شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وعشرين ومائة
فيها في جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن
البحراء [1] بقرب تدمر. وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر. وكان من أجمل
النّاس، وأقواهم وأجودهم نظما، ولكنه كان فاسقا متهتكا، زعم أخوه
سليمان أنه راوده عن نفسه. فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد بن الوليد
الملقّب بالنّاقص، لكونه نقص الجند أعطياتهم.
وبويع يزيد النّاقص، فمات في العشر من ذي الحجّة من السنة عن ست
وثلاثين سنة.
وبويع بعده أخوه إبراهيم بن الوليد، وكان في يزيد زهد وعدل، وخير، لكنه
قدريّ.
قال الشّافعيّ: ولي يزيد بن الوليد، فدعا النّاس إلى القدر وحملهم
عليه، وسيأتي الكلام عليه بقية قريبا إن شاء تعالى. قاله في «العبر»
[2] .
وقال المسعوديّ في «مروج الذهب» [3] : ظهر في أيام الوليد بن يزيد،
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «البخراء» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر»
للذهبي (1/ 161) .
[2] (1/ 162) .
[3] (3/ 225) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
(2/108)
يحيى بن زيد بن علي [بن الحسين بن علي] [1]
بن أبي طالب بالجوزجان من بلاد خراسان، منكرا للظلم وما عمّ النّاس من
الجور، فسيّر إليه نصر بن سيّار، سلم [2] بن أحوز المازني، فقتل يحيى
في المعركة بسهم أصابه في صدغه بقرية يقال لها: أرعونة، ودفن هنالك،
وقبره مشهور [مزور] [3] إلى هذه الغاية، وليحيى وقائع كثيرة، ولما قتل،
ولىّ أصحابه يومئذ، واحتزّوا رأسه، فحمل إلى الوليد، وصلب جسده
بالجوزجان، فلم يزل مصلوبا إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدّولة
[العبّاسية] [4] فقتل سلم [5] بن أحوز، وأنزل جثة يحيى، فصلى عليها
ودفنت هنالك، وأظهر أهل خراسان النّياحة على يحيى بن زيد سبعة أيام في
سائر عمائرها [6] في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أميّة، ولم
يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلّا وسمّي يحيى أو زيد، لما داخل [7]
أهل خراسان من الجزع والحزن عليه [8] .
وكان ظهور يحيى في آخر سنة خمس وعشرين، وقيل: في [أول] [9] سنة ست
وعشرين ومائة، وكان يحيى يوم قتل يكثر من التمثل بقول الخنساء:
نهين النّفوس وهون النّفو ... س يوم الكريهة أوفى لها [10]
__________
[1] زيادة من «مروج الذهب» (3/ 225) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «سالم» ، وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب»
والمصادر التي بين يدي.
[3] زيادة من «مروج الذهب» .
[4] زيادة من «مروج الذهب» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «سالم» ، والتصحيح من «مروج الذهب» والمصادر
التي بين يدي.
[6] في «مروج الذهب» : «في سائر أعمالها» .
[7] في الأصل: «دخل» وأثبت ما في المطبوع.
[8] في الأصل، والمطبوع: «عليهما» ، والتصحيح من «مروج الذهب» .
[9] لفظة «أول» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «مروج الذهب» .
[10] البيت في «ديوانها» ص (126) طبع مكتبة الأندلس ببيروت وروايته
فيه:
(2/109)
وكان الوليد بن يزيد صاحب شراب ولهو وطرب
وسماع للغناء، وهو أول من حمل المغنّين إليه من البلدان، وجالس
الملهين، وأظهر الشّرب والملاهي والعزف.
وفي أيامه كان ابن سريج المغنّي، ومعبد، والغريض [1] وابن عائشة، وابن
محرز، وطويس، ودحمان، المغنّين، وغلبت شهوة الغناء في أيامه على الخاص
والعام، واتخذ القيان، وكان متهتكا، ماجنا، خليعا، وطرب الوليد لليلتين
خلتا من ملكه وأرق فأنشأ يقول:
طال ليلي وبتّ أسقى السّلافه ... وأتاني نعيّ من بالرّصافه
فأتاني [2] ببردة وقضيب ... وأتاني بخاتم الخلافة [3]
ومن مجونه قوله عند وفاة هشام، وقد أتاه البشير بذلك، وسلّم عليه
بالخلافة.
إني سمعت خليلي ... نحو الرّصافة رنّه
أقبلت أسحب ذيلي ... أقول ما حالهنّه
إذا بنات هشام ... يندبن والدهنّه
يدعون ويلا وعولا ... والويل حلّ بهنّه
أنا المخنّث حقّا ... إن لم أنيكهنّه [4]
__________
نهين النفوس وهون النفوس ... يوم الكريهة أبقى لها
[1] في المطبوع: «والقريض» وهو تحريف. وهو عبد الملك، مولى العبلات، من
مولدي البربر، من أشهر المغنين في صدر الإسلام، ومن أحذقهم في صناعة
الغناء. سكن مكة، وغنى سكينة بنت الحسين، وكان يضرب بالعود، وينقر
بالدف، ويوقع بالقضيب، كنيته أبو يزيد أو أبو مروان، ولقب ب «الغريض»
لجماله ونضارة وجهه، مات سنة (95) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 156)
.
