شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وستين
استشهد فيها في يوم عاشوراء أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب،
سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته بكربلاء [1] عن ست وخمسين
سنة، ومن أسباب ذلك أنه كان قد أبى من البيعة ليزيد حين بايع له أبوه
النّاس [2] ، رابع أربعة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزّبير، وعبد
الرّحمن بن أبي بكر، فلما مات معاوية جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين
يسألونه القدوم عليهم، فسار بجميع أهله حتى بلغ كربلاء موضعا بقرب
الكوفة، فعرض له عبيد الله [3] بن زياد، فقتلوه، وقتلوا معه ولديه
عليّا الأكبر، وعبد الله، وإخوته جعفرا، ومحمّدا، وعتيقا، والعبّاس
الأكبر، وابن أخيه قاسم بن الحسن، وأولاد عمه محمّدا، وعونا ابنا عبد
الله بن جعفر بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، وابنيه عبد
الله، وعبد الرّحمن. ومختصر ذلك أن يزيد لما بويع له بعد موت أبيه،
وكان أبوه بايع له الناس، فأرسل يزيد إلى عامله بالمدينة الوليد بن
عتبة يأخذ له البيعة، فأرسل إلى الحسين، وعبد الله بن الزّبير، فأتياه
ليلا وقالا له: مثلنا لا يبايع سرا بل على رؤوس الأشهاد، ثم
__________
[1] كربلاء: موضع قرب الكوفة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 445) .
[2] أي حين أخذ له أبوه معاوية بن أبي سفيان البيعة من الناس قهرا.
[3] في الأصل: «عبد الله» وهو خطأ.
(1/273)
رجعا، وخرجا من ليلتهما في بقية من رجب،
فقدم الحسين مكّة، وأقام بها، وخرج منها يوم التروية إلى الكوفة فبعث
عبيد الله [1] بن زياد لحربه عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وقيل: أرسل عبد
الله [2] ابن الحارث التميميّ، أن جعجع بالحسين، أي احبسه [3] .
والجعجاع المكان الضيق [3] .
ثم أمر معمر بن سعيد في أربعة آلاف، ثم صار عبيد الله بن زياد يزيد في
العسكر إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفا، وأميرهم عمر بن سعد ابن أبي
وقّاص، واتفقوا على قتله يوم عاشوراء، قيل: يوم الجمعة، وقيل: السبت،
وقيل: الأحد، بموضع يقال له: الطّفّ [4] ، وقتل معه اثنان وثمانون رجلا
فيهم الحارث بن يزيد التّميميّ، لأنه تاب آخرا، حين رأى منعهم له من
الماء، وتضييقهم عليه، قيل: ووجد بالحسين رضي الله عنه ثلاث وثلاثون
طعنة، وأربع وثلاثون ضربة، وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلا.
وقال الحسن البصريّ: أصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته، ما على
وجه الأرض يومئذ لهم شبيه، وجاء بعض الفجرة برأسه إلى ابن زياد وهو
يقول:
أوقر ركابي فضّة وذهبا ... إني [5] قتلت الملك المحجّبا
قتلت خير النّاس أمّا وأبا ... [وخيرهم إذ ينسبون نسبا] [6]
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ.
[2] في المطبوع: «عبيد الله» .
[3] في المطبوع: «أحبه» وهو خطأ، وانظر «لسان العرب» «جعع» (1/ 636) .
[4] الطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ... وهي أرض بادية قريبة
من الريف، فيها عدة عيون ماء جارية. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/
36) .
[5] في «تاريخ الطبري» : «أنا» .
[6] البيتان في «تاريخ الطبري» (5/ 454) منسوبان إلى سنان بن أنس، وما
بين حاصرتين زيادة منه.
(1/274)
فغضب لذلك، وقال: إذا علمت أنه كذلك فلم
قتلته؟ والله لألحقنك به، وضرب عنقه، وقيل: إن يزيد هو الذي قتل
القائل.
ولما تم قتله [1] حمل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق
كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه، ومن أمر به، أو رضيه.
قيل: قال لهم عند ذلك بعض الحاضرين: ويلكم إن لم تكونوا أتقياء في
دينكم، فكونوا أحرارا في دنياكم [2] .
