تاريخ دمشق لابن القلانسي

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
فيها ورد الخبر إلى الملك فخر الملوك رضوان بن تاج الدولة باستشهاد أبيه تاج الدولة وانفلال عسكره وهو نازل في عانة على الفرات في عسكره يريد الاتمام إلى بغداد ثم المصير إلى أبيه تاج الدولة حين استدعاه إلى الوصول إليه فاضطرب لذاك وقلق وخاف من وصول من يطلبه فحط مضاربه في الحال وقوضت خيام العسكر في الوقت ورحل مجداً في سيره في نفر من سرعان خيله وغلمانه وترك باقي عسكره من ورائه ولم يزل مغذاً في قصده إلى أن دخل حلب وفتح الوزير أبو القاسم النائب في القلعة أبوابها وأصعده إليها وأخذوا الأهبة لمن يقصدها.

(1/212)


ووصل إليه من الفل أخوه شمس الملوك دقاق ابن السلطان تاج الدولة من ناحية دياربكر وجماعة من خواص عسكره المفلول وأقام بحلب مدة يسيرة وراسله الأمير ساوتكين الخادم المستناب في القلعة والبلد وقرر له ملكة دمشق سراً فخرج في الحال من حلب من غير أن يعلم به أحد وجد في سيره ليله ونهاره فلما عرف الملك فخر الملوك خبره أنهض عدة من الخيل في أثره ففاتهم ولم يعرفوا له خبراً ولا وجدوا له أثراً ووصل إلى دمشق وحصل بها وأجلسه ساوتكين في منصب أبيه السلطان تاج الدولة وأخذ له العهد على الأجناد والعسكرية واستقام له الأمر واستمرت على السداد الأحوال. وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية الحجاز بأن الأمير اصفهبذ وصل إلى مكة في أربعمائة فارس من التركمانية فقاتل أهلها فقهرهم وملكها وقتل خلقاً كثيراً من حرابتها من أصحاب ابن أبي شيبة وانهزم ابن أبي شيبة وجمع الأشراف من مكة وحصل بها وأقام بها مديدةً يسيرةً ورحل عنها
وفي هذه السنة وردت الأخبار بخلاص الأمير ظهير الدين طغتكين أتابك من اعتقاله عقيب الكسرة التاجية وتوجه عائداً إلى دمشق وخرج صاحبه السلار حصن الدولة بختيار شحنة دمشق نحوه لتلقيه والعود في خدمته. وقد كان هذا الأمير المذكور في حداثة سنه ونضارة غصنه قد حظي عند السلطان الشهيد تاج الدولة ورشحه بحجره وقدمه على أبناء جنسه من خواصه

(1/213)


وبطانته وسكن إلى شهامته وصرامته وسداد طريقته ورد إليه بعد ذلك ما أنس منه الرشد وحسن التدبير في الصدر والورد والاسفهلارية على عسكريته واستنابه في تدبير أمر دمشق وحفظها أيام غيبته فأحسن السيرة فيها وأنصف الرعية من أهلها وبسط المعدلة في كافة من بها فكثر الدعاء له والثناء عليه فعلت منزلته وامتثلت أوامره وأمثلته ولم يلبث أن شاع ذكره بنجابته وأشفقت النفوس من هيبته فولاه ميافارقين من ديار بكر وهي أول ولايته وسلم إليه ولده الملك شمس الملوك دقاق واعتمد عليه في تربيته وكفالته فساس أمرها بالهيبة والتدبير وأصلح فاسدها في أقرب أوان ومدة ونكا في جماعة من مقدميها ووجوه أهلها حين عرف منهم خيانةً ومخامرةً نكايةً قامت بها الهيبة واستقامت معها أمور الرعية. وتنقلت به الأحوال إلى أن توجه مع السلطان تاج الدولة إلى ناحية الري وشهد الوقعة التي استشهد فيها تاج الدولة وحصل في قبضة الاعتقال مع من أسر من المقدمين وأقام مدة إلى أن أذن الله في الخلاص ووصل إلى دمشق في سنة 488 فتلقاه الملك شمس الدولة دقاق وعسكره وأرباب دولته وبولغ في اكرامه واحترامه ورد إليه النظر في الاسفهسلارية واعتمد عليه في تدبير المملكة وسياسة البيضة. واقتضت الحال فيها بينه وبين الملك وأمراء الدولة العمل على الأمير ساوتكين والايقاع به وتمم عليه الأمر وقتل وعقدت الوصلة بينه وبين ظهير الدين أتابك وبين الخاتون صفوة الملك والدة الملك شمس الملوك دقاق ودخل بها واستقامت له الحال بدمشق وأحسن السيرة فيها وأجمل في تدبير أهليها وبالغ في الذب عنها والمراماة دونها وسكنت نفس الملك شمس الملوك إليه واعتمد في التدبير عليه.

