شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وثمانين
فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهليّ خراسان، وافتتح بلاد صاغان [1] من التّرك صلحا.
وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الرّوم.
وفيها توفي أبو أمامة الباهليّ الصحابيّ رضي الله عنه، واسمه صديّ بن عجلان نزيل حمص، وقد قال: كنت يوم حجّة الوداع ابن ثلاثين سنة، فيكون عمره مائة وست سنين.
وفيها، وقيل: سنة ثمان توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلميّ، وهو آخر الصحابة موتا بالكوفة، وآخر من مات من أهل بيعة الرّضوان رضي الله عنهم بنصّ القرآن [2] ولا يدخل أحد منهم النّار بنصّ السّنّة [3] .
__________
[1] قال ياقوت: صاغان: قرية بمرو، وقد تسمى جاغان كوه. «معجم البلدان» (3/ 389) .
[2] قلت: وذلك لقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ 48: 18 [الفتح: 18] .
[3] لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار- إن شاء- من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها» قالت حفصة: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 19: 71 [مريم: 19] .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد قال الله عزّ وجلّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا 19: 72» .
رواه مسلم رقم (2496) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أه بيعة الرضوان رضي الله عنهم (ع) .

(1/351)


وفيها على الصحيح توفي عبد الله بن الحارث بن جزء الزّبيديّ، آخر الصحابة موتا بمصر.
وقبيصة بن ذؤيب الخزاعيّ المدني الفقيه بدمشق، روى عن أبي بكر، وعمر، قال مكحول: ما رأيت أعلم منه، وقال الزّهريّ: كان من علماء الأمّة.
وفي شوال توفي عبد الملك بن مروان الخليفة، أبو الوليد، وله ستون سنة، ولايته المجمع عليها بعد ابن الزّبير ثلاث عشرة سنة وأشهرا [1] وكان أبيض، طويلا كبير العينين، مشرف الأنف، رقيق الوجه، ليس بالبادن، عدّه أبو الزّناد [2] في الفقه في طبقة ابن المسيّب، وقال نافع [3] : لقد رأيت أهل المدينة وما بها شاب أشدّ تشميرا، ولا أفقه، ولا أنسك، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك، وولي بعده ابنه الوليد، ومن المشهور أنّ عبد الملك رأى كأنّه بال في زوايا المسجد الأربع، أو في المحراب أربع مرات، فوجّه إلى سعيد بن المسيّب من يسأله فقال: من ولده لصلبه أربعة تلي، فكان كما قال: ولي الوليد، وسليمان، وهشام، ويزيد.
__________
[1] في المطبوع: «وأشهر» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «أبو زياد» وهو خطأ. والتصحيح من «فوات الوفيات» لابن شاكر (2/ 402) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 248) . وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، إمام حافظ، فقيه، مات سنة (131 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 445- 451) ، وسوف ترد ترجمته مفصلة في المجلد الثاني من كتابنا هذا فراجعها هناك.
[3] هو نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، الإمام المفتي الثّبت، عالم المدينة المنورة في عصره، المتوفى سنة (117 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 95- 101) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا.

(1/352)


سنة سبع وثمانين
فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم [1] .
وفيها ابتدئ ببناء جامع دمشق، ودام العمل في بنائه وزخرفته بالجدّ والاجتهاد أكثر من عشرين سنة، وكان فيه اثنا عشر ألف صانع، وهو أحد عجائب الدّنيا لتركيبه على الفلك.
وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارى بين قتيبة [2] والكفّار، ونصر الله الإسلام.
وفيها فتحت سردانية [3] من المغرب.
__________
[1] هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي من سادات التابعين، قال ابن حبان: اسمه كنيته، مات سنة (120 هـ) . انظر «مشاهير علماء الأمصار» ص (76) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 313- 315) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا.
[2] أي قتيبة بن مسلم.
[3] قال ياقوت: سردانية جزيرة في بحر المغرب كبيرة، ليس هناك بعد الأندلس، وصقلية، وإقريطش أكبر منها.
وقال الحميري: وفي سنة سبع وثمانين أغزى موسى بن نصير عبد الله ابنه إلى سردانية، فافتح، وأصاب سبيا وغنائم.
انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 209) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (314، 315) .

