شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وعشرين
وثلاثمائة
فيها أقبل البريدي في مدد من ابن بويه، فانهزم من بين يديه بجكم [1]
لأن الأمطار عطّلت نشّاب جنده، وقسيّهم، وتقهقروا إلى واسط، وتمت فصول
طويلة، وأما ابن رائق فإنه وقع بينه وبين ابن مقلة، فأخذ ابن مقلة
يراوغ ويكاتب، فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده، ثم بعد أيام قطع ابن
رائق لسانه، لكونه كاتب بجكم [1] فأقبل بجكم [1] بجيوشه من واسط، وضعف
عنه ابن رائق، فاختفى ببغداد ودخل بجكم [1] فأكرمه الراضي ولقبه أمير
الأمراء، وولّاه الحضرة.
وفيها توفي أبو ذر، أحمد بن محمد [بن محمد] [2] بن سليمان الباغندي [3]
. روى عن عمر بن شبّة، وعلي بن إشكاب، وطائفة.
وفيها عبد الرّحمن بن أحمد بن محمد بن الحجّاج أبو محمد الرشديني
المهري [4] ، المصري الناسخ، عن سن عالية. روى عن أبي الطاهر بن
السّرح، وسلمة بن شبيب.
__________
[1] تصحف في الأصل والمطبوع إلى «بحكم» والتصويب من «العبر» (2/ 212)
وانظر «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (316) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع و «العبر» واستدركته من
«تاريخ بغداد» (5/ 86) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 268) و «الوافي
بالوفيات» (8/ 125) .
[3] «العبر» (2/ 212) .
[4] «العبر» (2/ 212- 213) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 239- 240) ،
وقد تحرفت.
(4/137)
وفيها محمد بن القاسم أبو عبد الله
المحاربي الكوفي [1] . روى عن أبي كريب وجماعة، وفيه ضعف.
قال في «المغني» [2] : محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، مشهور ضعيف.
يقال: كان يؤمن [3] بالرجعة. انتهى.
__________
«المهريّ» فيه إلى «المهدي» فتصحّح، وتحرّفت «الرشديني» في «العبر» إلى
«الرشيدي» .
[1] «العبر» (2/ 213) وانظر «ميزان الاعتدال» (4/ 14) .
[2] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 625) .
[3] في «المغني في الضعفاء» : «كان يرمى» وجاءت في كتابنا، وفي «ميزان
الاعتدال» : «يؤمن» .
(4/138)
سنة سبع وعشرين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» جاء مطر عظيم، وفيه برد، كل واحدة نحو
الأوقيتين، فسقطت حيطان كثيرة ببغداد، وكان الحجّ قد بطل من سنة سبع
عشرة وثلاثمائة إلى هذه السنة، فكتب أبو علي محمد بن يحيى [1] العلوي
إلى القرامطة- وكانوا يحبّونه- أن يأذنوا [2] للحجاج ليسير بهم ويعطيهم
من كل جمل خمسة دنانير، ومن المحمل سبعة، فأذنوا لهم، فحجّ الناس، وهي
أول سنة مكس فيها الحاج. انتهى.
وفيها صاهر [3] بجكم [4] ناصر الدولة ابن حمدان.
وفيها استوزر الرّاضي أبا عبد الله البريدي.
وفيها توفي عبد الرّحمن بن أبي حاتم [5] ، واسم أبي حاتم محمد بن إدريس
بن المنذر، الحافظ العلم الثقة، أبو محمد بن الحافظ الجامع التميمي
الرازي، توفي بالرّيّ وقد قارب التسعين. رحل به أبوه في سنة
__________
[1] كذا في الأصل والمطبوع و «البداية والنهاية» (11/ 189) : «محمد بن
يحيى» وفي «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 296) و «النجوم الزاهرة» (3/ 264)
: «عمر بن يحيى» .
[2] في الأصل والمطبوع: «أن يذموا» والتصحيح من «المنتظم» .
[3] تحرفت في «العبر» إلى «ظاهر» فتصحح فيه. وانظر «دول الإسلام»
للذهبي (1/ 200) .
[4] في الأصل والمطبوع: «بحكم» بالحاء وهو تصحيف، والتصحيح من المصادر
والمراجع التي بين يدي.
[5] «العبر» (2/ 214) وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 263- 269) .
(4/139)
خمس وخمسين ومائتين، فسمع من أبي سعيد
الأشج، والحسن بن عرفة، وطبقتهما. وروى عنه حسينك التميمي [1] وأبو
أحمد الحاكم، وغيرهما.
قال أبو يعلى الخليلي [2] : أخذ علم أبيه، وأبي زرعة، وكان بحرا في
العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء
الأمصار، ثم قال: وكان زاهدا يعدّ من الأبدال.
وقال ابن الأهدل: هو صاحب «الجرح والتعديل» و «العلل» و «المبوب» على
أبواب الفقه، وغيرها.
وقال يوما: من يبني ما تهدم من سور طوس وأضمن له عن الله الجنّة، فصرف
فيه رجل ألفا، فكتب له رقعة بالضمان، فلما مات دفنت معه، فرجعت إلى ابن
أبي حاتم وقد كتب عليها: قد وفينا عنك ولا تعد. انتهى.
وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات الوزير بن
حنزابة الكاتب [3] وزر للمقتدر في آخر أيامه، ثم وزر للراضي بالله، ثم
رأى لنفسه التروّح خوفا من فتنة ابن رائق، فأطمعه في تحصيل الأموال من
الشام ليمدّ بها، وشخص إليها فتوفي بالرملة كهلا.
وفيها محدّث حلب، الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنّسريني برداعس [4] .
روى عن أحمد بن شيبان الرّملي، وأبي أمية الطّرسوسي،
__________
[1] هو الإمام الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي،
المتوفى سنة (375) وسوف ترد ترجمته في ص (400) من هذا المجلد.
[2] انظر هذا الخبر في «سير أعلام النبلاء» (13/ 264) .
[3] «العبر» (2/ 214) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 479- 480) وقد
تصحفت «حنزابة» في الأصل والمطبوع إلى «خنزابة» وصوبتها من «العبر» و
«السير» .
[4] «العبر» (2/ 214- 215) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 81- 83) وفي
«العبر» وبعض المراجع الأخرى «برداغس» فتنبه.