والصحيح أن الرأس المكرّم دفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة، وذلك أن يزيد
بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق، فكفّنه ودفنه [3] .
والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليّ لمخالفيه لأنه الإمام الحق،
__________
[1] أي قتل الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه.
[2] أقول: لا شك أن قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وأهل بيته في
كربلاء كان كارثة عظيمة يتفطر لها قلب كل مسلم ويحزنه قتله رضي الله
عنه، فإنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن
لا يجوز ما يفعله بعض الناس في يوم عاشوراء من ضرب لأنفسهم، وبكاء
وصراخ، واتخاذ ذلك اليوم مأتما، لأنه قتل فيه الحسين رضي الله عنه، وقد
كان أبوه أفضل منه وقد قتل يوم الجمعة (17) رمضان وهو خارج إلى صلاة
الفجر، ولم يتخذوا يوم قتله مأتما.
وعثمان بن عفان رضي الله عنه قتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من
ذي الحجة ولم يتخذوا يوم قتله مأتما، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل
وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر، ولم يتخذوا ذلك اليوم مأتما، ولم
يتخذوا يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مأتما، كما لم يتخذوا يوم
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة
مأتما، كما لا يجوز ما يفعله بعض الناس في يوم عاشوراء، من الاختضاب
والاغتسال والاكتحال والتطيب، وزيادة المأكولات، فإن ذلك من البدع التي
ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه، وإن كان بعض الناس يستشهدون بحديث
«من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته» فإن أسانيده
كلها ضعيفة، ولم يثبت في يوم عاشوراء إلا فضيلة صيامه، وذلك لأن الله
تعالى نجى فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وجنده وقد صامه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه (ع) .
[3] قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/ 204) : وأما رأس الحسين
رضي الله عنه،
(1/275)
ونقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسين
على يزيد، وخروج ابن الزّبير، وأهل الحرمين على بني أمية، وخروج ابن
الأشعث [1] ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجّاج.
ثم [إن] الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد، والحجّاج،
ومنهم من جوّز الخروج على كل ظالم، وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة:
قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، وقتل ابن الزّبير، ولعلماء السلف
في يزيد وقتلة الحسين خلاف في اللعن والتوقّف.
قال ابن الصّلاح [2] : والنّاس في يزيد ثلاث فرق، فرقة تحبّه وتتولّاه،
وفرقة تسبّه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولّاه ولا تلعنه، قال:
وهذه الفرقة هي المصيبة، ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين،
ويعلم قواعد الشريعة الظاهرة. انتهى كلامه.
ولا أظن الفرقة الأولى توجد اليوم، وعلى الجملة، فما نقل عن قتلة
الحسين والمتحاملين عليه يدل على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم،
__________
فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن
معاوية، ومن الناس من أنكر ذلك، وعندي أن الأول أشهر، والله أعلم. ثم
اختلفوا في المكان الذي دفن فيه الرأس، فروى محمد بن سعد أن يزيد بعث
برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع (ع)
.
[1] هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، مات سنة (84 هـ) .
انظر الصفحة (347) من هذا المجلد، و «الأعلام» للزركلي (3/ 323- 324) .
[2] هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشّهرزوري، أبو
عمرو، المعروف بابن الصّلاح، لأن أباه عرف بلقبه «صلاح الدين» ، كان
إماما، حافظا، قدم دمشق وولي دار الحديث الأشرفية فيها، وتخرج به عدد
كبير من طلبة العلم، وكان من علماء الدين الأعلام، وأحد فضلاء عصره في
التفسير، والحديث، والفقه، مشاركا في عدة فنون، متبحرا في الأصول،
والفروع، يضرب به المثل، سلفيا زاهدا حسن الاعتقاد، وافر الجلالة، صنف
عددا من الكتب منها «علوم الحديث» ومات سنة (643 هـ) . انظر «طبقات
الحفاظ» للسيوطي ص (500) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 207، 208) . وسوف
يترجمه المؤلف.
