تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء
قد مضت سياقة أمر
ابن الفرات ونحن نتبعه بما عرفناه من أخباره منثورا
حدث أبو الفتح عبد الله بن محمد المروزي الكاتب قال: حدثني بعض الشيوخ
الكتاب أن أبا الحسن بن الفرات قال لأبي منصور ابن جبير كاتبه: أينا
أكفى أو علي بن عيسى؟ فقال: الوزير أكفى وأضبط. قال: دعني من استعمال
التقية واسلك معي سبيل الحقيقة. قال: إن أردت أن تخبر ما عندي وتسبر
عقلي فاجعلني آمناً في قولي. قال له: أنت آمن قال: إذا حضر علي بن عيسى
بين يدي خليفة فأراد أن يكتب سراً كتب وأسحى وختم وخرط ولم يحتج إلى
معين، وأنت تستدعي زنجياً ليكتب،
(1/72)
وللزنجي صاحب دواة فيقرأ فيخرج السر فيما
بين ذلك. فقال له: فضلت علياً علينا. قال: لم أفضله ولكن يكون كاتبك.
وقيل: إنه لما خلع على أبي الحسن بن الفرات خلع الوزارة زاد في ذلك
اليوم في ثمن الشمع قيراط في كل من، وزاد سعر القراطيس لكثرة استعماله
لهما ولأنه كان من رسمه ألا يخرج أحد من داره في وقت عشاء إلا ومعه
شمعة منوية ودرج منصوري، وأنه سقي في داره في ذلك اليوم والليلة أربعون
ألف رطل ثلجاً. وحدث أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري الشاهد
قال: حدثني الكاتب النصراني الملقب بظر أُم الدنيا قال: قال أبو الحسن
بن الفرات: أصل أمور السلطان مخرقة فإذا تمت واستحكمت صارت سياسة. وحدث
أبو محمد يحيى بن محمد بن فهد قال: حدثني بعض شيوخ الكتاب ببغداد عمن
حدثه أنه: سمع أبا الحسن بن الفرات يقول لأبي جعفر بن بسطام وكان سيء
الرأي فيه:
(1/73)
ويحك يا أبا جعفر ما قصة لك في رغيف؟ قال:
ما أعرف لي قصة فيه. قال لتصدقني فإنه خير لك. قال: نعم، إن أمي كانت
امرأة صالحة، وعودتني منذ يوم ولدت أن تجعل تحت رأسي عند نومي في كل
ليلة رغيفاً فيه رطل، فإذا كان الصباح تصدقت به، فأنا أفعل ذلك إلى هذه
الغاية. فقال ابن الفرات: ما سمعت بأعجب من هذه الحال. اعلم أنني من
أقبح الناس رأياً فيك، وأشدهم انحرافاً عنك، لأمور أوجبت ذاك، منها
ومنها؛ وعدد بعضها. وكنت مفكراً منذ أيام في القبض عليك ومصادرتك. فإذا
أويت إلى فراشي في منامي كأنني قد استدعيتك لأقبض عليك فتمتنع علي
وتحاربني، وأتقدم بمحاربتك، فتخرج إلى من قد أمرته بمحاربتك وبيدك رغيف
كالترس تدفع به السهام فلا تصيبك، وأنتبه، وإذ قد أخبرتني بأمر هذا
الرغيف فأُشهد الله تعالى أنني قد وهبت كل ما في نفسي عليك، وعدت لك
إلى أجمل نية، وأحسن طوية. فاسكن وانبسط. فأكب أبو جعفر على يديه
ورجليه يقبلهما. وحدث أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي، في أيام عطلته
وكبر سنه ولزومه بيته، قال: عرضت على أبي الحسن بن الفرات رقعةً في
حاجة لي، فقرأها ثم وضعها بين يديه ولم يوقع فيها، فأخذتها وقمت وأنا
أقول متمثلاً من حيث يسمع:
وإذا طلبت إلى كريم حاجةً ... فأبى فلا تعقد عليه بحاجب
(1/74)
فلربّما منع الكريم وما به ... بخلٌ ولكن
شؤم جدّ الطالب
فقال وقد سمع ما قلته: ارجع يا أبا جعفر بغير شؤم جد الطالب، ولكن إذا
سألتمونا الحاجة فعاودونا، فإن الله تعالى يقلب القلوب، هات رقعتك،
فأعطيته إياها فوقع بما أردت فيها. ولما طهر المقتدر بالله بعض ولده في
سنة خمس وثلاثمائة. أنفذ إلى الوزير أبي الحسن ابن الفرات ثلاث موائد،
استدارة المائدة الكبيرة منها خمسون شبراً، يحملها حمالون بدهوق، وريم
أن تدخل من باب الدار التي ينزلها، فضاق عنها، حتى قلع ووسع الموضع.
وحمل إليه في عشي هذا اليوم تختان، فيهما ثوب وشي منسوج بالذهب، وثوب
أخضر، وثلاثة أثواب بيضاً وصينية ذهب فيها دنانير ولوز وجوز وفستق
وبندق، وما يجري هذا المجرى من الأصناف، وجميعه من ذهب، وقدره خمسة
آلاف دينار. وحدث أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن إسماعيل زنجي. قال:
حدثني أبو صلح مفلح الأسود خادم المقتدر بالله قال: كان أبو القاسم
سليمان بن الحسن عند تقلده وزارة المقتدر بالله يكثر ذكر أبي الحسن علي
بن محمد بن الفرات بحضرة المقتدر بالله والطعن عليه، وتبين من المقتدر
بالله النكرة لما يسمعه منه، فلما كان في بعض الأيام عاد سليمان بن
الحسن ذكر ابن الفرات والوقيعة فيه، فقال له المقتدر بالله:
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللّوم أوسدّوا المكان الذي سدّوا
قال: فتأملت سليمان وقد امتقع لونه وما أعاد بعدها ذكره.
(1/75)
وحدث أبو علي زكريا بن يحيى الكاتب قال:
كنت في ديوان السواد في وزارة أبي الحسن بن الفرات الثانية في يوم
ثلاثاء، وكان أكثر الكتاب يخلون بالحضور فيه، وأصحاب المجالس في مجلس
الوزير أبي الحسن للمظالم، فوافى فرانق وقال لميمون الخازن: قال لك
الوزير أحضرني جماعة جازر والمدينة العتيقة لسنة أربع ومائتين، فأخذها
وركب بغل الفرانق حتى لحق بالمجلس، فلما انصرف ميمون وأبو الحسين الصقر
بن يحيى بن شاذان عرض خرجاً في أمر قطيعة براز المباركة كان أبو القاسم
الكلوذاني أخرجه من مجلسه، ووقع الكتاب أسماءهم عليه على الرسم في ذلك
الوقت، وعليه توقيع أبي منصور عبد الله بن جبير صاحب مجلس الأصل. فقال
الوزير أبو الحسن: أصح ما في هذا الخرج من ذكر هذه القطيعة سنة أربع
ومائتين وهي على حك؟ لست أُمضيه. فقال زكريا بن يحيى بن شاذان لأبي
القاسم الكلوذاني: أخرجه. فتأمل الكلوذاني ذكر السنة، فوجد تحت اسم
الضيعة: هذه اللفظة على حك، بخط دقيق فقال: ما أعرف حكا، وهذا خط عبد
الله ابن جبير. فاعترف عبد الله بن جبير بخطه وقال: لما وجدت الاسم على
حك حكيت الصورة. وأقام أبو القاسم على أنه لا حك هناك، وحلف بأيمان
غليظة لا مخرج له منها إلا بالطلاق والعتاق وما شاكلهما على ذلك. فتقدم
بإحضار ميمون الخازن والجماعة، فلما تصفحها الوزير وجد الحك وواقف
الكلوذاني عليه. فخجل وتحير. وفتش الوزير التفصيل إلى أن انتهى إلى باب
المبيع، فكان حاصل براز المباركة مما بيع مصابرةً ونسبت إلى القطيعة.