(4/140)
وطبقتهما. وعنه: شيخه عثمان بن خرّزاذ [1]
الحافظ، وأبو بكر الربعي، وعدد كثير. وكان من علماء هذا الشأن. وصفه
بالحفظ ابن ماكولا [2] والحاكم أبو أحمد [3] ، وضعفه الدارقطني [4] .
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري [5] مصنّف «مكارم
الأخلاق» [6] و «مساوئ الأخلاق» وغيرها. سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن
شبّة [7] وطبقتهما، وتوفي بفلسطين في ربيع الأول وقد قارب التسعين.
وفيها محدّث الأندلس محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي أبو
عبد الله البيّانيّ [8] القرطبي [9] . أكثر عن أبيه، وبقيّ بن مخلد،
ومحمد بن وضّاح، ومطيّن، والنسائي. وعنه: ولده أحمد بن محمد، وخالد بن
سعيد، وسليمان بن أيوب، وكان عالما ثقة، ورحل بآخرة، فسمع من مطيّن،
والنسائي وأكثر، وتوفي في آخر العام.
وفيها أبو نعيم الرّملي [10] ، وهو محمد بن جعفر بن نوح، الحافظ.
كان علّامة ثبتا. قاله ابن ناصر الدّين.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «خوراد» وهو خطأ والتصحيح من «سير أعلام
النبلاء» و «طبقات الحافظ» ص (265) .
[2] انظر «الإكمال» (1/ 234) .
[3] انظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 827) .
[4] انظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 827) .
[5] «العبر» (2/ 215) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 267- 268) .
[6] طبع «المنتقى» منه للسّلفي في دار الفكر بدمشق في العام الماضي
بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ محمد مطيع الحافظ والسيدة غزوة بدير.
[7] تحرّف في المخطوط إلى «عمر بن شيبة» وأثبت ما في المطبوع وهو
الصواب.
[8] تحرّفت في الأصل إلى «البناني» وفي المطبوع إلى «التياني» والتصحيح
من «سير أعلام النبلاء» وكتب الرجال.
[9] «العبر» (2/ 215) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 254- 255) .
[10] مترجم في «التبيان شرح بديعة البيان» (118/ آ) مصورة نسخة المتحف
البريطاني.
(4/141)
وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني
البحري [1] الحافظ الثقة، محدّث جرجان أبو يعقوب. روى عن محمد بن
بسّام، وإسحاق الدّبري [2] ، والحارث بن أبي أسامة. وعنه: ابن عدي،
والإسماعيلي.
قال الخليلي: حافظ ثقة مذكور. قاله ابن بردس [3] .
وفيها مبرمان النّحوي [4] ، مصنف «شرح سيبويه» وما أتمّه. وهو أبو بكر
محمد بن علي العسكري، أخذ عن المبرّد، وتصدّر بالأهواز، وكان مهيبا،
يأخذ من الطلبة ويلح، ويطلب طبليّة حمّال [5] ، فيحمل إلى داره من غير
عجز، وربما انبسط وبال على الحمال، ويتنقّل بالتمر، ويخذف بنواه الناس.
قاله في «العبر» [6] .
__________
[1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 471- 472) .
[2] في الأصل والمطبوع: «الديري» وهو تصحيف والتصحيح من «الأنساب» (5/
271) وهو إسحاق بن إبراهيم بن عبّاد الدّبري.
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وقد
تقدم الكلام عنه في ص (102) فراجعه.
[4] انظر «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 254- 257) ، و «الوافي بالوفيات»
(4/ 108- 109) .
[5] في الأصل والمطبوع: «ويطلب حمال طبلية» والتصحيح من «الوافي
بالوفيات» .
[6] (2/ 215- 216) .
(4/142)
سنة ثمان وعشرين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» انبثق بثق بنواحي الأنبار، فاجتاح القرى،
وغرق النّاس، والبهائم، والسباع، وانصبّ في الصراة، ودخل الشوارع في
الجانب الغربي، وتساقطت الدّور والأبنية. انتهى.
وفيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدّمستق- لعنه الله- وهزمه [1] وفيها
عزل البريدي [2] من الوزارة بسليمان بن مخلد، بإشارة بجكم [3] .
وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام، فالتقاه الإخشيذ محمد بن
طغج، [فانكسر ابن رائق، ووصل إلى دمشق في سبعين فارسا، ثم التقى أبا
نصر بن طغج] [4] فانهزم أبو نصر، وأسر كبار أمرائه، ثم قتل أبو نصر في
المصاف.
وفيها توفي الوزير أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب، أبو
__________
[1] انظر الخبر بتوسع في «غربال الزمان» ص (285) .
[2] في الأصل والمطبوع: «اليريدي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (2/
216) وانظر «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (321) الملحق ب «تاريخ
الطبري» .
[3] تصحف في الأصل والمطبوع إلى «بحكم» والتصويب من «العبر» (2/ 216) .
[4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» للذهبي
(2/ 216) مصدر المؤلف.
(4/143)
العبّاس الخصيبي [1] ، وزر غير مرّة
بالعراق.
وفيها أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة [2] الكاتب، صاحب الخط
المنسوب، وقد وزر للخلفاء غير مرّة، ثم قطع يده ولسانه وسجن حتى هلك،
وله ستون سنة. قاله في «العبر» [3] .
وقال غيره: كان سبب موت ابن مقلة أنه أشار على الراضي بمسك ابن رائق،
فبلغ ابن رائق، فحبس ابن مقلة، ثم أخرج وقطعت يده، فكان يشدّ القلم
عليها ويكتب، ويتطلب الوزارة أيضا. ويقول: إن قطع يده لم يكن في حدّ
ولم يعقه عن عمله، ثم بلغ ابن رائق دعاؤه عليه وعلى الراضي، فقطع لسانه
وحبس إلى أن مات في أسوأ حال، ودفن مكانه، ثم نبشه أهله فدفنوه في مكان
آخر، ثم نبش ودفن في موضع آخر، فمن الاتفاقات الغريبة أنه ولي الوزارة
ثلاث مرّات لثلاث خلفاء، المقتدر، والقاهر، والراضي، وسافر ثلاث مرات،
ودفن ثلاث مرات.
