شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وخمسين ومائة
فيها توفي سعيد بن أبي عروبة الإمام أبو النّضر العدويّ شيخ البصرة وعالمها، وأول من دوّن العلم بها، وكان قد تغيّر حفظه قبل موته بعشر سنين.
روى عن أبي رجاء العطارديّ، وابن سيرين، والكبار، وخرّج له ابن عديّ.
قال في «المغني» [1] : وثّقه ابن معين، وأحمد، وهو ثقة إمام، تغيّر حفظه.
قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط [2] ثقة. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: قيل: إنه كان يقول بالقدر سرّا. انتهى.
وعدّه ابن قتيبة في القدرية.
وعبد الله بن شوذب البلخيّ ثم البصريّ نزيل بيت المقدس. روى عن الحسن وطبقته، وكان كثير العلم، جليل القدر.
قال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة، وعاش سبعين سنة.
وفيها شيخ إفريقية وقاضيها [3] وأول من ولد بها من المسلمين
__________
[1] (1/ 264) .
[2] في الأصل: «يخلط» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «المغني» للذهبي.
[3] في المطبوع: «وقاصيها» وهو تصحيف.

(2/254)


عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم الشعبانيّ الإفريقيّ الزّاهد الواعظ. روى عن أبي عبد الرّحمن الحبلي وطبقته، وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام حسن، وليس بقوي في الحديث.
وعمر بن ذرّ الهمدانيّ [1] الكوفيّ الواعظ البليغ. روى عن أبيه. ثقة لكنه رأس في الإرجاء. انتهى.
وفيها علي بن أبي حملة الدّمشقيّ المعمّر. أدرك معاوية، وروى عن أبي إدريس الخولاني، والكبار، وقد وثّقه أحمد وغيره.
وفيها، وقيل: سنة ثمان، قارئ الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيب التيميّ، مولى تيم الله بن ربيعة، الكوفي الزّيّات الزّاهد، أحد السّبعة، قرأ على التابعين وتصدّر للإقراء، فقرأ عليه جلّ أهل الكوفة. وحدّث عن الحكم بن عتيبة [2] وطبقته، وكان رأسا في القرآن والفرائض. قدوة في الورع.
قال حمزة: القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون، ورأى الحق سبحانه في المنام وضمّخه بالغالية، وسمع منه، وهو منام مشهور.
__________
[1] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف.
[2] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 226) : «الحكم بن عيينة» وهو خطأ، والتصحيح من «تقريب التهذيب» ص (175) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة.

(2/255)


سنة سبع وخمسين ومائة
فيها على ما في «الشذور» [1] بنى المنصور قصره الذي على شاطئ دجلة، ويدعى الخلد، وحوّل الأسواق من المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير، [والمحوّل، ووسّع طرق المدينة وأرباضها، وعقد الجسر بباب الشعير] [2] . انتهى.
وفيها توفي الحسين بن واقد المروزي، قاضي مرو. روى عن عبد الله بن بريدة وطبقته. وروى له العقيليّ، وابن حبّان.
قال الذّهبيّ في «المغني» [3] : [الحسين بن] [4] واقد المروزيّ عن أبي بريدة، صدوق، استنكر أحمد بعض حديثه. انتهى.
وفي صفر إمام الشّاميين أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو الأوزاعيّ الفقيه. روى عن القاسم بن مخيمرة، وعطاء، وخلق كثير من التابعين، وكان رأسا في العلم والعمل، جمّ المناقب، ومع علمه كان بارعا في الكتابة والترسّل.
__________
[1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.
[3] (1/ 176) .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «المغني» للذهبي.

