة ألف رجل واستولى النهب والسلب والسبي على من وجد في المخيم وامتلأت الأيدي من الغنائم والسواد والمواشي والكراع بحيث بيع الجمل بدينار واحد والمائة شاة بدينار واحد ولم يشاهد أبشع من هذه الوقعة ولا أشنع

(1/202)


منها في هذا الزمان وقتل بعض نسوان العرب أنفسهن اشفاقاً من الهتيكة والسبي. ولما عادوا بالأسرى والسبي وحصلوا بشاطي الفرات ألقى جماعة من الأسرى أنفسهم في الفرات فهلكوا وقصد السلطان تاج الدولة ديار بكر ونزل على آمد وضايقها وملكها من ملكة ابن جهير المقيم بها مع الجزيرة وولاه نصيبين عوضاً عن الجزيرة وملك آمد من ابن مروان وتسلم ميافارقين وأعمالها وقرر أمرها وأنفذ ولاته إلى الموصل وسنجار وملك الأعمال وانهزم بنو عقيل من منازلهم وبلادهم وتوجهوا نحو السلطان بركيارق بن ملك شاه وكان علي بن شرف الدولة مسلم بن قريش ووالدته خاتون بنت السلطان محمد ابن داود كذا عمة السلطان ملك شاه يشكون ما نزل به من السلطان تاج الدولة
ولما تهيأ لتاج الدولة ما تهيأ وما أمله من ملكة البلاد وطاعة العباد قويت شوكته وكثرت عدته وعدته وحدث نفسه بالسلطنة وتوجه إلى ناحية خراسان وليس يمر ببلد ولا معقل من المعاقل غلا خرج إليه أهله وبذلوا له الطاعة والمناصحة في الخدمة وأمره يستفحل وشأنه يعظم. وفصل عنه قسيم الدولة صاحب حلب وعماد الدولة بوزان صاحب الرها مغاضبين وقصدا ناحية السلطان بركيارق بن ملك شاه مخالفين له وعاصيين عليه واقتضت الحال عود تاج الدولة إلى ديار بكر ونزل على مدينة سروج فملكها وولى فيها وفي الجزيرة من ارتضاه من ثقات

(1/203)


خواصه. واتصل به خبر وصول الأمير قسيم الدولة اق سنقر صاحب حلب ومويد الدولة صاحب الرها الذين كانا فارقاه إلى السلطان بركيارق ودخولهما عليه وإكرامه لهما وحسن موقع وصولهما منه وسروره بمقدمهما عليه وأنهما شرعا في وقوع في ناحية تاج الدولة والتحذير من الاهمال لأمره والتحريض على معاجلته قبل اعضال خطبه وتمكنه من الغلبة على السلطنة والاستيلاء على أعمال المملكة وأشارا عليه بالمسير في هذا الوقت وطلبا منه من يسير معهما لايصالهما إلى بلديهما حلب والرها فسار معهما لايصالهما إلى الموصل ورد بني عقيل إليهم وقدم علياً من شرف الدولة مسلم بن قريش عليهم ولقبه سعد الدولة. فوصل قسيم الدولة إلى حلب في شوال سنة 486 ومعه جماعة من بني عقيل وبعض عسكر السلطان بركيارق بحيث وصل إلى حلب وانتهى الخبر بذاك إلى تاج الدولة فنهض في العسكر من ناحية الرحبة إلى الفرات وقصد بلد أنطاكية وأقام بها وورد عليه الخبر بانكفاء السلطان من الرحبة إلى بغداد وأن عزمه أن يشتو بها وأقام تاج الدولة بأنطاكية مدة فقلت الأقوات وارتفعت الأسعار وخوطب في العود إلى الشام فلم يفعل وعاد إلى دمشق آخر ذي الحجة من السنة وفي جملته الأمير وثاب بن محمود بن صالح وبنو كامل وجماعة من العرب لم يجسروا على الاقامة بالشام خوفاً من قسيم الدولة صاحب حلب. وفي هذه السنة خرج من مصر عسكر كثير إلى ثغر صور لما عصى واليها الأمير منير الدولة الجيوشي وقد كان أهل صور أنكروا عصيانه وكرهوا خلفه لسلطانه أمير الجيوش بدر وعرف ذلك من نياتهم فحين اشتد القتال عليها نادوا بشعار المستنصر بالله وأمير الجيوش فهجم العسكر المصري على

(1/204)


