شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وعشرين
ومائة
فيها غزا مروان، فأتى قلعة بيت [1] السّرير [2] . فقتل وسبى، ثم دخل
حصن غومشك [3] وفيها سرير ملكهم، فهرب منه الملك، ثم إن مروان صالحهم
في العام على ألف رأس، ومائة ألف مدي [4] . ثم إنه سار حتّى دخل مدينة
أرز [5] فصالحوه وصالحه تومان شاه على بلاده، ثم سار حتّى نازل حمرين
[6] وحاصرها شهرين، ثم صالحهم وافتتح مسدار [7] صلحا. وتهيأ
__________
[1] في الأصل: «بنت» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. انظر
«العبر» للذهبي (1/ 153) .
[2] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر»
للذهبي (1/ 153) : وتسمى سرير الذهب أيضا، مملكة واسعة بين اللّان وباب
الأبواب، ومكانها اليوم في جنوب الاتحاد السوقييتي.
[3] في الأصل والمطبوع: «عومشك» ، وفي «العبر» ، و «دول الإسلام» :
«غومشك» - وهو ما أثبته- وفي «تاريخ خليفة» ص (351) : «غومسك» ، وفي
«الكامل» لابن الأثير (5/ 240) : «غوميك» .
[4] في المطبوع: «ومائة ألف هدي» وهو تحريف. والمدي مكيال لأهل الشام
ومصر. انظر «لسان العرب» (مدي) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «أزر» وهو تصحيف، والتصويب من «العبر» للذهبي.
قال ياقوت: أرز: بليدة من أول جبال طبرستان من ناحية الديلم. انظر
«معجم البلدان» (1/ 149) . قلت: وهي الآن في أراضي إيران على مقربة من
بحر قزوين.
[6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي: «حمرين» ، وفي «تاريخ
خليفة» ص (352) :
«خمرين» ، وفي «دول الإسلام» للذهبي ص (72) : «جمرين» ولم أقف على ذكر
لها في كتب البلدان التي بين يدي.
[7] كذا في الأصل، و «تاريخ خليفة» ، و «دول الإسلام» للذهبي: «مسدار»
، وفي المطبوع،
(2/91)
لمروان في هذه السنة من الفتوحات أمر عظيم،
ووقع في قلوب التّرك والخزر منه رعب شديد.
وفيها، قتل الإمام الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين، رضي الله عنهم،
بالكوفة، وكان قد بايعه خلق كثير، وحارب متولي العراق يومئذ لهشام بن
عبد الملك، يوسف بن عمر الثقفي، فقتله يوسف وصلبه، ويوسف هذا هو ابن
عمر، أبوه عمّ الحجّاج بن يوسف. ولما خرج زيد يدعو إلى طاعته جاءته
طائفة وقالوا: تبرّأ من أبي بكر وعمر حتّى نبايعك، فقال: بل أتبرأ ممن
تبرأ منهما. فقالوا: إذا نرفضك، فسموا رافضة من يومئذ. وسميت شيعته
زيدية.
وكان من أمر زيد- رضي الله عنه- أن هشاما لما عرف كماله واستجماعه
لخلال الفضل، كتب إلى عامله على الكوفة يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي
يأمره أن يوجه زيدا إلى الحجاز، ففعل، فلما بلغ زيد العذيب [1] لحقته
الشيعة وأخبروه أنّ النّاس مجمعة عليه، ولم يزالوا به حتّى رجع، فأقام
بالكوفة سنة يبايع النّاس مختفيا، وبالبصرة نحو شهر، وكان ممن بايعه
منصور بن المعتمر، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وهلال بن خبّاب
بن الأرتّ، قاضي المدائن، وابن شبرمة، ومسعر بن كدام، وغيرهم، وأرسل
إليه أبو حنيفة بثلاثين ألف درهم، وحثّ النّاس على نصره، وكان مريضا،
وكان قد أخذ عنه كثيرا، وحضر معه من أهله محمّد بن عبد الله النفس
الزّكية، وعبد الله بن علي بن الحسين، وكان ظهوره ليلة الأربعاء من دار
معاوية بن إسحاق الأنصاري لسبع بقين من المحرم، سنة إحدى، أو اثنتين
وعشرين ومائة، وقتل يوم الجمعة لثلاثة أيام من ظهوره، وهو ابن ثلاث
وأربعين سنة، واستخرج بعد دفنه وصلب بالكناسة- تربة بالكوفة- أربع
__________
و «العبر» للذهبي: «مسدارة» ولم أقف على ذكر لها في كتب البلدان التي
بين يدي.