(1/214)


وقد كان الملك فخر الملوك رضوان بن تاج الدولة صاحب حلب مائلاً إلى دمشق ومحباً لها ومؤثراً للعود إليها ولا يختار عليها سواها لمعرفته بمحاسنها وترعرعه فيها فجمع وحشد واستنجد بالأمير سكمان بن ارتق وبرز طالباً لدمشق والنزول عليها وانتهاز الفرصة فيها. وقد كان الملك شمس الملوك دقاق والعسكر مع الأمير ياغي سيان والأمير نجم الدين ايل غازي قد غابوا عن دمشق في هذا الوقت فوصل الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب في عسكره ونزل بظاهر البلد في سنة 489 وزحف في العسكر لقتالها. وكان في البلد وزير الملك شمس الملوك زين الدولة محمد بن الوزير أبي القاسم ونفر قليل من العسكرية وانضاف إليهم جماعة من الأجناد وأهل البلد وأغلقت الأبواب وارتكبت الأسوار وصاحوا ورشقوهم بالسهام وكانوا قد بلغوا في الزحف إلى سوق الغنم وقربوا من السور والباب الصغير وطلب جماعة من العسكرية وأحداث البلد الخروج إليهم والدفع لهم عن البلد فمنعهم السلار بختيار شحنة البلد والرئيس أمين الدولة أبو محمد بن الصوفي رئيس البلد من الخروج وقاتلوهم على الأسوار ومنعوهم من الوصول إليها. واتفق الأمر المقتضى أن حجر المنجنيق وقع في رأس حاجب الملك رضوان وهو قائم يحرض على الحرب فقتله فسكنت الحرب واشتغلوا بأمره وعادوا إلى مخيمهم لأجله ولم يتم لهم أمر ولا تسهل لهم عرض وبلغهم أن الملك شمس الملوك عائد في العسكر إلى دمشق فرحل في العسكر عائداً إلى حلب خائباً في الأمر الذي طلب. وطلب في رحيله ناحية مرج الصفر وطلب حوران فعاث العسكر في أطرافها وطلب التوجه إلى بيت المقدس. وعاد شمس الملوك دقاق لما انتهى إليه الخبر في العسكر ووصل إلى دمشق وتبع عسكر الملك رضوان على أثره فوصل وتقارب المدى بين الفريقين وفصل الملك رضوان منكفئاً إلى حلب فوصل إليها في آخر ذي الحجة من السنة

(1/215)


سنة تسع وثمانين وأربعمائة
فيها وصل خلف بن ملاعب الذي كان السلطان ملك شاه أبو الفتح أخذه من حمص عند أخذها منه واعتقله بأصفهان وأطلق عند وفاة السلطان المذكور وتوجه إلى مصر. وفيها ورد الخبر بوفاة أبي مسلم وادع بن سليمان قاضي معرة النعمان والمستولي عليها في آخر صفر منها وكان له همة مشهورة وطريقة في اليقظة مشكورة. وفيها انكفأ الأمير ياغي سيان منفصلاً عن الملك شمس الملوك دقاق إلى بلده انطاكية في المحرم منها

سنة تسعين وأربعمائة
في مستهل شهر ربيع الأول منها اجتمع ستة كواكب في برج الحوت وهي الشمس والقمر والمشتري والزهرة والمريخ وعطارد وذكر أهل صناعة النجوم إنهم لم يعرفوا اجتماع هذه الكواكب في برج في قديم الزمان وحديثه ولا سمعوا ذاك. وفي شعبان منها ورد الخبر بأن الأمير جناح الدولة حسين أتابك الملك فخر الملوك رضوان بحلب استوحش من الملك استيحاشاً خاف معه على نفسه وكان زوج والدته ففصل عن حلب منكراً لما تم في أمره وكان أمر التدبير إليه والمعتمد في الحل والعقد فيها عليه ووصل إلى حمص في عسكره وخواصه وكان قراجة نائبه فيها فسلمها إليه وحصل بها وشرع في تحصينها والأحكام لجهات قلعتها ونقل أهله إليها وأمن على نفسه