البلد ولم يدافع عنه مدافع ولا مانع دونه ولا ممانع ونهب وأسر منه الخلق الكثير وأخذ في الجملة منير الدولة الوالي وخواصه وأجناده وحملوا إلى مصر في يوم الرابع عشر من جمادى.... سنة 486 وقطع على أهل البلد ستون ألف دينار أجحفت بأحوالهم واستغرقت جل أموالها ولما وصل الوالي منير الدولة ومن معه من أجناده وأصحابه تقدم أمير الجيوش بضرب أعناقهم ففعل ذلك ولم يعف عن واحد منهم وفي هذه السنة وردت الأخبار من العراق بإبطال مسير الحاج لاسباب دعت إلى ذاك والخوف عليهم في مسيرهم وسار الحاج من دمشق والشام في هذه السنة صحبة الأمير الخاني أحد مقدمي أتراك السلطان تاج الدولة بعد العقد له بولايته وتأكيد خطابه بحمايتهم ووصيته. فلما وصلوا وقصدوا مناسكهم وفروض حجهم تلوموا عن الانكفاء أياماً خوفاً من أمير الحرم ابن أبي شيبة إذ لم يصل إليه من جهتهم ما يرضيه فلما رحلوا من مكة تبعهم في رجاله ونهبهم قريباً من مكة فعادوا إلى مكة وشكوا إليه وتضوروا لديه مما نزل بهم مع بعد دارهم فرد عليهم البعض من جمالهم وقتل في الوقعة أخو الأمير الخاني المقدم فلما أيسوا من رد المأخوذ لهم ساروا من مكة عائدين على أقبح صفة فحين بعدوا عنها ظهر عليهم قوم من العرب من عدة جهات فأحاطوا بهم فصانعوهم على ما دفعوه إليهم هذا بعد أن قتل من الحجاج جماعة وافرة وهلك قوم بالضعف والانقطاع وجرى عليهم من العرب المكروه وعاد السالم منهم على أقبح حال وأكسف بال.

(1/205)


وفيها توفي الامام أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن الحنبلي رحمه الله في يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي الحجة بدمشق وكان وافر العلم متين الدين حسن الوعظ محمود السمت

سنة سبع وثمانين وأربعمائة
في هذه السنة ورد الخبر من العراق بوفاة الخليفة الامام المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة بن القائم بأمر الله أمير المؤمنين فجأةً في ليلة السبت انتصاف المحرم وعمره ثمان وثلاثون سنة وتسعة أشهر وأيام مولده ليلة الأربعاء الثاني ويقال الثامن من جمادى الأولى سنة 448 وكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وخمسة أشهر وكان حسن السيرة جميل السريرة وولي الأمر بعده ولي عهده ولده أبو العباس أحمد المستظهر بالله أمير المؤمنين بن المقتدي بالله أمير المؤمنين وبويع له بالخلافة بعد أبيه في يوم الثلاثاء الثامن عشر من المحرم من السنة واستقام له الأمر وانتظمت بتدبيره الأحوال على قضية السداد وكنه المراد وعند ذلك قبض على إخوته واعتقلهم عنده وكان السلطان بركيارق عند وفاة المقتدي بالله رحمه الله مقيماً ببغداد وبقي فيها مقيماً إلى آخر السنة. وفي شهر ربيع الآخر منها برز السلطان تاج الدولة من دمشق في العسكر وتوجه إلى الشام وقطع العاصي في شهر ربيع الآخر وتقدم إلى العسكرية برعي الزراعات ونهب المواشي والعوامل ولما اتصل الخبر بذاك

(1/206)


إلى قسيم الدولة صاحب حلب شرع في الجمع والاحتشاد والتأهب لدفعه والاستعداد وأجمع على لقائه وانتهى الخبر إلى تاج الدولة بذاك ووصول بوزان صاحب الرها إليه في عسكره لاسعاده عليه وانجاده ولذلك وصول كربوقا صاحب الموصل ويوسف صاحب الرحبة في ألفين وخمسمائة فارس وحصول الجميع في حلب لمعونته ومؤازرته فرحل من منزله بكفر حمار إلى الحانوتة ثم منها إلى الناعورة وغارت الخيل على المواشي بها وأحرقوا بعض زرعها ورحل منها إلى ناحية الوادي ورحل قسيم الدولة في جمعه من العسكر وتقديره نحو من عشرين ألفاً وزيادة على ذلك لكنهم في أحسن زي وهيئة واتم آلة وعدة وقطع سواقي نهر سفيان قاصداً عسكر تاج الدولة وكان برزوه من حلب في يوم الجمعة الثامن من جمادى

(1/207)


