شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وسبعين
فيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلميّ ممن بايع تحت الشجرة، وله روايات في غير الكتب الستة [1] . [2] .
__________
من بالشام من ذلك من المسلمين، فصالح عبد الملك ملك الروم، على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفا على المسلمين.
[1] قلت: وله أحاديث في «مسند أحمد» . انظر (3/ 423) و (6/ 11) وفي غيره، له ولأبيه صحبة، وأول مشاهده الحديبية، ثم خيبر، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليس له أحاديث في الكتب الستة.
وقد أخرج أحمد (3/ 423) عن إبراهيم بن إسحاق عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الله بن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن ابن أبي حدرد الأسلمي أنه كان اليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه، فقال: يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها، فقال:
«أعطه حقه» قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها. قال: «أعطه حقه» قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعتنا إلى خيبر، فأرجو أن تغنما شيئا، فأرجع فأقضه، قال: «أعطه حقه» قال: وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثا لم يراجع، فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببردة فنزع العمامة عن رأسه، فاتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه البردة، فباعها منه بأربعة الدراهم، فمرت عجوز، فقالت: مالك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرها: فقالت: ها دونك هذا يبرد عليها طرحته عليه.
وقد ساق هذا الحديث ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن أبي حدرد في «تاريخ دمشق» (عبد الله بن جابر عبد الله بن زيد) ص (117 و 118) ، وابن الأثير في «أسد الغابة» (3/ 211) ، وابن حجر في «الإصابة» (6/ 54) وقد فات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ذكره في فهرسه ل «مسند أحمد» (3/ 423) في أحاديث عبد الله بن أبي حدود، فيستدرك فيه، حيث لم يذكر عبد الله بن أبي حدرد إلّا في (6/ 11) .
[2] قلت: وفيها قتل بخراسان أميرها عبد الله بن خازم رضي الله عنه. انظر «أسد الغابة» لابن

(1/301)


سنة اثنتين وسبعين
فيها توفي أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاريّ الحارثيّ نزيل الكوفة، كان من أقران ابن عمر، استصغر يوم بدر [1] .
ومعبد بن خالد الجهنيّ صاحب لواء جهينة يوم الفتح، له حديث واحد عن أبي بكر [2] رضي الله عنهما.
وفيها على الصحيح توفي أبو بحر المعروف بالأحنف [3] بن قيس
__________
الأثير (3/ 220، 221) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 107) .
وفيها قتل مصعب بن الزّبير رحمه الله. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 159- 167) ، و «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (67) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 323- 328) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 248، 249) ، ولما انتهى إلى عبد الله بن الزّبير قتل مصعب، قام في الناس فخطبهم خطبة مؤثرة ساقها بتمامها الطبري في «تاريخه» (6/ 166) ويحسن بالقارئ الرجوع إليه للاطّلاع عليها.
[1] له رواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وخمسة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على اثنين وعشرين منها، وانفرد البخاري بخمسة عشر، ومسلم بستة. (ع) .
[2] وذكر ابن الأثير في «أسد الغابة» (5/ 217) ، وابن حجر في «الإصابة» (9/ 242) أن له رواية أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقد أسلم قديما، وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح، يكنى أبا زرعة. وهو غير معبد الذي تكلم في القدر.
[3] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 87) : اسمه الضحاك، وقيل: صخر، وشهر بالأحنف لحنف رجليه، وهو العوج والميل. وانظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (87) .

(1/302)


التّميمي السّعدي، كان من سادات التّابعين، يضرب بحلمه المثل، فعن الحسن [1] قال: ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف أدرك عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأسلم قومه بإشارته، ولم يفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد على عمر، وله رواية عن عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، قال له معاوية: ما أذكر صفّين إلّا وكانت في قلبي حرارة، فقال الأحنف: إنّ القلوب التي أبغضناكم بها لفي صدورنا، وإنّ السيوف التي قاتلناكم بها لفي أغمادها، ثم خرج، فقالت أخت معاوية: [من] [2] هذا؟ قال: [هذا] الذي غضب له ألف فارس من تميم لا يدرون فيما غضب، ولما بايع [3] معاوية لولده يزيد حسّن له بعض الحاضرين ذلك فقال له معاوية: فما تقول أنت يا أبا بحر؟
فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فقال معاوية: جزاك الله من الطاعة خيرا، وأمر له بألوف، فلما خرجا قال له ذلك الرجل: إني لأعلم ذمّ يزيد، ولكنّهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال نستخرجها بما سمعت، فقال الأحنف: إنّ ذا الوجهين خليق أن لا يكون له وجه عند الله [4] .
ونقل الإمام الطّرطوشي [5] أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن الأحنف ابن قيس، وعن صفاته، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن شئت أخبرتك عنه بواحدة، وإن شئت أخبرتك عنه بثنتين، وإن شئت أخبرتك عنه بثلاث،
__________
[1] أي الحسن البصري رحمه الله.
[2] لفظة «من» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[3] في المطبوع: «ولما بلغ» وهو خطأ.
[4] الخبر في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 92) بنحوه مختصرا، وليس فيه ذكر بيعة يزيد.
[5] هو محمد بن الوليد الفهري الطّرطوشي، أبو بكر، أحد الأئمة الكبار المتوفى سنة (520 هـ) .
انظر ترجمته في حوادث سنة (520) من كتابنا هذا، و «معجم البلدان» لياقوت (4/ 30، 31) .