وقال ابن خلّكان [4] : وأقام ابن مقلة في الحبس مدة طويلة، ثم لحقه ذرب
[5] ولم يكن له من يخدمه، فكان يستقي الماء لنفسه من البئر، فيجذب بيده
اليسرى جذبة وبفمه جذبة، وله أشعار في شرح حاله وما انتهى أمره إليه
[6] ورثى يده [7] فمن ذلك قوله:
__________
[1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 292- 293) .
[2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 224- 230) و «غربال الزمان» ص
(286) .
[3] (2/ 217) .
[4] في «وفيات الأعيان» (5/ 116- 117) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف
والأبيات الآتية فيه.
[5] قال ابن منظور: الذّرب: المرض الذي لا يبرأ. انظر «لسان العرب»
(ذرب) .
[6] في الأصل: «إليه أمره» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما جاء في
«وفيات الأعيان» .
[7] في «وفيات الأعيان» : «ورثاء يده» .
(4/144)
ما سئمت الحياة لكن توثّق ... ت بأيمانهم
فبانت يميني
بعت ديني لهم بدنياي حتّى ... حرموني دنياهم بعد ديني
ولقد حطت ما استطعت بجهدي ... حفظ أرواحهم فما حفظوني
ليس بعد اليمين لذّة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني
ومن شعره أيضا:
وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ... في شامخ من عزّة المترفّع
قالت لي النفس العروف بقدرها ... ما كان أولاني بهذا الموضع
وله:
إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإنّ البعض من بعض قريب [1]
وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة.
[ومن كلامه: إني إذا أحببت تهالكت، وإذا بغضت أهلكت، وإذا رضيت آثرت،
وإذا غضبت أثّرت] [2] .
ومن كلامه: يعجبني من يقول الشعر تأدّبا لا تكسّبا، ويتعاطى الغناء
تطرّبا لا تطلّبا.
وله كل معنى مليح في النظم والنثر. وكان ما أصابه نتيجة دعاء أبي الحسن
بن شنبوذ عليه بقطع اليد. وقد تقدم ذكر سبب ذلك، ويأتي قريبا في هذه
السنة.
وكانت ولادة ابن مقلة يوم الخميس بعد العصر، حادي عشري شوال سنة اثنتين
وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى.
__________
[1] البيت في «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 311) و «غربال الزمان» للعامري
ص (286) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
(4/145)
وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء
الجوزجاني [1] ببغداد، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان ثقة صالحا بكّاء. روى
عن أحمد [ابن] المقدام [العجلي] [2] وجماعة.
وفيها محدّث دمشق، أبو الدحداح، أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي [3] .
سمع موسى بن عامر، ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة.
وقال الخطيب: كان مليّا بحديث الوليد بن مسلم.
وفيها أحمد بن محمد بن عبد ربّه القرطبي [4] وقرطبة مدينة كبيرة دار
مملكة الأندلس، وكان ابن عبد ربّه أحد الفضلاء، وهو أموي بالولاء، وحوى
كتابه «العقد» كل شيء، وله ديوان وشعر جيد. قاله ابن الأهدل.
وقال في «العبر» [5] : مات وله اثنتان وثمانون سنة، وشعره في الذّروة
العليا. سمع من بقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضاح. انتهى.
وفيها العلّامة أبو سعيد الإصطخري [6] الحسن بن أحمد بن يزيد، شيخ
الشافعية بالعراق. روى عن سعدان بن نصر وطبقته، وصنّف التصانيف، وعاش
نيّفا وثمانين سنة، وكان موصوفا بالزهد والقناعة، وله وجه في المذهب.
قال الإسنوي: كان هو وابن سريج شيخي الشافعية ببغداد. صنّف كتبا
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 217) وانظر «تهذيب الكمال» (1/ 488) طبع
مؤسسة الرسالة، ضمن (ترجمة أحمد بن المقدام العجلي) .
[2] زيادة من «العبر» وكتب الرجال التي بين يدي.
[3] مترجم في «العبر» (2/ 217) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/
231) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، طبع دار الفكر
بدمشق.
[4] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 283) و «مرآة الجنان» (2/ 295-
296) و «غربال الزمان» ص (287) .
[5] (2/ 218) .
[6] مترجم في «العبر» (2/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 250- 252) .
(4/146)
كثيرة، منها: «آداب القضاء» [1] استحسنه
الأئمة، وكان زاهدا متقلّلا من الدّنيا، وكان في أخلاقه حدّة. ولّاه
المقتدر بالله سجستان ثم حسبة بغداد.
ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين
وثلاثمائة.
زاد ابن خلّكان [2] أنه توفي يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة، وقيل:
رابع عشر، ودفن بباب حرب.
وإصطخر: بكسر الهمزة وفتح الطاء، وجوّز بعضهم فتح الهمزة، حكاه النووي
في الحيض من «شرح المهذب» [3] .
وفيها الحسين بن محمد أبو عبد الله بن المطبقي [4] البغدادي، ثقة.
روى عن محمد بن منصور الطّوسي وطائفة.
وفيها أبو محمد بن الشّرقي [5] عبد الله بن محمد بن الحسن، أخو الحافظ
أبي حامد، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن
هاشم، وخلقا.
قال الحاكم: رأيته وكان أوحد وقته في معرفة الطب، لم يدع الشراب إلى أن
مات، فضعّف بذلك.
وقال في «المغني» [6] : تكلموا فيه لإدمانه المسكر. انتهى.
وفيها قاضي القضاة ببغداد، أبو الحسين عمر بن قاضي القضاة أبي عمر محمد
بن يوسف بن يعقوب الأزدي [7] كان بارعا في مذهب مالك، عارفا
__________
[1] في «سير أعلام النبلاء» : «أدب القضاء» وفي «كشف الظنون» (1/ 47) :
«أدب القاضي» .
[2] في «وفيات الأعيان» (2/ 75) .
[3] انظره (2/ 400) ويعرف الكتاب ب «المجموع شرح المهذب» وهو مطبوع في
مصر.
[4] في الأصل والمطبوع: «المطيقي» وما أثبته من «العبر» (2/ 218) مصدر
المؤلف في نقله، و «تاريخ بغداد» (8/ 97) .
[5] مترجم في «العبر» (2/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 40- 41) .
[6] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 356) .
[7] مترجم في «المنتظم» (6/ 307) و «العبر» (2/ 219) وقد نقل المؤلف
الترجمة عنه.