الأول من السنة والتقى الفريقان غداة يوم السبت تاليه عقيب اقتران المريخ وزحل في برج الأسد المقدم ذكره بخمسة أيام وكان عسكراً كربوقا وبوزان لم يتمكنوا من قطع بعض السواقي فأقاموا على حالهم ولم يثق بمن كان معه من العرب فنقلهم في وقت المصاف من الميمنة إلى الميسرة ثم جعلهم في القلب فلم يغنوا شيئاً فنصر الله تعالى تاج الدولة وعسكره عليهم فانهزمت العرب وعسكر كربوقا وبوزان عند الحملة وعسكر يوسف وتحكمت السيوف فيهم وأسر قسيم الدولة اق سنقر صاحب حلب وأكثر أصحابه وحين أحضروا بين يدي السلطان تاج الدولة فأمر بضرب عنق قسيم ومن اتفق من أصحابه فقتلوا وتوجه أكثر الفل إلى حلب واجتمعوا بأهل البلد والأحداث وتقرر بينهم الاعتصام بحلب والاستنجاد بالسلطان بركيارق. فوصل تاج الدولة في الحال إلى حلب وقد اختلفت الآراء فيها بينهم وحاروا فيما يعملون عليه فوثب جماعة منهم لم يوبه لهم وكسروا باب البلد ونادوا بشعار تاج الدولة فدخل الأمير وثاب بن محمود بن صالح البلد في مقدميه وبادر إلى المقيم بقلعة الشريف التي قبلي حلب بالظهور إلى تاج الدولة ومن باب منها دخل تاج الدولة ونزل إليه رسول الأمير نوح صاحب قلعة حلب وزوجته وتوثقا منه وأخذا الأمان له من تاج الدولة وعادا إليه وأعلماه بما كان من تقرير الحال وأخذ الأمان

(1/208)


فسلمها إليه وحصل بها في يوم الاثنين الحادي عشر من جمادى الأولى وسلمت جميع الحصون إليه من الشام. وكان بوزان صاحب الرها في جملة من أسر في الوقعة فتقدم تاج الدولة بقتله فضربت عنقه صبراً وكذلك الأمير كربوقا صاحب الموصل كان قد أسر في الوقعة فاعتقل بحلب إلى أن تقرر أمر حلب ورتبت النواب والمستحفظون فيها وقرر أمره. ورحل السلطان تاج الدولة عن حلب في العسكر إلى ناحية الفرات وقطعه وقصد حران فاستعادها وكذلك سروج والرها وقصد ديار بكر وعدل عن طريق السلطان بركيارق لأنه كان نازلاً بأرض الموصل طالباً لخاتون زوج السلطان ملك شاه والدة أخيه محمود وكانت مستوليةً على أصفهان وجميع الأموال لمكاتبات ومراسلات ترددت بينهما في معنى الوصلة بينها وبينه واستقر الملك له ولها وكانت قد منعت السلطان بركيارق التصرف في تلك الأعمال والتقود فيها. وفي هذا الوقت حدثت زلازل في يوم وليلة دفعات لم يسمع بمثلها في كل زلزلة منها تقيم وتطول بخلاف ما جرت بمثله العادة. ورحل تاج الدولة عقيب ذلك ولم
يتمكن من الاتمام على سمته وعرفت خاتون الخبر فخرجت من أصفهان في عسكرها للقاء تاج الدولة فعرض لها في طريقها مرض حاد فتوفيت وتفرق عسكرها إلى جهة السلطان بركيارق وإلى غيره وحين عرف بكريارق ذاك سار في الحال إلى أصفهان فدخلها وملكها وقد كان أهلها أشرفوا على الهلاك لفرط الغلاء بها وعدم الأقوات فيها. ووصل من عسكر خاتون إلى تاج الدولة خلق كثير وكذلك من عسكر بركيارق فتضاعفت عدته وقويت شكوته ودعي له على منابر بغداد ووصل إلى همذان وكاتب ولده فخر الملوك رضوان بدمشق يأمره بالمسير إليه في من بقي من الأجناد في الشام فسار إلى حلب ومن حلب إلى العراق ومعه الأمير نجم الدين ايل غازي بن أرتق والأمير وثاب بن محمود بن صالح وجماعة من أمراء العرب وأتراك حلب القسيمية وتوجه صوب بغداد على الرحبة في أول سنة 487 من الاتمام على سمته وعرفت خاتون الخبر فخرجت من أصفهان في عسكرها للقاء تاج الدولة فعرض لها في طريقها مرض حاد فتوفيت وتفرق عسكرها إلى جهة السلطان بركيارق وإلى غيره وحين عرف بكريارق ذاك سار في الحال إلى أصفهان فدخلها وملكها وقد كان أهلها أشرفوا على الهلاك لفرط الغلاء بها وعدم الأقوات فيها. ووصل من عسكر خاتون إلى تاج الدولة خلق كثير وكذلك من عسكر بركيارق فتضاعفت عدته وقويت شكوته ودعي له على منابر بغداد ووصل إلى همذان وكاتب ولده فخر الملوك رضوان بدمشق يأمره

