تاريخ دمشق لابن القلانسي

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة
أول هذه السنة يوم الجمعة بالرؤيا مستهل المحرم وفيه اجتمع الأمير عماد الدين أتابك بالخاتون صفوة الملك والدة الأمير شهاب الدين بظاهر حمص وقد اجتمع عنده جماعة وافرة من رسل الخليفة والسلطان ومصر والروم ودمشق وغير ذلك. وفي هذا الشهر غارت الافرنج على ناحية بانياس ونهض شهاب الدين في العسكر في أثرهم فلم يدركهم وعاد إلى البلد وفي يوم الثلاثاء الرابع من صفر جاءت في دمشق زلزلة هائلة بعد الظهر اهتزت بها الأرض ثلاث مرات وتلاها في ليلة الجمعة وقت عشاء الاخرة ثانية اهتزت بها الأرض عدة مرات. وفي ليلة الاثنين التاسع عشر من صفر عادت الزلزلة في الثلاث منها ثلاث مرات فتبارك رب هذه القدرة الباهرة والآية الظاهر وعادت في ليلة الأربعاء يتلوها في الربع الأخير من ليلة الجمعة وتناصرت الأخبار من الثقات السفار والواردين من ناحية الشمال بصفة هذه الرجفات المذكورات وأنها كانت في حلب وما والاها من البلاد والمعاقل والأعمال أشد ما يكون بحيث انهدم في حلب الكثير من الدور وتشعث السور واضطربت جدران القلعة وظهر أهل حلب من دورهم إلى ظاهره من خوفهم على نفوسهم ويقول المكثر من الحاكي أن الزلزلة جاءت تقدير مائة مرة وقوم يحققون أنها ثمانون مرةً والله أعلم بالغيب والصواب تبارك الله رب العالمين القادر على كل شيء

(1/420)


وفي يوم السبت السابع عشر من شعبان الموافق للتاسع من نيسان جاء رعد هائل مختلف من عدة جهات وبرق زائد وجلبات هائلة قبل الظهر ثم جاء مع ذلك مطر شديد الوقع وبرد هائل حكي بعض الثقات أنه وزن واحدةً من كبار البرد فكان وزنها في ناحية الغوطة والمرج ثمانية دراهم وكان آخرون وزنوا واحدةً فكانت سبعة عشر درهماً وقتل كثيراً من الطير وأتلف كثيراً من الطير والزرع والثمار وفي يوم الأربعاء النصف من شوال وردت الأخبار من ناحية مصر بالحادثة الكائنة بمصر بين الأجناد بها بحيث قتل بينهم من الفريقين الخلق الكثير من الخيالة والرجالة على مضي ست ساعات من نهار يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شوال جاءت رجفة هائلة ارتاعت لها القلوب ورجفت به الصدور
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شوال من السنة في غداته ظهرت الحادثة المدبرة على الأمير شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بن ظهير الدين أتابك وقتله في فراشه وهو في نومه في ليلة الجمعة المذكورة بيد غلمانه الملاعين البغش الأرمني الذي اصطنعه وقربه إليه واعتمد في اشغاله عليه ويوسف الخادم الذي وثق به في نومه لديه والخركاوي الفراش الراقد حواليه ووقوع الزحف عند اشتهار هذا الخبر إلى كاتبه النفيس أبي طالب عقيل بن حيدرة مستوفي ديوان المعاملات وقتله في الطريق عند أخذه من الدار التي لجأ إليها واختفى عند هروبه فيها. وكان هؤلاء الثلاثة النفر الجناة الملاعين يبيتون حول سريره فلما قرر معهم هذا الأمر رقدوا في

(1/421)