(1/276)
وتهاونهم بمنصب النّبوّة، وما أعظم ذلك،
فسبحان من حفظ الشريعة حينئذ وشيّد أركانها حتى انقضت دولتهم، وعلى فعل
الأمويين وأمرائهم بأهل البيت حمل قوله صلى الله عليه وسلم: «هلاك أمتي
على يدي أغيلمة من قريش» [1] . قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان
وبني فلان لفعلت، ومثل فعل يزيد فعل بسر بن أرطاة [2] العامري أمير
معاوية في أهل البيت من القتل والتشريد، حتى خدّ لهم الأخاديد، وكانت
له أخبار شنيعة في عليّ وقتل ولدي عبيد الله [3] بن عبّاس وهما صغيران
على يدي أمّهما، ففقدت عقلها، وهامت على وجهها، فدعا عليه عليّ أن يطيل
الله عمره، ويذهب عقله، فكان كذلك، خرف في آخر عمره، ولم تصح له صحبة،
وقال الدّارقطني [4] :
كانت [له] [5] صحبة ولم تكن له استقامة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم،
وقال التّفتازاني [6] في «شرح العقائد النسفية» : اتفقوا على جواز
اللعن على من قتل الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، قال: والحق
إن رضى [7] يزيد بقتل
__________
[1] رواه أحمد في «المسند» (2/ 520) ولفظه فيه: «هلاك هذه الأمة على
يدي أغيلمة من قريش» ، ورواه بنحوه البخاري رقم (3605) في المناقب و
(7058) في الفتن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] في الأصل، والمطبوع: «بشر بن أرطاة» ، وهو خطأ، والتصحيح من كتب
التراجم التي بين أيدينا.
[3] في الأصل: «عبد الله» وهو خطأ.
[4] هو علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني، أبو الحسن، إمام عصره في
الحديث، وأول من صنف القراءات وعقد لها أبوابا، وصنف مصنفات مختلفة
منها: «السنن» وعليه تدور شهرته، مات سنة (385 هـ) . انظر «طبقات
الحفاظ» للسيوطي ص (393، 394) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 314) .
[5] لفظة «له» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[6] هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، سعد الدين، من أئمة
العربية، والبيان، والمنطق، من كتبه «تهذيب المنطق» ، و «المطول» ، و
«المختصر» اختصر به شرح تلخيص المفتاح، و «مقاصد الطالبين» مات سنة
(793 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (7/ 219) .
[7] في المطبوع: «رضا» وهو خطأ.
(1/277)
الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحادا،
قال: فنحن [لا] [1] نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه
وعلى أنصاره وأعوانه [2] .
وقال الحافظ ابن عساكر نسب إلى يزيد قصيدة منها:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
لعبت هاشم بالملك بلا ... ملك جاء ولا وحي نزل [3]
فإن صحت عنه، فهو كافر بلا ريب. انتهى بمعناه.
وقال الذّهبيّ فيه: كان ناصبيا، فظّا، غليظا، يتناول المسكر ويفعل
المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة، فمقته النّاس،
ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين، وذكر من خرج عليه،
وقال فيه في «الميزان» [4] إنه مقدوح في عدالته ليس بأهل أن يروى عنه.
وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد، فضربه عمر
عشرين سوطا.
واستفتي الكيا الهرّاسي [5] فيه فذكر فصلا واسعا من مخازيه حتى نفدت
الورقة، ثم قال: ولو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي مخازي هذا
الرجل.
__________
[1] لفظة «لا» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[2] قلت: لا يجوز لعن المسلم وتكفيره وإن كان فاسقا وعاصيا.
[3] البيت الأول من قصيدة لعبد الله بن الزّبعري ذكرها ابن هشام في
«السيرة» (2/ 137) ، وأورد البيت مفردا ابن عبد ربه في «العقد الفريد»
(5/ 344) ، وانظر «المؤتلف والمختلف» للآمدي ص (132) طبعة الدكتور ف.
كرنكو، و «الأعلام» للزركلي (4/ 87) .
[4] انظر «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي (4/ 440) .
[5] هو علي بن محمد بن علي الطبري، أبو الحسن، الملقب بعماد الدّين،
والمعروف
(1/278)
وأشار الغزالي [1] إلى التوقّف في شأنه،
والتنزّه عن لعنه، مع تقبيح فعله.
