زبدة الحلب في تاريخ حلب

القسم الثامن والعشرون
التنافر والاتفاق
وخرج صاحب الموصل عز الدين،، باتفاق عماد الدين وصاحب ماردين لاستنقاذ حران والرها، من يد الملك العادل، في شهر ربيع الآخر من هذ السنة، ونزل بدنيسر.
ونزل الملك العادل بحران، واستنجد بعساكر الملك الظاهر والملك الأفضل، فسير الملك الظاهر عسكره ومقدمه الملك المنصور بن تقي الدين، ونزل الملك العادل على سروج فافتتحها. ومرض عز الدين، وعاد إلى الموصل عن غير لقاء.
ثم نرل الملك العادل على الرقة، فأخذها، وأعطاها ابن أخيه الملك الظاهر وسار بالعساكر إلى نصيبين، وأقطع الخابور وبلد القنا، ثم اصطلحوا في شهر شعبان. وكان الياروقية ومقدمهم دلدرم صاحب تل باشر، قد تكبروا وتحامقو على الملك الظاهر، وقصروا في خدمته، في حياة أبيه. وكانوا يعالمون بدر الدين دلدرم، ويركبون كلهم في خدمته حتى كأنه السلطان، وكان بأيديهم من الأقطاع خيم ضياع جبل السماق وغيرها وملك الملك الظاهر حلب، فسلكوا معه من الحماقة، ما كانوا يسلكونه من قبل، فاعتقل مقدمهم دلدرم في قلعة حلب، وقيده، وأخرج الباقين عن حلب، وقبض أقطاعهم، وطلب من دلدرم تسليم تل باشر فامتنع، وذلك في سنة تسعين وخمسمائة.

(1/429)


واتفق أن وقع خلف بين الأفضل والملك العزيز، بسبب أميرين من الناصرية، أحدهما ميمون القصري، والآخر سنقر الكبير، وكان بأيديهما عدة من القلاع، فاستشعرا من الملك الأفضل أن يقبضهما، فسارا إلى مصر، وكاشفا الأفضل بالعصيان.
وطلبا من العزيز الكون في خدمته على أن يذب عما في أيديهما، فأقطع الملك الأفضل بلادهما، وأقطعهما الملك العزيز نابلس وكانت مقطعة مع ابن المشطوب فامتنع من تسليمها إليهما، وسار إلى الملك الأفضل فوقع الشر بينهما بسبب ذلك. ونزل الملك العزيز إلى دمشق، في جمادى الآخرة، وأقطع بلدها، وقاتلها، فسير الملك الأفضل إلى عمه، وأعلمه بذلك، فسار الملك العادل من بلاده شرقي الفرات جريدة، واجتمع بالملك الظاهر غازي بحلب، وأصعده إلى قلعة حلب، وأنزله في الدار، التي فيها ابنة الملك العادل غازية خاتون، زوجة السلطان الملك الظاهر. وطلب من الملك الظاهر موافقته على المسير إلى نصرة الملك الأفضل، وإصلاح ما في قلوب الملكين من المضاغنة، فوافقه على ذلك. ثم قال له الملك العادل: أنا ضيفك، ولا بد للضيف من قرى، وأطلب أن تكون ضيافتي منك دلدرم. فأجابه إلى ذلك وأطلقه.
وكان العلم بن ماهان في خدمة السلطان الملك الظاهر، في محل الوزارة، فأشار عليه بقبض عمه الملك العادل، فامتنع، وقال: هذا عمي، ومحله محل الوالد. ونزل الملك بدلدرم من القلعة، فمضى في يومه إلى تل باشر.
وصعد الملك العادل والملك الظاهر، إلى نصرة الملك الأفضل، بعد أن سلم الملك الأفضل إلى الملك الظاهر جبلة، واللاذقية، وبلاطنش وأعمال ذلك كله، لينصره على أخيه. واجتمع الملك العادل والملك الظاهر بالملك الأفضل، وتأخر الملك العزيز عن دمشق.
وجرت بين الملوك الثلاثة مراسلات أفضت إلى الاتفاق والصلح، على أن

(1/430)


تكون بلاد الملك الأفضل بحالها، وما كان بيد ميمون وسنقر، على حاله، ويكونان في خدمة الملك العزيز. ووقعت الأيمان والعهود على ذلك. في شعبان من سنة تسعين وخمسمائة.
وعاد الملك العزيز إلى مصر والملك الظاهر إلى حلب، والملك العادل إلى الشرق.
وفي سنة إحدى وتسعين اتصل القاضي بهاء الدين أبو المحاسن، يوسف بن رافع بن تميم بخدمة الملك الظاهر، وقدم إليه إلى حلب، وولاه قضاء حلب ووقوفها، وعزل عن قضائها، زين الدين أبا البيان بنا نائب محيي الدين بن الزكي، وحل عنده بهاء الدين في رتبة الوزارة والمشورة.

التنافر الثاني وخروج الأفضل عن دمشق
ثم إن الملك الأفضل استشعر من أخيه الملك العزيز أن ينزل إلى دمشق، ويحاصرها، في سنة إحدى وتسعين، كما فعل في السنة الخالية، فسار إلى قلعة جعبر، واجتمع بعمه الملك العادل بها، وفاوضه في الوصول إليه إلى دمشق، لينصره على الملك العزيز إن وصل إلى دمشق، إما بصلح أو بغيره، فوافقه على ذلك.
وتوجه الملك العادل إلى دمشق، ثم عدل الملك الأفضل إلى حلب، إلى أخيه الملك الظاهر، ووصل إليه إلى حلب، وفاوضه في إنجاده على الملك العزيز، فلم يجد عنده نية صادقة في الحركة معه إلى دمشق. واشترط عليه شرائط من جملتها أن صاحب حماة الملك المنصور محمد بن تقي الدين، وعز الدين بن المقدم صاحب بارين، وبدر الدين دلدرم بن ياروق، صاحب تل باشر، كانوا كلهم في طاعته، ومضافين إليه، وبلادهم من جملة بلاد الملك الظاهر، وأنهم كانوا من جملة أصحابه، فانحرفوا عنه، وانضافوا إلى عمه الملك العادل.
وكان الملك العادل قد شفع إليه في دلدرم، وأطلقه لأجله، وضمن له عنه الطاعة والقيام بما يجب، فانضات إلى عمه.