(1/216)


باستقراره بها. ووصل عقيب انفصاله الأمير ياغي سيان من انطاكية إلى حلب وشرع في التدبير والتقرير بها والأمر والنهي في عسكريتها وأهليها وبرز الملك رضوان وياغي سيان من حلب في العسكر إلى ناحية شيزر عازماً على الاحتشاد والتأهب والاستعداد لمعاودة النزول على دمشق فأقاموا على شيزر تقدير شهر ووقع الخلف بين مقدمي العسكر فتفرقوا وعاد كل منهم إلى مكانه وعاد الملك إلى حلب. وفي هذه السنة ورد على فخر الملوك رضوان كتاب المستعلي بالله صاحب مصر مع رسوله يلتمس منه الدخول في طاعته وإقامة الدعوة لدولته وكذلك كتاب الأفضل يتضمن مثل هذه الحال فأجابهما إلى ما التمساه وأمر بأن يدعى للمستعلي على المنبر وللأفضل بعده ولنفسه بعده وأقامت الخطبة على هذه القضية تقدير أربع جمع وكان الملك رضوان قد بنى الأمر في ذلك على الاجتماع مع العسكر المصري والنزول على دمشق لأخذها من أخيه الملك دقاق فوصل الأمير سكمان بن ارتق وياغي سيان صاحب انطاكية إلى حلب وانكرا على الملك الدخول في هذا الأمر واستبدعاه من فعله وأشارا عليه بابطاله واطراح العمل به فقبل ما أشير إليه وأعاد الخطب إلى ما كانت عليه وفي أول شهر ربيع الأول من السنة وردت الأخبار بخروج العسكر المصري من مصر ونزوله على ثغر صور عند ظهور عصيان واليه المعروف بالكتيلة وخروجه عن الطاعة والايثار للخلف والعدول عن المخالصة في الخدمة والعود للمبايعة ولم يزل العسكر منازلها ومضايقاً عليها إلى أن

(1/217)


افتتحها بالسيف قهراً وقتل فيها الخلق الكثير ونهب منها المال الجزيل وأخذ الوالي أسيراً من غير أمان ولا عهد وحمل إلى مصر فقتل بها
وفي هذه السنة كان مبدأ تواصل الأخبار بظهور عساكر الافرنج من بحر القسطنطينية في عالم لا يحصى عدده كثرةً وتتابعت الأنباء بذلك فقلق الناس لسماعها وانزعجوا لاشتهارها. وصحت الأخبار بذاك عند الملك داود بن سليمان بن قتلمش وكان أقرب إليهم داراً فشرع في الجمع والاحتشاد وإقامة مفروض الجهاد واستدعى من أمكنه من التركمان للاسعاد عليهم والانجاد فوافاه منهم مع عسكر أخيه العدد الكثير وقويت بذاك نفسه واشتدت شوكته فزحف إلى معابرهم ومسالكهم وسبلهم فأوقع بكل من ظفر به منهم بحيث قتل خلقاً كثيراً وعادوا إليه واستظهروا عليه وكسروا عسكره فقتلوا منهم وأسروا ونهبوا وسبوا وانهزم التركمان بعد أخذ أكثر دوابهم واشترى ملك الروم من السبي خلقاً كثيراً وحملهم إلى القسطنطينية وتواصلت الأخبار بهذه النوبة المستبشعة في حق الاسلام فعظم القلق وزاد الخوف والفرق وكانت هذه الوقعة لعشر بقين من رجب. وفي النصف من شعبان توجه الأمير ياغي سيان صاحب أنطاكية والأمير سكمان بن أرتق والأمير كربوقا في العسكر إلى أنطاكية وقد وردت الأخبار بقرب الافرنج منها ونزولهم البلانة وخف ياغي سيان إلى أنطاكية وسير ولده إلى دمشق إلى الملك دقاق وإلى جناح الدولة بحمص وإلى سائر البلاد والأطراف بالاستصراخ والاستنجاد والبعث على الخفوف إلى الجهاد وقصد تحصين أنطاكية وإخراج النصارى منها. وفي اليوم الثاني من شوال نزلت عساكر الافرنج على بغراس وأعادوا