[1] قال البكري: العذيب: واد بظاهر الكوفة. «معجم ما استعجم» (2/ 927)
.
(2/92)
سنين، ونسجت العنكبوت على عورته، ثم أنزل
وأحرق، وذرّ رماده، رضي الله عنه. روى عن أبيه وجماعة. وروى عنه شعبة،
ويأتي طرف من خبره في ترجمة هشام قريبا [1] .
وفيها قتل أحد الشجعان والأبطال أبو محمّد [2] البطّال، وله حروب
ومواقف، ولكن كذبوا عليه، فأفرطوا، ووضعوه له سيرة كبيرة، تقرأ كل وقت،
يزيد فيها من لا يستحيي من الكذب.
وفيها توفي قاضي دمشق نمير بن أوس الأشعريّ، أحد شيوخ الأوزاعي.
وأبو عبد الله محمّد بن يحيى بن حبّان الأنصاريّ المدنيّ، وقد لقي ابن
عمر، ورافع بن خديج، وطائفة، وكانت له حلقة للفتوى.
وفيها، أو في التي بعدها، سلمة بن كهيل الكوفي. روى عن جندب البجلي
وطائفة، وكان من أثبات الشّيعة وعلمائهم. حمل عنه شعبة والثوريّ.
ومسلمة بن عبد الملك بن مروان الأمويّ الأمير، ويلقب بالجرادة
الصّفراء، وكان موصوفا بالشجاعة، والإقدام، والرأي، والدّهاء. ولي
إرمينية، وأذربيجان غير مرّة، وإمرة العراقين، وسار في مائة وعشرين
ألفا، فغزا القسطنطينيّة في خلافة سليمان أخيه. وروى عن عمر بن عبد
العزيز.
__________
[1] انظر ص (102- 106) .
[2] واسمه عبد الله. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (5/
268- 269) .
(2/93)
سنة اثنتين وعشرين
ومائة
فيها كانت بالمغرب حروب مزعجة وملاحم، وخرجت طائفة كثيرة، وبايعوا عبد
الواحد الهواريّ، والتفت [1] عليه أمم من البربر [2] ثم نصر عليهم
المسلمون، وقتلوا خلقا كثيرا.
وفيها توفي قاضي البصرة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرّة المزنيّ
الليثيّ، [أحد من] [3] يضرب بذكائه وفطنته المثل. روى عن أنس وجماعة
[4] ووثقه ابن معين، ولا رواية له في الكتب الستة.
كان صاحب فراسة.
قال الحريريّ: فإذا ألمعيتي ألمعيّة ابن عبّاس، وفراستي فراسة إياس.
وقال أبو تمّام:
إقدام عمرو في شجاعة حاتم [5] ... في حلم أحنف في ذكاء إياس [6]
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 155) : «والتف» وهو أصوب.
[2] في الأصل، والمطبوع: «السرير» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
للذهبي.
[3] زيادة من «العبر» للذهبي.
[4] انظر «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 407- 408) ، طبع مؤسسة الرسالة.
[5] في الأصل، والمطبوع: «في شجاعة عنتر» وهو خطأ، والتصحيح من
«ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي.
[6] البيت في «ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي (2/ 249) طبع دار المعارف
بمصر.
(2/94)
قيل لأبيه معاوية: كيف ابنك لك؟ قال: كفاني
أمر دنياي، وفرّغني لآخرتي.
وعنه قال: رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين معا، فلم أسبقه ولم
يسبقني، وعاش أبي ستا وتسعين سنة، وها أنا فيها، فلما كان آخر لياليه
قال:
الليلة استكملت عمري، ونام فأصبح ميتا، رحمه الله تعالى.
وفيها بكير بن عبد الله بن الأشجّ، المدنيّ الفقيه نزيل مصر، وأحد شيوخ
اللّيث بن سعد، وهو من صغار التابعين.
وزبيد بن الحارث الياميّ [1] . روى عن إبراهيم النخعيّ وخلق من كبار
التابعين.
