شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وثمانين
فيها قام مع ابن الأشعث عامّة أهل البصرة من العلماء والعبّاد، فاجتمع له جيش عظيم ولقوا الحجّاج يوم الأضحى، فانكشف عسكر الحجّاج، وانهزم هو، وتمت بينهما عدّة وقعات، حتى قيل: كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم، ثلاث وثمانون على الحجّاج، والآخرة له.
وفيها، وقيل: في التي بعدها توفي أبو القاسم محمّد بن علي بن أبي طالب الهاشميّ بن الحنفيّة [1] عن سبعين سنة إلّا سنة، وكان جمع له بين الاسم والكنية ترخيصا من النّبيّ صلى الله عليه وسلم له، قال لعلي: «سيولد لك غلام بعدي، وقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا يحلّ لأحد من أمتي بعده» [2] وللعلماء في هذا تنازع.
وكان ابن الحنفيّة نهاية في العلم، غاية في العبادة، وتوقّف عن حمل
__________
[1] نسب إلى أمه خولة بنت جعفر الحنفيّة، وهي من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصّدّيق. انظر «سير أعلام النبلاء» (4/ 110) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 88) .
[2] لم أره بهذا اللفظ. وإنما رواه أحمد في المسند (1/ 95) والبخاري في «الأدب المفرد» رقم (843) باب اسم النبي وكنيته، وأبو داود رقم (4967) في الأدب، باب الرخصة في الجمع بين الاسم والكنية، والترمذي رقم (2846) في الأدب، باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي وكنيته، والحاكم في «المستدرك» (4/ 278) ولفظه: عن محمد بن الحنفية قال:
قال علي رضي الله عنه: يا رسول الله أرأيت أن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم. قال: «نعم» قال علي رضي فكانت هذه رخصة لي، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(1/330)


راية أبيه يوم الجمل، وقال: هذه مصيبة عمياء، فقال له أبوه: ثكلتك أمّك، أتكون عمياء وأبوك قائدها، وروي نحو هذا في يوم صفّين عنه.
وقيل له: كيف كان أبوك يقحمك المهالك دون أخويك، فقال: كانا عينيه، وكنت يده، فكان يتّقي عن عينيه بيده، وكان شديد القوّة، قيل:
استطال أبوه درعا فقطعه من الموضع الذي علّم له.
قيل: إن ملك الرّوم وجّه إلى معاوية رجلين أحدهما جسيم طويل، والآخر قوي، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أمّا الطويل فعندنا كفؤه، وهو قيس بن سعد بن عبادة، ورأيك في الآخر، فقال معاوية: هاهنا رجلان، محمّد بن الحنفيّة، وعبد الله بن الزّبير، ومحمد هو أقرب إلينا على كلّ حال، فلما حضروا نزع قيس سراويله ورماها إلى العلج [1] فبلغت ثّندوته [2] فأطرق العلج مغلوبا، وقيل: لاموا قيسا على خلع سراويله في المجلس، فقال:
أردت لكي ما يعلم القوم أنّها ... سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عاديّ نمته ثمود [3]
وقال محمّد بن الحنفيّة: قولوا للعلج: إن شاء جلس وأقمته كرها بيد، أو يقعدني، وإن شاء، فليكن هو القائم، وأنا القاعد، فاختار الرّوميّ الجلوس، فأقامه محمّد، وعجز هو عن إقعاده، ثم اختار أن يقعد، فعجز
__________
[1] قال الزبيدي: العلج: الرجل من كفار العجم، والقوي الضخم. «تاج العروس» «علج» (6/ 108) ، وانظر «لسان العرب» لابن منظور «علج (4/ 306) .
[2] قال ابن منظور: الثندوة: لحم الثّدي، وقيل: قال ابن السّكّيت: هي الثندوة للحم الّذي حول الثدي غير مهموز، ومن همزها ضم أولها، فقال: ثندوة، ومن لم يهمز فتحه، وقال غيره: الثّندوة للرجل، والثدي للمرأة. «لسان العرب» «ثند» (1/ 510) .
[3] البيتان في «المعارف» لابن قتيبة ص (593) مع بعض الاختلاف في ألفاظهما.

