تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء
وزارة أبي الحسن علي
ابن عيسى الثانية
لما قبض علي أبي الحسن علي بن عيسى بعد نظره مع حامد بن العباس جرى
أمره مع أي الحسن بن الفرات وابنه المحسن على ما ذكرناه. ثم أخرجاه إلى
مكة، ومنها إلى اليمن، فكان هناك إلى أن قبض عليهما. ووزر أبو القاسم
الخاقاني، فسأل مؤنس الخاقاني أن يأذن لعلي بن عيسى في الرجوع إلى مكة،
ففعل، ثم سأل مؤنس المقتدر بالله من بعد تقليده الإشراف على مصر
والشام، فأمر الخاقاني بذلك، وكتب إلى علي بن عيسى به، وأجري له ألفي
دينار في كل شهر. وكان عامل مصر يومئذ أبو أحمد الحسن بن محمد الكرخي
وعامل الشام محمد بن الحسن ابن عبد الوهاب. وتقلد أبو العباس الخصيبي
الوزارة فأقره على ذلك. وقد أمر الخصيبي، فأشار مؤنس على المقتدر بالله
باستقدام علي بن عيسى ورد الأمور إليه والتعويل فيها عليه. وندب سلامة
الطولوني للنفوذ إلى دمشق في طريق البرية وإحضار علي بن عيسى منها،
ونفذ في يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة، واستقر الأمر في مراعاة الأعمال
إلى حين وصوله على أن استدعي المقتدر بالله عبيد الله بن محمد
الكلوذاني في يوم الخميس الحادي عشر من ذي القعدة، وعرفه تقليده أبا
الحسن علي بن عيسى الوزارة، وأمره بالنيابة عنه إلى حين وروده، فانصرف
أبو القاسم إلى دار الوزارة بالمخرم في طيار الخصيبي المقبوض عنه، وجلس
ونظر في الأعمال،
(1/335)
وقرأ الكتب الواردة، ووقع في الكتب
الصادرة، وكتب إلى عمال الخراج والمعاون وعراض الجيوش وأصحاب الأخبار
والبرد والقضاة بما رد إلى علي بن عيسى ورسم له من خلافته، وأمر ونهى
وعزل وولى. وظهر في هذا اليوم أبو علي بن مقلة وأبو الفتح الفضل بن
جعفر، وجاءا إلى أبي القاسم وسلما عليه، وحضر هشام بن عبد الله ونظر
فيما كان ينظر فيه للخصيبي. ولم يزل الكلوذاني يدبر الأمور حتى مشى
كثيراً واستخرج صدراً كبيراً. وسار علي بن عيسى من دمشق إلى جسر منبج
ثم انحدر في الفرات إلى بغداد، وخرج الناس لتلقيه في سلخ المحرم وأول
صفر من سنة خمس عشرة وثلاثمائة، فمنهم من لقيه بالرحبة ثم بهيت ثم
بالأنبار. وورد إلى الحضرة في يوم الثلاثاء خامس صفر، وبدأ بالمقتدر
بالله، فوصل إليه بعد العشاء الآخرة، ومعه مؤنس المظفر، فخاطبه خطاباً
جميلاً وانصرف إلى منزله، فحمل إليه المقتدر بالله من الثياب الفاخرة
والفراش الجليل والمال ما قيل: إن ثمنه وقدره نحو عشرن ألف دينار،
وأمره بالاستعانة بذلك على إصلاح أمره وإقامة تجمله، وخلع عليه خلع
الوزارة في يوم الخميس لسبع ليال خلون من صفر، وسار معه مؤنس المظفر
إلى أن بلغ داره بسوق الثلاثاء، ثم حلف عليه علي بن عيسى فتأخر عنه،
وسار بين يديه هارون بن غريب وشفيع ومفلح ونسيم وياقوت ونازوك وجميع
القواد والغلمان إلى داره بباب البستان. وقدم بقدوم علي بن عيسى أخوه
عبد الرحمن وقد كان خرج إليه عند تقلد الخصيبي الوزارة من غير أن
يلقاه، وسليمان بن الحسن. وقد ذكرنا حاله فيما تقلد من أعمال الشام في
