شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وسبعين ومائة
فيها افتتح المسلمون مدينة دبسة من أرض الرّوم بعد حرب طويل [1] .
وفيها اشتد البلاء والقتل بين القيسية والميمنية بالشّام، واستمرت
بينهم إحن وأحقاد، ودماء، يهيجون لأجلها في كل وقت وإلى اليوم.
وفيها توفي قاضي بغداد للرشيد أبو عبد الله سعيد بن عبد الرّحمن
الجمحيّ [2] المدنيّ. روى عن عبد الرّحمن بن القاسم وطبقته. وكان من
أولي العلم والصلاح، وخرّج له مسلم، وأبو داود، والنّسائي، وغيرهم.
قال في «المغني» [3] : ثقة ليّنه الفسويّ. انتهى.
وفيها، وقيل: في التي تليها، عبد الواحد بن زياد العبديّ مولاهم
البصريّ. روى عن كليب بن وائل وطائفة كبيرة [4] .
قال في «المغني» [5] : عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وغيره، صدوق يغرب.
__________
[1] انظر «تاريخ الطبري» (8/ 320) .
[2] في المطبوع: «الججمي» وهو خطأ.
[3] «المغني في الضعفاء» (1/ 263) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «وطائفة كثيرة» وأثبت ما في «العبر» للذهبي
مصدر المؤلف.
[5] (2/ 411) .
(2/343)
قال ابن معين: ليس بشيء.
وقال أبو داود الطيالسي: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها
كلها.
وليّنه القطّان. انتهى.
وفيها أبو عوانة الوضّاح مولى يزيد بن عطاء اليشكريّ [الواسطيّ] [1]
البزّاز الحافظ، أحد الأعلام.
قال ابن ناصر الدّين: أبو عوانة الواسطي البزّار، كان أحد الحفّاظ
الثقات الأعيان.
قال يحيى القطّان: أبو عوانة من كتابه أحب إليّ من شعبة من حفظه.
انتهى.
رأى الحسن، وروى عن قتادة وخلق.
وقال يحيى القطّان: ما أشبه حديثه بحديث سفيان، وشعبة.
وقال عفّان: هو عندنا أصحّ حديثا من شعبة.
وقال غيره: هو من سبي جرجان. قاله في «العبر» [2] .
وفيها حمّاد بن أبي حنيفة الإمام، وكان من أهل الخير، والصلاح، والفقه،
في مذهب أبيه.
قال في «المغني» [3] : عن أبيه، ضعّفه ابن عدي. انتهى.
وكان ابنه إسماعيل بن حمّاد قاضي البصرة فعزل [عنها بالقاضي] [4]
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 269) .
[2] (1/ 269) .
[3] «المغني في الضعفاء» (1/ 188) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «مرآة
الجنان» لليافعي (1/ 384) .
(2/344)
يحيى بن أكثم، ولما خرج منها إسماعيل
مسافرا شيّعه يحيى.
قال إسماعيل: كان لنا جار طحّان رافضي له بغلان، فسمّى أحدهما أبا بكر،
والآخر عمر، فرمحه [1] أحدهما فقتله، فقال جدّي أبو حنيفة: انظروا الذي
رمحه فلا تجدونه إلّا الذي سمّاه عمر، فوجدوه كذلك.
__________
[1] قال ابن منظور: رمح الفرس والبغل والحمار وكل ذي حافر يرمح رمحا:
ضرب برجله، وقيل: ضرب برجليه جميعا. انظر «لسان العرب» (رمح) .
(2/345)
سنة سبع وسبعين
ومائة
فيها توفي عبد الواحد بن زيد البصريّ الزّاهد، الذي قيل: إنه صلّى
الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة.
ومن مواعظه قوله: ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون.
روى عن الحسن وجماعة، وهو متروك الحديث. قاله في «العبر» [1] .
وفيها شريك بن عبد الله النّخعيّ الكوفيّ القاضي، أبو عبد الله، أحد
الأعلام، عن نيّف وثمانين سنة.