[2] في «مروج الذهب» : «وأتاني» .
[3] في المطبوع، و «مروج الذهب» : «وأتاني بخاتم للخلافة» .
[4] في المطبوع، و «مروج الذهب» : «أنيكنّهنّه» .
(2/110)
ومن مليح قوله في الشّراب:
وصفراء في الكأس كالزّعفران ... سباها لنا التّجر من عسقلان
تريك القذاة وعرض الإناء ... وستر لها دون مسّ البنان
لها حبب كلّما صفّقت ... تراها كلمعة برق يماني
ومن مجونه أيضا على شرابه قوله لساقيه:
اسقني يا يزيد بالقرقارة [1] ... قد طربنا وحنّت الزّمّارة [2]
اسقني اسقني فإنّ ذنوبي ... قد أحاطت فما لها كفّاره
والوليد يدعى خليع بني مروان، وقرأ ذات يوم وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ
كُلُّ جَبَّارٍ [3] عَنِيدٍ من وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى من ماءٍ
صَدِيدٍ 14: 15- 16 [إبراهيم: 15- 16] ، فدعا بالمصحف فنصبه غرضا [4]
[للنشّاب] [5] وأقبل يرميه وهو يقول:
أتوعد كلّ جبّار عنيد ... فها أنا ذاك جبّار عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر ... فقل يا ربّ خرّقني الوليد [6]
وذكر محمّد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبيّ-
صلّى الله عليه وسلّم- ومن ذلك الشعر:
تلعّب بالخلافة هاشميّ ... بلا وحي أتاه ولا كتاب
فقل لله يمنعني طعامي ... وقل لله يمنعني شرابي
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «بالطرجهارة» وهو تحريف، والتصحيح من «مروج
الذهب» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «المزمارة» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «وخاب كل خيار» وهو تحريف شنيع.
[4] الغرض: الهدف الذي يرمى فيه. «مختار الصحاح» ص (472) .
[5] زيادة من «مروج الذهب» (3/ 226) .
[6] أعوذ بالله من هذا الكلام صحت نسبته إليه أو لم تصح، فإنه مما لا
يتلفظ به إلّا من حبط عمله، وأيقن بأن جهنم لا محال مستودعه ومقره.
والبيتان في «مروج الذهب» .
(2/111)
فلم يمهل بعد قوله هذا إلّا أياما حتّى
قتل. انتهى ما ذكره في «المروج» ملخصا.
وأمّ الوليد بنت أخي الحجّاج بن يوسف الثّقفيّة، ويكنى أبا العبّاس.
وقصمه الله وهو ابن سبع وثلاثين سنة. وقيل: اثنتان وأربعون سنة، ودفن
بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير.
وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي. روى عن ابن عمر، ومعاوية.
وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله القسريّ الدّمشقيّ الأمير تحت العذاب،
وله ستون سنة، وكان جوادا ممدّحا، خطيبا، مفوّها، خطب بواسط يوم أضحى،
وكان ممن حضره الجعد بن درهم، فقال خالد في خطبته:
الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلا، وموسى كليما، فقال الجعد- وهو
بجانب المنبر- لم يتخذ الله إبراهيم خليلا، ولا موسى كليما، ولكن من
وراء وراء، فلما أكمل خالد خطبته قال: يا أيها النّاس ضحّوا قبل الله
ضحاياكم، فإني مضحّ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم
خليلا، ولا موسى كليما. في كلام طويل. ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر.
فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية.
والجعد هذا من أوّل من نفى الصّفات، وعنه انتشرت مقالة الجهميّة، إذ
ممن حذا حذوه في ذلك الجهم بن صفوان، عاملهما الله تعالى بعدله.
قال الذّهبيّ في «المغني» [1] : الجعد بن درهم ضالّ مضلّ، زعم أن الله
تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوا كبيرا.
انتهى.
__________
[1] (1/ 131) .
(2/112)
وقال فيه [1] أيضا: خالد بن عبد الله
القسري، عن أبيه، عن جده، صدوق، لكنه ناصبيّ جلد. انتهى.
وقال ابن معين عن خالد هذا: كان رجل سوء يقع في علي- رضي الله عنه- ولي
العراق لهشام. انتهى.
وقال ابن الأهدل في «تاريخه» عن خالد: كان أمير العراق لهشام، وكان أحد
الأجواد، كتب إليه هشام: بلغني أن رجلا قال لك: إن الله كريم، وأنت
كريم جواد، وأنت جواد، حتّى عدّ عشر خصال، والله لئن لم تخرج من هذا
لأستحلنّ دمك، فكتب إليه خالد: إنما قال لي: إن الله كريم يحب الكريم،
فأنا أحبك لحب الله إياك.