وزارة الخصيبي وعبيد الله بن عبد الله بن الحارث، وأبو زنبور الحسين بن
أحمد المادرائي. وبلغ هشام بن عبد الله أنه قد ذكر عند أبي الحسن علي
بن عيسى
(1/336)
بما أفسد رأيه فيه، وذكر بما كان كاشفه فيه
في أيام ابن الفرات الأخيرة، وما عامل به إبراهيم وعبد الله أخويه من
القبيح قولاً وفعلاً، فاستوحش وأشفق واقتصر على أن وقف لعلي بن عيسى في
الطريق، وترجل له، وعاد إلى منزله ولم يجسر على حضور داره. وكان يتقلد
مع ديوان المصادرين كتابة أحمد بن بدر العم، فلما تأخر عن علي بن عيسى
وقع إليه: لم أرك مد الله في عمرك أحضرتني عملا للمصادرات التي تتقلد
ديوانها، ولا أنفذت إلي كتاباً بالمطالبة بشيء من مالها، ولا أخرجت إلي
ما تعلم شدة الحاجة إليه من أحوال ضمانات الضمناء التي ضمنوها، وبلغني
أنك متشاغل عن هذه الأعمال بغيرها، فينبغي أكرمك الله أن تخرج إلي سائر
ما قبلك، وتجري على عادتك في خدمتي وملازمة حضرتي إن شاء الله. فأجابه
هشام: بأنه حضر الدار للخدمة فوجد الوزير قد قام من مجلسه وعزم على
الرواح وملازمة الخدمة التي يتشرف بها وأنه إنما أخر إخراج ما على
المصادرات لعلمه بمذهب الوزير في البحوث عن الظلم. وعمل على المشافهة
بما عنده ليخرج من المصادرات ما هو واجب مما لم يجر فيه تحريف ولا حيف.
فوقع إليه: أخرج ما عندك كائناً ما كان، وبين وجوهه
وأسبابه لأتقدم فيه بما يوفق الله إن شاء الله. وحضر هشام مجلسه، فقال
له: ليس من مذهبي أن أذكر إساءة أحد، ولما خلصني الله تعالى من صنعاء
وعدت إلى مكة عاهدته سبحانه على ترك مقابلة كل من سعي علي في ولايتي
ولكبتي، ووكلت جميعهم إلى الله. ولك خدمة قديمة توجب لك حقاً، وعليك
أضعافه، فإذا لم ترع ما يلزمك لم أدع رعاية ما يلزمني. ثم قال له:
أموال الصدقات بفارس وكرمان معقودة على أبي عيسى أحمد بن بدر العم، وقد
حل منها ثلاثمائة ألف درهم، والضرورة قائدة إلى مطالبته بأداء ذلك في
بيت مال العامة لأسبب له عوضه على المسمعي من مال ضمانة الضياع والخراج
بفارس، وأريد أن تكتب لي خطك بعشرة آلاف دينار من ذلك. فكتب له بمائة
ألف درهم، ووقع لأهل الصدقات بالعوض منها على المسمعي، ثم ذكر له هشام
أن على إسحاق بن إسماعيل من مال ضمانة النهروانات، وعلى نصير بن علي من
مال ضمانة طريق خراسان وموات جلولاً، وعلى محمد بن الحسن الكرخي الملقب
بالجرو من مال ضمانة نهر بوق والزاب الأسفل، وعلى ابن عرفة خليفة محمد
بن القاسم الكرخي من مال الأعمال التي يتولاها صاحبه، وعلى محمد وجعفر
ابني جعفر الكرخي من مال مصادرتهما، وعلى محمد بن الحسن كاتب المسمعي
من مال ضمانة أعمال فارس وكرمان، وعلى خليفته ابن رستم من مال أصبهان،
أموالاً كثيرة، وأنهم لم يؤدوا منذ وقع اسمه على الوزارة إلا شيئاً
يسيراً. وأنه قد أحضر خطوطهم بأعيانها، وعملاً بأصول ما عليهم وما
أدوه، وبقي خطوط المصادرين بما تقررت عليه أمورهم، وعملاً مفصلاً بما
بقي منها على كل واحد منهم. وقال: سبيل ذلك كله أن يستوفى. فأمره علي
