تاريخ دمشق لابن القلانسي

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة
ولما وصل ظهير الدين أتابك إلى حلب للاجتماع مع نجم الدين على الأمر المقرر بينهما بعد مضي الأجل المعين عليه بتدبيرهما وجد التركمان قد اجتمعوا إليه من كل فج وكل صوب في الأعداد الدثرة الوافرة والقوة الظاهرة كأنهم الأسود تطلب فريسها والشواهين إذا حامت على مكاسرها. ووردت الأخبار ببروز روجير صاحب انطاكية منها في من جمعه وحشده من طوائف الافرنج ورجالة الأرمن من سائر أعمالهم وأطرافهم بحيث يزيد عددهم على العشرين ألف فارس وراجل سوى الأتباع وهو العدد الكثير في أتم عدة وأكمل شكة وإنهم قد نزلوا في الموضع المعروف بشرمدا وقيل دانيث البقل بين انطاكية وحلب فحين عرف المسلمون ذلك طاروا إليهم بأجنحة الصقور إلى حماية الوكور فما كان بأسرع من وقوع العين على

(1/319)


العين وتقارب الفريقين حتى حمل المسلمون عليهم وأحاطوا بهم من جميع الجهات وسائر الجنبات ضرباً بالسيوف ورشقاً بالسهام ومنح الله تعالى وله الحمد حزب الاسلام النصر على المردة الطغام ولم تمض ساعة من نهار يوم السبت السابع من شهر ربيع الأول من سنة 513 إلا والافرنج على الأرض سطحةً واحدةً فارسهم وراجلهم بخيلهم وسلاحهم بحيث لم يفلت منهم شخص يخبر خبرهم ووجد مقدمهم روجير صريعاً بين القتلى. ولقد حكي جماعةً من المشاهدين لهذه الوقعة إنهم طافوا في مكان هذه المعركة لينظروا آية الله تعالى الباهرة وإنهم شاهدوا بعض الخيول مصرعةً كالقنافذ من كثرة النشاب الواقع فيها. وكان هذا الفتح من أحسن الفتوح والنصر الممنوح لم يتفق مثله للاسلام في سالف الأعوام ولا الأنف من الأيام. وبقيت انطاكية شاغرةً خاليةً من حماتها ورجالها خاوية من كماتها وأبطالها فريسة الواثب نهزة الطالب فوقع التغافل عنها لغيبة ظهير الدين أتابك عن هذه الوقعة لتسرع التركمان إليها من غير تأهب لها للأمر النافذ والقدر النازل واشتغال الناس باحراز الغنائم التي امتلأت بها الأيدي وقويت بها النفوس وسرت بحسنها القلوب فتلك بيوتهم خاويةً والحمد لله رب العالمين وعاد ظهير الدين أتابك منكفياً إلى دمشق عقيب هذا الظفر ودخلها يوم السبت لليلة بقيت من جمادى الأولى سنة 513 فصادف الخاتون صفوة الملك والدة الملك شمس الملوك دقاق ابن السلطان تاج الدولة تتش بن السلطان البارسلان قد نهكها المرض وطال بها وقد أشفت على الموت وكانت لقدومه متوقعةً وإلى مشاهدته متطلعةً فأدركها وشاهدها وسمع مقالها وقبل وصيتها وأقامت القليل وتوفيت إلى رحمة الله ومغفرته

(1/320)


ورضوانه بين صلاتي الظهر والعصر من يوم الأحد آخر جمادى الأولى سنة 513 ودفنت عند ولدها في القبة التي بنتها على التلعة المطلة على الميدان الأخضر فلقد كانت من النساء المصوتات المحبة للدين والصدقات والتنزه عن الظلم يطلب الخيرات مع قوة النفس وشدة الهيبة ومعرفة التدبير فيما توخته في حق ظهير الدين عند وفاة ولدها الملك شمس الملوك إلى أن استقام له الأمر واستقرت في المملكة والدولة الحال وتسهلت له المطالب برأيها وهيبتها وسياستها والآمال. فقلق ظهير الدين لفقدها وتضاعف عليها حزنه وأسفه وتسلم ما خلفته واستخرج ما ذخرته وأودعته وعمل بوصيتها وفي رجب من هذه السنة توفي الأمير حارق بن كمشتكين العراقي في رجب منها وكان من مقدمي الدولة ووجوه أمرائها. وفيها وردت الأخبار من العراق بأن السلطان محمود ابن ابن السلطان غياث الدنيا والدين محمد بن ملك شاه توجه إلى عمه السلطان سنجر بن ملك شاه إلى خراسان ودخل عليه ووطئ بساطه بعد ما جرى بينهما من الوقائع والحروب فأكرمه واحترمه وأحمده وقرر أحواله على ما فيه صلاح أمره واستقامة حاله ووصله بابنته وأقره على مملكته وشرفه بخلعه وتكرمته وعاد منكفياً إلى أصفهان بلدته طامراً بأمله وبغيته وفي هذه السنة حكى من ورد من بيت المقدس ظهور قبور الخليل وولديه إسحق ويعقوب الأنبياء عليهم الصلاة من الله والسلام وهم مجتمعون في مغارة بأرض بيت المقدس وكأنهم كالأحياء لم يبل لهم جسد ولا رم عظم وعليهم في المغارة قناديل معلقة من الذهب والفضة وأعيدت القبور إلى حالها التي كانت عليه. هذه صورة ما حكاه الحاكي والله أعلم بالصحيح من غيره

