شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وعشرين
افتتحت مصر.
وتوفّي سيف الله خالد بن الوليد المخزوميّ عن ستين سنة على فراشه بعد
ارتكابه عظيم الأخطار في طلب الشهادة، وفتحه الفتوحات العظيمة، ونكايته
في أعداء الله تعالى، وفيه عبرة لكل جبان، وحاصر [حصنا] [1] فقالوا: لا
نسلم حتى تشرب السّمّ، فشربه ولم يضرّه [2] .
وفيها وقعة نهاوند [3] دامت المصافّ ثلاثة أيام، ثم نزل النّصر.
__________
[1] لفظة «حصنا» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[2] ذكر هذا الخبر الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (1/ 376) من
حديث أبي السفر قال:
نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المرازبة فقالوا: احذر السم لا
تسق الأعاجم، فقال:
أتوني به، فأتي فاقتحمه وقال: بسم الله، فلم يضره، وذكره الحافظ ابن
حجر في «المطالب العالية» رقم (4043) ونسبه إلى أبي يعلى، وذكره الحافظ
الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 53) وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني
بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، وهو مرسل، ورجالهما
ثقات، إلا أن أبا السفر لم يسمع من خالد.
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (3/ 73) في ترجمة خالد رضي الله عنه
فقال: روى ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن خثيمة قال: أتى خالد بن
الوليد رجل معه زق خمر فقال:
اللهم اجعله عسلا فصار عسلا. (ع) .
[3] قال ياقوت: نهاوند بفتح النون الأولى، وتكسر، والواو مفتوحة، ونون
ساكنة، ودال مهملة، هي مدينة عظيمة في قبلة همذان، بينهما ثلاثة أيام،
وسميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي.
«معجم البلدان» (5/ 313) وانظر خبر فتحها فيه.
(1/174)
واستشهد أمير المؤمنين النّعمان بن مقرّن
المزنيّ [1] ، وكان من سادة الصحابة، فنعاه عمر للناس يوم أصيب على
المنبر، وأخذ حذيفة بن اليمان الراية من بعده، ففتح الله عليه.
واستشهد بها طليحة بن خويلد الأسديّ، وكان قد ارتدّ وادّعى النّبوة،
وكانت دعوته النبوة بجبل سمرقند من نجد، ثم حسن إسلامه، وكان يعدّ بألف
فارس.
وفيها ولّى عمر عمّار بن ياسر إمامة الصلاة بالكوفة، لما اشتكى أهلها
سعد بن أبي وقّاص، وولّى عبد الله بن مسعود بيت المال.
وتوفّي العلاء بن الحضرميّ، كان عامل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان
يقول في دعائه: يا عليم، يا حليم، يا عليّ، يا عظيم، فيستجاب له، دعا
الله بأنهم يسقون ويتوضّؤون لما عدموا الماء، ولا يبقى الماء [2] بعدهم
فأجيب، ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور عليه، فمرّ
هو والعسكر بخيولهم، ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات، فلم يجدوه في
اللّحد.
__________
[1] يعني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
[2] لفظة «الماء» سقطت من المطبوع.
(1/175)
سنة اثنتين وعشرين
فيها افتتحت أذربيجان [1] على يد المغيرة بن شعبة، ومدينة نهاوند صلحا،
والدّينور مع همذان عنوة على يد حذيفة، وطرابلس المغرب [2] على يد عمرو
بن العاص.
وافتتحت جرجان.
وتوفي أبيّ بن كعب على خلاف تقدّم، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا
القرآن، وأمر الله نبيّه أن يقرأ عليه سورة لَمْ يَكُنِ 98: 1 [البينة:
1] ، وسماه له، وناهيك بها، وقال له: «ليهنك العلم [3] يا أبا المنذر»
[4] .
__________
[1] هي بلدة شهيرة تقع في إيران الآن. وانظر «الأمصار ذوات الآثار»
للذهبي ص (114) .
[2] وهي اليوم عاصمة ليبيا وتعرف بطرابلس الغرب.
[3] أي ليكن العلم هنيئا لك.
[4] هو قطعة من حديث رواه مسلم رقم (810) في صلاة المسافرين: باب فضل
سورة الكهف، وآية الكرسي، وأبو داود رقم (1460) في الصلاة: باب ما جاء
في آية الكرسي، وأحمد في «المسند» (5/ 142) .
