شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست عشرة وثلاثمائة
فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها، ثم نازل الرّقّة وقتل جماعة بربضها، وتحوّل إلى هيت، فرجموه [1] بالحجارة، وقتلوا صاحبه أبا الزوّار، فسار إلى الكوفة [2] ، ثم انصرف وبنى دارا سمّاها دار الهجرة، ودعا إلى المهديّ، وتسارع إليه كل مريب، ولم يحج أحد، ووقع بين المقتدر وبين مؤنس الخادم، واستعفى ابن عيسى من الوزارة، وولي بعده أبو علي بن مقلة الكاتب.
وفيها توفي بنان الحمّال بن محمد بن حمدان بن سعيد، أبو الحسن [3] الزاهد الواسطي، نزيل مصر وشيخها. كان ذا منزلة عظيمة في النفوس، وكانوا يضربون بعبادته المثل. صحب الجنيد، وحدّث عن الحسن بن محمد الزّعفراني وجماعة. وثّقه أبو سعيد بن يونس وقال: توفي [4] في رمضان وخرج في جنازته أكثر أهل مصر، وكان شيئا عجيبا.
وقال السيوطي في «حسن المحاضرة» [5] : جاءه رجل فقال: لي على
__________
[1] في «العبر» : «فرموه» .
[2] قوله: «وقتلوا صاحبه أبا الزوار، فسار إلى الكوفة» سقط من «العبر» طبع الكويت.
[3] انظر «العبر» (2/ 169- 170) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 488- 490) .
[4] قوله: «وقال توفي» سقط من «العبر» المطبوع في الكويت.
[5] (1/ 513) .

(4/76)


رجل مائة دينار، وقد ذهبت الوثيقة، وأخشى أن ينكر، فادع لي. فقال له:
إني رجل قد كبرت، وأنا أحبّ الحلوى، فاذهب فاشتر لي رطلا وأتني به حتّى أدعو لك، فذهب الرجل فاشترى، فوضع له البائع الحلوى في ورقة، فإذا هي وثيقته بالمائة دينار، فجاء إلى الشيخ فأخبره، فقال: خذ الحلوى فأطعمها صبيانك.
وقال السخاوي [1] : هو من جلّة المشايخ، والقائلين بالحق، له المقامات المشهورة، والآيات المذكورة. كان أستاذ أبي الحسن النّوري.
قال بنان: من كان يسرّه ما يضرّه متى يفلح؟.
وقال: إن أفردته [2] بالرّبوبية، أفردك بالعناية. والأمر بيدك، إن نصحت صافوك، وإن خلّطت جافوك [3] .
وقال: أجلّ أحوال الصوفية الثّقة بالمضمون، والقيام بالأوامر، ومراعاة السّر، والتخلّي عن الكونين بالتشبّث بالحق.
وقال: رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب جملة [4] يؤدّي بصاحبه إلى ركوب البواطل.
وقال: ليس بمتحقّق في الحبّ من راقب أوقاته، أو تحمّل [5] في كتمان حبه، حتّى يهتك [6] ويفتضح ويخلع العذار، ولا يبالي عمّا يرد عليه
__________
[1] لعل المؤلف ينقل عن «طبقات الصوفية» للسلمي باختصار. انظره ص (291- 294) .
[2] يعني إن أفردت الله عزّ وجلّ.
[3] في الأصل والمطبوع: «خلوك» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (293) .
[4] لفظة «جملة» تقدمت سهوا في الأصل والمطبوع فأثبتت إلى جوار لفظة «الأسباب» التي مضت قبل سطر، فأعدتها إلى مكانها الصحيح معتمدا في ذلك على «طبقات الصوفية» ص (294) .
[5] في الأصل والمطبوع: «تجمل» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (294) .
[6] في «طبقات الصوفية» : «ينهتك» والهتك: خرق السّتر.

(4/77)


من جهة محبوبه أو بسببه، ويتلذذ بالبلاء [في الحبّ] [1] كما يتلذذ [2] الأغيار بأسباب النعم.
وأنشد على أثره:
لحاني العاذلون فقلت مهلا ... فإنّي لا أرى في الحبّ عارا
وقالوا قد خلعت فقلت لسنا ... بأول خالع خلع العذارا
وأسند في «الحلية» [3] عن أبي علي الرّوذباري قال: كان سبب دخولي مصر حكاية بنان، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف، فأمر أن يلقى بين يدي السبع، فجعل السبع يشمّه ولا يضرّه، فلما أخرج من بين يدي السبع، قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمّك السبع؟ قال: كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها.
واحتال عليه أبو عبيد الله القاضي، حتّى ضرب سبع درر، فقال له:
حبسك الله بكل درّة سنة. فحبسه ابن طولون سبع سنين.
ومن كلامه: الحرّ عبد ما طمع، والعبد حر ما قنع [4] .
وبنان: بضم الباء الموحدة ونون، وبعد الألف نون، ولقّب بالحمّال لأنه خرج إلى الحج سنة وحمل على رقبته زاده، وكان متوكلا، فرأته عجوز في البادية فقالت: أنت حمّال ما أنت متوكل. ما ظننت أن الله يرزقك حتّى حملت إلى بيته.
وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ السّجستاني [5] بن الحافظ. ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين، ونشأ بنيسابور
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات الصوفية» .
[2] في المطبوع: «كما تتلذذ» .
[3] انظر «حلية الأولياء» (10/ 324) .
[4] ورد قوله هذا في المطبوع على هيئة بيت الشعر، والصواب ما جاء في الأصل وهو موافق لما في «حلية الأولياء» مصدر المؤلف.
[5] انظر «العبر» (2/ 170- 171) و «سير أعلام النبلاء» (13/ 221- 237) .

