شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست ومائتين
فيها استعمل المأمون على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعيّ فوليها مدة،
وهو الذي كان يمتحن النّاس بخلق القرآن في أيام المأمون، والمعتصم،
والواثق.
وفيها كان المدّ الذي غرق منه السواد وذهبت الغلّات.
وفيها نكث بابك الخرّميّ عيسى بن محمد بن أبي خالد.
وفيها استعمل المأمون على محاربة [1] نصر بن شبث [2] [عبد الله بن
طاهر] [3] وولاه الديار المصرية.
وفيها- في رجب- توفي أبو حذيفة إسحاق بن بشر البخاريّ صاحب «المبتدأ»
روى عن إسماعيل بن أبي خالد، وابن جريج، والكبار، فأكثر وأغرب، وأتى
بالطّامّات، فتركوه [4] .
__________
[1] في الأصل: «على تجارة» ، وفي المطبوع: «على تجارته» وكلاهما خطأ،
والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 348) ، وانظر: «تاريخ الطبري» (8/ 581)
.
[2] في الأصل، والمطبوع: «نصر بن شيث» وهو تصحيف، وفي «العبر» : «نصر
بن شبيب» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» ، و «الكامل في التاريخ»
لابن الأثير (6/ 388) .
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر»
للذهبي، وانظر:
«تاريخ الطبري» .
[4] في «العبر» (1/ 349) : «فاتهموه وتركوه» .
(3/31)
وفيها- في ربيع الأول- حجّاج بن محمّد
المصّيصيّ الأعور، صاحب ابن جريج، وأحد الحفاظ، الثقات، المتقنين،
المكثرين، الضابطين.
قال أحمد: ما كان أصحّ حديثه وأضبطه، وأشدّ تعاهده للحروف.
وشبابة بن سوّار المدائنيّ الحافظ. روى عن ابن أبي ذئب وطبقته، وكان
ثقة مرجئا.
وفي رمضان عبد الله بن نافع المدنيّ الصائغ الفقيه، صاحب مالك.
روى عن زيد بن أسلم وطائفة.
قال أحمد بن صالح: كان أعلم النّاس برأي مالك وحديثه.
وقال أحمد بن حنبل: لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي مالك، ومفتي
[أهل] المدينة.
وخرّج له مسلم، والأربعة.
قال في «المغني» [1] : عبد الله بن نافع الصائغ، عن مالك، وثق.
وقال البخاريّ: في حفظه شيء.
وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بذاك في الحديث. انتهى.
وفيها محاضر بن المورّع الكوفيّ. روى عن عاصم الأحول وطبقته.
وهو صدوق. وقد خرّج له مسلم، وأبو داود، والنسائيّ.
قال في «المغني» [2] : عن الأعمش وغيره.
قال أبو زرعة: صدوق.
وقال أبو حاتم: ليس بالقويّ.
وقال أحمد: كان مغفّلا جدّا، لم يكن من أصحاب الحديث. انتهى.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» (1/ 360) .
[2] «المغني في الضعفاء» (2/ 542) .
(3/32)
وفيها قطرب النحويّ صاحب سيبويه، وهو الذي
سماه قطربا، لأنه كان يبكّر في المجيء إليه. فقال: ما أنت إلّا قطرب
ليل- وهي دويبة لا تزال تدب ولا تهتدي- فغلب عليه، وكنية قطرب أبو علي،
واسمه محمد بن المستنير البصريّ اللغويّ. كان من أئمة عصره. صنف «معاني
القرآن» و «كتاب الاشتقاق» و «كتاب القوافي» و «كتاب النوادر» و «كتاب
الأزمنة» و «كتاب الأصول» و «كتاب الصفات» و «كتاب العلل في النحو» و
«كتاب الأضداد» و «كتاب خلق الإنسان» و «كتاب خلق الفرس» و «كتاب غريب
الحديث» و «كتاب الهمز» و «كتاب فعل وأفعل» و «كتاب الرد على الملحدين»
في متشابه القرآن، وغير ذلك. وهو أول من وضع المثلث في اللغة. وتبعه
البطليوسي، والخطيب، وكان يعلّم أولاد أبي دلف العجلي.
