شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وثلاثين ومائتين
قال في «الشذور» : فيها حجت شجاع [1] أمّ المتوكل، فشيّعها المتوكل إلى النجف، فلما صارت إلى الكوفة أمرت لكل رجل من الطالبيين والعباسيين بألف درهم، ولأبناء المهاجرين بخمسمائة درهم، وأمرت لكل امرأة من الهاشميات بخمسمائة درهم.
وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، وكان كثير البغض في علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ولكنه منع من [2] القول بخلق القرآن.
انتهى.
وفيها توفي إبراهيم بن المنذر الحزاميّ المدنيّ الحافظ، أبو إسحاق محدّث المدينة. روى عن ابن عيينة، والوليد بن مسلم، وطبقتهما فأكثر.
وفيها، أو في التي قبلها، وجزم به ابن ناصر الدّين، السّمين محمد ابن حاتم بن ميمون المروزيّ ثم البغداديّ القطيعيّ، أبو عبد الله، وله كتاب «تفسير القرآن» وكان إماما، حافظا من الموثقين. وثقه ابن عدي، والدارقطني، وليّنه يحيى بن معين، وخرّج له مسلم، وأبو داود.
وفيها أبو معمر القطيعيّ، إسماعيل بن إبراهيم ببغداد. روى عن شريك وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث وسنة.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «سجاع» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 185) و «النجوم الزاهرة» (2/ 286) .
[2] لفظة «من» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

(3/166)


وفيها وزير المأمون وحموه أبو محمد الحسن بن سهل، وله سبعون سنة، وكان سمحا إلى الغاية جوادا ممدّحا. يقال: إنه أنفق على عرس بنته بوران على المأمون أربعة آلاف ألف دينار.
قال ابن الأهدل: الحسن بن سهل السّرخسيّ- وسرخس مدينة من خراسان [1]- وكان موته لغلبة المرّة السوداء لشدة حزنه على أخيه الفضل حين قتل معافصة [2] في الحمام، وكان عالي الهمّة ممدّحا، ودام في الوزارة كأخيه مدة طويلة، وفيهما قال الشاعر:
تقول حليلتي لمّا رأتني ... أشدّ مطيّتي من بعد حلّ
أبعد الفضل ترتحل المطايا ... فقلت نعم إلى الحسن بن سهل [3]
انتهى.
وفيها مصعب بن عبد الله بن مصعب، الحافظ أبو عبد الله الأسديّ الزّبيريّ المدنيّ النسابة الأخباريّ. سمع مالكا وطائفة.
قال الزّبير: كان عمّي مصعب وجه قريش، مروءة، وعلما، وشرفا، وبيانا، وقدرا، وجاها. وكان نسّابة قريش. عاش ثمانين سنة، وكان ثقة.
وفيها هدبة بن خالد القيسيّ البصريّ أبو خالد الحافظ. سمع حمّاد ابن سلمة، ومبارك بن فضالة، والكبار، فأكثر.
قال عبدان الأهوازي: كنا لا نصلي خلف هدبة مما يطوّل. كان يسبّح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمّار، لحيته ووجهه وكل شيء منه حتّى صلاته.
__________
[1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 208- 209) .
[2] العفاص: غلاف يغطّى به رأس القارورة من جلد أو خرقة أو غير ذلك. كناية عن أنه خنق خنقا. انظر «لسان العرب» (عفص) ، و «المعجم الوسيط» (2/ 611) .
[3] البيتان في «غربال الزمان» للعامري ص (222) .

(3/167)


سنة سبع وثلاثين ومائتين
فيها على ما قال [1] في «الشذور» تمّ جامع سرّ من رأى، فبلغت النفقة عليه ثلاثمائة ألف وثمانية آلاف ومائتين واثني عشر دينارا. انتهى.
وفيها وثبت بطارقة إرمينية على متوليها يوسف بن محمّد فقتلوه، فجهز المتوكل لحربهم بغا الكبير، فالتقوا عند أردبيل [2] فكسرهم بغا، وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى، وغنم، ونزل بناحية تفليس.
وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دواد القاضي وآله وصادرهم، وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم.
وفيها توفي حاتم الأصمّ، أبو عبد الرّحمن الزّاهد، صاحب المواعظ والحكم بخراسان، وكان يقال له: لقمان هذه الأمة.
قال أبو عبد الرحمن السّلمي في «طبقاته» [3] : حاتم الأصم البلخي [4] .
وهو حاتم بن عنوان، ويقال: حاتم بن يوسف، كنيته أبو عبد الرّحمن، وهو من
__________
[1] في المطبوع: «على ما قاله» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «عندوبيل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 424) .
وأردبيل الآن في الشمال الشرقي من إيران على مقربة من بحر قزوين. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 145- 146) ، و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (40) .
[3] «طبقات الصوفية» ص (91- 95) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.
[4] لفظة «البلخي» لم ترد في «طبقات الصوفية» الذي بين يدي.

