شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وثلاثمائة
فيها وقبلها، أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركاكة ابنها، فإنه لم يركب للنّاس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلاثمائة، ثم ولّى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها، وهو ابن أربع سنين، وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة.
ولما كان في هذا العام أمرت أمّ المقتدر ثمل [1] القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة، وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها.
وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه، فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد ثم رجع.
وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبّار، أبو عبد الله الصوفي [2] ببغداد. روى عن علي بن الجعد، ويحيى بن معين، وجماعة. وكان ثقة صاحب حديث، مات عن نيّف وتسعين سنة.
وفيها القاضي أبو العبّاس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي [3] شيخ
__________
[1] في «العبر» : «مثل» وهو خطأ. وانظر «صلة تاريخ الطبري» للقرطبي ص (109) ، و «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (227) طبع دار المعارف بمصر.
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 152- 153) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 201- 204) .

(4/29)


الشافعية وصاحب التصانيف، في جمادى الأولى، وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر، وكان يقال له: الباز الأشهب، ولي قضاء شيراز، وله من المصنفات أربعمائة مصنف. روى الحديث عن الحسن بن محمد الزّعفراني وجماعة.
قال الإسنوي: قال الشيخ أبو إسحاق: كان ابن سريج يفضّل على جميع أصحاب الشافعيّ حتّى على المزني. انتهى.
وقال ابن خلّكان [1] : وأخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي، وعنه أخذ فقهاء الإسلام، ومنه انتشر مذهب الإمام الشافعي في أكثر الآفاق.
وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، وحكي أنه قال له أبو بكر يوما: أبلعني ريقي، فقال له: أبلعتك دجلة.
وقال له يوما: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة.
وقال له يوما: أكلمك من الرّجل فتجيبني من الرأس، فقال له: هكذا البقر، إذا جفّت [2] أظلافها [3] دهنت قرونها.
وكان يقال له في عصره: إن الله تعالى بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنّة وأمات كل بدعة، ومن الله تعالى على رأس المائتين بالإمام الشّافعيّ حتّى أظهر السّنّة وأخفى البدعة، ومن الله تعالى على رأس الثلاثمائة بك حتّى قويت كل سنّة وأضعفت كل بدعة.
وكان له مع فضائله نظم حسن. انتهى كلام ابن خلّكان.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» (1/ 66- 67) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «إذا حفيت» .
[3] الأظلاف: جمع ظلف. قال ابن منظور: الظّلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير، وقد يطلق الظّلف على ذات الظّلف أنفسها مجازا. «لسان العرب» (ظلف) .

(4/30)


قلت: وإليه تنسب المسألة السريجية، وهي أن يقول الرجل لزوجته:
كلما، أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم يقول: أنت طالق.
قال ابن سريج: لا يقع شيء للدور.
قال البلقيني بجواز تقليد مصحح الدور في السريجية ومقلده لا يأثم، وإن كنت لا أفتي بصحته لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها، وإن ذلك ينفع عند الله تعالى، ذكره عنه ابن حجر الهيتمي، والله أعلم.
وقال ابن الأهدل: ومن غرائب ابن سريج أنه كان يقول بلزوم الحكم بالحكاية. انتهى.
وفيها أبو عبد الله بن الجلّاء [1] الزاهد المشهور، شيخ الصوفية، واسمه أحمد بن يحيى [2] . صحب ذا النّون المصري والكبار، وكان قدوة أهل الشام. توفي في رجب. وقد سئل عن المحبة فقال: ما لي وللمحبة، أنا أريد أن أتعلم التوبة.
قال السخاوي في «طبقاته» [3] : أحمد بن يحيى بن الجلّاء بغدادي الأصل، أقام بالرّملة ودمشق، وكان من جلّة مشايخ الشام. صحب أباه يحيى بن الجلّاء، وأبا تراب النّخشبي، وذا النّون المصري، وأبا عبيد البسري، وكان أستاذ محمد بن داود الدّقّي.
وكان عالما ورعا. كان يقال: إن في الدّنيا ثلاثة من أئمة الصوفية، لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان الحيري بنيسابور، وأبو عبد الله أحمد بن الجلّاء بالشام.
__________
[1] انظر «طبقات الصوفية» ص (176- 179) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 251- 252) .
[2] في «طبقات الصوفية» و «سير أعلام النبلاء» : «ويقال محمد بن يحيى» .
[3] قلت: الذي جاء في النص هنا يماثل ما عند السلمي في «طبقات الصوفية» ص (176) فراجعه.