ولكن أشد من هذا مقام ابن شقيّ [2] البجلي بحضرة أمير المؤمنين قائلا:
خليفتك أحبّ إليك أم رسولك، فقال: بل خليفتي، فقال: أنت خليفة الله
ومحمد ورسوله، والله لقتل رجل من بجيلة أهون من كفر أمير المؤمنين.
فكتب هشام إلى عامله على اليمن يوسف ابن عم الحجّاج يقول:
اشفني من ابن النصرانية، فسار يوسف من حينه، واستعمل ولده الصّلت
مكانه، ووصل العراق في سبعة عشر يوما، فوقع على خالد بالحيرة منزل
النّعمان بن المنذر على فرسخ من الكوفة، فعذّبه أشد تعذيب، وجعل عليه
كل يوم مالا معلوما، إن لم يؤدّه ضاعف عذابه، ومدحه أبو الشغب [3]
العبسي في السجن بقوله:
لعمري لقد عمّرتم السّجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
__________
[1] يعني في «المغني في الضعفاء» (1/ 203) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «ابن سعي» وهو تحريف، والتصحيح من «مرآة
الجنان لليافعي (1/ 290) . وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/
278) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو الشعث» ، والتصحيح من «مرآة الجنان»
لليافعي (1/ 291) .
(2/113)
ألا إنّ خير النّاس حيّا وميّتا ... أسير
ثقيف عندهم في السّلاسل
لقد كان نهّاضا لكلّ ملمّة ... ويعطي اللهى غمرا [1] كثير النّوافل
وقد كان يبني [2] المكرمات لقومه ... ويعطي العطا في كلّ حقّ وباطل [3]
فأنفذ إليه عطاء ذلك اليوم، فاعتذر عن قبولها، فأقسم عليه ليأخذنها.
وكان خالد فيما قيل، من ذرّيّة شقّ الكاهن، وشقّ ابن خالة سطيح، وكانا
من أعاجيب الزّمان، كان سطيح جسدا ملقى بلا جوارح، ووجهه في صدره، ولم
يكن له رأس ولا عنق، وكان لا يقدر يجلس إلّا إذا غضب، فإنه ينتفخ
فيجلس، قيل: وكان يطوى مثل الأديم، وينقل من مكان إلى مكان.
وكان شقّ نصف إنسان له يد ورجل، وولدا في يوم واحد، وهو اليوم الذي
ماتت فيه طريفة الكاهنة [4] الحميرية زوجة عمرو بن مزيقياء بن عامر بن
ماء السماء، وحين ولدا تفلت في أفواههما، وماتت من ساعتها ودفنت
بالجحفة.
انتهى ما أورده ابن الأهدل.
وفيها توفي درّاج بن سمعان أبو السّمح المصري القّاص، مولى عبد الله بن
عمرو بن العاص.
قال السّيّوطيّ في «حسن المحاضرة» [5] : يقال: اسمه عبد الرّحمن،
ودرّاج لقب.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «فضلا» والتصحيح من «مرآة الجنان» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «يقني» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» .
[3] الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 230) ، و «مرآة الجنان»
لليافعي (1/ 291) .
[4] هي طريفة بنت الخير الحميرية. كاهنة يمانية، من الفصيحات البليغات.
كانت زوجة للملك عمرو بن مزيقياء بن ماء السماء الأزدي الكهلاني، قيل:
إنها تنبأت له بانهيار «السد» فاستعد هو وقومه للهجرة. انظر «الأعلام»
(3/ 226) .
[5] (1/ 266) طبع دار إحياء الكتب العربية في القاهرة بتحقيق الأستاذ
محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله تعالى.
(2/114)
روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء. وعنه
اللّيث [1] . انتهى.
وفيها، وقيل: سنة ثمان، سعيد بن مسروق والد سفيان، الثّوريّ.
وعمرو بن دينار، أبو محمّد، الجحميّ مولاهم اليمنيّ الصنعانيّ
الأبناويّ [2] بمكّة، عن ثمانين سنة.
قال عبد الله بن أبي نجيح: ما رأيت أحدا قطّ أفقه منه.
وقال شعبة: ما رأيت في الحديث أثبت منه.
قال في «العبر» [3] : سمع ابن عبّاس، وجابرا، وطائفة. انتهى.
وقال طاووس لابنه: إذا قدمت مكّة فجالس عمرو بن دينار، فإن أذنيه قمع
العلم.
والقمع بكسر القاف وفتح الميم: إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل، يصب فيه
الدّهن إلى قارورة أو نحوها.
وقال ابن قتيبة [4] : هو مولى ابن باذان من فرس اليمن. انتهى.