(4/147)
بالحديث، صنّف مسندا متقنا، وسمع من جدّه
ولم يتكهّل، وكان من أذكياء الفقهاء.
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرئ [1]
أحد أئمة الأداء. قرأ على محمد بن يحيى الكسائي الصغير، وإسماعيل بن
عبد الله النحاس، وطائفة كثيرة. وعني بالقراءات أتم عناية، وروى الحديث
عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ومحمد بن الحسين الحنيني،
وتصدّر للإقراء [2] ببغداد، وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مرّ [3]
، وكان مجتهدا فيما فعل رحمه الله. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان [4] : كان من مشاهير القرّاء وأعيانهم، وكان ديّنا،
وفيه سلامة صدر، وفيه حمق، وقيل: إنه [5] كان كثير اللحن قليل العلم،
وتفرد بقراءات شواذ، وكان [6] يقرأ بها في المحراب. فأنكرت عليه، وبلغ
ذلك الوزير ابن مقلة الكاتب المشهور، وقيل له: إنه يغيّر حروفا من
القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل، فاستحضره [7] في أول شهر ربيع الآخر سنة
ثلاث وعشرين وثلاثمائة، واعتقله في داره أياما، فلما كان يوم الأحد
سابع الشهر المذكور استحضر الوزير المذكور [القاضي] أبا الحسين [8] عمر
بن محمد، وأبا بكر أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد المقرئ، وجماعة من
أهل القرآن،
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 264- 266) .
[2] لفظة «للإقراء» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه.
[3] انظر ص (120) من هذا المجلد.
[4] في «وفيات الأعيان» (4/ 299) .
[5] لفظة «إنه» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان» .
[6] في «وفيات الأعيان» : «كان» .
[7] في الأصل والمطبوع: «فاستحضر» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[8] في الأصل والمطبوع: «أبا الحسن» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ولفظة
«القاضي» زيادة منه.
(4/148)
وأحضر ابن شنبوذ المذكور ونوظر بحضرة
الوزير، فأغلظ في الجواب للوزير والقاضي، وأبي بكر بن مجاهد، ونسبهم
إلى قلة المعرفة، وعيّرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر،
واستصبى [القاضي] أبا الحسين [1] المذكور، فأمر الوزير أبو علي بضربه،
فأقيم فضرب سبع درر، فدعا وهو يضرب على الوزير [ابن مقلة] [2] بأن يقطع
الله يده، ويشتت شمله، فكان الأمر كذلك، ثم أوقفوه على الحروف التي كان
يقرأ بها، فأنكر ما كان شنيعا، وقال فيما سواه: إنه قرأه قوم [3]
فاستتابوه فتاب، وقال: إنه قد رجع عمّا كان يقرؤه، وإنه لا يقرأ إلا
بمصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها
الناس.
فكتب الوزير عليه محضرا بما قاله، وأمره أن يكتب خطّه في آخره، فكتب ما
يدل على توبته، ونسخة المحضر: «سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ
عمّا حكي عنه أنه يقرؤه، وهو إذا نُودِيَ للصّلَاهِ من يَوْم الجُمعَةِ
فَامْضوا إلى ذِكْرِ الله فاعترف به، وعن وَتَجْعَلُوْنَ شُكْرَكم
أَنَكم تَكْذِبُونَ فاعترف به، وعن فاليَوْمَ نُنَجّيْكَ بَبَدنِكَ [4]
فاعترف به، وعن تبّت يدا أبي لهب وقد تب فاعترف به، وعن إلّا تفعلوه
تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به، وعن ولتكن منكم فئة يدعون إلى
الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله [5] على ما
أصابهم وأولئك هم المفلحون فاعترف به، وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «أبا الحسن» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ولفظة
«القاضي» زيادة منه.
[2] زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «إنه قرأ به قوم» .
[4] في الأصل والمطبوع: «بندائك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «ويستعينون الله» .
(4/149)
الأرض وفساد عريض [1] فاعترف به وتاب [2]
عن ذلك. وكتب الشهود الحاضرون شهادتهم في المحضر حسبما سمعوه من لفظه.
وكتب ابن شنبوذ بخطه ما صورته: يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن
شنبوذ: ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عزّ وجلّ
وسائر من حضر على نفسي بذلك، ومتى خالفت ذلك أو بان مني غيره، فأمير
المؤمنين في حلّ من دمي وسعة، وذلك يوم الأحد سابع ربيع الآخر، سنة
ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
وشنبوذ: بفتح الشين المعجمة والنون، وضم الباء الموحدة، وسكون الواو،
وبعدها ذال معجمة. انتهى ملخصا.
وفيها محدّث الشام أبو العبّاس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملّاس
النّميريّ مولاهم الدمشقي [3] في جمادى الأولى. روى عن موسى بن عامر،
وأبي إسحاق الجوزجاني، وخلق. وهو من بيت حديث.
وفيها أبو علي الثّقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري [4] الفقيه
الواعظ [5] ، أحد الأئمة، وله أربع وثمانون سنة. سمع في كبره من موسى
بن نصر الرّازي، وأحمد بن ملاعب، وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد
مثلها، وهو من ذرّيّة الحجّاج.
قال أبو الوليد الفقيه: دخلت على ابن سريج، فسألني على من درست الفقه؟
قلت: على أبي علي الثّقفي. قال: لعلك تعني الحجّاجي الأزرق؟
__________
[1] وقد كررها المؤلف هنا أثناء نقله بتصرف عن «وفيات الأعيان» أما في
«الوفيات» فقد ذكرها مرة واحدة.
[2] في الأصل: «وتاب إلى الله» وأبقيت لفظ المطبوع وهو موافق لما في
«وفيات الأعيان» .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 219) وانظر «تهذيب الكمال» (3/ 1388) (ترجمة
موسى بن عامر) .
[4] مترجم في «العبر» (2/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 280- 283) .
[5] في الأصل والمطبوع: «الفقيه الواحد» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» .
(4/150)
قلت: نعم. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه
منه.
وقال أبو بكر الضّبعي: ما عرفنا الجدل والنظر، حتّى ورد أبو علي الثقفي
من العراق.
وذكره السلمي في «طبقات الصوفية» [1] . قاله في «العبر» .