وذكر ابن عبد البرّ [2] ، والذّهبيّ وغيرهما مخازي مروان بأنه أول من
شق عصا المسلمين بلا شبهة، وقتل النّعمان بن بشير أول مولود من الأنصار
في الإسلام، وخرج على ابن الزّبير بعد أن بايعه على الطاعة، وقتل طلحة
بن عبيد الله يوم الجمل، وإلى هؤلاء المذكورين، والوليد بن عقبة،
والحكم بن أبي العاص، ونحوهم، الإشارة بما ورد في حديث المحشر وفيه:
«فأقول:
يا ربّ أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» [3] ولا يرد على
ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة، وأن المراد به
الغالب وعدم الاعتداد بالنادر، والذين ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن بغير
تأويل ولا شبهة، وقال اليافعي [4] : وأما حكم من قتل الحسين أو أمر
بقتله ممن استحلّ
__________
ب الكيا الهراسي، فقيه شافعي، ومفسر، مات سنة (504 هـ) . والكيا
بالعجمية: الكبير القدر المقدم بين الناس. انظر «إعجام الأعلام» ص
(174) ، و «الأعلام» (4/ 329) .
[1] هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام،
الإمام المشهور.
[2] هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي،
أبو عمرو، من كبار حفاظ الحديث، يقال له: حافظ المغرب، له مصنفات كثيرة
متنوعة، منها «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» وغيره من الكتب النافعة،
مات سنة (463 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (15/ 498) ، و
«الأعلام» للزركلي (9/ 316) وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس.
[3] رواه البخاري في صحيحه رقم (6526) في الرقاق، باب الحشر، وفي فرض
الخمس، باب قوله تعالى: وَاتَّخَذَ الله إِبْراهِيمَ خَلِيلًا 4: 125
من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا
رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد
الصالح: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) .. إلى قوله (الحكيم) » قال:
«فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم» .
[4] تقدم التعريف به في الصفحة (65- 66) .
(1/279)
ذلك، فهو كافر، وإن لم يستحلّ فهو فاسق [1]
فاجر [2] ، والله أعلم.
وفيها توفي حمزة بن عمرو الأسلميّ، وله صحبة ورواية.
وأمّ المؤمنين هند المعروفة بأمّ سلمة، وقيل: توفيت سنة تسع وخمسين،
وهي آخر أمهات المؤمنين موتا، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
سنتين من الهجرة، وحين خطبها اعتذرت بكبر السّنّ والأولاد وكونها غيورا
[3] فذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كبير أيضا وذو أولاد، وأما
الغيرة، فأدعو الله عز وجل أن يذهبها عنك، فكان أزوّاج النبيّ صلى الله
عليه وسلم يتحاكمن إليها، لعلمهنّ ببراءتها من الغيرة، وهي صاحبة
المشورة المباركة يوم الحديبية، ورأت جبريل عليه السلام في صورة دحيّة
الكلبيّ.
__________
[1] في المطبوع: «وإن لم يستحل ففاسق» .
[2] «مرآة الجنان» (1/ 168) ، والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
[3] في الأصل: «غيرور» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع.
(1/280)
سنة اثنتين وستين
فيها توفي بريدة بن الحصيب الصحابيّ الأسلميّ، وقبره بمرو [1] ، وقد
أسلم قبل بدر.
وعلقمة بن قيس النّخعيّ الكوفي الفقيه، صاحب ابن مسعود، وكان يشبّه به،
واستفتاه غير واحد من الصحابة.
وأبو مسلم الخولانيّ [2] اليمني من سادات التابعين صاحب كرامات، أجّج
له الأسود العنسيّ [3] ، نارا عظيمة وألقاه فيها فلم تضره، فنفاه لئلا
__________
[1] هي مرو الشاهجان، وهي مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، نص عليه
الحاكم أبو عبد الله في «تاريخ نيسابور» مع كونه ألف كتابه في فضائل
نيسابور إلا أنه لم يقدر على دفع فضل هده المدينة، والنسبة إليها مروزي
على غير قياس. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 112- 116) ، و «الأمصار
ذوات الآثار» للذهبي ص (83) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.