وفيها توفي عبد الرّحمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق
التيميّ المدنيّ الفقيه، كان إماما، ورعا، كثير العلم.
وفيها على الصحيح سليمان بن حبيب المحاربي، قاضي دمشق. روى عن معاوية
وجماعة.
قال أبو داود: ولي قضاء دمشق أربعين سنة.
__________
[1] في المطبوع: «الليثي» وهو خطأ.
[2] في الأصل، والمطبوع: «الإيناوي» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، فقد
كان من «الأبناء» لذا نسبه المؤلف إليهم.
[3] (1/ 163) .
[4] انظر «المعارف» ص (468) .
(2/115)
وعبد الله بن هبيرة السّبئيّ [1] المصريّ
وله ست وثمانون سنة.
وعبيد الله بن أبي يزيد المكي، صاحب ابن عبّاس.
ويحيى بن جابر الطائيّ، قاضي حمص.
قال ابن الأهدل: وفي ذي الحجّة منها مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك
وقد بلغ من السن أربعين سنة، وولايته خمسة أشهر، وله عقب كثير، وفي
جدّاته من أمه كسراويتين وقيصرية، وفي ذلك يقول مفتخرا:
أنا ابن كسرى وأنا ابن خاقان ... وقيصر جدّي وجدّي مروان
ومن خطبته يوم قتل الوليد: أيّها النّاس والله ما خرجت أشرا ولا بطرا،
ولا حرصا على الدّنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، إني
لظلوم لها، ولكني خرجت غضبا [2] لله ولدينه، لمّا ظهر الجبار العنيد،
المستحل لكل حرمة، الراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه لابن عمي
في النسب وكفؤي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته
أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني، حتّى أراح الله منه
العباد، وطهّر منه البلاد، بحوله وقوته، لا بحولي ولا قوتي. انتهى.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «السباري» وهو تحريف، والتصحيح من «الأنساب»
للسمعاني (7/ 23) .
[2] في الأصل: «غصبا» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع.
(2/116)
سنة سبع وعشرين
ومائة
لما بلغ مروان بن محمّد بن مروان وفاة يزيد النّاقص، سار من إرمينية في
جيوشه [1] يطلب الأمر لنفسه، فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشرا، ومسرورا
في جيش كبير، فهزم جيشهما، وأسرهما، ثم حاربه سليمان بن هشام بن عبد
الملك، فانهزم أيضا، فخرج إبراهيم للقائه، وكان مروان نزل بمرج دمشق،
وبذل إبراهيم الأموال والخزائن، فخذله أصحابه، فخلع نفسه، وبايع هو
والنّاس مروان.
وفي هذه الفتنة قتل يوسف بن عمر الثقفيّ في السّجن بدمشق، وكان سجنه
يزيد بن الوليد مع الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد اللّذين يقال
لهما: الجملان، فلما ولي إبراهيم بن الوليد، وغلبه مروان، خافت جماعة
إبراهيم أن يدخل مروان دمشق فيخرجهما مع يوسف، فندبوا لقتلهم يزيد بن
خالد بن عبد الله القسريّ، فقتلهم، وأدرك الثأر بأبيه، فجعل في رجلي
يوسف حبلا وجرّره الولدان في الشوارع، ففعل يزيد بن خالد مثل ذلك في
ذلك الموضع، نعوذ بالله من سخطه.
وقتل أيضا عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك.
__________
[1] في الأصل: «في جيوش» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في
«العبر» للذهبي (1/ 164) .
(2/117)
وفيها توفي عبد الله بن دينار، مولى ابن
عمر بالمدينة.
قال ابن ناصر الدّين: كان ثبتا، ثقة، متقنا.
والسيد الكبير الولي الشهير أبو يحيى مالك بن دينار البصريّ الزّاهد
المشهور، كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك، وكان
يكتب المصاحف بالأجرة، أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة، ولا
يأكل إلّا من عمل يده، ووقع حريق بها فخرج متّزرا بباريّة [1] ، وبيده
مصحف، وقال: فاز المخفّون. وقيل له: ألا تستسقي لنا؟ فقال: أنتم
تنتظرون الغيث، وأنا أنتظر الحجارة.
وقال له رجل: إن امرأتي حبلى منذ أربع سنين، وأصبحت اليوم في كرب عظيم،
فادع الله لها، فقال: اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما، فإنك
تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب، فجاء الرّجل على رقبته غلام، وقد
استوت أسنانه وما قطع سراره.
وفيها توفي عمير بن هانئ العنسيّ- بالنون- الدّارانيّ [2] . روى عن
معاوية في «الصحيحين» وعن أبي هريرة في «السنن» .
قال له عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر: أراك لا تفتر عن الذّكر، فكم
تسبّح كل يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة، إلّا أن تخطئ الأصابع.