(1/303)


فقال: أخبرني عنه باثنتين، فقال: كان الأحنف يفعل الخير ويحبّه، ويتوقّى الشرّ ويبغضه، قال: فأخبرني عنه بثلاث، قال: كان لا يحسد أحدا، ولا يبغي على أحد، ولا يمنع أحدا حقّه، قال: فأخبرني عنه بواحدة، قال: كان من أعظم النّاس سلطانا في قيامه على نفسه.
وفيها على الصحيح عبيدة [1] السّلماني المرادي الكوفي الفقيه المفتي، أسلم في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتفقّه بعليّ وابن مسعود، قال الشعبيّ: كان يوازي شريحا في القضاء.
وفيها وقعة دير الجاثليق [2] بالعراق، وكانت وقعة هائلة بين مصعب وعبد الملك، وذلك أن عبد الملك أفسد جيش مصعب بالأطماع، ولما استظهر عبد الملك، أرسل إلى مصعب بالأمان فأبى، وقال: [إن] [3] مثلي لا ينصرف [عن مثل هذا الموقف] [4] إلّا غالبا أو مغلوبا، فأثخنوه بالرّمي، ثم شدّ عليه زائدة بن قدامة الثقفي [5] فطعنه وقال: يا لثارات المختار [6] وانصرف إلى عبد الملك.
__________
[1] هو عبيدة بن عمرو، ويقال: عبيدة بن قيس. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (99) وفيه وفاته سنة (64) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 40- 44) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 199) .
[2] قال ياقوت: دير الجاثليق: دير قديم البناء، رحب الفناء، من طسوج، مسكن قرب بغداد في غربي دجلة في عرض حربى، وهو في رأس الحدّ بين السواد وأرض تكريت ... وقال الشابستي: دير الجاثليق عند باب الحديد قرب دير الثعالب في وسط العمارة بغربي بغداد.
«معجم البلدان» (2/ 503) .
[3] زيادة من «تاريخ الإسلام» (3/ 109) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 159) .
[4] زيادة من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 109) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 159) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «زياد بن عمرو بن حيسة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 109) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 159) و «الكامل» لابن الأثير (4/ 328) ، و «الأعلام» (3/ 40) .
[6] أي المختار بن أبي عبيد الثقفي ابن عم «زائدة» الذي قتل على يد مصعب بن الزّبير سنة

(1/304)


وقتل مع مصعب ولداه عيسى، وعروة، وإبراهيم بن الأشتر النّخعيّ سيّد النّخع وفارسها، ومسلم بن عمرو الباهليّ.
واستولى عبد الملك على العراق وولّاها أخاه بشرا، وفيه يقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وبعث الأمراء إلى الأمصار، وبعث الحجّاج إلى مكة لحرب ابن الزّبير فقتله، واستوى الأمر لعبد الملك من غير معارض [1] .
__________
(67 هـ) . انظر «دول الإسلام» للذهبي (1/ 51) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 192) .
[1] قلت: الأصح أن يقال: من غير منازع، لأن المعارضين لحكم الأمويين كانوا كثرة في معظم الأمصار الإسلامية في تلك الفترة، إلّا أنه لم يكن أمامهم سوى الرضوخ أمام منطق القوة الذي ساد في أيام خلافة عبد الملك ومن سبقه من خلفاء الدولة الأموية.