(1/321)


سنة أربع عشرة وخمسمائة
فيها ورد الخبر من ناحية حلب بأن الأمير نجم الدين ايل غازي بن ارتق رفع المكوس عن أهل حلب والمؤن والكلف وأبطل ما جدده الظلمة من الجور والرسوم المكروهة وقوبل ذلك منه بالشكر والثناء والاعتداد والدعاء. وحكي عن ماردين إنها وقع عليها برد عظيم لم تجر بمثله عادة ولا أبصر أكثر منها ما أهلك المواشي وأتلف أكثر النبات والشجر. وفيها هدم نجم الدين زردنا وفيها كسر الأمير بلك بن ارتق عفراس الرومي وقتل من الروم تقدير خمسة آلاف على قلعة سرمان من بلد اندكان وأسر مقدمهم عفراس وفيها ورد الخبر بأن السلطان محمود كسر عسكر أخيه مسعود بباب همذان تحت الزعفراني. وفيها وردت الأخبار بوصول الكندهو كندهري ملكي الافرنج في المراكب البحرية وملك أكثر المعاقل. وفيها وقعت المهادنة بين نجم الدين ايل غازي بن ارتق صاحب حلب وبين الافرنج وتقررت الموادعة والمسالمة وكف كل جهة من الفريقين الأذية عن الآخر.

(1/322)


وفيها وردت الأخبار بأن السلطان محمود قصد حلة دبيس بن صدقة ابن مزيد في عسكره ونهبها وهزم عسكرها وانهزم دبيس إلى قلعة جعبر مستجيراً بصاحبها الأمير شهاب الدين مالك بن سالم بن مالك فأجاره وأكرمه واحترمه وقيل أنه انعقد بينهما صهر. وقيل إن في ذي الحجة من السنة هبت ريح شديدة هائلة منكرة بنواحي الخزر فخرب بها كنائس ومعاقل وقلعت كثيراً من شجر الزيتون. وقيل أن جوسلين غار على العرب والتركمان النازلين بصفين وغنم منهم ومن مواشيهم بشاطيء الفرات وفي عوده خرب حصن بزاعة

سنة خمس عشرة وخمسمائة
في هذه السنة وردت الأخبار بقتل الأفضل بن أمير الجيوش صاحب الأمر بمصر رحمه الله ثاني عيد الفطر بأمر رتب له وعمل فيه عليه إلى حين أمكنت الفرصة فيه فانتهزت الفرصة وصودف راكباً في موكبه مجتازاً في بعض أسواق القاهرة وقد كان على غاية من التحرز والتحفظ واستعمال الاحتراس والتيقظ لا سيما من الطائفة الباطنية والاحتياط منهم بأنواع السلاح ووافر الغلمان والخدم والعبيد والعدد المختلفة والسيوف الماضية وكان المرتب لقتله والمرصد له جماعة فوثب عليه رجل من بعض الشوارع بحيث شغل أصحاب الركاب ووثب الآخر من بين يديه فضربه ضربات سقط بها عن ظهر جواده إلى الأرض وقتلا في الحال وحمل إلى داره وبه رمق وتوفي رحمه الله من يومه وادعى إن الباطنية تولوا قتله

(1/323)