(1/331)


الرّوميّ عن إقامته، فانصرفا [1] مغلوبين، وعند الكيسانيّة [2] أن ابن الحنفيّة لم يمت، وأنه المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان [3] ، وفي ذلك يقول كثّير عزّة:
ألا إنّ الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء
عليّ والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبرّ ... وسبط غيّبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى ... تعود [4] الخيل يقدمها [5] اللّواء
نراه مخيّما بجبال رضوى ... مقيما [6] عنده عسل وماء [7]
ولما اتّسق الأمر لابن الزّبير دعا محمّدا وابن عبّاس إلى بيعته فقالا:
حتى يجتمع النّاس على بيعتك، ثم أراد ابن عبّاس بعد تمهّل أن يبايعه، فأبى ابن الزّبير، فردّ عليه ابن عبّاس قولا شديدا، يتضمّن التنويه بعبد الملك، والغضّ منه، وذلك مذكور في «صحيح البخاري» [8] .
وفيها سويد بن غفلة الجعفيّ بالكوفة، وقدم المدينة وقد دفنوا
__________
[1] أي الروميان.
[2] الكيسانيّة: طائفة مشهورة من الرافضة، منسوبة للمختار بن أبي عبيد الثقفي. انظر «تاج العروس» للزبيدي «كيس» (16/ 464) ، و «لسان العرب» «كيس» (5/ 3967) .
[3] وذلك فيما ذهب إليه طائفة من الشيعة أنه حي يرزق وأنه ينتظر خروجه في آخر الزمان، كما تنتظر طائفة أخرى منهم الحسن بن محمد العسكري الذي يخرج في زعمهم من سرداب سامرا، وليس على ذلك دليل صحيح (ع) .
[4] في المطبوع: «تقول» وهو خطأ.
[5] في الأصل: «يقوم» وهو خطأ.
[6] في المطبوع: «مقيم» .
[7] الأبيات في ديوانه ص (521) بتحقيق الدكتور إحسان عباس، طبع دار الثقافة ببيروت.
[8] الذي في «البداية والنهاية» لابن كثير (8/ 239) : وبعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن عمر، ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس ليبايعوا، فأبوا عليه.

(1/332)


النبيّ صلى الله عليه وسلم ومولده عام الفيل كما قيل، وكان فقيها إماما عالما [1] قانعا كبير القدر.
وفيها حجّت أمّ الدّرداء الصغرى [2] الوصابية [3] الحميريّة، وكان لها نصيب وافر من العلم والعمل، ولها حرمة زائدة بالشّام، وقد خطبها معاوية بعد أبي الدّرداء، فامتنعت [4] .
وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل [5] أبو عبيدة [6] بن عبد الله بن مسعود الهذلي، روى عن طائفة، ولم يدرك السماع من والده.
وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شدّاد بن الهاد الليثيّ ابن خالة خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان فقيها كثير الحديث، لقي كبار الصحابة، وأدرك معاذ بن جبل رضي الله عنه.
__________
[1] في المطبوع: «عابدا» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «أم الدرداء الكبرى» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر (تراجم النساء) ص (418) بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي، و «أسد الغابة» لابن الأثير (7/ 327) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 277) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 241) ، واسمها هجيمة، وقيل: جهيمة. وأما أم الدّدراء الكبرى فاسمها خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي.
[3] في المطبوع «صابية» وهو خطأ. وفي بعض المراجع التي بين يدي «الأوصابية» ووصّاب بطن من حمير. انظر «تاج العروس» للزبيدي «وصب» (4/ 345) .
[4] جاء في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 278) عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبويّ في الدّنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة، قال: فلا تنكحين بعدي. فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصيام.
[5] نهر صغير يتفرع من دجلة.
[6] ويقال: إن اسمه «عامر» انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 313) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 448) .

(1/333)


سنة اثنتين وثمانين
فيها استعرت الحرب بين الحجّاج وابن الأشعث، وبلغ جيش ابن الأشعث ثلاثة وثلاثين ألف فارس، ومائة وعشرين ألف راجل، قاموا معه على الحجّاج لله تعالى.
وفيها توفي أبو عمر زاذان مولى كندة، وقد شهد خطبة عمر بالجابية، وكان من علماء الكوفة.
وفيها توفي المهلّب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان، صاحب الحروب والفتوح، أمير عبد الملك بن مروان على خراسان.
قال أبو إسحاق السّبيعي [1] : لم أر أميرا أيمن نقيبة، ولا أشجع لقاء، ولا أبعد مما يكره، ولا أقرب مما يحبّ من المهلّب، ومولده عام الفتح، ولأبيه صحبة.
وأبو صفرة هو ظالم بن سراق من أزد العتيك، أزد دبا، ودبا بين
__________
[1] هو عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبد الله بن علي الهمداني السّبيعي.
انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 392) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 171) . وسترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا.

