شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وخمسين
فيها استعمل معاوية سعيد بن عثمان بن عفّان على خراسان [1] ، فغزا سمرقند، فالتقى هو والصّغد [2] فكسرهم، ثمّ صالحوه، وكان معه من الأمراء المهلّب، واستشهد معه يومئذ قثم بن العبّاس بن عبد المطّلب وكان يشبّه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من طلع من لحد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفيها أمّ المؤمنين جويرية [3] بنت الحارث المصطلقيّة [4] ، وصلى عليها مروان [5] [6] .
__________
[1] قوله: «على خراسان» سقط من المطبوع.
[2] في المطبوع: «الصفد» وهو تحريف. والصّغد: هم سكان «صغد» وهو موضع بسمرقند، متنزه ذو أنهار وبساتين، وهو أحد متنزهات الدّنيا، قيل: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، ونهر الأبلّة، وشعب بوان. انظر «تاج العروس» للزبيدي «سغد» (8/ 206) ، و «صغد» (8/ 287) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 409) . وراجع «تاريخ الطبري» (5/ 304- 307) .
[3] وكان اسمها «برّة» فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة. انظر «الأسماء واللغات» للنووي (2/ 336) .
[4] وقيل: توفيت سنة خمسين.
[5] يعني مروان بن الحكم، وكان يومئذ والي المدينة. انظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 336) .
[6] قلت: وفيها استشهد بأرض الروم عبد الله بن قرط الأزدي الثّمالي، وكان اسمه في الجاهلية

(1/257)


سنة سبع وخمسين
فيها عزل سعيد بن عثمان عن خراسان، وأضيفت إلى العراقين لعبيد الله بن زياد.
وتوفّي عبد الله بن السّعديّ العامريّ، له صحبة.
وفيها، وقيل في سنة ثمان وخمسين في رمضان: توفّيت أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر [الصّدّيقة بنت] [1] الصّدّيق من أخصّ مناقبها ما علم من حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وشاع من تخصيصها عنده، ونزول القرآن في عذرها وبراءتها والتّنويه بقدرها، ووفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها [2] ، وفي
__________
شيطانا فسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم «عبد الله» . انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 364، 365) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 264) ، و «الإصابة» لابن حجر (6/ 192، 193) .
وفيها ولد عمرو بن دينار الجمحي. انظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 27) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 77) .
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع.
[2] وفي رواية للبخاري، وأحمد، والنسائي: مات بين حاقنتي وذاقنتي. انظر «عمدة الأحكام» للمقدسي ص (40) بتحقيقي.
قال ابن الأثير: السّحر: الرّئة، أي أنه مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذى سحرها منه، وقيل: السحر: ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن. «النهاية» (2/ 346) .
والنحر: موضع القلادة من الصّدر. قاله في «مختار الصحاح» ص (649) .

(1/258)


نوبتها [1] ، وريقها في فمه الشّريف، لأنّه كان يؤثرها [2] أن تندّي له السّواك بريقها، ونزول الوحي في بيتها، وهو [3] في لحافها، ولم يتزوّج بكرا سواها، وما حمل عنها من الفقه لم يحمل عن أحد سواها، تزوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة وهي ابنة ست، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة، وتوفّيت عن خمس وستين سنة، ونقل عنها علم كثير حتى ورد «خذوا نصف دينكم عن الحميراء» [4] .
وفي رواية: «ثلثي دينكم» [4] .
وكانت من أكثر الصّحابة حفظا وفتيا، قال في «إعلام الموقعين» [5] :
والذين حفظت عنهم الفتوى من الصّحابة مائة ونيّف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أمّ المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.
قال أبو محمد بن حزم [6] : ويمكن أن يجمع من فتوى كلّ واحد منهم
__________
[1] في المطبوع: «وفي نوبته» .
[2] في المطبوع: «يأمرها» وهو صواب أيضا.
[3] أي النبيّ صلى الله عليه وسلم.
[4] قال الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (198) : حديث: «حذوا شطر دينكم عن الحميراء» قال شيخنا- يعني الحافظ ابن حجر- في تخريج «ابن الحاجب» من إملائه: لا أعرف له إسنادا، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث، إلا في «النهاية» لابن الأثير، ذكره في مادة (ح م ر) [1/ 438] ولم يذكر من خرجه، قال: ورأيته أيضا في «كتاب الفردوس» لكن بغير لفظه، وذكره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بغير إسناد أيضا، ولفظه: «خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء» ، وبيض له صاحب «مسند الفردوس» فلم يخرج له إسنادا، وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه.
[5] في الأصل، والمطبوع: «معالم الموقعين» وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
[6] هو علي بن أحمد بن حزم الظاهري الأندلسي، أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، وأحد