(4/78)


وغيرها وسمع من محمد بن أسلم الطّوسي، وعيسى بن زغبة، وخلائق بخراسان، والشام، والحجاز، ومصر، والعراق، وأصبهان. وجمع وصنّف، وكان عنده عن أبي سعيد الأشجّ ثلاثون ألف حديث. وحدّث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألف حديث.
وقال ابن شاهين: كان ابن أبي داود يملي علينا من حفظه، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي، ويقعد تحته بدرجة ابنه أبو معمر، وبيده كتاب يقول له: حديث كذا، فيسرد من حفظه، حتّى يأتي على المجلس.
وقال محمد بن عبد الله بن الشّخّير: كان زاهدا ناسكا.
وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود: صلّي على أبي ثمانين مرة.
وممّن روى عنه ابن المظفر، والدارقطني، وأبو أحمد الحاكم وغيرهم.
وقال في «المغني» [1] : عبد الله بن سليمان السجستاني، ثقة، كذبه أبوه في غير حديث. انتهى [2] .
وفيها محمد بن خريم أبو بكر العقيلي [3] محدّث دمشق، في جمادى الآخرة، روى عن هشام بن عمّار وجماعة.
وفيها العلّامة أبو بكر بن السّرّاج، واسمه محمد بن السّريّ [4] البغدادي النحوي، صاحب الأصول في العربية. له مصنفات كثيرة، منها «شرح كتاب سيبويه» أخذ عن المبرّد وغيره، وأخذ عنه السيرافي وغيره، ونقل عنه الجوهري في «صحاحه» .
__________
[1] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 341) .
[2] أقول: وانظر «لسان الميزان» لابن حجر (3/ 297) حيث قال: إنما ذكرته لأنزهه. (ع) .
[3] انظر «العبر» (2/ 171) و «تلخيص المتشابه» للخطيب البغدادي (1/ 268- 269) بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي، طبع دار طلاس بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 428- 429) .
[4] انظر «العبر» (2/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 483- 484) .

(4/79)


قال في «العبر» [1] : كان مغرى بالطرب والموسيقا. انتهى.
وقال ابن الأهدل: من شعره:
ميّزت بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخيانة [2] لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا ... وكأنما حلفت لنا أن لا تفي
والله لا كلّمتها ولو انها ... كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي
قال اليافعي [3] : يحسن استعارة هذه الأبيات لوصف الدنيا.
وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي [4] الحافظ، شيخ بلخ ومحدّثها. صنّف «المسند» و «التاريخ» وغير ذلك. وسمع علي بن خشرم، وعبّاد بن الوليد الغبري وطبقتهما. ومنه [محمد بن] عبد الله الهندواني، وعبد الرحمن بن أبي شريح. وكان حسن الحديث.
وفيها أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني [5] الحافظ، صاحب «الصحيح المسند» . رحل إلى الشام، والحجاز، واليمن، ومصر، والجزيرة، والعراق، وفارس، وأصبهان. وروى عن يونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حرب وطبقتهما. وعنه أبو علي النيسابوري، والطبراني. ثقة جليل، وعلى قبره مشهد بإسفرايين، وكان مع حفظه فقيها شافعيا إماما.
__________
[1] (2/ 171) .
[2] في الأصل والمطبوع: «بالجناية» وما أثبته من «إنباه الرواة» للقفطي (3/ 147) و «وفيات الأعيان» (4/ 340) و «غربال الزمان» للعامري ص (277) و «مرآة الجنان» (2/ 270) . وفيه البيتان الأول والثاني فقط، وانظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (471) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
[3] انظر «مرآة الجنان» (2/ 270) وفيه قال اليافعي: وهذان البيتان يحسن استعارتهما لوصف الدنيا. وقيل إنهما لابن المعتز، وقيل لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر.
[4] انظر «العبر» (2/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (4/ 415- 416) .
[5] انظر «العبر» (2/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 417- 422) .

(4/80)


سنة سبع عشرة وثلاثمائة
فيها حجّ بالنّاس منصور الدّيلمي، فدخلوا مكّة سالمين، فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي، فقتل الحجيج قتلا ذريعا في المسجد، وفي فجاج مكة. وقتل أمير مكّة ابن محارب، وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر، وكان معه تسعمائة نفس، فقتلوا في المسجد ألفا وسبعمائة نسمة، وصعد على باب البيت وصاح:
أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وقيل: إن الذي قتل بفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا، وسبي من النساء والصبيان نحو ذلك، وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد.
قال محمود الأصبهاني: دخل قرمطيّ وهو سكران، فصفّر لفرسه فبال عند البيت، وقتل جماعة، ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسر منه قطعة، ثم قلعه، وبقي الحجر الأسود بهجر نيّفا وعشرين سنة [1] .
وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي [2] ، شيخ
__________
[1] انظر الخبر برواية أخرى في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 207- 208) و «النجوم الزاهرة» (3/ 224- 226) و «شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد بن حنبل» للسفاريني (1/ 230) المطبوع في المكتب الإسلامي بدمشق.
[2] في الأصل والمطبوع: «البرذعي» بالذال وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (4/ 99) و «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (141) و «العبر» (2/ 174) . و «الجواهر المضية» (1/ 163) .

(4/81)


حنفية بغداد. أخذ عنه أبو الحسن الكرخي، وقد ناظر مرة [1] داود الظاهري، فقطع داود. لكنه معتزلي.
وفيها الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد الجارودي بن أحمد بن عمّار الجارودي الهروي [2] قتل بباب الكعبة، وهو آخذ بحلقة الباب. روى عن أحمد بن نجدة وطبقته، ومات كهلا.
وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم أبو عمرو الجبّري [3] نسبة إلى جبّر بالفتح والتشديد جد كان أحمد هذا مزكّى من كبار مشايخ نيسابور ورؤسائها. روى عن محمد بن رافع، والكوسج ورحل وطوّف، وتوفي في ذي القعدة.
وحرميّ بن أبي العلاء المكّي [4] ، نزيل بغداد، وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أبي خميصة الشّروطيّ [5] كاتب أبي عمر القاضي. روى «كتاب النّسب» عن الزّبير بن بكّار.
__________
و «العقد الثمين» (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (3/ 226) و «الطبقات السنية في تراجم الحنفية» (1/ 394) و «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» ص (19)
[1] في الأصل والمطبوع: «وقد ناهز أمره» والتصحيح من «العبر» .
[2] انظر «العبر» (2/ 175) و «الأنساب» (3/ 159) .
[3] تنبيه: كذا في الأصل والمطبوع: «الجبّري» وهو خطأ، وتبع المؤلف في ذلك محقق «العبر» (2/ 175) طبع الكويت فنقل ضبط ابن العماد لنسبته ودونه في حاشيته، وحرّف النسبة في المتن، والصواب «الحيري» كما جاء على الصواب في «تهذيب الكمال» (2/ 476) فيمن روى عن (إسحاق بن منصور الكوسج) و «تذكرة الحفاظ» (3/ 798) و «توضيح المشتبه» (2/ 395) من المنسوخ، وقد أذن لي بالاطلاع عليه محققه الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقوسي، جزاه الله تعالى خيرا.
[4] انظر «العبر» (2/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 485- 486)
[5] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 321) : هذه النسبة لمن يكتب الصّكاك والسّجلات، لأنها مشتملة على الشروط، فقيل لمن يكتبها «الشروطي» .