(4/31)


قال ابن الجلّاء: من بلغ بنفسه إلى رتبة سقط عنها، ومن بلغ بالله ثبت عليها.
وسئل: على أيّ شيء تصحب الخلق [1] ؟ فقال: إن لم تبرّهم فلا تؤذهم، وإن لم تسرّهم فلا تسؤهم.
وقال: لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه من المودّة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقا لا يضيّعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه.
وقال: من استوى عنده المدح والذمّ فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلّها من الله [عزّ وجل] فهو موحّد.
وسئل: ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد؟ قال: هذا من فعل رجال الله [عزّ وجل] .
قيل: فإن مات؟ قال: الدّيّة على القاتل [2] .
وقال: اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق، ويفقرك إلى الخلق.
وسئل مرة عن علم الصفات: فقال:
كيفية المرء ليس المرء يدركها ... فكيف كيفيّة الجبّار في القدم
هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا ... فكيف يدركه مستحدث النسم
انتهى.
وفيها حاجب [بن مالك] [3] بن أركين الفرغاني الضّرير المحدّث.
روى عن أحمد بن إبراهيم الدّورقي وجماعة، وله جزء مشهور.
__________
[1] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «على أي شرط أصحب الخلق» وهو أصوب.
[2] أقول: من السّنّة أن يحمل الزاد، ويعمل بالأسباب، وهذا فعل المتوكلين على الله تعالى. (ع) .
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «سير أعلام النبلاء» (14/ 258) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (6/ 145) طبع دار الفكر بدمشق.

(4/32)


والحسين بن حمدان التّغلبي [1] ذبح في حبس المقتدر بأمره.
وفيها الإمام أبو محمد، عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي [2] ، الحافظ الثقة، صاحب التصانيف. سمع سهل بن عثمان، وأبا بكر بن أبي شيبة، وطبقتهما، وكان يحفظ مائة ألف حديث، ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرّة. توفي في آخر السنة، وله تسعون سنة وأشهر.
وفيها محمد بن خلف بن [حيّان بن صدقة] [3] ، وكيع القاضي [4] أبو بكر الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الزّبير بن بكّار وطبقته، وولي قضاء الأهواز.
قال في «المغني» [5] : مشهور، له تآليف [6] .
قال ابن المنادي: فيه لين. انتهى.
وفيها الفقيه الإمام أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي [7] [المصري] الضّرير. أصله من رأس عين، بلدة بالجزيرة [8] له مصنفات في مذهب الشافعي حسان، وشعر جيد، أصابته فاقة في سنة قحط، فنادى بأعلى صوته فوق داره:
__________
[1] انظر «الوافي بالوفيات» للصفدي (12/ 360) ، و «العبر» للذهبي (2/ 138) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 168- 173) و «العبر» (2/ 139) .
[3] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (14/ 237) والمصادر التي ذكرت في هامشه.
[4] انظر «العبر» (2/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 237) .
[5] انظر «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 576) .
[6] في «المغني» : «له تواليف» .
[7] انظر «غربال الزمان» ص (271) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 238) .
[8] قال ياقوت في «معجم البلدان» (3/ 14) : وهي مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرّان ونصيبين ودنيسر، وبينها وبين نصيبين خمسة عشر فرسخا وقريب من ذلك بينها وبين حرّان، وهي إلى دنيسر أقرب، بينهما نحو عشرة فراسخ. وفي الأصل والمطبوع: «بلدة بالجيزة» وهو خطأ.
قلت: وتقع الآن في أقصى الشمال الأوسط من سورية.

(4/33)


الغياث الغياث يا أحرار ... نحن فقراء [1] وأنتم تجار
إنما تحسن المواساة في الش ... دة لا حين ترخص الأسعار
[2] فسمعه جيرانه، فأصبح على بابه مائة حمل برّ.
قال الإسنويّ: كان فقيها متصرفا في علوم كثيرة، لم يكن في زمانه في مصر مثله.
قال الشيخ أبو إسحاق [3] : قرأ على أصحاب الشافعي، وأصحاب أصحابه، وله مصنفات في الفقه [4] مليحة، منها «الهداية» و «المسافر» و «الواجب» و «المستعمل» وغيرها. وله شعر مليح، وكان شاعرا خبيث اللسان في الهجو، وكان جنديا، ومن شعره:
لي حيلة فيمن ينمّ ... وليس في الكذّاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
[5] وله أيضا:
الكلب أحسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسة
ممّن ينازع في الرّيا ... سة قبل أوقات الرّياسه
[6] نقل عنه الرافعي في الجنايات أن مستحق القصاص يجوز له استيفاؤه بغير إذن الإمام. انتهى ملخصا.
__________
[1] في «غربال الزمان» و «وفيات الأعيان» (5/ 290) : «نحن خلجناكم» .
[2] في الأصل، والمطبوع ورد البيتان على شكل كلام نثري للمترجم وهو خطأ، وقد حصل بعض التحريف في بعض ألفاظ البيتين في «غربال الزمان» و «وفيات الأعيان» .
[3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (107- 108) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف.
[4] في «طبقات الفقهاء» و «وفيات الأعيان» : «في المذهب» .
[5] البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 290) وهما في «سير أعلام النبلاء» برواية أخرى.
[6] البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 290) .