(2/256)


قال الهقل بن زياد: أجاب الأوزاعيّ عن سبعين ألف مسألة.
وقال إسماعيل بن عيّاش [1] : سمعت النّاس سنة أربعين ومائة يقولون:
الأوزاعيّ اليوم عالم الأمة.
وقال عبد الله الخريبيّ [2] : كان الأوزاعيّ أفضل أهل زمانه.
وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعيّ.
وقال أبو مسهر: كان الأوزاعيّ يحيي الليل صلاة، وقرآنا، وبكاء، ومات في الحمام، أغلقت عليه زوجته باب الحمّام ونسيته فمات [3] .
ورثاه بعضهم فقال:
جاد الحيا بالشّام كلّ عشيّة ... قبرا تضمّن لحده الأوزاعي
قبرا تضمنّ طود كلّ [4] شريعة ... سقيا له من عالم نفّاع
عرضت له الدّنيا فأقلع معرضا [5] ... عنها بزهد أيّما إقلاع [6]
وجاء رجل إلى بعض المعبرين فقال: رأيت البارحة كأن ريحانة رفعت إلى السماء من ناحية المغرب حتّى توارت في السماء، فقال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعيّ، فوجدوه قد مات تلك الليلة.
ولما حجّ لقيه سفيان الثوري بذي طوى [7] فأخذ بخطام بعيره ومشى وهو يقول: طرّقوا للشيخ.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «إسماعيل بن عباس» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 227) .
[2] في الأصل: «الخرّيتي» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3] في «تهذيب التهذيب» لابن حجر (6/ 240) وقال ابن حبّان: وكان السبب في موته أنه كان مرابطا ببيروت، فدخل الحمام، فزلق فسقط وغشي عليه ولم يعلم به حتى مات.
[4] لفظة «كلّ» لم ترد في «وفيات الأعيان» .
[5] في «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» : «فأعرض مقلعا» .
[6] الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (3/ 127) . و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 351) .
[7] ذو طوى: واد في مكة المكرمة، وهو اليوم يعرف ب بئر طوى بجرول بين القبة وريع أبي

(2/257)


قال ابن ناصر الدّين: الأوزاعيّ هو عبد الرّحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعيّ الدّمشقيّ، الثقة، المأمون، ولد ببعلبك سنة ثمان وثمانين، وكان عالم الأمة، منفردا بالسيادة مع اجتهاد في إحياء الليل، أجاب في سبعين ألف مسألة للقصّاد. دخل حمّاما في بيته نهارا، وأدخلت معه زوجته في كانون فحما ونارا، ثمّ أغلقت عليه غير متعمّدة، فهاج الفحم بالنّار فمات من ذلك.
والأوزاع قرية بدمشق، اتصل بها العمران، وهي المحلّة التي تسمى الآن بالعقيبة. انتهى.
وقال في «المعارف» [1] : حدّثنا البجليّ أنّ اسمه عبد الرّحمن بن عمرو من الأوزاع، وهم بطن من همدان.
وقال الواقديّ: كان يسكن بيروت، ومكتبة باليمامة، فلذلك سمع من يحيى بن أبي كثير، ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. انتهى كلام «المعارف» [2] .
وقال النووي في «شرح المهذب» [3] في باب الحيض: وأما الأوزاعيّ فهو أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو من كبار تابعي التابعين وأئمتهم البارعين.
كان إمام أهل الشّام في زمنه. أفتى في سبعين ألف مسألة، وقيل: ثمانين
__________
لهب، وهو المكان الذي بات فيه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ليلة فتح مكة. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (2/ 896) ، و «معالم مكة التاريخية والأثرية» للأستاذ عاتق بن غيث البلادي ص (168- 169) .
[1] ص (496- 497) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «انتهى كلام العبر» وهو سبق قلم من المؤلف لأنه ينقل عن «المعارف» كما أشار إلى ذلك قبل قليل، وليس لهذا النقل ذكر في «العبر» لذا اقتضى التصحيح.
[3] (2/ 391) ويعرف ب «المجموع» أيضا، والمؤلف ينقل عن كتاب الحيض منه.

(2/258)


