شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وسبعين
فيها وجّه الحجّاج زائدة بن قدامة الثقفيّ ابن عمّ المختار لحرب شبيب بن قيس الخارجيّ الشيبانّي، فاستظهر شبيب وقتل زائدة، وهزم العساكر مرات واستفحل أمر شبيب. [1] .
__________
[1] قلت: وفيها أمر الخليفة عبد الملك بن مروان بنقش الدنانير والدراهم. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 256) ، و «البيان المغرب» لابن عذارى (1/ 34) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 416) .
وفيها ولّى عبد الملك المدينة أبان بن عثمان بن عفان. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 256) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 418) .
وفيها أقام الحج أبان بن عثمان بن عفان. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 256) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 218) .
وفيها مات حبة بن جوين العرنيّ. انظر «الكامل» لابن الأثير (4/ 418) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 121) .

(1/315)


سنة سبع وسبعين
فيها بعث الحجّاج لحرب شبيب عتّاب بن ورقاء الرياحي [1] بالباء الموحدة فلقي شبيبا [2] بسواد الكوفة، فقتل شبيب أيضا عتّابا، وهزم جيشه، ثم جهّز الحجّاج له الحارث بن معاوية الثقفيّ فقتل الحارث أيضا، فوجّه الحجّاج له أبا الورد البصريّ فقتله أيضا، فوجّه له طهمان عثمان، فقتله أيضا، ففرق الحجّاج وسار بنفسه، فاقتتلوا شديدا أشد القتال، وتكاثروا على شبيب فانهزم.
وقتلت غزالة امرأة شبيب، وكانت قد قاتلت في تلك الحروب قتالا عجز عنه كمّل الرّجال، وكانت بحيث يضرب بشجاعتها المثل، وكانت نذرت أني تأتي مسجد كوفة فتصلّي فيه ركعتين بسورة البقرة، وآل عمران، فخرجت إليه في سبعين رجلا ووفت نذرها، فقال الناس:
وفت الغزالة نذرها ... يا ربّ لا تغفر لها
وقال الشاعر في الحجّاج بن يوسف:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «عتاب بن ورقاء الرباحي» وهو تصحيف. والتصحيح من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم الأندلسي ص (227) ونسبه للرياحي، و «الأعلام» (4/ 200) .
[2] في المطبوع: «فلقي شبيب» .

(1/316)


هلّا كررت على غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
ونجا شبيب بنفسه في فوارس من أصحابه إلى الأهواز.
وبها محمّد بن موسى بن طلحة التيميّ، فخرج لقتاله، فبارزه، فقتله شبيب، وسار إلى كرمان [1] فتقوّى، ثم رجع إلى الأهواز، فبعث إليه الحجّاج سفيان بن الأبرد الكلبيّ، وحبيب بن عبد الرّحمن، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، ثم ذهب شبيب وعبر على جسر نهر دجيل [2] فقطع به فغرق، وقيل:
بل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل فألقاه في الماء، فقال بعض أصحابه:
أغرقا يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذلك تقدير العزيز العليم، فألقاه دجيل ميتا على ساحله، فحمل على البريد إلى الحجّاج، فأمر بشقّ بطنه، واستخرج قلبه، فإذا هو كالحجر، إذا ضرب به الأرض نبا عنها، فشقّ، فإذا قلب صغير كالكرة الصغيرة، فشقّ أيضا، فوجد في داخله علقة دم، وكانت شجاعته خارجة أكثر ما يكون في مائة نفس فيهزمون الألوف.
وفيها غزا عبد الملك الرّوم بنفسه، وافتتح مدينة هرقلة [3] وافتتحت أيضا في خلافة العباسيّين [4] ولعلّها عادت إليهم.
__________
[1] إقليم في إيران. قال ياقوت: قال محمد بن أحمد البنا البشاري: كرمان: إقليم يشاكل فارس في أوصاف ويشابه البصرة في أسباب، ويقارب خراسان في أنواع: لأنه قد تخم البحر، واجتمع فيه البرد والحر، والجوز والنخل، وكثرت فيه التمور والأرطاب، والأشجار والثمار، ومن مدنه المشهورة: جيرفت، وموقان، وخبيص، وبم، والسيرجان، ومزماسير، وبردسير.
وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 454- 456) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (491، 492) و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (101) بتحقيقنا، طبع دار ابن كثير.
[2] قال ابن منظور: دجيل: نهر صغير متشعّب من دجلة. «لسان العرب» «دجل» (2/ 1330) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «مدينة هرقل» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 125) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 56) .
[4] وذلك على يدي الخليفة هارون الرشيد. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 398) .

