شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وسبعين ومائتين
فيها على ما ذكره في «الشذور» انفجر تل نهر [1] الصّلح [2] عن شبه الحوض [3] من حجر في لون المسنّ، وفيه سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحاح أكفانهم جدد، كأنهم ماتوا بالأمس. انتهى.
وفيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه، وبين محمد بن أبي السّاج، ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد.
وفيها توفي [4] الحافظ أبو عمرو، أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاريّ، محدّث الكوفة في ذي الحجّة، صنّف «المسند» والتصانيف.
وروى عن جعفر بن عون وطبقته.
قال ابن حبّان: كان متقنا.
__________
[1] في «تاريخ الطبري» (10/ 16) ، و «النجوم الزاهرة» : «بنهر» (3/ 75) .
[2] في المطبوع و «تاريخ الطبري» : «الصلة» وما جاء في الأصل موافق لما في «النجوم الزاهرة» (3/ 75) وهو الصواب.
قال ياقوت: الصّلح كورة فوق واسط لها نهر يستمد من دجلة على الجانب الشرقي يسمى فم الصلح- وفيه بنى المأمون ببوران- وبها كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون.
انظر «معجم البلدان» (3/ 421) و (4/ 276) .
[3] في الأصل: «عن شبه حوض» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «تاريخ الطبري» .
[4] لفظة «توفي» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

(3/317)


وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة.
وفيها الإمام بقيّ بن مخلد، أبو عبد الرّحمن، الأندلسيّ الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، في جمادى الآخرة، وله خمس وسبعون سنة. سمع يحيى بن يحيى اللّيثي، ويحيى بن بكير، وأحمد بن حنبل، وطبقتهم، وصنّف «التفسير الكبير» و «المسند الكبير» .
قال ابن حزم: أقطع أنه لم يؤلّف في الإسلام مثل تفسيره، وكان [بقيّ] [1] فقيها، علّامة، مجتهدا، قوّاما، ثبتا، عديم المثل.
وفيها الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ، وقيل:
المروزيّ، الإمام النحويّ اللغويّ صاحب «كتاب المعارف» و «أدب الكاتب» و «غريب القرآن» و «مشكل الحديث» و «طبقات الشعراء» و «إعراب القرآن» و «كتاب الميسر والقداح» وغيرها، وكان فاضلا، ثقة، سكن بغداد، وحدّث بها عن ابن راهويه وطبقته. روى عنه ابنه أحمد، وابن درستويه، وكان موته فجاءة.
قيل: إنه أكل هريسة فأصابته حرارة، فصاح صيحة شديدة، ثم أغمي عليه، ثم أفاق فما يزال يتشهّد حتّى مات. قاله ابن الأهدل.
وقال ابن خلّكان [2] : كان فاضلا ثقة، سكن بغداد وحدّث بها عن إسحاق بن راهويه، وأبي إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرّحمن بن زياد، وأبي حاتم السجستاني وتلك الطبقة. وتصانيفه كلها مفيدة منها «غريب القرآن» و «غريب الحديث» ، و «عيون الأخبار» ، و «مشكل القرآن» ، و «مشكل الحديث» ، و «طبقات الشعراء» ، و «الأشربة» ، و «إصلاح الغلط» ، وغير ذلك، وأقرأ كتبه ببغداد إلى حين وفاته، وقيل: إن أباه
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 62) .
[2] في «وفيات الأعيان» (3/ 42- 43) .

(3/318)


مروزي، وأما هو فمولده ببغداد، وقيل: بالكوفة، وأقام بالدّينور قاضيا مدة فنسب إليها.
وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين، وكانت وفاته فجاءة، صاح صيحة سمعت من بعد، ثم أغمي عليه إلى وقت الظهر، ثم اضطرب ساعة، ثم هدأ، فما يزال يتشهّد إلى وقت السحر، ثم مات رحمه الله تعالى.
وكان ولده أبو جعفر أحمد بن عبد الله المذكور فقيها، وروى عن أبيه كتبه المصنفة كلها، وتولى القضاء بمصر، وقدمها في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو على القضاء ومولده ببغداد. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وقال الذّهبيّ في «المغني» [1] : عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد، صاحب التصانيف، صدوق، سمع إسحاق بن راهويه.
قال الحاكم: أجمعت الأمة على أن القتيبيّ كذّاب.
قلت: هذا بغي وتخرّص، بل قال الخطيب: هو ثقة. انتهى كلام الذهبي.
وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرّقاشيّ البصريّ الحافظ، أحد العبّاد والأئمة، في شوّال ببغداد. روى عن يزيد بن هارون وطبقته، ووثّقه أبو داود.
قال أحمد بن كامل: قيل عنه إنه كان يصلّي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، ويقال: إنه روى من حفظه ستّين ألف حديث.
__________
[1] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 357) .