(4/82)


وفيها القاضي المعمّر، أبو القاسم، بدر بن الهيثم اللّخميّ الكوفيّ [1] ، نزيل بغداد. روى عن أبي كريب وجماعة.
قال الدارقطني: كان نبيلا، بلغ مائة وسبع عشرة سنة.
وفيها الحسن بن محمد أبو علي الدّاركي [2] محدّث أصبهان في جمادى الآخرة. روى عن محمد بن حميد الرّازي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وطائفة.
وفيها البغويّ، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز [3] ليلة عيد الفطر ببغداد، وله مائة وثلاث سنين وشهر، وكان محدّثا حافظا مجوّدا مصنّفا. انتهى إليه علوّ الإسناد في الدّنيا، فإنه سمع في الصغر بعناية جدّه لأمه، أحمد بن منيع، وعمّه علي بن عبد العزيز، وحضر مجلس عاصم بن علي، وروى الكثير عن علي بن الجعد، ويحيى الحمّاني، وأبي نصر التّمار، وعلي بن المديني، وخلق. وأول ما كتب الحديث سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان ناسخا مليح الخط، نسخ الكثير لنفسه ولجده [وعمّه] [4] .
وفيها علي بن أحمد بن سليمان الصّيقل، أبو الحسن المصري، ولقبه علّان المعدّل [5] روى عن محمد بن رمح وطائفة، وتوفي في شوّال عن تسعين سنة.
وفيها محمد بن أحمد بن زهير، أبو الحسن الطّوسي [6] ، حافظ مصنّف، سمع إسحاق الكوسج، وعبد الله بن هاشم، وطبقتهما.
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 530- 531) .
[2] «العبر» (2/ 176) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 486) .
[3] «العبر» (2/ 176) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 440- 457) .
[4] زيادة من «العبر» .
[5] «العبر» (2/ 176- 177) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 496) .
[6] «العبر» (2/ 177) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 493- 494) .

(4/83)


وفيها محمد بن زبّان [1] بن حبيب أبو بكر المصري [2] في جمادى الأولى. سمع زكريا بن يحيى كاتب العمري، ومحمد بن رمح، وعاش اثنتين وتسعين سنة.
وفيها المنجم المشهور صاحب الزّيج والأعمال، محمد بن جابر البتّاني [3] توفي بموضع يقال له الحضر، وهي مدينة بقرب الموصل [4] وهي مملكة السّاطرون [5] وكان حاصرها أزدشير وقتله وأخذها. ذكره ابن هشام في «السيرة» [6] .
وفيها نصر بن أحمد البصري [الخبز أرزّيّ] الشاعر [7] وكان أميّا وله الأشعار الفائقة منها:
خليليّ هل أبصرتما أو سمعتما ... بأحسن [8] من مولى تمشّى إلى عبد
أتى زائرا من غير وعد وقال لي ... أجلّك عن تعليق قلبك بالوعد
فما زال نجم الوصل بيني وبينه ... يدور بأفلاك السعادة والسعد
__________
[1] في «العبر» بطبعتيه: «ابن ريّان» .
[2] «العبر» (2/ 177) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 519- 520) .
[3] في الأصل والمطبوع: «التباني» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» ص (279) مصدر المؤلف. وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 518- 519) و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 608) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة.
[4] وتقع الآن في الشمال الغربي من العراق إلى الجنوب من الموصل وتعرف الآن ب «عربايا» .
انظر «معجم ما استعجم» (1/ 453) و «معجم البلدان» (2/ 267- 268) و «أطلس التاريخ العربي» ص (9) .
[5] تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «الشاطرون» والتصحيح من «غربال الزمان» و «السيرة النبوية» و «معجم ما استعجم» .
[6] انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 71- 73) .
[7] «وفيات الأعيان» (5/ 376- 382) . وما بين حاصرتين زيادة منه وفي سنة وفاته خلاف، وقد بسط القول في ذلك العلّامة خير الدّين الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (8/ 21) فراجعه.
[8] في المراجع التي بين يدي: «بأكرم» .

(4/84)


سنة ثمان عشرة وثلاثمائة
هبت ريح من المغرب في آذار، وحملت رملا أحمر يشبه رمل الصاغة، فامتلأت منه أسواق بغداد في الجانبين وسطحها ومنازلها. قاله في «الشذور» .
وفيها توفي القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسّان التّنوخيّ الحنفيّ الأنباري الأديب [1] أحد الفصحاء البلغاء، وله سبع وثمانون سنة. روى عن أبي كريب وطبقته، وولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة، وله مصنف في نحو الكوفيين.
وفيها أحمد بن محمد بن المغلّس البزّاز [2] ، أخو جعفر. كان ثقة نبيلا، روى عن لوين، وعدة.
وفيها إسماعيل بن داود بن وردان المصري [3] . روى عن زكريّا كاتب العمري، ومحمد بن رمح، وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشّار بن العلّاف البغدادي
__________
[1] «العبر» (2/ 177) وانظر «الوافي بالوفيات» (6/ 235- 237) و «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (1/ 137- 142) .
[2] «العبر» (2/ 178) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 520- 521) .
[3] «العبر» (2/ 178) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 521- 522) .