قلت: هذا صريح منه بأنه كان يعدّ التسبيح بأصابعه، ولكن أورد أبو بكر
بن داود في «التحفة» أنّ أبا الدّرداء كان يسبّح كل يوم مائة ألف
تسبيحة أيضا، ثم قال ما معناه: وهذا دليل أنه كان يستعمل السّبحة، إذ
يبعد ويتعذّر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها، وجعله من جملة الأدلة على
السّبحة، بعد
__________
[1] أي بحصيرة منسوجة. (ع) .
[2] نسبة إلى داريا، وهي من القرى الكبيرة في غرب دمشق. انظر «معجم
البلدان» (2/ 431- 432) .
(2/118)
أن ذكر أيضا أن أبا هريرة كان يسبّح كل يوم
اثني عشر ألف تسبيحة. وسلسل إليه حديثا بالسبحة [1] ، والله أعلم.
وفيها قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ
المدني.
قال شعبة: كان يصوم الدّهر، ويختم كل يوم [2] .
وعبد الكريم بن مالك الجزريّ الحرّانيّ [3] الحافظ كهلا.
قال في «المغني» [4] : ثقة مشهور توقّف فيه ابن حبّان.
وفيها وهب بن كيسان المدنيّ المؤدّب عن سنّ عالية.
وفيها، أو في سنة تسع، إسماعيل السّديّ الكوفيّ المفسر المشهور [5] .
وفيها، وقيل: سنة ثمان، توفي أبو إسحاق عمرو [6] بن عبد الله السّبيعي
الكوفي شيخ الكوفة وعالمها، له نحو المائة. رأى عليا، وغزا الرّوم زمن
معاوية.
__________
[1] أقول: ليس ذلك دليلا على صحة الحديث المسلسل بالسبحة، كما أنه ليس
دليلا على السبحة نفسها، والأولى التسبيح بالأصابع، لأنهن مستنطقات.
(ع) .
[2] أقول: ليس معنى ذلك أن هذا هو السنة، بل الأفضل أن يصوم يوما ويفطر
يوما، وأن لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. (ع) .
[3] نسبة إلى حرّان الجزيرة. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (58)
بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.
[4] (2/ 402) .
[5] انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 62) بإشراف والدي الشيخ عبد القادر
الأرناؤوط حفظه الله تعالى.
[6] في الأصل: «عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. انظر
«الأنساب» للسمعاني (7/ 36) .
(2/119)
قال في «المعارف» [1] : وهو من بطن من
همدان يقال لهم: السّبيع قال شريك: ولد أبو إسحاق السّبيعي في سلطان
عثمان لثلاث سنين بقين منه، ومات سنة سبع وعشرين ومائة وله خمس وتسعون
سنة.
حدثنا [2] عبد الرّحمن، عن عمه، عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال:
رفعني أبي حتّى رأيت علي بن أبي طالب يخطب [على المنبر] [3] أبيض الرأس
واللحية. انتهى.
وقال عنه ابن ناصر الدّين: كان أحد أئمة الإسلام والحفاظ المكثرين.
وروى عن زيد بن أرقم. انتهى.
__________
[1] ص (451- 452) .
[2] في «المعارف» لابن قتيبة: «حدثني» .
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «المعارف» .
(2/120)
سنة ثمان وعشرين
ومائة
فيها ظهر الضّحّاك بن قيس الخارجيّ، وقتل متولي البصرة، والموصل،
واستولى عليها، وكثرت جموعه، وأغار على البلاد، وخافه مروان، فسار إليه
بنفسه، فالتقى الجيشان بنصيبين [1] وكان أشار على الضّحّاك أمراؤه أن
يتقهقر، فقال: مالي في دنياكم من حاجة، وقد جعلت لله عليّ إن رأيت هذا
[2] الطاغية أن أحمل عليه حتّى يحكم الله بيننا، وعليّ دين سبعة دراهم،
معي منها ثلاثة دراهم، فثارت الحرب إلى آخر النهار، وانهزم مروان وملك
مخيّمه، وثبت أمير الميمنة في نحو ثلاث آلاف، فأحاطوا بذلك الخارجي،
فقتلوه في نحو ستة آلاف من الفريقين، وقام بأمر الخوارج شيبان، فتحيّز
بهم، وخندق [3] ، وخندقوا على أنفسهم، وجاء مروان فنازلهم، وقاتلهم
عشرة أشهر، كل يوم يكسرونه، وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة ابن الأشعث مع
الحجّاج، ثم رحل شيبان نحو شهرزور [4] ثم إلى كرمان، ثم كرّ إلى
البحرين، فقتل هناك.
__________
[1] بلدة تقع الآن في أقصى الجنوب الشرقي من أرض تركيا على مقربة من
القامشلي. قال ياقوت: وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة، على جادة
القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها
أربعون ألف بستان ... وينسب إلى نصيبين جماعة من العلماء، والأعيان.
انظر «معجم البلدان» (5/ 288- 289) .