ألفا. توفي في خلوة [1] في حمام بيروت مستقبل القبلة، متوسّدا يمينه، سنة سبع وخمسين ومائة.
قيل: هو منسوب إلى الأوزاع قرية كانت خارج [2] باب الفراديس من دمشق، وقيل: قبيلة من اليمن، وقيل: غير ذلك. انتهى.
وفي «تهذيب» [3] النووي: وعن [4] عبد الرّحمن بن مهدي قال: الأئمة في الحديث أربعة: الأوزاعيّ، ومالك، وسفيان الثوريّ، وحمّاد بن زيد.
انتهى.
وقال أبو حاتم [5] : الأوزاعيّ إمام متّبع لما سمع.
وذكر أبو إسحاق الشيرازي في «الطبقات» [6] : أن الأوزاعيّ سئل عن الفقه- يعني استفتي- وله ثلاث عشرة سنة. انتهى.
وفيها محمّد بن عبد الله ابن أخي الزّهريّ المدنيّ. روى عن عمّه وأبيه.
وفيها مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير بن العوّام بالمدينة. روى عن أبيه وطائفة، وضعّفه ابن معين.
وفيها يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السّبيعيّ. روى عن جدّه، وعن الشّعبيّ.
قال ابن عيينة: لم يكن في ولد إسحاق أحفظ منه
__________
[1] في «شرح المهذب» : «في خلوته» .
[2] في «شرح المهذب» : «بخارج» .
[3] «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 300) .
[4] في المطبوع: «عن» .
[5] «الجرح والتعديل» (1/ 186) وفيه: «الأوزاعيّ فقيه متّبع لما سمع» .
[6] ص (76) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس، طبع دار الرائد العربي ببيروت.

(2/259)


سنة ثمان وخمسين ومائة
فيها صادر المنصور خالد بن برمك، وأخذ منه ثلاثة آلاف درهم، ثم رضي عنه وأمّره على الموصل.
وفيها توفي أفلح بن حميد الأنصاريّ المدنيّ. روى عن القاسم، وأبي بكر بن حزم.
وفيها حيوة بن شريح أبو زرعة.
قال السّيوطي في «حسن المحاضرة» [1] : ابن شريح بن صفوان التّجيبيّ أبو زرعة المصريّ، الفقيه، الزّاهد، العابد، أحد العبّاد والعلماء السادة. عن يزيد بن أبي حبيب. وعنه اللّيث. سئل عنه أبو حاتم فقال: هو أحبّ إليّ من اللّيث بن سعد، ومن المفضّل [2] بن فضالة.
وقال ابن المبارك: ما وصف لي أحد ورأيته إلّا كانت رؤيته دون صفته، إلّا حيوة بن شريح، فإن رؤيته كانت أكبر من صفته. عرض عليه قضاء مصر فأبى. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: الإمام القدوة. كان كبير الشّأن، مجاب الدّعوة.
انتهى.
__________
[1] (1/ 300) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «الفضل» والتصحيح من «حسن المحاضرة» .

(2/260)


وقال في «العبر» [1] : صحب يزيد بن أبي حبيب. وروى عن يونس مولى أبي هريرة وطبقته، وكان مجاب الدّعوة. انتهى.
وفيها زفر.
قال في «المعارف» [2] : زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر، ويكنّى أبا الهذيل، وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرّأي، ومات بالبصرة، وكان أبوه الهذيل على أصبهان. انتهى.
وقال في «العبر» [3] : زفر بن الهذيل العنبريّ الفقيه صاحب أبي حنيفة، وله ثمان وأربعون سنة [4] وكان ثقة في الحديث، موصوفا بالعبادة، نزل البصرة وتفقّهوا عليه.
وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرّصافيّ الشاميّ صاحب الزّهريّ، وثّقه الدّارقطنيّ لصحة كتابه. وما روى عنه إلّا حفيده حجّاج بن أبي منيع.
وفيها عبد الله بن عيّاش الهمدانيّ [5] الكوفيّ صاحب الشّعبيّ، ويعرف بالمنتوف [6] .
وعوانة بن الحكم البصريّ الأخباريّ.
وفيها كما قال ابن الجوزي في «الشذور» : نزل المنصور قصره المسمى بالخلد على دجلة، ثم حجّ وتوفي ببئر ميمون، وكانت مدّة خلافته إحدى
__________
[1] (1/ 229) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «قال في «العبر» » وهو سبق قلم من المؤلف- رحمه الله- فإنه نقل عن «المعارف» لابن قتيبة ص (496) .
[3] (1/ 229) .
[4] يعني وقت وفاته رحمه الله.
[5] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف.
[6] في الأصل: «المنشوف» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(2/261)