(1/334)


عمان، والبصرة [1] ، وقال عبد الله بن الزّبير: هو سيّد العراق، وخلّف أولادا نجباء [2] كراما، قيل: بلغ عددهم ثلاثمائة ولد.
وحمى البصرة من الشّراة [3] بعد جلاء أهلها عنها، إلّا من كانت به قوة، فهي تسمى بصرة المهلّب.
قال ابن قتيبة: ولم يكن يعاب إلّا بالكذب، وقيل: فيه راج بالكذب [4] وكان ولي خراسان، فعمل عليها خمس سنين، ومات بمرو الرّوذ [5] من نواحي هراة، بينها وبين بلخ، واستخلف ابنه يزيد بن المهلّب، ويزيد ابن ثلاثين سنة، فعزله عبد الملك بن مروان برأي الحجّاج ومشورته، وولّى قتيبة بن مسلم. انتهى [6] .
وفيها توفي أبو مريم زرّ بن حبيش الأسديّ القارئ بالكوفة، وله مائة وعشرون سنة، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية [7] .
وفيها قتل الحجّاج كميل بن زياد النخعي صاحب عليّ رضي الله عنه،
__________
[1] قال ياقوت: دبا، بفتح أوله والقصر، والدّبا: الجراد قبل أن يطير، قال الأصمعي: سوق من أسواق العرب بعمان. قال الواقدي: قدم وفد الأزد من دبا مقرين بالإسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر «معجم البلدان» (2/ 435) .
[2] في المطبوع: «نجبا» . وكلاهما صواب.
[3] في المطبوع: «الشراه» وهو خطأ. والشّراة: الخوارج، سموا بذلك لأنهم غصبوا ولجّوا.
وانظر «لسان العرب» لابن منظور «شري» (4/ 2253) و «المعارف» ص (399) .
[4] في المطبوع: «راج الكذب» ، وفي «المعارف» ص (399) : «راح يكذب» وهو خطأ، فيستدرك.
[5] في المطبوع: «بمرو الروز» وهو تحريف. ومرو الروذ مدينة قريبة من مرو الشاهجان، بينهما خمسة أيام، وهي على نهر عظيم، فلهذا سميت بذلك، وهي صغيرة بالنسبة إلى مرو الأخرى، والنسبة إليها «المرو الرّوذي» ويقال: «المرّوذي» أيضا. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 112) ، و «اللباب» لابن الأثير (3/ 198) .
[6] انظر «المعارف» ص (399- 400) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
[7] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 166- 170) .

(1/335)


وكان شريفا، مطاعا شيعيّا، متعبّدا [1] .
وفيها قتل أبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربيّ الكوفي بظاهر البصرة.
وقتل محمّد بن سعد بن أبي وقّاص لقيامه مع ابن الأشعث.
وفيها توفي جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر العذريّ المتيّم صاحب بثينة [2] وكان هويها في الصّغر، فلما كبر خطبها، فصدّ عنها، فتيّم بها، وكان منزلها وادي القرى، وهي عذريّة أيضا، وتكنّى أمّ عبد الملك، ولما أكثر الشّعر فيها قيل له: لو قرأت القرآن كان خيرا لك، فقال حدّثني أنس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشعر لحكمة» [3] . وكان كثّير عزّة [4] راوية جميل، وجميل راوية هدبة [5] وهدبة راوية
__________
[1] انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 234) .
[2] هي بثينة بنت حبا بن ثعلبة العذرية، ولم تعش بعد جميل طويلا، وماتت في سنة (82) أيضا. انظر «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر «تراجم النساء» ص (63- 69) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 43) .
[3] رواه البخاري (10/ 445 و 446) في الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز، وأبو داود رقم (5010) في الأدب، باب ما جاء في الشعر، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، ورواه الترمذي رقم (2847) في الأدب، باب ما جاء إن الشعر حكمة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو حديث صحيح، ورواه أيضا الترمذي رقم (2848) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والحكمة معناها: إن من الشعر كلاما يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما.
[4] هو كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي، أبو صخر، شاعر متيم مشهور من أهل المدينة، أكثر إقامته بمصر، كان شاعر أهل الحجاز أخباره مع عزة بنت جميل العمرية كثيرة، وكان عفيفا في حبه، توفي بالمدينة سنة (105 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 219) .
[5] هو هدبة بن خشرم، ينتهي نسبه إلى قضاعة، وهدبة شاعر فصيح متقدم من بادية الحجاز، وكان شاعرا راوية لشعر الحطيئة، وكان جميل راوية شعره- كما ذكر ابن العماد- وهو أول من قتل قصاصا بالمدينة المنورة في زمن واليها سعيد بن العاص، وذلك لقتله زيادة بن زيد

