شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وعشرين ومائتين
فيها كانت وقعة عظمى، فكسر بابك الخرمي بغا الكبير، ثمّ تقوّى بغا وقصد بابك، فالتقوا، فانهزم بابك.
وفيها توفي أبو علي الحسن بن الرّبيع البجليّ البورانيّ القسري [1] الكوفيّ. روى عن قيس بن الرّبيع وطبقته. وهو من شيوخ البخاري، وكان ثقة ثبتا عابدا.
وعاصم بن علي بن عاصم الواسطيّ الحافظ أبو الحسن في رجب.
سمع ابن أبي ذئب، وشعبة، وخلقا. وقدم بغداد، فازدحموا عليه من كل مكان، حتّى حزر مجلسه بمائة ألف، وكان ثقة حجة.
وفيها محدّث مرو وشيخها عبد الله بن عثمان، عبدان [2] المروزيّ.
سمع شعبة، وأبا حمزة السّكّري، والكبار. وعاش ستا وسبعين سنة. وكان ثقة جليل القدر معظّما، تصدّق في حياته بألف ألف درهم، وروى عنه البخاريّ وغيره.
وفيها الإمام الربانيّ أبو عبد الرّحمن عبد الله بن مسلمة [3] بن قعنب الحارثيّ المدنيّ القعنبيّ الزّاهد. سكن البصرة ثم مكّة، وتوفي بها في
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «القصبي» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (7/ 148) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] عبدان، لقب له. (ع) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله بن سلمة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 382) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (165) .

(3/99)


المحرم. روى عن سلمة بن وردان [1] وأفلح بن حميد، والكبار، وهو أوثق من روى «الموطأ» .
وخرّج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو زرعة: ما كتبت عن أحد أجلّ في عيني من القعنبيّ [2] .
وقال أبو حاتم: ثقة حجة، لم أر أخشع منه.
وقال الخريبيّ: حدثني العقنبيّ عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك.
وقال الفلّاس: كان القعنبيّ مجاب الدعوة.
وقال محمد بن عبد الوهّاب الفرّاء: سمعتهم بالبصرة يقولون: القعنبيّ من الأبدال.
. وفيها محمد بن بكير الحضرميّ البغداديّ. حدّث بأصبهان [3] عن شريك وطبقته.
وقال أبو حاتم: صدوق يغلط أحيانا.
. وفيها أبو همّام الدلّال محمد بن محبّب. بصريّ مشهور. روى عن الثّوري وطبقته.
وفيها الفقيه هشام بن عبيد الله [4] الرّازيّ الحنفيّ. روى عن [ابن] أبي ذئب [5] ومالك وطبقتهما. وكان كثير العلم، واسع الرّواية. وفيه ضعف.
وقد جاء عنه أنه قال: أنفقت في طلب العلم سبعمائة ألف درهم.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «مسلمة بن وردان» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] تحرّفت نسبته في هذا الموطن وما يليه من الترجمة في الأصل إلى: «العقنبي» . وأثبت ما في المطبوع.
[3] في «العبر» للذهبي (1/ 383) : «بإصبهان» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «هشام بن عبد الله» ، وفي «العبر» للذهبي: «همّام بن عبد الله» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 711) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (11/ 47) .
[5] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي: «روى عن أبي ذئب» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» للذهبي.

(3/100)


سنة اثنتين وعشرين ومائتين
. فيها [1] التقي الأفشين [2] والخرمية- لعنهم الله- وهزمهم ونجا بابك، فلم يزل الأفشين [2] يتحيل عليه حتّى أسره. وقد عاش [3] هذا الملعون وأفسد العباد والبلاد [4] وامتدت أيامه نيفا وعشرين سنة، وأراد أن يقيم ملة المجوس بطبرستان [واستولى على أذربيجان وغيرها، وفي أيامه ظهر المازيار [5] القائم بملة المجوس بطبرستان] [6] .
وقد بعث المعتصم في أول السنة خزائن أموال إلى الأفشين [7] ليتقوى بها، وكانت ثلاثين ألف ألف درهم.
وافتتحت مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد، فاختفى بابك في
__________
[1] في المطبوع: «فها» وهو خطأ.
[2] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي والمصادر الأخرى التي بين يدي.
[3] في المطبوع: «عاث» .
[4] في المطبوع: «البلاد والعباد» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «الماربان» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 80) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (6/ 498- 504) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 83) ، وهو مازيار بن قارن.
[6] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.
[7] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» .