وليس ذلك صحيحاً بل ذلك ادعاء باطل ومحال زائل وإنما السبب الذي اجتمعت عليه الروايات الصحيحة التي لا تشك في هذا الأمر فساد ما بينه وبين مولاه الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين لتضييقه عليه ومنعه مما تميل نفسه إليه ومنافرته إياه في بعض الأوقات. وقد كان هذا الخلف المستمر بينهما قد ظهر بمصر لكثير من أهلها وتحدثوا فيه وكان الآمر قد عزم على اغتياله إذا دخل عليه في قصره للسلام عليه أو في أيام أعياد وقويت نفسه على اتمام هذا الأمر فمنعه من ذلك الأمير أبو الميمون عبد المجيد وقال له: إن هذا الأمر إذا تم على هذه القضية كان فيه شناعة وسوء سمعة لأن هذا وأباه في خدمتنا منذ خمسين سنة لا يعرف الناس في سائر أقطار البلاد غير هذا فما يقال في مثل هذه الحال في مجازاتنا لمن هذه صفته هذه المجازاة الشنيعة والمكافأة الفظيعة وما العذر في ذاك إلى الناس وهم لا يعلمون ما في نفوسنا له وما ننقم عليه بسببه وما يعرفون منه في ظاهر الأمر إلا الموالاة الخالصة والطاعة الصادقة والذب عن الدولة والمحاماة عنها ولا بد أن تدعو الضرورة إلى إقامة غيره في مكانه والاعتماد عليه في منصبه فيتمكن كتمكنه أو بعضه فتحذر من الدخول إلى قصرنا خوفاً على نفسه مما جرى على غيره وإن دخل علينا كان خائفاً معداً وإن خرج عنا خرج وجلاً مستعداً. وفي هذا الفعل ما يؤكد الوحشة ويدل على فساد التدبير في اليوم وفيما بعد بل الصواب في التدبير أن تستميل أبا عبد الله محمد بن البطائحي الغالب على أمره المطلع على سره وجهره

(1/324)


وتراسله وتعده وتمنيه وتطمعه في منصبه فإنه يجيب إلى ذلك ويعين عليه لأمرين أحدهما ديناً لأن مذهبه مذهبنا واعتقاده موالاتنا ومحبتنا والثاني للدنيا وحبها وكونه يصير في منصبه فيها ويدبر الأمر عليه بمن لا يعرف ولا يوبه له ولا يلتفت إليه ممن يغتاله إذا ركب فإذا ظفرنا بمن قتله قتلناه وأظهرنا الطلب بدمه والحزن عليه والأسف لفقده فيكون عذرنا عند كافة الرعية مبسوطاً ويزول عنا قبح القالة وسوء السمعة فاستقر الأمر على هذه القضية وشرع في اتمامه والحال فيه ظاهرة وقضى الله عليه قضاء المحتوم وسر الآمر بمقتله سروراً غير مستور عن كافة الخاصة بمصر والقاهرة. وقيل إن الموضع الذي قتل فيه بمصر عند كرسي الجسر في رأس السويقتين في يوم الأحد سلخ شهر رمضان سنة 515 وعمره إذ ذاك 57 سنة لأن مولده كان بعكاء سنة 458 وكان حسن الاعتقاد في مذهب السنة جميل السيرة موثراً للعدل في العسكرية والرعية صائب الرأي والتدبير عالي الهمة ماضي العزمة ثاقب المعرفة صافي الحس كريم النفس صادق الحدس عادلاً عن الجور حائداً عن مذاهب الظلم فبكته العيون وحزنت له القلوب ولم يأت الزمان بعده بمثله ولا حمد التدبير عند فقده وانتقل الأمر بعده إلى صاحبه الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين واشتمل على خزائنه وأمواله وذخائره وكراعه وأثاثه وهو الغاية في الكثرة والوفور وانتظمت للآمر الأمور على المأثور وأقام أبا عبد الله بن البطائحي ووفى له بوعده ولقبه بالمأمون وبسط يده في البرم والنقض والرفع والخفض

(1/325)


ووردت الأخبار في هذه السنة بظهور الكرج من الدروب وقصدهم بلاد الملك طغرل فاستنجد بالأمير نجم الدين ايل غازي بن ارتق صاحب حلب وبالتركمان وبالأمير دبيس بن صدقة بن مزيد فأجابوا إلى ما دعاهم إليه وبعثهم عليه وتوجهوا نحوه في خلق عظيم فانهزم جمع الكرج خوفاً وعاد فرقاً وضايقهم المسلمون وضايقوهم في الدروب فعادوا على المسلمين فهزموهم وقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً وقصدوا مدينة تفليس فافتتحوها بالسيف وقتلوا من كان فيها

(1/326)


وفي هذه السنة هبت بمصر ربيح سوداء ثلاثة أيام فأهلكت شيئاً كثيراً من الناس والحيوان

(1/327)