فعلم الوزير ومن حضر أن الحك في
(1/76)
الصدر على سبيل حيلة ممن رفع ذكر الحك.
وانصرف الكلوذاني مسروراً ومن نسب إليه الحك مغموماً. ووقع لابن شاذان
بإمضاء القطيعة.
وحدث أبو منصور فرخانشاه بن إسحاق: أنه كان يوماً مع أبي الحسن على ابن
الحسن بن هبنتي القنائي بحضرة أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات وهو زير
الدفعة الأخيرة، فدخل إليه أبو بكر بن قرابة، وجلس ودنا منه وساره بما
لم نسمعه حتى نفض أبو الحسن يده وأبعده وقال له جاهراً بالقول: أتقول
لي: لا يوحشك شيء بلغك عن امرأة؟! والله لو علمت أنني إذا ذكرت لملك
الروم وبين يديه بطارقته، وملك الترك وحواليه عدده لم ترتعد فرائصهما
لما قعدت هذا المقعد! أتخوفني من كلام امرأة؟ عني بذلك السيدة أم
المقتدر بالله. فلما خرجنا من حضرته أقبل علي أبو الحسن وقال لي: سمعت
الكلام؟ قلت: نعم. قال: هذا آخر عهد الوزير بالحياة فما مضت مديدة حتى
قبض عليه.
وقال أبو الفضل بن حمد: دخل أبو الحسن علي بن محمد بن نصر بن بسام على
أبي علي بن مقلة إلى ديوان الدار في وزارة أبي الحسن بن الفرات الأولى.
فقال له أبو علي: قال لي الوزير: قد تغير شعر علي بن محمد. فأخذ قلماً
من دواته وكتب في رقعة شيئاً، ودفعها إليه، وسأله أن يعرضها على ابن
الفرات وكان فيها:
قالوا تغيّر شعره عن حاله ... فالسوق كاسدةٌ بغير تجار
أمّا الهجاء فقد عراني كثرةً ... والمدح قلّ لقلّة الأحرار
وحدث أبو القاسم قريب بن قريب قال: رفع الفراجلة إلى أبي الحسن
(1/77)
ابن الفرات: أن رجلاً من اليهود ادعى أن
معه كتاباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره بإخراج الكتاب،
فلما قرأه قال: هذا مزور، لأن خيبر افتتحت بعد تاريخ كتابك بسبعة وستين
يوماً، ولكنا نحتمل عنك جزيتك إعظاماً لحق من لجأت بالاعتصام به. قال
أبو القاسم قريب: فرجع إلى كتب التاريخ فوجد الأمر كما ذكره ابن
الفرات. وقال أبو الحسن بن الفرات في مجلسه وفيه خواصه وقد جرى ذكر
السواد: لم سمي السواد سواداً؟ فذكر كل واحد ما عنده. فقال: ليس كذلك،
إنما سمي السواد لأن العرب لما جاءته في أيام عمر ابن الخطاب رضي الله
عنه، وأشرفت عليه، ونظرت إلى مثل الليل من النخل والشجر والزرع والمياه
قالت: ما هذا السواد؟ فسمي سواداً لذلك. والعرب تقول: سواد الأرض
وبياضها، فالسواد: العامر. والبياض الغامر. وحدث أبو عمر بن الأطروش
قال: كنت بحضرة أبي الحسن علي بن الفرات يوماً وهو جالس للقواد، فعرض
أحمد بن عبد الرحمن بن جعفر بن الخياط رقاعاً كثيرةً، فوقع فيها، حتى
بلغ إلى بعضها فقرأها ووضعها بين يديه، فعاوده أحمد فيها، فقال: يا
هذا، إن كان بيني وبين علي بن عيسى ما يعرفه الناس فإنني لا أدع الصدق
عنه وقول الحق فيه حياً كان أو ميتاً. علي بن عيسى لا يطلق يده بمثل
هذه التوقيعات في أموال السلطان، ولا يتجوز، مع المألوف منه في
الاستقصاء والاحتياط وتجنب ما يعيبه. وقد أمسكت عن أن أقول هذا القول
حتى أحوجتني إليه.
وأومى أن التوقيع مزور. فخجل ابن الخياط وقام.
(1/78)
ولما جمع بين أبي الحسن بن الفرات وحامد بن
العباس وعلي بن عيسى في دار السلطان، وعلي بن عيسى كالسكة المحماة علي
ابن الفرات، لأنه قرر في نفس المقتدر بالله مكاتبته الجنابي وحمله
الألطاف إليه، بدأ ابن الفرات فقال لعلي ابن عيسى: يا أبا الحسن، بعد
السن والوزارة والرئاسة والاستشهاد في الأطراف بالكفاية وعلو المنزلة
صرت عوناً لهذا! يعني حامداً قال علي بن عيسى: فكنت كنار صب عليها
الماء فما ناطقته بحرف. فقال به أبو القاسم بن الحواري وكان يحطب في
حبل حامد: وأي عيب في هذا؟ الجماعة خدم السلطان يتصرفون على ما رآه لهم
وأمرهم به، ومنازلهم في الخصوص عنده غير منقوصة ولا محطوطة. فقال ابن
الفرات لحامد لما أمسك علي بن عيسى: أيها الوزير، متى رأيت وزيراً ضمن
النواحي، وخرج يطوف على الغلات، ووكل خدمة الخليفة وعلم سره وتدبير
العامة والخاصة إلى ضده، اللهم إلا أن يكون اشتاق إلى وطنه وداره؟ يعرض
بأن له مالاً مستوراً يريد مراعاته فتحير حامد وأمسك. فلما أمسكوا قال
ابن الفرات: لأي شيء جمعنا. فقال حامد: لتبين للسلطان خياناتك. فتبسم
وقال: فبين بارك الله عليك فإن كفايتك حسنة. قال: كنت ترتفق من العمال.
قال: أنت أحمد عمالي فإن كنت ارتفقت منك أو سامحتك بفضل في يدك أو حق
ترك لك فاذكر ما يجب عليك رده ليلزمني أرش الجناية في المسامحة به
والخيانة فيه.
(1/79)
فأخذ حامد في السفه والشتيمة وابن الفرات
مطرق يبتسم. وأُمر القوم بالانصراف، فخرج علي بن عيسى وهو يقول: ما كان
أغنانا عن هذا الاجتماع.
