شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وثلاثين
فيها توفّي أبو سفيان بن حرب، والد معاوية رضي الله عنهما، وهو أموي،
وقيل: توفي سنة ثلاث وثلاثين [1] .
وفي «صحيح مسلم» أنه قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهنّ [2] قال: «نعم»
فسأله تزويج أم حبيبة ابنته، وأن يجعل معاوية كاتبه، وأن يؤمّره [3]
فيقاتل الكفّار كما قاتل المسلمين، قال ابن عباس [4] : لولا أنه طلب
ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه، لأنه لم يكن يسأل شيئا
إلا قال: نعم [5] .
__________
[1] وقيل: سنة أربع وثلاثين، والله أعلم.
[2] في المطبوع: «أعطينهن» وهو خطأ.
[3] في المطبوع: «وأن يأمره» وهو خطأ.
[4] في «صحيح مسلم» قال أبو زميل، بدلا من قال ابن عباس.
[5] رواه مسلم في «صحيحه» رقم (2501) في فضائل أبي سفيان بن حرب رضي
الله عنه، ولفظ بتمامه: قال ابن عباس: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي
سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، ثلاث
أعطنيهنّ قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي
سفيان أزوّجكها، قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال:
«نعم» قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال:
«نعم» قال أبو زميل (وهو الراوي عن ابن عباس) : ولولا أنه طلب ذلك من
النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا
قال: «نعم» .
(1/192)
وتزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم لأم
حبيبة قد كان تقرّر قبل ذلك وهو [1] مشرك، وكان الوليّ غيره، وإنما قال
له: نعم تطييبا لقلبه، أو أنّ مرادك قد حصل، وإن لم يكن حقيقة عقد،
وذهبت عينا أبي سفيان في الجهاد، إحداهما يوم الطائف، والثانية يوم
اليرموك، وكان يومئذ تحت راية ولده يزيد، ومات وهو ابن ثمان وثمانين
سنة، أو تسعين سنة، وصلى عليه معاوية، وقيل: عثمان، ودفن بالبقيع.
وفيها مات الحكم بن أبي العاص [2] عمّ عثمان رضي الله عنه، ووالد
مروان، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد طرده إلى الطائف، وبقي طريدا
إلى زمن عثمان، فردّه إلى المدينة، واعتذر بأنّه قد كان شفع فيه إلى
النبيّ صلى الله عليه وسلم فوعده بردّه، وهو مؤتمن على ما قال، وهو أحد
الأسباب التي نقموا بها على عثمان رضي الله عنه.
__________
قال النووي: وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال
أن أبا سفيان، إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور
لا خلاف فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك
بزمان طويل، تزوجها سنة ست، وقيل: سنة سبع، واختلفوا أين تزوجها، فقيل
بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، وقال الجمهور بأرض الحبشة.
[1] أي أبو سفيان.
[2] هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي عم عثمان
بن عفان، ووالد مروان بن الحكم، أسلم يوم الفتح، وسكن المدينة، ثم نفاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ثم أعيد إلى المدينة في
خلافة عثمان، ومات بها، سنة اثنتين وثلاثين كما قال الحافظ ابن حجر
العسقلاني في «الإصابة» (2/ 271) ، قال الحافظ: ويقال: إن النبي صلى
الله عليه وسلم دعا عليه، ولم يثبت ذلك.
(1/193)
سنة اثنتين وثلاثين
فيها توفي العبّاس بن عبد المطلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأبو الخلفاء العباسيين، حسن بلاؤه يوم حنين [1] ، وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يكرمه ويبجّله [2] ، وكذلك الخلفاء الراشدون [3] من
بعده، وكان صيّتا ينادي غلمانه من سلع [4] وهم بالغابة فيسمعونه، وذلك
على ثمانية أميال، وكان موته أول رمضان عن ست وثمانين سنة، وصلّى عليه
عثمان رضي الله عنه.