(3/168)


قدماء مشايخ خراسان، ومن أهل بلخ [1] ، صحب شقيق بن إبراهيم، وكان أستاذ أحمد بن حضرويه، وهو مولى للمثنّى بن يحيى المحاربي [2] وله ابن يقال له: خشنام بن حاتم. مات عند رباط يقال له: رأس سرود على جبل فوق واشجرد.
قال حاتم: من دخل في مذهبنا هذا فليجعل على نفسه أربع خصال من الموت:
موت أبيض، وموت أسود، وموت أحمر، وموت أخضر.
فالموت الأبيض: الجوع.
والموت الأسود: احتمال الأذى [3] .
والموت الأحمر: مخالفة النّفس.
والموت الأخضر: طرح الرّقاع بعضها على بعض.
وقال: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء، فهو يتقلّب في رضا الله.
أولها الثقة بالله، ثم التّوكّل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة.
وقال: الواثق من رزقه من لا يفرح بالغنى [4] ولا يغتم بالفقر [5] ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر.
وقال: يعرف الإخلاص بالاستقامة، والاستقامة بالرّجاء، والرّجاء بالإرادة، والإرادة بالمعرفة.
وقال: أصل الطاعة ثلاثة أشياء:
__________
[1] في «طبقات الصوفية» : «من أهل بلخ» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «المثنى بن يحيى البخاري» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» .
[3] في «طبقات الصوفية» : «احتمال أذى الناس» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «الوثق برزقه هو أن لا يفرح بالغنى» وأثبت لفظ «طبقات الصوفية» .
[5] في «طبقات الصوفية» : «ولا يهتم بالفقر» .

(3/169)


الخوف، والرّجاء، والحبّ.
وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحسد، والحرص.
وقال: إذا أمرت النّاس بالخير فكن أنت أولى به وأحقّ، واعمل فيما تأمر، وكذا فيما تنهى.
وأسند في «الحلية» [1] قال: مرّ عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه، فقال: يا حاتم تحسن تصلي؟ قال: نعم. قال: كيف تصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبّر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلّم بالسبل والسّنّة، وأسلمها بالإخلاص لله- عزّ وجلّ- وأرجع على نفسي بالحق [2] ، وأخاف أن لا تقبل مني، واحفظه عني إلى الموت. قال: تكلم فأنت تحسن تصلي. انتهى ما ذكره السلميّ ملخصا.
قال ابن الجوزي: ولم يكن أصم، وإنما كانت امرأة [3] تسأله فخرج منها صوت، فخجلت، فقال: ارفعي صوتك حتّى أسمع، فزال خجلها، وغلب عليه هذا الاسم.
وفيها عبد الأعلى بن حمّاد [النّرسيّ] [4] الحافظ في جمادى الآخرة.
روى عن حمّاد بن سلمة، ومالك، وخلق، وكان ممن قدم على المتوكل فوصله بمال.
__________
[1] (8/ 74- 75) .
[2] في «الحلية» : «بالخوف» .
[3] في الأصل: «امرأته» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «تاريخ بغداد» (8/ 244) .
[4] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 424) ، وانظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 302) .