وفيها مؤمّل بن إسماعيل في رمضان بمكّة، وكان من ثقات البصريين. روى عن
شعبة والثّوري.
وفيها أبو العبّاس وهب بن جرير بن حازم الأزديّ البصريّ الحافظ.
أكثر عن أبيه وابن عون، وعدة.
وفيها الإمام الربّاني [1] يزيد بن هارون أبو خالد الواسطيّ الحافظ.
روى عن عاصم الأحول والكبار.
قال علي بن المديني: ما رأيت رجلا قطّ أحفظ من يزيد بن هارون.
يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر.
وقال يحيى بن يحيى التميميّ: هو أحفظ من وكيع.
وقال أحمد بن سنان القطّان: كان هو وهشيم معروفان [2] بطول صلاة الليل
والنهار.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «الزيّاتي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/
350) .
[2] في الأصل: «معروفا» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.
(3/33)
وقال يحيى بن أبي طالب: سمعت من يزيد
ببغداد، وكان يقال: إن في مجلسه سبعين ألفا.
وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا إماما ثقة مأمونا مناقبه جمّة خطيرة.
قال [علي بن] شعيب [1] : سمعت يزيد يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث
ولا فخر، وأحفظ للشاميين عشرين ألفا لا أسأل عنها. انتهى.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «قال شعيب» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد»
(14/ 339) ، و «سير أعلام النبلاء» (9/ 359) . وهو علي بن شعيب بن عدي
السّمسار، البغدادي، المتوفى سنة (253) . انظر ترجمته في «تهذيب
الكمال» للمزي (2/ 970) مصورة دار المأمون للتراث، و «تقريب التهذيب» ص
(402) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة.
(3/34)
سنة سبع ومائتين
فيها توفي طاهر بن الحسين فجأة على فراشه وحمّ ليلة. وكان تلك الأيام
قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج عليه، فأتى الخبر إلى المأمون
بأنه خلعه، فما أمسى حتّى جاءه الخبر بموته. وقام بعده ابنه طلحة،
فأقره المأمون على خراسان، فوليها سبع سنين. وبعده ولي أخوه عبد الله.
قال ابن الأهدل: طاهر بن الحسين الخزاعيّ، وقيل: مولاهم، الملقّب، ذا
اليمينين، كان جوادا شجاعا ممدّحا، وهو الذي قتل الأمين. وكان المأمون
قد أخدمه غلاما رباه وأمره إن رأى منه ما يريبه سمّه. فلما تمكن طاهر
من خراسان قطع خطبة المأمون- أي وخطب لنفسه- فأصبح يوم السبت ميتا.
واستخلف المأمون ولده طلحة بن طاهر، وقيل: جعله نائبا لأخيه عبد الله
بن طاهر، وسيأتي ذكر ولده عبد الله سنة ثلاثين، وولد ولده سنة
ثلاثمائة. انتهى.
وفيها أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزوميّ العمريّ
الكوفيّ عن نيف وتسعين سنة. سمع من الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد،
والكبار.
قال أبو حاتم: صدوق.
وعبد الصّمد بن عبد الوارث بن سعيد التميميّ التّنّوريّ أبو سهل.
(3/35)
روى عن أبيه وهشام الدّستوائيّ، وشعبة.
وكان ثقة صاحب حديث.
قال ابن ناصر الدّين: كان محدّث البصرة وأحد الثقات. انتهى.
وفيها عمر بن حبيب العدويّ البصريّ في أول السنة. روى عن حميد الطّويل،
ويونس بن عبيد، وجماعة. وولي قضاء الشرقية للمأمون.
قال ابن عدي: هو مع ضعفه حسن الحديث.
وقال في «المغني» [1] : عمر بن حبيب العدويّ القاضي. عن هشام بن عروة.
كذّبه ابن معين.
وقال النسائيّ: ضعيف.
وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. انتهى.