أماكنهم على جاري عادتهم فلما انتصف الليل وتحققوا نومه وثبوا عليه فقتلوه في فراشه على سريره وصاح فراش آخر كان معهم فقتلوه أيضاً ودبروا أمرهم بينهم وأخفوا سرهم بحيث خرجوا من القلعة وظهر الأمر وطلب البغش لعنه الله فهرب ونهب بيته ومسك الآخران فصلبا على سور باب الجابية. وكتب إلى الأمير جمال الدين محمد بن تاج الملوك أخيه صاحب بعلبك بصورة الحال فبادر بالوصول إلى دمشق في أسرع وقت وأقرب أوان فجلس في منصبه وعقد الأمر له واستحلف الأمراء والمقدمين والأعيان على الطاعة والمناصحة في خدمته فتقررت الحال وسكنت الدهماء وظهرت الكائنة وانكشفت الغماء وحين انتهى الخبر إلى الخاتون صفوة الملك والدة الأمير شهاب الدين رحمه الله قلقت وانزعجت وحزنت عليه وأسفت وأكبرت هذا الأمر وحدوث مثله على ولدها وراسلت الأمير عماد الدين أتابك وهو بناحية الموصل معلمةً له بصورة الحال وباعثةً لهمته على النهوض لطلب الثأر من غير تلوم ولا اغفال فحين وقف على الخبر امتعض له أشد الامتعاض ول يكن باستمرار مثله بالراضي وصرف الاهتمام إلى التأهب لما حرصته عليه واشارت إليه والاستعداد له والاحتشاد لقصده وثني أعنة الاعتزام إلى ناحية الشام مجداً في قصد دمشق لبلوغ كل مطلب ينحوه ومرام وتناصرت الأخبار بهذه العزيمة إلى دمشق فوقع الاحتياط والتحرز من جانبه والاستعداد ثم تلى ذلك ورود الخبر بنزوله على بعلبك في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة من السنة في عسكر كثيف وجم غفير.

(1/422)


وقد كانت قبل نزوله عليها قد شحنت بالرجال المقاتلة والعدد الكاملة ورد أمر الولاية فيها إلى معين الدين أنر وقد تمكنت حالته وارتفعت رتبته ونفذت أوامره في الدولة وأمثلته فنصب عليها عدة من المناجيق وواصل المحاربة لأهلها وبالغ في المضايقة لها وقيل أن عدة المنجنيقات المنصوبة عليها أربعة عشر منجنيقاً يرمي عليها بالنوبة ليلاً ونهاراً بحيث أشرف من بها على الهلاك. ولم تزل هذه حالها إلى أن ورد الخبر بافتتاحها بالأمان لشدة ما نزل بأهلها من البلاء والمضايقة والنقوب وبقيت القلة وفيها جماعة من شجعان الأتراك المندوبين لحمايتها والذب عنها فلما أيسوا من معين يأتيهم من المعين ووصول من ينقذهم من البلاء المحيط سلموها إلى عماد الدين أتابك بعد أخذ أمانه والتوثق منه. فلما حصلت في ملكته نكث عهده ونقض أمانه لحنق أسره وغيظ على من كان فيها أكنة فأمر بصلبهم ولم يفلت منهم إلا من حماه أجله فاستبشع الناس ذلك من فعله واستبدعوه من نكثه. وقد كان الخبر ورد قبل ذلك بافتتاح عماد الدين أتابك قلعة الأثارب في يوم الجمعة أول صفر من السنة المقدم ذكرها. ووردت الأخبار بأن رجفةً عظيمة حدثت في الشام بعد ما تقدم ذكره في ليلة الجمعة الثامن من صفر منها وفي شهر رمضان منها ورد الخبر بأن الأمير الأفضل رضوان بن ولخشى صاحب الأمر بمصر خرج منها لأمر خاف معه من صاحبه الامام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين ووصل إلى صرخد وأن أمين الدولة كمشتكين الأتابكي واليها تلقاه بالاكرام ومزيد الاعظام والاحترام وأقام في ضيافته وكرامته مدة ثم عاد من عنده طالباً لمصر لأمر كان دبره وسبب قرره