(1/431)


وطلب الملك الظاهر أن الملك العادل يقوم له، بما جرى بينه وبينه من الشرط، وأن لا يعرض لأتباعه المذكورين.
وسار الملك الأفضل إلى دمشق، على أن يقرر مع عمه ما التمسه الملك الظاهر. فلم يتفق للملك الظاهر شيء مما التمسه. فعاد بالكلية عنهما، وأرسل إلى الملك العزيز، يحضه، ويحرضه على قصدهما لأن الملك الأفضل مال إلى الملك العادل، وألقى أموره كلها إليه.
ووصلت رسل الملك العزيز إلى الملك الظاهر، بموافقته معه، ومعاضدته. وحلف له الملك الظاهر، في شهررجب من السنة.
ونزل الملك العزيز، من مصر، في شهر رمضان، والأسدية والأكراد مخامرون عليه، والملك العادل والملك الأفضل، قد كاتباهم، فمالوا إليهما لتقدمة الملك العزيز الناصرية عليهم.
وخرج الملك الظاهز، فنزل بقنسرين، وعيد بها عيد الفطر، وعيد الملك العزيز بالفوار، وعزم الملك العزيز على الرحيل إلى دمشق، والنزول عليها، ورحل أبو الهيجاء السمين والمهرانية، والأسدية في رابع شوال. وساروا إلى دمشق. ورحل الملك الظاهر من قنسرين إلى قراحصار قاصداً حصار منبج وهي في يد الملك المنصور صاحب حماة فلما وصل الملك الظاهر إلى بزاعا، وصله الخبر بأن العسكر خامر على الملك العزيز، وأنه رجع عن دمشق، وسار الملك العادل والأفضل خلفه إلى مصر، فعاد الملك الظاهر إلى قرا حصار حتى انسلخ شوال، ودخل حلب.
ووصله الخبر بأن الملك العادل والأفضل، سارا خلف الملك العزيز إلى مصر، ونزلا على بلبيس، ودخل الملك العزيز إلى مصر، واسقر أمره بها، وعلم الملك العادل بأنه لا يتمشى أمرهما مع الملك العزيز، فكتب إلى القاضي الفاضل، وطلب الاجتماع به، فألزمه الملك العزيز بالخروج إليه، فاجتمع به،

(1/432)


وأصلح حاله مع الملك العزيز، وشرط عليه أن يعفو عن الأسدية. وقال للملك الأفضل: أنا كان مقصودي الإصلاح بينكم، وأن لا يقع على دولتكم خلل، وقد حصل ذلك.
وتحالفوا، وعاد الملك الأفضل، ومعه أبو الهيجاء السمين، وبقي السلك العادل مع الملك العزيز بمصر، ووافقه، فانحرف الملك الظاهر عن الملك العزيز بذلك السبب، ومال إلى الملك الأفضل وكان الملك العادل قد احتوى على الملك العزيز، وأوقع في نفسه أن السلطنة تكون له في بلاد الإسلام، والخطبة والسكة. وكان يبلغه عن الملك الأفضل كلمات توجب الحنق عليه، فاتفق مع الملك العزيز على أن ينزلا جميعاً إلى الشام، لتقرير هذه القاعدة في جميع بلاد الإسلام.
فسير الملك الظاهر أخاه الملك الزاهر داود، والقاضي بهاء الدين قاضي حلب، وسابق الدين عثمان، صاحب شيزر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة إلى الملك العزيز، لتسكين الفتنة، والرجوع إلى ما فيه صلاح النية والموافقة بين الأهل. فوصلوا والملك العادل، والملك العزيز، قد خرجا مبرزين إلى البركة في ربيع الأول من السنة. وعادوا الرسل بغير زبدة، فعرفوا الملك الأفضل في احتيازهم عليه، بما قد عزم الملك العزيز، والملك العادل عليه، من إقامة الخطبة والسكة للملك العزيز، وتعجب من نقضهما الهدنة معه.
ولما وصلوا إلى حلب، راسل الملك الظاهر أخاه الأفضل، في تجديد الصلح بينهما، وتحالفا على المعاضدة والمناصرة. ووصل إلى الملك الظاهر من الأمراء: علم الدين قيصر الناصري، أمير جاندار أبيه الملك الناصر، فأقطعه اللاذقية، وأخذها من ابن السلار. وسير العلم بن ماهان، ليعتبر ما في قلعتها ويسلمها إلى قيصر، ويجعل الأجناد فيها على حالهم، ويحلفهم للسلطان الملك الظاهر.
وكان العلم بن ماهان، إذ ذاك عند الملك الظاهر في محل الوزارة، فلما وصل

(1/433)


إليها، ودخل قلعتها طمع باللاذقية، وحدثته نفسه بالعصيان، واستحلف الأجناد لنفسه، وخالفه بعضهم، وامتنعوا، وكتبوا إلى الملك الظاهر، وقبضوا على ابن ماهان. فسارع الملك الظاهر، وخرج إلى اللاذقية، وصعد إلى القلعة، وأحضر ابن ماهان، وقطع يده، وقلع عينه، وقتل غلاماً من خواصه، وقطع لسان البدر بن ماهان قرابته وأذنيه، وسلخ العامل النصراني الذي كان بها.
واحتوى على جميع ما كان لابن هامان، وفرقه، ودخل إلى حلب وهو معه، فأركبه حماراً مقلوباً، وعلى رأسه خف امرأة، ويده معلقة في عنقه. وطيف به على تلك الحال، ولطم بالدرة. ثم صعدوا به إلى القلعة، فالتقاه ابن منيفة بوابها، وقال له: أريد حقي منك. وأخذ نعله من رجله، ولطمه به لطماً كثيراً. وحبس في القلعة. وتحدث بعض الناس أن الملك الظاهر أراد أن يرجع عن إقطاع قيصر اللاذقية، فكتب إلى ابن ماهان يأمره بالعصيان، ثم التزم بما فعل، ولم يظهر صحة ذلك.
ولما دخل السلطان الملك الظاهر من اللاذقية، سير عسكراً من عسكر حلب، نجدة لأخيه الملك الأفضل، ووصل الملك العزيز والملك العادل، فنزلا على دمشق، وحصراها، وتسلمها الملك العزيز بمخامرة أوجبت دخول الملك العادل! من باب توما والملك العزيز من باب الفرج.
وخرج الملك الأفضل من القلعة، وعوض عن دمشق بصرخد، فسار إليها ووصل الملك الظاهر إلى أخيه الملك الظاهر إلى حلب، فأكرمه، واحتفل به، وذلك في شعبان من سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.
وشرع الملك الظاهر في حفر الخنادق بحلب وتحصينها، وسير القاضي بهاء الدين، وغرس الدين قلج، إلى الملك. العزيز، يطلب موافقته. وكان قد رحل إلى مصر، وأبقى الملك العادل بدمشق.

تحرك الظاهر غازي حول حلب
وخرج الملك الظاهر إلى مرج دابق وأقام بها، وأظهر أن صاحب

(1/434)