روى عن سلمة بن كهيل، والكبار. سمع منه إسحاق الأزرق تسعة آلاف حديث.
قال ابن المبارك: هو أعلم بحديث بلده من سفيان الثّوري.
وقال النّسائيّ: ليس به بأس.
وقال غيره: فقيه إمام، لكنه يغلط.
قال ابن ناصر الدّين: استشهد له البخاريّ، ووثّقه ابن معين، وأخرج له
سملم متابعة. انتهى.
__________
[1] (1/ 270) .
(2/346)
وفيها محمد بن مسلم الطائفيّ المكيّ. روى
عن عمرو بن دينار وجماعة.
قال ابن مهدي: كتبه صحاح.
وموسى بن أعين [الجزري، أبو سعيد] [1] الحرّاني، رحل إلي العراق، وأخذ
عن عبد الله بن محمّد بن عقيل وطبقته، فأكثر.
وأبو خالد [2] يزيد بن عطاء اليشكريّ الواسطيّ. روى عن علقمة بن مرثد
وطبقته، وليس بالقويّ. قاله في «العبر» [3] .
وقد مرّ مولاه أبو عوانة [4] .
وفيها، أو في حدودها، عبد العزيز بن المختار البصريّ الدبّاغ. حدّث عن
ثابت البنانيّ وجماعة.
__________
[1] زيادة من «تهذيب التهذيب» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «أبو خلد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
للذهبي.
[3] (1/ 271) .
[4] انظر صفحة (344) من هذا المجلد.
(2/347)
سنة ثمان وسبعين
ومائة
فيها فوّض الرّشيد أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك. قاله [1] في
«الشذور» .
وفيها توفي جعفر بن سليمان الضّبعيّ بالبصرة. روى عن أبي عمران الجوني
وطائفة. وكان أحد علماء البصرة. وفيه تشيّع. أخذ ذلك عنه عبد الرّزّاق
باليمن. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن ناصر الدّين: هو أبو سليمان، كان من ثقات الشيعة والزهّاد،
ولم يكن قويا، ومع كثرة علومه قيل: كان أميّا. انتهى.
وفيها عبثر بن القاسم أبو زبيد الكوفي. روى عن حصين بن عبد الرّحمن
وجماعة. ذكره أبو داود فقال: ثقة، ثقة.
وعبد الله بن جعفر بن نجيح السعديّ، مولاهم، المدينيّ، نزيل البصرة،
ووالد علي بن [3] المديني. روى عن عبد الله بن دينار وطبقته، وهو ضعيف
الحديث.
__________
[1] يعني ابن الجوزي. وسبق أن ذكرت بأن كتابه الذي أشار إليه لا يزال
في عداد المخطوطات التي لا نعرف مكان وجودها.
[2] (1/ 271) .
[3] لفظة «ابن» سقطت من «العبر» للذهبي (1/ 272) فتستدرك فيه.
(2/348)
سنة تسع وسبعين
ومائة
فيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشّاريّ الخارجيّ، وأحد الشّراة وهم
الخوارج، سمّوا بذلك لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها
بالجنّة حين فارقنا الأئمة الجبابرة، وكان الوليد، أحد الشجعان، وندب
الرّشيد لحربه يزيد بن زائدة، ابن أخي معن بن زائدة الشيباني، ومكث
يزيد مدة يماكره ويخادعه، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فقالوا
للرشيد: إنه مداهن، فأرسل إليه يتوعّده، فناجزه يزيد فظفر به، وكان
الوليد ينشد في المصاف:
أنا الوليد بن طريف الشّاري ... قسورة [1] لا يصطلى بناري [2]
ولما انهزم تبعه يزيد بنفسه حتّى أدركه على مسافة بعيدة فقتله واحتزّ
رأسه، ولما قتل لبست أخته الفارعة عدّة حربها وحملت [على جيش يزيد] [3]
فضرب يزيد بالرمح فرسها [4] وقال: اغربي، غرّب الله عينك [5] فقد فضحت
__________
[1] القسورة: الأسد. قاله في «مختار الصحاح» ص (534) .