فحدث مؤنس بن عبد الكريم قال: قال لي المحسن بن علي بن الفرات: كاتبت
أبي وهو محبوس وأشرت عليه بأن يضمن حامداً وعلي بن عيسى وأسبابهما
فامتنع، وقد كان المقتدر بالله يعرض ذلك عليه فيأبى. وقال لرسولي:
العافية أعفى لي، قد استرحت وأمنت وعلت سني مع ذلك، وتعرضي لما قد
استرحت منه جهل. فلما خاطبه ابن الحواري بما خاطبه به أحفظه فضمن القوم
على أن لا يعارض فيهم، وخرج ففعل المحسن ابنه الأفاعيل المشهورة، وقتل
ابن الحواري وغيره. فلما قبض عليه قام في نفسه أنه مقتول وقال لشفيع
وقد تسلمه: قل لأمير المؤمنين: إن آمنتني وحميتني أعطيتك مالاً كثيراً
وجوهراً خطيراً وأشياء نفيسةً ذخرتها، وإن سلمتني إليهم لم أُعطك والله
حبةً واحدة. فلم يورد شفيع هذه الرسالة على المقتدر، لشيء كان في نفسه
على ابن الفرات. فلما أُمر بتسليمه إلى ابن بعد شر قال لشفيع: يا أبا
الغصن، ليس بيننا إلا عبور دجلة والوفاء بأحد الضمانين. فوفى بما قال،
ولم يعطهم شيئاً. وكان المكتفي بالله أمر العباس بن الحسن أن يجرد
جيشاً إلى الحاج، فإذا انصرفوا وحصلوا بالكوفة طلب حينئذ زكرويه. فقال
له العباس: إلى رجوع الحاج ربما يكفي الله مؤُونته. وجلس العباس في
داره وعنده وجوه الكتاب والقواد، فقال لهم: إن أمير المؤمنين أمرني
بكذا وكذا، وإني أشرت بترك طلب
(1/80)
زكرويه، فإن الله سيريح منه قبل وقت الحاج.
فما ترون؟ فكل صوب رأيه، وأبو الحسن بن الفرات ساكت لا ينطق. فقال له
العباس: ما عندك يا أبا الحسن. قال: ألا تخالف أمير المؤمنين، فإن ما
رأى صواب كان توفيقاً، وخطأ كان على رأيه دون رأيك. فأقام على رأيه
الأول وكان من الوقعة بالحاج ما كان. وكان الحسين بن حمدان ورد إلى باب
الشماسية ليدخل إلى حضرة المقتدر بالله، فوقف أبو الحسن بن الفرات على
أنهم يريدون الفتك به. فكتب إليه مبتدئاً: قرأت كتابك تذكر علتك
بالنقرس، والخلع توافيك بمكانك. ففهم المعنى وتعالل، فوجه إليه بالخلع
وولى ديار ربيعة وغيرها. وقال أبو بكر بن قرابة: شكي إلى أبي الحسن بن
الفرات عامل قطربل وإغفاله عمل البزندات. فوقع إليه: ينبغي أن تراعى
العمل قبل الوقت للوقت، وفي الوقت للوقت قال: وسمعته يقول: العامل في
أول سنة أعمى، وفي الثانية أعور، وفي الثالثة بصير. قال: وجاراني يوماً
ذكر أبي بن مقلة وسعايته به، فقال لي: سبيل كل عاقل أن يتحامى هذا
الرجل ولا يقبله، فقد كان جرى مثل أمره في أيام
(1/81)
إسماعيل بن بلبل، وذلك أنه كثرت شكوى
المعتمد إلى أخيه الموفق من إسماعيل، فأراد الموفق أن يقضي حقه بصرف
إسماعيل إلى أن يسكن ما في نفس المعتمد، فقال له: اخرج إلى ضياعك بكوثي
وأقم فيها مدة شهر معتزلاً للعمل، ثم عد بعد ذلك. وقلد مكانه الحسن ابن
مخلد. فاستخلف الحسن أبا نوح، وكان أبو نوح يكاتب إسماعيل بن بلبل
بأخبار الحسن، فلما عاد إسماعيل إلى الوزارة حضره أبو نوح، وجعل يخاطبه
مخاطبة مأنوس به. وإسماعيل يلوي وجهه عنه. فلما خلا به أقبل عليه وقال
له: إن الحال التي قدرتها قربتك مني هي التي نفرتني منك ومنعتني الثقة
إليك، لأنك إذا لم تصلح لمن اصطنعك ورفعك وقلدك من العمل أكثر مما
قلدتك لم تصلح لي، وما أُحب كونك بحضرتي ولا اختلاطك بخاصتي. فاختر
بريد ناحية تشاكل طبعك. فاختار بريد ماء البصرة، فقلده إياه. وقال أبو
الحسن بن قرابة: سمعت أبا الحسن بن الفرات يقول لكاتب نجع وقد سأله
تضمينه الصدقات بفارس: إنما يرغب في عقد الضمان على تاجر ملي، أو عامل
وفي، أو تانيء غني. فأما أصحاب الحروب فعقد الضمان عليهم ومطالبتهم
بالخروج من أموالها تستدعي منهم العصيان، وخلع طاعة السلطان. قال:
وسمعته يقول: من وازن من الكتاب المحاسبة، وأوضح الحجة في المكاتبة،
وألزم العامل الواجب في المعاملة، كان حقيقياً بما انتسب إليه.
(1/82)
قال: وسمعته يقول: العمارة بالرغبة، وحفظ
الغلة بالرهبة. فقل استخراج وقع في أيام عمارة إلا أبطلها. وقد كان
عبيد الله بن يحيى يكتب إلى العمال في أيام العمارة: أغلقوا أبواب
دواوين الخراج، واصرفوا المستخرجين من حضرتكم.