وقال السخاوي في «طبقات الأولياء» [2] : لقي أبا حفص، وحمدون القصّار.
وكان إماما في علوم الشرع.
قال لبعض أصحابه: لا تفارق هذه الخلال الأربع: صدق القول، وصدق العمل،
وصدق المودّة، وصدق الأمانة.
وقال: من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم،
ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء.
وقال: من غلبه هواه توارى عنه عقله.
وقال: لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، ولا تأديب من لا يتأدّب.
وقال: يا من باع كلّ شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء.
وتوفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى ودفن في مقبرة قر
بنيسابور، وهو ابن تسع وثمانين سنة، ووعظ مرّة فذمّ الدّنيا والركون
إليها، ثم تمثّل بقول بعضهم:
من نال من دنياه أمنية ... أسقطت الأيّام منها الألف
انتهى.
__________
[1] انظر ترجمته في ص (361- 365) .
[2] انظر هذه النقول في ترجمته في «طبقات الصوفية» وقد ورد بعضها في
ترجمته عند ابن الملقن في «طبقات الأولياء» ص (298) .
(4/151)
وفيها الإمام العلّامة ابن الأنباري [1]
أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار النحويّ اللّغويّ، صاحب المصنفات، وله
سبع وخمسون سنة. سمع في صغره من الكديمي، وإسماعيل القاضي، وأخذ عن
أبيه، وثعلب، وطائفة.
وعنه الدار قطنّي وغيره [2] .
قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت
شاهد في القرآن.
وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر
بحرا، حدّثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا.
قال: وحدّثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها [3] .
وقيل عنه: إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة [4] .
قاله في «العبر» [5] .
وقال ابن ناصر الدّين: كان في كل فن إمامه، وكان إملاؤه من حفظه.
ومن أماليه المدققة «غريب الحديث» في خمسة وأربعين ألف ورقة [6] .
انتهى.
وكان سائر ما يصنفه ويمليه من حفظه لا من [7] دفتر ولا كتاب.
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 220- 221) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 274-
279) .
[2] قوله: «وعنه: الدارقطني وغيره» لم يرد في «العبر» .
[3] لفظة «بأسانيدها» لم ترد في «العبر» المطبوع في الكويت واستدركت في
«العبر» المطبوع في بيروت.
[4] قوله: «وقيل عنه، إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة»
سقط من «العبر» المطبوع في الكويت وورد في المطبوع منه في بيروت.
[5] (2/ 220- 221) .
[6] عقب الذهبي على هذا الخبر في «سير أعلام النبلاء» (15/ 277) بقوله:
فهذا الكتاب يكون أزيد من مائة مجلد.
[7] لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.
(4/152)
وفيها أبو الحسن المزيّن علي بن محمد
البغدادي [1] شيخ الصوفية، صحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة.
قال السّلميّ في «طبقاته» [2] : أقام بمكّة مجاورا بها، ومات بها، وكان
من أورع المشايخ وأحسنهم حالا.
قال: الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب. والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.
وقال: ملاك القلب في التبرّي من الحول والقوة.
ورؤي يوما متفكّرا وأغر ورقت عيناه، فقيل له: ما لك، أيها الشيخ! فقال:
ذكرت أيام تقطّعي في إرادتي، وقطعي [3] المنازل يوما فيوما، وخدمتي
لأولئك السادة من أصحابي، وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف
الأحوال، وأنشد:
منازل كنت تهواها وتألفها ... أيّام كنت على الأيّام منصورا [4]
وقال: المعجب بعمله مستدرج، والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به. والذي
يظن أنه موصول فهو مغرور.
ورؤي وهو يبكي بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة وينشد لنفسه:
أنافعي دمعي فأبكيكا [5] ... هيهات مالي طمع فيكا
فلم يزل كذلك إلى أن مات بمكّة، شرّفها الله تعالى.
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 232) و
«غربال الزمان» ص (287) .
[2] ص (382- 385) والمؤلف ينقل عنه بتصرف واختصار.
[3] في الأصل والمطبوع: «وقطع» وما أثبته من «طبقات الصوفية» .
[4] رواية البيت في «طبقات الصوفية» :
منازل كنت تهواها وتألفها ... أيام أنت على الأيام منصور
[5] رواية البيت في «طبقات الصوفية» :
أنافعي دمعي فأبكيك ... هيهات ما لي طمع فيك
(4/153)
وأسند الخطيب عنه [1] أنه قال: الكلام من
غير ضرورة مقت من الله للعبد.
وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري [2] الزاهد، أحد
مشايخ العراق. صحب الجنيد [3] وغيره، وكان يقال: إشارات الشبلي، ونكت
المرتعش، وحكايات الخلدي. قاله في «العبر» .
وقال السخاوي في «طبقاته» : عبد الله بن محمد النيسابوري من محلة
بالحيرة، صحب أبا حفص، وأبا عثمان، والجنيد، وأقام ببغداد حتّى صار أحد
مشايخ العراق. كانوا يقولون: عجائب بغداد في التصوف ثلاث:
إشارات الشبلي، ونكت المرتعش [4] ، وحكايات الخلدي، وكان مقيما في مسجد
الشّونيزيّة. مات ببغداد.
ومن كلامه: سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدّنيا.
وقال: ذهبت حقائق الأشياء وبقيت أسماؤها، فالأسماء موجودة، والحقائق
مفقودة، والدعاوى في السرائر مكنونة، والألسنة بها فصيحة، والأمور عن
حقوقها مصروفة. وعن قريب تفقد هذه الألسنة وهذه الدّعاوى، فلا يوجد
لسان صادق ولا مدّع صادق [5] .
وقال: الوسوسة تؤدّي إلى الحيرة، والإلهام يؤدّي إلى زيادة فهم وبيان.
__________
[1] في «تاريخ بغداد» (12/ 73) .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 230- 231) و
«غربال الزمان» ص (287) .
[3] في «العبر» : «صحبه الجنيد» .
[4] قوله: «ونكت المرتعش» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
[5] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «فلا يوجد لسان ناطق، ولا مدّع مطنب» .
(4/154)
وقال: أصول التوحيد ثلاثة أشياء: معرفة
الله تعالى بالرّبوبية، والإقرار له بالوحدانيّة، ونفي الأنداد عنه
جملة.