وعشرين سنة، وأحد عشر شهرا، وأربعة عشر يوما، وهو محرم وأخذت البيعة للمهديّ. انتهى.
قال في «العبر» [1] : توجّه المنصور للحجّ، فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجّة عند بئر ميمون بظاهر مكّة محرما، فأقام الموسم الأمير إبراهيم بن يحيى بن محمّد صبيّ أمرد، وهو ابن أخي المنصور، واستخلف المهديّ، وتوفي وله ثلاث وستون سنة، وكانت أميه بربريّة، وكان طويلا، مهيبا أسمر، خفيف اللحية، رحب الجبهة، كأنّ عينيه لسانان ناطقان، تقبله النّفوس، وكان يخالطه [2] أبّهة الملك بزيّ أولي النسك، ذا حزم، وعزم، ودهاء، ورأي، وشجاعة، وعقل، وفيه جبروت وظلم. انتهى.
وقال ابن الأهدل: كان لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك من كان.
وكان قد روى العلم، وعرف الحلال والحرام، وساس هو وبنوه ملكهم سياسة الملوك، ووليّ بعده المهديّ، وكان المنصور استأذن أخاه السّفّاح في الحجّ، فجاءه نعي السّفّاح في بعض الطريق، فسار مسرعا حتّى دخل دار الخلافة، وظفر بالأموال، وتقررت قواعده، ولما أراد إنشاء مدينة السّلام- بعد أن مكث سنة يتردد- فقال له راهب: كأن هناك ما تريد؟ قال: أريد أن أبني ها هنا [3] مدينة.
قال الرّاهب: إن صاحبها يقال له: مقلاص. فقال المنصور: أنا والله كنت أدعى بذلك في الكتّاب. ثم قال له منجّمه: أحكم الآن بالبناء فإنه يتم بناؤها ولا يكون لها في الدّنيا نظير. قال: ثم ماذا قال: ثم تخرب بعد موتك خرابا ليس بالصحراء ولكن دون العمران، فوضع المنصور أول لبنة بيده وقال:
بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها من يَشاءُ من عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 7: 128 [الأعراف: 128] .
__________
[1] (1/ 230) والمؤلف ينقل عنه بتصرّف.
[2] في «العبر» : «يخالط» .
[3] في الأصل: «هنا» وأثبت ما في المطبوع.

(2/262)


ولما تمّ بناؤها وانتقل إلى قصره، وقف يتأمل باب القصر، فإذا عليه مكتوب:
ادخل القصر لا تخاف زوالا ... بعد ستّين من سنيّك ترحل [1]
فوقف مليّا، وتغرغرت عيناه، ثم قال: لعبة لغافل، وفسحة لجاهل، وكان وقوفه أنه حسب ما بقي من عمره من المولد إلى تمام ستين. انتهى.
قال المدائنيّ [2] : خرجت مع المنصور في حجّته التي مات فيها، فسألني عن سنّي، فقلت: ثلاث وستون، فقال، وأنا فيها، وهي دقّاقة الأعناق، فنزلنا منزلا، فوجد مكتوبا على الحائط:
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا شكّ نازل
أبا جعفر هل كاهن أو منجّم ... يردّ قضاء الله أم أنت جاهل
فجعل يراه وينظر إليه ولا نرى نحن شيئا.
وذكر النووي في «تهذيبه» [3] واقعة جرت له مع سفيان الثّوريّ، وذلك أنه أرسل لقتل سفيان قبل دخوله مكّة، فجاء سفيان إلى الفضيل، وسفيان بن عيينة، فضرع لهما، وجلس بينهما، فقالا: اتق الله ولا تشمت بنا الأعداء [4] ،
__________
[1] البيت في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 356) وروايته فيه:
ادخل القصر لا تخاف زوالا ... بعد ستّين من سنيك رحيل
[2] قال الزركليّ: هو علي بن محمد بن عبد الله المدائني، أبو الحسن، راوية مؤرّخ، كثير التصانيف، من أهل البصرة. سكن المدائن، ثم انتقل إلى بغداد، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة (225) هـ. أورد ابن النديم أسماء نيّف ومائتي كتاب من مصنفاته في المغازي، والسيرة النبوية، وأخبار النساء، وتاريخ الخلفاء، وتاريخ الوقائع، والفتوح، والجاهليين، والشعراء، والبلدان. قال ابن تغري بردي: وتاريخه أحسن التواريخ وعنه أخذ الناس تواريخهم. بقي من كتبه «المردفات من قريش» مطبوع، و «التعازي» خطّي.
انظر «الأعلام» (4/ 323) وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث إن شاء الله.
[3] (1/ 223) وقد نقل المؤلف القصة عنه بتصرّف واختصار فراجعها فيه فهي مفيدة.
[4] في الأصل، والمطبوع: «الأعبد» وما أثبته من «تهذيب الأسماء واللغات» .