وفيها عبد الرحمن بن عوف الزهريّ أحد العشرة من السابقين الأوّلين،
تصدّق مرة بأربعين ألفا، وبقافلة جاءت من الشام كما هي، وفضائله كثيرة،
وهو من المقطوع لهم بالجنة، وما يذكر أنه يدخل الجنة حبوا لغناه فلا
أصل
__________
[1] العباس بن عبد المطلب أبو الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم، حضر
بقية العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، وشهد بدرا مع المشركين مكرها،
فأسر، فافتدى نفسه، وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب، ورجع إلى مكة،
فيقال: إنه أسلم وكتم قومه ذلك، وصار يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم
الأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشهد فتح مكة، وثبت يوم حنين، وكان
العباس من أعظم الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة
يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه، ويأخذون برأيه، مات بالمدينة المنورة
سنة (32 هـ) رضي الله عنه كما ذكر المؤلف رحمه الله. (ع) .
[2] في المطبوع: «ويجله» .
[3] في الأصل: «وكذلك الخلفاء الراشدين» وهو خطأ.
[4] قال البكري: سلع جبل متصل بالمدينة. «معجم ما استعجم» (3/ 747) .
(1/194)
له، ويا ليت شعري إذا كان هذا يدخلها حبوا
ويتأخّر دخوله لأجل غناه، فمن يدخلها سابقا مستقيما.
وفي خلافة عثمان رضي الله عنه قتل عبيد [1] الله بن معمر التيمي عن
أربعين سنة برستاق [2] من رساتيق إصطخر [2] ، وكان أحد الأجواد، اشترى
جارية تسمى الكاملة بعشرين ألف دينار، وكانت لفتى قد أدّبها أحسن
الأدب، فأملق، فباعها وهو مغرم بها، فأنشدت أبياتا فيها:
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فرقّ لها عبيد الله وردّها عليه وثمنها.
وفيها توفي عبد الله بن مسعود الهذليّ، وهو أحد القرّاء الأربعة، ومن
أهل السوابق في الإسلام، ومن علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هاجر
الهجرتين، وصلّى إلى القبلتين، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالجنة [3] ، وسبب إسلامه أنه مرّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو
يرعى غنما بمكة لعقبة بن أبي معيط، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم
[منها] [4] شاة حائلا وحلبها، فشرب، وسقى أبا بكر، فقال له ابن مسعود:
علّمني من هذا القول، فمسح رأسه وقال: «إنك غليّم [5] معلّم» [6] .
__________
[1] في الأصل: «عبد الله بن معمر التيمي» وهو خطأ، وما أثبتناه من
المطبوع، وهو مذكور في «تاريخ خليفة» ص (162) ، و «دول الإسلام» للذهبي
(1/ 21) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 265) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 198)
فيمن قتل سنة (29 هـ) ، وكان من القادة الشجعان الأشداء، ومن أجواد
قريش.
[2] الرّستاق، فارسي معرب، وهو السواد، والجمع رساتيق. وإصطخر: بلدة
بفارس. انظر «معجم البلدان» (1/ 211) .
[3] وقد أشار إلى شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له- رضي الله
عنه- بالجنة، ابن الأثير في «أسد الغابة» (3/ 386) ، والنووي في «تهذيب
الأسماء واللغات» (1/ 288) .
[4] لفظة «منها» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[5] في الأصل والمطبوع: «عليم معلم» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء»
(1/ 465) .
[6] رواه أحمد في «المسند» (1/ 379 و 462) وإسناده حسن.
(1/195)
ومن كلامه رضي الله عنه: لا يسأل أحدكم عن
نفسه إلا القرآن، فإن كان يحبّ القرآن فهو يحبّ الله، وإن كان يبغض
القرآن فهو يبغض الله.
وقال رضي الله عنه: الذّكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء
البقل، والغناء [1] ينبت النّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
مات عن نيف وستين سنة، ودفن بالبقيع.
وفيها أبو الدرداء [2] الخزرجيّ الزاهد الحكيم، أسلم بعد بدر، وولي
قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان، وقالت له زوجته: ما عندنا نفقة،
فقال لها: إن بين أيدينا عقبة لا يجوزها إلا المخفّون.