(1/423)


فلما وصل إليها فسد ذلك التدبير عليه ولم ينل ما كان صرف همه إليه فاعتقل في القصر مكرماً ومبجلاً محترماً
وفيها توفي النقيب الامام جمال الاسلام أبو الحسن علي بن محمد بن الفتح السلمي الشافعي متولي المدرسة الامامية في يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة منها وهو ساجد في صلاة الغداة رحمه الله وكان مشهوراً بوفور العلم في التفقه وقوة الفرائض والوعظ والدين والأمانة بحيث وقع التألم لفقده وافتقر إلى مثله من بعده

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة
أول هذه السنة المباركة يوم الثلاثاء بالرؤية مستهل المحرم. وفيه ورد الخبر بفراغ عماد الدين أتابك من ترتيب أمر بعلبك وقلتها وترميم ما تشعث منها وشروعه في التأهب للنزول على مدينة دمشق لمضايقتها وورد عقيب ذلك الخبر برحيله عنها في العسكر ونزوله في البقاع في شهر ربيع الأول منها وأنفذ رسوله إلى الأمير جمال الدين محمد بن تاج الملوك بوري بن أتابك صاحبها في التماس تسليم البلد إليه ويعوض عنه بما يقع الاختيار والاقتراح عليه فلم يجب إلى ما رغب فيه فرحل عن البقاع ونزل على داريا ظاهر دمشق في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر منها. وكان عند نزوله على داريا قد التفت الطلائع فظفر بجماعة وانهزم الباقون إلى البلد وزحف بعد ذلك إلى البلد في عسكر من ناحية المصلى في يوم الجمعة الثامن وعشرين من شهر

(1/424)


ربيع الآخر من السنة فظفر بجماعة وافرة من أحداث البلد والغوطة وأطلق السيف فيهم فمنهم من مضى قتيلاً وأسيراً ومنهم من عاد إلى البلد سالماً وجريحاً وأشرف البلد في هذا اليوم على الهلاك لولا لطف الله تعالى وعاد إلى مخيمه بمن أسر بعد من قتل وأمسك أياماً عن الحرب. وتابع المراسلة والتلطف في تسليم البلد وأخذ العوض عنه بعلبك وحمص وما يقترح معهما فأثر جمال الدين محمد بن تاج الملوك الدخول في هذا الأمر لما فيه من الصلاح وحقن الدماء وعمارة الأعمال وسكون الدهماء واباءة غيره عند الاستشارة فيه وجعل يزحف بعسكره في أيام متفرقة بحيث لم يصدق في القتال ولا بالغ في التضييق والنزال اشفاقاً من سفك الدماء كالكاف المسالم والمتأني في الوقائع والمغانم. وابتدأ بجمال الدين محمد ابن تاج الملوك مرض اتصل به في جمادى الأولى من السنة فصار يخف تارةً ويثقل ويمضي ويعود ويقل ويزيد إلى أن اشتد به اشتداداً وقع اليأس معه منه ولم يكن له فيه طيب ولا راق ولم يزل على هذه الحال إلى أن قضى محتوم نحبه وصار إلى رحمه ربه في ليلة الجمعة الثامن من شعبان منها في الوقت الذي أصيب فيه أخوه شهاب الدين محمود بن تاج الملوك رحمهما الله فعجب الناس من ذلك واتفاق الوقت والساعة وسبحوا الله وقدسوه وجهز ودفن في تربة جدته بالفراديس.
فاجتمع رأي المقدمين وأصحاب الأمر من بعده على سد ثلمة فقده بنصب ولده الأمير عضب الدولة أبي سعيد آبق بن جمال الدين محمد في مكانه وأخذت له بذلك العود المؤكدة بالايمان المشددة على الاخلاص في الطاعة والصدق في الخدمة والمناصحة فاستقام الأمر وصلح التدبير وزال الخلف وسكنت الأمور بعد اضطرابها وقرت النفوس بعد استيحاشها. وحين عرف عماد الدين أتابك هذه القضية زحف في عسكره إلى البلد طامعاً في خلف يجري بين المقدمين بوفاته فينال به بعض طلباته فكان الأمر بالضد