(4/34)


سنة سبع وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» : انقضّ كوكب عظيم وتقطّع ثلاث قطع، وسمع بعد انقضاضه صوت رعد عظيم هائل من غير غيم.
وفيها كانت الحروب والأراجيف الصعبة بمصر، ثم لطف الله وأوقع المرض في المغاربة، ومات جماعة من أمرائهم، واشتدت علّة القائم محمد بن المهدي.
وفيها دخلت القرامطة البصرة، فنهبوا وسبوا.
وفيها توفي أبو العبّاس الأشناني، أحمد بن سهل [1] المقرئ المجوّد، صاحب عبيد بن الصبّاح، وكان ثقة. روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة.
وفيها أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنّى بن يحيى التميمي [2] الحافظ، صاحب «المسند» [3] روى عن علي بن الجعد،
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 139- 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 226- 227) .
[2] انظر «العبر» (2/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 174- 182) .
[3] قلت: الصواب أن لهذا الإمام الكبير مسندان، الأول: «المسند الكبير» وهو مخطوط لا نعلم مكان وجوده. والثاني «المسند الصغير» وهو الذي قام بتحقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ المحقّق حسين الأسد، بتكليف من دار المأمون للتراث بدمشق، وقد صدر منه حتى الآن عشر مجلدات.

(4/35)


وغسّان بن الرّبيع، والكبار. وصنّف التصانيف، وكان ثقة صالحا متقنا. توفي وله تسع وتسعون [1] سنة.
وفيها أبو يحيى زكريا بن يحيى السّاجي [2] البصري الحافظ، محدّث البصرة. روى عن هدبة بن خالد وطبقته. وله كتاب في علل الحديث.
قال الإسنوي: منسوب إلى السّاج، وهو نوع من الخشب.
كان أحد الأئمة الفقهاء الحفّاظ الثقات.
ذكره الشيخ أبو إسحاق في «طبقاته» [3] فقال: أخذ [الفقه] عن الرّبيع، والمزني. وصنّف كتاب «اختلاف الفقهاء» وكتاب «علل الحديث» وتوفي بالبصرة. انتهى.
وفيها أبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التّجيبي [4] مقرئ الدّيار المصرية. روى عن محمد بن رمح، وتلا على أبي يعقوب الأزرق صاحب ورش، وحدّث عنه ابن يونس، وتوفي في جمادي الآخرة، وعمّر دهرا طويلا.
وفيها أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري [5] المحدّث.
روى عن جبارة بن المغلّس وطائفة.
وفيها محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الدّاركي الأصبهاني [6] آخر أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي، وآخر أصحابه أبو بكر بن المقرئ.
وفيها محمد بن هارون أبو بكر الرّوياني [7] الحافظ الكبير، صاحب
__________
[1] في «العبر» : «سبع وتسعون» وهو الصواب، فإنه ولد سنة (210) كما في «سير أعلام النبلاء» (14/ 174) .
[2] انظر «العبر» (2/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 197- 200) .
[3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (104) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[4] انظر «العبر» (2/ 140) و «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 231- 232) .
[5] انظر «العبر» (2/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 259- 260) .
[6] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 137- 138) .
[7] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 507- 510) .

(4/36)


«المسند» . روى عن أبي كريب وطبقته، وله تصانيف في الفقه، وكان من الثقات.
وفيها أبو عمران الجوني موسى بن سهل [1] بالبصرة، وسكن بغداد، وكان ثقة رحّالا حافظا. سمع محمد بن رمح، وهشام بن عمّار وطبقتهما.
وفيها الحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدّوري [2] ببغداد. روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته، وجمع وصنّف، وكان ثقة.
ويحيى بن زكريّا النيسابوري أبو زكريّا الأعرج [3] أحد الحفّاظ بمصر، وهو عمّ محمد بن عبد الله بن زكريّا بن حيّويه [4] النيسابوري. دخل مصر على كبر السن، وروى عن قتيبة، وابن راهويه.
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 261) .
[2] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 261- 262) .
[3] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 243- 244) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «حيوة» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «تذكرة الحفاظ» (2/ 744) و «تهذيب التهذيب» (11/ 210) .

(4/37)


سنة ثمان وثلاثمائة
فيها ظهر اختلال الدولة العباسية، وجيّشت الغوغاء ببغداد، فركب الجند، وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العبّاس، فقصدت العامة داره، فحاربتهم غلمانه، وكان له مماليك كثيرة، فدام القتال أياما، وقتل عدد كثير، ثم استفحل البلاء، ووقع النهب في بغداد.
وجرت فيها فتن وحروب بمصر، وملك العبيديون جيزة الفسطاط، فجزعت الخلق وشرعوا في الهرب.
وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن سراج بن أبي الأزهر المصري [1] ، وكان من الضعفاء لفسقه بشرب المسكر.
قال الحافظ ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
ثمّ علي بن سراج المصري ... حوّله شرابه ففرّ
أي: حوّله عن العدالة إلى الفسق وعدم قبول الرّواية.
شربه المسكر ففرّ، أي: انفر منه وهو أمر من الفرار.
__________
[1] كذا في الأصل والمطبوع، و «تاريخ بغداد» (11/ 431) و «ميزان الاعتدال» (3/ 131) و «لسان الميزان» (4/ 230) : «المصري» وفي «تذكرة الحفاظ» (2/ 756) و «طبقات الحفاظ» ص (318) : «البصري» .