وفيها قراد أبو نوح عبد الرّحمن بن غزوان [2] الخزاعيّ. توفي ببغداد،
وحدّث عن عوف، وشعبة، وطائفة.
قال أحمد بن حنبل: كان عاقلا من الرّجال.
وقال ابن المديني: ثقة.
وقال ابن معين: ليس به بأس.
وكثير بن هشام الكلابي الرّقّيّ. راوية جعفر بن برقان، توفي ببغداد في
شعبان.
وفيها محمد بن عبد الله بن كناسة الأسديّ النحويّ الأخباريّ الكوفيّ.
سمع هشام بن عروة والأعمش، ومات في شوال على الصحيح.
قال في «المغني» [3] : محمد بن كناسة الأسدي. عن الأعمش. وثقة ابن معين
وغيره.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 464) .
[2] في الأصل: «قرار أبو نوح بن غزوان عبد الرحمن بن غزوان» ، والتصحيح
من «العبر» للذهبي (1/ 352) ، و «لسان الميزان» لابن حجر (4/ 471) .
[3] «المغني في الضعفاء» (2/ 596) .
(3/36)
وقال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى.
والواقديّ قاضي بغداد أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلميّ
المدنيّ، العلّامة، أحد أوعية العلم. روى عن ثور بن يزيد، وابن جريج
وطبقتهما. وكان يقول: حفظي أكثر من كتبي. وقد تحول مرّة فكانت كتبه
مائة وعشرين حملا. ضعفه الجماعة كلّهم.
قال ابن ناصر الدّين: أجمع الأئمة على ترك حديثه حاشا ابن ماجة، لكنه
لم يجسر أن يسمّيه حين أخرج حديثه في اللباس يوم الجمعة [1] ، وحسبك
ضعفا بمن لا يجسر أن يسميه ابن ماجة. انتهى.
وقال الذهبيّ في كتابه «المغني في الضعفاء» [2] : محمد بن عمر بن واقد
الأسلميّ مولاهم الواقديّ صاحب التصانيف مجمع على تركه.
وقال ابن عدي: يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه.
وقال النسائيّ: كان يضع الحديث.
وقال ابن ماجة: حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا شيخ [لنا] [3] ، حدثنا عبد
الحميد بن جعفر [4] فذكر حديثا في لباس الجمعة وحسبك بمن لا يجسر ابن
ماجة أن يسميه.
قلت: وقد كذّبه أحمد، والله أعلم.
وقال ابن الأهدل: الإمام الواقديّ أبو عبد الله محمد بن [عمر بن] واقد
الأسلمي قاضي بغداد. كان يقول: حفظي أكثر من كتبي. وكانت كتبه مائة
__________
[1] هو في «سنن ابن ماجة» رقم (1095) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في
الزينة يوم الجمعة.
[2] (2/ 619) .
[3] لفظة «لنا» زيادة من «سنن ابن ماجة» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «عبد الحميد بن صفوان» وهو خطأ، والتصحيح من
«المغني في الضعفاء» ، و «تهذيب الكمال» (3/ 1249) .
(3/37)
وعشرين حملا. وضعفه أهل الحديث، ووثقوا
كاتبه محمد بن سعد. من تصانيفه «كتاب الردّة» ذكر فيه المرتدين وما جرى
بسببهم. وكان المأمون يكرمه ويراعيه.
روي عنه قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنّا كنفس واحدة، فشكوت
إليه عسرة، فوجّه إليّ كيسا مختوما فيه ألف درهم، فما استقر في يدي
حتّى جاءني كتاب صديقي الآخر يشكو مثل ذلك، فوجهته إليه كما هو، وخرجت
إلى المسجد، فبتّ فيه حياء من زوجتي، ثم إن صديقي الهاشمي شكا إلى
صديقي الآخر فأخرجه إليه بحاله، فجاءني به حين عرفه، وقال:
أصدقني كيف خرج منك، فعرّفته الحكاية، فتواجهنا وتواسيناه بيننا،
وعزلنا للمرأة مائة درهم، ونمي الخبر إلى المأمون، فوجه إلى كل منا ألف
دينار وللمرأة ألفا، وقد ذكر هذه الحكاية الخطيب البغدادي في «تاريخ
بغداد» [1] .