(3/101)


غيضة في الحصن وأسر جميع خواصه وأولاده. وبعث إليهم المعتصم الأمان فخرقه وسبّه. وكان قويّ النفس شديد البطش، صعب المراس. فطلع من تلك الغيضة في طريق يعرفها في الجبل، وانقلب ووصل إلى جبال إرمينية فنزل على البطريق سهل. فأغلق عليه، وبعث يعرّف الأفشين [1] فجاء الأفشينية [2] فتسلّموه، وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيّا ألفي ألف درهم، ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم، وكان دخوله بغداد يوما مشهودا.
وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع البهرانيّ الحمصيّ الحافظ.
روى عن حريز بن عثمان [3] وطبقته، وكان ثقة حجة كثير الحديث. ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة، ومات في ذي الحجة. وقد سئل أبو اليمان مرّة عن حديث لشعيب بن أبي حمزة فقال: ليس هو مناولة، لم أخرجها إلى أحد.
. وعمر بن حفص بن غياث الكوفيّ. روى عن أبيه وطبقته، ومات كهلا في ربيع الأول، وكان ثقة متقنا عالما.
. وفيها أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الفراهيديّ مولاهم البصريّ القصّاب الحافظ محدّث البصرة. سمع من ابن عون حديثا واحدا، ومن قرّة ابن خالد، ولم يرحل، لكن سمع من ثمانمائة شيخ بالبصرة، وكان ثقة حجة أضرّ [4] بآخرة، وكان يقول: ما أتيت حراما ولا حلالا قطّ، أي لم يفعل إلّا فرضا أو سنّة. توفي في صفر.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «الأقشينية» وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
[3] في الأصل: «جرير بن عثمان» ، وفي المطبوع: «جرير بن عبد الحميد» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 384) وانظر «تهذيب الكمال» (1/ 315) مصوّرة دار المأمون للتراث.
[4] في الأصل: «أخبر» ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(3/102)


وفيها فقيه حمص ومحدّثها، يحيى بن صالح الوحاظيّ [1] . ولد سنة سبع وثلاثين ومائة، وسمع من سعيد بن عبد العزيز، وفليح بن سليمان، وطبقتهما. وعيّن لقضاء حمص.
قال العقيليّ: هو حمصيّ جهميّ.
وقال الجوزجاني: كان مرجئا خبيثا.
ووثقه غيره.
__________
[1] في الأصل: «الوضاطي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(3/103)


سنة ثلاث وعشرين ومائتين
. فيها أتى المعتصم ببابك الخرّمي.
قال ابن الجوزي في «الشذور» : أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا علي ابن الحسن [1] عن أبيه، أن أخا بابك الخرمي قال له لما دخل على المعتصم:
يا بابك! إنك قد عملت ما لم يعمل أحد، فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد.
فقال له: سترى صبري، فأمر المعتصم بقطع أيديهما بحضرته، فبدأ ببابك، فقطعت يمينه، فأخذ الدم فمسح به وجهه، وقال: لئلا يرى في وجهي صفرة فيظن أني جزعت من الموت. ثم قطعت أربعته وضربت عنقه وقذف في النّار. وفعل ذلك بأخيه، فما فيهما من صاح.
وخرج المعتصم إلى عموريّة فقتل ثلاثين ألفا وسبى مثلها، وطرح فيها النّار وجاء ببابها إلى العراق، فهو الذي يسمى باب العامة. انتهى.
وتوجّ المعتصم الأفشين ووصله بعشرين ألف ألف درهم، نصفا له ونصفا لعسكره [2] .
__________
[1] في المطبوع: «علي بن المحسن» ولم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر.
قال السمعاني في تلميذه محمد بن عبد الباقي في «الأنساب» (12/ 94) حدّث عن شيوخ له لم يحدّث عنهم أحد في عصره.
قلت: ولعل شيخه علي بن الحسن منهم، والله أعلم.
[2] في المطبوع: «نصفها له ونصفها لعسكره» .