(3/170)


وعبيد الله [1] بن معاذ بن معاذ العنبريّ البصريّ سمع أباه، ومعتمر [2] ابن سليمان.
قال أبو داود: كان فصيحا يحفظ نحو أربعة آلاف حديث.
والفضيل بن الحسين [3] الجحدريّ، ابن أخي كامل بن طلحة. سمع حمّاد بن سلمة والكبار، وكان له حفظ ومعرفة.
وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العبّاس بن عثمان المطّلبيّ، ابن عم الشّافعي. سمع الفضيل بن عياض وطائفة، وكان كثير الحديث ثقة.
وفيها وثيمة بن موسى الوشّاء، سمي به لبيعه الوشي، وهو نوع من ثياب الإبريسم، وكان وثيمة أحد الحفاظ، صنف كتاب «أخبار الردة» أجاد فيه وأوسع.
قال في «المغني» [4] : قال ابن [أبي] [5] حاتم: يحدّث عن سلمة بن الفضل بأحاديث موضوعة. انتهى.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «عبد الله» وهو خطأ فيصحح فيه. وانظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 384) ، و «تقريب التهذيب» ص (374) .
[2] في الأصل والمطبوع و «العبر» (1/ 425) : «ومعمر» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (2/ 889) مصورة دار المأمون للتراث.
[3] في «العبر» : «الفضل بن الحسين» وهو خطأ فيصحح فيه. انظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 111) ، و «تقريب التهذيب» ص (447) .
[4] «المغني في الضعفاء» (2/ 719) .
[5] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المغني في الضعفاء» .

(3/171)


سنة ثمان وثلاثين ومائتين
فيها جاءت الرّوم في ثلاثمائة مركب، وأحرقوا كثيرا من ديار المسلمين ومسجد الجامع بدمياط، وسبوا نساء مسلمات عدّتهنّ ستمائة.
قاله [1] في «العبر» [2] .
قال ابن حبيب: وفي صفر وجّه عبد الله بن طاهر إلى المتوكل حجرا سقط بناحية طبرستان وزنه ثمانمائة وأربعون درهما، أبيض فيه صدع، وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها، وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع. ذكره [3] في «الشذور» .
وفيها توفي إسحاق بن راهويه، وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظليّ المروزيّ ثم النيسابوريّ الحافظ، صاحب التصانيف. سمع الدراوردي، وبقيّة، وطبقتهما، وعاش سبعا وسبعين سنة، وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير فترك الرّواية عنه لصغره.
قال أحمد بن حنبل: لا أعلم بالعراق له نظيرا، وما عبر الجسر مثل إسحاق.
وقال محمد بن أسلم: ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق، ولو كان سفيان حيا لاحتاج إلى إسحاق.
__________
[1] في المطبوع: «كما قاله» .
[2] (1/ 425- 426) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
[3] يعني ابن الجوزي.

(3/172)


وقال أحمد بن سلمة: أملى علي إسحاق التفسير عن [1] ظهر قلبه.
وجاء من غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث.
قال أبو زرعة: ما رؤي أحفظ من إسحاق.
توفي إسحاق ليلة نصف شعبان بنيسابور. قاله في «العبر» [2] .
وناظر الشافعيّ في بيع دور مكة، فلما عرف فضله صحبه وصار من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه. قاله ابن الأهدل.
وفيها بشر بن الحكم العبديّ النّيسابوريّ الفقيه، والد عبد الرّحمن، توفي قبل إسحاق [3] بشهر.
قال أبو زرعة: ما رؤي أحد أحفظ منه، وقد رحل قبله ولقي مالكا والكبار، وعني بالأثر.
وفيها بشر بن الوليد الكنديّ، القاضي العلّامة أبو الوليد ببغداد، في ذي القعدة، وله سبع وتسعون سنة. تفقه على أبي يوسف، وسمع من مالك وطبقته، وولي قضاء مدينة المنصور، وكان محمود الأحكام كثير العبادة والنوافل.
وفيها الحسين بن منصور أبو علي السّلميّ النيسابوريّ الحافظ.
رحل وأكثر عن ابن عيّاش، وابن عيينة، وطبقتهما، وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى، ودعا الله فمات في اليوم الثالث.
وفيها طالوت بن عبّاد أبو عثمان البصريّ، له نسخة [4] مشهورة عالية. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته، وكان ثقة، ولم يخرّجوا له شيئا.
وعمرو بن زرارة الكلابيّ النّيسابوريّ، وله ثمان وسبعون سنة. روى عن
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «على» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 426) .
[2] (1/ 426) .
[3] يعني إسحاق بن راهويه.
[4] في «العبر» (1/ 427) : «فشيخة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 26) .