(1/259)


سفر ضخم [1] .
قال: وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون [2] فتيا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عشرين كتابا.
وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث.
قال أبو محمد [3] : والمتوسّطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصّدّيق، وأمّ سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزّبير، وأبو موسى الأشعريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسيّ، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل، فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جدا.
ويضاف إليهم: طلحة، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصّامت، ومعاوية بن أبي سفيان.
والباقون منهم مقلّون في الفتيا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان، والزيادة اليسيرة [على ذلك] [4] يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم
__________
أئمة الإسلام، كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم: «بحزمية» وكانت له، ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها، وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين، فقيها، حافظا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، بعيدا عن المصانعة، صنف مصنفات كثيرة منها «المحلى» ، و «جمهرة أنساب العرب» ، و «المفاضلة بين الصحابة» مات سنة (456 هـ) . انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (52) بتحقيقي، و «الأعلام» للزركلي (5/ 95) .
[1] أي كتاب ضخم.
[2] أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد العباسي، أمير من علماء بني العباس بالحديث، كان ثقة مأمونا، ولد بمكة، وانتقل إلى مصر، فحدّث فيها، وتوفي بها رحمه الله سنة (342 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (7/ 117) .
[3] يعني ابن حزم الأندلسي.
[4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركناه من «إعلام الموقعين» لابن القيم.

(1/260)


جزء صغير فقط، بعد التقصّي والبحث [1] . انتهى ملخصا ما ذكره ابن القيم [2] .
وكان من الآخذين عن عائشة الذين لا يكادون يتجاوزون قولها المتفقّهين بها: القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها، وعروة بن الزّبير ابن أختها أسماء، قال مسروق: لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
وقال عروة بن الزّبير: ما جالست أحدا قطّ أعلم بقضاء ولا بحديث بالجاهلية، ولا أروى للشعر، ولا أعلم بفريضة ولا طبّ من عائشة رضي الله عنها.
وفيها توفّي أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدّوسيّ، قاله هشام المديني، وقيل: سنة ثمان وخمسين، قاله أبو معشر، ويحيى بن بكير، وجماعة، وقيل: سنة تسع وخمسين، كان كثير العبادة والذّكر، حسن الأخلاق، ولي إمرة المدينة، وكان حافظ الصحابة، وأكثرهم رواية.
قال الحافظ الذهبيّ: المكثرون من رواية الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
أبو هريرة [3] مروياته خمسة آلاف، وثلاثمائة وأربعة وسبعون.
__________
[1] يحسن بالباحث الرجوع إلى تتمة كلام ابن القيم في «إعلام الموقعين» للاطلاع على بقية أسماء الصحابة المقلين من الفتوى ص (1/ 12- 14) .
[2] هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، صاحب الذهن الوقاد، والمؤلفات الكثيرة المتنوعة، المتوفى سنة (751 هـ) . انظر ترجمته ومصادرها في صدر كتابه «زاد المعاد» الذي حققته بالاشتراك مع زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، ونشرته مؤسسة الرسالة في بيروت، ومكتبة المنار الإسلامية في الكويت (ع) .
[3] اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه على أقوال، أشهرها عبد الرحمن بن صخر الدّوسي كما ذكر المؤلف.