(1/353)


وفيها توفي بحمص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن عبيد السّلمي، وله أربع وتسعون سنة.
والمقدام بن معد يكرب الزّبيدي الكنديّ الصحابيّ، وهو ابن إحدى وتسعين [1] سنة، ومات بحمص أيضا.
__________
[1] في الأصل: «وتسعون» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع.

(1/354)


سنة ثمان وثمانين
فيها زحفت التّرك، وأهل فرغانة [1] والصّغد [2] وعليهم ابن أخت ملك الصين في مائتي ألف فارس [3] فالتقاهم مسلمة، وقيل: قتيبة بن مسلم [4] فكسرهم وهزمهم، ولله الحمد.
وافتتح مسلمة جرثومة وطوانة [5] .
وفيها توفي عبد الله بن بسر المازنيّ بحمص، وهو آخر من مات من
__________
[1] قال ياقوت: فرغانة مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان ... بينها وبين سمرقند خمسون فرسخا. «معجم البلدان» (4/ 253) ، وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (440) .
قلت: وتقع الآن في جنوب غرب الاتحاد السوفييتي.
[2] قال ياقوت: الصغد: كورة عجيبة قصبتها سمرقند، وقيل: هما صغدان، صغد سمرقند، وصغد بخارى، وقيل: جنان الدّنيا أربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، ونهر الأبلة، وشعب بوّان. «معجم البلدان» (3/ 409، 410) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (362) .
[3] لفظة «فارس» سقطت من المطبوع.
[4] وهو الصواب. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (301) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 436) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 237) . و «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 75) ، وفيه قال ابن كثير أن ابن أخت ملك الصين كان ملكا على الترك، وأن اسمه كوربغانون.
[5] جرثومة: ماء لبني أسد بن القنان وترمس، وطوانة: بلد بثغور المصيصة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 199 و 4/ 45) .

(1/355)


الصحابة بحمص، بل في الشام، وأطلق الذهبيّ أنه آخر الصحابة موتا [1] ، وكلامه ينتقض بسهل بن سعد في سنة إحدى وتسعين، وأنس بن مالك في سنة ثلاث وتسعين على الأصح، وأبي الطّفيل [2] فإنّ المشهور أنه آخر الصحابة موتا، وموته في سنة مائة، لكن قيل: إن ابن بسر مات سنة تسع وتسعين [3] فعلى هذا يتجه أن يقال: هو آخرهم موتا.
__________
[1] بل الذي قاله في «تاريخ الإسلام» (3/ 262) ، و «سير أعلام النبلاء» (3/ 432) ، أنه آخر من مات من الصحابة بالشام ينقل ذلك عن الواقدي.
[2] واسمه عامر بن واثلة بن الأسقع الكناني الليثي، المتوفى سنة (100 هـ) . انظر ترجمته في ص (403) من هذا المجلد.
[3] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (3/ 433) : قال عبد الصمد بن سعيد الحافظ: توفي سنة ست وتسعين، وكذلك قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (1/ 282) : ولكن الصواب أنه مات سنة (88) وهو ابن أربع وتسعين سنة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.

(1/356)


سنة تسع وثمانين
فيها جهّز موسى بن نصير ولده عبد الله، فافتتح جزيرتي ميورقة [1] ومنورقة [2] وجهّز ولده الآخر مروان فغزا السّوس [3] الأقصى، وبلغ السبيّ أربعين ألفا.
وغزا مسلمة عموريّة [4] فالتقى الرّوم وهزمهم.
وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري المدني، مسح النبيّ صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له، فوعى ذلك، سمع من ابن عمر [5] .
__________
[1] قال ياقوت: ميورقة جزيرة في شرقي الأندلس، كانت قاعدة ملك مجاهد العامري، وينسب إلى ميورقة جماعة من أهل العلم. انظر «معجم البلدان» (5/ 246) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (567) .
[2] قال ياقوت: منورقة جزيرة عامرة في شرقي الأندلس قرب ميورقة. «معجم البلدان» (5/ 216) .
[3] قال ياقوت: السّوس بلدة بخوزستان، وهي معربة من الشوش، انظر «معجم البلدان» (3/ 280) .
[4] قال ياقوت: عمورية بلد في بلاد الروم. «معجم البلدان» (4/ 158) .
[5] قلت: وفيها ولي خالد بن عبد الله القسري مكة. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (302) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 440) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 536) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 239) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 76) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 297) .

