شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وخمسين ومائة
فيها قدم المهديّ من الرّيّ إلى بغداد ليراها، فأمر أبوه ببناء الرّصافة [1] للمهدي في الجانب الشرقي مقابلة [بغداد] [2] وجعل له حاشية وحشم [3] وآلة في زيّ الخلافة [4] . وجدّد البيعة بالخلافة للمهديّ من بعده، ومن بعد المهديّ لعيسى بن موسى [5] .
وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم.
روى عن أبي وائل والكبار.
قال هشام بن حسّان: لم تر عيناي مثل ابن عون.
وقال قرّة: كنّا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساناه [6] ابن عون.
وقال عبد الرّحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسّنّة من ابن عون.
وقال أبو إسحاق: هو ثقة في كل شيء.
__________
[1] قلت: وتعرف برصافة بغداد. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 46) .
[2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 215) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «وحشمة» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» للذهبي.
[4] في «دول الإسلام» للذهبي (1/ 104) : «وخيلا في زي الخلفاء» .
[5] في المطبوع: «لعلي بن موسى» وهو خطأ.
[6] في الأصل، والمطبوع: «فأنساه» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 216) .

(2/234)


وفيها محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبيّ مولاهم المدنيّ صاحب «السيرة» رأى أنسا وسمع الكثير من المقبريّ [1] ، والأعرج، وهذه الطبقة، وكان بحرا من بحور العلم، ذكيّا، حافظا، طلّابة للعلم، أخباريا، نسّابة، علّامة.
قال شعبة: هو أمير المؤمنين في الحديث.
وقال [2] ابن معين: هو ثقة وليس بحجّة.
وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن الأهدل: لا تجهل أمانته، ووثّقه الأكثرون في الحديث، ولم يخرّج له البخاريّ شيئا، وخرّج له مسلم حديثا واحدا، من أجل طعن مالك فيه، وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه أنه قال: هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله.
ومن كتب ابن إسحاق أخذ عبد الملك بن هشام، وكلّ من تكلم في السّير فعليه اعتماده، توفي ببغداد ودفن في مقبرة الخيزران أمّ الرّشيد، نسبت المقبرة إليها لأنها أقدم من دفن فيها، وهي بالجانب الشرقي. انتهى.
وقال بعض المحدّثين: ابن إسحاق ثقة ما لم يعنعن فيخشى منه التّدليس. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: كان بحرا من بحور العلم، صدوقا، مختلفا فيه جرحا وتوثيقا. انتهى.
__________
[1] في الأصل: «من المقر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف وهو الصواب.
[2] في المطبوع: «قال» .
[3] (1/ 216) .

(2/235)


وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرّحمن بن صفوان بن أميّة الجمحيّ المكيّ، روى عن مجاهد وطبقته.
والوليد بن كثير المدنيّ بالكوفة. روى عن بشير بن يسار وطائفة، وكان عارفا بالمغازي والسّير، ولكنه إباضيّ. قاله في «العبر» [1] .
والإباضية: هم المنسوبون إلى عبد الله بن إباض. قالوا: مخالفونا من أهل القبلة كفّار، ومرتكب الكبيرة موحّد غير مؤمن، بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وكفّروا عليّا وأكثر الصحابة.
قال الذّهبيّ في «المغني» [2] : الوليد بن كثير المخزوميّ ثقة، وحديثه [3] في الكتب الستة. سمع سعيد بن أبي هند، والكبار.
قال أبو داود: ثقة إلّا أنه إباضي.
وقال ابن سعد: ليس بذاك. انتهى.
وفيها سيف بن سليمان المكيّ. روى عن مجاهد وغيره.
قال في «المغني» [4] : ثقة إلا أنه رمي بالقدر. انتهى.
وفيها، أو في التي تليها، صالح [5] بن عليّ الأمير، عمّ المنصور، وأمير الشّام، وهو الذي أمر ببناء أذنة [6] التي في يد صاحب سيس، وقد هزم الرّوم
__________
[1] (1/ 217) .
[2] (2/ 724) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «حديثه» وأثبت ما في «المغني» .
[4] (1/ 291) .
[5] في الأصل: «صبح» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 217) .
[6] في الأصل: «أدنه» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
قلت: وتعرف في أيامنا ب «أضنه» ، وهي الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 132- 133) .