(1/317)


وفيها توفّي أبو تميم الجيشانيّ [1] وكان قرأ القرآن على معاذ، وكان من عبّاد أهل مصر وعلمائهم.
__________
[1] هو عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم، من أئمة التابعين، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حدّث عن عمر، وعلي، وأبي ذر، ومعاذ بن جبل، انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 73، 74) .

(1/318)


سنة ثمان وسبعين
فيها وثب الرّوم على ملكهم، فنزعوه من الملك، وقطعوا أنفه، ونفوه إلى بعض الجزائر.
وفيها جرت حروب وملاحم بإفريقيّة، وولي فيها موسى بن نصير إمرة المغرب كلّه، وولي خراسان المهلّب بن أبي صفرة.
وفيها توفي جابر بن عبد الله بن عمرو [1] بن حرام الأنصاريّ السّلميّ، وهو آخر من مات من أهل العقبة [2] عن أربع وتسعين سنة، وهو من أهل بيعة الرّضوان وأهل السّوابق والسّبق في الإسلام، وكان كثير العلم، وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام مناقبه عديدة.
وفيها على الأصح زيد بن خالد [الجهنيّ] [3] من مشاهير الصحابة، مات بالكوفة وله خمس وثمانون سنة.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (7/ 114) بإشراف والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، و «أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 307) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 189) .
[2] أي بيعة العقبة الثانية. انظر «السيرة» لابن هشام (1/ 438- 444) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 189) .
[3] زيادة من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 126) ، و «دول الإسلام» للذهبي أيضا (1/ 56) .

(1/319)


وعبد الرّحمن بن غنم الأشعريّ بالشام [1] وكان من رووس التابعين، بعثه عمر يفقّه الناس. قال أبو مسهر [2] هو رأس التابعين.
وفيها، وقيل: في سنة ثمانين أبو أميّة شريح بن الحارث الكنديّ، ولي قضاء الكوفة لعمر فمن بعده خمسا وسبعين سنة، ولم يتعطّل فيها إلّا ثلاث سنين، امتنع فيها من القضاء، وعاش على ما قال ابن قتيبة [3] مائة وعشرين سنة، واستعفى عن القضاء قبل موته بعام فأعفاه الحجّاج، وكان فقيها نبيها شاعرا، صاحب مزاح، وكان له دربة في القضاء بالغة، وهو أحد السّادات الطّلس، وهم أربعة: عبد الله بن الزّبير، وقيس بن سعد بن عبادة، والأحنف بن قيس، وشريح.
والأطلس الذي لا شعر بوجهه [4] .
وحكي أن عليا دخل على شريح مع خصم له ذمّيّ، فقام له شريح، فقال له عليّ كرم الله وجهه: هذا أوّل جورك، فقال: لو كان خصمك مسلما لما قمت، ويقال: إنه قضى على عليّ، وذلك أنه ادّعى على الذّمّيّ درعا سقطت منه، فقال للذّمّيّ: ما تقول؟ فقال: مالي وبيدي، فقال لعليّ كرم الله وجهه، ألك بيّنة أنّها سقطت منك؟ قال: نعم. فأحضر كلّا من الحسن وعبده قنبر [5] فقال: قبلت شهادة قنبر، ورددت شهادة الحسن، فقال عليّ ثكلتك
__________
[1] في «دول الإسلام» للذهبي: «بفلسطين» .
[2] هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى، أبو مسهر الغساني، من حفاظ الحديث، وكنية جده أبو قدامة. كان شيخ الشام، وعالمها بالحديث والمغازي، وأيام الناس، وأنساب الشاميين، توفي سنة (218 هـ) . وسترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا فراجعها فيه.
[3] انظر «المعارف» ص (433) .
[4] ويقال له: الكوسج والأثط. (ع) .
[5] انظر تاج العروس» للزبيدي «قنبر» (13/ 477) .