[2] في الأصل والمطبوع: «بنار» والبيت في «مرآة الجنان» (1/ 385) .
[3] زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 385) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «قرنيها» وأثبت ما في «مرآة الجنان» .
[5] في المطبوع: «غرب الله عنك» ، وفي «مرآة الجنان» : «غرب الله عليك»
.
(2/349)
العشيرة، فانصرفت ولها في أخيها مراث كثيرة
شهيرة [1] .
وفيها اعتمر الرّشيد في رمضان ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى وقت
الحج، ثم حجّ بالنّاس، فمشى من مكّة إلى منى، ثم إلى عرفات، وشهد
المشاهد والمشاعر ماشيا.
وفيها توفي إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس الحميريّ
الأصبحيّ شهير الفضل، كان طوالا، جسيما، عظيم [2] الهامة، أبيض الرأس
واللحية، أشقر، أزرق العين، يلبس الثياب العربية البيض، وإذا اعتمّ
جعلها [تحت] [3] ذقنه، ويسدل طرفها بين كتفيه.
روي أنه قال: ما أفتيت حتّى شهد لي سبعون أنّي أهل لذلك. وقلّ رجل كنت
أتعلّم منه ومات حتّى يستفتين.
قال اليافعيّ [4] : أخبر بنعمة الله [تعالى عليه] [5] .
وكان مالك عظيم المحبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مبالغا في
تعظيم حديثه، حتّى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنّه، ويقول:
لا أركب في بلد فيها جسد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- مدفون.
قال الشّافعيّ: قال لي محمد بن الحسن: أيّما [6] أعلم صاحبنا أو
صاحبكم؟ يعني أبا حنيفة ومالكا- رحمهما الله تعالى- قلت: على الإنصاف؟
__________
[1] قلت: وقد ساق اليافعي إحدى مراثيها في أخيها ومطلعها:
أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنّك لم تحزن على ابن طريف
[2] في المطبوع: «عظيما» وهو خطأ.
[3] لفظة «تحت» سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع، و «العبر»
للذهبي (1/ 273) .
[4] في «مرآة الجنان» (1/ 387) .
[5] زيادة من «مرآة الجنان» .
[6] في الأصل، والمطبوع: «أي» وأثبت ما في «مرآة الجنان» .
(2/350)
قال: نعم. قلت: أنشدك الله من أعلم
بالقرآن؟ قال: صاحبكم. قلت: فمن أعلم بالسّنّة؟ قال: صاحبكم. قلت: فمن
أعلم بأقاويل الصحابة؟ قال:
صاحبكم. قلت: فما بقي إلّا القياس، وهو لا يكون إلّا على هذه الأشياء،
وكان مالك [يأتي المسجد، و] [1] يشهد الصلوات الخمس والجمعة، ويصلي على
الجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، وأكثر جلوسه في المسجد، ثم ترك
ذلك فكان يصلي وينصرف، وترك حضور الجنائز، ثم ترك الكلّ، وسعي به إلى
جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وقيل له: إنه لا يرى
خلافتكم، فضربه سبعين سوطا، ومدّت [2] يده حتّى انخلعت [كتفه] [3] فلم
يزل بعد ذلك في [علوّ، و] [4] رفعة، كأنما كانت [5] السياط حليّا حلّي
به.
ولما ورد المنصور المدينة، أراد أن يقيده منه، فقال: والله ما ارتفع
سوط منها عن بدني إلّا وقد جعلته في حلّ لقرابته من رسول الله- صلّى
الله عليه وسلّم- وقيل:
ضرب لفتوى لم توافق أغراضهم. وقيل: إنه حمل إلى بغداد وقال له واليها:
ما تقول في نكاح المتعة؟ فقال: هو حرام، فقيل له: ما تقول في قول عبد
الله بن عبّاس فيها؟ فقال: كلام غيره فيها أوفق لكتاب الله تعالى،
وأصرّ على القول بتحريمها، فطيف به على ثور مشوّها، فكان يرفع القذر عن
وجهه ويقول: يا أهل بغداد من لم يعرفني فليعرفني، أنا مالك بن أنس، فعل
بي ما ترون لأقول بجواز نكاح المتعة ولا أقول به، ثم بعد ذلك لم يزده
الله تعالى إلّا رفعة، وكان ذلك كالتميمة له، فجزاه الله تعالى عن نفسه
والأمة خيرا.