(2/236)


يوم [مرج] [1] دابق، وكانوا مائة ألف.
وفيها قتلت الخوارج غيلة معن بن زائدة الشّيبانيّ الأمير بسجستان، وكان قد وليها عام أوّل، وكان أحد الأبطال والأجواد. وكان مع بني أميّة متنقّلا في ولاياتهم، مواليا لابن هبيرة، وقاتل معه المنصور، فلما قتل ابن هبيرة خاف معن فاختفى، فلما كان يوم الهاشميّة- وهو يوم مشهود- ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور، وكانت وقعتهم بالهاشميّة التي بناها السّفّاح بقرب الكوفة، وكان معن متواريا بالقرب منهم، فخرج متنكّرا وقاتل قتالا شديدا أبان فيه عن نجدته وفرّقهم، فلما أفرج عن المنصور قال له: من أنت؟ فكشف اللثام وقال: أنا طلبتك [2] يا أمير المؤمنين، فأمّنه وأكرمه، وصار من خواصه، وقال له: أنت الذي أعطيت مروان بن أبي حفص مائة ألف درهم على قوله:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا على شرف بنو شيبان [3]
فقال: إنما أعطيته على قوله:
ما زلت [4] يوم الهاشميّة معلنا [5] ... بالسّيف دون خليفة الرّحمن
فمنعت حوزته وكنت وقاية [6] ... من وقع كلّ مهنّد وسنان
__________
[1] زيادة من «دول الإسلام» للذهبي ص (93) طبع مؤسسة الأعلمي ببيروت.
[2] في الأصل، والمطبوع: «أنا طليبك» وأثبت ما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 335) مصدر المؤلف، وهو موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 299) .
[3] البيت في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (10/ 86) نشرة مؤسسة جمال في بيروت.
[4] في المطبوع: «ما زالت» وهو خطأ.
[5] في الأصل، والمطبوع: «معلما» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 299) و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 335) .
[6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مرآة الجنان» ، وفي «مروج الذهب» و «الأغاني» (10/ 86) ، و «وفيات الأعيان» (5/ 247) : «وقاءه» .

(2/237)


فقال: أحسنت [يا معن] [1] .
ودخل عليه أعرابيّ وهو جالس على سريره فأنشده:
أتذكر [2] إذ قميصك جلد كبش [3] ... وإذ نعلاك من جلد البعير
وفي يمناك عكّاز طويل ... تهش به [4] الكلاب عن الهرير [5]
قال: نعم أعرف ذلك ولا أنساه.
فقال:
فسبحان الّذي أعطاك ملكا ... وعلّمك الجلوس على السّرير
قال: [ذلك] [6] بحمد الله لا بحمدك.
قال:
فأقسم لا أحيّيك ابن معن ... مدى عمري بتسليم الأمير
قال: إذا والله لا أبالي.
فقال:
فمر لي [7] يا ابن زائدة بمال ... فإنّي قد عزمت على المسير [8]
قال لغلامه: أعطه ألف درهم.
__________
[1] زيادة «مروج الذهب» ، و «مرآة الجنان» .
[2] في «مرآة الجنان» : «أتعرف» .
[3] وفي بعض الروايات: «أتذكر إذ لحافك جلد شاة» . (ع) .
[4] في الأصل: «تهشّ بها» وأثبت ما في المطبوع.
[5] لم يرد هذا البيت في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 336) .
[6] زيادة من «مرآة الجنان» .
[7] في الأصل: «قم لي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مرآة الجنان» .
[8] رواية البيت في «مرآة الجنان» :
فمر لي يا بن زائدة بمال ... وزاد إذ عزمت على المسير

(2/238)