وسيّار أبو الحكم [2] صاحب الشّعبيّ، وهو واسطيّ حجّة مشهور.
ويزيد بن عبد الله بن قسيط الليثيّ المدنيّ، عن سنّ عالية، لقي أبا
هريرة.
وفيها أبو هاشم الرّمّانيّ [3] الواسطيّ، واسمه يحيى [4] كان يسكن قصر
الرّمّان [5] بواسط. روى عن أبي العالية وجماعة.
__________
[1] ويقال: «الأيامي» كما في «تهذيب التهذيب» (3/ 310) . وفي «العبر»
للذهبي (1/ 155) :
«زيد بن الحارث اليامي» ، وهو خطأ. وانظر «سير أعلام النبلاء» (5/ 296)
.
[2] هو سيّار بن وردان الواسطي العنزي. انظر «سير أعلام النبلاء» (5/
391- 392) .
[3] في الأصل: «الزماني» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
[4] هو يحيى بن دينار الرماني. انظر «الأنساب» للسمعاني (6/ 160) .
[5] في الأصل: «الزمان» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
(2/95)
سنة ثلاث وعشرين
ومائة
فيها قتل بالمغرب كلثوم بن عياض القشيريّ في عدّة من أمرائه، واستبيح
عسكره وتمزّقوا [1] هزمهم أبو يوسف الأزدي [2] رأس الصفريّة، وكان
كلثوم قد ولي دمشق لهشام، ثم ولاه غزو الخوارج بالمغرب، واتبعت
الصفريّة من انكسر من المسلمين، فثبت لهم بلج القشيريّ [3] ابن عمّ
كلثوم، فكان النصر ولله الحمد.
وقتل في المعركة أبو يوسف الأزديّ [4] .
وفيها حجّ بالنّاس يزيد ابن الخليفة هشام، ومعه الزّهريّ، فأخذ عنه إذ
ذاك مالك، وابن عيينة، وأهل الحجاز.
وفيها توفي ثابت البنانيّ، وهو ثابت بن أسلم، وبنانة من قريش، وهم رهط
بني سعد بن [لؤي] [5] وكانت بنانة أمهم، فنسبوا إليها، وكان من أنفسهم،
ويكنى أبا محمّد، وكان من سادة التابعين علما، وفضلا، وعبادة،
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 156) : «ومزّقوا» .
[2] في «العبر» للذهبي: «الأزري» وهو تحريف.
[3] في الأصل، والمطبوع: «بلخ» وهو تصحيف، والتصحيح من المصادر التي
بين يدي.
[4] في «العبر» للذهبي: «الأزري» وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (5/ 28)
.
[5] لفظة «لؤي» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
(2/96)
ونبلا، وكان من خواص أنس، وروى عن غيره من
الصحابة.
وربيعة بن يزيد الدّمشقيّ القصير، شيخ دمشق بعد مكحول، استشهد
بإفريقية، وقد لقي جبير بن نفير وطائفة.
قال فرج بن فضالة [1] : كان مفضّلا على مكحول.
وقال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحسن سمتا في العبادة منه ومن
مكحول.
وسماك بن حرب الذّهليّ الكوفيّ، أحد الكبار.
قال: أدركت ثمانين من الصحابة، وذهب بصري، فدعوت الله تعالى، فرده
عليّ.
قال أحمد العجلي: كان عالما بالشّعر وأيام النّاس، فصيحا.
وفيها أبو يونس مولى أبي هريرة، وقد شاخ، واسمه سليم [2] بن جبير، نزل
مصر، وأدركه اللّيث. روى عن مولاه عن أبي هريرة، ووثقه النسائيّ.
وفيها سيّد القراء، وعالم البصرة وعابدها، محمد بن واسع الأزدي، أخذ عن
أنس، ومطرّف بن الشّخّير، وطائفة وهو مقلّ. روى خمسة عشر حديثا،
ومناقبه مشهورة.
قال بعضهم [3] : كنت إذا وجدت فترة أو قسوة، نظرت في وجهه فيذهب ذلك
جميعه عني. أو قال: شهرا.
وقال له مالك بن دينار- وقد نبهه على بعض دقائق الورع-:
ما أحوجني إلى معلّم مثلك.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 157) : «نوح بن فضالة»
وهو خطأ.
والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي.
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 157) : «سليمان» ، وهو تحريف، فيصحح فيه.