(1/176)
سنة ثلاث وعشرين
فيها توفي أبو حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب القرشي العدوي شهيدا،
طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة في ليال بقين من ذي الحجة بعد
مرجعه من الحج، وكان آدم شديد الأدمة طوالا صلبا [1] في دين الله، لا
تأخذه في الله لومة لائم، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر،
وفي الأحاديث الصحاح من موافقة التنزيل له، وتزكية النبيّ صلى الله
عليه وسلم له في وجهه، وعزّ الإسلام بإسلامه، واتسعت دائرة الإسلام في
خلافته، وبركاته، ومناقبه، وكراماته عديدة، ولما طعنه أبو لؤلؤة في
صلاة الصبح جعل الأمر شورى بين من بقي من العشرة، وأخرج نفسه وبنيه من
ذلك، فأفضى الأمر بعد التشاور إلى عثمان، وقد ثبت في «الصحيحين» عن
النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد كان في الأمم قبلكم محدّثون
[2] ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» [3] .
__________
[1] في المطبوع: «صليبا» .
[2] قال ابن الأثير: أراد بقوله [صلى الله عليه وسلم] «محدّثون» أقواما
يصيبون إذا ظنوا وحدسوا فكأنهم قد حدّثوه بما قالوا، وقد جاء في الحديث
تفسيره: «أنهم ملهمون» والملهم: الذي يلقى في نفسه الشيء، فيخبر به
حدسا وظنا وفراسة، وهو نوع يختصّ الله به من يشاء من عباده الذين
اصطفى، مثل عمر رضي الله عنه. «جامع الأصول» (8/ 610) .
[3] رواه البخاري رقم (3689) في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن
الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه، ومسلم رقم (2398) في فضائل
الصحابة: باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه. وانظر «جامع الأصول»
لابن الأثير (8/ 609، 610) بتحقيقي.
(1/177)
وفي الترمذي وغيره عن النبيّ صلى الله عليه
وسلم أنه قال: «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» [1] . وفي الترمذي
أيضا: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر» [2] . وفي حديث آخر: «إن الله ضرب
[3] الحقّ على لسان عمر وقلبه» [4] . وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله
عنه يقول: ما كنا [5] نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. ثبت هذا عنه
من رواية الشعبي [6] .
__________
[1] ذكره المحب الطبري في «الرياض النضرة» (2/ 24) في مناقب عمر بن
الخطاب رضي الله عنه، وقال: خرجه القلعي، وذكره ابن الجوزي في
«الموضوعات» (1/ 320) ، والشوكاني في «الفوائد المجموعة» ص (336) .
[2] رواه الترمذي رقم (3686) في المناقب: باب مناقب عمر بن الخطاب رضي
الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» ، وابن حبان في «صحيحه» ، والطبراني في
«الأوسط» ، والحاكم في «المستدرك» (3/ 85) وصححه، ووافقه الذهبي.
[3] وفي بعض الروايات: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» .
[4] رواه الترمذي رقم (3682) في المناقب: باب في مناقب عمر بن الخطاب
رضي الله عنه.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 53 و 95) من حديث عبد الله بن عمر بن
الخطاب رضي الله عنهما.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 401) ، وابن حبان في «صحيحه» رقم
(2184) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ورواه أيضا أحمد في «المسند» (5/ 165 و 177) ، وأبو داود رقم (2962) في
الخراج والإمارة: باب في تدوين العطاء، وابن ماجة رقم (108) في
المقدمة، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
ورواه أحمد في «المسند» (5/ 145) من حديث غضيف بن الحارث رضي الله عنه،
وهو حديث صحيح.
[5] لفظة «كنا» ليست في المطبوع، ولا في «مسند أحمد» الذي بين أيدينا،
وهي في «مشكاة المصابيح» .
[6] رواه أحمد في «المسند» (1/ 106) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» ،
وهو حديث حسن.
(1/178)
وقال ابن عمر: وما كان عمر يقول لشيء إني
لأراه كذا إلا كان كما يقول.
وعن قيس بن طلق: كنّا نتحدّث أن عمر ينطق على لسان ملك، وكان عمر يقول:
اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه تنجلي لهم
أمور صادقة.
وهذه الأمور التي أخبر أنها تنجلي للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله
لهم.
فقد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات، ومكاشفات [1] ولا شك أن أفضل هؤلاء
في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر رضي الله عنه، واستشهد وله ثلاث وستون
سنة [2] ، وقيل: خمس وستون، ومدة خلافته عشر سنين، وسبعة أشهر، وخمس
ليال، وقيل: غير ذلك، ودفن مع صاحبيه بإذن عائشة رضي الله عنها.
وفي آخر خلافته توفيت أمّ المؤمنين سودة بنت زمعة القرشيّة العامريّة
[3] ، تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة، وقبل الهجرة بنحو ثلاث
سنين، وكانت قبله تحت السّكران [4] ابن عمها أخي سهيل بن عمرو، وكانت
طويلة جسيمة، ووهبت نوبتها من القسم لعائشة رجاء أن تموت في عصمة
النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتم لها ذلك.
__________
[1] الأولى أن يقال: ثبت أن للأولياء فراسات وإلهامات من الله عز وجل
كعمر رضي الله عنه وغيره.