(3/319)


قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
ثمّ ابن عيسى الطّرسوسي الدّار ... كأحمد بن حازم الغفاري
عبد المليك ذا الرّقاشي الثالث ... كلّ رشيد عمدة وباحث
انتهى.
وفيها محدّث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأمويّ، مولاهم، القرطبيّ، الفقيه، له رحلتان إلى مصر، وتفقّه على الحارث بن مسكين، وابن عبد الحكم، وكان مجتهدا لا يقلّد أحدا.
قال رفيقه: بقيّ بن مخلد: هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
وقال [1] : لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من قاسم.
وقال محمد بن عمر بن لبابة: ما رأيت أفقه منه.
وروى عن إبراهيم بن المنذر الحزامي [2] وطبقته.
وفيها محدّث مكّة محمد بن إسماعيل الصائغ، أبو جعفر، وقد قارب التسعين. سمع أبا أسامة، وشبابة، وطبقتهما.
وفيها محدّث دمشق، أبو القاسم، يزيد بن عبد الصمد. سمع أبا مسهر، والحميدي، وطبقتهما، وكان ثقة بصيرا بالحديث.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «وأما ابن عبد الحكم فقال: لم يقدم ... إلخ» .
[2] تصحفت في الأصل، والمطبوع إلى «الحرامي» والتصحيح من «العبر» (2/ 63) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (4/ 129) .

(3/320)


سنة سبع وسبعين ومائتين
فيها توفي حافظ المشرق، أبو حاتم الرّازيّ، محمد بن إدريس، الحنظليّ، في شعبان، وهو في عشر التسعين، وكان بارع الحفظ واسع الرحلة، من أوعية العلم. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا مسهر، وخلقا لا يحصون، وكان ثقة جاريا في مضمار البخاري، وأبي زرعة الرّازي.
وكان يقول: مشيت على قدميّ في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ.
وقال ابن ناصر الدّين: محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظليّ أبو حاتم الرّازي. كان في مضمار البخاري، وأبي زرعة، جاريا، وبمعاني الحديث عالما، وفي الحفظ غالبا، وأثنى عليه خلق من المحدّثين، وتوفي وهو في عشر التسعين. انتهى.
وفيها المحدّث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين [1] الحنينيّ الكوفيّ، صاحب «المسند» . روى عن عبيد الله بن موسى [وأبي نعيم] [2] وطبقتهما، وكان ثقة.
[والإمام يعقوب بن سفيان الفسويّ الحافظ، أحد أركان الحديث،
__________
[1] لفظة «الحنين» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «العبر» .
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «العبر» .

(3/321)


وصاحب «المشيخة» و «التاريخ» في وسط السنة، وله بضع وثمانون سنة.
سمع أبا عاصم، وعبيد الله [1] بن موسى وطبقتهما وكان ثقة] [2] بارعا، عارفا، ماهرا.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «وعبد الله» والتصحيح من «العبر» (2/ 65) وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 180) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «العبر» .

(3/322)


سنة ثمان وسبعين ومائتين
فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة، وهم قوم [1] خوارج زنادقة مارقة من الدّين.
قال في «الشذور» : وكان ابتداء أمرهم أن رجلا قدم إلى سواد الكوفة، فأظهر الزهد وجعل يسفّ الخوص [2] ، ويأكل من كسبه، ويصلّي ويصوم، ثم صار يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذ من كلّ من دخل في قوله دينارا، فاجتمع إليه جماعة، فاتخذ منهم اثني عشر نقيبا، وقال أنتم كحواري عيسى، وكان قد أوى إلى بيت رجل يقال له: كرميته، فسمّي باسمه، ثم خفّف فقيل: قرمط. انتهى.
وفيها توفي الموفّق، أبو أحمد طلحة، ويقال: محمد [3] بن المتوكل، ولي عهد أخيه المعتمد، في صفر، وله تسع وأربعون سنة، وكان ملكا مطاعا، وبطلا شجاعا، ذا بأس وأيد، ورأي وحزم، حارب الزّنج حتّى أبادهم، وقتل طاغيتهم، وكان جميع أمر [4] الجيوش إليه، وكان محبّبا إلى
__________
[1] لفظة «قوم» سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه.
[2] أي: ينسج ورق النخل. انظر «لسان العرب» (خوص) و (سفف) .
[3] في الأصل: «ويقال: أحمد» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «تاريخ بغداد» (2/ 127) و «العبر» للذهبي (2/ 65) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «أمراء» وهو خطأ، وما أثبته من «العبر» للذهبي.