مرعش عاث في بلد رعبان، وسير يقدمه عسكره إلى عين تاب فخاف صاحبها حسام الدين بن ناصر الدين، وحفظ القلعة. ونزل العسكر في الربض مظهرين أن لاغرض لهم في حصار القلعة، بل لشدة البرد والثلج. ثم أظهر أن صاحب مرعش سير إلى الملك الظاهر، واعتذر، وانقاد إلى طاعته، وحلف له. فرحل السلطان إلى الراوندان، وأقام بها ثلاثة أيام، ورحل إلى عزاز ليلاً، وهي في أيدي نواب الأمير سيف الدين بن علم الدين علي بن سليمان بن جندر، وكان مريضاً بحلب، فأراد السلطان أن يصعد إلى القلعة من شدة المطر، فمنعه من في القلعة أن يطلع إلا بإذن سيف الدين، فسار إلى دربساك وبها ركن الدين الياس ابن عم سيف الدين، فقبض عليه.
وعاد إلى حلب مغضباً، ودخل إلى دار سيف الدين بنفسه، وأخذه في محفة، وسيره إلى عزاز ليسلمها، ووكل به حسام الدين عثمان بن طمان، فوصل معه إليها وسلمها إلى نواب السلطان الملك الظاهر، وعادوا به إلى حلب.
ولما جرى على سيف الدين ذلك، وكانت دربساك معه، وفيها ماله ونوابه، وبها جماعة من أسرى الفرنج، فأعملوا الحيله، وكسروا القيود، وفتحوا خزانة السلاح، ولبسوا العدد، وقاموا في القلعة، فاحتمى الوالي في القلعة مع جماعة من الأجناد، والقتال عليهم. فعلم الملك الظاهر، بذلك، فخرج مجداً في السير حتى وصل درب ساك، فوجد الوالي قد انتصر على الأسرى، وقتلهم.
وعاد السلطان إلى حارم، ثم دخل إلى حلب، فأقام حتى تقضت سنة اثنتين وتسعين. ووصله القاضي وقلج بجواب الملك العزيز بانتظام الصلح بينه وبينه.
ورحل الملك العادل إلى بلاده الشرقية، ووصل ابنه الملك الكامل محمد إلى حلب، زائراً ابن عمه الملك الظاهر، وكان قد طلبه من أبيه ليزوره، فالتقاه الملك الظاهر، وأحسن ضيافته ثم سار إلى أبيه.
وعصي سربك برعبان على الملك الظاهر، وقد كانت في يده، عوضه بهما عن حارم وكان من مماليك أبيه الشجعان، فأظهر الملك الظاهر أنه يخرج إلى الغزاة، وخرج إلى قنسرين، ثم عطف من غير أن يعلم أحد حتى وصل إلى رعبان، فنزل

(1/435)


عليها، وأقام أياماً لا يقاتلها، في شهر رمضان، في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. واستغل بلدها، فلبس سربك سلاحه، وركب وحوله جماعة، قد لبسوا، وفتح باب القلعة، ونزل إلى السلطان، والتمس منه العفو فعفا عنه. ورد رعبان إليه، وسار إلى حلب، فأقام بها إلى أول ذي الحجة من سنة ثلاث وتسعين.

الخوف من الفرنج
وكان الملك العادل قد سار إلى الغور لحركة الفرنج، واستصحب معه نجدة من الملك الظاهر، فوصلت رسله إلى السلطان الملك الظاهر، يخبره أن الفرنج قد عزموا على قصد جبلة واللاذقية فخرج الملك الظاهر إلى الأثارب، وسير الحجارين والزراقين. لهدم، حصني جبلة واللاذقية. وسار المبارز أقجا لهدم جبلة، فهدموا سورها ودورها، وأجلى أهلها منها.
وسارغرس الدين قلج، وابن طمان، لهدم اللاذقية، فنقبوا القلعة، وعلقوها، ورفعوا ذخائرها، وهدموا المدينة، وذهب أهلها، وبقي العسكر منتظراً وصول العدو، ليلقوا النار في الأخشاب المحشوة في الأنقاب، فلم يصل أحد منهم.
وجاء البرنس في البحر تحت المرقب وطلب غرس الدين وابن طمان فوصلا إليه، وكلماه على جانب البحر، فأشار عليهما بأن لا تهدم اللاذقية، وأخبرهما أن الفرنج فتحوا صيدا وبيروت وعادوا إلى صور.
فسيرا وأعلما السلطان وهو بريحا، فأمر ببناء ما استهدم منها، وسار إلى حارم، فوصلها في محرم سنة أربع وتسعين. وأقام بها مدة، ثم رحل إلى اللاذقية، فعمرها وعمر ضياعها، وتوجه إلى حلب.
وتوفي غرس الدين قلج، فعصى أولاده بالقلاع التي كانت بيده، وهي: دركوش، والشغر، وبكاس، وشقيف الزوج، وامتنعوا من تسليمها

(1/436)


إلى الملك الظاهر. فخرج إليها، ونازلها، وأخذ عليها النقوب، واستنزلهم منها، وصفح عن جرمهم، وأجرى لهم المعيشة السنية، وتقدم عنده منهم: سيف الدين علي بن قلج.

من نتائج موت العزيز بمصر
ومات الملك العزيز بمصر، واختلف أمراؤها، فمال الأسدية إلى الملك الأفضل. والناصرية إلى الملك العادل.
وانقاد الناصرية على نيات غير موافقة، واستدعوا الملك الأفضل، فسار من صرخد إلى مصر ودخلها. وتلقاه إخوته على مرحلتين منها، واستوثقوا منه بالأيمان، على أن يكون كافلاً للملك المنصور محمد ابن الملك العزيز ومربياً له.
وخرج الجحاف، وجهاركس، إلى ميمون، إلى القدس، فقيد الملك الأفضل أخاه الملك المؤيد وجماعة من الأمراء كاتبوا الملك العادل، وأرسل الملك الظاهر وزيره نظام الدين أبا المؤيد محمد بن الحسين، إلى أخيه الملك الأفضل، مهنئاً له بولاية مصر، فأقام عنده مدة، والرسل تترد إليه من الملك الظاهر في الاتفاق على الملك.
وكان الملك العادل، إذ ذاك محاصراً ماردين، وقد أشرف على أخذها، فسار الملك الأفضل إلى دمشق، وخرج الملك الظاهر إلى حارم، لغدر وقع من الفرنج بناحية العمق، أغاروا على التركمان، في تلك الناحية. وسير بعض العسكر إلى خناصرة ليقطع الطريق على الملك العادل إن توجه إلى دمشق.
وصالح الملك الظاهر الفرنج ورحل إلى مرج قراحصار في سلخ رجب من سنة خمس وتسعين

(1/437)


حصار دمشق وفشل الحصار
وسار الملك العادل حتى بلغ إلى تدمر، وسار في البرية إلى دمشق، ونزل الملك الأفضل على دمشق، في نصف شعبان من السنة. ونزل بعض عسكره في الميدان، وهجم بعض العسكر المدينة بمخامرة من أهلها، ونادوا بشعار الملك الأفضل.
وكان مجد الدين أخو الفقيه عيسى هو الذي دخل منها حتى بلغ السوق، وشربوا الفقاع، فخرج الملك العادل، من القلعة، وأخرجهم في البلد.
وخامر بعض العسكر على الملك الأفضل، ودخلوا في الليل إلى دمشق، فاختل الأمر عند ذلك، وتأخر الملك الأفضل إلى جسر الخشب.
وسار الملك الظاهر إلى حماة، فالتقى سيف الدين طغرل الظاهري قطعة من عسكر حماة سائرة إلى منبج فظفر بها طغرل وأسر رجالها، وأحضرهم إلى الملك الظاهر، فأطلقهم بعدتهم ودوابهم.
ولما وصل الملك الظاهر إلى حماة، منعه عسكرها من العبور على الجسر فعبر قهراً، ونزل عليها، وقاتلها، فهادنه الملك المنصور صاحبها، وأخرج إليه تقدمة سنية، وسير عسكره في خدمته، فأقطعه الملك الظاهر بارين وكانت في يد ابن المقدم، فخرج صاحب حماة إليها محاصراً لها.
وسير الملك الظاهر إلى الموصل رسولاً يأمر صاحبها بإنجاد ماردين، وترحيل الملك الكامل والملك العادل عنها، ووصل الملك الظاهر إلى دمشق، واجتمع بالملك الأفضل في منزلته، وخيموا بأرض داريا ثم إنهم زحفوا على المدينة، وقاتلوها.