(3/173)


هشيم وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث.
وعبد الملك بن حبيب مفتي الأندلس ومصنف «الواضحة» وغير ذلك في رابع رمضان، وله أربع وستون [1] سنة تفقه بالأندلس على أصحاب مالك، زياد بن عبد الرّحمن شبطون وغيره، وحج سنة ثمان ومائتين، فحمل عن عبد الملك بن الماجشون وطائفة، وهو في الحديث ليس بحجة.
قال في «المغني» [2] : عبد الملك بن حبيب القرطبيّ الفقيه، كثير الوهم، صحفيّ [3] وقد اتهم [4] . انتهى.
وفيها عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن الدّاخل الأمويّ، صاحب الأندلس، وقد نيّف على الستين، وكانت أيامه اثنتين وثلاثين سنة، وكان محمود السيرة عادلا جوادا مفضّلا، له نظر في العقليات، ويقيم للناس الصلوات، ويهتم بالجهاد.
وفيها محمد بن بكّار بن الرّيّان، ببغداد في ربيع الآخر. سمع فليح ابن سليمان، وقيس بن الرّبيع، والكبار.
وفيها أبو جعفر محمد بن الحسين البرجلانيّ، مصنف «الزهديات» وشيخ ابن أبي الدّنيا.
وفيها محمّد بن عبيد بن حساب الغبريّ [5] بالبصرة. روى عن
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «أربع وسبعون» ولعله وهم من الناسخ، فإن الصواب ما جاء في كتابنا لأن ولادته كانت سنة (174) .
[2] «المغني في الضعفاء» (2/ 404) .
[3] قال ابن منظور: «المصحّف والصّحفيّ: الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف. «لسان العرب» (صحف) .
[4] قلت: ولكن في الرجل كلام فيه بعض التعديل عند الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/ 652- 653) ، و «لسان الميزان» لابن حجر (4/ 59- 60) ويحسن بالقارئ الرجوع إليهما.
[5] في الأصل: «العبري» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (495) .

(3/174)


حمّاد بن زيد، وطبقته، وكان ثقة حجة.
ومحمد بن أبي السّري العسقلانيّ في شعبان. سمع الفضيل بن عياض، وطبقته.
وفيها أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفيّ الكوفيّ المقرئ الحافظ، نزيل مصر، وقيل: في السنة التي قبلها. سمع عبد العزيز الدّراوردي وطبقته.

(3/175)


سنة تسع وثلاثين ومائتين
فيها على ما قاله في «الشذور» أخذ المتوكل أهل الذّمّة بلبس رقعتين عسليتين على الأقبية والدّراريع، وأن يصبغ النساء مقانعهن عسليات، وأن يقتصروا على ركوب البغال، والحمير، دون الخيل، والبراذين.
وغزا بلاد الرّوم علي بن يحيى الأرمينيّ فقتل عشرة آلاف علج، وسبى عشرة آلاف فارس، ومن الدواب سبعة آلاف دابة، وأحرق أكثر من ألف قرية، ورجفت طبرية بالليل [1] حتّى مادت الأرض واصطكت الجبال، ثم انقطع من الجبل المطلّ عليها قطعة ثمانين ذراعا طولا في خمسين ذراعا، فمات منها خلق كثير. انتهى.
وفيها على ما قاله في «العبر» [2] غزا المسلمون وعليهم عليّ الأرمني، حتّى شارفوا القسطنطينيّة، فأغاروا وأحرقوا ألف قرية، وقتلوا وسبوا.
وفيها عزل يحيى بن أكثم من القضاء وصودر، وأخذ منه مائة ألف درهم [3] .
__________
[1] في المطبوع: «في الليل» .
[2] (1/ 429) .
[3] في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 122) : «وأخذ منه ألف دينار» ، وفي «العبر» للذهبي (1/ 429) : «وصودر منه مائة ألف دينار» ولعل الصواب ما جاء في كتابنا و «مرآة الجنان» فإن

(3/176)