[2] وهو الصواب.
[3] كذا في «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 66) ، و «سير أعلام النبلاء»
للذهبي (2/ 267) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 324) ، و «أسد الغابة»
لابن الأثير (7/ 158) .
[4] في الأصل: «السكراب» وهو تصحيف، والسكران، هو السكران بن عمرو بن
عبد شمس.
(1/179)
والصحيح أنها توفيت سنة خمس وخمسين في
خلافة معاوية، والله أعلم [1] .
وفيها مات قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسي، الذي رد النبيّ صلى الله
عليه وسلم عينه يوم أحد حين سقطت، وكانت أحسن عينيه.
وسببه أن رماة المشركين كانوا يقصدونه صلى الله عليه وسلم بالرمي، وكان
أصحابه يقف الواحد منهم بعد الواحد في وجهه صلى الله عليه وسلم يتلقى
عنه الرمي يفدّيه بنفسه، حتى قتل عشرة، وكان قتادة الحادي عشر، فلما
استتم أمر الوقعة وقد سالت عينه، قال له: إن لي زوجة وأنا ضنين بها،
محبّ لها، وإنها تقذرني إذا رأتني على هذه الحال، وأنا ما فعلت ما فعلت
إلا لأنال الشهادة، أو كلاما هذا معناه، فردها صلى الله عليه وسلم،
فكانت أضوأ عينيه وأحسنهما، وفي ذلك يقول ابنه: وقد وفد على بعض خلفاء
الأمويين فقال له: من أنت؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه ... فردّت بكفّ المصطفى أحسن الرّدّ
__________
[1] قلت: قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 67) ، و «سير أعلام
النبلاء» (2/ 267) : وماتت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين، وقال
الواقدي: وهذا الثبت عندنا، وقال ابن حجر في «الإصابة» (12/ 324) ،
ويقال: ماتت سنة أربع وخمسين، ورجحه الواقدي.
(1/180)
سنة أربع وعشرين
في أولها بويع ذو النّورين عثمان بن عفّان الأموي بالخلافة بإجماع من
المسلمين، وكيفيتها مقرّرة في «صحيح البخاري» [1] وغيره، وهو من أهل
السوابق والقدم في الإسلام، هاجر الهجرتين، وصلى إلى القبلتين، وتزوج
الابنتين، وجهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأقتابها، وأحلاسها، وألف
دينار، وغير ذلك، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما عمل
بعد اليوم» [2] . وتلاوته للقرآن في الصلاة، [وصدقاته] [3] ، وعبادته،
وحياؤه، وحب النبيّ صلى الله عليه وسلم له أمر معلوم.
وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعشم [4] المدني، المذكور في حديث الهجرة
[5] ،
__________
[1] انظر «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» للحافظ ابن حجر (7/ 59- 69) .
[2] هو قطعة من حديث رواه الترمذي رقم (3701) في المناقب: باب مناقب
عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحمد في «المسند» (5/ 63) وإسناده حسن.
[3] لفظة «وصدقاته» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[4] في المطبوع: «جعثم» وهو خطأ.
[5] قال ابن هشام في «السيرة» (1/ 489، 490) : قال ابن إسحاق: وحدثني
الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه، عن عمه سراقة بن
مالك بن جعشم قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا
إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم.
قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا،
فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مرّوا عليّ آنفا، إني لأراهم محمدا
وأصحابه، قال: فأومأت إليه- يعني: أن اسكت-، ثم قلت: إنما هم بنو فلان،
يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت.
قال: ثم مكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى
بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي
أستقسم بها، ثم
(1/181)
وكان نازلا بقديد [1] ، وهو منزل أمّ معبد،
المذكورة أيضا في حديث الهجرة، ولكليهما جرى معجزات من معجزات
النّبوّة، منها ما ذكره في «ربيع الأبرار» [2] عن هند بنت الجون: نزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيمة خالتها أمّ معبد، فقام من رقدته
فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومجّ في
__________
انطلقت، فلبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي
أكره «لا يضره» قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المئة ناقة.
قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال:
فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره
«لا يضره» قال: فأبيت إلا أن أتبعه. قال:
فركبت في أثره، فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما
هذا؟. قال:
ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره «لا يضره» ، قال:
فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره، فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي
فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض،
وتبعهما دخان كالإعصار. قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني، وأنه
ظاهر. قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم:
انظروني أكلمكم، فو الله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: «قل له: وما
تبتغي منا؟» قال: فقال ذلك أبو بكر، قال: قلت:
تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك. قال: «أكتب له يا أبا بكر» . فكتب
لي كتابا في عظم، أو في رقعة، أو في خزفة، ثم ألقاه إليّ، فأخذته
فجعلته في كنانتي، ثم رجعت.