بن عيسى بتسليم الخطوط إلى صاحب دواته بثبت، وتسلم هو العملين بيده،
وقرأهما، وتقدم إلى أبي القاسم الكلوذاني بالاجتماع مع هشام على
المطالبة بالمال والجد في ذلك حتى يصح في ثلاثة أيام. وأخرج علي بن
عيسى جميع الأعمال إلى أبي القاسم الكلوذاني، ولزم أصحاب الدواوين
مجلسه في دار علي ابن عيسى حتى ظن أنه خليفته على الدواوين كلها. فلما
أخرج الكلوذاني كل ما عنده إلى علي بن عيسى وتشاغل بما أمره به من
مطالبة الضمناء والمصادرين قال له علي بن عيسى: إليك أجل الدواوين، وإن
ارتسمت بخلافتي اختل ما إليك منها، وليس يقوم أحد مقامك في ذلك، فينبغي
أن تتوفر على ذلك فسر الكلوذاني بهذا القول لأنه خاف أن يرد ديوان
السواد إلى عبد الرحمن أخيه على ما كان فعله في وزارة حامد، ويحصل هو
على خلافة لا يوفيه علي بن عيسى حكمها، لأن من مذهبه أن ينظر في
الأعمال بنفسه ليلاً ونهاراً. وعول على عبد الرحمن أخيه وسليمان بن
الحسن في عمل من الأعمال للضمناء والعمال مما يخرجه إليهما أصحاب
الدواوين، وفي مكاتبة عمال الخراج والضياع والمعاون في نواحي المغرب
عنه، والنظر في سائر أعمال المغرب كما ينظر صاحب الديوان، فتحققا به
ولازما مجلسه، وتجدد إشفاق هشام واستيحاشه، وذاك أنه بلغه حضور أولاد
إبراهيم بن عيسى عند عمهم علي بن عيسى فلما رآهم دمعت عينه وقال: ترك
أبوهم العمل معي في وزارة حامد طلباً للسلامة فلم ينفعه ذاك وأفقره ابن
الفرات ثم سلمه إلى من قتله. فقال له من كان بحضرته: الذي جرى عليه من
هشام مكروهاً وشتما له ولآل الجراح كلهم أعظم من القتل وخفف هشام
الحضور في دار علي بن عيسى، وكان ينفذ إليه الأعمال من غير أن يلقاه.
وزاد ما يتأدى إليه من ذكر أصحاب علي بن عيسى له وتضريتهم إياه عليه،
فاستتر وستر حرمه، ولم يعرض له علي بن عيسى، ووقع إليه بعد أيام من
استتاره توقيعاً جميلاً فأجاب عنه بأنه قد كان واثقاً بتفضل الوزير
عليه وصفحه عنه. وعمل على ملازمة الخدمة ألى أن أكثر أعداؤه من الإغراء
به والوقيعة فيه، فأقام في منزله واثقاً بنيته ومعولاً على عفوه
ورأفته. فوقع إليه: ما صرفتك أكرمك الله فإن أحببت الحضور والخدمة وإلا
فالله لك بالرشد. فلم يسكن وأقام على الاستتار. ابه لأتقدم فيه بما
يوفق الله إن شاء الله. وحضر هشام مجلسه، فقال له: ليس من مذهبي أن
أذكر إساءة أحد، ولما خلصني الله تعالى من صنعاء وعدت إلى مكة عاهدته
سبحانه على ترك مقابلة كل من سعي علي في ولايتي ولكبتي، ووكلت جميعهم
إلى الله. ولك خدمة قديمة توجب لك حقاً، وعليك أضعافه، فإذا لم ترع ما
يلزمك لم أدع رعاية ما يلزمني. ثم قال له: أموال الصدقات بفارس وكرمان
معقودة على أبي عيسى أحمد بن بدر العم،
(1/337)
وقد حل منها ثلاثمائة ألف درهم، والضرورة
قائدة إلى مطالبته بأداء ذلك في بيت مال العامة لأسبب له عوضه على
المسمعي من مال ضمانة الضياع والخراج بفارس، وأريد أن تكتب لي خطك
بعشرة آلاف دينار من ذلك. فكتب له بمائة ألف درهم، ووقع لأهل الصدقات
بالعوض منها على المسمعي، ثم ذكر له هشام أن على إسحاق بن إسماعيل من