[2] في الأصل: «هذه» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
[3] لفظة: «وخندق» لم ترد في «العبر» للذهبي (1/ 166) .
[4] مدينة تقع الآن في إيران. قال ياقوت: وهي كورة واسعة في الجبال بين
إربل وهمذان،
(2/121)
وفيها خروج بسطام بن اللّيث بأذربيجان، ثم
قدم نصيبين في نيّف وأربعين رجلا، فنهض لحربه عسكر الموصل، فبيّتهم،
وأصاب منهم ثم عاث [1] بنصيبين، ثم قتل.
وفيها ولي العراقين يزيد بن عمر [2] بن هبيرة.
وعزل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وقبض عليه ابن هبيرة من واسط،
وبعث به إلى مروان مع ابن له، فلم يزالا في حبسه حتّى ماتا.
وفيها توفي بكر بن سوادة الجذاميّ [3] المصريّ، مفتي مصر، وقد روى عن
عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد.
وجابر بن يزيد الجعفي، من كبار المحدّثين بالكوفة.
روى عن أبي الطّفيل، ومجاهد. وثقه وكيع وغيره، وضعفه آخرون.
وأبو قبيل المعافريّ [4] المصريّ حييّ [5] بن هانئ سمع عقبة، وعبيد
الله بن عمرو.
وعاصم بن أبي النّجود الكوفيّ الأسديّ مولاهم، أحد القراء السبعة [6]
__________
أحدثها زور بن الضحاك، ومعنى شهر بالفارسية المدينة. انظر «معجم
البلدان» (3/ 375- 376) .
[1] في الأصل: «ثم غاث» وهو تصحيف.
[2] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 167) : «يزيد بن عمرو»
وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي.
[3] في الأصل: «الحزامي» وهو تحريف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو
الصواب.
[4] في الأصل: «المغافري» وهو تصحيف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو
الصواب.
[5] في الأصل، والمطبوع: «حسن» وهو خطأ، والتصحيح «العبر» للذهبي (1/
167) .
[6] قلت: وبقية القراء السبعة هم:
الإمام علي بن حمزة الكسائي الأسدي، المتوفى سنة (189) هـ، وسوف ترد
ترجمته في ص (407- 408) من هذا المجلد.
(2/122)
كان حجّة في القرآن [1] صدوقا في الحديث،
قرأ على أبي عبد الرّحمن السّلمي وغيره.
وأبو عمران الجوني البصري، عبد الملك بن حبيب عن سنّ عالية.
سمع جندب بن عبد الله وجماعة.
وفيها على الأصح أبو حصين الأسديّ، عثمان بن عاصم سيّد بني أسد
بالكوفة، كان ثبتا، خيّرا، فاضلا، عثمانيّا، لقي جابر بن سمرة وطائفة.
وأبو الزّبير المكيّ، محمّد بن مسلم، أحد العقلاء والعلماء، لقي عائشة
والكبار.
قال ابن ناصر الدّين: نقم عليه التدليس، ومع ذلك فهو إمام حافظ، واسع
العلم، رئيس. انتهى.
وأبو جمرة [2] الضّبعيّ، نصر بن عمران، صاحب ابن عبّاس.
__________
والإمام نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، المتوفى سنة (169) هـ،
وسوف ترد ترجمته في ص (312- 313) من هذا المجلد.
والإمام عبد الله بن كثير الكناني الداري المكّي، المتوفى سنة (120)
هـ. وقد تقدمت ترجمته في ص (89- 90) من هذا المجلد.
والإمام عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي، المتوفى سنة (118) هـ. وقد
تقدمت ترجمته في ص (85) من هذا المجلد.
والإمام حمزة بن حبيب الزيات، المتوفى سنة (156) هـ، وسوف ترد ترجمته
في ص (255) من هذا المجلد.
والإمام زبّان بن العلاء بن عمار التيمي المازني أبو عمرو، المتوفى سنة
(154) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (248- 251) من هذا المجلد.
[1] في المطبوع: «كان حجّة في القراءات» .
[2] في «العبر» : «أبو حمزة» وهو تصحيف، وقد فات محققه الدكتور صلاح
الدّين المنجد تصحيحه علما بأنه رجع إلى كتاب «اللباب في تهذيب
الأنساب» (2/ 260) لضبط نسبته ومع ذلك فاته صواب الاسم عند ابن
الأثير!.
(2/123)
وفيها فقيه مصر وشيخها ومفتيها، أبو رجاء،
يزيد بن أبي حبيب الأزدي مولاهم، لقي عبد الله بن الحارث بن جزء
وطائفة.
قال اللّيث: هو عالمنا وسيدنا.
وفيها أبو التيّاح البصريّ، صاحب أنس، واسمه يزيد بن حميد.
قال أبو إياس: ما بالبصرة أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله من أبي
التيّاح.
وقال أحمد: هو ثبت ثقة.