(1/336)


الحطيئة [1] والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى المزني [2] ، وابنه كعب [3] وكان آخر أمر جميل أن وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر، فأحسن جائزته، ووعده في أمر بثينة، وسأله المقام عنده، فأقام قليلا، ومات هناك.
قال عبّاس بن سهل: دخلت عليه وهو يجود بنفسه، فقال يا عبّاس: ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قطّ، ولم يزن، ولم يقتل النّفس، ولم يسرق، يشهد أن لا إله إلّا الله، قلت: أظنه قد نجا من النار، وأرجو له الجنة، فمن هو؟ قال: أنا، قلت: تشبّبت ببثينة منذ عشرين سنة، وأنت سالم منها؟ قال:
__________
العذري. انظر «الأغاني» للأصفهاني (21/ 254- 274) ، و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (434- 438) ، و «معجم الشعراء» للمرزباني ص (460، 461) ، و «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (2/ 233- 234) ، وفيه أن الذي قتله هدبة هو زيادة بن بدر، و «الأعلام» للزركلي (8/ 78) .
[1] هو جرول بن أوس بن مالك العبسي، أبو مليكة، يلقب بالحطيئة شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، كان هجاء عنيفا، لم يكد يسلم من لسانه أحد، وهجا أمه وأباه ونفسه، وأكثر من هجاء الزبرقان بن بدر، فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسجنه عمر بالمدينة، فاستعطفه بأبيات، فأخرجه ونهاه عن هجاء الناس، فقال: إذا تموت عيالي جوعا!. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 118) .
[2] هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني من مضر. قال الزركلي: حكيم الشعراء في الجاهلية، وفي أئمة الأدب من يفضله على شعراء العرب كافة، قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعرا، وخاله شاعرا، وأخته سلمى شاعرة، وأخته الخنساء شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة، فكانت قصائده تسمى «الحوليات» مات سنة (13 ق. هـ.) «الأعلام» (3/ 52) وانظر مصادر ترجمته فيه.
[3] هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني، أبو المضرّب، شاعر عالي الطبقة، كان ممن اشتهر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأقام يشبب بنساء المسلمين، فهدر النبيّ صلى الله عليه وسلم دمه، فجاءه «كعب» مستأمنا، وقد أسلم، وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليومّ متبولّ
فعفا عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وخلع عليه بردته، وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير، وابنه عقبة، وحفيده العوام، كلهم شعراء. مات سنة (26 هـ) . انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (5/ 226) .

(1/337)


لا تنالني شفاعة محمّد [صلى الله عليه وسلم] وإني في آخر يوم من الدّنيا، وأول يوم من الآخرة، إن كنت وضعت يدي عليها لريبة، ثم مات.
وكان أوصى رجلا أن يأتي حيّ بثينة فيعلو شرفا [1] ويصيح بهذين البيتين:
صرخ النّعيّ وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثوى بغير قفول
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلا دون كلّ خليل [2]
قال: فخرجت كأنها بدر في دّجنّة [3] تتثنّى في مرطها [4] فقالت: يا هذا إن كنت صادقا فلقد قتلتني، وإن كنت كاذبا فلقد فضحتني، فقلت: والله إني صادق، وأخرجت حلّته فلما رأتها صاحت وصكّت وجهها [5] وغشي عليها ساعة [6] ، واجتمع نساء الحيّ يبكين معها ومن قوله فيها:
وخبّرتماني أنّ تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصّيف ألقى المراسيّا
فهذي شهور الصّيف عنّا قد انقضت ... فما للنّوى يرمي بليلى المراميا [7]
__________
[1] الشّرف: العلو، والمكان العالي «مختار الصحاح» للرازي ص (335) .
[2] البيتان في «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (8/ 153) :
«صدع النّعيّ وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كلّ خليل»
وبين البيتين بيت آخر هو:
«ولقد أجرّ الذّيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل»
[3] الدّجنّة: من الغيم المطبق تطبيقا: الرّيّان المظلم الذي ليس فيه مطر. «مختار الصحاح» للرازي ص (199) .
[4] المرط: واحد المرط، وهي أكسية من صوف أو خزّ كان يؤتزر بها. «مختار الصحاح» للرازي ص (622) .
[5] أي ضربته.
[6] قال أبو الفرج الأصفهاني في «الأغاني» (8/ 154) : ثم قامت وهي تقول:
«وإنّ سلوي عن جميل لساعة ... من الدّهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها»
[7] البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 367) بهذا اللفظ، وهما في «ديوانه» ص (224) جمع