(1/320)


أمّك [1] أما بلغك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» [2] فقال: اللهمّ نعم، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده، فقال لليهوديّ خذها فليس عندي غيرها [3] فقال اليهوديّ: لكنّي أشهد أنّها لك، وأنّ دينكم هو الحقّ، قاضي المسلمين يحكم على أمير المؤمنين ويرضى، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله، فدفع عليّ الدّرع له فرحا بإسلامه. وضرب شريح امرأة له تميمية ثم ندم فقال:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم [4] أضرب زينبا
فزينب بدر والنساء كواكب ... إذا طلعت لم تبق [منهنّ] [5] كوكبا
وذكر أن زيادا كتب إلى معاوية: ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة لطاعتك فولّني الحجاز، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، وكان مقيما بمكة، فقال: اللهمّ اشغل يمين زياد، فأصابه الطّاعون، أو الأكلة [6] في يمينه، فجمع الأطبّاء، فأشاروا بقطعها، فاستشار شريحا فقال: أكره لك، إن كانت لك مدة تعيش بلا يمين، وإن كان قد دنا أجلك أن تلقى ربّك مقطوع
__________
[1] قال ابن الأثير: ثكلتك أمك: أي قعدتك، والثكل فقد الولد، وامرأة ثاكل وثكلى. ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعا عليه بالموت لسوء فعله ... أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا، ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم تربت يداك، وقاتلك الله. «النهاية» «ثكل» (1/ 217) .
[2] رواه أحمد في المسند (3/ 3) والترمذي رقم (3778) في المناقب، باب مناقب الحسن والحسن رضي الله عنهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كمال.
[3] في المطبوع: «غيرهما» .
[4] في المطبوع: «حين» . وما في الأصل موافق لما في كتاب «أخبار القضاة» لوكيع (2/ 205) .
[5] لفظة «منهن» ليست في الأصل، وقد أثبتناها من المطبوع.
[6] قال ابن منظور: الأكلة: داء يقع في العضو فيأتكل منه. «لسان العرب» «أكل» (1/ 102) .

(1/321)


اليد، فإذا قال لك: لم قطعتها؟ قلت: بغضا للقائك، وفرارا من قضائك، ومات زياد من يومه، فلام النّاس شريحا حيث نصح له لبغضهم لزياد، فقال:
استشارني، والمستشار مؤتمن، وإلّا لوددت أنه قطع يده يوما، ورجله يوما، وسائر جسده يوما يوما.
وتقدّم إلى شريح رجلان في شيء، فأقرّ أحدهما بما ادّعى عليه، ولم يعلم، فقضى عليه شريح، فقال: أتقضي عليّ بغير بينة؟ فقال: قد شهد عليك ثقة، قال: ومن ذلك؟ قال: ابن أخت خالتك، وقال له آخر: أين أنت أصلحك الله، قال بينك وبين الحائط، قال: إني رجل من أهل الشام، قال:
مكان سحيق، قال: وتزوجت امرأة، قال: بالرّفاء والبنين [1] قال: وولدت غلاما، قال: ليهنك الفارس قال: وشرطت لها دارا، قال: الشّرط أملك، قال:
اقض بيننا، قال: قد فعلت، قال: بم؟ قال: حدّث امرأة حديثين، فإن أبت فأربع.
وقال في «الإشراف على مناقب الأشراف [2] : في ذكر المخضرمين، وذكر شريحا منهم.
__________
[1] قال الزبيدي: إذا قال له: بالرّفاء والبنين، أي بالالتئام والاتفاق، والبركة والنّماء وجمع الشّمل وحسن الاجتماع، قال ابن السكيت: وإن شئت كان معناه السّكون والهدوء والطّمأنينة، فيكون أصله غير الهمز. «تاج العروس» «رفأ» (1/ 248) .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال: بالرّفاء والبنين، لأنها تهنئة الجاهلية. روى الإمام أحمد في «المسند» (2/ 381) ، وأبو داود في «سننه» رقم (2130) ، والترمذي رقم (1091) في «سننه» وابن ماجة في «سننه» رقم (1905) والدارمي (2/ 134) والحاكم في «المستدرك» (2/ 183) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفّأ الإنسان، أي: إذا تزوج، قال:
«بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» ، وهو حديث صحيح.
[2] قلت: لعله «الإشراف على مذاهب الأشراف» وهو لشيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة المتوفى سنة (319 هـ) . انظر

(1/322)


قال الفضل بن دكين: بلغ شريحا مائة وثمان سنين، وتوفي سنة ست وسبعين، وقال غيره من أهل العلم: سنة ثمان وسبعين، وكان ثقة، ولي قضاء المصرين الكوفة، والبصرة، ومات بالكوفة رحمه الله انتهى [1] .
وفيها قتل بسجستان أبو المقدام شريح بن هانئ المذحجيّ، صاحب عليّ وله مائة وعشرون سنة.
__________
«كشف الظنون» لحاجي خليفة (1/ 103) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 490) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 294) .
[1] انظر ترجمته وأخباره المطولة في «أخبار القضاة» لوكيع (2/ 198- 402) .