وفيها توفي مفتي بلخ أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف الباهليّ البلخيّ الحنفيّ الفقيه، في جمادى الأولى. أخذ عن أبي يوسف، وسمع من مالك وجماعة، وكان رئيسا مطاعا فأخرج قتيبة من بلخ لعداوة بينهما.
وخرّج له النسائيّ، وهو شيخه.
قال في «المغني» [1] : ثقة فقيه.
قال أبو حاتم: لا يشتغل به. انتهى.
وفيها داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزميّ ببغداد في شعبان. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته، وكان ثقة واسع الرّواية.
وفيها صفوان بن صالح، أبو عبد الملك مؤذّن جامع دمشق. روى عن الوليد بن مسلم وطبقته، وكان حنفيّ المذهب. [2] والصّلت بن مسعود الجحدريّ قاضي سامرّاء في صفر. روى عن حمّاد بن زيد وطبقته.
وفيها عبد الله بن عمر بن أبان [الكوفيّ مشكدانة] [3] روى عن أبي الأحوص وجماعة كثيرة [4] .
وفيها عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسيّ الكوفيّ الحافظ، وكان أكبر من أخيه أبي بكر. رحل، وطوّف، وصنف «التفسير» و «المسند» ، وحضر مجلسه ثلاثون ألفا. روى عن شريك، وأبي الأحوص، وخلق. وروى عنه
__________
الدينار يساوي مائة درهم، وعلى ذلك يكون ما صودر له ألف دينار وهي تساوي مائة ألف درهم، والله أعلم.
[1] (1/ 31) .
[2] في المطبوع: «مشكل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 430) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (315) .
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. ومشكدانة: وعاء المسك بالفارسية.
[4] في «العبر» : «وجماعة كبيرة» .

(3/177)


الشيخان وغيرهما، وكان ثقة.
وفيها محمد بن مهران [1] أبو جعفر الرّازي الجمّال الحافظ، رحل وطوّف، وروى عن فضيل بن عياض، وخلق كثير، وحدّث عنه الشيخان وغيرهما، وكان ثقة.
وفيها محمد بن يحيى بن أبي سمينة [2] أبو جعفر، البغداديّ التمّار الحافظ، في ربيع الأول. سمع المعافى بن عمران وطائفة.
وفيها محمود بن غيلان أبو أحمد المروزيّ الحافظ، محدّث مرو.
حجّ وحدّث ببغداد عن الفضل بن موسى، وابن عيينة، وطائفة.
قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالحديث صاحب سنّة. حبس بسبب القرآن.
وقال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه الشيخان، والترمذي، والنسائيّ، وابن ماجة، وغيرهم، وكان حافظا ثقة. انتهى.
وفيها وهب بن بقيّة الواسطيّ، ويقال له: وهبان. روى عن هشيم وأقرانه.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن يحيى بن مهران» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 430) مصدر المؤلف. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1277) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (11/ 143) ، و «طبقات الحفّاظ» ص (195) .
[2] في المطبوع: «محمد بن أبي سمينة» .

(3/178)


سنة أربعين ومائتين
فيها كما قاله في «الشذور» أخذ أهل الذّمّة بتعليم أولادهم العبرانية، والسريانية، ومنعوا من العربية، ونادى المنادي بذلك، فأسلم منهم خلق كثير.
وفيها خرجت ريح من بلاد التّرك، فمرّت بمرو، فقتلت خلقا كثيرا بالزّكام، ثم صارت إلى نيسابور، وإلى الرّيّ، وإلى همذان، وحلوان، ثم إلى العراق، وأصاب أهل بغداد، وسرّ من رأى، حمّى، وسعال، وزكام.
وقال محمد بن حبيب: جاءت الكتب من المغرب أن ثلاثة عشر قرية من القيروان خسف بها، فلم ينج من أهلها إلّا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه، فأتوا القيروان، فأخرجهم أهلها، فقالوا أنتم مسخوط عليكم [1] ، فبنى لهم العامل حظيرة خارج المدينة فنزلوها. انتهى ما ذكره في «الشذور» .
وفيها توفي أحمد بن أبي دواد- على وزن فؤاد- قاضي القضاة أبو عبد الله الإياديّ، وله ثمانون سنة. وكان فصيحا، مفوّها، شاعرا، جوادا، ممدّحا، رأسا في التجهّم، وهو الذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] في الأصل: «عليهم» ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[2] (1/ 431) .