وفيها يحيى بن يعمر النحويّ البصريّ، لقي ابن عمر، وابن عبّاس،
وغيرهما، وأخذ النحو عن أبي الأسود [الدّؤلي] وكان يفضّل أهل البيت من
غير تنقّص لغيرهم [1] .
قال له: الحجّاج: تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله- صلّى الله
عليه وسلّم-! لتخرجن من ذلك أو لألقينّ الأكثر منك شعرا، فقال: قال
الله تعالى: وَمن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ 6: 84 الآية
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى 6: 85 الآية [الأنعام: 84] . وما بين
عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد- صلّى الله عليه
وسلّم- فقال له الحجّاج: ما أراك إلّا قد خرجت والله لقد قرأتها وما
علمت بها قطّ.
ثم قال له الحجّاج: أين ولدت؟ قال بالبصرة. قال: وأين نشأت؟
قال: بخراسان. قال فمن أين هذه العربية؟ قال: رزق.
ثم كتب الحجّاج إلى قتيبة بن مسلم: أن اجعل يحيى بن يعمر على قضائك [2]
.
__________
[1] في الأصل: «بغيرهم» وأثبت ما في المطبوع.
[2] المؤلف ينقل عن «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 297) بتصرف، وما بين
حاصرتين استدركته منه.
(2/124)
سنة تسع وعشرين
ومائة
في رمضان منها كان ظهور أبي مسلم الخراساني صاحب الدّعوة بمرو.
وفيها توفي عالم المغرب وعابدها خالد بن أبي عمران التّجيبيّ التونسيّ،
قاضي إفريقية. روى عن عروة وطبقته.
وسالم المدني أبو النضر، وحديثه عن عبد الله بن أبي أوفى إجازة [1] في
«الصحيحين» .
وفيها، وقيل: في سنة إحدى وثلاثين، عليّ بن زيد بن جدعان القرشيّ
التيميّ البصريّ الضرير، كان أحد أوعية العلم.
قال في «العبر» [2] : كان أحد علماء الشيعة، وكان كثير الرّواية، ليس
بالقويّ. انتهى.
وفيها على الصحيح يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل، وقيل: اسم أبيه
يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار، الطّائي مولاهم، كان أحد العلماء
الأعلام الأثبات.
__________
[1] أقول: أي كتابة، وهو حديث: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله
العافية» وهو عند البخاري في الجهاد رقم (2965) ، ومسلم رقم (1742) من
حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه. (ع) .
[2] (1/ 169) .
(2/125)
قال: أيوب السختياني: ما بقي على وجه الأرض
مثل يحيى بن أبي كثير.
وقال في «العبر» [1] : هو أحد الأعلام في الحديث، له حديث في «صحيح
مسلم» عن أبي أمامة، وآخر في «سنن النسائي» عن أنس، فيقال:
لم يلقهما، والله أعلم [2] . انتهى.
وفيها قارئ المدينة الزّاهد العابد أبو جعفر يزيد بن القعقاع، عن بضع
وثمانين سنة.
أخذ عن أبي هريرة، وابن عبّاس، وقرأ عليه نافع، وإلياس [3] وله ذكر في
«سنن أبي داود» ، وكان من أفضل أهل زمانه، رؤي بعد موته على ظهر الكعبة
وهو يخبر أنه من الشهداء الكرام.
__________
[1] (1/ 169) .
[2] انظر «تحرفة الأشراف» (1/ 122 و 290- 291) بتحقيق الشيخ عبد الصمد
شرف الدين، فقد ذكر المزي فيه أحاديث أخرى من روايته.
[3] لم أقف على ذكر له فيمن قرأ على أبي جعفر في المصادر التي بين يدي.
(2/126)
سنة ثلاثين ومائة
فيها كانت فتنة الإباضية، وهم المنسوبون إلى عبد الله بن إباض [1]
قالوا:
مخالفونا من أهل القبلة كفار، ومرتكب الكبيرة موحّد غير مؤمن، بناء على
أن الأعمال داخلة في الإيمان، وكفّروا عليا وأكثر الصحابة، وكان
داعيتهم في هذه الفتنة عبد الله بن يحيى الجنديّ الكنديّ الحضرميّ،
طالب الحق، وكانت لهم وقعة بقديد [2] مع عبد العزيز بن عبد الله بن
عمرو بن عثمان، فقتل عبد العزيز، ومن معه من أهل المدينة، فكانوا
سبعمائة، أكثرهم من قريش، منهم مخرمة بن سليمان الوالبي، روى عن عبد
الله بن جعفر وجماعة، وبعدها سارت الخوارج إلى وادي القرى، ولقيهم عبد
الملك السّعدي، فقتلهم، ولحق رئيسهم إلى مكّة فقتله أيضا، ثم سار إلى
تبالة وراء مكّة بست مراحل، فقتل داعيتهم الكندي.
وفيها توفي بالبصرة شعيب بن الحبحاب صاحب أنس.