(1/323)


سنة تسع وسبعين
فيها، وقيل: في التي قبلها، قتل رأس الخوارج قطريّ بن فجاءة [1] التميميّ، عثر به فرسه فقتل، وأتي الحجّاج برأسه، وكان الحجّاج قد جهّز إليه جيشا بعد جيش وهو يهزمهم، وممن قاتله سوادة، أو سورة بن أبجر [2] الدّارميّ، وكان مجرّبا في الحروب ومن قوله [3] يخاطب نفسه:
أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال ويحك لا تراعي [4]
فإنّك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستاع
سبيل الموت غاية كلّ حيّ ... وداعيه لأهل الأرض داعي
وقال ابن قتيبة: هو من كنانة، من بني حرقوص بن مازن بن مالك بن
__________
[1] قال ابن حزم: والفجاءة لقب لأبيه، لأنه غاب إلى اليمن، ثم أتى قومه فجأة، واسمه جعونة بن يزيد بن زياد بن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك. «جمهرة أنساب العرب» ص (212) .
[2] في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» «سودة بن أبجر» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (411) ، و «جمهرة الأنساب» ص (229) ، و «تاريخ خليفة» ص (276) .
[3] أي من قول قطري بن الفجاءة.
[4] في «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (4/ 251) : «لن تراعي» . والأبيات في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 151- 152) وانظر تخريجها فيه.

(1/324)


عمرو بن تميم، وكان يكنى أبا نعامة، وخرج زمن مصعب بن الزّبير، فبقي عشرين سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة، فوجّه إليه الحجّاج جيشا بعد جيش، وكان آخرهم سفيان بن الأبرد الكلبي فقتله، وكان المتولّي لذلك سودة [بن أبجر] [1] بن الحارث الدارمي، ولا عقب لقطريّ. انتهى [2] .
وفيها توفيّ عبيد الله بن أبي بكرة [3] ، وكان قد بعثه الحجّاج أميرا على سجستان في العام الماضي، وكان جوادا ممدّحا يعتق في كلّ يوم عيد مائة عبد.
وفيها مات عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي.
وفيها أصاب أهل الشام طاعون كادوا يفنون من شدّته، قاله ابن جرير [4] .
__________
[1] زيادة من المطبوع. وفيه: «سودة بن أبجز» ، وهو خطأ.
[2] انظر «المعارف» ص (411) ، وقول المؤلف «هو من كنانة» ليس عند ابن قتيبة في الطبعة التي بين يدي، وإنما هي «كابيه» في إحدى نسخ الكتاب كما ذكر محققه.
[3] في الأصل والمطبوع: عبد الله بن أبي بكر، وهو خطأ، والتصحيح من «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 31) و «الأعلام» للزركلي (4/ 191) وهو ابن الصحابي أبي بكرة نفيع بن الحارث، وكان ينفق المال الكثير، ويزوج من أراد الزواج بماله.
[4] انظر «تاريخ الطبري» (6/ 322) .

(1/325)


سنة ثمانين
فيها بعث الحجّاج على سجستان عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث الكنديّ، فلما استقرّ بها خلع الحجّاج، وخرج، وكان [1] بينهما حروب يطول شرحها.
وفيها مات عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشميّ، وهو آخر من رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وكان مولده بالحبشة، ويقال: لم يكن في المسلمين أجود منه، وله فيه [2] أخبار طويلة، وفي «الصحيح» أنّ ابن الزّبير قال له: أتذكر إذ تلقّينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، وأنت، وابن عبّاس؟ قال: نعم، فحملنا وتركك، وهذا من الأجوبة المسكتة، لكن الذي في «صحيح مسلم» عن عبد الله بن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن جعفر لابن الزّبير: أتذكر إذ تلقّينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، وأنت، وابن عبّاس، فحملنا وتركك [3] ، فلينظر ذلك.
وقال الإمام النووي في «شرح مسلم» : وقد توهم القاضي أن القائل:
فحملنا وتركك، هو ابن الزّبير وجعله غلطا في رواية مسلم، وليس كما قال،
__________
[1] في المطبوع: «وكانت» .
[2] أي في الجود.
[3] رواه مسلم رقم (2427) في فضائل الصحابة: باب فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما.