(1/425)


مما أمل والحال بالعكس فيما ظن ولم يصادف من أجناد دمشق وأحداثها إلا الثبات على القراع والصبر على المناوشة والمصاع فعاد منكفئاً إلى عسكره وقد ضعفت نفسه وضاق لهذا الأمر صدره. وقد كان تقرر الأمر مع الافرنج على الاتفاق والاعتضاد والمؤازرة والاسعاد والامتزاج في دفعه والاختلاط في صده عن مراده ومنعه ووقعت المعاهدة على ذلك بالأيمان المؤكدة والضمان للوفاء بما بذلوه والتمسوا على ذلك مالاً معيناً يحمل إليهم ليكون عوناً لهم على ما يحاولونه وقوةً ورهاناً تسكن بها نفوسهم وأجيبوا إلى ذلك وحمل إليهم المال والرهائن من أقارب المقدمين وشرعوا في التأهب للانجاد والاستعداد للمؤازرة والاسعاد وكاتب بعضهم بعضاً بالبعث على الاجتماع من سائر المعاقل والبلاد على ابعاد أتابك وصده عن نيل الأرب من دمشق والمراد قبل استفحال أمره واعضال خطبه وقوة شوكته واستظهاره على عصب الافرنج وقصد بلادهم
فحين تيقن صورة الحال في هذا العزم وتجمعهم لقصده مع عسكر دمشق رحل عن منزله بداريا في يوم الأحد الخامس من شهر رمضان طالباً ناحية حوران للقاء الافرنج إن قربوا منه وطلبهم إن بعدوا عنه وأقام على هذا الاعتزام مدةً ثم عاد إلى ناحية غوطة دمشق ونزل بعذراء يوم الأربعاء لست بقين من شوال فأحرق عدة ضياع من المرج والغوطة إلى حرستا التين ورحل يوم السبت تالي متشاملاً حين تحقق نزول الافرنج بالمدان في جموعهم. وكان الشرط مع الافرنج أن يكون في جملة المبذول لهم انتزاع ثغر بانياس من يد ابراهيم من طرغت وتسليمها إليهم فاتفق أن ابرهيم بن طرغت واليه كان قد نهض من أصحابه إلى ناحية صور للاغارة عليها فصادفه ريمند صاحب أنطاكية في قصده واصلاً إلى اسعاد الافرنج على انجاد أهل دمشق فالتقيا فكسره وقتل في الوقعة ومعه نفر يسير من

(1/426)


أصحابه وعاد من بقي منهم إلى بانياس فتحصنوا بها وجمعوا إليها رجال وادي التيم وغيرهم ومن أمكن جمعه من الرجال للذب عنها والمراماة دونها فنهض إليها الأمير معين الدين في عسكر دمشق ونزل عليها ولم يزل محارباً بالمنجنيقات ومضايقاً لها بأنواع المحاربات ومعه فريق وافر من عسكر الافرنج عامة شوال وورد الخبر بأن الأمير عماد الدين أتابك قد نزل على بعلبك وأنفذ يستدعي التركمان من مطانهم كذا في شوال لقصد بانياس ودفع المنازلين لها عنها ولم تزل الجالية جارية على هذه القضية إلى آخر ذي الحجة من السنة ووردت الأخبار من ناحية مصر بأن الأفضل بن ولخشي لما فصل عن صرخد ووصل إلى ظاهر مصر أن الأتراك الذين انضموا إليه عملوا عليه وغدروا به وانتهبوا ما كان معه من كراع وسواد فحين وجدوا منه الغرة والغفلة لم يبقوا على شيء مما صحبه وتفرقت عنه أصحابه ورجاله وبقي فريداً فحصل في أيدي الحافظية أسيراً ووكل به من يحفظه ويحتاط عليه وهذا الأفضل المقدم موصوف بالشجاعة والفروسية وعلو الهمة ومضاء العزمة والبسالة وحسن السياسة وذكاء الحس ولكن المقادير لا تغالب والأقضية لا تدافع والله يفعل ما يشاء ويختار. ولم تزل بانياس على حالها في المضايقة والمحاصرة إلى أن نفدت منها الميرة وقل قوت المقاتلة فسلمت إلى معين الدين وعوض عنها الوالي الذي كان بها بما أرضاه من الاقطاع والاحسان وسلمها إلى الافرنج ووفى لهم بالشروط ورحل عنها منكفئاً إلى دمشق ظافراً بأمله خامداً لعمله في أواخر شهر شوال وفي صبيحة يوم السبت السابع من ذي القعدة من السنة حصل عماد الدين أتابك بعسكره جريدةً بظاهر دمشق ووصل المصلى وقرب من سور