فقال:
قليل ما أمرت به وإنّي ... لأطمع منك بالشّيء الكثير
قال: يا غلام زده ألف درهم.
فقال:
ملكت الجود والإنصاف [1] جمعا ... فبذل يديك كالبحر الغزير
فقال يا غلام، ضاعف له الحساب [2] فأضعف له.
ورأى راكبا محثّا ناقته، فقال لحاجبه: لا تحجب هذا، فلما مثل بين يديه أنشد:
أصلحك الله قلّ ما بيدي ... فما أطيق العيال إذ كثروا
ألحّ دهر ألقى بكلكله [3] ... فأرسلوني إليك وانتظروا [4]
فأخذته أريحيّة، وقال: والله لأعجلنّ أوبتك إليهم، فأعطاه مائة ناقة، وألف دينار وهو لا يعرفه.
ولما طلب المنصور سفيان الثّوريّ، فرّ سفيان إلى اليمن، فكان يقرأ على النّاس أحاديث الضّيافة ليضيفوه، ويكتفي عن سؤالهم، فاتّهم بسرقة، ورفع إلى معن بن زائدة، فتعرفه حتّى عرفه، فقال: اذهب حيث شئت، فلو كنت تحت قدمي ما أخرجتك.
ولما عظم صيته اندسّ له جماعة من الخوارج في ضيعة له بسجستان، فقتلوه وهو يحتجم، فتبعهم ابن أخيه فقتلهم جميعهم، ورثاه الشعراء
__________
[1] في «مرآة الجنان» : «والإفضال» .
[2] في «مرآة الجنان» «ضاعف له الحسنات» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «ألحم دهر عليّ كلكله» . والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 337) .
[4] البيتان في «تاريخ بغداد» (13/ 236) .

(2/239)


ومن أحسن ذلك قول مروان بن أبي حفصة في قصيدته التي أولها:
مضى لسبيله معن وأبقى ... مكارم لن تبيد ولن تنالا [1]
واستنشده إيّاها جعفر البرمكي، فأنشده فبكى، وأجازه بستمائة دينار.
وروي أنه دخل على المهدي بن المنصور، فمدحه، فقال له: ألست القائل؟:
وقلنا أين [2] ترحل بعد معن ... فقد ذهب النّوال ولا نوالا
وأمر بإخراجه، ثم وفد عليه في العام المقبل. وكانت الشعراء إنما تدخل على الخلفاء في كل عام مرّة، ثم مدحه بقصيدته التي يقول فيها:
طرقتك [3] زائرة [4] فأعجب بها، وهي مائة بيت، أعطاه مائة ألف درهم، وهي أول إجازة بمائة ألف أعطيها شاعر في خلافة العباسيين.
__________
[1] القصيدة في «تاريخ بغداد» (13/ 241- 244) في (54) بيتا، وهي في (42) بيتا في «وفيات الأعيان» (5/ 249- 251) .
[2] زيادة من «العبر» (1/ 218) .
[3] في الأصل: «طوقتك» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[4] قلت: ومطلعها في «الأغاني» (10/ 87) :
طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... بيضاء تخلط بالجمال دلالها
قادت فؤادك فاستقاد ومثلها ... قاد القلوب إلى الصّبا فأمالها

(2/240)


سنة اثنتين وخمسين ومائة
فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة، أحد الأشراف والعلماء بدمشق، عن سنّ عالية. روى عن أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وخلق كثير.
وفيها عبّاد بن منصور النّاجي. روى عن عكرمة وجماعة. وولي قضاء البصرة تلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني، وليس بالقوي في الحديث.
وأبو حرّة واصل بن عبد الرّحمن البصريّ. روى عن الحسن وطبقته.
قال شعبة: هو أصدق النّاس.
وقال أبو داود الطّيالسي: كان يختم [في] كلّ ليلتين.
وفيها، وقيل: بعدها، يونس بن يزيد الأيليّ صاحب الزّهريّ وأوثق أصحابه، وقد روى عن القاسم، وسالم، وجماعة. وتوفي بالصعيد.
قال ابن ناصر الدّين:
بعدهما فتى يزيد يونس ... ذاك الإمام المكثر المدرّس
وقال في «شرحها» [1] : يونس بن يزيد بن أبي النّجاد، حجّة، ثقة.
انتهى ملخصا.
__________
[1] يعني «شرح بديعة البيان» .