وقال السهيلي في «الروض الأنف» (2/ 233) : وذكر غير ابن إسحاق، أن أبا
جهل لامه حين رجع بلا شيء، فقال- وكان شاعرا-:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأنّ محمّدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
عليك بكفّ القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدو معالمه
بأمر يودّ الناس فيه بأسرهم ... بأنّ جميع الناس طرّا يسالمه
قلت: وقد أورد البيتين الأولين من هذه الأبيات الحافظ ابن حجر في
ترجمته لسراقة رضي الله عنه في «الإصابة» (4/ 127) . وانظر خبر سراقة
في «فتح الباري» (7/ 240- 248) .
[1] قديد: موضع قرب مكة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 313) ، و
«الروض المعطار» للحميري ص (454) .
[2] قلت: واسمه الكامل «ربيع الأبرار ونصوص الأخبار» وهو لأبي القاسم
محمود بن عمر بن محمد الزمخشري، أحد أئمة العلم، واللغة، والآداب،
المتوفى عام (538 هـ) ، وكتابه المشار إليه لم يطبع منه سوى الجزء
الأول كما ذكر العلامة الزركلي. انظر «كشف الظنون» لحاجي خليفة (1/
832) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 178) .
(1/182)
عوسجة [1] إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي
كأعظم دوحة [2] ، وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس [3] ورائحة
العنبر، وطعم الشّهد، ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا
سقيم إلا برئ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا ودرّ لبنها، فكنّا
نسمّيها المباركة، وكان من البوادي [4] من يستشفي بها ويتزود منها، حتى
أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، واصفرّ ورقها ففزعنا، فما راعنا إلا
نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات
شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضارتها، فما شعرنا إلا
بمقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك
اليوم، فكنّا ننتفع بورقها، ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم
عبيط، وقد ذبل ورقها، فبينا نحن فزعين مهمومين إذ أتانا خبر مقتل
الحسين، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت.
والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من
أعلام القصص انتهى [5] .
__________
[1] العوسجة: الشوك.
[2] الدوحة: الشجرة العظيمة.
[3] الورس: نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغمرة للوجه. «لسان العرب»
، «ورس» (6/ 4812) .
[4] في الأصل: «وكان من البواد» بدون الياء، وما أثبتناه من المطبوع.
[5] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (13/ 292) : وذكر عمر بن شبة في
«كتاب مكة» من طريق عبد العزيز بن عمران أنها أتت أم معبد بنت الأشعر،
وذكر لها قصة مع سراقة بن جعشم.
أقول: وعبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري المدني، الأعرج، يعرف بابن أبي ثابت، متروك احترقت كتبه، فحدّث
من حفظه فاشتد غلطه، وكان عارفا بالأنساب، ولم يكن من أصحاب الحديث،
وليس حديثه بشيء، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير. وقال أبو
حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا، وقال عمر بن شبة في أخبار
المدينة: كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه، فكان يحدث من
حفظه. انظر «تقريب التهذيب» (1/ 511) ، و «تهذيب التهذيب» (6/ 351) (ع)
.
(1/183)
سنة خمس وعشرين
فيها انتقض أهل الرّيّ، فغزاهم أبو موسى الأشعريّ، وانتقض أهل
الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص، فقتل، وسبى.
واستعمل فيها عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
وجهز سليمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا إلى برذعة [1] فقتل،
وسبى [2] .
__________
[1] برذعة: بلد في أقصى أذربيجان، قال حمزة: برذعة، معرب برده دار،
ومعناه بالفارسية موضع السبي، وذلك أن بعض ملوك الفرس سبى سبيا من وراء
أرمينية، وأنزلهم هناك، وقال هلال بن المحسن: برذعة قصبة أذربيجان،
وذكر ابن الفقيه أن برذعة هي مدينة أرّان، وهي آخر حدود أذربيجان.
«معجم البلدان» (1/ 379) .
[2] قلت: وفيها انتقض أهل الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص، وهو أمير
على مصر، فقتل وسبى، فرد عثمان رضي الله عنه السبي إلى ذمتهم. انظر
«تاريخ خليفة بن خياط» ص (158) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 77) ، و
«الكامل» لابن الأثير (3/ 81) .
وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضي الله عنه. انظر «تاريخ الإسلام»
للذهبي (2/ 78) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 250) .
وفيها سيّر عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف
إفريقية غازيا بأمر عثمان، وكان عبد الله من جند مصر، فلما سار إليها
أمده عمرو بالجنود، فغنم هو وجنده، فلما عاد عبد الله كتب إلى عثمان
يستأذنه في غزو إفريقية، فأذن له في ذلك. انظر «الكامل» لابن الأثير
(3/ 86) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) .
(1/184)
|