[3] في «سير أعلام النبلاء» (6/ 120) : «وقال: جعفر بن سليمان» .
(2/97)
وفيها قارئ مكّة بعد ابن كثير، محمّد بن
عبد الرّحمن بن محيصن.
ومنهم من يسميه عمر.
قال في «العبر» [1] : وأظنهما أخوين. وله رواية شاذة في كتاب «المبهج»
[2] وغيره. وقد روى عن صفيّة بنت شيبة وغيرها. انتهى.
__________
[1] (1/ 157) .
[2] واسمه الكامل: «المبهج في القراآت الثمان، وقراءة الأعمش، وابن
محيصن، واختيار خلف واليزيدي» ، وهو للشيخ أبي محمد عبد الله بن علي بن
أحمد المعروف بسبط الخياط البغدادي، المتوفى سنة (541) هـ. انظر «كشف
الظنون» (2/ 1582) .
(2/98)
سنة أربع وعشرين
ومائة
فيها تمت وقعة عظيمة [1] كبيرة بالمغرب مع الصفريّة، ورأسهم ميسرة
الحقير. وذاق المسلمون منهم مشاقّا وبلاء شديدا.
وفيها مات محمّد بن عبد الرّحمن بن أسعد [2] بن زرارة الأنصاري، أحد
الثقات، وقد ولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزيز، وأدركه ابن عيينة.
والقاسم بن أبي بزّة المكي. روى عن أبي الطّفيل وجماعة يسيرة.
وفي رمضان منها توفي الإمام أبو بكر محمّد بن [مسلم ابن] عبيد الله بن
عبد الله بن شهاب [3] الزّهري المدني، أحد الفقهاء السبعة [4] وأحد
الأعلام المشهورين، عن أربع وسبعين سنة. سمع من سهل بن سعد، وأنس بن
مالك، وخلق.
__________
[1] لفظة «عظيمة» لم ترد في المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 158) ،
ولعلها زيادة من ناسخ المخطوطة التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب.
[2] في «العبر» للذهبي: «سعد» وهو خطأ فيصحّح فيه.
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن
شهاب» ، وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 158) . وانظر «مشاهير
علماء الأمصار» لابن حبان ص (66) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/
326) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 286) .
[4] قلت: قوله: «أحد الفقهاء السبعة» غير صحيح، فهو لم يكن من الفقهاء
السبعة المشهورين في المدينة، ولكنه مدني أيضا، وأحد الأئمة الأعلام
وعالم الحجاز والشام، ولعله اشتبه عليه ب (عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود) فهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة.
قال اليافعي: وكان- يعني الزهري- قد حفظ علم الفقهاء والسبعة.
(2/99)
قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث.
وقال عمر بن عبد العزيز: لم يبق أعلم بسّنة ماضية من الزّهري.
وكذا قال مكحول.
وقال اللّيث: قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي علما فنسيته. قال اللّيث:
فكان يكثر شرب العسل، ولا يأكل شيئا من التفاح الحامض.
وقال: من أحب حفظ الحديث فليأكل الزّبيب.
وقال أيوب: ما رأيت أعلم من الزّهريّ.
قال في «العبر» [1] : قلت: وكان معظّما، وافر الحرمة عند هشام بن عبد
الملك، أعطاه مرّة سبعة آلاف دينار.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت الدّينار والدّرهم عند أحد أهون منهما عند
الزّهريّ، كأنها بمنزلة البعر. انتهى.
ورأى عشرة من الصحابة- رضي الله عنهم- وكان إذا أقبل على كتبه لم يلتفت
إلى شيء. فقالت له امرأته [2] [يوما] : والله إن هذه الكتب أشد عليّ من
ثلاث ضرائر.
وقال ابن تيميّة: حفظ الزّهريّ الإسلام نحوا من سبعين سنة.
وقال ابن قتيبة [3] : وكان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين
بدرا، وكان أحد النّفر الذين تعاقدوا يوم أحد، لئن رأوا رسول الله-
صلّى الله عليه وسلّم-
__________
[1] (1/ 159) .
[2] في الأصل: «زوجته» ، وأثبت ما جاء في المطبوع لأنه يوافق لفظ «مرآة
الجنان» لليافعي أحد مصادر المؤلف.