(1/218)


على أعمال أنطاكية فعند ذلك عصى من كان في الحصون المعاقل المجاروة لأنطاكية وقتلوا من كان فيها وهرب من هرب منها وفعل أهل ارتاح مثل ذلك واستدعوا المدد من الافرنج. وفي شعبان ظهر الكوكب ذو الذؤابة من الغرب وأقام طلوعه تقدير عشرين يوماً ثم غاب فلم يظهر وكان قد نهض من عسكر الافرنج فريق وافر يناهز ثلاثين ألفاً فعاثوا في الأطراف ووصلوا إلى البارة وفتكوا فيها تقدير خمسين رجلاً وكان عسكر دمشق وصل إلى ناحية شيزر لانجاد ياغي سيان فلما نزلت هذه الفرقة المذكورة على البارة ونهضوا نحوهم وتطاردوا وقتل منهم جماعة وعاد الافرنج إلى الروج وتوجهوا إلى أنطاكية. وغلا سعر الزيت والملح وغير ذلك وعدم في أنطاكية وتواصل ذلك إليها سرقةً فرخص فيها وجعل الافرنج بينهم وبين أنطاكية خندقاً لكثرة الغارات عليهم من عسكر أنطاكية وقد كان الافرنج عند ظهورهم عاهدوا ملك الروم ووعدوه بأن يسلموا إليه أول بلد يفتحونه ففتحوا نيقية وهي أول مكان فتحوه فلم يفوا له بذلك ولا سلموها إليه على الشرط وافتتحوا في طريقهم بعد الثغور والدروب. وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية حلب بفساد حال رئيسها المعروف بالمجن لما كان عليه من التمكن والغلبة على الأمر وارتكاب

(1/219)


الظلم بحيث قبض عليه ونهبت داره وقتل مع من قتل من أولاده واستؤصلت شأفته وذلك مجازاة الساعي في قتل النفوس وسفك الدماء وما هي من الظالمين ببعيد وذلك في ذي القعدة. وفي هذه السنة استوزر الملك رضوان أبا الفضل بن الموصول ولقب مشيد الدين بحلب

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة
في آخر جمادى الأولى منها ورد الخبر بأن قوماً من أهل أنطاكية من حملة الأمير ياغي سيان من الزرادين عملوا على أنطاكية وواطوا الافرنج على تسليمها إليهم لاساءة تقدمت منه في حقهم ومصادرتهم ووجدوا الفرصة في برج من أبراج البلد مما يلي الجبل باعوه للافرنج واطلعوهم إلى البلد منه في الليل وصاحوا عند الفجر فانهزم ياغي سيان وخرج في خلق عظيم فلم يسلم منهم شخص ولما حصل بالقرب من ارمناز ضيعة بالقرب من معرة مصرين سقط عن فرسه على الأرض فحمله بعض أصحابه وأركبه فلم يثبت على ظهر الفرس وعاود سقط فمات رحمه الله. وأما أنطاكية فقتل منها وأسر وسبي من الرجال والنسوان والأطفال ما لا يدركه حصر وهرب إلى القلعة تقدير ثلاثة آلاف تحصنوا بها وسلم من كتب الله سلامته

(1/220)


وفي شعبان منها وردت الأخبار بخروج الأفضل أمير الجيوش من مصر في عسكر كثير إلى ناحية الشام ونزل على بيت المقدس وفيه الأميران سكمان وايل غازي ابنا أرتق وجماعة من أقاربهما ورجالهما وخلق كثير من الأتراك فراسلهما يلتمس منهما تسليم بيت المقدس إليه من غير حرب ولا سفك دم فلم يجيباه إلى ذلك فقاتل البلد ونصب عليه المناجيق فهدمت ثلمة من سوره وملكه وتسلم محراب داود من سكمان ولما حصل فيه أحسن إليهما وأنعم عليهما وأطلقهما ومن معهما ووصلوا إلى دمشق في العشر الأول من شوال وعاد الأفضل في عسكره إلى مصر. وفيها توجه الافرنج إلى معرة النعمان بأسرهم ونزلوا عليها في التاسع والعشرين من ذي الحجة وقاتلوها ونصبوا عليها البرج والسلالم. وبعد افتتاح الافرنج بلد أنطاكية بتدبير الزراد وهو رجل أرمني اسمه نيروز في ليلة الجمعة مستهل رجب وتواصلت الأخبار بصحة ذلك تجمعت عساكر الشام في العدد الذي لا يدركه حصر ولا حزر وقصدوا عمل أنطاكية للايقاع بعساكر الافرنج فحصروهم حتى عدم القوت عندهم حتى أكلوا الميتة ثم زحفوا وهم في غاية من الضعف إلى عساكر الاسلام وهم في الغاية من القوة والكثرة فكسروا المسلمين وفرقوا جموعهم وانهزم أصحاب الجرد السبق ووقع السيف في الرجال المتطوعين والمجاهدين والمغالبين في الرغبة في الجهاد وحماية المسلمين في ذلك يوم الثلاثاء السادس من رجب في السنة