(2/263)


فقام سفيان إلى البيت وأخذ برتاجه [1] وقال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر، فلم يدخلها إلّا ميتا. انتهى.
وفيها أيضا مات طاغية الرّوم قسطنطين بن أليون إلى اللعنة.
__________
[1] قال ابن منظور: الرّتاج والرّتاج: الباب العظيم، وقيل: هو الباب المغلق ... وقيل: الرّتاج الباب المغلق وعليه باب صغير، «لسان العرب» (رتج) .

(2/264)


سنة تسع وخمسين ومائة
فيها ألحّ المهديّ على وليّ العهد عيسى بن موسى بكل ممكن، وبالرّغبة والرّهبة في خلع نفسه ليولّي العهد لولده موسى الهادي، فأجاب خوفا على نفسه، فأعطاه المهديّ عشرة آلاف درهم وإقطاعات.
وفيها بنى المهديّ مسجد الرّصافة، وأعتق الخيزران وتزوّجها.
وفيها توفي الإمام أبو الحارث محمّد بن عبد الرّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشيّ العامريّ المدنيّ الفقيه، ومولده سنة ثمان. روى عن عكرمة، ونافع، وخلق.
قال أحمد بن حنبل: كان يشبّه بسعيد بن المسيّب، وما خلّف مثله.
كان أفضل من مالك، إلّا أنّ مالكا أشدّ تنقية للرّجال.
وقال الواقديّ: كان ابن أبي ذئب يصلّي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، فلو قيل له: إن القيامة تقوم غدا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد.
وقال أخوه: إنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، ثم سرده، وكان شديد الحال، يتعشّى بالخبز والزّيت، وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحقّ.
وكان يحفظ حديثه، لم يكن له كتاب.
وقال أحمد: دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر- يعني المنصور- فلم

(2/265)


يهله [1] أن قال له: الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر أبو جعفر.
حيّاه يوما المنصور فلم يقم له، فقيل له: لا تقوم لأمير المؤمنين؟
فقال: إنما يقوم النّاس لربّ العالمين.
وفيها عبد العزيز بن أبي روّاد [بمكّة] [2] روى عن عكرمة، وسالم وطائفة، وخرّج له الأربعة.
قال في «المغني» [3] : عبد العزيز بن أبي روّاد [ميمون] [4] ، صالح الحديث، ضعّفه ابن الجنيد.
وقال ابن حبّان: روى عن نافع، عن ابن عمر نسخة موضوعة. انتهى.
وقال في «العبر» [5] : توفي بمكّة. روى عن عكرمة، وسالم، وطائفة.
قال ابن المبارك: كان من أعبد النّاس.
وقال غيره: كان مرجئا. انتهى.
وقال ابن الأهدل: رأت امرأة بمكّة الحور العين حول الكعبة كهيئة العرس، فقالت: ما هذا؟ فقيل: زواج عبد العزيز، فانتبهت فإذا هو مات.
وفيها عكرمة بن عمّار اليماميّ [6] روى عن طاووس وجماعة، وخرّج له الأربعة، ومسلم.
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 231) : «فلم يؤهله» وهو خطأ، وفي «تهذيب التهذيب» لابن حجر (9/ 306) : «فلم يهبه» : أي فلم يخف منه.
[2] لفظة «مكة» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[3] (2/ 397) .
[4] زيادة من «المغني» .
[5] (1/ 232) .
[6] في الأصل: «اليماني» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
قال ابن الأثير: اليمامي: هذه النسبة إلى اليمامة، وهي مدينة بالبادية من بلاد العوالي

(2/266)