(1/305)


سنة ثلاث وسبعين
فيها توفي عوف بن مالك الأشجعيّ الحبيب الأمين، وكان ممن شهد فتح مكة [1] .
وأبو سعيد بن المعلّى [2] الأنصاريّ له صحبة ورواية.
وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي عمّ محمّد بن المنكدر، له رواية عن عمر.
وفيها نازل الحجّاج ابن الزّبير فحاصره، ونصب المنجنيق على أبي قبيس [3] ، ودام القتال أشهرا، وتفرّق عن عبد الله أصحابه، فأخبر أمّه بذلك
__________
[1] للتوسع في دراسة سيرته رضي الله عنه راجع «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 312، 313) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 40، 41) و «الإصابة» لابن حجر (7/ 179) .
[2] هو الحارث بن نفيع بن المعلى وهو أصح ما قيل فيه. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 142) ، و «الإصابة» لابن حجر (11/ 165) . توفي سنة (73 هـ) وقيل: (74 هـ) . وليس له في البخاري سوى حديث واحد في فضل سورة الفاتحة، وظن بعضهم أنه أبو سعيد الخدري، منهم الإمام الغزالي أبو حامد، والفخر الرازي والبيضاوي، وهو وهم منهم لأن الحديث لأبي سعيد بن المعلّى، وهو الحارث بن نفيع بن المعلى.
[3] قال ياقوت: أبو قبيس: بلفظ التصغير كأنه تصغير قبس النار: وهو اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة وبينهما، أبو قبيس من شرقيها، وقعيقعان من غربيها، قيل:
سمي باسم رجل من مذحج كان يكنى أبا قبيس، لأنه أول من بنى فيه قبة. وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (1/ 80، 81) .

(1/306)


واستشارها، فقالت: يا بنيّ إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت، وإن كان لله فلا تسلّم نفسك، فقاتلهم، ولم يزل يهزمهم عند كلّ باب حتى أصابته رمية في رأسه، فنكس رأسه وهو يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
فلما سقط، قالت جارية له: وا أمير المؤمنين، فعرفوه، ولم يكونوا عرفوه من لباس الحديد، فشدّوا عليه من كلّ جانب، وقتلوه قريبا من باب المسجد من ناحية الصّفا، وذلك في جمادى الأولى [1] وطافوا برأسه في مصر [2] وغيرها.
قال النواوي في «شرح مسلم» [3] مذهب أهل الحقّ أنّ ابن الزّبير كان مظلوما و [أن] الحجّاج ورفقته خارجون عليه. ودخل الحجّاج على أمّه بعد قتله فقال: كيف رأيتني صنعت بابنك؟ فقالت: أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، أنّ في ثقيف مبيرا وكذّابا، فأمّا الكذّاب فرأيناه- يعني المختار- وأما المبير فلا إخالك [4] إلا إيّاه [5] .
والمبير المهلك.
قتل وله [6] اثنتان وسبعون سنة، وكانت ولايته تنيف على ثمان سنين،
__________
[1] وذلك يوم الثلاثاء في السابع عشر منه، كما ذكر النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 367) .
[2] في «الكامل» لابن الأثير، و «تاريخ الإسلام» للذهبي، أن رأس عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه أرسل إلى الشام.
[3] «صحيح مسلم بشرح النووي» (16/ 99) .
[4] في المطبوع: «أخالك» ، وهو تحريف.
[5] الحديث في «صحيح مسلم» رقم (2545) في فضائل الصحابة: باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها.
[6] أي لعبد الله بن الزّبير رضي الله عنه.

(1/307)


وكان ابن الزّبير صوّاما، قوّاما مستغرق الساعات في الطّاعات، بطلا شجاعا، ومناقبه شهيرة كثيرة، رضي الله تعالى عنه.
وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أميّة بن خلف الجمحيّ رئيس مكة، وابن رئيسها، ولد في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولما حجّ معاوية قدّم له ابن صفوان ألفي شاة.
وقتل معه أيضا عبد الله بن مطيع بن الأسود العدويّ، الذي ولي الكوفة لابن الزّبير قبل غلبة المختار.
وقتل معه عبد الرّحمن بن عثمان بن عبد الله التيميّ، ممن أسلم يوم الحديبية.
وتوفّيت أمّ عبد الله بن الزّبير بعد مصاب ابنها بيسير، وهي أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق، وهي في عشر المائة، وهي من المهاجرات الأول، ومن أهل السّوابق في الإسلام، وهي ذات النّطاقين [1] ، رضي الله عنها.
وفيها استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان بمقتل ابن الزّبير، وولي الحجّاج أمر الحجاز، ونقض بناء ابن الزّبير الكعبة [2] وأعادها إلى بنائها في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمشاورة عبد الملك بن مروان.
وسبب هدم ابن الزّبير الكعبة، أنها كانت قد تهدّمت وتشعّثت من حجر المنجنيق الذي كان يرمي به الحصين بن نمير وأصحابه، وحدّثته خالته عائشة أنّ قريشا قصّرت بهم النفقة- يعني الحلال التي كانوا جمعوها لبنائها-
__________
[1] سميت ذات النطاقين، لأنها هيأت للرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة سفرة، فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقا لها.
[2] في المطبوع: «للكعبة» .