انتهى كلام ابن الأهدل.
وفيها بشر بن عمر [2] الزّهرانيّ. كان ثقة متقنا ذا علم وحديث.
وكنيته أبو محمد.
وفيها أبو كامل مظفر بن مدرك الخراسانيّ ثم البغداديّ. كان ثقة مأمونا.
أخذ عنه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وآخرون.
وفيها أبو النّضر [3] هاشم بن القاسم الخراسانيّ. قيصر. نزل بغداد،
وكان حافظا قوّالا بالحق. سمع شعبة، وابن أبي ذئب، وطبقتهما.
ووثّقه جماعة.
__________
[1] (3/ 4- 5) . قلت: ولكن سياق القصة فيه يختلف عمّا في كتابنا قليلا.
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 351) : «يزيد بن عمر» وهو خطأ فيصحح فيه.
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو نضر» ، وما أثبته من «العبر» للذهبي (1/
353) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 481) .
(3/38)
قال ابن ناصر الدّين: هو ثقة ماجد، شيخ
لأحمد بن حنبل. انتهى.
وفيها الهيثم بن عدي أبو عبد الرّحمن الطائيّ الكوفيّ الأخباريّ
المؤرّخ. روى عن مجالد، وابن إسحاق وجماعة، وهو متروك الحديث.
وقال أبو داود السجستاني: كذّاب.
وفيها الفرّاء يحيى بن زياد الكوفيّ النحويّ. نزل بغداد وحدّث في
مصنفاته عن قيس بن الرّبيع، وأبي الأحوص، وهو أجلّ أصحاب الكسائيّ.
كان رأسا في النحو واللغة.
قال ابن الأهدل في «تاريخه» : الإمام البارع يحيى بن زياد الفراء [1] .
كوفي، أجلّ أصحاب الكسائيّ، هو والأحمر. قيل: لولاه لما كانت عربية،
لأنه هذّبها وضبطها.
وقال ثمامة بن أشرس المعتزليّ: ذاكرت الفرّاء فوجدته في النحو نسيج
وحده. وفي اللغة بحرا. وفي الفقه عارفا باختلاف القوم. وفي الطب خبيرا.
وبأيام العرب وأشعارها حاذقا.
ولحن يوما بحضرة الرّشيد فرد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين إن طباع
الأعراب والحضر اللّحن، فإذا تحفّظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطبع
لحنت.
صنف الفرّاء للمأمون «كتاب الحدود» في النحو، و «كتاب المعاني» واجتمع
لإملائه خلق كثير، منهم ثمانون قاضيا. وعمل كتابا على جميع القرآن في
نحو ألف ورقة لم يعمل مثله، وكل تصنيفه حفظا لم يأخذ بيده نسخة إلّا
كتاب ملازم، وكتاب نافع. وعجب له تعظيم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه.
__________
[1] في المطبوع: «الفرائي» .
(3/39)
قال الفرّاء: أموت وفي نفسي من حتّى شيء
لأنها تجلب الحركات الثلاث.
ولم يعمل الفراء ولا باعها، وإنما كان يفري الكلام. وقطعت يد والده في
مقتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وكان يؤدّب ابني المأمون، فطلب نعليه يوما فابتدر أيهما [1] يسبق إلى
تقديمهما له، فقال له المأمون: ما أعزّ من يتبادر إلى تقديم نعليه
وليّا عهد المسلمين. فقال: ما كنت أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها وشريفة
حرصا عليها. وقد أمسك ابن عبّاس بركابي الحسن والحسين وقد خرجا من
عنده، فقال المأمون: لو منعتهما لأوجعتك لوما، فلا يحسن ترفّع الرجل عن
ثلاثة:
والده، وسلطانه، ومعلّمه. وأعطاهما عشرين ألف دينار، وأعطاه عشرة آلاف.