(3/104)


وفيها التقى المسلمون وعليهم الأفشين وطاغية الرّوم، فاقتتلوا أياما وكثرت القتلى، ثم انهزم الملاعين، وكان طاغيتهم في هذا الوقت توفى [1] ابن ميخائيل بن جرجيس- لعنهم الله- نزل على زبطرة [2] في مائة ألف أياما وافتتحها بالسيف، ثم أغار على ملطية، ثم أذلّه الله بهذه الكسرة.
وفيها توفي خالد بن خداش المهلّبيّ البصريّ المحدّث في جمادى الآخرة. روى عن مالك وطبقته، وخرّج له البخاريّ في «التاريخ» ومسلم، والنسائي.
قال أبو حاتم، وغيره: صدوق.
وقال ابن المديني: ضعيف.
وفيها أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزيّ عالم أهل مرو ومحدّثهم. رحل وكتب عن ابن عيينة وطبقته. وأقدم شيخ له أبو حمزة السّكّري.
قال بعضهم: كان ببلده كأحمد بن حنبل ببغداد.
وفيها عبد الله بن صالح أبو صالح الجهنيّ المصريّ الحافظ. كاتب اللّيث بن سعد. توفي في يوم عاشوراء وله ستّ وثمانون سنة. حدّث عن معاوية بن صالح وعبد العزيز [بن] الماجشون [3] وخلق.
قال ابن معين: أقل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على اللّيث فأجازها له.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «تيوفيل» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] في الأصل، والمطبوع: «ريطرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 386) .
و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 130) . وهي بلدة في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة جنوب ملطية. انظر «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (9) طبع دار الفكر بدمشق.
[3] في الأصل: «عبد العزيز الماجشوني» ، وفي المطبوع: «عبد العزيز الماجشون» وأثبت ما في

(3/105)


وقال ابن ناصر الدّين: روى عنه البخاري في «الصحيح» وله مناكير.
وقال الفضل الشعراني: ما رأيت عبد الله بن صالح إلّا يحدّث أو يسبّح.
وضعفه آخرون كما قال في «العبر» [1] .
وفيها أبو بكر بن أبي الأسود، واسمه عبد الله بن محمد بن حميد، قاضي همذان. سمع مالكا وأبا عوانة. وكان حافظا متقنا.
وأبو عثمان عمرو بن عون الواسطيّ. سمع الحمّادين وطائفة.
قال أبو حاتم: ثقة حجة.
وكان يحيى بن معين يطنب في الثناء عليه.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ابن أخت عبد الرّحمن بن مهدي، حدّث عنه البخاريّ وغيره. وكان ثبتا متقنا. انتهى.
. وفيها محمد بن سنان العوقي [2] أبو بكر البصريّ أحد الأثبات. روى عن جرير بن حازم وطبقته.
. وفيها أبو عبد الله محمد بن كثير العبديّ البصريّ المحدّث. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته.
قال ابن معين: كيّس صادق كثير الحديث.
وفيها معاذ بن أسد بالبصرة، وهو مروزيّ. روى عن ابن المبارك وكان كاتبه.
وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التّبوذكيّ البصريّ الحافظ، «العبر للذهبي مصدر المؤلف وهو الصواب.
__________
[1] (1/ 387) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «العوفي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 388) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (9/ 91) .

(3/106)


أحد أركان الحديث. سمع من شعبة [1] حديثا واحدا [2] وأكثر عن حمّاد بن سلمة وطبقته.
قال عبّاس الدّوري: كتبت عنه خمسة وثلاثين ألف حديث.
وقال ابن ناصر الدّين: ثقة.
والحسن البورانيّ، على ما ذكره ابن ناصر الدّين، وقال: هو ثقة، وشيخ للبخاري [3] .
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «من سعيد» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] كذا جزم الذهبي في «العبر» بأنه سمع من شعبة حديثا واحدا، ونقله عنه المؤلف. وقال المزي في «تهذيب الكمال» (3/ 1382) مصورة دار المأمون للتراث: يقال حديثا واحدا.
[3] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (221) وانظر «الأنساب» للسمعاني (2/ 334) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (221) .