وسئل: بماذا ينال العبد حبّ الله تعالى؟ قال: ببغض ما أبغض الله، وهو
[1] الدّنيا والنفس.
وسئل: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: رؤية فضل الله عزّ وجل، وأنشد:
إنّ المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم [2]
وقيل له: إن فلانا يمشي على الماء! فقال: عندي إنّ [من] [3] مكّنه الله
من مخالفة هواه، فهو أعظم من المشي على الماء [4] .
قال أبو عبد الله الرّازي: حضرت وفاته في مسجد الشّونيزيّة، فقال:
انظروا ديوني، فنظروا فقالوا: بضعة عشر درهما، فقال: انظروا خريقاتي،
فلما قرّبت منه قال: اجعلوها في ديوني وأرجو أن الله عزّ وجل يعطيني
الكفن، ثم قال: سألت الله ثلاثا عند موتي فأعطانيها، سألته أن يميتني
على الفقر رأسا برأس، وسألته أن يجعل موتي بهذا [5] المسجد، فقد صحبت
فيه أقواما. وسألته أن يكون حولي من آنس به وأحبه. وغمض عينيه ومات بعد
ساعة، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وعنّا وعن جميع المسلمين. انتهى
ملخصا.
وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن سيّار الحافظ الإمام، أبو عبد الله
البيّانيّ [6] القرطبي. عن أبيه، وبقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضّاح،
ومطيّن،
__________
[1] في «طبقات الصوفية» : «وهي» .
[2] البيت في «طبقات الصوفية» ص (352) و «تاريخ بغداد» (7/ 221) .
[3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات الصوفية» ص (352) .
[4] في «طبقات الصوفية» : «فهو أعظم من المشي على الماء وفي الهواء» .
[5] في المطبوع: «في هذا» .
[6] مترجم في «تذكرة الحفاظ» (3/ 844- 845) و «سير أعلام النبلاء» (15/
254) و «توضيح
(4/155)
والنسائي. وعنه: ولده أحمد بن محمد، وخالد
بن سعيد، وسليمان بن أيوب، وكان عالما ثقة. قاله ابن بردس [1] .
وفيها على ما قاله ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
وحامد بن أحمد الزّيديّ ... كلامه حلاوة شهديّ
قال في شرحها: هو حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو أحمد المروزيّ [2]
نزيل طرسوس. قيل له: الزيديّ لجمعه حديث زيد بن أبي أنيسة دون غيره من
المحدّثين. انتهى.
__________
«المشتبه» لابن ناصر الدين (1/ 609)
[1] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ والصواب ما أثبته. انظر
«الأعلام» (1/ 324) .
[2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 369- 370) و «طبقات الحفاظ» ص
(373- 374) .
(4/156)
سنة تسع وعشرين
وثلاثمائة
في ربيع الأول استخلف المتقي لله، فاستوزر أبا الحسن [1] أحمد بن محمد
بن ميمون، فقدم أبو عبد الله البريدي من البصرة وطلب الوزارة، فأجابه
المتقي وولّاه، ومشى إلى بابه ابن ميمون، وكانت وزارة ابن ميمون شهرا،
فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم، فخافهم وهرب بعد أيام،
ووزر بعده أبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطي، ثم عزل بعد ثلاثة وأربعين
يوما ووزر الكرخيّ، فعزل بعد ثلاثة وخمسين يوما، فلم ير أقرب من مدة
هؤلاء، وهزلت الوزارة وضؤلت لضعف الدولة وصغر الدائرة.
وأما بجكم [2] التركي، فنزل واسط واستوطنها، وقرر مع الراضي أنه يحمل
إلى خزانته في كل سنة ثمانمائة ألف دينار بعد أن يريح الغلة من مؤنة
خمسة آلاف فارس يقيمون بها، وعدل وتصدق، وكان ذا عقل وافر وأموال
عظيمة، ونفس غضبّة [3] ، خرج يتصيّد، فأساء إلى أكراد هناك [4] ،
فاستفرد
__________
[1] كذا في الأصل والمطبوع و «مروج الذهب» (4/ 340) وفي «العبر» وبعض
المصادر: «أبو الحسين» انظر «النجوم الزاهرة» (3/ 271) والتعليق عليه.
[2] تصحف في الأصل والمطبوع إلى: «بحكم» والتصحيح من «العبر» والمصادر
التي بين يدي.
[3] في «العبر» : «عصبية» . قال ابن منظور: ورجل غضب، وغضوب، وغضبّ
بغير هاء، وغضبّة وغضبّة، بفتح الغين وضمها وتشديد الباء، وغضبان: يغضب
سريعا، وقيل شديد الغضب.
«لسان العرب» (غضب) .
[4] كذا في الأصل و «العبر» وفي المطبوع: «إلى كراد هناد» .
(4/157)
به عبد أسود، فطعنه برمح فقتله في رجب.
وكان قد أظهر العدل، وبنى دار ضيافة بواسط، وابتدأ بعمل المارستان، وهو
الذي جدده عضد الدولة بالجانب الغربي، وكانت أمواله كثيرة، فكان يدفنها
في داره، وفي الصحارى، وكان يأخذ رجالا في صناديق فيها مال إلى
الصحراء، ثم يفتح عليهم فيعاونونه على دفن المال ثم يعيدهم في الصناديق
ولا يدرون إلى أي موضع حملهم، فضاعت أمواله بموته والدفائن، ونقل من
داره وأخرج بالحفر منها ما يزيد على ألفي ألف عينا وورقا، وقيل:
للرورحارية: خذوا التراب بأجرتكم فأبوا [1] فأعطوا ألف درهم وغسل
التراب فخرج منه ستة وثلاثون ألف درهم.
وفيها توفي البربهاري أبو محمد الحسن بن علي [2] الفقيه القدوة، شيخ
الحنابلة بالعراق، قالا وحالا. وكان له صيت عظيم، وحرمة تامة، أخذ عن
المرّوذي [3] ، وصحب سهل بن عبد الله التّستري، وصنّف التصانيف، وكان
المخالفون يغلّظون قلب الدولة [4] عليه، فقبض على جماعة من أصحابه
واستتر هو في سنة إحدى وعشرين، ثم تغيّرت الدولة، وزادت حرمة
البربهاري، ثم سعت المبتدعة به، فنودي بأمر الراضي في بغداد: لا يجتمع
اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى إلى أن مات في رجب، رحمه الله تعالى.