(4/85)


المقرئ [1] صاحب الدّوري، وكان أديبا ظريفا نديما للمعتضد، ثم شاخ وعمي.
قال ابن خلّكان [2] : كان من الشعراء المجيدين. وحدّث عن أبي عمرو الدّوري المقرئ، وحميد بن مسعدة [3] البصري وغيرهما، وكان ينادم الإمام المعتضد بالله.
وحكى قال: بتّ ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه، فأتانا خادمه ليلا وقال: يقول أمير المؤمنين: أرقت الليلة بعد انصرافكم، فقلت:
ولما انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذا الدّار قفر [4] والمزار بعيد
وقال: قد أرتج عليّ تمامه، فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة.
قال: فأرتج على الجماعة، وكلهم شاعر فاضل، فابتدرت وقلت:
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعلّ خيالا طارقا سيعود
فرجع الخادم [إليه] ثم عاد، فقال: أمير المؤمنين يقول: لقد أحسنت، و [قد] أمر لك بجائزة.
وكان لأبي بكر المذكور هرّ يأنس به، وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل أفراخها [5] وكثر ذلك منه، فأمسكه أربابها وذبحوه، فرثاه بهذه القصيدة.
__________
[1] «العبر» (2/ 178) وانظر «وفيات الأعيان» (2/ 107- 111) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 514- 518) . و «نكت الهيمان» ص (139- 142) و «الوافي بالوفيات» (12/ 169- 173) .
[2] في «وفيات الأعيان» والمؤلف ينقل عنه بتصرف واختصار، وما بين حاصرتين زيادة منه.
[3] في الأصل والمطبوع: «وحميد بن سعيد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «نكت الهيمان» ص (139) و «سير أعلام النبلاء» وغيرها.
[4] في الأصل: «قفرى» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في المصادر التي بين يدي وهو الصواب.
[5] في «وفيات الأعيان» : «فراخها» .

(4/86)


وقد قيل: إنه رثى بها عبد الله بن المعتز، وخشي من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها، لأنه هو الذي قتله، فنسبها إلى الهرّ وعرّض به في أبيات منها، وكانت بينهما صحبة أكيدة.
وذكر صاعد اللغوي في كتاب «الفصوص» قال: حدّثني أبو الحسن المرزباني قال: هويت جارية لعلي بن عيسى غلاما لأبي بكر بن العلّاف الضرير، ففطن بهما فقتلا جميعا وسلخا وحشيت [1] جلودهما تبنا. فقال أبو بكر مولاه هذه القصيدة يرثيه [بها] وكنى عنه بالهرّ. وهي من أحسن الشعر وأبدعه، وعددها خمسة وستون بيتا، وطولها يمنع من الإتيان بجميعها فنأتي بمحاسنها، وفيها أبيات مشتملة على حكم فنأتي بها، وأولها:
يا هرّ فارقتنا ولم تعد ... وكنت عندي بمنزل الولد
فكيف ننفكّ عن هواك وقد ... صرت [2] لنا عدّة من العدد
تطرد عنّا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حيّة ومن جرد [3]
وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السّدد
يلقاك في البيت منهم مدد ... وأنت تلقاهم بلا مدد
لا عدد كان منك منفلتا ... منهم ولا واحد من العدد
وكان يجري ولا سداد لهم ... أمرك في بيتنا على السّدد
حتّى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد
وحمت حول الرّدى بظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد
وكان قلبي عليك مرتعدا ... وأنت تنساب غير مرتعد
تدخل برج الحمام متّئدا ... وتبلع الفرخ غير متئد [4]
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «وحشي» وأثبت ما في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
[2] في المراجع التي بين يدي: «كنت» .
[3] أقول الأصل أن يقول: «ومن جرذ» بالذال المعجمة، ضرب من الفأر، وقد ذكره بالدال لأجل القافية. (ع)
[4] في «الوافي بالوفيات» : «وتبلع اللحم غير مزدرد» .

(4/87)


أطعمك الغيّ لحمها فرأى ... قتلك أصحابها [1] من الرّشد
حتّى إذا داوموك واجتهدوا ... وساعد النصر كيد مجتهد
صادوك غيظا عليك وانتقموا ... منك وزادوا ومن يصد يصد
ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يرعووا إلى أحد
فلم تزل للحمام مرتصدا ... حتى سقيت الحمام بالرّصد
لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد
وكنت بدّدت شملهم زمنا ... فاجتمعوا بعد ذلك البدد [2]
كأنّ حبلا حوى بجودته ... جيدك للخنق كان من مسد
كأنّ عيني تراك مضطربا ... فيه وفي فيك رغوة الزّبد
وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة [3] ولم تجد
فجدت بالنفس والبخيل بها ... أنت ومن لم يجد بها تجد
فما سمعنا بمثل موتك إذ ... متّ ولا مثل عيشك [4] النّكد
عشت حريصا يقوده طمع ... ومتّ ذا قاتل بلا قود
فلم تخف وثبة الزّمان كما ... وثبت في البرج وثبة الأسد [5]
عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخّرت مدة من المدد
أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكلك الدّهر أكل مضطهد
هذا بعيد من القياس وما ... أعزّه في الدّنوّ والبعد
لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد
كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد
ما كان أغناك عن تصعّدك [6] ال ... برج ولو كان جنّة الخلد
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «أربابها» .
[2] تأخر هذا البيت في المراجع التي بين يدي إلى ما بعد أبيات عدّة.
[3] في «الوافي بالوفيات» : «على حيله» .
[4] في «سير أعلام النبلاء» : «ولا مثل حالك» .
[5] رواية البيت في الأصل والمطبوع و «وفيات الأعيان» تختلف قليلا عن روايتها في المراجع الأخرى.
[6] في «وفيات الأعيان» : «عن تسورك» وفي المراجع الأخرى: «عن تسلقك» .