[3] «المعارف» ص (472) .
(2/100)
ليقتلنه، أو ليقتلنّ دونه، وهم عبد الله بن
شهاب، وأبي بن خلف، وابن قمئة [1] ، وعتبة بن أبي وقّاص.
وكان يزيد بن عبد الملك استقضى الزّهري، ولما مات دفن بماله [2] على
قارعة الطريق ليمرّ مارّ فيدعو له، والموضع الذي دفن فيه آخر أعمال [3]
الحجّاز، وأول عمل فلسطين، وبه ضيعته [4] .
وأخوه الزّهريّ عبد الله بن مسلم، كان أسنّ [5] من الزّهري، ويكنى أبا
محمّد، وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره، ومات قبل الزّهريّ.
انتهى ملخصا.
__________
[1] ويقال: «ابن قميئة» أيضا. وهو عبد الله بن قمئة الليثي. انظر
«السيرة النبوية» (2/ 718) تحقيق السقا، والأبياري، والشلبي.
[2] في الأصل، والمطبوع: «بمالة» وهو تصحيف، والتصحيح من «المعارف»
لابن قتيبة ص (472) .
[3] في «المعارف» : «آخر عمل» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «وبه ضيعة» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» .
[5] في الأصل: «أسبق» ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في
«المعارف» .
(2/101)
سنة خمس وعشرين
ومائة
فيها توفي أبو سعد [1] سعيد بن أبي سعيد المقبريّ [2] المحدّث المكثر
عن أبي هريرة. وروى عن سعد بن أبي وقّاص.
قال ابن سعد: ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين.
قال الذهبيّ في «العبر» [3] : قلت: ما سمع منه ثقة في اختلاطه. انتهى.
وفيها مات- في ربيع الآخر- الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك
الأموي، وكانت خلافته عشرين سنة، إلّا أشهرا [4] وكانت داره عند
الخوّاصين بدمشق، فعمل منها السلطان نور الدّين مدرسة، وكان ذا رأي
وحزم وحلم، وجمع للمال [5] عاش أربعا وخمسين سنة، وكان أبيض سمينا،
أحول سديدا، حسن الكلام، شكس الأخلاق، شديد الجمع للمال، قليل البذل.
وكان حازما متيقظا لا يغيب عنه شيء من أمر ملكه.
قال المسعودي [6] : كان هشام أحول فظا غليظا يجمع الأموال، ويعمر
__________
[1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 159) : «أبو سعيد» وهو
خطأ، والتصحيح من كتب الرجال.
[2] في الأصل: «القبري» وهو تحريف من الناسخ. وأثبت ما في المطبوع.
[3] (1/ 160) ، وقد نقل المؤلف رحمه الله الترجمة كلها عنه.
[4] في الأصل، والمطبوع: «إلّا شهرا» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر
المؤلف.
[5] في «العبر» : «وجمع المال» وهو تحريف، فيصحح فيه.
[6] في «مروج الذهب» (3/ 217) .
(2/102)
الأرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحلبة،
فاجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك في
جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس، وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من
الخيل، واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب ولأمتها، واصطنع الرّجال
وقوّى الثّغور [1] واتخذ القنيّ والبرك بمكّة، وغير ذلك من الآثار [2]
التي أتى عليها داود بن علي في صدر الدّولة العبّاسية.
وفي أيامه عمل الخزّ [3] فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه، ومنعوا ما
في أيديهم فقلّ الإفضال، وانقطع الرّفد، ولم ير زمان أصعب من زمانه.
وكان زيد بن عليّ يدخل على هشام، فدخل عليه يوما بالرّصافة [4] فلما
مثل بين يديه، لم ير موضعا يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه.
فقال له: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله. فقال له هشام:
أسكت لا أم لك، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة، وأنت ابن أمة، فقال:
يا أمير المؤمنين إن لك جوابا، إن أحببت أجبتك به، وإن أحببت أمسكت
عنك، قال: لا بل أجب. قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرّجال عن الغايات،
وقد كانت أمّ إسماعيل أمة لأمّ إسحاق- صلى الله عليهما وسلم- فلم يمنعه
ذلك أن ابتعثه الله نبيا [5] ، وجعله للعرب أبا، وأخرج من صلبه خير
البشر محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- أفتقول لي كذا وأنا ابن فاطمة،
وابن عليّ؟ وقام وهو يقول:
__________
[1] جمع ثغر، وهو موضع المخافة من فروج البلدان. انظر «مختار الصحاح» ص
(84) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «والآبار» وهو تصحيف، والتصحيح من «مروج
الذهب» (3/ 217) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «الحزر» ، والتصحيح من «مروج الذهب» .