__________
[1] زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 389) وهو المصدر الذي نقل عنه المؤلف
بتصرّف.
[2] أي جذبت. انظر «لسان العرب» (مدد) .
[3] زيادة من «مرآة الجنان» .
[4] زيادة من «مرآة الجنان» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «كان» ، وأثبت ما في «مرآة الجنان» .
(2/351)
وحدّث عتيق بن يعقوب الزّبيديّ قال: قدم
هارون الرّشيد المدينة، وكان قد بلغه أن مالك بن أنس عنده «الموطأ»
يقرؤه على النّاس، فوجّه إليه البرمكيّ فقال: أقرئه السلام وقل له:
يحمل إليّ الكتاب ويقرؤه عليّ، فأتاه البرمكيّ فقال: أقرئه السلام، وقل
له: إن العلم يؤتى ولا يأتي، فأتاه البرمكيّ فأخبره، وكان عنده أبو
يوسف القاضي، فقال: يا أمير المؤمنين، يبلغ أهل العراق أنك وجّهت إلى
مالك في أمر فخالفك، اعزم عليه، فبينما هو كذلك، إذ دخل مالك، فسلّم
وجلس، فقال له الرّشيد: يا ابن أبي عامر أبعث إليك وتخالفني؟ فقال: يا
أمير المؤمنين، أخبرني الزّهري، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: كنت
أكتب الوحي بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ 4: 95 [النساء: 95] وابن أمّ مكتوم عند
النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله انى رجل ضرير، وقد
انزل الله عليك فى فضل الجهاد ما قد علمت، فقال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: «لا ادرى» وقلمي رطب ما جف، ثم وقع فخذ النبي صلى الله عليه
وآله وسلم على فخذي، ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم جلس
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا زيد اكتب غَيْرُ أُولِي
الضَّرَرِ 4: 95 [النساء:
95] .
ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة- عليهم السلام- من
مسيرة خمسين ألف عام، ألا ينبغي لي أن أعزّه وأجلّه، وإن الله تعالى
رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك، فلا تكن أنت أول من يضيع عزّ العلم
فيضيع الله عزّك، فقام الرّشيد يمشي مع مالك إلى منزله ليسمع منه
«الموطأ» فأجلسه معه على المنصّة، فلما أراد أن يقرأه على مالك، قال
[1] :
تقرؤه عليّ. قال: ما قرأته على أحد منذ زمان. قال: فيخرج النّاس عنّي
حتّى أقرأه أنا عليك، فقال: إن العلم إذا منع من العامّة لأجل الخاصّة
لم
__________
[1] في المطبوع: «قال لي» .
(2/352)
ينفع الله تعالى به الخاصّة. فأمر معن بن
عيسى القزّاز ليقرأه عليه، فلما بدأ ليقرأه قال مالك لهارون: يا أمير
المؤمنين! أدركت أهل العلم ببلدنا وإنهم ليحبّون التواضع للعلم، فنزل
هارون عن المنصّة، وجلس بين يديه وسمعه، رحمهما الله تعالى.
وقال أبو عبد الله الحميديّ الأندلسيّ: أنشدني والدي أبو طاهر إبراهيم:
إذا قيل من نجم الحديث وأهله ... أشار أولو الألباب يعنون مالكا
إليه تناهى علم دين محمّد ... فوطّأ فيه للرّواة المسالكا
ونظّم بالتصنيف أشتات نشره ... وأوضح ما قد كان لولاه حالكا
وأحيا دروس العلم شرقا ومغربا ... تقدّم في تلك المسالك سالكا
وقد جاء في الآثار من ذاك شاهد ... على أنّه في العلم خصّ بذالكا
فمن كان ذا طعن على علم مالك ... ولم يقتبس من نوره كان هالكا
يشير بقوله، وقد جاء في الآثار إلخ إلى حديث «تضرب الإبل أكبادها إلى
عالم المدينة لا ترى أعلم منه» [1] .