(1/261)


ابن عمر: ألفان وستمائة وثلاثون.
أنس: ألفان ومائتان وستة وسبعون.
عائشة: ألفان ومائتان وعشرة [1] .
ابن عباس: ألف وستّمائة وسبعون.
جابر: ألف وخمسمائة وأربعون.
أبو سعيد [2] : ألف ومائة وسبعون.
عليّ: خمسمائة وستة وثمانون.
عمر: خمسمائة وسبعة وثلاثون.
عبد الله بن مسعود: ثمانمائة وثمانية وأربعون.
عبد الله بن عمرو [3] : سبعمائة.
أمّ سلمة: ثلاثمائة وثمانية وسبعون.
أبو موسى [4] : ثلاثمائة وستون.
البراء بن عازب: ثلاثمائة وخمسة.
أبو ذرّ [5] : مائتان وأحد وثمانون.
سعد [6] : مائتان وأحد وسبعون.
__________
[1] في المطبوع: «ومائتان وعشر» .
[2] هو أبو سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، توفي بالمدينة سنة (74 هـ) . (ع) .
[3] في المطبوع: «عبد الله بن عمر» وهو خطأ.
[4] هو أبو موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، من بني الأشعر. (ع) .
[5] هو أبو ذر الغفاري، واسمه جندب بن جنادة، من الزهاد، رضي الله عنه، توفي بالربذة من قرى المدينة المنورة سنة (32 هـ) ، انظر ص (196) من هذا المجلد. (ع) .
[6] هو سعد بن أبي وقاص، وأبو وقاص، مالك، بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهدي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أبو إسحاق، فاتح العراق، أول من رمى بسهم في سبيل الله، توفي

(1/262)


أبو أمامة [1] : مائتان وخمسون.
سهل بن سعد [2] : مائة وثمانية وثمانون.
عبادة [3] : مائة وأحد وثمانون.
عمران [4] : مائة وثمانون.
معاذ [5] : مائة وسبعة وخمسون.
أبو أيوب [6] : مائة وخمسة وخمسون.
عثمان [7] : مائة وأربعة وستون [8] .
__________
رضي الله عنه بقصره في العقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها سنة (55 هـ) .
انظر ص (257) (ع) .
[1] هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي، سكن الشام، فتوفي في حمص سنة (86 هـ) رضي الله عنه، انظر ص (351) . (ع) .
[2] هو سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، من مشاهير الصحابة من أهل المدينة، عاش نحو مائة سنة وهو آخر من توفي بالمدينة المنورة سنة (91 هـ) .
[3] هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، شهد العقبة وبدرا والمشاهر، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر فتح مصر، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين، توفي بالرملة أو ببيت المقدس سنة (35 هـ) . (ع) .
[4] هو عمران بن حصين أبو نجيد الخزاعي، من علماء الصحابة أسلم عام خيبر سنة (7 هـ) ، وأرسله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى البصرة ليفقههم وتوفي بها رضي الله عنه سنة (52 هـ) . (ع) .
[5] هو معاذ بن جبل الأنصاري أبو عبد الرحمن، كان من أعلم الناس بالحلال والحرام، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك إلى اليمن، وعاد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم كان مع أبي عبيدة بن الجراح في غزو الشام، توفي بالطاعون في أرض فلسطين، ودفن في أرض الغور سنة (18 هـ) . (ع) .
[6] هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة أبو أيوب الأنصاري من بني النجار، شهد العقبة وبدرا وأحدا والمشاهد كلها، وكان شجاعا صابرا تقيا محبا للتفرد الجهاد، توفي غازيا في القسطنطينية سنة (52 هـ) رضي الله عنه. (ع) .
[7] هو عثمان بن عفان ذو النورين أمير المؤمنين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيه رقية وأم كلثوم، قتل رضي الله عنه سنة (35 هـ) . (ع) .
[8] والذي في «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي، أن له (146) حديثا.

(1/263)