وروي أن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة سأل الفرّاء- وهو ابن خالته-
عمّن سها في سجود السهو؟ فقال: لا شيء عليه، لأن المصغر لا يصغر. وروي
مثلها عن الكسائيّ. انتهى كلام ابن الأهدل.
__________
[1] في المطبوع: «إليهما» .
(3/40)
سنة ثمان ومائتين
فيها جاء سيل بمكّة حتّى بلغ الماء الحجر والباب، وهدم أكثر من ألف
دار، ومات نحو من ألف إنسان.
وفيها سار الحسن بن الحسين بن مصعب الخزاعيّ إلى كرمان فخرج بها. فسار
لحربه أحمد بن أبي خالد فظفر به، وأتى به [إلى] [1] المأمون فعفا عنه.
وفيها توفي الأسود بن عامر شاذان [2] أبو عبد الرّحمن ببغداد. روى عن
هشام بن حسّان، وشعبة، وجماعة.
قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة حافظا.
وسعيد بن عامر الضّبعيّ أبو محمد البصريّ أحد الأعلام في العلم والعمل.
روى عن يونس بن عبيد، وسعيد بن أبي عروبة، وطائفة.
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أفضل منه.
وقال ابن ناصر الدّين: وأخذ عنه أحمد بن حنبل وغيره.
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 354) .
[2] في الأصل: «سادان» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
(3/41)
وقال يحيى القطّان: هو شيخ المصر [1] منذ
أربعين سنة. انتهى [2] .
وتوفي في شوال.
وعبد الله بن بكر السّهميّ [3] الباهليّ أبو وهب البصريّ. روى عن حميد
الطّويل، وبهز بن حكيم. وطائفة. وكان ثقة مشهورا. توفي في المحرم
ببغداد.
والفضل بن الرّبيع بن يونس الأمير، حاجب الرّشيد وابن حاجب المنصور،
وهو الذي قام بأعباء خلافة الأمين، ثم اختفى مدة بعد قتل الأمين. توفي
في ذي القعدة.
قال ابن الأهدل: هو وزير الرّشيد بدلا عن البرامكة. وقد كان بينه
وبينهم إحن [4] وشحناء. دخل يوما على يحيى بن خالد وابنه جعفر يوقّع
بين يديه، فعرض عليه الفضل عشر رقاع للنّاس، فلم يوقّع له في واحدة
منهن، فجمع رقاعه وقال: ارجعن خائبات، وخرج وهو يقول:
عسى وعسى يثني الزّمان عنانه ... بتصريف حال والزّمان عثور
فتقضى لبانات وتشفى حسائف [5] ... ويحدث [6] من بعد الأمور أمور [7]
والحسائف: الضغائن.
__________
[1] يعني شيخ البصرة.
[2] يعني انتهى نقل المؤلف عن ابن ناصر الدّين.
[3] في المطبوع: «عبد الله بن السهمي» ، وفي «العبر» (1/ 354) : «عبد
الله بن أبي بكر» وكلاهما خطأ. وانظر: «الأنساب» للسمعاني (7/ 200) ، و
«تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 404) .
[4] أي أحقاد. انظر: «مختار الصحاح» للرازي ص (8) .
[5] في «البداية والنهاية» : «وتشفى حزائر» .
[6] في «البداية والنهاية» : «وتحدث» .
[7] البيتان في «البداية والنهاية» لابن كثير (10/ 263) .
(3/42)
فقال له يحيى: عزمت عليك يا أبا العبّاس
إلا رجعت، فرجع، فوقّع له فيها كلها. ولم يمتد أمرهم بعدها. وكانت
نكبتهم على يديه. انتهى.
وفيها توفيت السيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن
أبي طالب الحسنيّة، صاحبة المشهد بمصر. ولي أبوها إمرة المدينة
للمنصور، ثم حبسه دهرا. ودخلت هي مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصّادق.
وتوفيت في شهر رمضان.
قال ابن الأهدل: وقيل: قدمت مصر مع ابنها، وكانت من الصالحات.
سمع عليها الشّافعيّ، وحملت جنازته يوم مات فصلت عليه. ولما ماتت همّ
زوجها إسحاق بحملها إلى المدينة فأبى أهل مصر فدفنت بين القاهرة ومصر.