قال: وسمعت هشام بن عبد الله يقول: كتب أبو الحسن بن الفرات إلى نجح
وقد أنفذ أبا جعفر حمد بن إسحاق المادرائي متقلداً للخراج بدارا بجرد،
من عمله: السيف تابع والقلم متبوع، وقل سيف غلب القلم إلا كان داعية
الخراب.. ولما قدم عبيد الله بن سليمان من الجبل في أيام المعتضد بالله
رحمة الله عليه صار إليه أبو العباس وأبو الحسن ابنا الفرات في عشي
يوم، فوجداه يميز أعمالاً وكتباً، وبين يديه كانون عظيم يحرق ما لا
يحتاج إليه، فدفع إلى أبي العباس إضبارة ضخمةً وقال له: يا أبا العباس
هذه الإضبارة وقائع وسعايات بك وبأخيك من أسبابكما وثقاتكما وصنائعكما
وردت علي بالجبل، فخبأتها لك لتعرف بها من ينبغي أن تحترس منه، وتعامل
كل واحد بما يستحقه. فأكثر أبو العباس في شكره والدعاء له، وبدأ أبو
الحسن يقرأ شيئاً من الإضبارة، فانتهزه أبو العباس وقال: لا تقرأ شيئاً
منها. وأخذها فطرحها في الكانون وقال: ما كنت لأقابل نعمة الله على ما
وهبه لي من تفضل الوزير بما يوجب الإساءة إلى أحد، ولا حاجة لي إلى
قراءة ما يوحشني من أسبابي، ويجر عليهم إساءةً مني. فلما نهضنا قال
عبيد الله بن سليمان: أردت التفرد بمكرمة فسبقني أبو العباس إليها وزاد
علي فيها. قال وحدثني ابن الأجري صاحب ابن الفرات قال: كنت لا أكاد
أحضر
(1/83)
مجلس الوزير أبي الحسن إلا ليلاً، فحضرت
يوماً نهاراً لأمر سألنيه ابن أبي البغل، فوجدت عنده المحسن ابنه، فلم
أخاطبه بشيء خوفاً من بوادره وشره، حتى نهض وخلا المجلس، فقلت له: ابن
أبي البغل يعلم محلي من الوزير، وصار إلي البارحة ليلاً فقال لي: لم
أجد من آمنه على نفسي غيرك، وقد قصدتك لتستأذن لي الوزير في الخروج إلى
عبادان لأقيم بها وألبس الصوف وآمن على نفسي. قال: وإذا المحسن قد عاد،
فأمسك أبو الحسن حتى قام، ثم قال: قد عرفت ذنبه إلا أنه قد لزمك ذمامه،
ومن لزمك ذمامه التزمناه، لأنك واحد منا، وغير منفصل عنا، فلا تعلمن
بهذا أحداً، وهذا صك على ابن فلانة بثلاثة آلاف درهم فيجعلها نفقته.
قال: فأخذت الصك وخطه بالاذن له، وعدت إلى الدار فوجدت ابن أبي البغل
قد صعد السطح، وألقى نفسه في خربة تجاورنا ومضى. فعدت إلى الوزير
وحدثته بالصورة، فأخذ الصك وأمر بطلبه وقال: والله لو قتل أولادي
جميعاً ثم دخل دارك لكان ذلك أماناً وحقناً لدمه.
وحكي أن ابن الفرات اجتاز يوماً في بعض الطرق، فاتفق أن سار تحت ميزاب،
فوقع عليه منه ما لوث ثيابه وسرجه ودابته، فوقف في الطريق، وأنفذ إلى
داره من يحضره خلعة ثياب أخرى، فرآه رجل عطار كان في الموضع، فقام
إليه، وسأله أن يدخل إلى منزله ويقيم فيه إلى أن يعود الرسول بالثياب.
ففعل وأقام عنده، وخلع ما كان عليه، وتنظف بالماء مما كان أصابه،
وأحضره الغلام الثياب فلبسها، ثم سأله العطار أن يأذن له في إحضار بخور
يتبخر به، فأذن له، وركب أبو الحسن. ومضت الأيام، فلما ولي الوزارة
كانت حال العطار قد اختلت
(1/84)
ورزحت، فقالت له زوجته: لو مضيت إلى الوزير
وتعرفت إليه بخدمتك كانت له لرجوت أن ينظر في أمرك نظراً تغير به حالك.
فأعرض عن قولها واستبعد الأمل مما ذكرته، ثم ألحت عليه في القول، فمضى
ودخل دار أبي الحسن وتعرض له إلى أن رآه فأمسك وانصرف، فعرف زوجته ما
جرى، فأشارت عليه بالعود، فعاد ومعه رقعة يستميحه فيها، ولم يزل حتى
وجد فرصة منه فعرضها عليه، فلما وقف عليها قال: سل حاجةً تقض لك، واتفق
أن صار إليه من خاطبه في أمر كاتب للعيال كان محبوساً، وسأله مسألة
الوزير إطلاقه، وضمن له خمسة آلاف دينار في خاصه، وللوزير عشرين ألف
دينار على يده، وللحواشي خمسة آلاف دينار، ووافقه على تعديل المال عند
بعض التجار بالكرخ. فلما توثق منه قصد الوزير ومعه رقعة بالصورة، فأمره
بحمل المال ليطلق له الرجل، فحمل المال، فلما حصل في الدار منعه بعض
الخدم من إدخاله إلى الخزانة إلى أن يؤذن في قبضه. وعرف الوزير أمره،
فتقدم إلى العطار أن يفرق ما للحاشية عليهم ويأخذ جميع الباقي لنفسه.
وأمر بإطلاق كاتب العيال، فاستعظم العطار ذلك وملأ قلبه، ورأى قدره
يصغر عن مثله، فقال للوزير: يقنعني من هذا كله ألف دينار أُغير بها
حالي. وأجعلها رأس مالي، فقال له: خذ الجميع عافاك الله ولا تكثر علي
في الخطاب. فخرج من حضرته وصار إلى أبي أحمد المحسن، وعرفه الحال، وأنه
يقنعه اليسير مما أعطيه، وأومى إلى حمل الباقي إليه،
(1/85)
فقال له أبو أحمد: يأمر لك الوزير بشيء
وأصانعك عليه! خذ المال وانصرف. ولأبي الحسن بن الفرات:
خليليّ قد أمسيت حيران موجعا ... وقد بان شرخٌ للشباب فودّعا
ولا بدّ أن أعطي اللذاذاة حقّها ... وإن شاب رأسي في الهوى وتصلّعا
إذا كنت للأعمال غير مضيّعٍ ... فما حقّ نفسي أن أكون مضيّعا
وحدث أبو علي بن مقلة قال: سمعت أبا الحسن بن الفرات يقول دفعات: ما
بخلت بشيء قط إلا ندمت على بخلي به. ولابن بسام في أبي العباس أحمد
وأبي الحسن علي ابني الفرات:
لي أحمدان لدنياي وآخرتي ... ولي عليّان فانظر من أعدد لي
من خاتم الملك أضحى وسط خنصره ... ومن علا كتفيه خاتم الرسل
فللشفاعة حسبي أحمد وعلي ... وللمعيشة حسبي أحمد وعلي
منهم بإثنين ما حاولت يسهل لي ... كما بإثنين إن قصّرت يغفر لي
تشبثت راحتي منهم بأربعةٍ ... في العسر واليسر والتأميل والوجل
وله أيضاً في هجائهم:
يا ربّ إنك عدلٌ ... على البريّة شاهد
بنو الفرات ثقالٌ ... وكلهم لك جاحد
ثلاثةٌ ليس فيهم ... إلا ثقيل وبارد
يا رب إن كان لا ب ... بدّ من ثقيلٍ فواحد
ولعبد الله بن المعتز إلى أبي العباس بن الفرات:
(1/86)
يا دهر غيّر كلّ شيءٍ سوى ... رأي أبي
العباس فاتركه لي
قد كان لي ذا مشرب طيّبٍ ... حيناً فشيب الآن بالحنظل
عينٌ أصابت ودّه لا رأت ... وجه حبيب أبداً مقبل
إن كان يرضى لي بذا أحمد ... فليس يرضى لي بهذا علي
وللبحتري في أبي العباس:
كرمٌ أنجز المواعيد حتّى ... ردّ فيها نسيئة الوعد نقدا
كلما قلت أعتق المدح رقي ... رجعتني له أياديه عبدا
وحدث أبو الحسين علي بن هشام قال سمعت: أبا الحسن علي بن محمد بن
الفرات يحدث قال: كان النهيكي العامل قد لازم أبا القاسم عبيد الله بن
سليمان في نكبته، فلما ولي الوزارة قلده بادوريا، وكان يتقلدها جلة
العمال. ولقد سمعت أبا العباس أخي يقول: من استقل ببادوريا استقل
بديوان الخراج، ومن استقل بديوان الخراج استقل بالوزارة، وذلك لأن