وقال الشّافعيّ- رضي الله تعالى عنه-: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وقال معن القزّاز وجماعة: حملت بمالك أمّه ثلاث سنين.
وقيل: إنه بكى في مرض موته وقال: والله لوددت أني ضربت في كل مسألة
أفتيت بها، وليتني لم أفت بالرّأي.
وتوفي بالمدينة، ودفن بالبقيع عن أربع وثمانين سنة، وقيل: تسعين،
__________
[1] رواه أحمد في «المسند» (2/ 299) ، والترمذي في «سننه» رقم (2682)
في العلم، باب ما جاء في عالم المدينة، والحاكم في «المستدرك» (1/ 91)
، وحسنة الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهو من رواية ابن جريج
عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة. وابن جريج، وأبو الزبير
مدلّسان، وقد روياه بالعنعنة.
(2/353)
ولما مات قال ابن عيينة: ما ترك على وجه
الأرض مثله.
وفيها توفي خالد بن عبد الله الواسطيّ الطّحّان الحافظ، وله سبعون سنة.
روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته.
قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل منه.
وقال أحمد: كان ثقة صالحا، بلغني أنه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث
مرات.
وأبو الأحوص سلّام بن سليم الكوفي. روى عن زياد بن علاقة وطبقته، وكان
أحد الحفّاظ الأثبات.
قال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنّة واتّباع، وآخر من روى عنه هنّاد.
وفي رمضان إمام أهل البصرة حمّاد بن زيد بن درهم الأزديّ مولاهم
البصريّ الضرير، أبو إسماعيل. كان من أهل الورع والدّين.
قال ابن مهدي: لم أر قطّ أعلم بالسّنّة منه، وهو أحد الحمّادين صاحبي
المذهبين المشهورين.
وقال عبد الرّحمن بن مهدي: أئمة النّاس أربعة: الثّوريّ بالكوفة، ومالك
بالحجاز، وحمّاد بن زيد بالبصرة، والأوزاعيّ بالشّام.
وقال يحيى بن يحيى التميميّ: ما رأيت شيخا أفضل من حمّاد بن زيد.
وقال أحمد العجلي: حمّاد بن زيد ثقة، كان حديثه أربعة آلاف حديث
يحفظها، ولم يكن له كتاب.
وقال ابن معين: ليس أحد أثبت من حمّاد بن زيد.
وفيها الهقل بن زياد الدّمشقيّ كاتب الأوزاعيّ.
قال ابن معين: ما كان بالشّام أوثق منه.
(2/354)
وقال مروان الطّاطري: كان أعلم النّاس
بالأوزاعيّ وبمجلسه وفتياه.
وقال ابن ناصر الدّين: هو الهقل بن زياد بن عبيد [1] السّكسكيّ مولاهم
الدّمشقيّ اسمه محمد فلقب [2] بهقل، كان إماما مفتيا من الثقات. انتهى
[3] .
__________
[1] ويقال: زياد بن عبيد الله. (ع) .
[2] في الأصل: «فقلب» وهو سبق قلم من الناسخ، وأثبت ما في المطبوع وهو
الصواب.
[3] انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 98) .
(2/355)
سنة ثمانين ومائة
فيها هاج الهوى والعصبيّة بالشّام بين اليمانية والنّزاريّة، وتفاقم
[1] الأمر، واشتدّ الخطب.
وفيها كانت الزّلزلة العظمى بمصر [2] التي سقط منها رأس منارة
الاسكندرية.
وفيها نزل الرّشيد الرّقّة واتخذها وطنا.
وفيها توفي إسماعيل بن جعفر مولاهم [الأنصاريّ] [3] المدنيّ، قارئ
المدينة بعد نافع، ومحدّثها بعد مالك. روى عن عبد الله بن دينار،
والعلاء بن عبد الرّحمن، وطائفة.