(1/326)


بل صوابه ما ذكرناه أن القائل: فحملنا وتركك هو ابن جعفر: انتهى [1] .
وقيل: إن أجواد المسلمين عشرة، منهم: عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن عبّاس، وطلحة الطّلحات الخزاعيّ [2] .
وفيها مات أبو إدريس الخولانيّ عائذ الله بن عبد الله، فقيه أهل الشّام وقاضيهم، سمع من أبي الدّرداء وطبقته، وقال ابن عبد البرّ [3] : سماع أبي إدريس عندنا عن معاذ صحيح [4] .
وفيها مات أسلم مولى عمر رضي الله عنه، اشتراه عمر في حياة أبي بكر رضي الله عنه، وهو من سبي عين التّمر [5] وكان فقيها نبيلا.
وفيها صلب عبد الملك معبد الجهنيّ في القدّر، وقيل: بل عذّبه الحجّاج بأنواع العذاب، وقتله.
وتوفّي ملك عرب الشّام حسّان بن النّعمان بن المنذر الغسّانيّ غازيا بالروم [6] .
__________
[1] انظر «شرح صحيح مسلم» للنووي (15/ 196- 197) . وقوله: وقد توهم القاضي. يعني القاضي عياض.
[2] هو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، أحد الأجواد المقدّمين، كان أجود أهل البصرة في زمانه. (ع) .
[3] انظر «الاستيعاب» على هامش «الإصابة» (11/ 114) .
[4] وانظر ترجمته في «تاريخ داريا» للخولاني ص (63- 69) بتحقيق العالم المحقق الأستاذ سعيد الأفغاني، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 272) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 237) .
[5] قال ياقوت: عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا، منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد ... وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد سنة (12) للهجرة. «معجم البلدان» (4/ 176) . وفي المطبوع: «عين النمر» وهو تصحيف.
[6] قلت: في «الأعلام» للزركلي (2/ 177) أنه مات بعد سنة (86) . والذي في «تاريخ

(1/327)


وفيها، وقيل: في التي [1] قبلها جنادة بن أبي أميّة الأزديّ بالشّام، له ولأبيه صحبة، وحديثه في «الصحيحين» عن الصحابة، وقد ولي غزو البحر لمعاوية [2] .
وفيها على الأصح أبو عبد الرّحمن جبير بن نفير الحضرميّ، نزيل حمص، وكان من جلّة التّابعين، روى عن أبي بكر، وعمر.
وفيها توفي عبد الرّحمن بن عبد القاري، أتى به أبوه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وروى عن جماعة منهم عمر، وهو مدنيّ.
__________
الإسلام» للذهبي (3/ 128) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي أيضا (4/ 140 و 294) توفّي سنة ثمانين كما في كتابنا.
[1] قوله: «في التي» سقط من المطبوع.
[2] قلت: عدّه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 62) من كبراء التابعين وقال: حدّث عن معاذ بن جبل، وعمر، وأبي الدّرداء، وعبادة بن الصامت، وبسر بن أبي أرطأة ... وقال:
ولأبيه أبي أميّة صحبة ما، واسمه كبير بموحدة، ولي جنادة غزو البحر لمعاوية، وشهد فتح مصر، وقد أدرك الجاهلية والإسلام، وقد قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين وسئل أجنادة بن أبي أمية الذي روى عنه مجاهد، له صحبة؟ قال: نعم. قلت: أهو الذي يروي عن عبادة بن الصامت؟ قال: هو هو. وأما ابن سعد، والعجلي، وطائفة، فقالوا: تابعيّ شامي، وهو الصواب. و [إن] صح له حديث، فيكون مرسلا. قال ابن يونس: توفي سنة ثمانين. وقال المدائني: توفي سنة خمس وسبعين. وكذا قال ابن معين، وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة سبع وسبعين، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر: كان من صغار الصحابة، وقد سمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وروى أيضا عن أصحابه عنه صلى الله عليه وسلم «الاستيعاب» على هامش «الإصابة» (2/ 164) .
وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (1/ 134) : جنادة بن أبي أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي، يقال: اسم أبيه كثير، مختلف في صحبته، فقال العجلي: تابعي ثقة. والحق أنهما اثنان، صحابي، وتابعي، متفقان في الاسم وكنية الأب ... ورواية جنادة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في «سنن الترمذي» ورواية جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، في الكتب الستة.

(1/328)


وفيها مات أليون عظيم الروم.
وفيها حاصر المهلّب بن أبي صفرة كشّ [1] ونسف [2] .
__________
[1] قال ياقوت: كشّ: بالفتح ثم التشديد: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان. «معجم البلدان» (4/ 462) .
[2] قال ياقوت: نسف مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند. «معجم البلدان» (5/ 285) .

(1/329)