وأبو الحويرث [3] عبد الرّحمن بن معاوية الأنصاريّ المدنيّ.
__________
[1] في المطبوع: «عبد الله بن أباض» وانظر «الأعلام» للزركلي (4/ 61-
62) فقد استوفى رحمه الله ترجمته فيه وهي نافعة.
[2] قرية قرب مكة. انظر «معجم ما استعجم» للكبري (2/ 1054- 1055) ، و
«معجم البلدان» (4/ 313- 314) .
[3] في الأصل: «أبو الحريرث» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو
الصواب.
(2/127)
وعبد العزيز بن رفيع المكيّ ثم الكوفي عن
نيّف وتسعين سنة. روى عن ابن عبّاس وجماعة.
وشيبة بن نصاح بن سرجس [1] بن يعقوب، مولى أمّ سلمة، ولا يعلم أحد روى
عن نصاح إلّا ابنه شيبة، وكان شيبة إمام أهل المدينة في القراءات في
دهره، قرأ على أبي هريرة، وابن عبّاس.
وقال: قالون [2] : كان نافع أكثر اتّباعا لشيبة من أبي جعفر [3] .
وعبد العزيز بن صهيب البصريّ الأعمى.
وكعب بن علقمة التنوخيّ المصريّ. روى عن أبي تميم الجيشاني وطائفة.
وفيها، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، السيد الجليل، كبير الذّكر، محمد بن
المنكدر التيميّ المدني.
قال ابن ناصر الدّين: هو محمّد بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزّى
[4] بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرّة أبو عبد الله،
ويقال: أبو بكر القرشيّ التيميّ أخو أبي بكر، وعمر [5] . سمع أبا
هريرة، وابن عبّاس، وجابرا، وأنسا، وابن المسيّب، وعدة أخر، وهو من
أضراب
__________
[1] في الأصل: «ابن سرخش» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
[2] هو عيسى بن ميناء بن وردان بن عيسى الزّرقيّ، مات سنة (220) هـ.
انظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 155- 156) طبع مؤسسة الرسالة،
وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
[3] في الأصل، والمطبوع: «كان نافع أكثر اتباعا لشيبة بن جعفر» وهو
خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 170) . وانظر «معرفة القراء
الكبار» للذهبي (1/ 80) .
[4] في الأصل: «ابن معبد» ، وفي المطبوع: «ابن معبد القرشي» وكلاهما
خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1276) مصورة دار المأمون
للتراث و «تهذيب التهذيب» (9/ 473) .
[5] يعني أخو أبي بكر بن المنكدر، وعمر بن المنكدر.
(2/128)
عطاء بن أبي رباح، لكن تأخرت وفاته عن تلك
الطبقة. انتهى.
قيل له: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمنين.
وقيل له: أيّ الدّنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.
وكان يحج وعليه دين. فقيل له: أتحج وعليك دين؟ فقال: هو أقضى للدّين.
وكان إذا حجّ خرج بنسائه وصبيانه كلّهم، فقيل له في ذلك، فقال:
أعرضهم على الله.
قال مالك: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة آتي ابن المنكدر فأنظر إليه نظرة
فأبغض نفسي أياما، وكان من أزهد النّاس وأعبدهم، وكان له أخوان فقيهان
عابدان، أبو بكر ابن المنكدر، وعمر بن المنكدر.
وسمع محمد عائشة، وأبا هريرة، وكان بيته مأوى الصالحين ومجتمع
العابدين.
وفيها توفي أبو وجزة [1] السعديّ المدنيّ يزيد بن عبيد، الذي روى عن
عمير بن أبي سلمة.
ويزيد الرّشك [2] بالبصرة. روى عن مطرّف بن الشّخّير، وجماعة.
وفيها توفي يزيد بن رومان المدني. روى عن عروة، وجماعة، وقيل:
إنه قرأ على ابن عبّاس، وهو من شيوخ نافع في القراءة.
__________
[1] في الأصل: «وجرة» وهو تصحيف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب.
[2] قال ابن منظور: الرّشك: اسم رجل كان عالما بالحساب، وفي «التهذيب»
: اسم رجل كان يقال له: يزيد الرّشك، وكان أحسب أهل زمانه، وكان الحسن
البصريّ إذا سئل عن حساب فريضة قال: علينا بيان السّهام، وعلى يزيد
الرّشك الحساب، قال الأزهريّ: ما أدري الرّشك عربيا، وأراه لقبا، قال:
ولا أصل له في العربية علمته. «لسان العرب» (رشك) .
(2/129)
وقاضي دمشق يزيد بن عبد الرّحمن بن أبي
مليك الهمدانيّ الفقيه.
أخذ عن واثلة بن الأسقع، وجماعة [1]
__________
[1] قلت: وفيها قتل شيبان بن سلمة الحروري. انظر «تاريخ الطبري» (7/
385- 386) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/ 382- 383) ، وانظر ص
(121) من هذا المجلد.
(2/130)
|