(3/107)


سنة أربع وعشرين ومائتين
فيها زلزلت مدينة فرغانة فمات منها أكثر من خمسة عشر ألفا، قاله [1] في «الشذور» .
وفيها ظهر مازيار بطبرستان، وخلع المعتصم، فسار لحربه عبد الله ابن طاهر، وظلم مازيار وعسف، وصادر، وخرّب أسوار آمل، والرّي، وجرجان، وجرت له حروب وفصول، ثم اختلف [2] عليه جنده، إلى أن قتل في السنة الآتية.
وفيها توفي الأمير إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود، ولذلك ولضخامته يقال: له التنين. ويقال له: ابن شكله، وهي أمه. وكان فصيحا أديبا [3] شاعرا محسنا [4] رأسا في معرفة الغناء وأنواعه.
ولي إمرة دمشق لأخيه الرشيد، وبويع بالخلافة ببغداد، ولقب بالمبارك [5] عند ما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضا، فحاربه الحسن بن
__________
[1] يعني الحافظ ابن الجوزي، واسم كتابه المذكور «شذور العقود في تاريخ العهود» .
[2] في المطبوع: «اختف» وهو خطأ.
[3] كذا في الأصل، و «العبر» للذهبي: «فصيحا أديبا» وفي المطبوع: «أديبا فصيحا» .
[4] لفظة «محسنا» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه.
[5] في الأصل، والمطبوع: «المبارك» وأثبت ما في «العبر» للذهبي.

(3/108)


سهل فانكسر، ثم حاربه حميد الطّوسي، فانكسر جيش إبراهيم وانهزم فاختفى، وذلك في سنة ثلاث، وبقي في الاختفاء سبع سنين، ثم ظفروا به وهو في إزار، فعفا عنه المأمون، وذلك لأنه استشار خاصته في أمره، فكلّ أشار بقتله قائلا: من ذاق حلاوة الخلافة لا تصح [1] منه توبة إلّا يحيى بن أكثم [2] فإنه أجاب بما معناه: لقد سمعنا بمن جنى كجنايته كثيرا، وإنه إذا قدر عليه قتل، ولم نسمع أنه إذا قدر عليه عفي عنه، فاجعل عفوك عنه خيرا ومكرمة تذكر إلى آخر الدّهر، فقبل رأي يحيى وأطلقه مكرما.
وفيها إبراهيم بن أبي سويد البصريّ، الذّارع، أحد أصحاب الحديث. روى عن حمّاد بن سلمة وأقرانه.
قال أبو حاتم: ثقة رضي.
وأيوب بن سليمان بن بلال، له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس، عن أبيه، عن سليمان بن بلال، ما عنده سواها.
وفيها أبو العبّاس حيوة بن شريح [3] الحضرميّ الحمصيّ الحافظ.
سمع إسماعيل بن عيّاش وطائفة.
وربيع بن يحيى الأشنانيّ البصريّ. يروي [4] عن مالك بن مغول والكبار، وكان ثقة صاحب حديث.
وبكّار بن محمّد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السّيرينيّ. روى عن ابن عون والكبار، وفيه ضعف يسير.
وقال في «المغني» [5] : عن ابن عون.
__________
[1] في المطبوع: «لا يصح» .
[2] في المطبوع: «يحيى بن أكتم» وهو خطأ.
[3] في الأصل، والمطبوع: «حياة بن شريح» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (80) وغيره من كتب الرجال.
[4] في المطبوع: «روي» .
[5] «المغني في الضعفاء» (1/ 111) .