[2] هو عبد الله بن ثوب الخولاني، تابعي، فقيه عابد زاهد، نعته الذهبي
بريحانة الشام، أصله من اليمن، أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبيّ
صلى الله عليه وسلم ولم يره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى
الشام، مات بدمشق سنة (62 هـ) ، وقبره بداريّا، وكان يقال: أبو مسلم
حكيم هذه الأمة. انظر «تاريخ داريا» للخولاني ص (59- 62) بتحقيق العالم
الفاضل الأستاذ سعيد الأفغاني، وفيه وفاته سنة (44 هـ) ، و «الأعلام»
للزركلي (4/ 75، 76) .
[3] هو عيهلة بن كعب بن عوف العنسي، متنبئ مشعوذ من أهل اليمن، كان
بطاشا جبارا، أسلم لما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبيّ صلى الله
عليه وسلم، فكان أول مرتد في الإسلام. قتل سنة (11 هـ) . انظر «إعلام
السائلين» لابن طولون صفحة (110- 111) بتحقيقي، و «الأعلام» للزركلي
(5/ 111) .
(1/281)
يرتاب النّاس فيه، فوفد على أبي بكر مسلما،
فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه
وسلم من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله، واستبطئت سريّة، فبينما هو
يصلي ورمحه مركوز، جاء طائر ووقع عليه وخاطبه مشيرا له أن السرية سالمة
غانمة، تقدم يوم كذا وكذا، وكان كذلك.
وفيها توفي عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلّب الهاشميّ
نزيل دمشق، له صحبة ورواية.
وأمير مصر مسلمة بن مخلّد الأنصاري، له صحبة ورواية أيضا.
وفيها غزا سلم بن زياد [1] خوارزم، فصالحوه ثم عبر إلى سمرقند، فصالحوه
أيضا.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أسلم من أحور» وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي
(2/ 353) : «سلم ابن أحور» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ خليفة بن
خياط» ص (235) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 471) وفيه أن غزو خوارزم،
وسمرقند كان سنة (61 هـ) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (4/ 95)
، و «سلم بن أحور» الذي ذكره الذهبي صوابه «سلم بن أحوز» ولكنه مذكور
عند الطبري في حوادث سنة (128) . وانظر ترجمة سلم بن زياد في «الأعلام»
للزركلي (3/ 110) .
(1/282)
سنة ثلاث وستين
كانت وقعة الحرّة، وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلّة دينه،
فجهّز لهم مسلم [1] بن عقبة، فخرجوا له بظاهر المدينة بحرّة واقم [2]
فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار ثلاثمائة وستة أنفس. ومن الصحابة
معقل بن سنان الأشجعيّ، وعبد الله بن حنظلة الغسيل [3] الأنصاري، وعبد
الله بن زيد بن
__________
[1] في المطبوع: «مسلمة» وهو خطأ. وهو مسلم بن عقبة بن رباح المري، أبو
عقبة.
[2] حرة واقم: إحدى حرّتي المدينة، وهي الشرقية، سميت برجل من العماليق
اسمه واقم، وكان قد نزلها في الدهر الأول، وقيل: واقم اسم أطم من آطام
المدينة إليه تضاف الحرة، وهو من قولهم: وقمت الرجل عن حاجته إذا
رددته، فأنا واقم. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 249) .
[3] هو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب، أبو عبد الرحمن، قتل يوم
الحرة، وكان أمير الأنصار يومئذ، وأبوه حنظلة المعروف بغسيل الملائكة،
قتل حنظلة يوم أحد شهيدا، وسمي غسيل الملائكة لقوله صلى الله عليه
وسلم: «إن صاحبكم لتغسله الملائكة» يعني حنظلة، فسألوا أهله: ما شأنه؟
فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
«لذلك غسلته الملائكة» وكفى بهذا شرفا ومنزلة عند الله تعالى.
ولما كان حنظلة يقاتل يوم أحد التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فاستعلى
عليه حنظلة وكاد يقتله، فأتاه شداد بن الأسود المعروف بابن شعوب
الليثي، فأعانه على حنظلة، فخلص أبا سفيان، وقتل حنظلة، وقال أبو
سفيان:
ولو شئت نجتني كميت طمّرة ... ولم أحمل النعماء لابن شعوب
وقيل: بل قتله أبو سفيان بن حرب، وقال: حنظلة بحنظلة، يعني بحنظلة
الأول هذا غسيل الملائكة، وبحنظلة الثاني ابنه حنظلة، قتل يوم بدر
كافرا. عن «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 66) ، وانظر «الإصابة» لابن
حجر (2/ 299) .