قاله في «العبر» .
وقال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في «طبقاته» [5] : الحسن بن علي بن
خلف، أبو محمد البربهاري، شيخ الطائفة في وقته، ومتقدمها في
__________
[1] في «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (327) : «ودفع التراب إلى
الحفارين فلم يقنعوا» وانظر تتمة الكلام عنده.
[2] مترجم في «العبر» (2/ 222- 223) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 90-
93) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 378) و «المنهج الأحمد» (2/
26- 39) .
[3] في «العبر» : «المروزي» وهو تحريف. انظر ترجمته في «طبقات
الحنابلة» (1/ 56- 63) .
[4] في «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 44) و «سير أعلام النبلاء» : «قلب
السلطان» .
[5] (2/ 18- 45) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.
(4/158)
الإنكار على أهل البدع، والمباينة لهم
باليد واللسان، وكان له صيت عند السلطان، وقدم عند الأصحاب، وكان أحد
الأئمة العارفين، والحفاظ للأصول المتقنين، والثقات المأمونين.
صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد، رضي الله عنه، منهم المرّوذي. وصحب
سهل التّستري.
وصنّف البربهاري كتبا، منها «شرح كتاب السّنّة» ذكر فيه: احذر صغار
المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتّى تصير كبارا. وكذلك كل
بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من
دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت، وصارت دينا يدان به يخالف
[1] الصراط المستقيم، وخرج [2] من الإسلام، فانظر رحمك الله، كل من
سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة، فلا تعجلنّ ولا تدخلن في شيء منه حتّى
تسأل وتنظر، هل تكلّم فيه أحد من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أو
أحد العلماء، فإن أصبت فيه أثرا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه بشيء، ولا
تختر عليه شيئا فتسقط في النار.
واعلم- رحمك الله- أنه لا يتم إسلام عبد حتّى يكون متّبعا مصدّقا
مسلما، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقد كذّبهم، وكفى بهذا فرقة وطعنا [3] عليهم،
فهو مبتدع، ضال مضل، محدث في الإسلام ما ليس فيه.
واعلم أن الكلام في الربّ تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلّم في
الربّ سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه [عزّ وجلّ] في القرآن، وما
بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو، جلّ ثناؤه، واحد
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11
__________
[1] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «فخالف» .
[2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «فخرج» .
[3] تحرفت في «طبقات ابن أبي يعلى» : «فطعن» .
(4/159)
[الشورى: 11] ربنا، عزّ وجل، أول بلا متى،
وآخر بلا منتهى، يعلم السّرّ وأخفى. على عرشه استوى، وعلمه بكل مكان،
لا يخلو من علمه مكان، ولا يقول في صفات الربّ لم؟ وكيف؟ إلا شاكّ في
الله تبارك وتعالى. والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره، وليس بمخلوق [1]
، لأن القرآن من الله، وما كان من الله فليس بمخلوق، وهكذا قال مالك بن
أنس، والفقهاء قبله وبعده، والمراء فيه كفر. والإيمان بالرؤية يوم
القيامة، يرون الله تعالى بأعين رؤوسهم، وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا
ترجمان.
والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن فيه الخير والشّرّ، له كفّتان
ولسان، والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والإيمان بحوض رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولكل نبيّ حوض، إلا صالح النّبيّ صلى الله عليه
وسلم، فإن حوضه ضرع ناقته، والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، للمذنبين الخاطئين يوم القيامة، وعلى الصراط، ويخرجهم [من جوف
جهنم] [2] . وما من نبيّ إلا وله شفاعة، وكذلك الصّدّيقون، والشهداء،
والصالحون، والله عزّ وجل بعد ذلك يتفضّل [3] كثيرا على من يشاء،
والخروج من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما.
والإيمان بالصراط على جهنم، يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز [4] من شاء
الله، ويسقط في جهنم من شاء الله [5] ولهم أنوار على قدر إيمانهم.
والإيمان بالله، والأنبياء، والملائكة، والإيمان بالجنة والنار، أنهما
مخلوقتان، الجنة في السماء السابعة، وسقفها العرش، والنّار تحت الأرض
__________
[1] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «وليس مخلوقا»
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات ابن أبي
يعلى» (2/ 20) .
[3] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «تفضل» .
[4] أي يسلك الصراط من شاء الله من عباده، جعلنا الله تعالى منهم بفضله
ورحمته، إنه خير مسؤول.
[5] قوله «من شاء الله» سقط من المطبوع.
(4/160)
السابعة السفلى، وهما مخلوقتان، قد علم
الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، لا يفنيان
أبدا، بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين، ودهر الداهرين.
وآدم، صلى الله عليه وسلم، كان في الجنة الباقية المخلوقة، فأخرج منها
بعد ما عصى الله عزّ وجل.
والإيمان بالمسيح [الدجال] [1] .
والإيمان بنزول عيسى، صلى الله عليه وسلم، ينزل فيقتل الدجال، ويتزوج،
ويصلي خلف القائم [2] من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، ويموت ويدفنه
المؤمنون.
والإيمان بأن الإيمان قول، وعمل، ونية، وإصابة [3] يزيد وينقص، يزيد ما
شاء الله، وينقص حتّى لا يبقى منه شيء. وأفضل هذه الأمة والأمم كلها
بعد الأنبياء، صلوات الله عليهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ،
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء: طلحة، والزّبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرّحمن
بن عوف، [وأبو عبيدة عامر بن الجرّاح] وكلهم يصلح للخلافة.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القرن
الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار، وهم من صلّى للقبلتين.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما،
أو شهرا، أو سنة، أو أقل من ذلك أو أكثر، نترحّم عليهم، ونذكر فضلهم،
ونكفّ عن زللهم، ولا نذكر أحدا منهم إلا بخير [4] لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إذا
__________
[1] سقطت لفظة «الدجال» من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات ابن
أبي يعلى» .
[2] قلت: وهو المعروف بالمهدي.
[3] لفظة «وإصابة» لم ترد في «طبقات ابن أبي يعلى» .
[4] في الأصل والمطبوع: «يترحم عليهم، ويذكر فضلهم، ويكفّ عن زللهم،
ولا يذكر أحد منهم إلا بخير» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» .