(1/338)


في قصيدة، وغلط بعضهم، فجعلها لمجنون بني عامر [1] ، وليس كذلك، فإن تيماء [2] ، من منازل بني عذرة، والله أعلم.
__________
وتحقيق الدكتور حسين نصّار، وفي روايتهما فيه خلاف يحسن بالقارئ الوقوف عليه. وكانت لفظة «الصيف» في البيت الثاني قد تحرفت إلى «الرّوم» في الأصل والمطبوع، وصححت من «الوفيات» .
[1] هو قيس بن الملوح بن مزاحم العامري: شاعر غزل من المتيمين، من أهل نجد، لم يكن مجنونا، وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد، مات سنة (68 هـ) . انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (5/ 208) .
[2] قال الحميري: تيماء: من أمهات القرى، على سبع ليال من المدينة، ويخرج من تيماء إلى الشام على حوران، والبثينة، وحسمى، وبين تيماء وأول الشام ثلاثة أيام، وبتيماء مياه ونخل، ومنه تمتار البادية، وبه تجارات قلائل. «الروض المعطار» ص (146، 147) وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 329) .

(1/339)


سنة ثلاث وثمانين
فيها في قول: الفلّاس [1]- وهو الصحيح- وقعة دير الجماجم بين الحجّاج وابن الأشعث [وكان شعارهم] [2] : يا ثارات الصلاة، لأن الحجّاج كان يميت الصلاة حتى يخرج وقتها.
فقتل مع ابن الأشعث أبو البختري الطائي مولاهم، واسمه سعيد بن فيروز [3] ، وكان من كبار فقهاء الكوفة، روى عن ابن عبّاس وطبقته.
وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرّحمن بن أبي ليلى الأنصاري، الفقيه الكوفيّ المقرئ، قال ابن سيرين: رأيت أصحابه يعظّمونه كالأمير، أخذ عن عثمان، وعليّ، ورأى عمر يمسح على الخفّين.
__________
[1] هو عمرو بن علي بن بحر الفلاس، أبو حفص، باحث من أهل البصرة، سكن بغداد، ومات بسر من رأى، كان من حفاظ الحديث الثقات، وفي أصحاب الحديث من يفضله على ابن المديني، له «المسند» و «العلل» و «التاريخ» وهو الذي نقل عنه المؤلف- ابن العماد- توفّي سنة (249 هـ) . «الأعلام» للزركلي (5/ 82) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 11) و «تهذيب التهذيب» (8/ 80) وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/ 470) ، وسترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا.
[2] قوله: «وكان شعارهم» سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع.
[3] سعيد بن فيروز وهو ابن أبي عمران أبو البختري الطائي الكوفي، من الفقهاء والعلماء ومن أفاضل أهل الكوفة، توفي سنة (83 هـ) كما ذكر المؤلف. (ع) .

(1/340)


وفيها توفي أبو الجوزاء الرّبعي البصري، واسمه أوس بن عبد الله، روى عن عائشة، وجماعة.
وفيها توفي قاضي مصر عبد الرّحمن بن حجيرة الخولاني، روى عن أبي ذر وغيره، وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه [1] في السنة ألف دينار فلا يدّخرها.
__________
[1] أي يوصل إليه رزقا، وإلّا فالرازق هو الله تعالى، والأولى أن يقال: كان يعطيه في السنة ألف دينار فلا يدخرها.