(3/109)


قال أبو زرعة: ذاهب الحديث انتهى.
وفيها سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمّد بن سالم الجمحيّ مولاهم المصريّ الثقة، أحد أركان الحديث، وله ثمانون سنة. روى عن يحيى بن أيوب، وأبي غسّان محمد بن مطرّف. وطبقتهما من المصريين والحجازيين.
وفيها قاضي مكّة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزديّ الواشحيّ البصريّ الحافظ في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين. سمع شعبة وطبقته.
قال أبو داود: سمعته يقع في معاوية، وكان بشر الحافي يهجره لذلك وكان لا يدلّس ويتكلم في الرّجال، وقرأ الفقه، وقد ظهر من حديثه نحو عشرة آلاف حديث، وما رأيت في يده كتابا قطّ، وحضرت مجلسه ببغداد فحزر بأربعين ألفا، وحضر جلسه المأمون من وراء ستر.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة ثبت.
وفيها أبو معمر المقعد، وهو عبد الله بن عمرو المنقريّ مولاهم البصريّ الحافظ، صاحب عبد الوارث.
قال ابن معين: ثقة ثبت.
وقال ابن ناصر الدّين: كنيته أبو معمر [1] ، حدث عن البخاري وغيره، وهو ثقة.
وفيها عمرو بن مرزوق الباهليّ مولاهم البصريّ الحافظ. روى عن مالك بن مغول وطبقته.
قال محمد بن عيسى بن السّكن [2] : سألت ابن معين عنه فقال: ثقة
__________
[1] في الأصل: «أبو عمرو» وفي المطبوع: «أبو عمر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 622) وغيره من كتب الرجال.
[2] في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 419) : «محمد بن عيسى بن أبي قماش» .

(3/110)


مأمون صاحب غزو [1] وحمده [جدا] [2] .
وفيها أبو الحسن علي بن محمد المدائنيّ البصريّ الأخباريّ صاحب التصانيف والمغازي والأنساب، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع ابن أبي ذئب وطبقته، وكان يسرد الصوم، ووثقه ابن معين وغيره.
وفيها العلّامة العلم، أبو عبيد القاسم بن سلّام البغداديّ، صاحب التصانيف. سمع شريكا، وابن المبارك، وطبقتهما.
وقال إسحاق بن راهويه: الحق يحبّه الله [3] ، أبو عبيد أفقه مني وأعلم.
وقال أحمد: أبو عبيد أستاذ.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة إمام فقيه، مجتهد، أحد الأعلام، وكان [4] إماما في القراءات، حافظا للحديث وعلله الدقيقات، عارفا بالفقه والتعريفات، رأسا في اللغة، ذا مصنفات. انتهى.
وقال ابن الأهدل: قيل إنه أول من صنف غريب الحديث، وصنف نيفا وعشرين كتابا.
وعنه [5] قال: مكثت في «الغريب» أربعين سنة. ووقف عليه عبد الله بن طاهر [6] فاستحسنه وقال: إن عقلا دعا صاحبه إلى مثل [7] هذا حقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش، وأجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم. ولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة، وكان يقسم الليل أثلاثا [8] : صلاة،
__________
[1] في الأصل: «صاحب عزو» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» .
[3] في الأصل والمطبوع: «يجب الله» ، والتصحيح من «تهذيب التهذيب» (8/ 316) . (ع)
[4] في الأصل: «كان» وأثبت ما في المطبوع.
[5] يعني عن أبي عبيد.
[6] سترد ترجمته في حوادث سنة (230) من هذا المجلد.
[7] في المطبوع: «لمثل» .
[8] في الأصل: «ثلاثا» وأثبت ما في المطبوع.

(3/111)