سنة ست عشرة وخمسمائة
في هذه السنة وردت الأخبار من ناحية بغداد بأن الأمير دبيس بن صدقة بن مزيد جمع واحتشد وقصد بغداد في حشده وعاث في أطرافها وأفسد في أكنافها فخرج الامام الخليفة المسترشد بالله أمير المؤمنين من دار الخلافة واجتمعت إليه الأجناد وظهر إليه وحمل عليه فهزمه وتم إلى الحلة فنهبها ونهبت مقابر قريش ببغداد وما بها من القناديل الفضة والستور والديباج وعاد إلى بغداد ودخلها في المحرم سنة 517 وورد الخبر فيها بأن السلطان محمود سخط على وزيره لأشياء نقمها عليه وأنكرها منه وأمر بالقبض عليه ثم تقدم بقتله فقتل

(1/328)


وفي صفر منها توجه عائداً إلى مدينة أصفهان. وفي صفر ورد الخبر من ناحية حلب إن أبا الفضل بن الموصول وزير الملك رضوان توفي بحلب في الشهر وكان حسن الطريقة يميل إلى فعل الخير وعن قصد الشر. وفيها جاء سيل عظيم حتى دخل إلى ربض قلعة جعبر فغرق أكثر دورها ومساكنها وهدمها وأخرج منها فرساً حمله من الربض حتى رمى به من أعلى السور في الفرات وقيل إن عدة الدور الهالكة بهذا السيل الجارف ثمانمائة مكان، وقيل إن الأمير نجم الدين بن ارتق خرج من حلب في عسكره وقطع الفرات وصادف الافرنج فلم يلقوه فأتلف ما ظفر به في أعمالهم وعاد منكفئاً إلى الفنيدق بظاهر حلب وفي هذه السنة وصل الأسطول المصري إلى صور وهو مشحن بالرجالة البحرية وطائفة من العساكر. وفي نفس الوالي العمل على الأمير سيف الدولة مسعود الوالي بصور من قبل الأمير ظهير الدين أتابك. فلما خرج للسلام على والي الأسطول سألوه النزول فلما حصل في مركب المقدم اعتقله وتمت عليه المكيدة وحصل البلد في أيديهم ولما اقلع الأسطول ووصل إلى مصر وفيه الأمير مسعود أكرم وأنزل في دار وأطلع له ما يحتاج إليه. والسبب كان في هذا التدبير إن شكاوي أهل صور تتابعت إلى الآمر بأحكام الله والأفضل بما يعتمده مسعود مع الرعية من الأضرار لهم والمخالفة للعادة والموافقة لهم فاقتضت الآراء التدبير عليه وإزالة ما كان من الولاية إليه وكانت عاقبة خروجه منها وسوء التدبير فيها خروجها إلى الافرنج وحصولها في ملكتهم

(1/329)


وفي هذه السنة ورد الخبر بأن الأمير نور الدولة يلك بن ارتق نهض في عسكره في أيام من رجب وقصد الافرنج بالرها وأوقع بهم وكسرهم وأسر مقدمهم جوسلين وابن خالته كليان وجماعة من مقدميهم عند سروج. وورد الخبر بوفاة الأمير نجم الدين ايل غازي بن ارتق بعلة عرضت له وهو نازل في قرية تعرف بالفحول من عمل ميافارقين من ديار بكر في السادس من شهر رمضان من السنة وقام في منصبه بعد، ولده شمس الدولة سليمان وأخوه تمرتاش أبناء نجم الدين وملكا ماردين وأقاما مدة متفقين وجرى بينهما خلف استمر من كل منهما. وفيها توفي الحاجب فيروز شحنة دمشق في آخر ربيع الآخر منها

سنة سبع عشرة وخمسمائة
فيها وردت الأخبار من ناحية بغداد ببروز الامام المسترشد بالله أمير المؤمنين وفي جملته الأمير اق سنقر البرسقي عازماً على قصد الأمير دبيس بن صدقة بن مزيد لما هو عليه من الخلاف والمجاهرة بالعصيان

(1/330)


والفساد في الأعمال وقصدوا الحلة وانتهبوها وارتفع السعر ببغداد حتى بلغ الخبز ستة أرطال بدينار. وورد الخبر من ناحية حلب باستقرار المهادنة بين الأمير بدر الدولة بن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب وبين الافرنج على تسليم قلعة الأثارب إلى الافرنج فتسلموها وحصلت في أيديهم واستمرت الموادعة على هذا واستقامت أحوال الأعمال من الجانبين وأمنت السابلة للمترددين فيها بين العملين في صفر من السنة

(1/331)