(1/438)


وبلغ الملك الظاهر أن جهاركس وأسامة وسراسنقر وغيرهم، قد عزموا على الدخول إلى دمشق، نجدة للملك العادل، فسير الملك الظاهر عسكراً مقدمه سيف الدين بن علم الدين، ليمنعوهم من الدخول، فاختلفوا في الطريق، ودخل المذكورون إلى الملك العادل، فاشتد بهم أزره، ولم يكن ينصح في القتال، وقت الحصار غير العسكر الحلبي، فأما المصري فأكثره منافق.
ووصل المواصلة إلى ماردين، ورحلوا الملك الكامل عنها، ونهبوا ما كان لعسكره بها، فضربت البشائر خارج دمشق في العسكر.
وسير الملك الظاهر عسكراً، مقدمه سيف الدين المذكور إلى الشرق ليجتمعوا مع المواصلة، ويحصروا بلاد الملك العادل بالشرق، وأقطع سيف الدين سروج، وكان الأمر قد استقر مع المواصلة، أن يرد إليهم سروج والرقة. فلما علموا بأن السلطان أقطع سيف الدين سروج انحرفوا عنه، وعادوا، وخرج عسكر الرها، فوقعوا على سيف الدين فانهزم عن سروج.
وفتح الملك المنصور صاحب حماة بارين في ذي القعدة من ابن المقدم وعوضه عنها بمنبج، بعد ذلك على ما سنذكره فيما بعد.
ووصلت رسل الشرق إلى الملك الظاهر وهو على دمشق واتفقوا على أن يكون لصاحب الموصل حران، والرها، والرقة، وسروج، وأن يكونوا يداً واحدة على من خالفهم، وتحالفوا على ذلك، في ذي الحجة من سنة خمس وتسعه وخمسمائة.
ودخلت سنة ست وتسعين، والحصار على دمشق على حاله، وأكثر الأجناد يحملون الأزواد في الليل، ويبيعونه على أهل البلد، فأخرج الملك العادل خزائته جميعها، ثم اقترض من التجار جملة كبيرة، وأمر بعمل الروايا والقرب، للصعود إلى مصر، واستدعى ابنه الملك الكامل من البلاد الشرقية، فجمع وحشد.
وسير الملك الظاهر إلى سيف الدين بن علم الدين، وإلى الملك المنصور صاحب حماة، فاجتمعوا على سلمية ليمنعوا الملك الكامل من العبور، فعبر في جيش عظيم، لم يكن لهما به طاقة، فانحازوا إلى حماة وساق سيف الدين بن علم الدين، وأعلم السلطان الملك الظاهر بذلك.

(1/439)


ووصل الملك الكامل إلى دمشق، فرحل الملك الظاهر، والملك الأفضل، إلى مرج الصفر، ثم إلى رأس الماء.
ورحل الملك الظاهر، وأخفى نفسه جريدة إلى ناحية صرخد ومعه الملك المجاهد صاحب حمص، وسار إلى طرف السماوة، وخرجوا إلى تدمر. وسار الملك الظاهر إلى حلب، ووصل بعده بغال الثقل، دون الحمال على البرية، حتى وصلوا إلى القريتين، ولحقهم الملك الكامل بالقريتين، وهو مسرع إلى الشرق، ووقع عسكر حلب على قطعة من أصحابه، فظفروا بهم.
فلما وصل الملك الكامل، وقد دخل ثقل السلطان إلى القريتين، سير إلى مقدم عسكر حلب علم الدين قيصر الناصري، واستدعاه، وقال له: ما بيننا وبينكم إلا الخير، وما جئنا لنتبعكم، فردوا علينا ما أخذتم لنا. ففعل ذلك، وسار الملك الكامل إلى الشرق، ووصلت البغال إلى حلب، في تاسع عشر شهر ربيع الأول.
وأما الملك الأفضل، فإنه توجه من رأس الماء إلى مصر وتوجه ثقل الملك وخزانته معه إلى مصر. وخرج الملك العادل من دمشق، وسار خلفه إلى مصر، فدخلها، وهرب الملك إلى صرخد.

الملك العادل في مصر
واستولى الملك العادل على الديار المصرية، في صورة الكافل، والمربي، للملك المنصور محمد بن العزيز، وسير خزانة الملك الظاهر، وبقية ثقله جميعه إليه، وخفر أصحابه حتى وصلوا إلى حلب، في نصف جمادى الأولى، والسلطان بتل السلطان، فدخل إلى حلب.

(1/440)


ووصلته رسل الملك العادل تطلب منه الموافقة، فلم يجبهم إلى ذلك، وخرج إلى بكاس وحارم فمرض. ودخل حلب، واشتد مرضه، وطلب إليه القلعة الزهاد الذين كانوا بحلب، مثل أبي الحسن الفاسي، وعمي أبي غانم، وعبد الرحمن ابن الأستاذ، وسألهم الدعاء، وتبرك بهم، وأزال مظالم كثيرة. ثم أبل من مرضه ذلك، في ذي الحجة من سنة ست وتسعين.
وانفصل عنه صاحب حمص وصاحب حماة، وصارا مع عمه الملك العادل، وعوض صاحب حماة عز الدين بن المقدم بمنبج عن بارين، بإشارة الملك العادل. ومات ابن المقدم بأفامية، وصار فيها أخ له صغير.
واستقل الملك العادل بملك مصر، وقطع الخطبة والسكة للملك المنصور بن العزيز، واختلف جندها، فمنهم من مال إلى تمليك الملك العادل، وأقام في خدمته، ومنهم من كان يريد ابن العزيز، فانفصل منهم جهاركس، والجحاف، وغيرهما، فإنهم انفصلوا عن مصر، واتفقوا مع الملك الأفضل.

الملكان الأفضل والظاهر يحاصران دمشق
فوصل الملك الأفضل إلى أخيه السلطان الملك الظاهر إلى حلب، في عاشر جمادى الأولى من سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ووصل معه الجحاف، وأخبرا أأن جهاركس بالغور، مع العسكر. واتفقوا على محاصرة دمشق.
وسير الملك الظاهر إلى الموصل بطلب نجدة تصله، وبرز مع أخيه الأفضل، وقصدا منبج، ففتحها الملك الظاهر، وقبض على ابن المقدم وحبسه، وأقطعها الجحاف، بعد أن خرب حصنها. وكان ابن فاخر سعد الدين مسعود بقلعة نجم، نائباً عن ابن المقدم، وأخته معه، فسلمها إلى الملك الظاهر، وعوضه، بمائز قرية من بلد عزاز وسلمها الملك الظاهر إلى الأفضل.
وسار إلى أفامية، ومعه ابن المقدم، فعاقبه تحتها ليسلموا إليه، فلم يسلموا

(1/441)