مال ضمانة النهروانات، وعلى نصير بن علي من مال ضمانة طريق خراسان
وموات جلولاً، وعلى محمد بن الحسن الكرخي الملقب بالجرو من مال ضمانة
نهر بوق والزاب الأسفل، وعلى ابن عرفة خليفة محمد بن القاسم الكرخي من
مال الأعمال التي يتولاها صاحبه، وعلى محمد وجعفر ابني جعفر الكرخي من
مال مصادرتهما، وعلى محمد بن الحسن كاتب المسمعي من مال ضمانة أعمال
فارس وكرمان، وعلى خليفته ابن رستم من مال أصبهان، أموالاً كثيرة،
وأنهم لم يؤدوا منذ وقع اسمه على الوزارة إلا شيئاً يسيراً. وأنه قد
أحضر خطوطهم بأعيانها، وعملاً بأصول ما عليهم وما أدوه، وبقي خطوط
المصادرين بما تقررت عليه أمورهم، وعملاً مفصلاً بما بقي منها على كل
واحد منهم. وقال: سبيل ذلك كله أن يستوفى. فأمره علي بن عيسى بتسليم
الخطوط إلى صاحب دواته بثبت، وتسلم هو العملين بيده، وقرأهما، وتقدم
إلى أبي القاسم الكلوذاني بالاجتماع مع هشام على المطالبة بالمال والجد
في ذلك حتى يصح في ثلاثة أيام. وأخرج علي بن عيسى جميع الأعمال إلى أبي
القاسم الكلوذاني، ولزم أصحاب الدواوين مجلسه في دار علي ابن عيسى حتى
ظن أنه خليفته على الدواوين كلها. فلما أخرج الكلوذاني كل ما عنده إلى
علي بن عيسى وتشاغل بما أمره به من مطالبة الضمناء والمصادرين قال له
علي بن عيسى: إليك أجل الدواوين، وإن ارتسمت
(1/338)
بخلافتي اختل ما إليك منها، وليس يقوم أحد
مقامك في ذلك، فينبغي أن تتوفر على ذلك فسر الكلوذاني بهذا القول لأنه
خاف أن يرد ديوان السواد إلى عبد الرحمن أخيه على ما كان فعله في وزارة
حامد، ويحصل هو على خلافة لا يوفيه علي بن عيسى حكمها، لأن من مذهبه أن
ينظر في الأعمال بنفسه ليلاً ونهاراً. وعول على عبد الرحمن أخيه
وسليمان بن الحسن في عمل من الأعمال للضمناء والعمال مما يخرجه إليهما
أصحاب الدواوين، وفي مكاتبة عمال الخراج والضياع والمعاون في نواحي
المغرب عنه، والنظر في سائر أعمال المغرب كما ينظر صاحب الديوان،
فتحققا به ولازما مجلسه، وتجدد إشفاق هشام واستيحاشه، وذاك أنه بلغه
حضور أولاد إبراهيم بن عيسى عند عمهم علي بن عيسى فلما رآهم دمعت عينه
وقال: ترك أبوهم العمل معي في وزارة حامد طلباً للسلامة فلم ينفعه ذاك
وأفقره ابن الفرات ثم سلمه إلى من قتله. فقال له من كان بحضرته: الذي
جرى عليه من هشام مكروهاً وشتما له ولآل الجراح كلهم أعظم من القتل
وخفف هشام الحضور في دار علي بن عيسى، وكان ينفذ إليه الأعمال من غير
أن يلقاه. وزاد ما يتأدى إليه من ذكر أصحاب علي بن عيسى له وتضريتهم
إياه عليه، فاستتر وستر حرمه، ولم يعرض له علي بن عيسى، ووقع إليه بعد
أيام من استتاره توقيعاً جميلاً فأجاب عنه بأنه قد كان واثقاً بتفضل
الوزير عليه وصفحه عنه. وعمل على ملازمة الخدمة ألى أن أكثر أعداؤه من
الإغراء به والوقيعة فيه، فأقام في منزله واثقاً بنيته ومعولاً على
عفوه ورأفته. فوقع إليه: ما صرفتك أكرمك
(1/339)
الله فإن أحببت الحضور والخدمة وإلا فالله
لك بالرشد. فلم يسكن وأقام على الاستتار.