(4/38)


وفيها إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه أبو إسحاق النيسابوري [1] الرجل الصالح، راوي «صحيح مسلم» . روى عن محمد بن رافع، ورحل وسمع ببغداد، والكوفة، والحجاز، وقيل: كان مجاب الدعوة. قاله في «العبر» [2] .
وفيها أبو محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي [3] مقرئ أهل مكّة وصاحب البزّي. روى «مسند العدني» [4] عن المصنّف [5] وتوفي في رمضان وهو في عشر التسعين.
وعبد الله بن [محمد بن] وهب الحافظ الكبير، أبو محمد الدّينوري [6] ، سمع الكثير، وطوّف الأقاليم، وروى عن أبي سعيد الأشجّ وطبقته.
قال ابن عدي [7] : سمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب.
وقال الدار قطنّي: متروك.
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 311- 313) .
[2] (2/ 142) .
[3] انظر «العبر» (2/ 142- 143) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 289) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 227) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «مسند العدلي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القرّاء الكبار» .
[5] يعني عن مصنفه الإمام الحافظ محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (199) .
[6] انظر «العبر» (2/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 400- 402) وما بين حاصرتين زيادة منهما، ويقال له أيضا: عبد الله بن حمدان بن وهب الدّينوري كما في «الكامل» لابن عدي.
[7] في «الكامل» (4/ 1579) طبع دار الفكر ببيروت، وفيه «عمر بن سهيل» .

(4/39)


وقال أبو علي النيسابوري: بلغني أن أبا زرعة [1] كان يعجز عن مذاكرته.
وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا رحّالا لكنه عند الدارقطني وغيره من المتروكين، وقد قبله قوم وصدقوه فيما ذكره ابن عدي وعنه نقلوه. انتهى.
وفيها أبو الطيب محمد بن المفضّل بن سلمة بن عاصم الضّبيّ [2] ، الفقيه الشافعيّ، صاحب ابن سريج. أحد الأذكياء. صنّف الكتب، وهو صاحب وجه، وكان يرى تكفير تارك الصلاة، ومات شابا، وأبوه وجدّه من أئمة العربية.
وفيها المفضّل بن محمد أبو سعيد الجندي [3] ، محدّث مكّة. روى عن إبراهيم بن محمد الشافعي، والعدني، وجماعة، ووثّقه أبو علي النيسابوري.
وفيها أبو الفرج يعقوب بن يوسف [4] وزير العزيز بن المعتز العبيدي، صاحب مصر، وكان يعقوب أولا يهوديا يزعم أنه من ولد السّموأل بن عادياء صاحب حصن الأبلق باليمن، وكان في خدمة كافور الإخشيدي، وبعد وفاة كافور ولي الوزارة للعزيز، وكان يحب العلم والعلماء.
وقال له العزيز في مرضه: لو كنت تشترى لاشتريتك بملكي وولدي، ولما مات صلى عليه ودخل قبره. قاله ابن الأهدل، وهي من غلطاته، فإنه في هذا التاريخ لم يكن وجد، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى [5] .
__________
[1] في المطبوع: «بلغني أن أبا ذرعة» بالذال وهو خطأ.
[2] انظر «العبر» (2/ 143) و «وفيات الأعيان» (4/ 205) .
[3] انظر «العبر» (2/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 257- 258) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 27- 35) و «الأعلام» (8/ 202- 203) .
[5] انظر ص (422) من هذا المجلد.

(4/40)


سنة تسع وثلاثمائة
فيها أخذت الإسكندرية، واستردّت إلى نوّاب الخليفة، ورجع العبيديّ إلى المغرب.
وفيها قتل أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمّى الفارسي الحلّاج، وكان محمّى مجوسيا.
قال في «العبر» [1] : تصوّف [2] الحلّاج وصحب سهل بن عبد الله التّستري، ثم قدم بغداد، فصحب الجنيد، والنّوري، وتعبّد فبالغ في المجاهدة والتّرقب [3] ، ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السّحر، فحصل له به حال شيطاني، وهرب منه الحال الإيماني، ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسّرت صنمه، واشتبه على النّاس السّحر بالكرامات، فضلّ به خلق كثير، كدأب من مضى ومن يكون، إلى مقتل الدجال الأكبر [4] والمعصوم من عصمه الله [5] وقد جال هذا الرجل بخراسان، وما وراء النهر، والهند، وزرع في كل ناحية زندقة، فكانوا
__________
[1] (2/ 144) .
[2] تحرفت في «العبر» إلى «تطوّف» فتصحح فيه.
[3] في «العبر» : «والترهب» .
[4] في «العبر» : «مثل الدجال الأكبر» .
[5] في «العبر» : «من عصم الله» .

(4/41)


يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد التّرك بالمقيت، لبعد الدّيار [1] عن الإيمان. وأما البلاد القريبة فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان [2] بالشيخ حلّاج الأسرار، وسمّاه أشياعه ببغداد المصطلم، وبالبصرة المحير [3] ، ثم سكن بغداد في حدود الثلاثمائة وقبلها، واشترى أملاكا [4] وبنى دارا، وأخذ يدعو النّاس إلى أمور، فقامت عليه الكبار، ووقع بينه وبين الشّبلي، والفقيه محمد بن داود الظاهري، والوزير علي بن عيسى، الذي كان في وزارته، كابن هبيرة في وزارته، علما، ودينا، وعدلا، فقال ناس: ساحر فأصابوا، وقال ناس: به مسّ من الجن، فما أبعدوا، لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر من عاقل، إذ ذلك موجب حتفه، أو هو كالمصروع أو المصاب، الذي يخبر بالمغيّبات، ولا يتعاطى بذلك حالا، ولا أنّ ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات. وقال ناس من الأغتام [5] : بل هذا رجل عارف، وليّ لله، صاحب كرامات، فليقل ما شاء، فجهلوا من وجهين أحدهما أنه وليّ، والثاني أن الولي يقول ما شاء، فلن يقول إلا الحق، وهذه بليّة عظيمة، ومرضة مزمنة، أعيا الأطباء داؤها [6] ، وراج بهرجها، وعزّ ناقدها، والله المستعان.
قال أحمد بن يوسف التنوخي الأزرق: كان الحلّاج يدعو كل وقت إلى شيء، على حسب ما يستبله طائفة.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «لبعد الدار» وأثبت ما في «العبر» (2/ 144) .
[2] تصحفت في المطبوع إلى «خوزستان» .
[3] كذا في الأصل والمطبوع و «البداية والنهاية» (11/ 133) : «المحير» وفي «العبر» : «المجير» .
[4] قوله «واشترى أملاكا» لم يرد في «العبر» للذهبي.
[5] قال ابن منظور: الغتمة: عجمة في المنطق. ورجل أغتم وغتميّ: لا يفصح شيئا. «لسان العرب» (غتم) .
[6] في «العبر» : «دواؤها» .

(4/42)


أخبرني جماعة من أصحابه، أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرج لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم، ويسمّيها دراهم القدرة، حدّث الجبائيّ بذلك فقال: هذه الأشياء تمكن [1] الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم، وكلّفوه أن يخرج منه جرزتي شوك، فبلغ الحلّاج قوله، فخرج من الأهواز.
وروي عن عمرو بن عثمان المكّي، أنه لعن الحلّاج وقال: قرأت آية من القرآن، فقال: يمكنني أن أؤلّف مثلها.
وقال أبو يعقوب الأقطع: زوّجت بنتي بالحلّاج فبان لي بعد أنه ساحر محتال.
وقال الصّولي: جالست الحلّاج، فرأيت جاهلا يتعاقل، وعييا [2] يتبالغ، وفاجرا يتزهد.
وكان ظاهره أنه ناسك، فإذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا، أو يرون التشيّع تشيّع، أو يرون التّسنّن تسنّن، وكان يعرف الشعبذة، والكيمياء، والطب، ويتنقل في البلدان، ويدّعي الربوبية، ويقول للواحد من أصحابه: أنت آدم، ولذا أنت نوح، ولهذا أنت محمد، ويدّعي التناسخ، وأن أرواح الأنبياء انتقلت إليهم.
وقال الصّولي أيضا: قبض عليّ الرّاسبي أمير الأهواز على الحلّاج في سنة إحدى وثلاثمائة، وكتب إلى بغداد، يذكر أن البيّنة قامت عنده أن الحلّاج يدّعي الربوبية ويقول بالحلول، فحبس مدة، وكان يري الجاهل شيئا من
__________
[1] في «العبر» : «يمكن» .
[2] أي لم يهتد لوجه مراده، أو عجز عنه، ولم يطق إحكامه. انظر «لسان العرب» (عيا) . وفي «العبر» و «البداية والنهاية» (11/ 139) : «وغبيا» .

(4/43)


شعبذته، فإذا وثق به، دعاه إلى أنه إله، ثم قيل: إنه سنّي وإنما يريد قتله الرافضة، ودافع عنه نصر الحاجب قال: وكان في كتبه إنه مغرق قوم نوح، ومهلك عاد وثمود.
وكان الوزير حامد، قد وجد له كتابا فيه: أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك، أغناه ذلك [1] عن الصوم، والصلاة، والحج، فقام عليه حامد فقتل. وأفتى جماعة من العلماء بقتله، وبعث حامد بن العبّاس بخطوطهم إلى المقتدر، فتوقف المقتدر، فراسله، أن هذا قد ذاع كفره وادّعاؤه الربوبية، وإن لم يقتل افتتن به الناس، فأذن في قتله، فطلب الوزير صاحب الشرطة، وأمره أن يضربه ألف سوط، فإن لم يمت وإلا قطع أربعته [2] ، فأحضر وهو يتبختر في قيده، فضرب ألف سوط ثم قطع يده ورجله، ثم حزّ رأسه وأحرقت جثته.
وقال ثابت بن سنان: انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلّاج، وأنه قد موّه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر، بأنه يحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد، وكان محبوسا بدار الخلافة فأحضر جماعة إلى حامد، فاعترفوا أن الحلّاج إله، وأنه يحيي الموتى، ثم وافقوه وكاشفوه [فأنكر] [3] . وكانت زوجة السمري عنده في الاعتقال، فأحضرها حامد فسألها، فقالت: قد قال مرّة: زوّجتك بابني وهو بنيسابور، فإن جرى [4] منه ما تكرهين فصومي واصعدي على السطح على الرماد، وأفطري على الملح، واذكري ما تكرهينه، فإني أسمع وأرى.
قالت: وكنت نائمة وهو قريب منّي، فما أحسست إلا وقد غشيني،
__________
[1] لفظة «ذلك» لم ترد في «العبر» (2/ 147) .
[2] في «العبر» (2/ 148) : «فإن مات وإلا قطع أربعته» .
[3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» للذهبي.
[4] في الأصل والمطبوع: «وإن جرى» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي.