قال عاصم بن علي: كان مستجاب الدّعوة، وآخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجة.
قال في «المغني» [1] : صدوق مشهور.
قال القطّان: أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة.
وقال أحمد: ضعيف الحديث.
ووثّقه ابن معين وغيره.
وقال الحاكم: أكثر مسلم الاستشهاد به.
وقال البخاريّ: لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه. انتهى كلام «المغني» .
وعمّار بن رزيق الضّبيّ الكوفيّ. روى عن منصور، والأعمش، وكان كبير القدر، عالما خيّرا.
قال أبو أحمد الزّبيريّ [2] : لبعضهم: لو كنت اختلفت إلى عمّار لكفاك أهل الدّنيا.
وفيها عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب المدنيّ، ولقبه رباح. روى عن أبيه، وعن سعيد بن المسيّب، وهو أكبر شيخ للقعنبيّ.
وفي أولها مالك بن مغول البجليّ الكوفيّ. روى عن الشّعبيّ وطبقته، وكان كثير الحديث ثقة حجّة.
__________
أكثر أهلها بنو حنيفة، وبها تنبأ مسيلمة الكذاب. انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 417) .
[1] (2/ 438) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «الزيتوني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (1/ 232) وقد ذكر المؤلف نسبته على الصواب في ترجمته التي سترد في أول المجلد الثالث إن شاء الله تعالى.

(2/267)


قال ابن عيينة: قال له رجل: اتق الله، فوضع خدّه بالأرض.
وفيها يونس بن أبي إسحاق السّبيعيّ عن سنّ عالية. روى عن أنس وكبار التابعين، وكان صدوقا كثير الحديث.
قال عبد الرّحمن بن مهدي، وغيره: لم يكن به بأس.
وفيها أمير خراسان حميد بن قحطبة بن شبيب الطّائيّ، وقد ولي أيضا الجزيرة ومصر.

(2/268)


سنة ستين ومائة
حجّ المهديّ بالنّاس، ونزع كسوة الكعبة كلّها حتّى جرّدها، ثم طلا البيت بالخلوق [1] وقسم في سفره ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه، ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائة ألف، فقسم ذلك كله، وفرّق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب. ووسّع في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قاله ابن الجوزي في «شذور العقود» .
وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعيّ مدينة كبيرة بالهند، وحمل محمّد بن سليمان الأمير الثلج حتّى وافى به مكّة للمهديّ وهذا شيء لم يتهيأ لأحد.
وتوفي في غزوة الهند- في الرّجعة بالبحر- الرّبيع بن صبيح البصري صاحب الحسن، وقد قال فيه شعبة: هو عندي من سادات المسلمين.
وقال أحمد لا بأس به.
وفيها لثلاث بقين من جمادى الآخرة، توفي أبو بسطام شعبة بن الحجّاج بن الوّرد العتكيّ الأزديّ، مولاهم الواسطيّ، شيخ البصرة، وأمير
__________
[1] في المطبوع: «بالخلوف» وهو تصحيف. قال ابن الأثير: الخلوق.. طيب معروف مركب يتخذ من الزّعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصّفرة. «انظر النهاية» (2/ 71) .

(2/269)


المؤمنين في الحديث. روى عن معاوية بن قرّة، وعمرو بن مرّة، وخلق من التابعين.
قال الشّافعيّ: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق.
وقال أبو زيد الهرويّ: رأيت شعبة يصلّي حتّى ترم قدماه.
وكان موصوفا بالعلم والزّهد، والقناعة، والرّحمة، والخير، وكان رأسا في العربية والشعر.
وقال أبو عبد الرّحمن النسائيّ: أمناء الله على علم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ثلاثة: شعبة بن الحجّاج، ويحيى بن سعيد القطّان، ومالك بن أنس.
وفيها توفي المسعوديّ عبد الرّحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفيّ. روى عن الحكم بن عتيبة [1] ، وعمرو بن مرّة، وخلق. وخرّج له الأربعة.
قال أبو حاتم: كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود. وتغيّر قبل موته بسنة أو سنتين.
وقال ابن حبّان: كان صدوقا إلّا أنه اختلط في آخر عمره.
وقال آخر: كان حسن الحديث.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «ابن عتبة» ، وفي «العبر» للذهبي (1/ 235) : «ابن عيينة» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 798) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.

(2/270)