(3/323)


الخلق، وكان المعتمد مقهورا معه، اعتراه نقرس فبرّح به، وأصاب رجله داء الفيل [1] ، وكان يقول: قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق، وما أصبح فيهم أسوأ حالا منّي، واشتد ألم رجله وانتفاخها، إلى أن مات منها، وكان قد ضيّق على ابنه أبي العبّاس وخاف منه، فلما احتضر، رضي عليه، ولما توفي ولّاه المعتمد ولاية العهد، ولقّبه المعتضد، وكان بعض الأعيان يشبّه الموفّق بالمنصور في حزمه، ودهائه، ورأيه، وجميع الخلفاء إلى [2] اليوم من ذريّته.
قاله في «العبر» [3] .
وفيها عبد الكريم بن الهيثم، [أبو يحيى] [4] ، الدّير عاقولي، رحل، وحصّل، وجمع، وروى عن أبي نعيم، وأبي اليمان، وطبقتهما، وكان أحد الثقات المأمونين.
وفيها- بل في التي قبلها على ما جزم به ابن ناصر الدّين- عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان بن دلويه، أبو موسى، موثّق متقن.
وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشّاء ببغداد في ذي القعدة، وهو آخر من حدّث عن ابن عليّة، وإسحاق الأزرق. ضعّفه الدّارقطني، وقيل: في اسم أبيه وهب.
__________
[1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 709) : داء الفيل: تضخم في الجلد وما تحته، ينشأ عن سدّ الأوعية اللمفاوية، ويحدثه جنس من الديدان الخيطية.
[2] في الأصل، والمطبوع: «وإلى» وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 66) وهو الصواب.
[3] (2/ 65- 66) .
[4] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 523) .

(3/324)


سنة تسع وسبعين ومائتين
فيها نودي ببغداد: لا يقعد على الطريق منجّم، ولا تباع كتب الكلام والفلسفة.
وفيها تمكّن المعتضد أبو العبّاس أحمد بن الموفّق طلحة من الأمور، وأطاعته الأمراء، حتّى ألزم عمّه المعتمد أن يقدّمه في العهد على ابنه المفوّض، ففعل مكرها.
قال أبو العبّاس المذكور: كان المعتمد على الله قد حبسني، فرأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يقول لي: أمر الخلافة يصل إليك فاعتضد بالله وأكرم بنيّ. قال: فانتبهت ودعوت الخادم الذي كان يخدمني في الحبس، وأعطيته فصّ خاتم، وقلت له:
امض إلى النّقّاش وقل له: انقش عليه «المعتضد بالله أمير المؤمنين» فقال:
هذه مخاطرة بالنفس، وأين الخلافة منّا، وغاية أملنا الخلاص من السجن؟
فقلت: امض لما أمرتك، فمضى ونقش عليه ما قلت له بأوضح خط، فقلت: اطلب لي دواة وكاغذا، فجاءني بهما، فجعلت أرتّب الأعمال، وأولّي العمّال وأصحاب الدواوين، فبينما أنا كذلك إذ جاء القوم وأخرجوني، ثم إن المعتمد على الله فوّض ما كان لناصر دين الله الموفّق لولده أحمد المذكور، فاستبدّ بالأمر، واستخفّ بعمّه المعتمد، ولم يرجع إليه في شيء من عقده

(3/325)