يقال: إن الدعاء مستجاب [1] عند قبرها.
قال الذّهبيّ: ولم يبلغنا شيء من مناقبها، وللجهّال فيها اعتقاد لا
يجوز، وقد يبلغ بهم إلى الشرك بالله، فإنهم يسجدون للقبر ويطلبون منه
المغفرة.
وكان أخوها القاسم بن حسن زاهدا عابدا.
قلت: وسلسلتها في النسب وسماع الشّافعيّ منها وعليها، وحمله ميتا إلى
بيتها، أعظم منقبة، فلم يكن ذلك إلا عن قبول وإقبال وصيت وإجلال، نفع
الله بها ومبلغها. انتهى ما قاله ابن الأهدل.
وفيها القاسم بن الحكم العرنيّ [2] الكوفيّ، قاضي همذان [3] . روى
__________
[1] في المطبوع: «يستجاب» .
[2] في «المغني في الضعفاء» : «العريني» وهو خطأ فيصحح فيه.
[3] في الأصل، والمطبوع: «همدان» وهو تصحيف، وما أثبته هو الصواب، لأن
«همذان» إقليم في إيران، و «همدان» قبيلة من قبائل العرب.
(3/43)
عن زكريّا ابن أبي زائدة [1] وأبي حنيفة،
وجماعة. وقد كان أراد الإمام أحمد أن يرحل إليه.
وخرّج له الترمذيّ.
قال في «المغني» [2] : وثقه النسائيّ.
وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به. انتهى.
وقريش بن أنس البصريّ. روى عن حميد، وابن عون، وجماعة.
قال النسائيّ: ثقة، إلا أنه تغير. ومات في رمضان.
ومحمّد بن مصعب القرقسانيّ [3] . روى عن الأوزاعي، وإسرائيل، وضعفه
النسائيّ وغيره.
وهارون بن عليّ المنجّم الفاضل البغدادي. صنف «تاريخ المولّدين» جمع
مائة وأحد وستين شاعرا، افتتحه بذكر بشّار بن برد، وختمه بمحمد بن عبد
الملك بن صالح، واختار من شعرهم الزّبد دون الزّبد، وصنف غير ذلك [4] .
ويحيى بن حسّان التّنّيسي، أبو زكريا. روى عن معاوية بن سلّام، وحمّاد
بن سلمة وطائفة. وكان إماما حجة من جلّة المصريين. توفي في رجب.
__________
[1] في المطبوع: «زكريا بن يحيى بن أبي زائدة» وهو خطأ، وانظر: «تهذيب
الكمال» للمزي (1/ 430) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق، و «العبر»
للذهبي (1/ 355) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 261) .
[2] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 518) .
[3] نسبة إلى قرقيسيا بلدة من بلدان جزيرة أقور التي بين نهري دجلة
والفرات. انظر: «الأنساب» للسمعاني (10/ 105) ، و «معجم البلدان»
لياقوت (4/ 328- 329) .
[4] الذي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 404) أنه توفي سنة (288 هـ) وهو
كذلك في «الأعلام» للزركلي (8/ 61) بينما ذكره المؤلف هنا فيمن توفي
سنة (208) هـ. (ع) .
(3/44)
ويحيى بن بكير العبدي، قاضي كرمان. حدّث عن
شعبة وأبي جعفر الرّازي، والكبار. وثقه ابن معين وغيره.
قال ابن ناصر الدّين: واسم أبيه قيس بن أبي أسيد بالتصغير. وكان ثقة
أخطأ في إسناد واحد مع كثرة حفظه. انتهى.
ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزّهريّ العوفيّ المدنيّ نزيل بغداد.
سمع أباه، وعاصم بن محمد العمري، واللّيث بن سعد. وكان إماما ثقة ورعا
كبير القدر.
ويونس بن محمد البغداديّ المؤدّب الحافظ. روى عن شيبان [1] ، وفليح بن
سليمان، وطائفة، وتوفي في صفر.