وفيها أبو ذرّ جندب بن جنادة الغفاريّ، صادق الإسلام واللسان، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق
لهجة من أبي ذر» [3] .
__________
[1] في المطبوع: «والغنى» وهو خطأ.
[2] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (7/ 182، 183) : أبو الدرداء
مشهور بكنيته، وباسمه جميعا، واختلف في اسمه، فقيل: هو، وعويمر لقب،
حكاه عمرو بن علي الفلاس عن بعض ولده، وبه جزم الأصمعي في رواية
الكديمي عنه، واختلف في اسم أبيه، فقيل: عامر، أو مالك، أو ثعلبة، أو
عبد الله، أو زيد، وأبوه ابن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن
الخزرج الأنصاري الخزرجي.
وجزم ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» ص (50) بأن اسمه عويمر بن
عامر بن زيد الأنصاري، وقال: مات سنة اثنتين وثلاثين، وقبره بباب
الصغير بدمشق مشهور يزار قد زرته غير مرة.
وانظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 228) .
[3] رواه الترمذي رقم (3801) في المناقب: باب مناقب أبي ذر رضي الله
عنه، وابن ماجة رقم (156) في المقدمة: باب فضائل أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأحمد في «المسند» (2/ 163 و 175 و 223) من حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وهو
كما قال.
ورواه أحمد في «المسند» (5/ 197) و (6/ 442) من حديث أبي الدرداء رضي
الله عنه.
(1/196)
وقصة إسلامه في «الصحيح» مشهورة [1] .
وفيها عبد الله بن زيد [2] بن عبد ربه الأنصاري، الذي أري الأذان [3] ،
وكان بدريا.
__________
[1] رواها البخاري رقم (3522) في المناقب: باب قصة إسلام أبي ذر
الغفاري رضي الله عنه، و (3861) في مناقب الأنصار: باب إسلام أبي ذر
الغفاري رضي الله عنه، ومسلم رقم (2474) في فضائل الصحابة: باب من
فضائل أبي ذر رضي الله عنه.
[2] في الأصل، والمطبوع: «زيد بن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من كتب
الرجال التي بين يديّ.
[3] وقد روى قصة رؤيته- رضي الله عنه- للأذان أحمد في «المسند» (4/ 43)
، وأبو داود في «سننه» رقم (499) في الصلاة: باب كيف الأذان، وابن ماجة
رقم (708) في الأذان: باب الترجيح في الأذان، وابن حبان في «صحيحه» رقم
(287) «موارد» ، وإليك ما جاء في «المسند» للإمام أحمد حول هذه القصة،
قال رضي الله عنه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب
بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقته النصارى، طاف بي من
الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله،
قال: فقلت له: يا عبد الله: أتبيع الناقوس، قال: وما تصنع به؟ قلت:
ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال: فقلت: بلى،
قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن
محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على
الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخرت غير
بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا
إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح،
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله،
قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه لرؤيا حق إن شاء الله» ثم
أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الصلاة، قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل
له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته:
الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيّب فأدخلت هذه الكلمة في
التأذين إلى صلاة الفجر.
(1/197)
سنة ثلاث وثلاثين
فيها توفي المقداد بن الأسود في أرضه بالجرف [1] ، وحمل إلى المدينة،
وشهد بدرا، وقوله يومئذ مشهور مذكور، وشجاعته معلومة، وبالاتفاق أنه
كان يوم بدر فارسا، واختلف في الزّبير، ومرثد الغنوي [2] .
وفيها غزا عبد الله بن سعد [3] بن أبي سرح الحبشة [4] [5] .
__________
[1] الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. «معجم البلدان»
لياقوت (2/ 128) .
[2] في المطبوع: «مرتد الغنوي» وهو تصحيف.
[3] في المطبوع: «عبد الله بن سعيد» وهو خطأ.