معاملاتها مختلفة وقصبتها الحضرة، والمعاملة فيها مع الأمراء والوزراء
والقواد والكتاب والأشراف ووجوه الناس، فإذا ضبط اختلاف المعاملات،
واستوفى على هذه الطبقات صلح للأمور الكبار. قال أبو الحسن بن الفرات،
فأقام النهيكي في عمالة بادوريا نحو سنتين، تقلد فيهما عبد الرحمن بن
محمد ابن يزداد ثم أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الأصبغ ديوان الخراج
في أيام عبيد الله بن سليمان، فلما أُطلقت أنا وأبو العباس أخي من
الاعتقال، وتقلد أخي ديوان الخراج والضياع، وخلته عليهما. عاملنا
النهيكي، فكنا إذا كاتبناه برفع الحساب لم يجبنا، وإذا خاطبناه بشيء في
أمر العمل لم يحفل بنا، إدلالاً
(1/87)
بمكانة من الوزير وعفته، وكان عفيفاً، فلما
طال ذلك منا ومنه شكوناه إلى الوزير، فوكل به من لازمه حتى رفع حسابه
لعدة سنين، وتشاغلت بعمل مؤامرة، فلم أجد عليه كبير تأول. وحضرنا بين
يدي الوزير لمناظرته، وقد كنت صدرت أول باب من المؤامرة بأنه فصل
تفصيلاً لثمن الغلة المبيعة جملته على موجب التفصيل أكثر من الجملة
التي أوردها بألف دينار، فقال: أتتبع. فتتبع إلى أن صح الباب. فقال:
وماذا يكون؟ هذا غلط من الكاتب في الجملة. فبدأت أكلمه. فأسكتني أخي،
وأقبل على الوزير فقال: أيها الوزير، صدق. هذا غلط في الحساب،
فالدنانير في كيسي من حصلت؟ فقال الوزير: صدق أبو العباس، والله لا
وليت عملاً يا لص. ثم أتبعت هذا الباب بباب آخر، وهو ما رفعه ناقصاً
عما كتب به من كيل غلة عند قسمتها، فلما توجهت عليه الحجة قال: أريد
كتابي بعينه، فبدأت أُكلمه، فأسكتني أخي وقال: هذا أيها الوزير طعن على
ديوانك، ونسخ الكتب الواردة والنافذة شاهد عدل. فقال: صدق يا عدو الله.
وأمر بجره فجر. وما برحنا حتى أخذنا خطه بثلاثة عشر ألف دينار فأهلكناه
بها، وما عمل كبير عمل بعدها.
وحدث أبو الحسين قال: سمعت أبا الحسن بن الفرات يقول: ناظرت الجهظ أحد
العمال على مؤامرة قد عملناها له، وكنت أنا وأخي نأخذ خطه بباب باب،
فلما كثر ذلك قالي لي سراً: ليس العمل في الخط، العمل في الأداء،
وستعلمون أنكم لا تحصلون مني على شيء، فسمعته أنا وسمعه الوزير أبو
القاسم عبيد الله بن سليمان، لأننا كنا في مجلسه، فقال له: أعد ما قلت.
فاضطرب. فقال: لا بد أن تعيده. فأعاده. فقال: إذن لا تلى لي والله
عملاً أبداً،
(1/88)
قم عافك الله إلى منزلك. خرق يا غلام
المؤامرة. فخرقت في الحال، وانصرف الجهظ، وما صرفه الوزير بعد ذلك.
وشاع حديثه فتحاماه الناس كلهم، وهلك جوعاً في منزله حتى بلغني أنه
احتاج إلى الصدقة.
وحدث أبو الحسين قال: حدثني سليمان بن الحسن بن مخلد قال: قال لي ناقد
خادم أبي وثقته وكان يتولى نفقته: ما رأيت أجسر من مولاي على أخذ مال
السلطان، ومن ذلك أنني باكرته يوماً وقد لبس سواده ليمض إلى دار
المعتضد على الله، وهو إذ ذاك يتولى دواوين الأزمة والتوقيع وبيت
المال، فقلت له: قد صككت علي البارحة للمعاملين بألف وستمائة دينار،
وما عندي منها حبة واحدة. فقال لي: يا بغيض، تخاطبني الساعة! أين كنت
عن خطابي البارحة لأوجه وجهاً ما لها؟ ولكن ابتعني إلى دار السلطان.
فتبعته، ودخل إلى المعتمد مع الوزير عبيد الله بن يحيى، ودخل معهما
أحمد ابن صالح بن شيرزاد صاحب ديوان الخراج. فلما خرج قال: امض إلى
صاحب بيت المال فخذ منه ما يدفعه إليك. فظننته قد استسلف شيئاً على
رزقه، ومضيت إليه، فأعطاني ثلاثين ألف دينار، فاستكثرت ذلك، وعلمت أنه
ليس من الرزق، وحملتها إلى الدار وعرفته خبرها. فقال للي: أطلق منها ما
وقعت به إليك، واحفظ الباقي، فليس يتفق في كل وقت مثل ما اتفق. ومضى
للحديث أيام، ودعا دعوة فيها صاعد بن مخلد وإليه إذ ذاك عدة دواوين
وجماعة من الكتاب، فأكلوا وناموا وانتبهوا، فإذا كاتب من كتاب أحمد بن
صالح بن شيرزاد يستأذن
(1/89)
على مولاي، فأذن له، وقام إلى مجلس
واستدعاه إليه، فسمعته يقول له: أخوك أبو بكر يقرأ عليك السلام يعني
أحمد بن صالح ويقول: أنت تعرف رسمي مع صاحب بيت المال، وأن محاسبته في
سائر الأموال إلي، وإذا تمت ثلاثون يوماً وجهت حاجبي إلى الخازن فحمله
مع صاحب بيت المال إلى ديواني لينتظم دستور الختمة بحضرتي، ونحن في ذلك
منذ عشرة أيام، حتى تكاملت الختمة ولم يبق إلا ثلاثون ألف دينار، ذكر
صاحب بيت المال أنك خرجت إليه من حضرة الخليفة وأمرته بحملها إلى خادمك
ناقد، ولست أدري في أي جهة صرفت ولا ما الحجة فيها. فأجابه مولاي بغير
توقف وقال: أخي أبو بكر والله رقيع، أسأل أنا الخليفة في أي شيء صرف ما
استدعاه إلى حضرته؟ يجب أن يكتب في الختمة: وما حمل إلى حضرة أمير
المؤمنين في يوم كذا وكذا ثلاثون ألف دينار. فقام الكاتب خجلاً ومر ذلك
في الحساب على هذا، وما تنبه عليه أحد: قال أبو الحسين وقال لي سليمان
بعقب هذه الحكاية: وما رأيت لهذه القصة شبيهاً إلا ما فعله أبو الحسن
بن الفرات في وزارته الأولى، فإنه نصب يوسف ابن فنحاس، وهارون بن عمران
الجهبذ، فلم يدع مالاً لابن المعتز والعباس ابن الحسن ومن نكب وقتل في
الفتنة، وما صح من مال المصادرين وغيرهم ممن يجري مجراهم إلا أجراه على
أيديهما دون يدي صاحبي بيت مال الخاصة والعامة، وأفرد ابن فرجويه كاتبه
بمحاسبتهما والاستيفاء عليهما، فكان يحاسبهما ولا يرفع إلى الدواوين
شيئاً من حسابهما. فلما كان في السنة التي قبض عليه فيها كتب
(1/90)
كتاباً عن نفسه إلى مؤنس صاحب بيت المال
ذكر فيه أنه حوسب يوسف ابن فنحاس وهارون بن عمران على ما حصل عندهما من
كيت وكيت حتى استغرق الوجوه وكان الباقي قبلهما بعد الذي حمل إلى حضرة
أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، وصرف في مهمات أمر بها هو والسادة
أيدهم الله، من الورق ألف ألف وأربعمائة وسبعون ألفاً وخمسمائة وستة
وأربعون درهماً. وأمره بقبض ذلك منهما وإيراده بيت المال الخاصة، فقبضه
مؤنس منهما، ومضى الأصل كله لا يعرف في أي شيء صرف، وكان مبلغه فيما
ظنه الكتاب وكانوا يتعاودونه. نحو ألف ألف دينار. وفاز ابن الفرات
بالمال، ولم يقم به حجة عليه. قال أبو الحسين: فحدثني أبي بعد ذلك قال:
لما قلدني أبو الحسن على ابن عيسى في وزارته الأولى ديوان الدار الجامع
للدواوين، أمرني بإحضار هذين الجهبذين ومطالبتهما بختماتهما لما كان
حصل في أيديهما أيام وزارة ابن الفرات الأولى من الجهات المقدم ذكرها.