(4/44)


فانتبهت فزعة، فقال: إنما جئت لأوقظك للصلاة.
وقالت لي بنته يوما: اسجدي له، فقلت: أو يسجد أحد لغير الله، وهو يسمعني، فقال: نعم إله في السماء وإله في الأرض.
وقال ابن باكويه: سمعت أحمد [1] بن الحلاج يقول: سمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي: رأيت ربّ العزّة في المنام، فقلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ قال: كاشفته بمعنى، فدعا الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت.
وقال يوسف بن يعقوب النّعماني: سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول: إن كان ما أنزل الله على نبيّه حقا [2] ، فما يقول الحلاج باطل.
وعن أبي بكر بن سعدان، قال لي الحلّاج: تؤمن بي حتّى أبعث لك بعصفورة، تطرح من ذرقها [وزن حبّة] [3] على كذا منّا نحاسا فيصير ذهبا.
قلت: أفتؤمن بي حتّى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه، أخفيته في عينك، فأبهته، وكان مموّها مشعوذا. انتهى كلام «العبر» [4] بحروفه.
وفي «تاريخ ابن كثير» [5] قال: وقد صحب الحلّاج جماعة من سادات المشايخ، كالجنيد، وعمرو بن عثمان المكّي، وأبي الحسين النوري.
قال الخطيب البغدادي [6] : والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى أن
__________
[1] تحرف في المطبوع إلى «حمد» .
[2] في الأصل: «حق» وما أثبتناه من المطبوع و «العبر» .
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي (2/ 149) .
[4] (2/ 144- 150) .
[5] يعني «البداية والنهاية» وقد نقل المؤلف عنه (11/ 132) .
[6] انظر «تاريخ بغداد» (8/ 112) .

(4/45)


يكون الحلّاج منهم [وأبى أن يعدّه فيهم] [1] ، وقبله أبو العبّاس بن عطاء [البغدادي] ومحمد بن خفيف [2] الشيرازي، وأبو القاسم النّصرآباذي [النيسابوري] ، وصححوا حاله، ودوّنوا كلامه، حتّى قال ابن خفيف:
الحسين بن منصور عالم رباني [3] .
وعوتب النّصرآباذي في شيء حكي عن الحلّاج في الروح، فقال: إن كان بعد النبيين والصدّيقين موحّد فهو الحلّاج.
وقال السّلميّ: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول:
كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا، إلا أنه أظهر وكتمت.
قال الخطيب: والذي نفاه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته وعقده. وأجمع الفقهاء ببغداد أنه قتل كافرا، وكان ممخرقا مموّها مشعبذا، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه، ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه، وغرّهم ظاهره ولم يطّلعوا على باطنه ولا باطن قوله. ولما أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلّاج بن منصور:
سبحان من أظهر ناسوته ... سرّ سنا لاهوته الثّاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب
حتّى لقد عاينه خلقه ... كلحظة [4] الحاجب بالحاجب
[5]
__________
[1] ما بين حاصرتين استدركته من «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» .
[2] في الأصل والمطبوع: «محمد بن جعفر» وهو خطأ والتصحيح من «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (462- 466) .
[3] في الأصل والمطبوع: «وهو محمد بن جعفر الشيرازي: الحسين بن منصور عالم رباني» وذلك خطأ ووهم من النسّاخ، وأبقيت النص كما جاء في «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» .
[4] في الأصل والمطبوع: «كخطة» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» و «البداية والنهاية» .
[5] الأبيات في «تاريخ بغداد» (8/ 129) و «البداية والنهاية» (11/ 134) .

(4/46)


فقال ابن خفيف: على من يقول هذا لعنة الله؟ فقيل له: إن هذا من شعر الحلّاج، فقال: قد يكون مقولا عليه.
ولما كان يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة، أحضر الحلّاج إلى مجلس [1] الشرطة بالجانب الغربي فضرب نحو ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنّار. ونصب رأسه على سور الجسر الجديد، وعلّقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.
وذكر السّلميّ بإسناده [2] ، قال أبو بكر بن ممشاذ [3] : حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلّاج عنوانه: من الرحيم الرحمن إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به، فبعث بالكتاب إلى بغداد، فسئل الحلّاج عن ذلك فأقرّ أنه كتبه، وعلى هذا جرى ما جرى.
انتهى ما قاله ابن كثير، نقله عنه السخاوي.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدميّ [4] الزاهد أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالاجتهاد في العبادة.
قيل: إنه كان ينام في اليوم والليلة ساعتين، ويختم القرآن كل يوم.
سئل ما المروءة؟ قال: أن لا يستكثر له عملا.
وقال: من ألزم نفسه آداب السّنّة نوّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب [صلى الله عليه وسلم] [5] في أوامره، وأفعاله، وأخلاقه،
__________
[1] في «البداية والنهاية» : «محل» .
[2] في المطبوع: «بسنده» .
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن ممشاد» وهو تصحيف، والتصحيح من «طبقات الصوفية» ص (509) .
[4] تحرّفت في «العبر» (2/ 150) إلى «الأزدي» فتصحح فيه. وانظر «طبقات الصوفية» ص (265- 272) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 255- 256) .
[5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات الصوفية» ص (268) .