ونظر علي بن عيسى في الجاري والأرزاق، فنزل أصحاب الدواوين من الثلثين
إلى النصف، وجعل لأبي القاسم الكلوذاني من خمسمائة دينار كان يقبضها في
كل شهر عن ديوان السواد خمسة آلاف درهم، وقرر لأبي الفتح الفضل بن جعفر
عن ديوان المشرق مائة دينار في كل شهر، ولأبي علي بن مقلة عن ديوان
الخاصة والمستحدثة مائة دينار. وكان حامد أجري له ثلاثة آلاف درهم في
كل شهر برسم مشيخة الكتاب، وكان يقبضها إلى أن نكبه ابن الفرات. وأسقط
أرزاق كل من كان يقبض برسم الدواوين من الكتاب وأولاد الكتاب الذين
يحضرون ولا يعملون، وغلمان وأسباب وأصحاب الدواوين، واقتصر بالغلمان
على جاري عشرة أشهر في السنة. وبأصحاب البرد والمنفقين على ثمانية
أشهر. وحذف من كان جارياً بالفرسان والرجالة برسم النوبة من الكتاب
والتجار ومن لا يحمل السلاح، وأرزاق الأولاد الذين في المهود، وجميع
أرزاق الخدم والحشم والجلساء والندماء والمغنين وأصحاب العنايات وأرباب
الشفاعات. ثم إن علي بن عيسى رأى من اختلال النواحي في وزارة أبي
القاسم ابن الخاقاني وأبي العباس الخصيبي ونقصان الارتفاع، وتضاعف
النفقات، وما زيده الرجالة عند ورود القرمطي وهو مائتان وأربعون ألف
دينار في السنة، ما استعظم الصورة فيه، وعلم أن الأمور لا تستقيم معه،
وتبين انحراف نصر الحاجب عنه لميل مؤنس المظفر إليه وقيامه بأمره.
فاستعفى المقتدر بالله من النظر استعفاء دفعه عنه وقال له: أنت عندي
بمنزله المعتضد بالله، ولا بد من أن تصبر وتحتمل. فترك مديدةً ثم عاود
وواصل
(1/340)
وشاور المقتدر بالله مؤنساً فيمن يقلده:
وقال له: قد أسمي لي الفضل بن جعفر فلم أرده، وابن مقلة فما عندك فيه.