وفيها ورد الخبر بنهيض بغدوين ملك الافرنج في عسكره إلى ناحية حلب إلى الأمير بلك بن أرتق في تاسع صفر منها وهو منازل الحصن كركر فنهض إليه والتقيا بالقرب من منظرة فكسره وأسره وحصل في يده أسيراً مع جماعة من وجوه عسكره فاعتقله في جب في قلعة خرتبرت مع جوسلين ومقدمي الافرنج. وفي آخر صفر نهض ظهير الدين أتابك في العسكر فهجم ربض حمص ونهبه وأحرقه وبعض دوره وكان طغان أرسلان بن حسام الدولة قد وصل إلى حمص لمعونة خيرخان صاحبها فعاد ظهير الدين عنها إلى دمشق وورد الخبر من ناحية حلب بنزول الأمير بلك بن أرتق عليها في ربيع الأول منها وأحرق زرعها وضايقها إلى أن تسلمها بالأمان في يوم الثلاثاء غرة جمادى الأولى من بدر الدولة ابن عمه عبد الجبار بن أرتق وقد كان ذلك تسلم مدينة حران في شهر ربيع الأول. وفيها وردت الأخبار بوصول فريق كثير من عسكر لواتة من ناحية الغرب إلى مصر وأفسدوا في أعمالها وظهر إليهم المأمون أبو عبد الله بن

(1/332)


البطائحي المقام في مقام الأفضل الشهيد بن أمير الجيوش في عسكر مصر بأمر صاحبه الامام الآمر بأحكام الله بن المستعلي بالله ولقيهم فكسرهم وقتل وأسر منهم خلقاً كثيراً وقرر عليهم خرجاً معلوماً يقومون به في كل سنة وعادوا إلى أماكنهم وعاد المأمون إلى مصر غانماً منصوراً وبحسن الظفر مسروراً. وفيها ورد الخبر بأن أصطول مصر لقي أصطول البنادقة في البحر فتحاربا فظفر به اصطول البنادقة وأخذ منه عدة قطع. وفي العشر الأول من شهر ربيع الأول منها ملك الأمير بلك بن أرتق حصن البارة وأسر اسقفها وفي هذه السنة ورد الخبر من ناحية خرتبرت بأن الملك بغدوين الرويس وجوسلين مقدمي الافرنج وغيرهم من الأسرى الذين كانوا في أسر الأمير بلك المعتقلين في قلعة خرتبرت عملوا الحيلة فيما بينهم وملكوا القلعة وهربوا...... الملك بغدوين ونجا ولم يظفروا به وهرب في ذلك اليوم أيضاً اسقف البارة من اعتقاله.

(1/333)


وفي الشهر المذكور توجه الأمير نور الدولة بلك في عسكره إلى خرتبرت

(1/334)


وضايق قلعتها إلى أن استعادها من الافرنج الواثبين عليها ورتب فيها من يحفظها ويتيقظ فيها. وفي هذه السنة ورد الخبر بأن محمود بن قراجة والي حماة خرج في رجاله وقصد ناحية أفامية وهجم ربضها فأصابه سهم من الحصن في يده ولما قلع منه عملت عليه وتزايد أمرها فمات منه وكان عاهراً ظالماً متمرداً وقتل جماعة من أعيان حماة ظلماً وتعدياً بسعاية بعضهم على بعض ولما عرف ظهير الدين ذلك انهض إلى حماة من تسلمها وتولى أمرها من ثقاته وفيها ورد الخبر بالنوبة الكائنة بين السلطان مغيث الدنيا والدين محمود وبين أخيه طغرل ابني السلطان محمد وأن السلطان محمود صافه وكسره وخزمه وملك عسكره وأن طغرل استعان بالأمير دبيس بن صدقة بن مزيد واستنجد به عليه وأجيب إلى ذلك. وفي هذه السنة كانت النوبة الكائنة بين عسكري ظهير الدين أتابك الدمشقي وسيف الدين اق سنقر البرسقي حين تجمعوا ونزلوا على عزاز من عمل حلب ومضايقتها بالنقوب والحروب إلى أن سهل أمرها فتجمع الافرنج من كل صوب وقصدوا ترحيل العسكر عنها والتقى الجيشان وانفل جيش المسلمين وتفرقوا بعد قتل من قتل وأسر من أسر وعاد ظهير الدين أتابك إلى دمشق في جمادى الأولى من السنة. وفي شهر رمضان من السنة توجه الحاجب علي بن حامد إلى مصر رسولاً عن ظهير الدين أتابك

(1/335)