قال ابن ناصر الدّين: يونس بن محمد بن مسلم المؤدّب [2] كان ثقة.
انتهى.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «سفيان» وهو خطأ. والتصحيح من «تهذيب الكمال»
للمزي (3/ 1571) ، و «العبر» للذهبي (1/ 356) . وهو شيبان بن عبد
الرحمن النحوي.
[2] في الأصل، والمطبوع: «المكتب» .
(3/45)
سنة تسع ومائتين
فيها طال القتال بين عبد الله بن طاهر، ونصر بن شبث [1] العقيلي، إلى
أن حصره في قلعة ونال منه. فطلب نصر الأمان، فكتب له المأمون أمانا
وبعثه إليه، فنزل وهدم الحصن.
وفيها توفي الحسن بن الأشيب أبو عليّ البغدادي قاضي طبرستان بعد قضاء
الموصل. روى عن شعبة وحريز بن عثمان وطائفة. وكان ثقة مشهورا.
وحفص بن عبد الله السّلميّ أبو عمرو النيسابوريّ، قاضي نيسابور.
سمع مسعرا، ويونس بن أبي إسحاق. وأكثر عن إبراهيم بن طهمان. ومكث عشرين
سنة يقضي بالآثار. وكان صدوقا.
وأبو علي الحنفيّ عبيد الله بن عبد المجيد [2] البصريّ. روى عن قرّة بن
خالد، ومالك بن مغول، وطائفة.
__________
[1] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «شبيب» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «عبد الحميد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
للذهبي (1/ 357) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 536) .
(3/46)
وعثمان بن عمر بن فارس العبديّ البصريّ،
الرّجل الصالح. روى عن ابن عون، وهشام بن حسّان [1] ، ويونس بن يزيد،
وطائفة. توفي في ربيع الأول بالبصرة.
ويعلى بن عبيد الطنافسيّ، أبو يوسف الكوفيّ. روى عن الأعمش، ويحيى بن
سعيد الأنصاري، والكبار.
فعن أحمد بن يونس قال: ما رأيت أفضل منه، [وكان يريد بعمله الله تعالى]
[2] .
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 357) : «هشام بن حبّان» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 358) .
(3/47)
سنة عشر ومائتين
فيها على ما قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] عرّس المأمون على بوران،
ففرش له يوم البناء حصير من ذهب، ونثر عليه ألف حبة من الجوهر، وأشعل
بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل. ونثر على القواد رقاع بأسماء ضياع.
فمن وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة. وكان الحسن بن سهل يجري في
مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح، فلما أراد المأمون
الإصعاد أمر له بألف ألف دينار، وأقطعه مدينة الصلح.
وقال ابن الأهدل: وفي سنة عشر ومائتين، تزوج المأمون بوران بنت الحسن
بن سهل [2] بواسط، وكان عرسا لم يسمع بمثله في الدّنيا، نثر فيه على
الهاشميين، والقواد، والوجوه، بنادق مسك فيها رقاع متضمنة لضياع،
وجوار، ودواب، ومن وقع في حجره بندقة ملك ما فيها. وأقام أبوها الجيش
كله بضعة عشر يوما، فكتب له المأمون بخراج فارس والأهواز سنة، ودخل
عليها في الليلة الثالثة من وصوله، فلما قعد عندها نثرت جدّتها ألف
درّة، فقال لها: سلي حوائجك. فقالت: الرضى عن إبراهيم بن المهدي [3]
ففعل، ولما أصبح جلس للنّاس، فقال له أحمد بن يوسف الكاتب: باليمن
__________
[1] يعني: «شذور العقود في تاريخ العهود» .
[2] في الأصل: «الحسن بن صالح» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو
الصواب. وانظر:
«الأعلام» للزركلي (2/ 77) .
[3] في الأصل: «إبراهيم المهدي» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
(3/48)
والبركة، وشدة الحركة، والظفر في المعركة.
فقال يعرّض بحيضها:
فارس ماض بحربته ... صادق بالطّعن في الظّلم
رام أن يدمي فريسته ... فاتّقته من دم بدم [1]
انتهى ما قاله ابن الأهدل.