(1/427)


البلد ولم يشعر به أحمد لكون الناس في أعقاب نومهم فلما تبلج الصباح وعرف خبره علت الجلبة والصياح ونفر الناس واجتمعوا إلى الأسوار وفتح الباب وخرجت الخيل والرجالة وكان قد فرق عسكره إلى حوران والغوطة والمرج وسائر الأطراف للغارة ووقف هو في خواصه بازاء عسكر دمشق بحيث لا يمكن أحداً من أصحابه في اتباع أحد من خيله المغيرة ونشبت الحرب بينه وبين عسكر دمشق وخرج من الفريقين جملة وافرة وأحجم عنهم لاشتغاله بمن بثه من سراياه في الغارات وحصل في أيديهم من خيول الجشار والأغنام والأحمال والأبقار والأثاث ما لا يحصى كثرةً لأنهم جاءوا على غفلة وغرة ونزل من يومه بمرج راهط إلى أن اجتمعت الرجال والغنائم وسار عائداً على الطريق الشمالية بالغنائم الدثرة المتناهية في الكثرة ووردت الأخبار من ناحية بغداد بعزل الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي عن وزارة الامام المقتفي بأمر الله وتقليدها الوزير نظام الدين ابن جهير

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
في شهر رمضان منها ورد الخبر بظهور عسكرية عسقلان على خيل الافرنج الغائرين عليها وقتل جماعة منهم وعودهم مفلولين خاسرين. وفيها ورد الخبر من ناحية الشمال بتملك الباطنية حصن مصياث بحيلة دبرت عليه ومكيدة نصبت له.

(1/428)


وفيها توفي البدليسي امام المسجد الجامع بدمشق في ثالث ذي الحجة منها رحمه الله وكان حسن الطريقة قليل التبذل جيد الحفظ والقراءة والتصون ووقع الاختيار على الشيخ الامام أبي محمد بن طاووس في إقامته مكانه لما فيه من حسن الطريقة والتصون والتدين والقيام بقراءة السبعة المشهورة

سنة ست وثلاثين وخمسمائة
فيها ورد الخبر من ناحية الشمال باغارة الأمير لجه التركي النازح عن دمشق إلى خدمة الأمير عماد الدين أتابك على بلد الافرنج وظفره بخيلهم وفتكه بهم بحيث ذكر أن عدة المقتولين منهم تقدير سبعمائة رجل. وفيها ورد الخبر من ناحية العراق بايقاع عسكر السلطان غياث الدنيا والدين ركن الاسلام والمسلمين مسعود بن محمد بحلة بني خفاجة ونهبها وقتل من ظفر به لكثرة فسادهم وتزايد عنادهم واخافتهم السابلة وأخذهم كل رفقة من التجار الصادرة والقافلة وعوده إلى بغداد ظافراً غانماً وفيا توفي النقيب الامام أبو القسم عبد الوهاب بن عبد الواحد الحنبلي رحمه الله في.....