فسيره، وحبسه بحلب، وأقام بكفر طاب، واستولى على بلدها، ونزل بمعرة النعمان، ونهب بلدها، وأخذ ما فيها لبيت المال، وسار إلى حماة، فنزل عليها، في شعبان، وقاتلها إلى أن صالحه الملك المنصور صاحبها، ووزن له ثلاثين ألف دينار، ووافقه.
وسار إلى حمص، فصالح الملك المجاهد صاحبها، ووافقه، وسار إلى دمشق فنازلها، واستدعى جهاركس وقراجا من الغور، فدافعا عن الوصول، فسار السلطان الملك الظاهر إليهما بنفسه، ولاطفهما حتى رحلا معه، بعد أن أعطى الملك الأفضل قراجا صرخد، وأخرج أمه وعياله منها، ونزلوا على دمشق، وعزموا على قتالها، ففند جهاركس عن ذلك، وكان قد صار في الباقين مع الملك العادل، وقال: المصلحة أننا نلقى الملك العادل، فإذا كسرناه تم لنا ما نريد.
وكان الملك العادل قد نزل من مصر إلى الكرك، ثم توجه إلى نابلس، فلما رأى جهاركس جد الملك الظاهر على حصار دمشق، هرب من العسكر إلى الملك العادل إلى نابلس، وهرب قراجا إلى صرخد، وعصى بها، وتركا خيامهما على حالها وبركتهما، فأنهب السلطان الملك الظاهر ذلك جميعه، ثم زحف بالعساكر على دمشق، وقاتلوها قتالاً شديداً، وأحرقوا العقيبة ونهبوا الخانات.
وراسل الملك العادل صاحب الموصل، فاتفق معه، ورجع عن الملك الظاهر، بعد أن وصل إلى رأس عين.
وسار الملك الفائز بن العادل من البلاد الشرقية، طالباً تشعيث بلاد

(1/442)


السلطان الملك الظاهر، وشغل خاطره عن حصار دمشق، فسير الملك الظاهر المبارز أقجا وكان من أكبر أمراء حلب ومعه بعض العسكر، فنزل على بالس ونهبها، وسار إلى منبج فنزلها، فوصل الملك الفائز إليها، فانهزم بمن كان معه من العسكر إلى بزاعا، ودخلها الفائز، وبنى قلعتها وحصنها، وسار منها طالباً عسكر حلب إلى بزاعا، فاندفعوا بين يديه إلى حلب، وأقام على بزاعا أياماً، وجفل بلد حلب خوفاً منه، وهرب فلاحوه.
ورحل إلى أبيه إلى نابلس، فسير الملك العادل نجدة تدخل إلى دمشق، فبلغ حديثها الملك الظاهر، وقد أحدقت العساكر بدمشق، فكمن لهم كميناً، فوقعوا عليهم، وقتلوا منهم جمعاً كثيراً، وانهزم بعضهم، ولم يدخل إلى المدينة إلا القليل. ونكث صاحب حماة، وخرج إلى ناحية الروج، وأغار عليه، ونهب رستاق شيزر.
وسار عسكر حلب إلى منبج، فلم يجد فيها مطمعاً، واستدعاهم الملك الظاهر، فمضوا إليه إلى دمشق، وطال الحصار، وضجر العسكر، وهرب شقير، والجحاف، بعد استيلاء الفائز على منبج، وكان خير الجحاف.

الأفضل والظاهر يختلفان
ووقع الخلف بين الملك الأفضل والملك الظاهر على دمشق، فالملك الظاهر يريدها لنفسه، لأنه أخرج الخزائن، وبذل الأموال، وحصرها بعسكره، والملك الأفضل يريدها لنفسه لأنها بلده، وأنه أخرج صرخد من يده بسببها. وحصل بينهما منافرة أوجبت رحيل الملك الظاهر، ومعه ميمون القصري، وسراسنقر، وأيبك فطيس، والبكي الفارس، والقبيسي.
ورحل الملك الأفضل فنزل حمص، عند صاحبها الملك المجاهد، وزوج ابنه الملك المنصور إبراهيم بابنة الملك الأفضل.
وسار الملك الظاهر إلى حماة، فأغار عليها، وشعث بلدها، وصانع صاحبها

(1/443)


الملك المنصور، على مال أخذه منه، وسار إلى منبج، وعزم على أن يهجمها بالسيف، ويقتل جميع من بها، لأنهم قاموا مع الملك الفائز، فشفع إليه الأمراء في أن يسلموها طائعين، ويعفو عنهم، فتسلمها، وأقطعها ابن المشطوب، في المحرم من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
ثم دخل إلى حلب، وأقطع ميمون القصري عزاز، وشيح، وبلد الخوار، وأقطع أيبك فطيس أقطاعاً أرضاه، وعاد عنه سراسنقر، وتسلم السلطان أفامية من ابن المقدم، وعوضه عنها بالراوندان.
وتوفي وزير السلطان الملك الظاهر جمال الدين أبو غالب عبد الواحد بن الحصين البغدادي في شعبان سنة سبع وتسعين، وكان في خدمة أبيه الملك الناصر، فانتقل بعد موته إلى حلب، ووزر له، وصار وزيره بعده نظام الدين أبو المؤيد محمد ابن الحسين.
ووصل الملك العادل إلى دمشق، فتوجه إليه الملك المجاهد صاحب حمص، ومعه الملك الأفضل، وترقق إليه، فأعطى الملك الأفضل شيحتان وجملين والموزر وقلعة السن وسميساط. وسار إليها الملك الأفضل، ونزل الملك العادل إلى حماة، وراسل الملك الظاهر، حتى استقر الصلح بينه وبينه، على أن خطب له الملك الظاهر بحلب، وضرب السكة باسمه مع اسمه، في شهر جمادى الآخرة، من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
وصعد الرسول شمس الدين بن التنبي إلى المنبر، وقت إقامة الدعوة له، يوم الجمعة، ونثر ذهباً كثيراً على الناس. وبلغ الملك الظاهر، عن ابن المشطوب، أنه كان قد عزم على المخامرة، فسير إلى منبج العسكر، وأخذها منه، وعفا عنه، وهدم قلعتها وسورها، فمضى ابن المشطوب إلى الشرق.
وجمع الملك الظاهر العرب في دابق، لأخذ العداد منهم، وخاف ابن المقدم منه، فهرب إلى الراوندان، ليعصي بها، فسار الملك الظاهر خلفه، ولم يمهله،

(1/444)


فلم يبت في قلعتها غير ليلة واحدة. ومضى إلى بدر الدين دلدرم، بتل باشر، منهزماً من السلطان. فوصل السلطان إليها ونزل عليها محاصرا لها، فسلمها من كان بها إليه، وحار جميع ما كان فيها من الذخائر والأموال، ورتب أمورها.
وسار منها إلى منبج وسير نجدة للملك الكامل ابن عمه العادل، وكان نازلاً على ماردين لأن صاحبها صار مع ركن الدين بن قلج رسلان، ونزل السلطان في بدايا، واتفق الأمر بينه وبين صاحب ماردين وابن الملك على الصلح، فعاد إلى حلب بعد أن توجه إلى البيرة.
وخرج من البحر جمع كبير من الفرنج، في سنة تسع وتسعين وخمسمائة. ووصلت طائفة منهم إلى جهة انطاكية، مجتازة على اللاذقية في البر، وكان مقطع اللاذقية إذ ذاك، سيف الدين بن علم الدين. وعبروا في أرض اللاذقية، على كره من المسلمين، وفي عزمهم إن رأوا لهم طمعاً في اللاذقية يأخذوها.
فخرج سيف الدين بعسكره، والتقوا، ونصره الله عليهم، وأسر ملوكهم ومقدميهم وكان ملكهم أعور وقتل منهم جمعاً كثيراً، ووصل الأسرى، والملك، والرؤوس، والخيل والسلاح، إلى حلب وكانت غنيمة عظيمة.
وعصى الملك الأفضل على عمه الملك العادل، في البلاد التي كان أعطاه إيا ها، فسير، واستعاد منه شيحتان، وجملين، والموزر، وسروج، والسن، وسار الملك الظاهر إلى قلعة نجم فأخذها من الملك الأفضل، خوفاً أن يستولي عليها عمه، وكان الملك الظاهر قد سلمها إلى الأفضل، فوصلت أم الملك الأفضل إلى حلب، تسأل الملك الظاهر، سؤال عمه فيه، وفي رد البلاد عليه، فسير معها إلى دمشق سيف الدين بن علم الدين في ذلك، فلم يجب إلى ترك شيء من البلاد عليه، سوى سميساط. وشرط عليه أن لا تكون له حركة بعد ذلك.