وفيها توفي أبو عمرو الشّيبانيّ، إسحاق بن مرار الكوفيّ اللغويّ صاحب
التصانيف، وله تسعون سنة. وكان ثقة علّامة خيّرا فاضلا.
والحسن بن محمد بن أعين الحرّانيّ أبو علي مولى بني أميّة. روى عن فليح
بن سليمان، وزهير بن معاوية، وطائفة.
وفيها علي بن جعفر الصّادق بن محمد بن علي بن الحسين العلويّ الحسينيّ.
روى عن أبيه، وأخيه موسى، وسفيان الثوريّ، وكان من جلّة السادة
الأشراف.
ومحمد بن صالح بن بيهس الكلابيّ، أمير عرب الشّام وسيّد قيس، وفارسها،
وشاعرها، والمقاوم لأبي العميطر السفياني والمحارب له، حتّى شتّت
جموعه، فولاه المأمون دمشق، وكانت له آثار حسنة.
وفيها مروان بن محمد الطّاطريّ [2] أبو بكر الدّمشقيّ، صاحب سعيد ابن
عبد العزيز. كان إماما ثقة متقنا صالحا خاشعا من جلّة الشاميين.
قال الطبرانيّ: كل من يبيع ثياب الكرابيس بدمشق يسمى الطّاطري.
انتهى.
__________
[1] البيتان في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 48) برواية أخرى فيها بعض
التحريف.
[2] انظر: «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (25) طبع دار ابن كثير.
(3/49)
وفيها، أو في التي قبلها- كما جزم به ابن
الجوزي، وابن ناصر الدّين- أبو عبيدة معمر بن المثنّى التيميّ البصريّ
اللغويّ العلّامة الأخباريّ صاحب التصانيف. روى عن هشام بن عروة، وأبي
عمرو بن العلاء. وكان أحد أوعية العلم.
قال ابن ناصر الدّين: حكى عنه البخاريّ في تفسير القرآن لبعض لغاته،
وكان حافظا للعلوم، إماما في مصنفاته.
قال الدارقطنيّ: لا بأس به، إلّا أنه يتّهم بشيء من رأي الخوارج.
انتهى.
وقال ابن الأهدل: وفي سنة تسع ومائتين توفي معمر بن المثنّى التيمي-
تيم قريش- مولاهم. كان مع استجماعه لعلوم جمة مقدوحا فيه بأنه يرى رأي
الخوارج ويدخله في نسبه وغير ذلك. وكانت تصانيفه نحو مائتي مصنف. قرأ
عليه الرّشيد شيئا منها.
قال أبو نواس: الأصمعي بلبل في قفص، وأبو عبيدة أديم طوي على علم، وخلف
الأحمر جمع علوم النّاس وفهمها.
وإنما قال ذلك، لأن الأصمعيّ كان حسن العبارة، وكان معمر سيء العبارة.
وحضر أبو عبيدة ضيافة لموسى بن عبد الرّحمن الهلالي فوقع على ثوبه
المرق، فأقبل موسى يعتذر إليه، فقال: لا عليك فإن مرقكم لا يؤذي.
أي ما فيه دسم.
وله «كتاب المجاز» . وسبب تصنيفه أنه سئل عن قوله تعالى:
طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 65 [الصافات: 65] . قيل
له: إن الوعد والإيعاد لا يكون إلّا بما عرف، وهذا لم يعرف. فقال: خوطب
العرب بقدر كلامهم، كقول امرئ القيس:
(3/50)
أيقتلني [1] والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة
زرق كأنياب أغوال [2]
والغول لم يروها قطّ، ولكنها مما يهولهم. وله مع الأصمعيّ مناظرات.
وممن أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلّام. انتهى كلام ابن الأهدل، والله
أعلم.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أتقبلني» ، وأثبت لفظ «الديوان» .
[2] البيت في «ديوان امرئ القيس» ص (33) بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل
إبراهيم، طبع دار المعارف بمصر.
(3/51)
|