ونوما، وتصنيفا. وكان أحمر الرأس واللحية، يخضب بالحناء، وكان مهيبا.
توفي بمكّة بعد أن حجّ وعزم على الانصراف إلى العراق مع الناس. قال فرأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وأردت الدخول عليه فمنعت وقيل لي [1] : لا تدخل عليه ولا تسلم وأنت خارج إلى العراق. فقلت: لا أخرج إذا، فأخذوا عهدي على ذلك وخلّوا بيني وبينه، فسلمت عليه وصافحني. فأقام بمكّة حتّى مات.
وعنه قال: كنت مستلقيا بالمسجد الحرام، فجاءتني عائشة المكية وكانت من العارفات، فقالت: يا أبا عبيد لا تجالسه إلّا بأدب وإلا محاك من ديوان العلماء والصالحين.
وقال هلال بن العلاء الرّقّي: من الله سبحانه على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: الشافعيّ، ولولاه ما تفقه الناس في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأحمد ولولاه ابتدع الناس، ويحيى بن معين نفى الكذب عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأبي عبيد فسّر غريب الحديث، ولولاه اقتحم النّاس الخطأ.
وكان أبو عبيد موصوفا بالدّين، وحسن المذهب، والسيرة الجميلة، والفضل البارع، وأثنى عليه علماء وقته بما يطول ذكره. انتهى.
وكان أبو عبدا روميا لرجل من أهل هراة.
وفيها أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخيّ الكفرسوسيّ. سمع سعيد بن عبد العزيز وطبقته.
قال أبو حاتم: ما رأيت أفصح منه ومن أبي مسهر.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة.
وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى بن الطّبّاع الحافظ، نزيل الثّغر بأذنه [2] . سمع مالكا وطبقته.
__________
[1] في المطبوع: «فقيل لي» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «بأدنه» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» لياقوت

(3/112)


قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للأبواب منه.
وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحوا من أربعين ألف حديث.
وفيها أبو النّعمان محمد بن الفضل- ويعرف بعارم- السّدوسيّ البصريّ الحافظ، أحد أركان الحديث. روى عن الحمّادين وطبقتهما، ولكنه اختلط بآخره، وكان سليمان بن حرب يقدمه على نفسه، وكان حافظا ثبتا قد اختلط بآخره وزال عقله فيما يذكر، ولم يظهر له بعد اختلاطه فيما قاله الدارقطني شيء منكر. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدّين، يزيد بن عبد ربّه الزّبيديّ الجرجسيّ [1] الثبت.
__________
(1/ 132) . قلت: وهي الآن في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة، وتعرف في أيامنا ب «أضنة» .
[1] قال السمعاني في «الأنساب» (3/ 225) : كان ينزل بحمص عند كنيسة جرجس فنسب إليها.
وانظر «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 423- 424) .

(3/113)


سنة خمس وعشرين ومائتين
فيها على ما قاله في «الشذور» كانت رجفة بالأهواز عظيمة تصدّعت منها الجبال، وهرب أهل البلد إلى البر وإلى السفن، وسقطت فيها دور كثيرة، وسقط نصف الجامع، ومكثت ستة عشر يوما.
وفيها احترقت الكرخ، فأسرعت النّار في الأسواق، فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف ألف درهم.
وفيها توفي الفقيه أصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصريّ الثقة مفتي أهل مصر، وورّاق [1] ابن وهب. أخذ عن ابن وهب، وابن القاسم، وتصدّر للاشتغال [2] والحديث.
قال ابن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة متى قالها مالك ومن خالفه فيها.
وقال أبو حاتم: هو أجلّ أصحاب ابن وهب.
وقال بعضهم: ما أخرجت مصر مثل أصبغ.
وقد كان ذكر لقضاء مصر، وله مصنفات حسان.
__________
[1] في الأصل: «وراوي» وأثبت ما في المطبوع، وانظر «تهذيب التهذيب» (1/ 361) .
[2] في المطبوع: «للاشغال» .

(3/114)