فاستدعيتهما وطالبتهما، فأحالا على أن ابن الفرات أخذ حسابهما، وأعلمت
علي بن عيسى بذاك، فأمرني بحبسهما وتهديدهما، ففعلت. وأحضراني حساباً
مسوداً لم يكن منتظماً ولا متسقاً، ولم أزل ألطف بهما حتى أقرا بأنهما
وصل إليهما من فضل الصرف مما ورد على أيديما وأنفقاه مائة ألف درهم،
وقررت عليهما عشرة آلاف دينار، وأخذت
(1/91)
خطهما بها، فلم يقنع أبو الحسن علي بن عيسى
بذلك، وأخذهما من يدي، وسلمهما إلى حمد بن محمد، وكان إليه ديوان
المغرب، وأمره بأن يتتبع أمرهما بنفسه، من
غير أن يعرفه ما أخذت خطهما به، فنظر حمد في ذلك، ولم يجد في الحساب
إلا إحالات على: حمل إلى الخليفة والسادة، وشيء انصرف في خاص نفقات ابن
الفرات. فقال له حمد: هذا مال مسروق والقوم معهم حجة بالابراء وما
عليهم طريق. وقد كان ابن الفرات أجلد من أن يدعهم يفوزون بحبة من
المال. ير أن يعرفه ما أخذت خطهما به، فنظر حمد في ذلك، ولم يجد في
الحساب إلا إحالات على: حمل إلى الخليفة والسادة، وشيء انصرف في خاص
نفقات ابن الفرات. فقال له حمد: هذا مال مسروق والقوم معهم حجة
بالابراء وما عليهم طريق. وقد كان ابن الفرات أجلد من أن يدعهم يفوزون
بحبة من المال.
قال أبو الحسين: قال أبي: فردهما الوزير أبو الحسن إلي وقال: اجتهد في
إلزامهما مائتي ألف درهم. فقلت. لا يمكن ذلك. فقال: اعمل على أنك
طالبتهما بمرفق لنفسك يكون تتمة المائتين فقلت: إذا فعلت هذا فأي شيء
يحصل لي؟ قال خذ منهما عشرين ألف درهم وألزمهما مائة وثمانين. فخرجت
وجددت بهما حتى ألزمتهما ذلك، وأخذت لنفسي ما أعطانيه. فلما فرغت أخذت
لهما خطه بالبراءة. فقال لي أبو الحسن علي بن عيسى: سأرسيك موضعي أنا
من العمل، فإن للرئيس في كل أمر موضعاً لا يقوم فيه أحد مقامه.
فأحضرهما إلى حضرته وأنا بين يديه وقال لهما: تريدان مني أن أُزيل
عنكما تبعةً إن لم أُزلها بقيت عليكما وعلى ورثتكما أبداً، ولست أفعل
ذلك إلا بعوض قريب لا ضرر فيه عليكما، وهو أنني أحتاج في مستهل كل شهر
إلى مال أطلقه في ستة أيام، منه للرجالة ما مبلغه ثلاثون ألف درهم.
وربما لم يتجه لي في أول يوم من الشهر ولا في ثانيه، وأريد أن تقرضاني
في أول كل شهر مائةً وخمسين ألف درهم، وترتجعانها من مال الأهواز في
مدة أيامه؛ فإن جهبذة الأهواز إليكما، ويكون هذا المال سلفاً واقفاً
لكما أبداً.
(1/92)
وأضيف إلى هذا المال الوظيفة التي على حامد
وترد في كل شهر وهو عشرون ألف دينار فيكون ذلك بإزاء مال القسط الأول.