[4] قال خليفة بن خياط في «تاريخه» ص (168) : فأصيبت عين معاوية بن
حديج. يعني في غزوة الحبشة. وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 116) .
[5] قلت: وفيها جمع قارن جمعا كثيرا بباذغيس، وهراة، فأقبل في أربعين
ألفا، فخلى قيس بن الهيثم البلاد، فقام بأمر الناس عبد الله بن خازم
السلمي، فلقي قارن في أربعة آلاف، فقتل قارن وهزم أصحابه وأصابوا سبايا
كثيرة. «تاريخ خليفة بن خياط» ص (167) ، وانظر «تاريخ الإسلام» (2/
115، 116) .
وفيها مات العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. انظر «تاريخ خليفة بن
خياط» ص (168) .
وفيها مات المقداد بن الأسود ومات عامر بن ربيعة حين نشم الناس في أمر
عثمان رضي الله عنه. أي طعنوا فيه ونالوا منه. انظر «تاريخ خليفة بن
خياط» ص (168) .
(1/198)
سنة أربع وثلاثين
فيها أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا
فيه إلى عثمان، فأقرّه عليهم، ثم ردّ عليهم سعيدا، فخرجوا إليه ومنعوه
من الدخول، وهو اليوم المذكور في «صحيح مسلم» المسمّى بيوم الجرعة [1]
[2] .
__________
[1] انظر الحديث رقم (2893) في الفتن: باب في الفتنة التي تموج كموج
البحر. وقال ياقوت: الجرعة: بالتحريك، وقيده الصدفي بسكون الراء، وهو
موضع قرب الكوفة المكان الذي فيه سهولة ورمل ... وإليه يضاف يوم الجرعة
المذكور في كتاب «مسلم» وهو يوم خرج فيه أهل الكوفة إلى سعيد بن العاص
وقت قدم عليهم واليا من قبل عثمان رضي الله عنه، فردوه وولوا أبا موسى
ثم سألوا عثمان حتى أقره عليهم. «معجم البلدان» (2/ 128) ، وانظر «مجمع
الزوائد» للهيثمي (7/ 233) .
[2] قلت: وفيها مات إياس بن البكير. ويقال ابن أبي البكير، الليثي،
حليف بني عدي، كان من المهاجرين، شهد بدرا هو وإخوته خالد، وعاقل،
وعامر، ولم يشهد بدرا إخوة أربعة سواهم، وقد شهد إياس فتح مصر رضي الله
تعالى عنه. انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 117) ، و «أسد الغابة»
لابن الأثير (1/ 181) ، و «الإصابة» لابن حجر (1/ 143) .
وفيها مات أبو عبس عبد الرحمن بن جبر، ممن شهد بدرا، وكان اسمه معبد،
فسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكان ممن شهد بدرا رضي
الله عنه وأرضاه. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (25) ، و
«أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 202) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 339) .
وفيها مات مسطح بن أثاثة، أبو عبادة، وكان ممن شهد بدرا، توفي
بالمدينة. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (12) ، و «تاريخ
الطبري» (4/ 339) .
(1/199)
سنة خمس وثلاثين
فيها مات أبو طلحة [1] الأنصاري النقيب عن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان،
شهد بدرا وما بعدها، وهو من أهل السوابق في الإسلام، وهو المتصدق بأحب
أمواله إليه بيرحى.
قال في «القاموس» : وبيرحى كفيعلى موضع بالمدينة [2] .
وفيها مات النقيب الآخر عبادة بن الصامت، شهد بدرا وما بعدها، ووجهه
عمر إلى الشام قاضيا ومعلّما، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين ومات
بها، وقيل: بالرملة، ودفن ببيت المقدس [3] .
__________
[1] هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عمرو بن
مالك بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو طلحة،
مشهور بكنيته، من فضلاء الصحابة، زوج أم سليم، أم أنس بن مالك، وفي
«الصحيحين» عن أنس رضي الله عنه لما نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 3: 92 قال أبو طلحة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها
وذخرها، فقأ النبيّ صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ ذاك مال رابح» . واختلف
في وفاته، فقال الواقدي، وتبعه ابن نمير، ويحيى بن بكير، وغير واحد
فقالوا:
مات سنة (34 هـ) ، وقال غيرهم غير ذلك، والله أعلم. (ع) .