(3/179)


وقال ابن الأهدل: كان عالما، جوادا، ممدّحا، معتزليا، وكان له القبول التام عند المأمون والمعتصم، وهو أول من بدأ الخلفاء بالكلام وكانوا لا يكلّمون حتّى يتكلموا، وبسببه وفتياه امتحن الإمام أحمد وأهل السّنّة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن، وابتلي ابن أبي دواد بعد ذلك بالفالج نحو أربع سنين، ثم غضب عليه المتوكل فصادره [1] هو وأهله وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم، وأخذ من والده مائة ألف وعشرين ألف دينار، وجوهرا بأربعين ألف دينار، وقيل: إنه صالحه على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار. ولأحمد بن أبي دواد عطايا جزيلة وشفاعة إلى الخلفاء مقبولة، وفيه يقول الشاعر:
لقد أنست مساوئ كلّ دهر ... محاسن أحمد بن أبي دواد
وما سافرت في الأقطار إلّا ... ومن جدواك راحلتي وزادي [2]
وكان بينه وبين ابن الزّيّات شحناء ومهاجاة عظيمة. انتهى ما قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبيّ البغداديّ الفقيه أحد الأعلام.
تفقه [بالشّافعيّ] [3] ، وسمع من ابن عيينة وغيره، وبرع في العلم، ولم يقلّد أحدا.
قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالسّنّة منذ خمسين سنة. وهو عندي في صلاح سفيان الثوري. انتهى.
قال ابن الأهدل: صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه،
__________
[1] في الأصل: «فصادروه» وأثبت ما في المطبوع.
[2] البيتان لأبي تمام، وهما في «ديوانه» (1/ 374) وذكرهما ابن كثير في «البداية والنهاية» (10/ 320) والعامري في «غربال الزمان» ص (223) .
[3] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 431) .

(3/180)


واستعمل أولا مذهب أهل الرّأي حتّى قدم الشافعيّ العراق وصحبه فاتبعه، وهو غير مقلّد لأحد.
وقال له محمد بن الحسن: غلبنا عليك هذا الحجازيّ- يعني الشافعيّ- فقال: أجد الحق معه. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة مأمون مجتهد. انتهى.
والحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوريّ. توفي في أول السنة بطريق مكّة، وكان ورعا ديّنا ثقة، أسلم على يد ابن المبارك، وسمع الكثير منه، ومن أبي الأحوص، وطائفة، ولما مرّ ببغداد حدّث بها، وعدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة.
وفيها أبو عمرو [1] خليفة بن خيّاط [العصفريّ] [2] البصريّ الحافظ شباب [3] ، صاحب «التاريخ» و «الطبقات» وغير ذلك. سمع من يزيد بن زريع [4] وطبقته، وحدّث عنه البخاريّ وغيره، وكان ثبتا يقظا.
وسويد بن سعيد أبو محمد الهرويّ ثم الحدثانيّ، نسبة إلى الحديثة [5] التي تحت عانة. سمع مالكا وشريكا وطبقتهما، وكان مكثرا حسن الحديث، بلغ مائة سنة.
قال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس.
قال في «المغني» [6] : سويد بن سعيد الحدثانيّ شيخ مسلم. محدّث نبيل، له مناكير.
__________
[1] في «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (195) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد عوّامة: «أبو عمر» وهو خطأ فيصحح فيه. انظر «الأنساب» (8/ 467) و «سير أعلام النبلاء» (11/ 472) .
[2] لفظة «العصفري» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[3] وهو لقب عرف به.
[4] في المطبوع: «يزيد بن ربيع» وهو خطأ.
[5] انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 230) وتعرف بحديثة الفرات، وحديثة النورة.
[6] (1/ 290) .

(3/181)