قال: هو حدث خامل، والوزارة تحتاج إلى شيخ له ذكر وفيه فضل. فقال له:
محمد بن خلف النيرماني وقد بذل تحصيل ألف ألف دينار من مال النواحي في
مدة أربعة أشهر. قال: هذا رجل متهور ولا يحسن أن يكتب اسمه. وأشار
بمداراة علي بن عيسى. وخاطب مؤنس علي ابن عيسى، فقال: لو كنت مقيماً
بالحضرة لعملت وعولت على معاونتك ومعاضدتك، فأما وأنت خارج إلى الرقة
فلا يتم لي أمر. وبلغ أبا علي بن مقلة ذلك، فجد في السعي على علي ابن
عيسى. وشاور المقتدر بالله نصراً الحاجب في الثلاثة الذين هم الفضل بن
جعفر وابن مقلة ومحمد بن خلف النيرماني، فقال: أما الفضل فما يدفع عن
محل وصناعة، ولكنك قتلت عمه بالأمس، وبنو الفرات كلهم يدينون بالرفض،
ويميلون إلى القرمطي، وابن مقلة فلا هيبة له. وأشار بمحمد بن خلف، فلم
يتقبله المقتدر بالله، لأن مؤنساً وهارون بن غريب نفراه منه. وعرف ابن
مقلة طعن نصر الحاجب عليه، فواصل مداراته واستصلاحه، وواقف أبا عبد
الله محمد بن عبدوس الجهشياري على ملاقاة أبي محمد دلويه كاتب نصر
واستعانته على إصلاح صاحبه. وأشار مؤنس بأبي زنبور المادرائي، فكرهه
نصر وانقاد لأبي علي بن مقلة والمشورة به، وقال: يقلد فإن استقل بما
ندب إليه والإ صرف واستبدل به. فاضطر المقتدر إلى أن استوزره. وحصلت له
وسيلة أخرى قوت أمره، وذاك أن المقتدر بالله كان شديد التطلع إلى معرفة
أخبار أبي طاهر القرمطي، ولم يكن يقف عليها إلا من جهة الحسن ابن
إسماعيل الإسكافي عامل الأنبار وما يكتبه منها إلى علي بن عيسى في كل
أيامه،
(1/341)
فأنفذ أبو علي علي بن مقلة طيوراً إلى
الأنبار، وعول على قوم من أهلها في مكاتبته بأخبار القرمطي على
الساعات. فكان يرد من ذاك ما ينفذه لوقته إلى نصر الحاجب، ويعرضه نصر
على المقتدر بالله ويجعله طريقاً إلى تقريظه وإطرائه حتى قال له: إذا
كانت هذه مراعاته لأمورك يا أمير المؤمنين ولا تعلق له بخدمتك فكيف
يكون إذا اصطنعته واستكفيته؟ فلما كان وقت الظهر من يوم الثلاثاء ثالث
عشر ربيع الأول من سنة ست عشرة وثلاثمائة أنفذ المقتدر بالله هارون بن
غريب إلى علي بن عيسى للقبض عليه، فصار إلى داره، ومعه أبو جعفر بن
شيرزاد وهو متعطل إذ ذاك، فلما قرب هارون منها قدم أبا جعفر أمامه
إليه، وعرفه ما أُنفذ فيه حياءً من لقائه به، وعرفه أبو جعفر الحال،
فقال: أنا جالس أتوقعه. ولبس عمامة وطيلساناً وخفاً، وأخذ في كمه
مصحفاً ومقراضاً. ووافى هارون فدخل إليه، وسأله صيانة حرمه وولده،
ففعل، ومنع من التعرض لشيء من الدار. ولم يجد في مجلسه ولا داره أحداً
من كتابه وأسبابه، وبصر
بأبي علي عبد الرحمن في بيت من الدار مطلعاً في شباك، فهجم عليه وأخذه،
وحملهما إلى دار السلطان، وسلم علي بن عيسى إلى زيدان القهرمانة،
واعتقل عبد الرحمن عند نصر الحاجب، فكانت مدة وزارة علي بن عيسى هذه
سنةً وأربعة أشهر ويومين. وادعى نصر الحاجب بسوء رأيه في أبي الحسن علي
بن عيسى أنه وجد رجلاً يعرف بالجوهري وأقر بأنه رسول للقرمطي وسفير
بينه وبين علي بن عيسى، وحكي عنه أن علي بن عيسى كان يكاتب القرمطي على
يده، وجمع بينه وبين علي بن عيسى حتى واجهه بذلك. فقال علي بن عيسى:
كذب علي وبهتني، وما خلق الله لما قاله أصلاً ولا فرعاً، وعاون أبو علي
بن مقلة نصراً الحاجب إلى أن كاد المكروه يتم على علي بن عيسى، وهم
المقتدر بالله بأن يضربه بالسوط على باب العامة بحضرة الفقهاء والقضاة
وأصحاب الدواوين. فتوصلت السيدة إلى كشف ما ادعي عليه، حتى وقفت على
بطلانه، وقررت ذاك في نفس المقتدر بالله، فزال ما كان اعتقده فيه.