(4/88)


قد كنت في نعمة وفي دعة ... من العزيز المهيمن الصّمد
تأكل من فأر بيتنا [1] رغدا ... وأين بالشّاكرين للرّغد
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا.
ومات عن مائة سنة.
وفيها أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السّلميّ الحرّاني [2] الحافظ، محدّث حرّان، وهو في عشر المائة. روى عن إسماعيل بن موسى السّدّي وطبقته. وعنه أبو حاتم بن حبّان، وأبو أحمد الحاكم، وكان عارفا بالرّجال. رحل إلى الجزيرة، والشام، والعراق. ورحل إليه النّاس.
وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبيّ الزاهد [3] نزيل دمشق.
صحب سريّا السّقطي. وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي، وأحمد بن أبي الحواري وطبقتهما.
قال أبو أحمد الحاكم: كان من عباد الله الصالحين.
وفيها أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني [4] الحافظ المصنّف، وله ثمانون سنة. روى عن الحسن بن محمد الزعفراني [والذّهلي] [5] ، وطبقتهما ورحل الكثير، وكان ثبتا مجوّدا.
وفيها محمد بن إبراهيم الحافظ الأوحد العلّامة أبو بكر بن إبراهيم بن
__________
[1] في «سير أعلام النبلاء» : «دارنا» .
[2] «العبر» (2/ 178- 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 510- 512) .
[3] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 513- 514) .
[4] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 547- 548) .
[5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» .

(4/89)


المنذر النيسابوري [1] شيخ الحرم [2] . روى عن محمد بن ميمون، ومحمد بن إسماعيل الصائغ وخلق، وعنه ابن المقرئ، ومحمد بن يحيى الدمياطي، وغيرهما. وكان مجتهدا لا يقلد أحدا، وله تآليف حسان.
قال ابن ناصر الدّين: هو شيخ الحرم ومفتيه، ثقة مجتهد فقيه.
وفيها محمد بن إبراهيم بن نيروز [3] ، أبو بكر الأنماطي [4] سمع أبا حفص [الفلّاس] وطبقته.
وفيها يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ الثقة الحجّة أبو محمد البغدادي [5] مولى بني هاشم، في ذي القعدة، وله تسعون سنة. عني بالأثر، وجمع وصنّف، وارتحل إلى الشام، والعراق، ومصر، والحجاز. وروى عن لوين وطبقته.
قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ. انتهى.
وممّن روى عنه: أبو القاسم البغوي، والدارقطني، وخلق.
وقال الدارقطني: هو ثقة ثبت حافظ.
__________
[1] وهو صاحب الكتب التي لم يصنّف مثلها، مثل «المبسوط» في الفقه، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا (ع) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 490- 492) .
[3] في «العبر» «فيروز» .
[4] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 9- 10) .
[5] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 501- 507) .

(4/90)


سنة تسع عشرة وثلاثمائة
فيها على ما قاله في «الشذور» قدم مؤتمن الخادم، وكان قد خاف من الهجري، فضلّ بالقافلة عن الجادة، فحدّث أصحابه أنهم رأوا في البرية آثارا عجيبة وصورا لناس من حجارة، ورأوا امرأة قائمة على تنّور، وهي من حجر والخبز من حجر. انتهى.
وفيها استولى مرداويج الدّيلمي على همذان، وبلاد الجبل، إلى حلوان، وهزم عسكر الخليفة.
وفيها استوحش مؤنس الخادم من الوزير والمقتدر، فأخذ يتعنت على المقتدر ويحتكم عليه في إبعاد ناس [1] وتقديم غيرهم، ثم خرج مغاضبا بأصحابه [2] إلى الموصل، فاستولى الوزير على حواصله، وفرح المقتدر بالوزير، وكتب اسمه على السّكّة، وكان مؤنس في ثمانمائة، فحارب جيش الموصل، وكانوا ثلاثين ألفا، فهزمهم وملك الموصل في سنة عشرين، ولم يحجّ أحد من بغداد، وأخذ الدّيلمي الدّينور، وفتك بأهلها ووصل إلى بغداد من انهزم، ورفعوا المصاحف على القصب، واستغاثوا وسبّوا المقتدر، وغلّقت الأسواق، وخافوا من هجوم القرامطة.
__________
[1] في «العبر» : «في إبعاد خاصته» .
[2] لفظة «بأصحابه» لم ترد في «العبر» .

(4/91)


وفيها توفي أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلّاب الدمشقي المشغراني [1] خطيب مشغرى [2] . وقع من على [3] الدابة فمات لوقته. روى عن هشام بن عمّار وطائفة.
وفيها الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي [4] محدّث دمشق في رجب. روى عن موسى بن عامر المرّيّ، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهما.
وفيها قاضي الجماعة، أبو الجعد، أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي [5] ، في رجب، وهو من أبناء التسعين، وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن. رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى، والمزني، وصحب بقيّ بن مخلد مدّة، وأضرّ بآخر عمره [6] وضعف من الكبر.
وفيها أبو سعيد، الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذّاب [7] ببغداد. روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق، ومسدّد، والكبار.
__________
[1] كذا في الأصل والمطبوع و «معجم البلدان» : «المشغراني» وفي «العبر» (2/ 181) و «الأنساب» (11/ 333) و «اللباب» : «المشغرائي» .
[2] علّق الصديق العزيز الأستاذ رياض عبد الحميد مراد على اسم هذه القرية في «الأنساب» بقوله: وتقع مشغرة اليوم في لبنان في محافظة البقاع إلى الغرب من راشيا. وانظر «معجم البلدان» (5/ 134) . وقد رسم اسم القرية في الأصل والمطبوع و «العبر» و «اللباب» (3/ 217) و «البداية والنهاية» (2/ 291) : «مشغرا» بالألف الممدودة، وأثبت لفظ «الأنساب» و «معجم البلدان» .
[3] لفظة «على» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه.
[4] «العبر» (2/ 181) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 62) .
[5] «العبر» (2/ 181) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 549) .
[6] قوله: «وأضرّ بآخر عمره» سقط من «العبر» طبع الكويت فيستدرك فيه.
[7] انظر «الكامل» لابن عدي (2/ 750- 754) و «تاريخ بغداد» (7/ 381- 384) و «ميزان الاعتدال» (1/ 506- 509) و «الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث» للإمام برهان الدين الحلبي ص (137) طبع وزارة الأوقاف العراقية، و «لسان الميزان» (2/ 228- 231) .