(1/341)


سنة أربع وثمانين
فيها افتح موسى بن نصير أوربّة من المغرب، وبلغ عدد السبي خمسين ألفا.
وفيها قتل الحجاج أيوب بن القريّة، وهي جدّته، لكن قال في «القاموس» : القرّيّة: كجرّيّة الحوصلّة، ولقب جماعة بنت جشم أمّ أيوب بن يزيد الفصيح، المعروف الهلالي. انتهى [1] .
وكان أمّيّا فصيحا، وارتفع شأنه بالفصاحة والخطابة، قدم على الحجّاج فأعجبه، وأوفده على عبد الملك، ولما قام ابن الأشعث، بعثه الحجّاج إليه، فقال له ابن الأشعث: لتقومنّ خطيبا بخلع عبد الملك، وتسبّ الحجّاج، أو لأضربنّ عنقك، فقال: [أيها الأمير] [2] ، إنما أنا رسول، قال: هو ما أقول لك، ففعل ذلك [3] ، وأقام عنده، فلما هزم ابن الأشعث، كتب الحجّاج، إلى عمّاله أن لا يجدوا أحدا من أصحاب ابن الأشعث إلّا أرسلوه إليه أسيرا.
__________
[1] «القاموس المحيط» «قر» (2/ 120) ولفظة «الهلالي» لم ترد فيه، وانظر «تاج العروس» (13/ 403) .
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (1/ 252) الذي نقل عنه المؤلف رحمه الله.
[3] أي فخلع أيوب بن القرية عبد الملك، وسب الحجاج، كما أمره ابن الأشعث، وهو ما ذكره ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» .

(1/342)


فكان فيمن أرسلوا ابن القرّيّة، فسأله الحجّاج عن البلدان والقبائل، فقال:
أهل العراق أعلم النّاس بحق وباطل.
وأهل الحجاز أسرع النّاس إلى فتنة، وأعجزهم فيها.
وأهل الشّام أطوع النّاس لخلفائهم.
وأهل مصر عبيد من غلب [1] .
وأهل البحرين نبط استعربوا.
وأهل عمان عرب استنبطوا.
وأهل الموصل أشجع الفرسان [وأقتل للأقران] [2] .
وأهل اليمن أهل سمع وطاعة، ولزوم للجماعة [3] .
وأهل اليمامة أهل جفاء واختلاف [أهواء، وأصبر عند اللقاء.
وأهل فارس، أهل بأس شديد، وشر عتيد] [4] وزيف [5] كثير، وقرى يسير.
وأما القبائل فقال: قريش أعظمها [6] أحلاما وأكرمها مقاما.
وبنو عامر بن صعصعة أطولها رماحا، وأكرمها صباحا.
[وبنو سليم أعظمها مجالس، وأكرمها محابس] [7] .
وثقيف أكرمها جدودا، وأكثرها وفودا.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «عبيد من خلب» ، وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي «عبيد من طلب» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» لابن خلكان.
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «أهل أهواء، وصبر عند اللقاء» . والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[4] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «وريف» وهو تصحيف.
[6] في المطبوع: «أعظم» .
[7] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .

(1/343)


وبنو زبيد [1] ألزمها للرايات، وأدركها للثارات.
وقضاعة أعظمها أخطارا، وأكرمها نجارا [2] وأبدعها آثارا [3] .
والأنصار أثبتها مقاما، وأحسنها إسلاما، وأكرمها أياما.
وتميم أظهرها جلدا وأكثرها [4] عددا.
وبكر بن وائل أثبتها صفوفا، وأحدّها سيوفا.
وعبد القيس أسبقها إلى الغايات، وأصبرها تحت الرايات.
وبنو أسد أهل تجلّد [5] وجلد، وعسر ونكد.
ولخم ملوك، وفيهم نوك، أي حمق.
[وجذام يوقدون الحرب ويسعرونها، ويلقحونها ثم يمرونها.
وبنو الحارث رعاة للقديم وحماة عن الحريم] [6] .
وعك ليوث جاهدة، في قلوب فاسدة.
[وتغلب يصدقون إذا لقوا ضربا، ويسعرون للأعداء حربا] [7] .
وغسّان أكرم العرب أحسابا، وأثبتها أنسابا. [قال:] [8] وأمنع العرب في الجاهلية أن تضام قريش [كانوا أهل رهوة لا يستطاع ارتقاؤها، وهضبة لا يرام انتزاؤها] [9] في بلدة حمى الله ذمارها [10] ، ومنع جارها.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «وبنو زيد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] قال ابن منظور: النّجر والنّجار والنّجار: الأصل والحسب. «لسان العرب» «نجر» (6/ 4350) .
[3] في المطبوع: «وأبعدها أثارا» وهو خطأ.
[4] في «وفيات الأعيان» : «وأثراها» ، وهما بمعنى.
[5] في «وفيات الأعيان» «أهل عدد وجلد» .
[6] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[7] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[8] زيادة من «وفيات الأعيان» .
[9] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[10] في الأصل، والمطبوع: «دارها» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» ، والذّمار: الأنساب. انظر «لسان العرب» «ذمر» (3/ 91515) .