من حوادث سنة 600 هجرية
ووصلت الأخبار بحركة الفرنج إلى جبلة واللاذقية، فسير السلطان إليها العساكر، وأمرهم بخراب جبلة واللاذقية فلم يكن للفرنج حركة. وخربت قلعة

(1/445)


اللاذقية والعتيقة وكانت من جهة الشمال وذلك بعد أن أخذت اللاذقية من ابن جند، وسيف الدين بن علم الدين.
وولد للسلطان الملك الظاهر ولده، الملك الصالح أحمد في صفر، وسر به سروراً عظيماً، وزين البلد والقلعة، ولبس العسكر في أجمل هيئة وزي. ولبس السلطان، ولعب العسكر معه في ميدان باب الصغير.
وفي محرم سنة إحدى وستمائة، هجم ملك الأرمن ابن لاون، وهو من ولد بردس الفقاس، الذي كان في زمن سيف الدولة صاحب أنطاكية فسير الملك الظاهر عسكراً من حلب، لنجدة البرنس صاحبها.
فلما وصلوا إلى العاصي، ضعف أمر ابن لاون عندهم، وقاموا عليه، وأخرجوه منها، وقتلوا جماعة كبيرة من أصحابه، فعاد عسكر حلب إليها، ففسخ ابن لاون الهدنة، وأغار على بلد العمق، واستاق مواشيها، وشرع في عمارة حصن داثر في الجبل، بالقرب من دربساك، ليضيق به عليها. وأرسل إلى السلطان، وسأله أن يخلي بينه وبين أنطاكية. وأن يعيد جميع ما أخذه من العمق، فأجابه إلى ذلك، وهادنه على هذا الأمر. ونزل على أنطاكية، وخرب رستاقها، ووقع فيها غلاء عظيم، فكان الملك الظاهر يمد أهل أنطاكية بالغلال، حتى قويت.

غارات ابن ليون الأرمني
فجرد ابن لاون في جمادى الأولى، في الليل، عسكراً في ليلة الميلاد، وجاء على غفلة إلى ربض دربساك، فلم ينكروا وقود النار في ليلة الميلاد، فقاتلهم أهل الربض ومن به من الأجناد، في بيوت الربض، فلم يظفروا منهم بطائل، وطلع الفجر، فانتشروا في أرض العمق، ونهبوا من كان فيه من التركمان، وداموا إلى صحوة ذلك النهار، ورجعوا.
وابتدرت عساكر تلك الناحية من المسلمين فلم يدركوهم، ودخل الأرمن إلى جبل اللكام، فجاءهم في الليل ثلج عظيم، وهلك ما معهم من الخيل والمواشي،

(1/446)


فكانوا يسلخون الشاء ويلبسون جلودها، لشقة البرد. فسير الملك الظاهر عسكرا من عسكر حلب يقدمه ميمون القصري، ومعه أيبك فطيس، فنرلوا على حارم، وقطعة من العسكر مع ابن طمان بدربساك وسيف الدين بن علم الدين نازل بعسكره على تيزين وكانت جارية في أقطاعه وفي أكثر الأيام تجري وقعات بين العسكر المقيم بدربساك، وبين عسكر ابن لاون ببغراس.
وخرج السلطان إلى مرج دابق، في شعبان من هذه السنة، للدخول إلى بلد لاون، وجمع العساكر، وسير إليه عمه الملك العادل، وغيره من ملوك الإسلام النجد، فأقام بدابق إلى أن انسلخ شهر الصيام.
فسار ابن لاون من الثنيات، وجاء على غير طريق البرك في الليل، فأصبح في العمق غائراً على غزة من العسكر، وكبس العسكر الذي كان مع ميمون، حتى حصلوا معهم في الخيام، وقابلوهم على غير أهبة فقاتلهم المسلمون، فقتل منهم جماعة، ولم يلبث إلا قليلاً، وعاد، وساق سيف الدين من تيزين، فوجده قد رجع.
وبلغ الخبر إلى السلطان، وهو بدابق، فسار بالجيوش التي معه فنزل بالعمق، واجتمع من العساكر والتركمان ما لا يحد كثرة، فسير ابن لاون يبذل الطاعة، وأن يهدم الحصن الذي بناه بقرب دربساك.
فأعرض عنه، ورد فلاحي العمق، وعمر ضياعه، وكمل استغلال ذلك البلد، والرسل تتردد في إصلاح الحال، إلى أن استقرت القاعدة: على أن يهدم لاون الحصن الذي بناه، ويرد جميع ما أخذ في الغارة، ويرد جميع أسارى المسلمين الدين في يده، وأن لا يعرض لأنطاكية. وقرر الصلح إلى ثماني سنين، وخرب الحصن، ورد ما استقر الأمر عليه.
ودخل السلطان حلب، في سنة ثلاث وستمائة، وأمر جماعة من مماليكه وأصحابه. وعاد الفرنج على بلد حماة، في سنة خمس وستمائة، فسير الملك الظاهر من حلب، نجدة من عسكره.

(1/447)


الرد على الفرنج وظهور كيخسرو
ونزل الملك العادل على قدس، وغارت خيله على طرابلس، وخربوا حصونها، وشتى بحماة إلى أن انقضى فصل الربيع.
وعاد إلى دمشق، وعاد ابنه الأشرف، إلى بلاده من خدمة أبيه، فعبر في حلب، فالتقاه الملك الظاهر، واحتفل به، وأنزله في داره بقلعة حلب، وقدم له تحفاً جليلة من السلاح، والخيل، والذهب، والجوهر، والمماليك، والجواري، والثياب، بما قيمته خمسون ألف دينار، وودعه بعد سبعة أيام، إلى قراحصار، وعاد إلى حلب.
وقصد كيخسرو بن قلج أرسلان بلاد ابن لاون، وطلب نجدة من السلطان الملك الظاهر، فأرسل إليه عسكراً مقدمه سيف الدين بن علم الدين، وفي صحبته أيبك فطيس، فاجتمعوا بمرعش، ونزلوا على برنوس في سنة خمس وستمائة، فافتتحوها، وافتتحوا حصوناً عدة من بلد ابن لاون.
فراسل لاون الملك العادل، والتجأ إليه، فأرسل الملك العادل إلى كيخسرو وإلى الملك الظاهر، فابتدر كيسخرو، وصالح ابن لاون على أن يرد حصن بغراس إلى الداوية، وأن لا يعرض لأنطاكية، وأن يرد ماله الذي تركه عنده، في حياة أخيه ركن الدين.
وكان قد خاف من أخيه، فقدم حلب، وأقام عند الملك الظاهر مدة، وخاف الملك الظاهر من أخيه ركن الدين، أن يتغير قلبه عليه بسببه، وأنه ربما يطلبه منه، فلا يمكنه تسليمه إليه، فأعرض عنه. فدخل إلى ابن لاون، ثم خاف منه، فانهزم، وترك عنده مالاً وافراً، فاحتوى عليه فرده عليه، عند هذه الهدنة. ودفع إليه جميع الأسرى من المسلمين، الذين كانوا في بلاده، وأن لا يعرض لبلاد السلطان الملك الظاهر. ووصلت نجدة حلب إلى حلب.