جابر بن سلمة: مثله.
أبو بكر الصّدّيق: مائة واثنان وثلاثون.
أسامة [1] : مائة واثنان وثمانون.
ثوبان [2] : مائة واثنان وسبعون.
سمرة بن جندب: مائة واثنان وثلاثون.
النعمان بن بشير: مائة واثنان وأربعون.
أبو مسعود [3] : مائة واثنان.
جرير [4] : مائة.
ابن أبي أوفى [5] : خمسة وتسعون. انتهى.
ولبعضهم في المكثرين من رواية الحديث:
سبع من الصّحب فوق الألف قد نقلوا ... من الحديث عن المختار خير مضر
__________
[1] هو أسامة بن زيد بن حارثة، حب رسول الله وإن حبه، أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاب، ولما توفي رسول الله رحل إلى وادي القرى فسكنه، ثم انتقل إلى دمشق فسكن المزة، ثم عاد إلى المدينة فأقام إلى أن مات بالجرف سنة (54 هـ) رضي الله عنه. (ع) .
[2] هو ثوبان بن بجدد، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل السراة، موضع بين مكة واليمن، أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر إلى أن مات، ثم تحول إلى الرملة، ثم حمص، ومات بها سنة (54 هـ) رضي الله عنه. (ع) .
[3] هو أبو مسعود البدري، واسمه (عقبة بن عمرو) مشهور بكنيته، وسكن بدرا، وشهد العقبة وأحدا ونزل الكوفة، وتوفي بها رضي الله عنه سنة (40 هـ) . (ع) .
[4] هو جرير بن عبد الله البجلي الأحمسي الكوفي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة في شهر رمضان فبايعه وأسلم، وكان جميل الصورة، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيه: يوسف هذه الأمة، نزل الكوفة ثم تحول إلى قرقيسيا، وتوفي بها رضي الله عنه سنة (51 هـ) . (ع) .
[5] هو عبد الله بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي، شهد بيعة الرضوان، وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل بالمدينة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر من بقي من الصحابة بالكوفة، توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة (86 هـ) . (ع) .

(1/264)


أبو هريرة سعد جابر أنس ... صدّيقة وابن عبّاس كذا ابن عمر
وكان في أبي هريرة دعابة، وكان يخطب ويقول: طرّقوا لأميركم قيل:
وكان يصلي خلف عليّ، ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال، ويقول:
الصلاة خلف عليّ أتمّ، وسماط معاوية أدسم، وترك القتال أسلم، واستعمله عمر على البحرين، وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل، أسلم عام خيبر سنة سبع، وصدّقه الشيطان ونصحه، فقد ثبت في «الصحيح» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة لمّا وكّله النبيّ بحفظ زكاة الفطر، فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة، وهو يمسكه فيتوب فيطلقه، فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟» فيقول: زعم أنه لا يعود، فيقول: «إنه سيعود» فلما كان في المرة الثالثة، قال له: دعني حتى [1] أعلّمك ما ينفعك، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2: 255 [البقرة: 255] إلى آخرها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «صدقك وهو كذوب» . وأخبره أنه شيطان [2] .
وفيه دليل على أن الإنسيّ أقوى وأشدّ بأسا من الجنيّ كما اختاره الفخر الرازيّ.
__________
[1] لفظة «حتى» سقطت من المطبوع.
[2] رواه البخاري تعليقا (4/ 487) في الوكالة، باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز، قال الحافظ في الفتح: وقد وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم. وانظر «جامع الأصول» لابن الأثير (8/ 477) والتعليق عليه بتحقيقي، وانظر فوائد الحديث في «فتح الباري» لابن حجر (4/ 489) .

(1/265)


سنة ثمان وخمسين
فيها توفي جبير بن مطعم على خلاف في ذلك.
وشدّاد بن أوس الأنصاريّ نزيل بيت المقدس.
وعقبة بن عامر الجهنيّ الصحابيّ أمير معاوية على مصر، وكان فقيها فصيحا مفوّها.
وعبيد الله بن العباس [1] بن عبد المطلب، له صحبة ورواية، ولي اليمن لعليّ فسار إليه بسر [2] بن أرطاة فذبح ولديه [3] ، وكان أحد الأجواد [4] أشاع بعض الناس أنه يدعو الناس للغداء، ولا علم له، فامتلأت
__________
[1] هو عبيد الله بن العباس، أخو عبد الله بن العباس، كان أصغر سنا من أخيه عبد الله بسنة، وكان سخيا جوادا، وكان تاجرا، مات بالمدينة رضي الله عنه سنة (87 هـ) كما قال الحافظ في «التقريب» وقال في «التهذيب» قال أبو خليفة مات سنة (58 هـ) . (ع) .
[2] في المطبوع: «بشر» وهو تصحيف. وهو بسر بن أرطاة، ويقال: ابن أبي أرطاة، واسم أبي أرطاة، عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري، نزيل الشام مختلف في صحبه.
[3] أي ذبح بسر بن أرطاة ولدي عبيد الله بن العباس، وهما: عبد الرحمن وقثم، وحكى المسعودي في «مروج الذهب» : أن عليا دعا على بسر أن يذهب عقله لما بلغه قتله ابني عبيد الله بن العباس وأنه خرف ومات في أيام الوليد بن عبد الملك سنة (86 هـ) .
[4] أي عبيد الله بن العباس رضي الله عنه.