(2/241)


سنة ثلاث وخمسين ومائة
فيها غلبت الخوارج الإباضيّة [1] على إفريقية، وهزموا عسكرها، وقتلوا متولّيها عمر بن حفص الأزدي، وكان رأسهم ثلاثة: أبو حاتم الإباضي، وأبو عاد [2] ، وأبو قرّة الصّفري. وكان أبو قرّة في أربعين ألفا من الصّفرية قد بايعوه بالخلافة، وكان أبو حاتم وصاحبه في ثمانين ألف فارس وأمم لا يحصون من الرّجالة.
وفيها ألزم المنصور النّاس بلبس القلانس المفرطة الطول، وتسمّى بالدّنّيّة لشبهها بالدّنّ، وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب، ويعمل عليها السواد، [وفيها] [3] شبه من الشربوش.
وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد اللّيثيّ مولاهم المدنيّ. روى عن سعيد بن المسيّب فمن بعده، وخرّج له مسلم، والأربعة، وابن حبّان.
قال في «المغني» [4] : صدوق [يهم] [5] ، اختلف قول يحيى القطّان فيه.
__________
[1] في المطبوع: «الأباضية» .
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 218) : «وأبو محمد» وهو خطأ.
[3] لفظة «وفيها» التي بين الحاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» .
[4] (1/ 66) .
[5] زيادة من «المغني» .

(2/242)


وقال أحمد: ليس بشيء.
وقال ابن أبي شيبة: ليس بالقوي.
وقال ابن عدي: ليس به بأس. انتهى.
وأبو خالد ثور بن يزيد الكلاعيّ الحافظ محدّث حمص. روى عن خالد بن معدان وطبقته.
قال يحيى القطّان: ما رأيت شابا أوثق منه. وكفى بها شهادة.
وقال أحمد: كان يرى القدر، ولذلك نفاه أهل حمص.
وخرّج له البخاريّ، والأربعة.
قال في «المغني» [1] : ثقة من مشاهير القدرية. انتهى.
والفقيه أبو محمّد الحسن بن عمارة الكوفيّ، قاضي بغداد. روى عن ابن أبي مليكة، والحكم، وطبقتهما، وهو واه باتفاقهم.
والضّحّاك بن عثمان الحزاميّ المدنيّ. روى عن نافع وجماعة، وخرّج له مسلم، والأربعة.
قال في «المغني» [2] : قال يعقوب بن شيبة: صدوق، في حديثه ضعف، ليّنه القطّان. انتهى.
وعبد الحميد بن جعفر الأنصاريّ المدنيّ. روى عن المقبري وجماعة.
وخرّج له مسلم، والأربعة.
قال في «المغني» [3] : صدوق، ضعفه القطّان، وفيه قدرية. انتهى.
__________
[1] (1/ 124) .
[2] (1/ 312) .
[3] (1/ 368) .

(2/243)


وفيها فطر بن خليفة أبو بكر الكوفيّ الحنّاط [1] . روى عن أبي الطّفيل، وأبي وائل، وخلق، وهو مكثر، حسن الحديث. روى البخاريّ له مقرونا.
ومحلّ بن محرز الضّبّيّ الكوفيّ.
قال في «المغني» [2] : عن أبي وائل، صدوق، لم يخرّجوا له في الكتب الستة شيئا.
قال يحيى القطّان: وسط لم يكن بذاك. ووثّقه غير واحد.
وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به. وممّن وثّقه أحمد [بن حنبل] [3] ، وله في «الأدب» للبخاري. انتهى.
وفي رمضان معمر بن راشد الأزديّ مولاهم البصريّ الحافظ أبو عروة، صاحب الزّهري، كهلا، رأى جنازة الحسن [4] وأقدم شيوخه موتا قتادة.
قال أحمد: ليس نضمّ [5] معمرا إلى أحد إلا وجدته فوقه.
وقال غيره: كان معمر خيّرا. وهو أوّل من ارتحل في طلب الحديث إلى اليمن، فلقي بها همّام بن منبّه صاحب أبي هريرة. وله «الجامع» المشهور في السّير، أقدم من «الموطأ» .
وقال في «المغني» [6] : ثقة، إمام، له أوهام احتملت له.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع، و «المغني» (2/ 515) : «الخياط» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 220) مصدر المؤلف، وانظر «الأنساب» للسمعاني (4/ 240) .
[2] (2/ 544) .
[3] زيادة من «المغني» للذهبي.
[4] قوله: «رأى جنازة الحسن» تحرّف في «العبر» للذهبي إلى «روى عن أبي جبارة الحسن» فيصحّح فيه.
[5] في «العبر» : «ليس يضم» ، وفي «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 244) : «ما نضم أحدا إلى معمر إلا وجدت معمرا يتقدمه في الطلب» .
[6] (2/ 671) .