[2] قال الفيروزآبادي في «القاموس» (1/ 223) : وبيرحى كفيعلى: أرض
بالمدينة، ويصحّفها المحدّثون: بئرحاء.
[3] قال الحافظ في «الإصابة» (5/ 324) : روى ابن سعد أنه مات بالرملة
سنة (34 هـ) ، قال:
(1/200)
وفيها توفي عالم الكتاب، به وبالآثار، كعب
الأحبار [1] ، أسلم في زمن أبي بكر، وروى عن عمر رضي الله عنه.
وفيها توفي عامر بن أبي ربيعة.
وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي [2] ولّاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم الجند ومخاليفها من بلاد اليمن.
وفي آخرها حاصر المصريون أمير المؤمنين عثمان نحو شهرين وعشرين يوما،
ثم اقتحم عليه أراذل من أوباش القبائل فقتلوه، والصحيح أنه لم يتعين
قاتله، وكانوا أربعة آلاف، واشتهر عنه أنه قال لأرقائه: من أغمد سيفه
فهو حرّ، فأغمدوها إلا واحدا قاتل حتى قتل، وكانوا مائة عبد، وقيل:
أربعمائة، وإن عليّا رضي الله عنه أرسل إليه ابنه الحسن، وقال له: إن
شئت أتيتك للنصر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إن
قاتلتهم نصرت عليهم، وإن لم تقاتلهم، أفطرت عندنا الليلة» [3] وأنا أحب
أن أفطر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه عبد الله بن سلام
لينصره، فقال له: اخرج إليهم، فإنك خارج [4] خير
__________
ومنهم من قال: مات ببيت المقدس، وأورد ابن عساكر في ترجمته أخبارا له
مع معاوية تدل على أنه عاش بعد ولاية معاوية الخلافة، وبذلك جزم الهيثم
بن عدي.
[1] هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأجلد، ويقال له:
كعب الحبر، كان من أهل اليمن، أسلم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، كان على دين اليهود فأسلم، وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام فسكن
حمص، وكان يحدث عن قصص بني إسرائيل، ولذلك كان موضع النقد عند بعض
العلماء، توفي بحمص سنة (32 هـ) ، وقيل:
(34 هـ) في خلافة عثمان رضي الله عنه وقد جاوز المائة.
[2] عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي أبو عبد الرحمن المكي، له حجته،
كان اسمه بحيرا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وولاه
الجند ومخالفيها من بلاد اليمن، فلم يزل عليها حتى قتل عمر، وأقرّه
عثمان، فجاء لينصره، فوقع عن راحلته فمات قرب مكة رضي الله عنه. (ع) .
[3] ذكره المحب الطبري في «الرياض النضرة» (3/ 86) ونسبه لأبي الخير
الحاكمي القزويني، ولفظه عنده: «إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت
عندنا» .
[4] في الأصل: «خارجا» وأثبتنا ما في المطبوع.
(1/201)
لي من داخل، فخرج فقال لهم: أيّها النّاس،
إن لله سيفا مغمودا عليكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي
نزل فيه نبيّكم، فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فتطردوا جيرانكم،
ويسلّ سيف الله المغمد، فلا يغمد إلى يوم القيامة، فقالوا: اقتلوا
اليهوديّ [1] .
ولا شك أن الدّماء المهراقة عقب قتله، والملاحم بين عليّ ومعاوية عقوبة
من الله بقتل عثمان، وانفتح باب الشر من يومئذ.