وتقلبت بعلي بن عيسى من بعد أمور قد ذكرناها فيما أوردناه من أخباره
المنثورة وأخبار الوزراء. ورد إليه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في
خلافة المتقي لله وإمارة بجكم، ونظر أبي عبد الله الكوفي النظر في
المظالم، فجلس لذلك ونظر في خصومات بين عوام، ورد ما يتعلق بعامل وصاحب
ديوان وجندي إلى أبي عبد الله الكوفي، وبالحكم إلى الحكام. فلما انهزم
أبو عبد الله البريدي من كورتكين وتكينك، وخلت الوزارة من ناظر فيها
ومرسم بها، استدعي المتقي لله أبا الحسن علي بن عيسى وأبا علي عبد
الرحمن أخاه وأمرهما بالنظر، وكان أبو علي عبد الرحمن يدبر الأعمال
وعلي بن عيسى يصل إلى حضرة المتقي لله، وجرى الأمر على ذلك تسعة أيام
ثم تقلد أبو إسحاق القراريطي الوزارة، ولازما منزلهما. وتوفي أبو الحسن
علي بن عيسى في يوم الجمعة لليلة خلت من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين
وثلاثمائة عن تسع وثمانين وستة أشهر، لأن مولده كان في جمادي الآخرة
سنة خمس وأربعين ومائتين. علي عبد الرحمن في بيت من الدار مطلعاً في
شباك، فهجم عليه وأخذه، وحملهما إلى دار السلطان، وسلم علي بن عيسى إلى
زيدان القهرمانة، واعتقل عبد الرحمن عند نصر الحاجب، فكانت مدة وزارة
علي بن عيسى هذه سنةً وأربعة أشهر ويومين. وادعى نصر الحاجب بسوء رأيه
في أبي الحسن علي بن عيسى أنه وجد رجلاً يعرف بالجوهري وأقر بأنه رسول
للقرمطي وسفير بينه وبين علي بن عيسى، وحكي عنه أن علي بن عيسى كان
يكاتب القرمطي على يده، وجمع بينه وبين
(1/342)
علي بن عيسى حتى واجهه بذلك. فقال علي بن
عيسى: كذب علي وبهتني، وما خلق الله لما قاله أصلاً ولا فرعاً، وعاون
أبو علي بن مقلة نصراً الحاجب إلى أن كاد المكروه يتم على علي بن عيسى،
وهم المقتدر بالله بأن يضربه بالسوط على باب العامة بحضرة الفقهاء
والقضاة وأصحاب الدواوين. فتوصلت السيدة إلى كشف ما ادعي عليه، حتى
وقفت على بطلانه، وقررت ذاك في نفس المقتدر بالله، فزال ما كان اعتقده
فيه. وتقلبت بعلي بن عيسى من بعد أمور قد ذكرناها فيما أوردناه من
أخباره المنثورة وأخبار الوزراء. ورد إليه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة
في خلافة المتقي لله وإمارة بجكم، ونظر أبي عبد الله الكوفي النظر في
المظالم، فجلس لذلك ونظر في خصومات بين عوام، ورد ما يتعلق بعامل وصاحب
ديوان وجندي إلى أبي عبد الله الكوفي، وبالحكم إلى الحكام. فلما انهزم
أبو عبد الله البريدي من كورتكين وتكينك، وخلت الوزارة من ناظر فيها
ومرسم بها، استدعي المتقي لله أبا الحسن علي بن عيسى وأبا علي عبد
الرحمن أخاه وأمرهما بالنظر، وكان أبو علي عبد الرحمن يدبر الأعمال
وعلي بن
(1/343)
عيسى يصل إلى حضرة المتقي لله، وجرى الأمر على ذلك تسعة أيام ثم تقلد
أبو إسحاق القراريطي الوزارة، ولازما منزلهما. وتوفي أبو الحسن علي بن
عيسى في يوم الجمعة لليلة خلت من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة
عن تسع وثمانين وستة أشهر، لأن مولده كان في جمادي الآخرة سنة خمس
وأربعين ومائتين. |