العادل في الجزيرة
وخرج العادل من دمشق، في سنة ست وستمائة، وطلب من الملك الظاهر

(1/448)


نجدة، تكون معه إلى الشرق، ليمضي إلى خلاط، لدفع الكرج عنها، فسير إليه نجدة، وعبر الفرات. فلما وصل إلى رأس عين، رحل الكوج عن خلاط، ووصل إليه صاحب آمد، فسار في العسكر إلى سنجار، وأقطع بلد الخابور، ونصيبين.
ونزل على سنجارمحاصراً لها، وشفع إليه مظفر الدين بن زين الدين، في صاحب سنجار، فلم يقبل شفاعته. وقال: لا يجوز لي في الشرع، تمكين هؤلاء من أخذ أموال بيت المال في الفساد وترك خدمة الأجناد، في مصلحة الجهاد، وضايق سنجار، وقاتلها في شهر جمادى الآخرة.
وقام نور الدين بن عز الدين صاحب الموصل في نصرة ابن عمه صاحبها، واتفق مع مظفر الدين، وتحالفا، وأفسدا جماعة من عسكر الملك العادل، وراسلا الملك الظاهر، على أن يجعلاه الس لطان، ويخطبوا له، ويضربوا السكة باسمه.
وجعل الملك الظاهر يداري الجهتين، والرسل تتواتر إليه من البلدان، وهو في الظاهر في طاعة عمه وعسكره معه، وفي الباطن في النظر في حفظ سنجار، ومداخلة المواصلة، وهو يظهر لعمه أنه متمسك بيمينه له، إلى أن أرسل أخاه الملك المؤيد، ووزيره نظام الدين الكاتب إلى عمه، معلماً له أن رسول الموصل، ومظفر الدين، وصلا يطلبان منه الشفاعة إليه، في إطلاق سنجار، وتقرير الأمر على حالة يراها.
وتوسط الحال عند قدومه، على أن شفع فيهم الملك الظاهر، وأطلق لهم سنجار، واستنزلهم عن الخابور ونصيبين.
وعاد الملك المؤيد، من حضرة عمه بالبر الوافر. فلما وصل رأس عين، دخل إليها في ليلة باردة كثيرة الثلج، فنزل في دار فيها منرل مجصص، فستر بابه،

(1/449)


وسد ما فيه من المنافس، وأوقد فيه نار من منقل، وعنده ثلاثة من أصحابه، فاختنق، وواحد من أصحابه، وحمل إلى حلب ميتاً في شعبان، من سنة ست وستمائة.
وجرى على الملك الظاهر منه ما لا يوصف من الحرن والأسف.
ووصل الملك العادل إلى حران، وخافه صاحب الموصل والجريرة، فراسل الملك الظاهر، وطلب منه أن يخلي بينه وبين ملوك الشرق، وأن يحتكم في ما يطلبه منه، وراسله صاحب الموصل، وصاحب إربل، وصاحب الجزيرة، يعتضدون به وهو لا يؤيسهم.
فخرج السلطان إلى حيلان بعسكره، ثم رحل إلى السموقة وراسل عمه في مهادنتهم وتطييب قلوبهم، وهو مخيم على لا السموقة على نهر قويق وطلب منه أن تكون كلمة المسلمين كلهم متفقة.
وكذلك تدخل في الصلح ملك الروم، وأن يقصدوا الفرنج بجملتهم، فإن الفرنج في نية التحرك، وخامر جماعة من عسكر الملك العادل. ووصل ابن كهدان إلى السلطان الملك الظاهر، فأكرمه، فتخاذل عسكر الملك العادل، فاتفق الحال بينهم على الصلح، ودخول ملوك الإسلام فيه.

زواج الظاهر وعنايته بالعمران
وتمت المصاهرة بين الملك العادل والملك الظاهر على ابنته الخاتون الجليلة ضيفة خاتون بنت الملك العادل وشرع السلطان في عمل قناة حلب وفرقها على الأمراء، والخواص. وحرر عيونها، وكلس طريقها جميعه، حتى كثر الماء بحلب. وقسم الماء فى جميع محال حلب. وابتنى القساطل في

(1/450)


المحال. ووقف عليها وقفاً لإصلاحها، وذلك في سنة سبع وستمائة.
وتوفي وزير السلطان الملك الظاهر نظام الدين محمد بن الحسين بحلب، بعلة الدوسنطاريا، في صفر سنة سبع وستمائة. وكان رحمه الله وزيراً صالحاً مشفقاً، ناصحاً، واسطة خير عند السلطان، لا يشير عليه إلا بما فيه مصلحة رعيته والإحسان إليهم. وقام بعمه بكتابة الإنشاء والأسرار شرف الدين أبو منصور بن الحصين، وشمس الدين بن أبي يعلى كان مستوفي الدواوين. فلما مات أبو منصور بن الحصين استقل بالوزارة، وأضيف إليه ديوان الإنشان مع الاستيفاء. وعمر السلطان باب قلعة حلب، والدركاه، وأوسع خندقها وعمل البغلة من الحجارة الهرقلية، وعمق الخندق، إلى أن نبع الماء في سنة ثمان وستمائة. وخرجت من مصر، في هذه السنة، الملكة الخاتون، ضيفة خاتون بنت الملك العادل إلى حلب، مع شمس الدين بن التنبي. والتقاها الملك الظاهر بالقاضي بهاء الدين من دمشق، ثم بالعساكر الحلبية بعد ذلك بتل السلطان واحتفل في اللقاء، وبالغ في العطاء. ووصلت إلى حلب في النصف من المحرم من سنة تسع وستمائة.
وملك ابن التنبي قرية من قرى حلب، من ضياع الأرتيق يقال لها تلع وأعطاه عطاء وافراً، وحظيت عنده حظوة، لم يسمع بمثلها.
ووقعت النار في مقام إبراهيم عليه السلام وهو الذي فيه المنبر، ليل الميلاد، وكان فيه من الخيم والآلات والسلاح ما لا يوصف، فاحترق الجميع، ولم يسلم غير الجرن الذي فيه رأس يحيى بن زكريا عليه السلام واحترقت السقوف والأبواب، فجدده السلطان الملك الظاهر، في أقرب مدة أحسن مما كان.
وتوفي شرف الدين عبد الله بن الحصين كاتب السلطان، واستقل شمس الدين عبد الباقي بن أبي يعلى بالوزارة، في سنة تسع وستمائة.
وشرع الملك الظاهر في هدم باب اليهود وحفر خندقه وتوسعته. وبناه بناء حسناً، وغيره عن صورته التي كان عليها، وبنى عليه برجين عظيمين، وسماه باب النصر. وأتم بناءه، في سنة عشر وستمائة.