وقد صحّت الأحاديث بأنّ له الجنة على بلوى تصيبه [2] ، وأنه [3] شهيد
سعيد [4] ، وأنه قتلوه يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة، والمصحف بين
يديه، فتنضّح الدم على قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 [البقرة: 137] وعمره يومئذ بضع وثمانون
أو تسعون سنة، ومدة خلافته اثنتا عشرة سنة وأيام، ودفن بالبقيع بموضع
يعرف ب حشّ كوكب [5] ، وكان قد اشتراه ووقفه، زاده في
__________
[1] قطعة من حديث رواه الترمذي رقم (3256) ، و (3803) وهو حديث ضعيف.
[2] منها ما رواه البخاري رقم (3695) في فضائل الصحابة: باب مناقب
عثمان بن عفان أبي عمرو القرشيّ رضي الله عنه، عن أبي موسى الأشعري رضي
الله عنه قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني بحفظ باب
الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فإذا أبو بكر،
ثم جاء آخر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فإذا عمر، ثم جاء آخر
يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»
فإذا عثمان بن عفان. وما رواه البخاري رقم (7097) في الفتن: باب الفتنة
التي تموج كموج البحر، وأحمد في «المسند (4/ 407) من حديث أبي موسى
الأشعري أيضا.
[3] لفظة «أنه» هذه ليست في المطبوع.
[4] منها ما رواه البخاري رقم (3699) في فضائل الصحابة: باب مناقب
عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه، وأبو داود رقم (4651) في
السنة: باب في الخلفاء، والترمذي رقم (3697) في المناقب: باب في مناقب
عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحمد في «المسند» (3/ 112) عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال: صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو
بكر، وعمر، وعثمان، فرجف، فقال: «اسكن أحد- أظنه ضربه برجله- فليس عليك
إلا نبيّ، وصديق، وشهيدان» .
[5] قال ياقوت: حش كوكب: بفتح أوله، وتشديد ثانيه، وبضم أوله أيضا،
والحشّ في اللغة
(1/202)
البقيع، وكان إذا مرّ به، يقول: يدفن فيك
رجل صالح.
وقوله: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تفطر عندنا» معناه: أول شيء
تستعمله على الرّيق يكون عندنا، لا أنه فطر صائم، إذ لم يكن يومئذ
صائما، فإنّ يوم قتله كان ثاني أيام التشريق، ولا يجوز صومه.
وفيه إشارة إلى قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في
سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3:
169 [آل عمران: 169] وبشارة له بصدق الشهادة.
وفيه يقول حسّان [1] :
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا
إلى قوله:
لتسمعنّ وشيكا في ديارهم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا [2]
__________
البستان، وبه سمي المخرج حشا لأنهم كانوا إذا أرادوا الحاجة خرجوا إلى
البساتين، وكوكب الذي أضيف إليه اسم رجل من الأنصار، وهو عند بقيع
الغرقد، اشتراه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وزاده في البقيع، ولما قتل
... دفن في جنبه. «معجم البلدان» (2/ 262) . وانظر «الروض المعطار»
للحميري ص (501) .
[1] هو حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي البخاري المدني، شاعر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وصاحبه، عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في
الإسلام، قال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في
الجاهلية، وشاعر النبيّ صلى الله عليه وسلم في النبوة، وشاعر اليمانيين
في الإسلام، مات سنة (54 هـ) ، وقيل غير ذلك عن «سير أعلام النبلاء»
للذهبي (2/ 512- 523) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 175، 176) .
[2] البيتان في ديوانه (1/ 96) طبع دار صادر في بيروت، بتحقيق الدكتور
وليد عرفات، والثاني منهما لفظه فيه.
«لتسمعنّ وشيكا في دياركم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا»
(1/203)
وله أيضا:
قتلتم وليّ الله في جوف بيته ... وجئتم بأمر جائر غير مهتدي
فلا طهرت أيمان قوم تعاونوا ... على قتل عثمان الرّشيد المسدّد [1]
__________
[1] البيتان في ديوانه (1/ 320) ولفظهما فيه:
«قتلتم وليّ الله في جوف داره ... وجئتم بأمر جائر غير مهتد»
«فلا ظفرت أيمان قوم تظاهرت ... على قتل عثمان الرشيد المسدّد»
(1/204)
|