(4/92)


قال ابن عدي [1] : كان يضع الحديث. قاله في «العبر» [2] .
وفيها الكعبي، شيخ المعتزلة، أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي [3] .
قال ابن خلّكان [4] : أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، العالم المشهور. كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم: «الكعبية» وهو صاحب مقالات، ومن مقالاته [5] أن الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة، وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها.
وكان من كبار المتكلمين، وله اختيارات في علم الكلام. انتهى [6] .
وفيها القاضي أبو عبيد بن حربويه [7] البغدادي علي بن الحسين بن حرب [8] ، الفقيه الشافعي، قاضي مصر، وهو من أصحاب الوجوه. روى عن أحمد بن المقدام، والزّعفراني، وطبقتهما.
قال أبو سعيد بن يونس: كان شيئا عجبا ما رأينا مثله، لا قبله ولا بعده، وكان تفقه [9] على مذهب أبي ثور.
وفيها محمد بن الفضل البلخيّ [10] الزاهد، أبو عبد الله، نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير.
__________
[1] في «الكامل» (1/ 750) .
[2] (2/ 181) .
[3] «وفيات الأعيان» (3/ 45) و «العبر» (2/ 182) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 313) و (15/ 255- 256) .
[4] في «وفيات الأعيان» (3/ 45) .
[5] في «وفيات الأعيان» : «ومن مقالته» .
[6] قلت: وفي سنة وفاته خلاف عند أصحاب كتب الرجال يحسن بالقارئ الوقوف عليه.
[7] في الأصل والمطبوع: «جويرية» والتصحيح من «العبر» وكتب الرجال.
[8] «العبر» (2/ 182) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 536- 538) .
[9] في «العبر» : «وكان يتفقه» .
[10] «العبر» (2/ 182) وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (212- 213) .

(4/93)


يقال: إنه مات في مجلسه أربعة أنفس.
صحب أحمد بن خضرويه [1] البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ.
وقال السخاوي [2] : هو محمد بن الفضل بن العباس بن حفص، أبو عبد الله، أصله من بلخ، خرج منها لسبب المذهب، فدخل سمرقند ومات بها، وهو من جلّة مشايخ خراسان، ولم يكن أبو عثمان يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه.
وقال أبو عثمان: لو وجدت في نفسي قوّة، لرحلت إلى أخي محمد بن الفضل، فأستروح سرّي برؤيته.
قال ابن الفضل: الدّنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا.
وقال: العجب ممّن يقطع الأودية والقفار والمفاوز، حتّى يصل إلى بيته وحرمه وكعبته [3] لأن فيه آثار أنبيائه. كيف لا ينقطع عن نفسه وهواه، حتى يصل إلى قلبه، فإنّ فيه آثار مولاه، وتوحيده ومعرفته.
وقال: أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بدّ له منها، فإن من ملك نفسه عزّ ومن ملكته نفسه ذلّ.
وقال: ستّ خصال يعرف بها الجاهل: الغضب من غير شيء، والكلام في غير نفع، والعطيّة في غير موضعها، وإفشاء السّرّ، والثقة بكل أحد، وألّا يعرف [4] صديقه من عدوه.
__________
[1] تصحف في الأصل والمطبوع إلى: «ابن حضرويه» والتصحيح من «طبقات الصوفية» و «العبر» وكتب الرجال.
[2] انظر «طبقات الصوفية» للسلمي ولعلّ المؤلف ينقل عنه لا عن كتاب السخاوي كما أشرت إلى ذلك من قبل.
[3] لفظة «وكعبته» لم ترد في «طبقات الصوفية» للسلمي.
[4] في الأصل والمطبوع: «ولا يعرف» وأثبت ما في «طبقات الصوفية» .

(4/94)


وقال: خطأ العالم أضرّ من عمد [1] الجاهل.
وقال: من ذاق حلاوة العلم لا يصبر [2] عنه. ومن ذاق حلاوة المعاملة أنس بها.
وقال: العلوم ثلاثة: علم بالله، وعلم من الله، وعلم مع الله.
فالعلم بالله، معرفة صفاته ونعوته.
والعلم من الله، علم الظاهر والباطن، والحلال والحرام، والأمر والنهي، والأحكام.
والعلم مع الله، هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق.
وقال: ثمرة الشّكر الحبّ لله والخوف من الله.
وقال: ذكر اللسان كفّارات [3] ودرجات، وذكر القلب زلف [4] وقربات، وذكر السّرّ مشاهدة ومناجاة [5] . انتهى ملخصا.
وفيها محدّث الأندلس، أبو عبد الله محمد بن فطيس بن واصل الغافقي الإلبيري [6] الفقيه الحافظ. روى عن محمد بن أحمد العتبي، وأبان بن عيسى، ورحل وسمع من أحمد ابن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهم. وصنّف، وجمع، وسمع بأطرابلس المغرب [7] ، من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «عمل» والتصحيح من «طبقات الصوفية» .
[2] في الأصل والمطبوع: «لم يصبر» وما أثبته من «طبقات الصوفية» .
[3] في الأصل والمطبوع: «كفارة» وما أثبته من «طبقات الصوفية» .
[4] في الأصل والمطبوع: «زلفى» وما أثبته من «طبقات الصوفية» .
[5] قوله: «وذكر السر مشاهدة ومناجاة» لم يرد في «طبقات الصوفية» .
[6] «العبر» (2/ 183) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 79- 80) .
[7] وهي عاصمة ليبيا في هذه الأيام، وتعرف الآن ب «طرابلس الغرب» . انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 217- 218) .

(4/95)


قال [ابن] الفرضي [1] : كان ضابطا، نبيلا، صدوقا، وكانت الرحلة إليه [بإلبيرة] [2] حدّثنا عنه غير واحد. وتوفي في شوال عن تسعين سنة.
وفيها المؤمّل بن الحسن بن عيسى بن ما سرجس [3] ، الرئيس أبو الوفاء النيسابوري، لم يدرك الأخذ عن أبيه، وأخذ عن إسحاق الكوسج، والحسين الزعفراني، وطبقتهما. وكان صدر نيسابور. وروي أن أمير خراسان ابن طاهر اقترض منه ألف ألف درهم.
وقال أبو علي النيسابوري: خرّجت [4] لأبي الوفاء عشرة أجزاء، وما رأيت أحسن من أصوله، فأرسل إليّ مائة دينار وأثوابا.
__________
[1] انظر «تاريخ علماء الأندلس» (2/ 41- 42) وقد نقل عنه صاحب «العبر» باختصار وتصرّف.
[2] زيادة من «تاريخ علماء الأندلس» .
[3] «العبر» (2/ 183) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 21- 23) .
[4] في «سير أعلام النبلاء» : «نظرت» .