(1/266)


رحبة بيته، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: إنك دعوتهم، فقال: لا يخرجنّ منهم أحد وغدّاهم جميعا، ثم نادى مناديه: أن يحضروا كلّ يوم [1] .
__________
[1] قلت: وفيها مات يزيد بن شجرة بن أبي شجرة الرّهاوي، من أصحاب معاوية، مختلف في صحبته. انظر «الإصابة» لابن حجر (10/ 352، 353) ، و «الأعلام» للزركلي (8/ 184) .
وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. انظر «تاريخ خليفة بن حياط» ص (225) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 265) .

(1/267)


سنة تسع وخمسين
فيها توفي أبو محذورة الجمحيّ [1] المؤذّن، له صحبة ورواية، وكان من أندى النّاس صوتا وأحسنهم نغمة.
وفيها، وقيل: في التي تليها، شيبة بن عثمان الحجبيّ [2] العبدريّ [3] سادن الكعبة.
وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة والد عمرو الأشدق، والذي أقيمت عربية القرآن على لسانه، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليّ الكوفة لعثمان، وافتتح طبرستان [4] ، وكان ممدّحا، كريما، عاقلا،
__________
[1] هو أوس بن معير الجمحي، ويقال: سمرة بن معير، قال ابن حزم: ويظن أهل الحديث أن اسم أبي محذورة سمرة، وليس كذلك، وإنما سمرة أخ لأبي محذورة. انظر «الإصابة» لابن حجر (12/ 12) ، و «زاد المعاد» لابن القيم (1/ 124) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 117) ، و «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (162، 163) .
قلت: وقد تحرف اسم «أوس بن معير» في «زاد المعاد» إلى «أوس بن مغيرة» ، واسم «سمرة» في «سير أعلام النبلاء» إلى «سمير» .
[2] قال السمعاني: الحجبي: بفتح الحاء المهملة، والجيم وكسر الباء المنقوطة، هذه النسبة إلى حجابة البيت المعظم. «الأنساب» (4/ 64) .
[3] في الأصل: «العبدي» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع، وهو الصواب، لأن شيبة رضي الله عنه من بني عبد الدار.
[4] طبرستان: إقليم واسع كبير في بلاد إيران، خرج من من لا يحصى كثرة من أهل العلم،

(1/268)


حليما، اعتزل الجمل، وصفّين، ومولده قبل بدر.
وأبو عبد الرّحمن عبد الله بن عامر بن كريز العبشميّ [1] ، أمير عثمان على العراق، له رواية، وهو الذي افتتح خراسان، وأصبهان، وحلوان [2] ، وكرمان [3] ، وأطراف فارس [4] كلها.
__________
والأدب، والفقه، وهذا الإقليم يضم بلدانا واسعة، والنسبة إلى هذا الإقليم «الطّبري» . انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 13- 16) ، و «الأنساب» للسمعاني (8/ 204) .
[1] في الأصل، والمطبوع: «العبسي» وهو خطأ، والتصحيح من «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 288) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 18) ، و «الإصابة» لابن حجر (7/ 204) .
وانظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (74) .
[2] قال ياقوت: حلوان: بليدة بقوهستان نيسابور، وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان.
«معجم البلدان» (2/ 294) .
[3] بلدة تقع في إيران الآن، انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (101- 103) .
[4] فارس: ولاية واسعة، وإقليم فسيح، أول حدودها من جهة العراق أرجان، ومن جهة كرمان السيرجان، ومن جهة ساحل بحر الهند سيراف، ومن جهة السند مكران. وهي جزء من إيران الآن. انظر «معجم البلدان» (4/ 226- 228) .

