شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وعشرين
فيها فتحت سابور [1] على يد عثمان بن أبي العاص، فصالحهم على ثلاثة
آلاف درهم.
قيل: وفيها زاد عثمان رضي الله عنه في المسجد [2] [3] .
__________
[1] سابور: بلدة بين خوزستان، وأصبهان. «معجم البلدان» لياقوت (3/ 167)
، وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (299) .
[2] قال الطبري في «تاريخه» (4/ 251) : قال الواقدي: فيها زاد عثمان في
المسجد الحرام، ووسعه، وابتاع من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم، ووضع
الأثمان في بيت المال، فصيحوا بعثمان، فأمر بهم بالحبس، وقال: أتدرون
ما جرأكم عليّ! ما جرأكم عليّ إلا حلمي، قد فعل هذا بكم عمر فلم
تصيّحوا، ثم كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد، فأخرجوا. وانظر
«تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (159) ، و
«الكامل» لابن الأثير (3/ 87) .
[3] قلت: وفيها عزل عثمان رضي الله عنه سعدا عن الكوفة، لأنه كان تحت
دين فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله، واستعمل الوليد بن
عقبة، وقد كان الوليد عاملا لعمر على بعض الجزيرة، وكان فيه رفق
برعيته. «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) ، وانظر «تاريخ الطبري» (4/
251) .
وفيها حج بالناس أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. «تاريخ
الطبري» (4/ 251) .
(1/185)
سنة سبع وعشرين
فيها ركب معاوية البحر [1] ، لغزو قبرس [2] .
وعزل عمرو بن العاص بعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وسبب العزل أنه غزا
الإسكندرية ظانا نقض العهد، فقتل، وسبى، ولم يصح عند عثمان نقضهم
للعهد، فأمر برد السبي، وعزله، فاعتزل عمرو في ناحية فلسطين، وكان ذلك
بدء المخالفة.
وغزا عبد الله بن سعد إقليم إفريقية [3] ، وافتتحها، وأصاب الراجل ألف
دينار، والفارس ثلاثة آلاف، وقتل ملكهم جرجير [4] .
وتوفيت أمّ حرام بنت ملحان بقبرس في هذه الغزاة، وكانت مع زوجها عبادة
بن الصامت.
__________
[1] في المطبوع: «فيها ركب معاوية في البحر» .
[2] قلت: وهي الجزيرة المعروفة الآن باسم «قبرص» .
[3] قال ياقوت: حدّ إفريقية من طرابلس الغرب من جهة برقة والإسكندرية
إلى بجاية، وقيل:
إلى مليانة. «معجم البلدان» (1/ 228) ، وانظر «الروض المعطار» للحميري
ص (47) .
قلت: ومعظمها الآن في أراضي ليبيا.
[4] في الأصل، والمطبوع: «جرير» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ خليفة بن
خياط» ص (159) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 79) ، و «دول الإسلام»
للذهبي (1/ 21) .
(1/186)
سنة ثمان وعشرين
فيها انتقض أهل أذربيجان [1] ، فغزاهم الوليد بن عقبة ثم صالحوه [2] .
وقيل: فيها غزوة قبرس [3] [4] .
__________
[1] قال الحميري: أذربيجان: هي كورة تلي الجبل من بلاد العراق، وهي
مفتوحة الألف ...
ينسب إلى أذربيجان أبو عبد الله الحسن بن جابر الأزدي صاحب كتاب
«اللامع في أصول الفقه» وأهل أذربيجان مشهورون بالانكباب على العلم،
والاشتغال به، وفيهم يقول الحافظ السّلفي:
ديار أذربيجان في الشرق عندنا ... كأندلس في الغرب في النحو والأدب
فلست ترى في الدهر شخصا مقصّرا ... من أهلها إلا وقد جدّ في الطلب
[2] انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (160) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي
(2/ 81) .
[3] قال ابن كثير في «البداية» (7/ 153) : وكان فتحها على يدي معاوية
بن أبي سفيان، ركب إليها في جيش كثيف من المسلمين، ومعه عبادة بن
الصامت، وزوجته أمّ حرام بنت ملحان ... وذلك بأمر عثمان بن عفان رضي
الله عنه له في ذلك، بعد سؤاله إياه، وقد كان سأل في ذلك عمر بن الخطاب
فأبى أن يمكنه من حمل المسلمين على هذا الخلق العظيم الذي لو اضطرب
لهلكوا عن آخرهم، فلما كان عثمان لحّ معاوية عليه في ذلك فأذن له، فركب
في المراكب، فانتهى إليها، ووافاه عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليها من
الجانب الآخر، فالتقيا على أهلها، فقتلوا خلقا كثيرا، وسبوا سبايا
كثيرة، وغنموا مالا جزيلا جيدا، ولما جيء بالأسارى جعل أبو الدرداء
يبكي، فقال له جبير بن نفير: أتبكي وهذا يوم أعزّ الله فيه الإسلام
وأهله؟ فقال: ويحك! إن هذه كانت أمة قاهرة لهم ملك، فلما ضيعوا أمر
الله صيرهم إلى ما ترى، سلط عليهم السبي، وإذا سلط على قوم السبي فليس
لله فيه حاجة، وقال: ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره.