(1/283)
عاصم المازني الذي حكى وضوء النبيّ صلى
الله عليه وسلم [1] ، ومحمّد بن ثابت بن قيس بن شمّاس، ومحمّد بن عمرو
بن حزم، ومحمّد بن أبي جهم [2] بن حذيفة، ومحمد بن أبيّ بن كعب، ومعاذ
بن الحارث أبو حليمة الأنصاري، الذي أقامه عمر يصلي التراويح بالنّاس،
وواسع بن حبّان الأنصاري، ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التميمي، وكثير
بن أفلح أحد كتّاب المصاحف التي أرسلها عثمان، وأبوه أفلح [بن كثير]
[3] مولى أبي أيوب، وذلك لثلاث بقين من ذي الحجة، وهجر المسجد النبوي
فلم يصلّ فيه جماعة أياما، ولم
__________
[1] روى حديث الوضوء البخاري رقم (185) في الوضوء: باب مسح الرأس كله،
لقوله تعالى:
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ 5: 6 [المائدة: 6] ، و (186) بأن غسل الرجلين
إلى الكعبين، و (191) باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة، و (192) باب
مسح الرأس مرّة، و (197) باب الغسل والوضوء في المحصب والقدح والخشب
والحجارة، و (199) باب الوضوء من الثّور، ومسلم رقم (235) في الطهارة:
باب وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومالك في «الموطأ» (1/ 18) في
الطهارة: باب العمل في الوضوء، وأبو داود رقم (118) و (119) و (120) في
الطهارة: باب صفة وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم، والترمذي رقم (35)
في الطهارة: باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديدا، و (47) باب فيمن
توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا، والنسائي (1/ 71 و 72) في الطهارة:
باب حد الغسل، وباب صفة مسح الرأس، وباب عدد مسح الرأس، وأحمد في
«المسند» (4/ 38) . ولفظه عند البخاري حدثنا وهيب عن عمرو عن أبيه قال:
شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه
وسلم، فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم:
فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور فتمضمض،
واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه
مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة
واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين.
[2] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن أبي جهيم» وهو خطأ، والتصحيح من «أسد
الغابة» لابن الأثير (5/ 84) ، و «الإصابة» لابن حجر (9/ 310) ، و
«تاريخ الإسلام» للذهبي 2/ 357) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (243) .
[3] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل، والمطبوع، وأثبتناه من «مشاهير
علماء الأمصار» لابن حبان ص (74) . وقال الحافظ ابن حجر في «تهذيب
التهذيب» (1/ 368) : وكنيته أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو بكر، وقيل: غير
ذلك.
(1/284)
تمتد حياة يزيد بعد ذلك، ولا أميره مسلم بن
عقبة، وفي ذلك يقول شاعر الأنصار:
فإن يقتلونا [1] يوم حرّة واقم ... فنحن على الإسلام أوّل من قتل
ونحن تركناكم ببدر أذلّة ... وأبنا بأسياف لنا منكم نفل [2]
وفيها توفي مسروق الأجدع [3] الهمداني، الفقيه العابد، صاحب ابن مسعود،
وكان يصلي حتى تورم قدماه، وحج فما نام إلا ساجدا، وعن الشّعبي قال: ما
رأيت أطلب للعلم منه، كان أعلم بالفتوى من شريح.
__________
[1] في «معجم البلدان» : «تقتلونا» .
[2] البيتان في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 249) ، ونسبهما إلى محمد بن
بحرة الساعدي. وأورد عقبهما بيتا آخر هو:
فإن ينجو منكم عائذ البيت سالما ... فما نالنا منكم وإن شفنا جلل
وعائذ البيت: عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه.
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو مسروق الأجذع» وهو خطأ، فإن مسروقا كان
يكنى بأبي عائشة. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (5/ 156) ، و
«الإصابة» لابن حجر (10/ 25) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 242) ،
و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (251) .