وحلّه، ثم إن أحمد المذكور دخل على عمّه المعتمد على الله وقصّ عليه رؤياه التي رآها في الحبس، وقال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولّاني هذا الأمر، ومتى لم تخلع ابنك جعفرا من الخلافة طائعا وإلا خلعته كارها، فخلع المعتمد ابنه وجعل العهد لابن أخيه أحمد المذكور.
وفيها كما قال في «العبر» [1] منع المعتضد من بيع كتب الفلاسفة والجدل، وتهدد على ذلك، ومنع المنجّمين والقصّاص من الجلوس فكان ذلك من حسناته. انتهى [2] .
وفيها، في رجب، توفي المعتمد على الله، أحمد بن المتوكل على الله جعفر، العباسي، وله خمسون سنة، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين، وكان أسمر، ربعة، نحيفا، مدوّر الوجه، صغير اللحية، مليح العينين، ثم سمن وأسرع إليه الشيب، ومات فجأة، وأمه أمّ ولد اسمها قينان [3] ، وله شعر متوسط، وكان قد أكل رؤوس جداء فمات من الغد بين المغنّين والندماء، فقيل: سمّ في الرؤوس، وقيل: نام فغمّ في بساط، وقيل:
سمّ في كأس الشراب، فدخل عليه القاضي والشهود فلم يروا به أثرا، وكان منهمكا في اللّذات، فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء، فاستصحب المعتضد الحال بعد أبيه.
وعن أحمد بن يزيد قال: كنّا عند المعتمد، وكان كثير العربدة إذا سكر، فذكر حكاية. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] (2/ 67) .
[2] سبق أن ذكر المؤلف هذا الخبر في أول كلامه عن حوادث هذه السنة باختصار، وأظنه كان ينقل هناك عن كتاب «شذور العقود في تاريخ العهود» لابن الجوزي والله أعلم.
[3] في «العبر» : «فتيان» .
[4] (2/ 67) .

(3/326)


وامتد ملكه على المهانة بتدبير أخيه، ولو شاء خلعه لخلعه.
قال ابن الفرات: كان في خلافته محكوما عليه، حتّى إنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت، فقال:
أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعا عليه
وتؤخذ باسمه الدّنيا جميعا ... وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طرّا ... ويمنع بعض ما يجبى إليه
[1] وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ، أبو بكر النّسائي، ثم البغدادي، مصنّف «التاريخ الكبير» ، وله أربع وتسعون سنة. سمع أبا نعيم، وعفّان، وطبقتهما.
قال الدارقطني: ثقة، مأمون.
وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسيّ. القصّار، الكوفيّ أبو إسحاق، آخر أصحاب وكيع وفاة.
وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد، وله تسعون سنة.
روى عن أبي نعيم وطبقته، وكان زاهدا، عابدا، ثقة، ينفع الناس ويعلّمهم الحديث.
وأبو يحيى عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة، محدّث مكّة في جمادى الأولى. روى عن أبي عبد الرّحمن المقرئ وطبقته.
وفيها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السّلميّ، أبو عيسى، الترمذيّ الضرير، تلميذ أبي عبد الله البخاري، ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه. سمع منه شيخه البخاري وغيره، وكان مبرّزا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 278) .

(3/327)


قال ابن خلّكان [1] : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضّحّاك السّلميّ الضرير البوغيّ الترمذيّ، الحافظ المشهور، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث. صنّف «كتاب الجامع» و «العلل» [2] تصنيف رجل متقن، وبه يضرب المثل، وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، مثل قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، وابن بشّار، وغيرهم. انتهى.
قيل: إنه ولد أكمه [3] .
وفيها أبو الأحوص، محمد بن الهيثم [الحافظ] [4] قاضي عكبرا، في جمادى الآخرة، وكان أحد من عني بهذا الشأن [5] فروى عن عبد الله بن رجاء، وسعيد بن عفير، وطبقتهما، وهو ثقة.
وأبو عبد الله، محمد بن جابر بن حمّاد، أحد أئمة زمانه، والمبرز بالفضل على أقرانه.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
ثمّ ابن عيسى التّرمذي محمّد ... طاب رحيب علمه فقيدوا
مثل الفقيه المروزي النّقّاد ... محمّد بن جابر بن حمّاد
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 278) .
[2] العلل للترمذي، جعله في آخر كتابه الجامع ويقال: إن كتاب العلل، تأليف مستقل، ولكن قول الترمذي: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين ... يبين أن كتاب العلل ملحق بالسنن. وقد شرح «العلل» الحافظ ابن رجب الحنبلي شرحا جيدا، وقد حققه أول مرة الأستاذ الشيخ صبحي السامرائي في العراق في مجلد واحد، ثم أعاد تحقيقه الدكتور نور الدين عتر في دمشق وصدر عن دار الملاح في مجلدين. (ع) .
[3] يعني أعمى (ع) .
[4] زيادة من «العبر» للذهبي.
[5] يعني بعلوم الحديث النبوي الشريف.