(1/429)


بمرض حاد عرض له فأضعفه وقضى فيه نحبه وكان على الطريقة المرضية والخلال الرضية ووفور العلم وحسن الوعظ وقوة الدين والتنزه مما يقدح في أفعال غيره من المتفقهين وكان يوم دفنه يوماً مشهوراً من كثرة المشيعين له والباكين حوله والمؤبنين لأفعاله والمتأسفين عليه وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية العراق بالوقعة الهائلة بين السلطان المعظم ناصر لدين الله كذا سنجر بن ملك شاه سلطان الشرق وبين كافر ترك الواصل من ناحية الصين عندما وراء النهر وكان في عسكر لا يحصى عدداً وقصده السلطان سنجر في عسكر يناهزه والتقى الجمعان فظهر عسكر كافرترك على عسكر السلطان سنجر فكسره وخزمه وقتل أكثره إلا اليسير ممن حماه أجله واشتمل على ما حواه من الأمال والحرم والكراع والسواد وهو شيء لا يحيط به وصف فيوصف ويحصر ولا يدركه نعت فيذكر وعاد السلطان منهزماً إلى بلخ

(1/430)


وفيها ورد الخبر بوفاة ضياء الدين أبي سعيد بن الكفرتوثي وزير الأمير عماد الدين أتابك في خامس شعبان وكان على ما حكي عنه حسن الطريقة جميل الفعل كريم النفس مرضي السياسة مشهور النفاسة والرئاسة. وفيها ورد الخبر بوفاة الأمير سعد الدولة صاحب آمد وجلوس ولده محمود في منصبه من بعده فانتظم له الأمر من بعد فقده. وفيها ورد الخبر بوفاة الأمير ولد الدانشمند رحمه الله وانتصاب ولده في منصبه من بعده واستقام له الأمر. وفيها توفي الشيخ أبو محمد بن طاووس امام المسجد الجامع بدمشق في يوم الجمعة سابع عشر من المحرم من السنة

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة
فيما وردت الأخبار من ناحية مصر بعظم الوباء في الاسكندرية والديار المصرية بحيث هلك هناك الخلق العظيم والجم الغفير. وفي يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ربيع الأول توفي القاضي

(1/431)


بهجة الملك أبو طالب علي بن عبد الرحمن بن أبي عقيل بمرض صعب كان فيه قضاء نحبه وانتقاله إلى رحمه ربه وهو من جلالة القدر وجميل الذكر على الطريقة المرضية المشهورة والسجية المستحسنة المشكورة وفيها ورد الخبر بظهور صاحب أنطاكية إلى ناحية بزاعة وأن الأمير سوار النائب في حفظ حلب ثناه عنها وحال بينه وبينها. وفيها وردت الأخبار بظهور متملك الروم إلى الثغور دفعةً ثانيةً بعد أوله وبرز إليه صاحب أنطاكية وخدمه وأصلح أمره معه وطيب نفسه وعاد عنه إلى أنطاكية وفيها وردت الأخبار بأن الأمير عماد الدين أتابك استوزر الأجل أبا الرضا ولد أخي جلال الدين بن صدقة وزير الخليفة. وفيها ورد الخبر بأن الأمير عماد الدين أتابك افتح قلعة اشب المشهورة بالمنعة والحصانة. وفي شهر رمضان منها ورد الخبر بموت متملك الروم. وفيها توفي القاضي المنتجب أبو المعالي محمد بن يحيى في يوم الأربعاء النصف من شهر ربيع الأول منها ودفن بمسجد القدم رحمه الله وتولى بعده القضاء ولده القاضي أبو الحسن علي بن محمد القرشي وكتب له منشور القضاء من قاضي القضاة ببغداد

(1/432)