(1/209)


بالمسير إليه في من بقي من الأجناد في الشام فسار إلى حلب ومن حلب إلى العراق ومعه الأمير نجم الدين ايل غازي بن أرتق والأمير وثاب بن محمود بن صالح وجماعة من أمراء العرب وأتراك حلب القسيمية وتوجه صوب بغداد على الرحبة في أول سنة 487
وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية مصر بمرض أمير الجيوش بدر المستولي على أمرها وأنه أسكت في مرضه هذا ودام به إلى أن اشتد في جمادى الأولى منها وتوفي في العشر الأول منه وقد كان الأمر تمهد لولده الأفضل واستقامت حاله مع المقدمين وسائر الأجناد والعساكرية قبل وفاته وأطاعوا أمره وعملوا برأيه وقيل أن وفاة أمير الجيوش كانت في جمادى الأولى. وفي هذه السنة أيضاً وردت الأخبار من ناحية مصر بمرض الامام المستنصر بالله أمير المؤمنين في العشر الثاني من ذي الحجة وأن المرض اشتد به وتوفي إلى رحمة الله في ليلة عيد الغدير الثامن عشر من ذي الحجة سنة 487 وعمره سبع وستون سنة وستة أشهر ومولده سنة

(1/210)


420 ونقش خاتمه بنصر السميع العليم ينتصر الامام أبو تميم ومدة أيام دولته ستون سنة وأربعة أشهر وكان حسن السيرة جميل السريرة محباً للعدل والانصاف ومني في أكثر عمره من الأجناد بالعناد والاختلاف وولي الأمر بعده ولده أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله ولقب بالمستعلي بالله أمير المؤمنين وأخذ له البيعة على الأمراء والمقدمين من الأجناد والعسكرية وأعيان الرعية الأفضل أبو القسم شاهنشاه بن أمير الجيوش ونصبه في منصب أبيه المستنصر بالله واستقامت به الأحوال وانتظمت على غاية الايثار والآمال. وخرج أخواه من مصر خفيةً عبد الله ونزار ابنا المستنصر بالله فقصد نزار منهما الاسكندرية وحصل مع نصر الدولة واليها وكان من أكابر الغلمان الجيوشية الذين عول عليهم أمير الجيوش على إقامته في الأمر من بعده دون ولده فاستحكم الخلف بينه وبين الأفضل وجرت بينهما حروب ووقايع أسفرت عن ظفر الأفضل به واستقام له الأمر من بعده وصلحت أحوال مصر وأعمالها واستقامت بعد اضطرابها واختلالها. وأما ما يتعلق بمعرفة أحوال السلطان تاج الدولة فإنه تم في رحيله إلى مدينة الري فنزل عليها وضايقها وملكها واستولى على البلاد والأعمال والمعاقل من الشام وإلى الري وكان قد أنهض عسكراً مع بني عقيل ونمير إلى أعمال بني عقيل فاستولوا عليها ما خلا الموصل وساءت سيرة الأتراك في الأعمال وشملها منهم ما عاد عليها بالفساد وسوء الحال وانفدوا مواشي أهلها وأموالهم واستغرقوا بالنهب وارتكاب الظلم أحوالهم وأجلوهم عن منازلهم في زمن الشتاء وشدة البرد وسقوط الثلج والجليد.

(1/211)


وبرز السلطان بركيارق من أصفهان في العسكر وقصد جهة عمه السلطان تاج الدولة وخاف تاج الدولة من أهل الري أن يخامروا عليه إن أقام فرحل عنها ونزل في منزل على أربعة فراسخ منها ووصل السلطان بركيارق في عساكره وخيم بازائه وحالت بينهما طوالع الفريقين وتأهب كل منهما للقاء صاحبه ورتبت المصافات للحرب والتقى الفريقان في اليوم السابع عشر من صفر سنة 488 فانفل عسكر السلطان تاج الدولة وتفرق ونهب سواده وأثقاله وأسر أكثره وقتل منه الخلق الكثير واستشهد تاج الدولة رحمه الله في الجملة وقتله بعض أصحاب قسيم الدولة اق سنقر صاحب حلب بعد اصطناعه إياه وتقريبه له وحمل رأسه وطيف به في العسكر ثم حمل إلى بغداد وطيف به فيها