(4/96)


سنة عشرين وثلاثمائة
لما استفحل أمر مرداويج الدّيلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان، وإرمينية، وأرّان [1] ، وقمّ، ونهاوند، وسجستان.
وفيها نهب الجند دار الوزير [2] ، فهرب، وسخّم [3] الهاشميون وجوههم، وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنسا منعوا الجلب، وتسلل الجند إلى مؤنس، وتملك الموصل، ثم تجهزوا في جمع [4] عظيم، فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع ثم قالت الأمراء للمقتدر: أنفق في العساكر، فعزم على التوجّه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها، ومن البصرة، والأهواز، فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله ولا تسلّم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة، وبيده القضيب، والقرّاء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشقّ بغداد إلى الشمّاسيّة، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تلّ، ثم جاء إليه ابن ياقوت، وأبو العلاء بن حمدان، فقالا: تقدم، فأبى، فألحّوا
__________
[1] تحرّفت في المطبوع إلى «إيران» .
[2] هو الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات. انظر «النجوم الزاهرة» (3/ 232) .
[3] أي سوّدوها. يقال: سخّم الله وجهه، أي سوّده. انظر «لسان العرب» (سخم) .
[4] في الأصل: «في جيش» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» (2/ 184) .

(4/97)


عليه، فتقدّم وهم يستدرجونه، حتّى صار في وسط المصافّ [1] ، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت، وهارون بن غريب بلاء حسنا، وكان معظم جيش مؤنس الخادم البربر، فجاء علي بن بليق [2] فترجّل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبّل الأرض، فعطف جماعة [من البربر] [3] إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة سقط إلى الأرض، وقيل: رماه بحربة وحزّ رأسه بالسيف، وحمل على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، فطم وعفا أثره، وذلك لثلاث بقين من شوال.
وهو أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم العباسي [4] ، وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس بذلك، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقّب نفسه أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن، وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمائة. ولا شك أن حرمته ودولته كانت أمتن من دولة المقتدر ومن بعده، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة، أبيض مشربا حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة، وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا أياما، وكان جيد العقل والرأي، لكنه كان يؤثر اللعب والشهوات، غير ناهض بأعباء الخلافة. كانت أمّه، وخالته، والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار، والولايات، والحلّ، والعقد.
__________
[1] قال ابن منظور: المصفّ: الموقف في الحرب، والجمع المصاف. انظر «لسان العرب» (صفف) .
[2] تحرّف في «العبر» إلى «علي بن يلبق» فيصحح فيه، وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 251) و «صلة تاريخ الطبري» ص (272 و 273) .
[3] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» .
[4] للتوسّع في دراسة حياته راجع «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 292- 311) و «الأعلام» للزركلي (2/ 121) ومصادره.

(4/98)


قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلّا أن يترك [1] النبيذ خمسة أيام [متتابعة حتى يصح ذهنه] ، وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه، وكالمأمون.
ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلّا هو والمتوكل، وكلاهما قتل في شوال.
وندم مؤنس على قتله وقال: لنقتلنّ كلنا، ثم بايعوا القاهر، فصادر بعض خواص المقتدر، وعذب أمه، حتّى ماتت معلّقة، وبالغ في الظلم، واستوزر ابن مقلة، وكان المقتدر مسرفا مبذّرا [ناقص الرأي] [2] محق الذخائر حتّى إنه أعطى بعض جواره الدرة اليتيمة، التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال:
إنه ضيّع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصيّ من الصقالبة، وأهلك نفسه بيده بسوء تدبيره، وخلّف عدة أولاد، منهم:
الراضي بالله محمد، والمتقي لله إبراهيم، والأمير إسحاق ولد القادر، والمطيع لله، وذكر طبيبه ثابت بن سنان في «تاريخه» أن المقتدر أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار.
وفيها توفي الحافظ، محدّث الشام، أبو الحسن، أحمد بن عمير [3] بن يوسف بن موسى بن جوصا [4] . سمع كثير بن عبيد، وطبقته. وعنه الطبراني، وحمزة الكتاني، وأبو علي الحافظ، والحاكم [5] . حطّ عليه حمزة الكتاني، وأثنى عليه الدارقطني، وجمع وصنّف وتبحر في الحديث.
قال أبو علي النيسابوري: كان ركنا من أركان الحديث.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «ما هو إلا لا يترك» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (7/ 218) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 186) .
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن عمر» وهو تحريف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[4] «العبر» (2/ 186- 187) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 15- 21) .
[5] هو أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، ويعرف بالحاكم الكبير، المتوفى سنة (378) وسوف ترد ترجمته في ص (415) من هذا المجلد.

(4/99)


وقال محمد بن إبراهيم: كان ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة.
وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، وتوفي في جمادى الأولى.
وقال الدارقطني: تفرّد بأحاديث، ولم يكن بالقويّ.
وفيها أبو بكر أحمد بن القاسم بن نصر [1] أخو أبي اللّيث الفرائضي، ببغداد، في ذي الحجّة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعدّة [2] .
وفيها الحافظ الجوّال، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة الشهرزوريّ [3] روى عن أبي زرعة الرّازي، والزعفراني. وعنه أهل الرّيّ، وقزوين، منهم: أحمد بن علي بن حسن الرّازي، وأبو بكر بن يحيى الفقيه، وغيرهما. قاله ابن بردس [4] .
وفيها أبو العبّاس عبد الله بن عتّاب بن الزّفتي [5] محدّث دمشق، وله ست وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمّار، وعيسى بن حمّاد زغبة، وخلق.
قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتا.
وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن
__________
[1] «العبر» (2/ 187) وانظر «سير أعلام النبلاء» (1/ 466- 467) .
[2] قلت وقد ساق الخطيب البغدادي بيتان من الشعر له في «تاريخ بغداد» (4/ 352) جديران بالذكر وهما:
لا تترك الحزم في أمر هممت به ... فإن سلمت فما بالحزم من باس
العجز ضر، وما بالحزم من ضرر ... وأحزم الحزم سوء الظنّ بالناس
[3] «تذكرة الحفاظ» (3/ 846) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 249- 250) .
[4] تحرّف في المطبوع إلى «ابن درباس» وهو إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي الحنبلي، المتوفى سنة (785) هـ، وسوق ترد ترجمته في المجلد الثامن من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، وكتابه الذي ينقل عنه هو «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» وهو مخطوط لم يطبع بعد.
[5] «العبر» (2/ 188- 189) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 64) .