(1/344)


وسأله عن مآثر العرب [في الجاهلية] [1] فقال: كانت العرب تقول:
حمير أرباب الملك، وكندة لباب [2] الملوك، ومذحج أهل الطّعان، وهمدان أحلاس الخيل [3] ، والأزد آساد [4] النّاس.
وسأله عن الأراضي فقال: الهند بحرها [5] در، وجبلها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر، وأهلها طغام [كقطع الحمام] [6] .
وخراسان ماؤها جامد وعدوها [7] جاحد.
وعمان بلد سديد، وصيدها عتيد [8] .
والبحرين كناسة بين المصرين [9] .
واليمن أصل العرب، وأهل البيوتات [10] والحسب.
ومكّة رجالها علماء جفاة، ونساؤها كساة عراة.
والمدينة رسخ العلم فيها وظهر منها.
والبصرة شتاؤها جليد، وحرها شديد، وماؤها ملح، وحربها صلح.
والكوفة ارتفعت عن حر البحر، وسفلت عن برد الشام، وطاب ليلها، وكثر خيرها.
__________
[1] قوله: «في الجاهلية» زيادة من «وفيات الأعيان» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «ألباب» ، وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» . واللّب: القلب، والألباب العقول.
[3] أي لا يبرحون ظهورها، ولا يملون ركوبها. انظر «لسان العرب» «حلس» (2/ 961) .
[4] في المطبوع: «أساس» . والمثبت من «وفيات الأعيان» .
[5] في المطبوع: «الهند بحردر» .
[6] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . والطّغام: أوغاد الناس.
[7] في المطبوع: «وغذاؤها جاحد» .
[8] في المطبوع: «وصيدها عبد» .
[9] في الأصل، والمطبوع: «كناسة بين المصراعين» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[10] في الأصل، والمطبوع: «وأهل البيوت» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .

(1/345)


وواسط جنة بين حماة وكنّة.
قال: وما حماتها [1] وكنّتها؟ قال: البصرة والكوفة تحسدانها [وما ضرّها] [2] ، ودجلة والفرات يتجاذبان بإفاضة الخير عليها.
والشام عروس بين نسوة جلوس.
وسأله عن الآفات فقال: آفة الحلم الغضب.
وآفة العقل العجب.
وآفة العلم النّسيان.
وآفة السّخاء المنّ [عند البلاء] [3] .
وآفة الكرام مجاورة اللئام.
وآفة الشجاعة البغي.
وآفة العبادة الفترة.
وآفة الذهن [4] حديث النفس.
وآفة الحديث الكذب.
وآفة المال سوء التدبير.
وآفة الكامل من الرّجال العدم.
قال فما آفة الحجّاج بن يوسف؟ قال: لا آفة لمن كرم حسبه، وطاب نسبه، وزكا فرعه، فقال: أظهرت نفاقا، ثم قال: اضربوا عنقه، فلما رآه قتيلا ندم [5] .
__________
[1] في المطبوع: «وما حملتها» وهو خطأ.
[2] لفظة «وما ضرّها» زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «وآفة الزهد» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .
[5] انظر ترجمة أيوب بن القرية، وحواره مع الحجاج في «وفيات الأعيان» (1/ 250- 254) وهو الذي نقل عنه المؤلف كما أسلفت، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 197 و 346) ، والمصادر التي ذكرت في حاشيته، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 131- 136) ،

(1/346)


وفيها ظفر أصحاب الحجّاج بابن الأشعث فقتلوه بسجستان، وطيف برأسه في البلدان، واسم ابن الأشعث عبد الرّحمن بن محمّد.
وفيها توفي عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشميّ، وكان حنّكه النبيّ صلى الله عليه وسلم بريقه عند ولادته، ومات بعمان هاربا من الحجّاج، وهو ابن أخت معاوية.
وعتبة بن النّدّر [1] السّلمي بالشام، له صحبة وحديثان [2] .
وعمران بن حطّان السّدوسيّ البصري، أحد رؤوس الخوارج وشاعرهم البليغ.
وروح الجذامي [3] ، وهو روح بن زنباع، سيد جذام [4] وأمير فلسطين، كان ذا عقل، ورأي، وكان معظّما عند عبد الملك، لا يكاد يفارقه، وهو عنده بمنزلة وزير، وكان صاحب علم ودين.
__________
«الأعلام» للزركلي (2/ 37) .
[1] في الأصل، والمطبوع: «عتبة بن المنذر» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 234) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي أيضا (3/ 417) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 5) و «الإصابة» لابن حجر. (6/ 381) .
[2] قال ابن حجر في «الإصابة» : له حديث عند ابن ماجة وغيره. قلت: وحديثه عند ابن ماجة رقمه (2444) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «الحرامي» وهو خطأ، والتصحيح من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (420) ، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 265) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 248) ، وغير ذلك من المصادر والمراجع التي بين أيدينا.
[4] في الأصل، والمطبوع: «سيد حرام» وهو خطأ.