[4] قلت: وفي هذه السنة تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه بنت الفرامصة
الكلبية، وكانت
(1/187)
سنة تسع وعشرين
فيها افتتح عبد الله بن عامر بن كريز مدينة إصطخر [1] عنوة بعد قتال
عظيم.
وعزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وعثمان بن أبي العاص عن فارس،
وجمعهما [2] لعبد الله بن عامر، وهو ابن خال عثمان، وأمّره، وهو ابن
أربع وعشرين سنة، فافتتح فارس، وخراسان [3] جميعا في سنة ثلاثين، وروي
أنه لما ولد أتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم فتفل في فيه فبلعه، فقال
له النبيّ
__________
نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها. انظر «البداية» لابن كثير (7/ 153) ،
و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 81) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 263) .
وفيها بنى عثمان بن عفان رضي الله عنه داره بالمدينة، وحج بالناس. انظر
«تاريخ الطبري» (4/ 263) ، و «البداية» لابن كثير (7/ 153) .
[1] إصطخر: بلدة تقع الآن في الجنوب الغربي لإيران. انظر خبرها في
«معجم البلدان» لياقوت (1/ 211) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (43 و
44) .
[2] في الأصل: «وجمعها» وما أثبتناه من المطبوع.
[3] خراسان: بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين
وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان، وغزنة، وسجستان، وكرمان،
وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمهات البلاد، منها
نيسابور، وهراة، ومرو. وانظر تتمة خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/
350) .
(1/188)
صلى الله عليه وسلم: «إنّك لمسقى» [1] فكان
لا يعالج أرضا إلّا ظهر له ماؤها، وهو الذي عمل الساقيات [2] بعرفة،
وشق نهر البصرة، وكان من الأجواد، وهو مجهول الوفاة.
__________
[1] وفي «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 288) : «إنه لمسقى» .
[2] في المطبوع: «السقايات» .
(1/189)
سنة ثلاثين
فيها توفّي حاطب بن أبي بلتعة صاحب القصّة في غزوة الفتح، نزل فيه قوله
تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ 60: 1 [الممتحنة: 1] الآية، وهو الرسول إلى
المقوقس، ولما قال له المقوقس: إن كان رسولا فما له لم يدع على قومه
حين كذّبوه وأخرجوه، قال له حاطب:
فعيسى بن مريم أخذه قومه ليقتلوه ويصلبوه، فما له لم يدع عليهم، فقال
له:
أحسنت، أنت حكيم [جاء] [1] من عند حكيم، فأهدى للنبيّ صلى الله عليه
وسلم مارية [2] ، وبعث معها طرفا وهدايا جميلة [3] .
وفيها افتتح عبد الله بن عامر [4] سجستان [5] ، مع فارس، وخراسان،
__________
[1] زيادة من المطبوع.
[2] هي مارية القبطية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم،
وهي التي أهداها المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية ومصر سنة (7 هـ) إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، هي وأخت لها تدعى (سيرين) وأهدى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أختها (سيرين) إلى حسان بن ثابت الشاعر، توفيت
مارية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة (16 هـ) .
[3] أرسل له الجاريتين، مارية وسيرين، وكسوة، وبغلة ليركبها تسمى دلدل،
وغير ذلك، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من عادته عليه
الصلاة والسلام أنه لا يرد الهدية.
[4] هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة القرشي العبشمي، أبو عبد
الرحمن، أمير فاتح، ولد بمكة، وولي البصرة في أيام عثمان بن عفان رضي
الله عنه، فوجه جيشا إلى سجستان فافتتحها صلحا، وافتتح عامة فارس
وخراسان وكابل، ثم أقام بعد ذلك بالمدينة إلى أن مات، وكان شجاعا سخيا
وصولا لقومه، رحيما، محبا للعمران، وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة،
وأجرى إليها الماء، توفي رحمه الله سنة (58 هـ) .
[5] سجستان، بكسر أوله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق
وآخر نون: ناحية كبيرة
(1/190)
وهرب كسرى.
واعتمر عبد الله بن عامر.
واستخلف الأحنف بن قيس على خراسان، فاجتمعوا جمعا لم يسمع بمثلهم،
فهزمهم الأحنف، وكثرت الفتوحات [1] في هذا العام، والخراج، فاتخذ عثمان
الخزائن، وكان يأمر للرجل بمائة ألف.
__________
وولاية واسعة في أطراف خراسان، بينها وبين هراة ثمانون فرسخا، وهي
جنوبي هراة، بها نخيل، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، فيها رمال، خرج
منها علماء أجلاء، وهي الآن في بلاد إيران. ينسب إليها جماعة من
العلماء، منهم الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب
«السنن» ، والنسبة إليها أيضا السّجزي، وفي البصرة قرية يقال لها:
سجستان، أو سجستانة، وليست من سجستان خراسان. انظر معجم البلدان:
(3/ 189- 192) ، و «الأنساب» للسمعاني (7/ 43- 48) بإشراف والدي الشيخ
عبد القادر الأرناؤوط.
[1] في المطبوع: «الفتوح» .
(1/191)
|