(1/357)


سنة تسعين
فيها غزا قتيبة وردان خذاه [1] الغزوة الثانية، فاستصرخ عليه بالتّرك، فالتقاهم قتيبة وكسرهم.
وفيها غزا مسلمة سورية [2] ، وافتتح الحصون الخمسة.
وفيها غدر ملك الطالقان [3] ، واستعان بترك طرحان [4] على قتيبة، ثم ظفر قتيبة بن مسلم بأهل الطالقان، فقتل منهم صبرا [5] مقتلة لم يسمع بمثلها، وصلب منهم سماطين [6] كل سماط [مسيرة] [7] أربعة فراسخ في نظام واحد [8] .
__________
[1] وهو ملك بخارى. انظر «الكامل» لابن الأثير (4/ 542) ، و «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي (1/ 216) .
[2] قال ياقوت: سورية موضع بالشام بين خناصرة، وسلمية، وفي كتاب «الفتوح» : لما نصر الله المسلمين ... صعد قيصر على نشز، وأشرف على أرض الروم وقال: سلام عليك يا سورية، سلام مودع لا يرجو أن يرجع إليك أبدا. «معجم البلدان» (3/ 280) .
[3] قال ياقوت: الطالقان بلدتان إحداهما بخراسان بين مرو والروذ وبلخ، بينها وبين مرو الروذ ثلاث مراحل، وقال الإصطخري: أكبر مدينة بطخارستان طالقان، وهي مدينة في مستوى من الأرض، وبينها وبين الجبل غلوة سهم. انظر «معجم البلدان» (4/ 6، 7) .
[4] قال ياقوت: طرحان موضع بينه وبين الضميرة التي بأرض الجبل قنطرة عجيبة ضعف قنطرة حلوان. «معجم البلدان» (4/ 27) .
[5] قال ابن منظور: كلّ من حبسته لقتل أو يمين، فهو قتل صبر. وانظر «لسان العرب» «صبر» (4/ 2391) .
[6] أي صفّين، وكل صفّ من الرجال سماط.
[7] لفظة «مسيرة» التي بين حاصرتين زيادة من «دول الإسلام» للذهبي (1/ 63) .
[8] قال الذهبي في «دول الإسلام» : وسبب ذلك أن ملكها غدر، ونكث، وأعان الترك.

(1/358)


وفيها وليّ إمرة مصر قرّة بن شريك، وكان جباران ظالما [1] .
وتوفي أبو ظبيان حصيب، أو حصين [2] بن جندب الجنبيّ [3] الكوفيّ، والد قابوس [4] .
وفيها على الأصح خالد بن يزيد بن معاوية، وتقدّم ذكره [5] .
وعبد الرّحمن بن المسور بن مخرمة الزّهريّ المدنيّ الفقيه.
ومفتي مصر أبو الخير يزيد بن عبد الله اليزني، تفقّه بعقبة بن عامر.
__________
[1] وكان يشبه بالحجّاج.
[2] وهو الصواب.
[3] في الأصل، والمطبوع: «الجهني» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (3/ 313) ، قال: الجنبي: بفتح الجيم وسكون النون، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة، هذه النسبة إلى جنب، قبيلة من اليمن، ينتسب إليها جماعة من حملة العلم.
[4] وفي «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (106) : «مات سنة تسع وتسعين» وفي «الأنساب» للسمعاني: «مات سنة ست وتسعين» .
[5] انظر ص (349- 350) من هذا المجلد.

(1/359)