(1/221)


سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة
في المحرم منها زحف الافرنج إلى سور معرة النعمان من الناحية الشرقية والشمالية وأسندوا البرج إلى سورها وهو أعلى منه فكشفوا المسلمين عن السور ولم يزل الحرب عليه إلى وقت المغرب من اليوم الرابع عشر من محرم وصعدوا السور وانكشف أهل البلد عنه وانهزموا بعد أن ترددت إليهم رسل الافرنج في التماس التقرير والتسليم واعطاء الأمان على نفوسهم وأموالهم ودخول الشحنة إليهم فمنع من ذلك الخلف بين أهلها وما قضاه الله تعالى وحكم به وملكوا البلد بعد صلاة المغرب وقتل فيه خلق كثير من الفريقين وانهزم الناس إلى دور المعرة للاحتماء بها فأمنهم الافرنج وغدروا بهم ورفعوا الصلبان فوق البلد وقطعوا على أهل البلد القطائع ولم يفوا بشيء مما قرروه ونهبوا ما وجدوه وطالبوا الناس بما لا طاقة لهم به ورحلوا يوم الخميس السابع عشر من صفر إلى كفرطاب. ثم قصدوا بعد ذلك ناحية بيت المقدس آخر رجب من السنة وأجفل الناس منهم من أماكنهم ونزلوا أولاً على الرملة فملكوها عند إدراك الغلة وانتقلوا إلى بيت المقدس فقاتلوا أهله وضيقوا عليهم ونصبوا عليه البرج وأسندوا إلى السور. وانتهى إليهم خروج الأفضل من مصر في العساكر الدثرة لجهادهم والايقاع بهم وانجاد البلد عليهم وحمايته منهم فشدوا في قتاله ولازموا حربه إلى آخر نهار ذلك اليوم وانصرفوا عنه وواعدهم الزحف إليهم من الغد ونزل الناس عن السور وقت المغرب فعاود الافرنج الزحف إليه وطلعوا البرج وركبوا سور البلد فانهزم الناس عنه وهجموا على البلد فملكوه وانهزم بعض أهله إلى المحراب وقتل خلق كثير وجمع اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم وتسلموا المحراب بالأمان في الثاني والعشرين من شعبان من السنة وهدموا المشاهد وقبر الخليل علية السلام.

(1/222)


ووصل الأفضل في العساكر المصرية وقد فات الأمر فانضاف إليه عساكر الساحل ونزل بظاهر عسقلان في رابع عشر سهر رمضان منتظراً لوصول الاسطول في البحر والعرب فنهض عسكر الافرنج إليه وهجموا عليه في خلق عظيم فانهزم العسكر المصري إلى ناحية عسقلان ودخل الأفضل إليها وتمكنت سيوف الافرنج من المسلمين فأتى القتل على الراجل والمطوعة وأهل البلد وكانوا زهاء عشرة آلاف نفس ونهب العسكر وتوجه الأفضل في خواصه إلى مصر وضايقوا عسقلان إلى أن قرروا عليها بعده الافرنج عشرين ألف دينار تحمل إليهم وشرعوا في جبايتها من أهل البلد فاتفق حدوث الخلف بين المقدمين فرحلوا ولم يقبضوا من المال شيئاً وحكي أن الذين قتلوا في هذه الوقعة من أهل عسقلان من شهودها وتنائها وتجارها وأحداثها سوى أجنادها ألفان وسبعمائة نفس