(2/244)


قال أبو حاتم: صالح الحديث، وما حدّث به بالبصرة ففيه أغاليط.
وقد قال أحمد بن حنبل: ليس نضمّ [1] معمرا إلى أحد إلّا وجدته فوقه. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: معمر بن راشد بن أبي راشد، أبي عمرو الأزدي، مولاهم البصري عالم اليمن، ثقة، حجّة، ورع. انتهى.
وفيها موسى بن عبيدة الرّبذيّ بالمدينة. روى عن نافع وطبقته، وكان صالحا ضعيفا باتفاق. قاله في «العبر» [2] .
وفيها على الأصح، وقيل: في التي بعدها، هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصريّ الدستوائيّ، ويقال: صاحب الدّستوائي، لأنه كان يتّجر [3] في الثياب المجلوبة من دستوا، وهي من الأهواز، سماه أبو داود أمير المؤمنين.
وقال شعبة: ما من النّاس أحد يقول [4] : إنه طلب الحديث لله إلّا هشام الدّستوائي، وهو أعلم بحديث قتادة منّي.
وقال شاذّ بن فيّاض: بكى هشام حتّى فسدت عينه [5] . قاله في «العبر» [6] .
وقال ابن قتيبة [7] : هو هشام بن أبي عبد الله، سنبر، مولى لبني
__________
[1] في «المغني في الضعفاء» : «ليس تضم» .
[2] (1/ 221) .
[3] في الأصل: «لا يتجر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[4] في «العبر» : «أقول» .
[5] في «العبر» : «عيناه» .
[6] (1/ 221) .
[7] في «المعارف» ص (512) .

(2/245)


سدوس، يرمى بالقدر. انتهى.
وهشام بن الغاز الجرشيّ الدّمشقيّ متولي بيت المال للمنصور. روى عن مكحول وطبقته. وكان من ثقات الشّاميّين وعلمائهم.
وفيها وهيب بن الورد الوليّ الشهير صاحب المواعظ والحقائق [1] روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة. كان لا يأكل ممّا في الحجاز تورعا عمّا اصطفاه الولاة لأنفسهم ومواشيهم.
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 222) : «والرقائق» وهو أصوب.

(2/246)


سنة أربع وخمسين ومائة
فيها أهمّ المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب، فسار إلى الشّام، وزار بيت المقدس، وجهّز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس، وعقد له على المغرب، فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف، فافتتح يزيد إفريقية، وهزم الخوارج، وقتل كبارهم. واستعمل المنصور على قضاء دمشق يحيى بن حمزة، فبقي قاضيا ثلاثين سنة.
وفيها توفي فقيه الجزيرة وعالمها جعفر بن برقان الجزريّ، صاحب ميمون بن مهران. روى له البخاريّ في «التاريخ» ومسلم، والأربعة.
قال في «المغني» [1] : جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران.
قال أحمد: يخطئ في حديث الزّهري.
وقال ابن خزيمة: لا يحتجّ به.
وقد وثّقه أحمد في رواية، وابن معين، والفسويّ، وابن سعد. انتهى.
وفيها وزير المنصور أبو أيوب سليمان بن مخلد، وقيل: ابن داود الموريانيّ نسبة إلى موريان من قرى الأهواز، همّ المنصور أن يوقع به لتهم لحقته، وكان كلما دخل همّ بذلك، ثم يترك إذا رآه، فقيل: كان معه دهن فيه
__________
[1] (1/ 131) .

(2/247)