(1/308)


فاقتصروا عن قواعد إبراهيم ستة أذرع أو سبعة، وهي الحجر، ولما عزم ابن الزّبير على ذلك فرقت الناس، وخرج بعضهم هاربا إلى الطائف، وإلى عرفات، ومنى وطلع ابن الزّبير بنفسه واتّخذ معه عبدا حبشيا دقيق السّاقين رجاء أن يكون ذا السّويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة [1] ، وأما الحجّاج فلم يهدمها إلّا أنفة أن يبقى هذا الشّرف والمكرمة لابن الزّبير، واختلفوا كم بنيت مرّات، فقيل: سبعا، وقيل: خمسا، ومنشأ الخلاف أنّها هل بنيت قبل بناء إبراهيم، أو هو أول من بناها؟.
__________
[1] قلت: وذلك أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة» رواه البخاري رقم (1596) في الحج: باب هدم الكعبة، ومسلم رقم (2909) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، ورواه النسائي (5/ 216) في الحج: باب بناء الكعبة. وقال ابن الأثير في «جامع الأصول» (9/ 302) : ذو السويقتين: الساق: ساق الإنسان، وهي مؤنثة، وتصغيرها: سويقة بالتاء، على قياس تصغير أمثالها، وتثنيتها: سويقتان، بإثبات التاء في التثنية، لأن تثنيتها مصغرة، وإنما صغرها لأنه أراد ضعفها ودقتها، لأن عامة الحبشة في أسواقهم دقّة وحموشة.

(1/309)


سنة أربع وسبعين
فيها توفي السّيّد الجليل الفقيه العابد الزّاهد أبو عبد الرّحمن عبد الله بن عمر بن الخطّاب العدويّ، وكان قد عيّن للخلافة يوم التّحكيم، مع وجود عليّ والكبار رضي الله عنهم.
وقال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ عبد الله رجل صالح» [1] . وقال: «نعمّ الرّجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل» فكان بعدها لا يرقد من الليل إلّا قليلا [2] ، وكان من زهّاد الصحابة وأكثرهم اتّباعا للسّنن،
__________
[1] رواه البخاري في التعبير: باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام، ومسلم رقم (2478) في فضائل الصحابة، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق، وليس مكان أريد من الجنة، إلّا طارت إليه، قال:
فقصصته على حفصة، فقصته حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخاك رجل صالح» أو «إن عبد الله رجل صالح» .
[2] رواه البخاري في التهجد: باب فضل قيام الليل، ومسلم رقم (2479) في فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأي رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
وكنت غلاما شابا عزبا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وأذاقها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع (أي لا روع عليك) فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» فكان بعد لا ينام من الليل إلّا قليلا.

(1/310)


وأعزفهم [1] عن الفتن، وتمّ له ذلك إلى أن مات.
قيل: اعتمر قريبا من ألف عمرة.
قال مالك: بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة، أفتى في ستين منها، ولما مات أمرهم أن يدفنوه ليلا ولا يعلموا الحجّاج لئلا يصلّي عليه، ودفن في ذات أذاخر [2] يعني فوق القرية التي يقال: لها العابدة، وبعضهم يزعم أنها في الجبل الذي فوق البستان على يمين الخارج من مكّة إلى المحصّب [3] .
وتوفي بعده في تلك السنة أبو سعيد الخدريّ سعد بن مالك الأنصاريّ، وكان من أعيان الصحابة وفقهائهم، شهد الخندق، وبيعة الرّضوان، وغيرهما.
وفيها توفي بالمدينة سلمة الأكوع الأسلميّ، وكان ممن بايع النبيّ صلى الله عليه وسلم على الموت يوم الحديبية، وكان بطلا شجاعا راميا، يسبق الفرس عدوا [4] ، وله سوابق ومشاهد محمودة.
وفيها توفّي بالكوفة أبو جحيفة [5] السّوائيّ، ويقال له: وهب الخير، له
__________
[1] في المطبوع: «أعرفهم» وهو خطأ.
[2] قال الزبيدي: ثنيّة أذاخر بالفتح: قرب مكة بينها وبين المدينة، وكأنها مسماة بجمع الإذخر.
«تاج العروس» «ذخر» (11/ 364) . وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 128) ، و «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (2/ 35) .
[3] قال الزبيدي: المحصّب اسم الشّعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكّة ومنى، يقام فيه ساعة من الليل، ثم يخرج إلى مكّة، سمي به للحصباء الذي فيه، وكان موضعا نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن سنّه للناس، فمن شاء حصّب، ومن شاء لم يحصّب. وانظر تتمة كلامه في «تاج العروس» «حصب» (2/ 284، 285) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «شدا» وهو خطأ، والتصحيح من «دول الإسلام» للذهبي (1/ 54) .
[5] واسمه وهب بن عبد الله السّوائي. انظر «أسد الغابة» (6/ 48) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 202) ، و «سير أعلام النبلاء» (3/ 202) ، وقال النووي: ويقال: وهب بن وهب.