فتأبيا ساعةً، ولم يفارقهما حتى استجابا. فقال لي علي بن عيسى: كيف
رأيت؟ قلت: ومن يفي بهذا غير الوزير؟ قال: وكان علي بن عيسى إذا حل
المال وليس له وجه استسلف من التجار على سفاتج وردت من الأطراف لم تحل
عشرة آلاف دينار بربح دانق ونصف فضة في كل دينار، يلزمه في كل شهر
ألفان وخمسمائة درهم أرباحاً، فلم يزل هذا الرسم جارياً على يوسف بن
فنحاس وهارون ابن عمران ومن قام مقامهما مدة ست عشرة سنة. وحدث أبو
الحسين علي بن هشام قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو الحسن ابن الفرات
قال: دخل علي المقتدر بالله يوماً وأنا في حبسه، والوزير إذ ذاك حامد
ابن العباس فقال لي: أتعرف الحسن بن محمد الكرخي؛ فقلت: نعم. قال: أي
إنسان هو؟ قلت: عامل، وله محل من الصناعة، وهو من صنائعي ووجوه عمالي،
وقد تقلد لعبيد الله بن سليمان قبلي، وهو أخو القاسم بن محمد الكرخي،
ومن بيت معروف. فقال: قد كتب إلي يخطب الوزارة ويضمن حامداً وعلي بن
عيسى. فقلت له: ولا كل هذا يا أمير للمؤمنين. وإنما أطعمه فيما طلبه
بلوغ حامد من مثله ما بلغه. ولعمري إن الأمر قد وهن بحامد، وإن هذا
الرجل أجود حساباً
(1/93)
وأعف لساناً وأشد وقاراً منه، وليس لأنه
فوق حامد ترشح لهذه المنزلة. ولا لأن الغلط وقع في أمر حامد وجب أن
يسلك في مثل هذه الطريقة، وعلى أنه قد غلط في تقديره أنه يصلح لصرف
حامد لأن حامداً قديم الرئاسة في العمالة وله حال عظيمة، ونعمة كبيرة،
ومروءة ظاهرة وهيبة معروفة، وسن في ذلك وقدمة، وكان نشا بعيداً عن
الحضرة، فلم تستشف أخلاقه وأفعاله إلا بعد الوزارة، وفيه سعة صدر وسخاء
نفس يغطيان كثيراً من معايبه وترك الأمر في يده ويد علي بن عيسى أولى
فإن هذا لا يقارب علي بن عيسى، ولا يلحق أحد كتابه، وإني لأقول الحق
فيهما على عداوتهما لي. فأضرب المقتدر بالله عن الحسن بن محمد ثم تم
التدبير لأبي الحسن بن الفرات، وصرف حامد ووزر، فحين جاءه الحسن بن
محمد، وتذكر ما جرى بينه وبين المقتدر بالله في بابه هابه وتصور بعد
همته وتقلب رأي المقتدر بالله من حال إلى حال، فأحب إبعاده، فقلده
الموصل وأعمالها، وأخرجه إليها صارفاً لابن حماد، فانتفع الحسن بما حصل
في نفس ابن الفرات. قال أبو الحسين: فكنا في بعض الليالي بحضرة ابن
الفرات، وهو يعمل، وأنا مع أبي، والمجلس حافل، إذ قرأ كتاباً ورد من
صاحب البريد بالموصل يذكر أن أبا أحمد الحسن هذا قد قسط في الأعمال،
ومد يده إلى المال، وزاد في إظهار المروءة، وركب باللبود الطاهرية،
وبين يديه عدة حجاب، وخلفه جماعة
(1/94)
غلمان، حتى أنه يسير بينهم في موكب. وأنه
وصل معه من البغال والجمال والزواريق التي تحمل أثقاله شيء كثير، وهذا
إنفاق وتوسع لا يقتضيه الرزق وإنما هو من الأصول. فرمى بالكتاب إلى أبي
القاسم زنجي، وكان إذ ذاك حدثا يخط بحضرته. وقال له: وقع عليه: يجاب
بأنه نفع الرجل من حيث أراد الاضرار به، لأنه إذا كان في مثل هذا الصقع
عامل ذو وجاهة وتجمل ومروءة صلح أن يتقلد للسلطان إلى مصر
وأجناد الشام متى أنكر من عمالها حالاً. ثم أقبل على من في مجلسه وقال:
حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن سليمان أن النوشجاني صاحب البريد رفع
إلى المعتضد بالله بأن الأخبار شائعة ببغداد بأن حامد ابن العباس لما
دخل فارس متقلداً لها كان معه مائتان وخمسون بغلاً، عليها رحله
وأثقاله، ومعه عدد كثير من الغلمان والحاشية وسلم إلي المعتضد بالله
كتاب النوشجاني بذلك، فقرأته وتحيرت، وخفت أن يكون قد أنكره وقدر أن
حامداً قد اجتاح المال واصطلمه، وقال لي: يا أبا القاسم وقد كان كناه
قرأت هذا الكتاب؟ قلت: نعم. قال: قد سرني ما قد ظهر من تجمل حامد
ومروءته وما قام بذلك في نفوس الرعية من هيبته، فكم رزقه؟ فقلت: ألفان
وخمسمائة دينار في كل شهر. قال: اجعلها ثلاثة آلاف ليستعين بها على
مؤونته. ثم قال أبو الحسن بن الفرات عقيب هذه الحكاية: وقد فعل المعتضد
بالله قريباً من هذا مع أبي العباس أحمد بن بسطام، فإن المعتضد طالبه
بالعجز في
(1/95)
ضمانه واسط وحبسه في دار ابن طاهر، وقرر
عليه سبعين ألف دينار يؤديها، وكان يصححها على جمل وأصحاب عبيد الله بن
سليمان يطالبونه والموكلون به من قبل المعتضد بالله. فكتب النوشجاني:
فيه بأنه كان يفرق في أيام ولايته عشرين كراً حنطةً في كل شهر على
حاشيته والفقراء والمساكين والمستوردين من أهل معرفته، وأنه فرق ذلك في
هذا الشهر على عادته. ودافع بأداء ما عليه من موافقته ودخل عبيد الله
بن سليمان على المعتضد فأقرأه الرقعة وقال: قد سرني فعل ابن بسطام
وقيامه بمروءته ومعروفه وجملنا بأن لم يظهر أننا ألزمناه ما أجحف به،
وأحوجه إلى تغير رسمه فيما كان يطلقه ويبر به، فكم بقي عليه؟ قلت: بضعة
عشر ألف دينار. فقال: اتركها عليه واردده إلى عمله، وعرفه إحمادي ما
كان منه. ففعل عبيد الله الله ذلك. وحدث أبو الحسين بن هشام قال: سمعت
أبا الحسن بن الفرات يحدث قال: لما طال حبسي عقيب الوزارة الثانية
تبينت أن المقتدر بالله لا يفرج عن ابن الحواري. وإن علم أنه من أكبر
أعدائي. ولا يجيبني إلى تسليمه إلي في جملة خصومي، فتلطفت لافساد رأيه
بأن راسلت المقتدر بالله قبل أن يطلقني بأربعة أشهر وعرفته أن أولادي
في إضافة وفاقة، وسألته إطلاق مائة وخمسين ألف درهم لي، أحمد
(1/96)
إلى كل واحد الثلث منها لاصلاح أمره
والقيام بمؤونته، وأرد العوض عنها بعد شهر من ثمن أمتعة قد بيت عند قوم
من أصحاب ودائعي. فقال: هذا قدر يقبح أن نمنعه إياه مع كثير ما أخذناه
من ماله، احملوا إليه ذلك، فحمل إلي. وراسلت السيدة وطلبت منها خمسين
ألف درهم، فكانت تلك سبيلها، وجمعت الجميع ودفعته إلى أم كلثوم
قهرمانتي، وأمرتها أن تبتاع به دنانير جدداً حساناً وتجيئني بها.