(1/269)


سنة ستين
فيها توفي معاوية بن أبي سفيان بدمشق في رجب وله ثمان وسبعون سنة، ولي الشّام لعمر، وعثمان عشرين سنة، وتملكها بعد عليّ عشرين [أخرى] إلّا شهرا، وسار بالرعية سيرة جميلة، وكان من دهاة العرب وحلمائها، يضرب به المثل، وهو أحد كتبة الوحي، وهو الميزان في حب الصحابة، ومفتاح الصحابة، سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيهما [1] أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز، فقال: لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز [2] رضي الله تعالى عنه، وأماتنا على محبته.
وفيها توفي سمرة بن جندب الفزاري، في أولها، نزيل البصرة.
وبلال بن الحارث المزنيّ.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أيما» ، وما أثبتناه يقتضيه السياق.
[2] قلت: إن صح هذا من كلام الإمام أحمد رحمه الله، فإن فيه انتقاصا من قدر الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز الذي عدّ عند الكثيرين من أئمة المسلمين في مقام الخلفاء الراشدين، والذي له من المكارم ما لا يعد ولا يحصى، ومن أهم تلك المكارم أنه منع الكثير من البدع التي كانت سائدة في عصور من سبقه من خلفاء بني أمية في الشام، ولو لم يكن له من المكارم سوى الأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف لكفاه فخرا، فكيف وقد كان عهده عهد أمان واطمئنان ورخاء للمسلمين قاطبة، رحمه الله برحمته الواسعة، وجمعنا به يوم القيامة في الجنة تحت لواء سيد المرسلين.

(1/270)


وعبد الله بن مغفّل المزنيّ، نزيل البصرة، من أهل بيعة الرضوان.
وفيها، أو في التي قبلها، أبو حميد السّاعديّ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وفيها عزل الوليد بن عتبة عن المدينة، واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق، فقدمها في رمضان، فدخل عليه أهل المدينة، وكان عظيم الكبر، واستعمل على شرطته عمرو [1] بن الزّبير لما كان بينه وبين أخيه عبد الله [من البغضاء، فأرسل إلى نفر من أهل المدينة، فضربهم ضربا شديدا لهواهم في أخيه عبد الله] [2] منهم أخوه المنذر بن الزّبير، ثم جهز عمرو بن سعيد عمرو [3] بن الزّبير في جيش نحو ألفي رجل إلى أخيه عبد الله بن الزّبير، فنزل بالأبطح [4] ، وأرسل إلى أخيه برّ يمين يزيد [5] وكان حلف ألّا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة، ويقال: حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فإنك في بلد حرام، فأرسل إليه [6] أخوه عبد الله من فرّق جماعته وأصحابه، فدخل دار ابن علقمة [7] ، فأتاه أخوه
__________
[1] في المطبوع: «عمر» وهو خطأ. وانظر خبر «عمرو بن الزبير» في «الكامل» لابن الأثير (4/ 18) .
[2] زيادة من المطبوع، و «تاريخ الطبري» (5/ 344) .
[3] في المطبوع: «عمر» وهو خطأ.
[4] الأبطح: كل مسيل فيه دقاق الحصى فهو أبطح، وقال ابن دريد: الأبطح، والبطحاء: الرمل المنبسط على وجه الأرض، وقال أبو زيد: الأبطح أثر المسيل ضيقا كان أو واسعا، والأبطح يضاف إلى مكة، وإلى منى، لأن المسافة بينه وبينها واحدة، وربما كان إلى منى أقرب، وهو المحصّب. «معجم البلدان» لياقوت (1/ 74) .
[5] وهكذا أيضا عبارة «الكامل» لابن الأثير (4/ 19) ، وفي «تاريخ الطبري» (5/ 344) : «برّ يمين الخليفة، واجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى، لا يضرب الناس بعضهم بعضا، واتق الله فإنك في بلد حرام» .
[6] في الأصل: «إلى» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع.
[7] في «تاريخ الطبري» : «دار علقمة» .

(1/271)


عبيدة فأجاره، ثم أتى عبد الله فقال له: قد أجرت عمرا، فقال: أتجير [1] من حقوق الناس! هذا ما لا يصح، أو ما أمرتك أن لا تجير هذا الفاجر الفاسق المستحلّ لحرمات الله، ثم أقاد عمرا بكل من ضربه إلّا المنذر، وابنه، فإنهما أبيا أن يستقيدا، ومات تحت السّياط.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «تجير» ، وما أثبتناه من «تاريخ الطبري» ، و «الكامل» لابن الأثير.

(1/272)