وفيها حفص بن عمر [1] أبو عمر الحوضيّ الحافظ بالبصرة. روى عن هشام الدّستوائي والكبار.
قال أحمد بن حنبل: [ثقة] [2] ثبت، متقن [3] ، لا يوجد عليه حرف واحد.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة.
وفيها سعدويه الواسطي، سعيد بن سليمان الحافظ ببغداد. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته.
قال أبو حاتم: ثقة مأمون لعله أوثق من عفّان.
وقال صالح جزرة: سمعت سعدويه يقول: حججت ستين حجة.
وقال ابن ناصر الدّين: هو سعيد بن سليمان الضّبّيّ البزّار، رمي بالتصحيف.
وقال أبو حاتم: ثقة. انتهى.
وفيها أبو عبيدة شاذ بن فيّاض اليشكريّ البصريّ، واسمه هلال. روى عن هشام الدّستوائي والكبار فأكثر.
وفيها أبو عمر الجرميّ النحويّ، صالح بن إسحاق، وكان ديّنا ورعا نبيلا رأسا في اللغة والنحو. نال بالأدب دنيا عريضة.
وقال ابن الأهدل: كان ديّنا ورعا حسن العقيدة، صنّف في النحو وناظر الفرّاء. وحدّث عنه المبرد، وله كتاب في السير عجيب، وكتاب غريب سيبويه، والعروض.
وجرم المنسوب إليها في العرب كثيرة، منهم:
__________
[1] في الأصل: «جعفر بن عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[2] لفظة «ثقة» لم ترد في الأصل، و «العبر» للذهبي مصدر المؤلف في نقله، وأثبتها من المطبوع.
[3] لفظة «متقن» سقطت من المطبوع.

(3/115)


جرم بن علقمة بن أنمار [1] .
ومنهم جرم بن ربّان [2] . انتهى. [3] .
وفيها فروة بن أبي المغراء الكوفيّ المحدّث. روى عن شريك وطبقته.
وفيها الأمير أبو دلف قاسم بن عيسى العجليّ صاحب الكرخ. أحد الأبطال المذكورين الممدوحين، والأجواد المشهورين، والشعراء المجيدين، وقد ولي إمرة دمشق للمعتصم.
يحكى عنه أنه قال يوما: من لم يكن مغاليا في التشيّع فهو ولد زنا.
فقال له ولده: يا أبت لست على مذهبك، فقال له أبوه: لما وطئت أمّك [وعلقت بك] [4] ما كنت بعد استبريتها، فهذا من ذاك.
وقال ابن الأهدل: مدحه أبو تمّام وغيره، وله صنعة في الغناء، وصنف «كتاب البزاة والصيد» و «السلاح» و «سياسة الملوك» [5] . وغير ذلك. كان لكثرة عطائه قد ركبته الديون، فلما مات رآه ابنه دلف جالسا عريانا على أسوأ حال، وأنشده أبياتا منها:
__________
[1] في «الأنساب» للسمعاني (3/ 233) : «جرم بن علقة بن أنمار» نقلا عن ابن حبيب، وعزا محققه العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني هذا النقل لابن ماكولا في «الإكمال» (2/ 452) نقلا عن ابن حبيب.
قلت: والذي في «الإكمال» : «جرم بن علقمة بن أنمار» ولم أر هذا النقل عند ابن حبيب في «مختلف القبائل ومؤتلفها» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «جرم بن ريان» وهو تصحيف، والتصحيح من «مختلف القبائل ومؤتلفها» لابن حبيب ص (60) بتحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري، طبع دار الكتاب العربي بيروت، و «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (451) .
[3] قال اليافعي في «مرآة الجنان» (2/ 91) : وذكر بعضهم أن الجرمي المذكور مولى جرم بن زبان.
[4] ما ين حاصرتين لم يرد في الأصل وأثبته من المطبوع.
[5] في المطبوع: «مناسبة الملوك» وهو خطأ، والتصحيح من «الفهرست» للنديم ص (130) بتحقيق الأستاذ رضا تجدد المطبوع في إيران.

(3/116)


ولو كنّا [1] إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حيّ
ولكنّا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كلّ شيّ [2]
وكان أبو قد شرع في عمران مدينة الكرخ ثم أتمها هو، وكان بها أولاده وعشيرته. انتهى.
وفيها محمّد بن سلّام البيكنديّ الحافظ. رحل وسمع من مالك وخلق كثير، وكان يحفظ خمسة آلاف حديث، وقال: أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا، وفي نشر مثلها.
وقال ابن ناصر الدّين: به تخرّج البخاريّ. انتهى.
__________
[1] في «مروج الذهب» : «فلوأنا» وهو المحفوظ.
[2] البيتان في «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 63) .

(3/117)