قلت: وفي «اللباب» لابن الأثير (3/ 391) : «أبو عامر مسروق بن الأجدع»
وهو خطأ، فإن كنيته «أبو عائشة» كما أجمع أصحاب كتب التاريخ والسير،
فيستدرك فيه.
وإنما سمي مسروقا لأنه سرق وهو صغير ثم وجد. كما ذكر ابن الأثير في
«اللباب» .
(1/285)
سنة أربع وستين
في أولها هلك مسلم بن عقبة بهرشى بين مكة والمدينة جبل قريب من الجحفة
[1] متجهزا لحرب ابن الزّبير، بعد ما استباح المدينة، وفعل القبائح
ابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه، ومن العجب أنه شهد الحرّة وهو مريض
في محفة كأنه مجاهد.
ومات يزيد بعده بنيّف وسبعين يوما، توفي بالذبحة وذات الجنب، في نصف
ربيع الأول بحمص وله ثمان وثلاثون سنة، وصلى عليه ابنه معاوية، وقيل:
ابنه خالد، وكان شديد الأدمة، كثير الشعر، ضخما، عظيم الهامة، في وجهه
أثر الجدريّ، وكنيته أبو خالد، قيل: قال له أبوه معاوية رضي الله عنه:
بايعت لك النّاس، ومهّدت لك الأمر، ولم يتخلّف عن بيعتك إلا أربعة:
الحسين، وعبد الله بن عمر، وابن الزّبير، وعبد الرّحمن ابن أبي بكر،
فاستوص بالحسين خيرا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه
لحمه ودمه، وأما عبد الله بن عمر فقد وقّرته العبادة، فليس له في الملك
حاجة، وأما عبد الرّحمن فمغرم بالنساء، فأذعنه بالمال، وأما الذي يثب
عليك وثب الأسد، فكذا وكذا، وذكر كلاما معناه التحريض على قتاله، وكانت
ولايته ثلاث سنين وثمانية
__________
[1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 397) .
(1/286)
أشهر واثني عشر يوما، وعهد بالأمر إلى ابنه
معاوية، فبقي في الأمر شهرين أو أقل ومات، وكان يذكر فيه الخير، ومات
وله إحدى وعشرون سنة، وأبى أن يستخلف، وقال: لم أصب حلاوتها فلا أتحمّل
مرارتها، ولما كان من أمر الحسين ما كان، بقي ابن الزّبير بمكّة عائذا
بالبيت، فجهّز لحربه يزيد الحصين بن نمير السّكوني، فرمى الحصين الكعبة
بالمنجنيق، حتى تضعضع بناؤها ووهى، وقتل بحجر المنجنيق المسور بن مخرمة
النّوفلي، له صحبة ورواية، واحترق قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل،
وجاء نعي يزيد، فترجّل الحصين، وبايع أهل الحرمين ابن الزّبير، ثم أهل
العراق واليمن، حتى كادت تجتمع الأمة عليه، وغلب على دمشق الضّحّاك
الفهري، مختلف في صحبته، وكان دعا إلى ابن الزّبير ثم تركه، ودعا إلى
نفسه، فانحاز عنه مروان في بني أميّة إلى أرض حوران [1] ووافاهم عبيد
الله بن زياد من الكوفة مطرودا من أهلها، وتضعضع أمر بني أمية حتى كاد
يندرس، فنهض مروان لطلب الملك، فالتقى هو والضّحّاك بعد قصص تطول، فقتل
الضّحّاك في نحو ثلاثة آلاف من أصحابه.
ثم سار أمير حمص يومئذ النّعمان بن بشير [2] الأنصاري الصحابي لينصر
الضّحّاك، فقتله أصحاب مروان.
وفيها: توفي بالطاعون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب، وكان جوادا
حليما، عين للخلافة بعد يزيد، ولي إمرة المدينة غير مرة.
وفيها توفي ربيعة الجرشي فقيه النّاس زمن معاوية [3] .
__________
[1] قال ياقوت: حوران كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قرى
كثيرة ومزارع وحرار، وما زالت منازل العرب، وذكرها في أشعارهم كثير،
وقصبتها بصرى. «معجم البلدان» (2/ 317) .
[2] في المطبوع: «النعمان بن بشيرا» وهو تحريف.