ففعلت. وكانت من عادة المقتدر بالله إذا صام يوم الخميس أن يدخل إلي
الحجرة التي أنا محبوس فيها، يقعد عندي ويحادثني من وقت العصر إلى وقت
المغرب. فلما كان يوم الخميس قبل وقت حضوره صببت الدنانير بين يدي،
فدخل وقال: ما هذا يا أبا الحسن؟ فقلت: أما يرى مولانا أمير المؤمنين
كثرة هذه الدنانير، وحسنها؟ قال: بلى، فكم مبلغها؟ قلت: سبعة عشر ألف
دينار. قال: ولأي شيء هي بين يديك؟ قلت. اقترضت ذلك المال من أمير
المؤمنين ومن السيدة وزيدان، وصرفته فيما أردت فيه، واستدعيت ما كان لي
مودعاً من أمتعة وصياغات ممن هو عنده، فأنفذه إلي لما ظهر لهم من تفضل
مولانا علي، وزال بذلك طمعهم في، وبعته وحصلت ثمنه هذا لأرده على من
اقترضته منه. فقال: ما أقبح هذا! أترانا نبخل عليك بما أطلقناه لك مع
ما أخذناه منك مما رأيناه تعويضك عنه وردك إلى أفضل ما كانت منزلتك
عندنا عليه؟ فتبسمت. فقال: مم تبسمك؟ قلت: والله يا أمير المؤمنين ما
طلبت المال لحاجة إليه فإن في بقية حالي ما يغني عنه، وإنما أردته
لأصرفه بالدنانير، وأضعه بحضرتك، فتشاهده وتعلم أن ابن الحواري الخائن
يرتزق من مالك في كل شهر مثل مبلغه، ويقتطع مع ذلك كذا، ويأخذ كذا،
(1/97)
وذكرت معايبه ومساوئه. قال: فرأيته قد
استعظم الحال، وكثر في عينه المال، ولم ينهض من مجلس حتى وعدني بتسليم
ابن الحواري إلي ولم يقبل هو ولا السيدة ولا القهرمانة عوض ما أعطونيه
إلا بعد جهد وسؤال. وحدث أبو الحسين بن هشام قال: كنا على مائدة أبي
العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبي في وزارته، فجرى
ذكر علي بن عيسى وابن الفرات فقال: كان ابن الفرات نافذاً في عمل
الخراج وتدبير البلاد وجباية المال وافتتاح الأطراف، وأليق من علي ابن
عيسى في سياسة الملك. وكان علي بن عيسى كثير التدين شديد التصون عفيفاً
عن المال، وله مذهب في الترسل لا يلحقه فيه أحد ولا ابن الفرات. والتفت
إلى أبي عبد الله زنجي وكان حاضراً فقال له: ما عندك في هذا يا أبا عبد
الله؟ فقام قائماً وقال: من عادتي أيها الوزير إذا صحبت وزيراً أن
أُحصي محاسنه وأذكرها، فأما مساوئه فلا أُخطرها مني بالاً، ولا أُجري
بها لساناً، وعلى ذلك فإن أذن الوزير في الجواب قلت ما عندي. قال: قل.
فقال: كانت يد أبي الحسن بن الفرات تخونه لفساد خطه، وكان يعمل النسخ
بأجزل كلام وأحسنه، ويخرجها إلي فأحررها، والبارحة كنت أميز شيئاً فمرت
بي ثلاث نسخ بخطه، إن أمر الوزير بإحضارها ليتبين له موقعه من الترسل
أحضرتها. فقال: افعل. وأنفذ غلامه ليحضرها، وتشاغلنا بالأكل. فلما
انقضى ونهض الوزير وغسل يده ونام، جلس زنجي في مجلسه من الدار على
انتظار النسخ حتى حملت إليه فقرأتها، ولم أزل أُكرر النظر فيها. وكانت
إحداها نسخة كتاب منه إلى مؤنس في أمر علي بن عيسى وهي: بن عيسى وابن
الفرات فقال: كان ابن الفرات نافذاً في عمل الخراج وتدبير البلاد
وجباية المال وافتتاح الأطراف، وأليق من علي ابن عيسى في سياسة الملك.
وكان علي بن عيسى كثير التدين شديد التصون عفيفاً عن المال، وله مذهب
في الترسل لا يلحقه فيه أحد ولا ابن الفرات. والتفت إلى أبي عبد الله
زنجي وكان حاضراً فقال له: ما عندك في هذا يا أبا عبد الله؟ فقام
قائماً وقال: من عادتي أيها الوزير إذا صحبت وزيراً أن أُحصي محاسنه
وأذكرها، فأما مساوئه فلا أُخطرها مني بالاً، ولا أُجري بها لساناً،
وعلى ذلك فإن أذن الوزير في الجواب قلت ما عندي. قال: قل. فقال: كانت
يد أبي الحسن بن الفرات تخونه لفساد خطه، وكان يعمل النسخ بأجزل كلام
وأحسنه، ويخرجها إلي فأحررها، والبارحة كنت أميز شيئاً فمرت بي ثلاث
نسخ بخطه، إن أمر الوزير بإحضارها ليتبين له موقعه من الترسل أحضرتها.
فقال: افعل. وأنفذ غلامه ليحضرها، وتشاغلنا بالأكل. فلما انقضى ونهض
الوزير وغسل يده ونام، جلس زنجي في مجلسه من الدار على انتظار النسخ
حتى حملت إليه فقرأتها، ولم أزل أُكرر النظر فيها. وكانت إحداها نسخة
كتاب منه إلى مؤنس في أمر علي بن عيسى وهي: آثار علي بن عيسى أعزك الله
فيما تولاه من الأعمال، وجرى على يده
(1/98)
من الأموال، تدل على عجزه وإضاعته، وتبطل
ما يدعيه من صناعته وكفايته. ولما صرفت عماله عما ولوه، وطالبتهم بما
اقتطعوه، أعفوا بمال جزيل قدره، عظيم خطره، متجاوز مبلغه ألف ألف
دينار، وانضاف إليها ما توفر مما كانوا يفوزون به من الارتفاقات،
ويستثنونه في العقود والمقاطعات، وهو أربعمائة ألف دينار، وما وجب على
الحسين بن أحمد ومحمد بن علي المادرائيين من خراج ضياعهما بمصر والشام
في سني ولايته، فاستدركه علي بن أحمد بن بسطام وهو ثلاثمائة ألف دينار،
فتحصل الجميع ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وحمل منه إلى حضرة أمير
المؤمنين أطال الله بقاءه ستمائة ألف دينار، وإليك أعزك الله للنفقة
على القادة النافذة لمحاربة يوسف بن ديوداذ مع صلات المستأمنة وأرزاقهم
خمسمائة ألف دينار، وأُطلق الباقي لقواد أمير المؤمنين أيده الله
وأجناده وخواصه عوضاً عما كان علي بن عيسى حطه من أرزاقهم، ووضعه من
جملة استحقاقاتهم، فكثر الشاكر، وسكن وأمن النافر، وصلحت الأحوال،
وانبسطت الآمال. ولما قربت العساكر من يوسف أفرج عن الري وما يليها من
الأعمال، وزال عن أهلها كل جور وعدوان، وعمرت تلك النواحي بعقب خرابها،
واستوسقت الأمور بعد اضطرابها، والله الموفق المعين. وقد توفرت أعزك
الله مع ذلك مني عليه العناية، ولحقته الصيانة، في نفسه وماله، وضياعه
وحاله، ترفعاً عن مجازاته على أفعاله، وجرياً على عادتي في أمثاله.
والله أسأل معونتي على الجميل
(1/99)
الذي أعتقده وأنويه، وتوفيقي لما يحبه ويرضيه، إنه أهل الفضل وموليه،
وحسبي الله ونعم الوكيل. |