قال ابن ناصر الدّين: كان إماما، مقرئا، أمينا، عالما، ثقة، مأمونا.
انتهى.
وفيها عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة [4] العنبريّ مولاهم التّنّوريّ
__________
[1] في الأصل: «وتعاظم» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر»
للذهبي (1/ 275) مصدر المؤلف.
[2] لفظة «مصر» لم ترد في «العبر» للذهبي.
[3] زيادة من «العبر» للذهبي.
[4] في المطبوع: «أبو عبدة» وهو خطأ.
(2/356)
البصريّ، كان على بدعة فيه. أجمع على
الاحتجاج به الشيخان وباقي أئمة الأثر، قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها بشر بن منصور السّليميّ الأزديّ البصريّ الزّاهد. روى عن أيوب
وطبقته.
قال ابن المديني: ما رأيت أحدا أخوف لله منه. وكان يصلّي كل يوم
خمسمائة ركعة.
وقال عبد الرّحمن بن مهدي: ما رأيت أحدا أقدّمه عليه في الورع
والرّقّة.
وفيها حفص بن سليمان الغاصريّ الكوفيّ قاضي الكوفة وتلميذ عاصم. وقد
حدّث عن علقمة [1] بن مرثد وجماعة، وعاش تسعين سنة، وهو متروك الحديث،
حجّة في القراءة. قاله في «العبر» [2] .
وفيها صدقة بن خالد الدّمشقيّ، قرأ على يحيى الذّماري. وروى عن
التابعين، وكان من ثقات الشاميين.
وفيها أبو وهب عبيد الله بن عمرو [3] الرّقّي الفقيه، محدّث الجزيرة
ومفتيها. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته.
قال محمد بن سعد: كان ثقة، لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره [4] .
وفضيل بن سليمان النّميري بالبصرة. روى عن أبي حازم الأعرج وصغار
التابعين.
__________
[1] تحرّف في «العبر» إلى «علقة» فيصحّح فيه.
[2] (1/ 276) .
[3] في الأصل والمطبوع: «عبيد الله بن عمر» وهو خطأ، والتصحيح من
«العبر» وغيره.
[4] قاله الذهبي في «العبر» (1/ 276- 277) .
(2/357)
قال في «المغني» [1] : عن منصور بن صفيّة،
فيه لين.
قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقويّ.
وقال أبو زرعة: ليّن.
وقال عبّاس [2] ، عن ابن معين: ليس بثقة. انتهى.
وفيها مبارك بن سعيد، أخو سفيان الثّوري أبو عبد الرّحمن الكوفيّ
الضرير ببغداد. روى عن عاصم بن أبي النّجو وطائفة، وهو ثقة.
وفيها فقيه مكّة أبو خالد مسلم بن خالد الزّنجيّ، وله ثمانون سنة.
روى عن ابن أبي مليكة، والزّهري، وطائفة.
وقال أحمد بن محمد الأوزرقي: كان فقيها عابدا، يصوم الدّهر، وضعّفه أبو
داود وغيره، ولقّب بالزّنجيّ في صغره، وكان أشقر، وعليه تفقّه
الشّافعيّ.
وفيها أبو المحيّاة [3] يحيى بن يعلى التيميّ الثقة الكوفيّ. روى عن
سلمة بن كهيل وطائفة، وعمّر وأسنّ.
وفيها أمير الأندلس أبو الوليد هشام بن الدّاخل عبد الرّحمن بن معاوية
الأمويّ المروانيّ، وله سبع وثلاثون سنة. وولي الأمر ثمانية أعوام،
وكان متواضعا، حسن السّيرة، كثير الصدقات، وقام بعده ابنه الحكم.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» (2/ 515) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «عيّاش» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في
الضعفاء» (2/ 515) ، وهو عبّاس الدوري. انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر
(8/ 292) .
[3] في الأصل: «أبو الحياة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.
(2/358)
|