سحر، فشاع في العامّة دهن أبي أيوب، ثم أوقع به بعد وعذبه حتّى مات.
وفيها توفي أشعب الطّامع، ويعرف بابن أمّ حميدة [1] . روى عن عكرمة، وسالم، وله نوادر وملح في الطّمع والتّطفّل [2] أشهر من أن تذكر.
وفيها عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر الدّمشقيّ محدّث دمشق. روى عن أبي الأشعث الصّنعاني.
قال في «المغني» [3] : من ثقات الدّماشقة، أثنى عليه جماعة، والعجب [4] من البخاريّ كيف أورده في الضعفاء، وما ذكر ما يدل على لينه؟
بل قال: قال الوليد: كان عنده كتاب سمعه وكتاب لم يسمعه. انتهى.
وقد روى عن خلق من التابعين.
وفيها قرّة بن خالد السّدوسيّ البصريّ صاحب الحسن، وابن سيرين.
قال يحيى القطّان: كان من أثبت شيوخنا.
والحكم بن أبان العدنيّ. روى عن طاووس وجماعة. وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد معمر [5] .
قال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنّة، كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه، يذكر الله حتّى يصبح.
وفيها مقرئ البصرة الإمام أبو عمرو بن العلاء بن عمّار التميميّ المازنيّ البصريّ، أحد السبعة، وله أربع وثمانون سنة. قرأ على أبي العالية
__________
[1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» (1/ 222) : «ويعرف بابن أم حميد» وهو خطأ، والتّصحيح من «ميزان الاعتدال» (1/ 258) ، و «لسان الميزان» (1/ 450) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «والتطفيل» والتصحيح من «العبر» للذهبي.
[3] (2/ 389) .
[4] في الأصل: «وتعجبوا» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «المغني» .
[5] في المطبوع: «بعد يعقوب» وهو خطأ.

(2/248)


الرّياحي وجماعة. وروى عن أنس، وإياس.
قال أبو عمرو: كنت رأسا والحسن حيّ. ونظرت في العلم قبل أن أختن.
وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم النّاس بالقرآن، والعربية، والشعر، وأيام العرب.
قال: وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثمّ تنسّك فأحرقها. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن الأهدل: فاحترقت كتبه، فلما رجع إلى علمه الأول، لم يكن عنده إلّا ما حفظه، وهو في النحو في الطبقة الرّابعة من علي.
قال الأصمعيّ: سألته عن ألف مسألة، فأجابني فيها بألف حجّة.
وفيه يقول الفرزدق مفتخرا:
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار [2]
وكنيته اسمه على الصحيح [3] وكان إذا دخل رمضان لم ينشد بيتا حتّى ينقضي. ودخل يوما على سليمان بن علي عمّ السّفّاح، فسأله عن شيء فصدّقه، فلم يعجبه فخرج أبو عمرو وهو يقول:
أنفت من الذّلّ عند الملوك ... وإن أكرموني وإن قرّبوا
إذا ما صدقتهم خفتهم ... ويرضون منّي بأن أكذب
__________
[1] (1/ 223) .
[2] البيت في «ديوانه» (1/ 382) وروايته فيه:
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتى لقيت أبا عمرو بن عمار
[3] قال الذهبي: اسمه زبّان على الأصح، وقيل: العريان، وقيل: يحيى، وقيل: محبوب، وقيل: جنيد، وقيل: عيينة، وقيل: عثمان، وقيل: عيّاد. انظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 100) طبع مؤسسة الرسالة.

(2/249)


قال اليافعيّ [1] رحمه الله: ورفعه للباء من أكذب لموافقة القافية، مع دخول أن الناصبة للفعل المضارع، دليل لجواز الإقواء [2] المعروف. انتهى.
وقال أبو عمرو- رحمه الله-: أول العلم الصمت، ثم حسن السؤال، ثم حسن اللفظ، ثم نشره عند أهله.
وقال: احتمال الحاجة [3] خير من طلبها من غير أهلها.
وقال: ما تسابّ اثنان إلّا غلب ألأمهما [4] .
وقال: إذا تمكن الإخاء قبح الثّناء.
و [قال] [5] : ما ضاق مجلس بمتحابّين، وما اتّسعت الدّنيا لمتباغضين.
وسمع أعرابيا كان مختفيا من الحجّاج يقول:
ربما تجزع النّفوس لأمر ... وله فرجة كحّل العقال [6]
فقال له أبو عمرو: وما الأمر؟ قال مات الحجّاج، قال: فلم أدر بأيّهما كنت أفرح [7] بموت الحجّاج، أم بقوله: فرجة، يعني بفتح الفاء.
قال الأصمعيّ: هي بالفتح من الفرج، وبالضم من فرجة الحائط ونحوه.
__________
[1] «مرآة الجنان» (1/ 345) بتصرّف.
[2] في الأصل: «الإقراء» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب، والإقواء: اختلاف إعراب القوافي. انظر «تاج العروس» (10/ 307) .
[3] في «مرآة الجنان» (1/ 346) : «فوت الحاجة» .
[4] في «مرآة الجنان» : «إلا غلب ألا فهما» وهو خطأ فتصحح فيه.
[5] زيادة من «مرآة الجنان» .
[6] لفظ البيت في «مرآة الجنان» :
ربما تجزع النفوس من الأمر ... ما له فرجة كحل العقال
[7] في «مرآة الجنان» : «لم أدر بأيّهما أنا أفرح» .