(4/47)


والتأدّب بآدابه قولا وفعلا، وعزما، ونيّة، وعقدا.
وقال: العلم الأكبر، الهيبة والحياء، فمن عرّي منهما [1] عرّي عن الخيرات.
وقال: من حرم الآداب حرم جوامع الخيرات.
وقال: أصحّ العقول، عقل وافق التوفيق، وشرّ الطاعات طاعة أورثت عجبا، وخير الذنوب، ذنب أعقب توبة وندما.
توفي في ذي القعدة بالعراق.
وفيها حامد بن محمد بن شعيب أبو العبّاس البلخيّ [2] المؤدّب ببغداد. روى عن سريج بن يونس [3] وطائفة، وكان ثقة. عاش ثلاثا وتسعين سنة.
وعمر بن إسماعيل [4] بن أبي غيلان، أبو حفص، الثقفيّ البغداديّ.
سمع علي بن الجعد وجماعة، ووثّقه الخطيب.
وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن المكرم [5] البغداديّ بالبصرة، وكان أحد الحفّاظ المبرّزين. روى عن بشر بن الوليد وطبقته.
وفيها عبد الرّحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلّبيّ الأزديّ [6] أبو محمد، وكان من الثقات الحفّاظ، والأثبات الأيقاظ.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «عنهما» وما أثبتناه من «طبقات الصوفية» ص (269) .
[2] انظر «العبر» (2/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 291) .
[3] في الأصل والمطبوع، و «العبر» : «شريح بن يونس» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تقريب التهذيب» ص (229) .
[4] في الأصل والمطبوع: «عمرو بن إسماعيل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (14/ 186) .
[5] في «العبر» (2/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 286) و «ابن مكرم» .
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 222- 223) .

(4/48)


ومحمد بن خلف بن المرزبان [1] أبو بكر البغداديّ الأخباريّ، صاحب التصانيف. روى عن الزّبير بن بكّار وطبقته، وكان صدوقا.
وفيها محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي [2] ، مولاهم، أبو بكر، الأصبهاني، ابن معدان. كان حافظا رحّالا، كثير المصنفات.
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 264- 265) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 404- 405) .

(4/49)


سنة عشر وثلاثمائة
فيها كما قال [1] في «الشذور» انبثق بواسط تسعة عشر بثقا [2] أصغرها مائتا ذراع وأكبرها ألف ذراع، وغرق من أمهات القرى ألف وثلاثمائة قرية. انتهى.
وفيها توفي الحافظ الكبير الثقة، أبو جعفر، أحمد بن يحيى [بن زهير التّستري] [3] . سمع أبا كريب وطبقته، وروى عنه ابن حبّان، والطبراني، وكان مع حفظه زاهدا خيّرا.
قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ: ما رأيت أحفظ منه.
وقال ابن المقرئ فيه: حدّثنا تاج المحدّثين، فذكر حديثا.
وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو يعقوب، الأصبهانيّ [4] ، الرّاوي عن أحمد بن منيع «مسنده» عن سنّ عالية.
__________
[1] القائل الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي في «شذور العقود في تاريخ العهود» .
[2] قال ابن منظور: البثق: كسرك شطّ النهر لينشق الماء. [وقال] ابن سيدة: بثق شقّ النهر يبثقه بثقا كسره لينبعث ماؤه. واسم ذلك الموضع البثق والبثق. وقيل: هما منبعث الماء، وجمعه بثوق.
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 151) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 362- 365) .
[4] انظر «العبر» (2/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 265- 266) .

(4/50)


قال حفيده عبيد الله بن يعقوب: عاش جدّي مائة وسبع عشرة سنة.
وفيها أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبه البغدادي [1] بمصر. روى عن محمد بن بكّار بن الرّيّان وطائفة.
قال في «المغني» [2] : داود بن إبراهيم بن روزبه، أبو شيبة. معروف صدوق، أخطأ ابن الجوزي ووهاه مرّة، على أنه لم يذكره في الضعفاء انتهى.
وفيها علي بن العبّاس البجلي الكوفي المقانعي [3] ، أبو الحسن.
روى عن أبي كريب وطبقته.
وفيها على الصحيح، أو في سنة إحدى عشرة أو ست عشرة، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السّريّ بن سهل الزّجّاج [4] النحوي.
قال ابن خلّكان [5] : كان من أهل العلم والأدب والدين المتين [6] ، وصنّف كتابا في معاني القرآن، وله كتاب «الأمالي» وكتاب «ما فسّر من جامع [7] المنطق» وكتاب «الاشتقاق» وكتاب «العروض» وكتاب «النوادر» وكتاب «الأنواء» وغيرها.
وأخذ الأدب عن المبرّد، وثعلب، وكان يخرط الزّجاج، ثم تركه واشتغل بالأدب، فنسب إليه. واختصّ بصحبة الوزير عبيد الله بن سليمان، وعلّم ولده
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 244- 245) .
[2] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 216) .
[3] انظر «العبر» (1/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 430) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 360) ومقدمة الأستاذ أحمد يوسف الدقاق لكتاب المترجم «تفسير أسماء الله الحسنى» ص (17- 20) طبع دار المأمون للتراث بدمشق.
[5] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 49- 50) والمؤلف ينقل عنه باختصار وتصرف.
[6] في «وفيات الأعيان» : «من أهل العلم بالأدب والدّين المتين» .
[7] في الأصل المطبوع: «من جمع» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .

(4/51)


القاسم الأدب. ولما استوزر القاسم أفاد بطريقته [1] مالا جزيلا.
وحكى أبو علي الفارسي النحوي قال: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد الخادم فسارّه بسرّ استبشر له [2] ، ثم نهض فلم يكن بأسرع من [أن] [3] عاد وفي وجهه أثر الوجوم، فسأله شيخنا عن ذلك، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى القينات، فسمتها أن تبيعني إياها، فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها بأن تهديها إليّ رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما جاءت أعلمني الخادم بذلك، فنهضت مستبشرا لافتضاضها، فوجدتها قد حاضت، فكان منّي ما ترى، فأخذ شيخنا الدواة وكتب:
فارس ماض بحربته ... حاذق بالطعن بالظّلم
رام أن يدمي فريسته ... فاتّقته من دم بدم
[4] انتهى ملخصا.
وفيها أبو بشر الدّولابي، وهو محمد بن أحمد بن حمّاد الأنصاري الرّازي الحافظ [5] صاحب التصانيف. روى عن بندار محمد بن بشّار وخلق.
وعاش ستّا وثمانين سنة.
قال أبو سعيد بن يونس: كان من أهل الصنعة، وكان يضعّف. وروى عنه ابن أبي حاتم، وابن حبّان، والطبراني.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «بطريقة» .
[2] في الأصل: «فسره بسرّ فاستبشره» وفي المطبوع: «فساه بسرّ فاستبشره» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان»
[4] قلت: البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 289- 290) وقد نسبهما ابن خلّكان للمأمون العباسي نقلا عن «الكنايات» للجرجاني فراجعه.
[5] انظر «العبر» (2/ 151- 152) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 309- 311) .

(4/52)


قال الدارقطني: تكلموا فيه.
وقال ابن عدي: ابن حمّاد متّهم. قاله ابن بردس.
توفي الدّولابيّ بين مكّة والمدينة.
وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري [1] صاحب «التفسير» و «التاريخ» والمصنفات الكثيرة. سمع إسحاق بن [أبي] [2] إسرائيل، ومحمد بن حميد الرّازي وطبقتهما. وكان مجتهدا لا يقلّد أحدا.
قاله في «العبر» .
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير.
وقال أبو حامد الإسفراييني [3] الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين، حتّى يحصّل تفسير محمد بن جرير، لم يكن كثيرا.
وكذلك أثنى ابن تيميّة على تفسيره للغاية. ومولده بآمل طبرستان [4] سنة أربع وعشرين ومائتين، وتوفي ليومين بقيا من شوّال، وكان ذا زهد وقناعة. وتوفي ببغداد.
وممّن أخذ عنه العلم، مخلد [بن جعفر] الباقرحي [5] والطبراني، وخلق.
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 267- 282) .
[2] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3] في المطبوع: «الإسفرائني» .
[4] وكانت آمل أكبر مدن إقليم طبرستان، وتقع الآن في الشمال الأوسط من إيران. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 57) و «الأنساب» للسمعاني (1/ 22) .
[5] في الأصل: «محمد الباقزحي» وفي المطبوع: «محمد الباقرحي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (2/ 162) و «تهذيب الأسماء واللغات « (1/ 78) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 269) و «تذكرة الحفاظ» (1/ 710) .

(4/53)


قال الخطيب [1] : كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله [2] جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وذكر له ترجمة طويلة.
وفيها على الصحيح، العالم المحدّث، أبو العبّاس، محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني [3] محدّث فلسطين. روى عن صفوان بن صالح المؤذّن، ومحمد بن رمح والكبار. وعنه ابن عدي، وأبو علي النّيسابوري، وخلق. وكان حافظا ثقة ثبتا.
وفيها تقريبا، أبو عمران الرّقّي، موسى بن جرير [4] المقرئ النحوي، صاحب أبي شعيب السّوسي [5] تصدّر للإقراء مدة.
وفيها الوليد بن أبان الحافظ، أبو العبّاس، الأصبهاني [6] بأصبهان، وكان ثقة. صنّف «المسند» و «التفسير» وطوّف الكثير، وحدّث عن أحمد بن الفرات الرّازي وطبقته. وعنه أبو الشيخ، والطبراني، وأهل أصبهان.
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 163) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
[2] في «تاريخ بغداد» : «وكان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله» .
[3] انظر «العبر» (1/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 292- 293) .
[4] انظر «العبر» (2/ 151) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 245- 246) .
[5] هو صالح بن زياد السّوسي، وقد تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (268) فراجعها.
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 288- 289) .

(4/54)