تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء

ونسخة الأخرى وكانت إلى أبي عباس أحمد ابن بسطام عند تقلده الوزارة الأولى:
نعم الله عند أمير المؤمنين أطال الله بقاءه تتجدد في سائر أوقاته، وتتوكد في جميع حالاته، فليس يخلو منها قاهرةً لأعدائه، وناصرةً لأوليائه، والله يعينه على أداء حقها، والقيام بشكرها، إنه ذو فضل عظيم. وكان جماعة من جلة الكتاب والقواد ووجوه الغلمان والأجناد، حسدوا أبا أحمد العباس بن الحسن رحمه الله على محله في الدولة ومنزلته، وما قام به لأمير المؤمنين أيده الله من عقد بيعته، فسعوا في إتلاف مهجته، وإزالة نعمته، وتوصل إليهم عبد الله بن المعتز بمكره وخديعته، فأوحشهم من أمير المؤمنين وشيعته، وحسن لهم الخروج عن طاعته، فنكثوا ومرقوا، وغدروا وفسقوا، وشهروا سيوف الفتنة وأظهروا أعلامها، وأضرموا نيرانها، وتفرد الحسين بن حمدان بأبي أحمد فقتله، وثنى بفاتك المعتضدي فأتلفه، وقصد المارقون دار الخلافة حتى وصلوا إلى جدرانها، وأحرقوا عدة من أبوابها، ووفق الله الخدم والأولياء المصافية والغلمان الحجرية لمحاربتهم ومنازلتهم، فانصرفوا مفلولين، واجتمعوا إلى عبد الله فعاقدوه وبايعوه، وتسمى بالخلافة في ليلته، ووازره محمد بن داود على ضلالته. وما صحبهم من غلمان

(1/100)


أمير المؤمنين أدام الله عزه وخاصته وذوي البأس من رعيته من حسن دينه. وخلص يقينه، فتحصنوا بالإبعاد في الهرب، لما خافوه من شدة الطلب، وأُسر جماعة من كتاب عبد الله وخواصه، منهم محمد بن عبدون، وعلي بن عيسى، ومحمد بن سعيد الأزرق، ويمن الكبير، ووصيف بن صوارتكين، وسرخاب الخادم، وعلي الليثي، ومحمد الرقاص وأبناء دميانة، والمعروف بأبي المثنى، ومحمد ابن يوسف، وحملوا إلى دار أمير المؤمنين أيده الله فحصلوا في أعظم بوس، وأضيق حبوس. ولما خمدت النائرة، وسكنت الفتنة الثائرة، استدعاني أمير المؤمنين أدام الله تاييده فأوصلني إلى حضرته، وخصني ببره وتكرمته، وفوض إلي تدبير مملكته، ورعاية خاصته وعامته، واعتمد علي في حياطة ملكه ودولته، وقلدني سائر دواوينه مع وزارته، وخلع علي خلعاً ألبسني بها إجلالاً وقدراً، وجمالاً وفخراً، وعدت إلى داري مغموراً بإحسانه، مثقلاً بأياديه وامتنانه. وأسأل الله معونتي على طاعته. وتبليغي غاية رضاه وإرادته بمنه وقدرته.
وكان أول ما بدأت به الجد في طلب عدو الله عبد الله بن المعتز، إلى أن هيأ الله الظفر به على يد صافي مولى أمير المؤمنين، بعد أن تنصح في الدلالة على موضعه خادم مشهور الديانة، مذكور الصيانة يعرف بسوسن الجصاصي، فأوجبت الحال إطلاق صلة لسائر الأولياء وافرة المبلغ، وأنا بتجديد البيعة عليهم متشاغل، وللخدمة مواصل، والأمور جارية على أحمد مجاريها. وأفضل المحاب فيها، والحمد لله رب العالمين. والأحوال أعزك الله بيننا توجب مشاركتك، وتقتضي مساهمتك، وقد

(1/101)


قلدتك الخراج والضياع العامة والمستحدثة بمصر ونواحيها، والكور الجارية فيها، لما أعرفه من كفايتك ومخالصتك، وأثق به من مناصحتك، وكتبت به إلى الحسين بن أحمد بتسليم هذه الأعمال إليك، وأعلمته اعتمادي فيها عليك، وأنت بصناعتك وكفايتك تستغني عن التنبيه والتبصير، وتوفي على الظن بك والتقدير إن شاء الله.
وكتب يوم الثلاثاء لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول من سنة ست وتسعين ومائتين.