(1/311)


صحبة ورواية، وكان صاحب شرطة عليّ رضي الله عنه، وكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة، وقيل: تأخر إلى بعد الثمانين [1] .
وفيها توفّي محمّد بن حاطب بن الحارث الجمحيّ، له صحبة ورواية، وهو أوّل من سمّي في الإسلام محمّدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورافع بن خديج الأنصاريّ الصحابيّ، أصابه سهم يوم أحد فبقي النّصل إلى أن مات في جسمه.
وأوس بن ضمعج الكوفيّ العابد.
وخرشة بن الحرّ [2] ، وقد ربّي يتيما في حجر عمر، ونزل الكوفة.
وعاصم بن ضمرة [3] السّلولي.
ومالك بن أبي عامر الأصبحيّ، جدّ الإمام مالك، له رواية عن عمر وعثمان.
وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذليّ بالمدينة له رواية ورؤية [4] ، وكان كثير الحديث والفتوى.
وعبد الله بن عمير الليثيّ.
__________
[1] وفي «أسد الغابة» و «تهذيب الأسماء واللغات» توفي سنة (72 هـ) . قال الذهبي: والأصح موته في سنة أربع وسبعين. وهو ما جزم به ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» ص (46) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «خرسة بن الحرة» وهو خطأ. والتصحيح من «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (106) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 127) ، و «الإصابة» لابن حجر (3/ 88) ، و «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (3/ 192) .
[3] في المطبوع: «عاصم بن حمزة» وهو خطأ.
[4] في المطبوع: «له رؤية ورواية» .

(1/312)


سنة خمس وسبعين
فيها حجّ عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر رسول الله [1] صلى الله عليه وسلم، وعزل الحجّاج عن الحجاز وأمّره على العراقين.
وفيها توفّي العرباض بن سارية السّلمي أحد أصحاب الصّفّة بالشّام [2] .
وأبو ثعلبة الخشنيّ [3] بالشام، وقد شهد فتح خيبر.
وعمرو بن ميمون الأوديّ، قدم مع معاذ من اليمن، فنزل الكوفة، وكان صالحا قانتا، قيل: حجّ مائة حجّة وعمرة [4] ، وكان إذا رؤي ذكر الله.
والأسود بن يزيد النّخعيّ [5] الكوفيّ الفقيه العابد، كان يصلّي في اليوم والليلة سبعمائة ركعة، واستسقى به معاوية فسقوا.
__________
[1] في المطبوع: «منبر النبيّ» .
[2] وكنيته أبو نجيح، وكان شيخا كبيرا من الصحابة رضي الله عنهم، ثم نزل حمص، وحديثه في السنن الأربعة (ع) .
[3] وهو صحابي مشهور معروف بكنيته، واختلف في اسمه اختلافا كثيرا، سكن الشام، وقيل:
حمص، قبض وهو ساجد في صلاة الليل، رضي الله عنه.
[4] وقيل غير ذلك. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 275) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 160) .
[5] قلت: وفي «تاريخ خليفة بن خياط» ص (275) أنه مات سنة ست وسبعين، وقيل: أربع وسبعين.

(1/313)


وبشر بن مروان الأمويّ أمير العراقين بعد مصعب.
وسليم بن عتر [1] التجيبيّ قاضي مصر وناسكها، وقد حضر خطبة عمر بالجابية [2] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «سليم بن عنزة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 131) . و «الإصابة» لابن حجر العسقلاني (5/ 13) . وكنيته أبو سلمة، وهو من خيرة التابعين رحمه الله.
[2] قال ياقوت: قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا، وبالقرب منها تل يسمى تل الجابية، وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع، ويقال لها: جابية الجولان أيضا. «معجم البلدان» (2/ 91) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (153) .

(1/314)