(2/250)


وولد أبو عمرو بمكّة، ومات بالكوفة، رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها خندق المنصور على الكوفة، والبصرة، وضرب عليها سورا. قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] .
__________
[1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة (597) هـ، وهو مخطوط لم يطبع بعد.

(2/251)


سنة خمس وخمسين ومائة
فيها افتتح يزيد بن حاتم إفريقية واستعادها من الخوارج، وقتل كبارهم، أبا حاتم، وأبا عاد، وطائفة، ومهّد قواعدها.
وفيها، أو في سنة ثمان، توفي محدّث حمص صفوان بن عمرو السّكسكيّ. أدرك أبا أمامة، وروى عن عبد الله بن بسر، وجبير بن نفير، والكبار.
وفيها مسعر بن كدام الحافظ أبو سلمة الهلاليّ الكوفيّ الأحول، أحد الأعيان يسمى المصحف من إتقانه، ويدعى الميزان لنقده وتحرير لسانه. قاله ابن ناصر الدّين.
وقال في «العبر» [1] : أخذ عن الحكم، وقتادة، وخلق، وكان عنده نحو ألف حديث.
قال يحيى القطّان: ما رأيت أثبت منه.
وقال شعبة: كنّا نسمّي مسعرا المصحف [2] .
وقال أبو نعيم: مسعر أثبت من سفيان وشعبة. انتهى.
__________
[1] (1/ 224) .
[2] تحرّفت في «العبر» (1/ 224) إلى «المصنّف» .

(2/252)


وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدّمشقيّ القاصّ [1] . روى عن عمير بن هانئ العنسيّ وجماعة.
وفيها- وقال ابن ناصر الدّين: سنة أربع- جعفر بن برقان الرّقّيّ أبو عبد الله الكلابيّ مولاهم. ذكر النسائيّ وغيره أنه ليس به بأس، وهو معدود في حفّاظ الرّجال، وكان أميّا لا يدري الكتابة فيما يقال. انتهى.
وقد تقدّم الكلام عليه قريبا في سنة أربع [2] .
وفيها حمّاد الرّاوية ابن أبي ليلى [3] الدّيلميّ الكوفيّ مولى لابن زيد الخيل [4] الطائيّ الصحابيّ. كان حمّاد من أعلم النّاس بمآثر العرب وأشعارها، وهو الذي جمع السّبع الطّوال.
قال له الوليد بن يزيد الأموي: لم سمّيت الرّواية؟. قال: لأني أروي لكلّ شاعر سمعت به أو لم أسمع، وأميّز بين قديمها وحديثها. قال له: كم تحفظ من الشعر؟ قال: كثير، لكني أنشد على كل حرف مائة قصيدة كبيرة سوى المقطّعات من شعر الجاهلية دون الإسلام، فامتحنه في ذلك، فوجده كما قال، فأمر له بمائة ألف [درهم] [5] ووهبه هشام [6] مائة ألف درهم.
__________
[1] في «العبر» : «القاضي» .
[2] انظر ص (247) .
[3] كذا في «لسان الميزان» (2/ 352) حماد بن أبي ليلى، وفي «الأعلام» للزركلي (2/ 271) حماد بن سابور، أول من لقب بالرّواية.
[4] سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: زيد الخير، وفي مرآة الجنان لليافعي (1/ 347) «زيد الخليل» وهو خطأ.
[5] زيادة من «مرآة الجنان» لليافعي.
[6] يعني هشام بن عبد الملك، ولكن الذي ذكره اليافعي في «مرآة الجنان» أن هشام بن عبد الملك أعطاه خمسمئة دينار وجملا مهريا. وانظر تتمة قصته فيه (1/ 348- 349) .

(2/253)