(3/328)


سنة ثمانين ومائتين
فيها كما قال في «الشذور» زلزلت دبيل [1] في الليل، فأصبحوا فلم يبق من المدينة إلّا اليسير، فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميت.
انتهى [2] .
وفيها توفي القاضي أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، الفقيه الحافظ، صاحب «المسند» روى عن أبي نعيم، ومسلم بن إبراهيم، وخلق، وكان ثقة، بصيرا بالفقه، عارفا بالحديث وعلله، زاهدا، عابدا، كبير القدر، من أعيان الحنفية.
وفيها الإمام قاضي الدّيار المصرية أحمد بن أبي عمران، أبو جعفر، الفقيه الحنفيّ، تفقّه على محمد بن سماعة، وحدّث عن عاصم بن علي وطائفة، وروى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر، وهو شيخ الطحاوي في الفقه.
قال في «حسن المحاضرة» [3] : وثّقه ابن يونس.
__________
[1] دبيل: مدينة بإرمينية تتاخم أرّان، فتحت في أيام أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه، على يد حبيب بن مسلمة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 439) .
[2] انظر تفاصيل الخبر في «تاريخ الطبري» (10/ 34- 35) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 465) .
[3] (1/ 463) .

(3/329)


وفيها الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدّارميّ السّجزيّ [1] الحافظ، صاحب «المسند» والتصانيف. روى عن سليمان بن حرب وطبقته، وكان جذعا، وقذى [2] في أعين المبتدعة، قيّما بالسّنّة، ثقة، حجّة، ثبتا.
قال يعقوب بن إسحاق الهروي [3] : ما رأينا أجمع منه، أخذ الفقه عن البويطي، والعربية عن ابن الأعرابي، والحديث عن ابن المديني.
توفي في ذي الحجة وقد ناهز الثمانين.
قال الإسنوي: هو أحد الحفّاظ الأعلام، تفقّه على البويطي، وطاف الآفاق في طلب الحديث، وصنّف «المسند الكبير» . انتهى.
وفيها الحافظ أبو إسماعيل، محمد بن إسماعيل السّلميّ الترمذيّ، أحد أعلام السّنّة. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهما، وجمع، وصنّف.
قال ابن ناصر الدّين: ثقة متقن.
وفيها حرب بن إسماعيل الكرمانيّ، صاحب الإمام أحمد، حافظ، فقيه، نبيل، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة.
__________
[1] ويقال: السجستاني أيضا، نسبة إلى سجستان. انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 43 و 45) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 190- 192) .
[2] لفظة «قذى» سقطت من «العبر» بطبعتيه فتستدرك. قال ابن منظور: القذى: ما يقع في العين وما ترمى به وجمعه أقذاء وقذي. «لسان العرب» (قذي) .
[3] كذا في الأصل والمطبوع و «العبر» ، وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 321) فإن الخبر فيه برواية أخرى غير التي ذكرها المؤلف في كتابنا.

(3/330)


قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : كان حرب فقيه البلد، وكان السلطان قد جعله على أمر الحكم وغيره في البلد.
قال حرب: سألت أحمد عن قراءة حمزة؟ فقال: لا تعجبني.
قال: وقلت لأحمد: الإدغام؟ فكرهه.
وقال: سمعت الإمام أحمد يكره الإمالة مثل وَالضُّحى 93: 1، وَالشَّمْسِ وَضُحاها 91: 1، وقال: أكره الخفض الشديد والإدغام.
وقال حرب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرّة أو مرّتين. انتهى ملخصا.
وفيها أبو عمر [2] هلال بن العلاء بن هلال الرّقّيّ، محدّث الرّقّة وشيخها في ذي الحجة وقد قارب التسعين. روى عن حجّاج الأعور، وخلق كثير، وله شعر رائق. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن ناصر الدّين: تكلّم فيه لمناكير عنده رواها عن أبيه. انتهى.
__________
[1] (1/ 145) .
[2] في المطبوع: «أبو عمرو» وهو خطأ.
[3] (2/ 70) .

(3/331)