[3] انظر ترجمته في «الإصابة» لابن حجر (3/ 268، 260) .
(1/287)
وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن
الزّبير الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم على ما
حدّثته خالته عائشة رضي الله عنها، وأدخل الحجر في البيت، وكان قد
تشقّق أيضا من المنجنيق واحترق سقفه
.
(1/288)
سنة خمس وستين
فيها توجّه مروان إلى مصر فملكها، واستعمل عليها ابنه عبد العزيز،
ومهّد قواعدها، ثم عاد إلى دمشق، ومات في رمضان، وعهد بالأمر إلى ابنه
عبد الملك، وكان مروان فقيها، وكان كاتب السرّ لابن عمّه عثمان رضي
الله عنه، وكان قصيرا [1] كبير الرأس واللحية، دقيق الرّقبة، أوقص [2]
أحمر الوجه واللحية، يلقّب خيط باطل [3] عاش ثلاثا وستين سنة.
وفيها ولي خراسان المهلّب بن أبي صفرة لابن الزّبير، وحارب الأزارقة
[4] وأباد منهم ألوفا.
__________
[1] هذا يخالف ما جاء في المراجع التي بين أيدينا، فإنهم ذكروا أنه كان
طويلا. قال الزبيدي في «تاج العروس» «خيط» : و «خيط باطل» لقب مروان بن
الحكم، لقّب به لطوله، قال:
وقال الجوهري: لأنه كان طويلا مضطربا.
[2] أي مائل العنق، قصيرها.
[3] قال الثعالبي في «ثمار القلوب في المضاف والمنسوب» ص (76) :: وكان
مروان بن الحكم يقال له: «خيط باطل» لأنه كان طويلا.
ولما بويع مروان بالخلافة بالشام قال أخوه عبد الرحمن بن الحكم- وكان
ماجنا حسن الشعر، لا يرى رأي مروان-:
فو الله ما أدري وإنّي لسائل ... حليلة مضروب القفا: كيف تصنع؟
لحا الله قوما أمّروا خيط باطل ... على النّاس يعطي ما يشاء ويمنع
وقيل: إنما قال عبد الرحمن هذا حين استعمل معاوية مروان على المدينة.
عن «أسد الغابة» لابن الأثير (5/ 145) وحاشية المحققين له.
[4] الأزارقة: من الخوارج، نسبوا إلى نافع بن الأزرق. (ع) .
(1/289)
وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي الصحابي،
والمسيّب بن نجبة الفزاري صاحب علي في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين،
ويسمى جيش التوّابين، وجيش السراة، وكان مروان قد جهز ستين ألفا مع
عبيد الله بن زياد ليأخذوا العراق، والتقوا بالجزيرة فانكسر سليمان
وأصحابه، وقتل هو والمسيّب وطائفة، وكان لسليمان صحبة ورواية.
وفيها مات على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ولم يكن بينه
وبين أبيه في الولادة إلّا إحدى عشرة سنة [1] وكان من فضلاء الصحابة
وعبّادهم المكثرين في الرواية، وأسلم قبل أبيه، وكان يلوم أباه على
القيام في الفتن، وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفّين برمح ولا سهم،
وإنما حضرها لعزم أبيه عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أطع أباك»
[2] . وفيها توفي الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صاحب عليّ
وابن مسعود، وكان متّهما بالكذب، وحديثه في «السنن» الأربعة [3] .
__________
[1] وفي بعض المصادر «ثنتي عشرة سنة» انظر على سبيل المثال «أسد
الغابة» لابن الأثير (3/ 349) ، و «الإصابة» لابن حجر (6/ 178) .
[2] رواه أحمد في «المسند» (2/ 164 و 207) من حديث حنظلة بن خويلد
العنبري قال: بينما أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار
بن ياسر رضي الله عنه، يقول كل واحد منهما أنا قتلته، فقال عبد الله بن
عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه، فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية» قال معاوية:
مالك معنا؟
قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أطع أباك
ما دام حيا ولا تعصه» فأنا معكم ولست أقاتل. وإسناده حسن.
[3] انظر خبره في «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 841) ، و «المجروحين»
لابن حبان (1/ 222، 223) .
(1/290)
|