والخزّ: من الثياب. انظر «مختار الصحاح» ص (174) .
[4] قال ياقوت: الرصافة: غربي الرّقة، بينهما أربعة فراسخ على طرف
البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام، وكان يسكنها في الصيف.
«معجم البلدان» (3/ 47) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «فلم يمنعه ذلك إلى أن ابتعثه الله نبيا»
بزيادة «إلى» وليس لوجودها مبرر، ولعلها من زيادات النساخ، وقد أبقيت
العبارة كما جاءت في «مروج الذهب» .
(2/103)
شرّده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حرّ
الجلاد
منخرق الخفّين يشكو الجوى [1] ... تنكثه [2] أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
إن يحدث الله له دولة ... يترك آثار العدا كالرّماد
وعرض هشام يوم الجند بحمص، فمرّ به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور،
فقال له هشام: ما حملك على أن تربط [3] فرسا نفورا؟
فقال الحمصيّ لا والرّحمن الرّحيم يا أمير المؤمنين، ما هو بنفور،
وإنما أبصر حولك فظن أنه عين غزوان [4] البيطار فنفر، فقال له هشام:
تنحّ، فعليك وعلى فرسك لعنة الله، وكان غزوان [4] نصرانيا ببلاد حمص،
كأنه هشام في حوله وكشفته.
وبينما هشام ذات يوم جالسا [خاليا] [5] وعنده الأبرش الكلبيّ، إذ طلعت
وصيفة لهشام عليها حلّة، فقال للأبرش: مازحها، فقال لها الأبرش: هبي لي
حلّتك، فقالت: لأنت أطمع من أشعب، فقال [لها] هشام: ومن أشعب؟
فقالت: كان مضحكا بالمدينة، وحدثته [6] ببعض أحاديثه، فضحك هشام وقال:
اكتبوا إلى إبراهيم بن هشام- وكان عامله على المدينة- في حمله إلينا،
فلما ختم الكتاب، أطرق هشام طويلا. ثم قال: يا أبرش، هشام يكتب إلى بلد
رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ليحمل إليه [منه] مضحك؟ لاها الله،
ثم تمثل:
__________
[1] في الأصل: «الوحي» وهو تحريف، وفي المطبوع: «الوجا» وهو خطأ،
والتصحيح من «مروج الذهب» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «ينكبه» والتصحيح من «مروج الذهب» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «ترتبط» وما أثبته من «مروج الذهب» .
[4] في الأصل والمطبوع: «عرون» وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» .
[5] زيادة من «مروج الذهب» .
[6] في الأصل، والمطبوع: «قال: مضحكة بالمدينة، وحدثه» وهو تحريف غير
المعنى في سياق الكلام، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 221) .
(2/104)
إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى ... إلى
بعض ما فيه عليك مقال
وأوقف الكتاب.
ودخل هشام بستانا له ومعه ندماؤه، فطافوا به وفيه من كل الثمار، فجعلوا
يأكلون ويقولون: بارك الله لأمير المؤمنين، فقال: وكيف يبارك لي فيه
وأنتم تأكلون؟!، ثم قال: ادع قيّمه، فدعا به، فقال له: اقلع شجره واغرس
فيه زيتونا حتّى لا يأكل أحد منه شيئا.
وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر، فقال له: يا هشام أتؤمّل
الخلافة وأنت جبان بخيل! قال: أي والله العليم الحليم [1] .
وذكر الهيثم بن عديّ، والمدائني وغيرهما، أن السّوّاس من بني أميّة
ثلاثة: معاوية، وعبد الملك، وبهشام ختمت أبواب السياسة وحسن السّير [2]
وأن المنصور كان في أكثر أموره، وتدبيره، وسياسته، متبعا لهشام في
أفعاله، لكثرة ما يستحسنه من أخبار هشام وسيره. انتهى ملخصا.