(1/451)


وولد للسلطان الملك الظاهر ولده الملك العزيز، من ابنة عمه الخاتون ضيفة خاتون،، في يوم الخميس خامس ذي الحجة من سنة عشر وستمائة فضربت البشائر، وزينت مدينة حلب، وعقدت القباب.
وفي اليوم السابع عشر، من ميلاده، ختن السلطان أخاه الملك الصالح، واحتفل بختانه، ونصب الزورق، من قلعة حلب إلى المدينة، ونزل فيه الرجال، وعملوا من الآلات والتماثيل التي ركبوها، حالة النرول أنواعاً وطهر أولاد الأكابر من أهل المدينة، وشرفهم، وخلع عليهم.
فجدد السلطان الملك الظاهر باشورة حلب، من باب الجنان إلى برج الثعابين، وبنى لها سوراً قوياً ظاهراً عن السور العتيق، وجدد فيه أبرجة كالقلاع، وعزم على أن يفتتح بالقرب من برج الثعابين باباً للمدينة، ويسميه باب الفراديس، وكان يباشر الإشراف على العمارة بنفسه.
وأمر قي هذه السنة بتجديد ربض الظاهرية، خارج باب قنسرين، فيما بينه وبين النهر، فنسب إليه لذلك، وخربت الياروقية، وانتقل معظم أهلها إليه.
ووثب الإسماعيلية على ابن الإبرنس، بكنيسة انطرسوس، فقتلوه، فجمع البرنس جموع الفرنج، ونزل على حصونهم، وقتل وسبى، وحصر حصن الخوابي فكتبوا إلى السلطان، يستغيثون به، ويستنجدونه، فاستخدم السلطان مائتي راجل. وسير جماعة من عسكر حلب، يحفظونه، ليدخلوا إلى حصن الخوابي، ويمنعوا الفرنج من الاستيلاء عليه.
وجرد عسكراً من حلب، مع سيف الدين بن علم الدين، ليشغل الفرنج من جهة اللاذقية ليتمكن الرجالة من الدخول إلى الحصن. فلما سمع الفرنج بذلك، كمنوا كميناً للرجالة والخيالة، الذين يحفظونهم، فأسروا الرجالة، وقتلوهم، وقبضوا ثلاثين من الخيالة، وذلك في حادي عشر شهر رجب.
فعند ذلك خرج الملك المعظم ابن العادل، من دمشق، بعسكره، ودخل غائراً في بلد طرابلس، فلم يترك في بلدها قرية إلا نهبها، وخربها، واستاق الغنائم والأسرى، فرحلوا عن الخوابي، وأطلقوا الأسرى الدين أسروهم من أصحاب السلطان الملك الظاهر،، وراسلوه، معتذرين، متلطفين، وافترقوا عن غير زبدة حصلت لهم.

(1/452)


وتمت الباشورة، والباب والأبرجة، في سنة اثنتي عشر وستمائة. ولم يتم فتح الباب، وسده طغرل الأتابك، مات الملك الظاهر، إلى أن فتحه السلطان الملك الناصر أعز الله نصره على ما نذكره، في سنة اثنتين وأربعين وستمائة.

ولاية العهد وموت الظاهر
ووقعت المراسلة بين السلطان الملك الظاهر،، وبين السلطان كيكاوس بن كيخسرو واتفقا على أن يمضي السلطان إلى خدمته، ويتفق معه خوفاً من عمه فأجابه كيكاوس إلى ذلك، وخرج بنفسه إلى أطراف البلاد.
وندم السلطان على ما كان منه، ورأى أن حفظ بيته أولى، وأن اتفاقه مع عمه أجمل، فسير القاضي بهاء الدين قاضي حلب إلى عمه إلى مصر برسالة، تتضمن الموافقة: أنه قد جعل ابنه الملك العزيز محمداً، ابن ابنة الملك العادل، ولي عهده وطلب من الملك العادل أن يحلف له على ذلك.
فسار إلى مصر، فرتب السلطان خيل البريد، تطالعه بما يتجدد من أخبار عمه لينظر في أمره، فإن وقع منه ما يستشعر منه، خرج بنفسه إلى كيكاوس، وهو مع هذا كله في همه تجهيز الجيوش، والاستعداد للخزوج إلى كيكاوس، والاجتماع معه على قصد بلد ابن لاون أولاً. وكان ابن لاون قد ملك أنطاكية، وضاق ذرع السلطان بمجاورته، لعلمه بانتمائه إلى عمه.
فوصلت الأخبار من القاضي من مصر، أن الملك العادل أجاب الملك الظاهر إلى كل ما اقترحه، وسارع إلى تحصيل أغراضه، ولم يتوقف في أمر من الأمور. وجعل كيكاوس يحث السلطان على الخروج، ويذكر أنه ينتظره، ونشب السلطان به، وضاق صدره، وبقي مفكراً في أن عمه قد وافقه، ولا يرى الرجوع عنه إلى ملك الروم، فيفسد ما بينه وبين عمه، ويغض من قدره بالخزوج إليه، ويفكر في حاله مع ملك الروم، وفي كونه وعده بالخروج إليه والاجتماع به إذا خرج، وأنه إن رجع عن ذلك فسد ما بينه وبين ملك الروم، والعسكر قد برز، وهو مهتم في ذلك الأمر. وطلب الاعتذار إلى ملك الروم بوجه يجمل.

(1/453)


فلشدة فكره، وضيق صدره، هجم عليه مرض حاد في جمادى الآخرة في سنة ثلاث عشرة وستمائة. واعترته أمراض شتى. واشتد به الحال.
وجمع مقدمي البلد وأمراءه، واستحلفهم لابنه الملك العزيز محمد، ثم من بعده لابنه الملك الصالح أحمد، ثم من بعده لابن أخيه، وزوج ابنته: الملك المنصور محمد بن الملك العزيز. وجعل الأمير سيف الدين بن علم الدين مقدم العسكر وشهاب الدين طغرل الخادم والي القلعة. ومتولي الخزانة، وتربية أولاده، والنظر في مصالح الدار والنساء.
وأ نزل بدر الدين أيدمر والي قلعة حلب منها، وأقطعه زيادة على ما كان في يده من الأقطاع قلعة نجم، بذخائرها وعددها، وزردنا أمع تسع ضياع آخر من أمهات الضياع. وحلف إخوة السلطان على ذلك.
واستشعر السلطان من أخيه الملك الظاهر خضر وكان مقيماً بالياروقية فأقطعه كفر سوذ، وتقدم إليه بالتوجه إليها، فسار إليها، فسبقه الملك الزاهر، فاستولى عليها، وعلى البيرة وحروص والمرزبان ونهر الجوز والكرزين والعمق.
ومات السلطان الملك الظاهر رحمه الله بقلعة حلب، في الخامس والعشرين، من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة وستمائة، وكتم خبر موته

(1/454)


ذلك اليوم، حتى دفن في الحجرة، إلى جنب الدار الكبيرة، التي أنشأها بقلعة حلب.
ثم أركب في اليوم الثاني من موته ولداه: الملك العزيز، والملك الصالح وأنزلا بالثياب السود إلى أسفل جسر القلعة، وصعد أكابر البلد إليهما.
وأصيب أهل حلب بمصيبة فتت في أعضادهم. وكان له رحمه الله في كل دار بها مأتم وعزاء، وفي كل قلية نكبة وبلاء:
والناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنة وزفير

(1/455)