(4/100)


أخي أبي زرعة الرّازي [1] . روى عن يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن منصور الرّمادي، وطبقتهما.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربريّ [2] صاحب البخاري، وقد سمع من علي بن خشرم لمّا رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة. وكانت ولادته سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ورحل إليه الناس، وسمعوا منه «صحيح البخاري» وهو أحسن من روى الحديث عن البخاري.
وفربر: بفتح الفاء [3] والراء وسكون الباء الموحدة، وفي آخره راء ثانية، وهي بليدة على طرف جيحون مما يلي بخارى. قاله ابن خلّكان [4] .
وفيها أو قبلها أو بعدها، توفي القاضي الحافظ محمد بن يحيى العدني [5] قاضي عدن، ونزيل مكة. سمع منه مسلم بن الحجّاج، والترمذي. وروى عن سفيان بن عيينة وطبقته. روى عنه الترمذيّ أنه قال:
حججت ستين حجّة ماشيا على قدمي. قاله ابن الأهدل [6] .
وفيها الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري [7] الثقة الإمام. روى عن الذهلي، وعيسى بن أحمد، والربيع
__________
[1] «العبر» (2/ 189) و «الأنساب» (6/ 43) .
[2] «العبر» (2/ 189) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 10- 13) .
[3] قلت: وبكسرها أيضا. انظر «تاج العروس» للزبيدي (فربر) .
[4] في «وفيات الأعيان» (4/ 290) .
[5] «مرآة الجنان» (2/ 280) و «غربال الزمان» ص (285) .
[6] قلت: قاله ابن الأهدل في «مختصر تاريخ اليافعي» وهو مخطوط كما ذكرت من قبل، وقد اختصر فيه «مرآة الجنان» . ولكن إيراد هذه الترجمة هنا خطأ تبع فيه ابن الأهدل اليافعي صاحب «مرآة الجنان» وتبعهما اليافعي صاحب «غربال الزمان» وقد تابعهم على هذا الخطأ المؤلف ابن العماد، فالصواب أن وفاة الحافظ محمد بن يحيى العدني كانت سنة (243) هـ كما ذكر المؤلف في حوادث السنة المذكورة من المجلد الثالث ص (199) نقلا عن «العبر» للذهبي (1/ 441) فتنبّه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (12/ 96- 98) .
[7] نقل المؤلف هذه الترجمة عن كتاب «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» لابن بردس، وهو مخطوط لم يطبع بعد كما ذكرت من قبل. وانظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 807- 811) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 60- 61) .

(4/101)


المرادي. وعنه محمد بن صالح بن هاني، وأبو علي الحافظ. ووثقه الحاكم. قاله ابن بردس [1] .
وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي [2] وكان من خيار القضاة حلما، وعقلا، وجلالة، وذكاء، وصيانة.
ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وروى عن زيد بن أخزم [3] ، والحسن ابن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، وولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر، ثم ولي قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان له مجلس في غاية الحسن كان يقعد للإملاء، والبغويّ [4] عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه. وقد حفظ من جده حديثا وهو ابن أربع سنين.
وفيها ميمون بن عمر الإفريقي [5] المالكي، أبو عمر، الفقيه قاضي القيروان، وقاضي صقلّيّة. عاش مائة سنة أو أكثر، وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون، وعن أبي مصعب الزّهريّ [6] وزمن [7] في آخر عمره وهرم [8] .
__________
لم يطبع بعد كما ذكرت من قبل. وانظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 807 811) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 60 61) .
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ.
[2] «العبر» (2/ 189- 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 555- 557) .
[3] في الأصل: «يزيد بن أخرم» وفي المطبوع: «يزيد بن أحزم» وفي «العبر» : «زيد بن أخرم» وكله خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تقريب التهذيب» ص (221) .
[4] يعني أبا القاسم عبد الله بن محمد البغوي، المتوفى سنة (317) هـ. انظر ترجمته في ص (83) من هذا المجلد.
[5] «العبر» (2/ 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 355- 356) .
[6] في الأصل والمطبوع: «الزهرة» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[7] أي: ابتلي. انظر «لسان العرب» و «مختار الصحاح» (زمن) .
[8] في «العبر» : «وزمن وانهزم» .

(4/102)


وفيها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي [1] .
قال الإسنوي: كان إماما جليلا وربما كان يعيب على ابن سريج في القضاء ويقول: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة. وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل ببابه وختم عليه بضعة عشر يوما حتّى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا بمناولة بعض الجيران، فبلغ، الخبر إلى الوزير، فأمر بالإفراج عنه، وقال: ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيرا، أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل، توفي- رحمه الله تعالى- يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة. انتهى ملخصا.
وتفقه به جماعة.
وفيها أبو عمرو [2] الدمشقي [3] الزاهد من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم. روي عنه أنه قال: كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار [الآيات و] [4] المعجزات، [كذلك] [4] فرض الله على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتتنوا بها [5] .
__________
[1] «العبر» (2/ 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 58- 60) .
[2] في الأصل والمطبوع و «العبر» : «أبو عمر» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات الصوفية» و «حلية الأولياء» .
[3] «العبر» (2/ 190) وانظر «طبقات الصوفية» ص (277- 279) و «حلية الأولياء» (10/ 346- 347) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع و «العبر» واستدركته من «طبقات الصوفية» و «حلية الأولياء» .
[5] في «طبقات الصوفية» : «حتى لا يفتتن الخلق بها» .

(4/103)