ومن نوادره ما روي أنه تمادى في الصيد فوقع على غلام، فأمره ببعض
الأمر، فأبى الغلام، وأغلظ له في القول، وقال له: لا قرّب الله دارك،
ولا حيّا مزارك، في قصة طويلة، فيها أنه أمر بقتله وقرّب له نطع الدّم،
فأنشأ الغلام يقول:
نبّئت أنّ الباز علّق مرّة ... عصفور برّ ساقه المقدور
فتكلّم العصفور في أظفاره ... والباز منهمك عليه يطير
ما في ما يغني لبطنك شبعة ... ولئن أكلت فإنّني لحقير
__________
[1] في «مروج الذهب» (1/ 223) : «فقال: والله إني عليم حليم» .
[2] في «مروج الذهب» : «وحسن السيرة» .
(2/105)
فتعجّب الباز المدلّ بنفسه ... عجبا وأفلت
ذلك العصفور [1]
فضحك هشام، وقال: يا غلام احش فاه درّا وجوهرا.
وفيها توفي أشعث بن أبي الشّعثاء [2] المحاربيّ [3] الكوفي.
وآدم بن عليّ الشيبانيّ الكوفي الذي روى عن ابن عمر.
وأبو [بشر] جعفر بن أبي وحشيّة، وإياس [4] ، صاحب سعيد بن جبير.
وقد روى عن عبّاد بن شرحبيل الصحابي.
وأبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس الهاشمي، والد
المنصور، والسّفّاح، وله ستون سنة، وكان جميلا، وسيما، مهيبا، نبيلا،
وكان دعاة العباسيين يكاتبونه ويلقّبونه بالإمام.
وسبب انتقال الأمر إلى العباسيين [5] ، أن الشيعة كانت تقصد إمامة
محمّد بن الحنفيّة بعد أخيه الحسين، ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم،
فلما حضرت أبا هاشم الوفاة ولا عقب له، أوصى إلى محمّد بن علي المذكور،
__________
[1] الأبيات في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 288) ط: مؤسسة الرسالة، وقد
نقل المؤلف الخبر الأخير عنه بتصرف.
[2] في الأصل، والمطبوع: «أشعث بن أبي الشّعث» وهو تحريف، والتصحيح من
«العبر» للذهبي (1/ 160) ، وانظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص
(164) .
[3] في «العبر» : «الحارثي» وهو تحريف.
[4] يعني يعرف ب ابن أبي وحشية، وابن إياس أيضا. انظر «تهذيب الكمال»
للمزي (1/ 192 و 204) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق.
قلت: وقد فصل الأستاذ حسام الدّين القدسي ناشر الطبعة السابقة بين ذكر
«ابن أبي وحشية» و «إياس» فبدى سياق النص في المطبوع وكأن المؤلف يتكلم
عن رجلين!!، ولفظة «بشر» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع،
واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 160) . ومن «تهذيب الكمال» .
[5] في المطبوع: «للعباسيين» .
(2/106)
ودفع إليه كتبه، وصرف الشيعة إليه، ولما
حضرته الوفاة، أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام، فلما حبسه مروان
بن محمّد آخر ملوك الأمويين، وعرف أنه مقتول، أوصى إلى السّفّاح- وهو
أول خلفاء العباسيين- وشرح القصة يطول، وسنورد تمامه في ترجمة السّفّاح
[1] إن شاء الله تعالى.
وفيها، وقيل: في سنة أربع، زيد بن أبي أنيسة الجزريّ الرّهاويّ الحافظ،
أحد علماء الجزيرة [2] ، وله أربعون سنة. روى عن جماعة من التابعين.
قال الذّهبيّ في «المغني» [3] : هو ثقة، نبيل.
قال أحمد: في حديثه بعض النكارة [4] .
وفيها، أو بعدها، زياد بن علاقة الثّعلبيّ الكوفي. روى عن طائفة. وكان
معمّرا، أدرك ابن مسعود، وسمع من جرير بن عبد الله.
وفيها صالح مولى التوءمة المدنيّ، وقد هرم، وخرّف. لقي أبا هريرة
وجماعة.
__________
[1] انظر ص (161- 182) من هذا المجلد.
[2] يعني جزيرة أقور التي تقع الآن بين سورية والعراق وتركيا.
[3] (1/ 245) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «النكرة» ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء»
للذهبي.
(2/107)
|