قال أبو حاتم: صدوق.
وقال أحمد: متروك.
وقال النسائيّ: ليس بثقة.
وقال البخاريّ: عمي وكان يقبل التلقين. انتهى.
وسويد بن نصر المروزيّ. رحل وكتب عن ابن المبارك، وابن عيينة، وعمّر تسعين سنة.
وسحنون مفتي القيروان وقاضيه، أبو سعيد عبد السّلام بن سعيد بن حبيب التنوخيّ الحمصيّ الأصل ثم المغربي المالكيّ [1] صاحب «المدوّنة» .
أخذ عن ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وله عدة أصحاب، وعاش ثمانين سنة.
وعبد الواحد بن غياث المربديّ [2] البصريّ. سمع حمّاد بن سلمة وطبقته.
وفيها محدّث خراسان أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفيّ مولاهم البلخيّ ثم البغلانيّ [3] الحافظ، واسمه يحيى، وقيل: علي، ولقبه قتيبة [4] .
سمع مالكا، واللّيث، والكبار. ورحل العلماء إليه من الأقطار، وكان من الأغنياء.
قال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه أصحاب الكتب إلّا ابن ماجة، وروى عنه أحمد، وابن معين. إليه المنتهى في الثقة. انتهى.
__________
[1] لفظة «المالكي» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[2] في الأصل، والمطبوع: «المرثدي» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 431) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (11/ 234) .
[3] قال السمعاني: هذه النسبة إلى بغلان، وهي بلدة بنواحي بلخ، وظني أنها من طخارستان، وهي العليا والسفلى، وهما من أنزه بلاد الله تعالى على ما قيل. «الأنساب» (2/ 257) .
[4] في «العبر» : «وقتيبة لقبه» .

(3/182)


وأبو بكر الأعين محمد بن أبي عتّاب [1] الحسن بن طريف البغداديّ الحافظ في جمادى الأولى. سمع زيد بن الحباب وطبقته، ورحل إلى الشام، ومصر، وجمع وصنف.
واللّيث بن خالد أبو الحارث المقرئ الكبير، صاحب الكسائي، وكان من أعيان أهل الأداء ببغداد، وتوفي قبل الأربعين ومائتين تقريبا.
وسليمان بن أحمد الدمشقيّ ثم الواسطيّ الحافظ. روى عن الوليد ابن مسلم وجماعة، وهو مضعّف [2] .
قال البخاريّ: فيه نظر.
وفيها عبد العزيز بن يحيى الكنانيّ [3] المكيّ. سمع من سفيان بن عيينة، وناظر بشرا المريسي [4] في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة، فانقطع بشر وظهر عبد العزيز، ومناظرتهما مشهورة مسطورة، وعبد العزيز هو صاحب كتاب «الحيدة» [5] وهو معدود في أصحاب الشافعيّ.
وفيها نصير [6] بن يوسف الرّازيّ النحويّ المقرئ، تلميذ الكسائي.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن أبي غياث» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 433) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (247) .
[2] في «العبر» : «وهو ضعيف» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «الكتاني» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 434) ، و «تقريب التهذيب» ص (359) .
[4] في المطبوع: «وناظر بشر المريسي» .
[5] في «غربال الزمان» ص (224) : «الجيدة» وهو تصحيف فيصحح فيه.
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/ 639) : قلت: لم يصح إسناد كتاب «الحيدة» إليه، فكأنه وضع عليه، والله أعلم.
[6] تحرف في «العبر» للذهبي (1/ 434) إلى «نصر» فيصحح فيه، وانظر «غاية النهاية في طبقات القراء» لابن الجزري (2/ 340- 341) .

(3/183)


وعمر بن زرارة الحدثيّ. ثقة، له نسخة [1] مشهورة. روى عن شريك وجماعة.
وفيها أبو يعقوب الأزرق صاحب ورش، وكان مقرئ ديار مصر في زمانه، واسمه يوسف بن عمرو بن يسار [2] .
قال في «حسن المحاضرة» [3] : أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدنيّ ثم المصريّ. لزم ورشا مدة طويلة، وأتقن عنه الأداء وخلفه في الإقراء بالدّيار المصرية، وانفرد عنه بتغليظ اللّامات وترقيق الراءات.
قال أبو الفضل الخزاعي: أدركت أهل مصر والمغرب على أبي يعقوب عن ورش [4] لا يعرفون غيرها. انتهى.
وفيها أحمد بن المعدّل بن غيلان العبديّ البصريّ الفقيه المالكيّ المتكلم، صاحب عبد الملك الماجشون. كان فصيحا مفوها. له عدة مصنفات. وعليه تفقه إسماعيل القاضي، والبصريون.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «مشيخة» . وانظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 407- 408) .
[2] في «العبر» للذهبي: «واسمه عمرو بن يسار» وهو خطأ فيصحح فيه.
[3] (1/ 486) .
[4] في «حسن المحاضرة» : «عن أبي يعقوب وورش» .

(3/184)