(1/347)


سنة خمس وثمانين
فيها غزا محمّد بن مروان بن الحكم إرمينية، فأقام سنة، وأمر ببناء أردبيل، وبرذعة.
وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة [1] أصيب فيها المسلمون، واستشهد نحو الألف.
وفيها توفي عبد العزيز بن مروان أبو عمر [2] ، ولي مصر عشرين سنة، وكان ولي العهد بعد عبد الملك، عقد لهما أبوهما كذلك، فلما مات عقد عبد الملك من بعده لولده، وبعث إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له النّاس، فامتنع سعيد بن المسيّب، وصمّم، فضربه هشام ستين سوطا [3] وطيف به، وروى عبد العزيز، عن أبي هريرة، وغيره.
__________
[1] قال الحميري: الطوانة: مدينة ببلاد الروم على فم الدرب مما يلي طرسوس. «الروض المعطار» ص (400) ، وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (3/ 897) ، و «معجم البلدان» لياقوت (4/ 45) .
[2] يعني: أبو عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل رحمه الله، وكنيته: أبو الأصبغ، أمير مصر، وأخو الخليفة عبد الملك بن مروان. انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (6/ 356) «والتقريب» (1/ 512) .
[3] في الأصل: «صوطا» وهو خطأ، والمثبت من المطبوع.

(1/348)


وتوفي واثلة بن الأسقع الليثي، أحد فقراء الصّفّة [1] ، وله ثمان وتسعون سنة، وكان شجاعا، ممدحا، فاضلا، شهد غزوة تبوك.
وعمرو بن حريث المخزومي، له صحبة ورواية، ومولده قبل الهجرة [2] .
وعمرو بن سلمة الجرميّ البصري، الذي صلّى بقومه في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم في صغره [3] ويقال: له صحبة.
وأسير [4] بن جابر بالعراق، وله أربع وثمانون سنة.
وعمرو بن سلمة الهمداني، سمع عليا وابن مسعود، ولم يخرّجوا له في الكتب الستة شيئا، وهو مقلّ.
وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزيّ، حليف آل عمر بن الخطّاب، روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديثا ليس بمتصل خرجه أبو داود [5] ، وله رواية عن الصحابة رضي الله عنهم.
وفيها مات خالد بن يزيد بن معاوية الأمويّ، كان له معرفة بالطّب،
__________
[1] قال ابن منظور: أهل الصّفّة هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه. «لسان العرب» «صفف» (4/ 2463) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» ، للذهبي (3/ 417- 419) .
[3] في المطبوع: «في صفره» وهو تحريف.
[4] ويقال: يسير. انظر «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 374) .
[5] رقم (4991) في الأدب، باب في التشديد في الكذب، وفي سنده جهالة، عن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمى يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة» . وله حديث آخر في «موطأ مالك» في ترك الوضوء مما مسته النار (1/ 27) .

(1/349)


والكيمياء، وفنون من العلم، وله رسائل حسنة أخذ الصّنعة عن راهب روميّ [1] ، ومن قوله في زوجته رملة بنت الزّبير:
تجول خلاخيل النّساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا [2]
أحبّ بني العوّام من أجل حبّها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
جرى بينه وبين عبد الملك شيء، فقال له عبد الملك: ما أنت في العير ولا في النّفير، فقال خالد: ويحك من العير والنّفير غيري، وجدّي أبو سفيان صاحب العير، وجدّي عتبة صاحب النّفير، ولكن لو قلت: غنيمات الطائف يرحم الله عثمان لصدقت، وأشار بذلك إلى جدّه الحكم، نفاه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فردّه عثمان رضي الله عنه.
__________
[1] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 383) : وهذا لم يصح.
[2] القلب: السوار من الفضة. انظر «تاج العروس» «قلب» (4/ 71) .

(1/350)