(4/161)
ذكر أصحابي فأمسكوا» [1] .
واعلم [2] أن أصول البدع أربعة أبواب، يتشعّب من هذه الأربعة اثنان
وسبعون هوى، ويصير كل واحد من البدع يتشعب، حتّى تصير كلها إلى ألفين
وثمانمائة مقالة [3] كلها ضلالة، وكلها في النار، إلا واحدة، وهي [4]
من آمن بما في هذا الكتاب، واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو
صاحب سنّة، وهو ناج إن شاء الله تعالى.
واعلم أن الرجل إذا أحبّ مالك بن أنس وتولّاه فهو صاحب سنّة، وإذا رأيت
الرجل يحبّ أبا هريرة، وأسيدا، وأيوب بن عون، ويونس بن عبيد الله، وعبد
الله بن إدريس الأنصاري، والشعبي، ومالك بن مغول، ويزيد بن زريع، ومعاذ
بن معاذ، ووهب بن جرير، وحمّاد بن زيد، وحمّاد بن سلمة، ومالك بن أنس
[5] ، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة، وأحمد بن حنبل، والحجاج بن منهال،
وأحمد بن نصر، وذكرهم بخير، وقال بقولهم، فاعلم أنه صاحب سنّة.
واعلم أن من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله، عزّ وجل، حتّى يرجع.
وقال الفضيل بن عياض: آكل مع اليهودي والنصراني، ولا آكل مع
__________
[1] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 202) من حديث ثوبان رضي الله
عنه وتمامه فيه: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا،
وإذا ذكر القدر فأمسكوا» وقال: رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ربيعة وهو
ضعيف.
وذكره الهيثمي أيضا في «مجمع الزوائد» (7/ 202) باللفظ المتقدم من حديث
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: وفيه مسهر بن عبد الملك، وثقه
ابن حبان وغيره وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه ابن عدي في
«الكامل» (6/ 2172) وإسناده ضعيف، وله شاهد مرسل رواه عبد الرزاق في
«الأمالي» من حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرفوعا فهو حديث حسن بطرقه
وشواهده.
[2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «واعلموا» .
[3] لفظة «مقالة» لم ترد في «طبقات ابن أبي يعلى» .
[4] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «وهو» .
[5] كرر المؤلف ذكر «مالك بن أنس» تبعا لصاحب «طبقات الحنابلة» (2/ 37)
.
(4/162)
مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة
حصن من حديد.
وذكر أبو الحسن [1] بن بشار قال: تنزّه البربهاري من ميراث أبيه عن
تسعين [2] ألف درهم.
وكانت له مجاهدات ومقامات في الدّين كثيرة. وكان المخالفون يغلّظون [3]
قلب السلطان عليه. ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة تقدّم ابن مقلة
بالقبض على البربهاري، فاستتر، وقبض جماعة من كبار أصحابه، وحملوا إلى
البصرة، فعاقب الله تعالى ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط [4] عليه
القاهر، ووقع له ما وقع، ثم تفضل الله، عزّ وجل، وأعاد البربهاري إلى
حشمته وزادت، حتّى إنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفة، المعروف
بنفطويه، وحضر جنازته أماثل أبناء الدّين والدّنيا، كان المقدّم على
جماعتهم في الإمامة البربهاري، وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة،
في خلافة الراضي.
وفي هذه السنة زادت حشمة البربهاري، وعلت كلمته، وظهر أصحابه وانتشروا
في الإنكار على المبتدعة، فبلغنا أن البربهاري اجتاز بالجانب الغربي،
فعطس، فشمّته أصحابه، فارتفعت ضجّتهم حتّى سمعها الخليفة.
ولم تزل المبتدعة يوغرون [5] قلب الراضي على البربهاري، حتى نودي في
بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان، فاستتر، وتوفي في
الاستتار، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسين» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات ابن
أبي يعلى» (2/ 43) و «المنهج الأحمد» (2/ 10) بعناية الأستاذ عادل
نويهض.
[2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «سبعين» .
[3] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «يغيظون» .
[4] في الأصل والمطبوع: «سخط» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» ، وأسخط
أي أغضب.
انظر «لسان العرب» (سخط) .
[5] في «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 44) : «ينقلون» .
(4/163)
وحدثني محمد بن الحسن المقرئ قال: حكى لي
جدي وجدتي قالا: كان أبو محمد البربهاري قد اختفى [1] عند أخت توزون
بالجانب الشرقي في درب الحمّام، في شارع درب السلسلة، فبقي نحوا من
شهر، فلحقه قيام الدم، فقالت أخت توزون لخادمها لما مات البربهاريّ
عندها مستترا: انظر من يغسله، فجاء بالغاسل فغسله، وغلّق الأبواب [2]
حتّى لا يعلم أحد، ووقف يصلي عليه وحده. فاطّلعت صاحبة المنزل، فرأت
الدار ملأى رجالا بثياب بيض وخضر، فلما سلّم لم تر أحدا، فاستدعت
الخادم وقالت: أهلكتني مع أخي، فقال: يا ستي، رأيت ما رأيت؟ فقالت:
نعم، فقال: هذه مفاتيح الباب، وهو مغلق، فقالت: ادفنوه في بيتي، وإذا
متّ فادفنوني عنده في بيت القبة، فدفنوه في دارها، وماتت بعده بزمان
فدفنت في ذلك المكان، ومضى الزمان عليه وصار تربة. انتهى ما أورده ابن
أبي يعلى ملخصا جدا.
وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الرّبعي البغدادي [3]
وله بضع وسبعون سنة. سمع عبّاسا الدّوري وطبقته، وولي قضاء مصر ثلاث
مرات، آخرها في ربيع الأول من هذا العام، فتوفي بعد شهر. ضعّفه غير
واحد في الحديث، وله عدّة تصانيف.
قال في «المغني» [4] : عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي، ضعّف.
روى عن عبّاس الدّوري، وأبي داود [5] السّجزي.
قال الخطيب: كان غير ثقة. انتهى.
__________
[1] في «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 45) : «اختبأ» .
[2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «وغلق الباب» .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 223) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 315- 316) .
[4] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 331) .
[5] في الأصل والمطبوع «وابن داود» والتصحيح من «المغني في الضعفاء» و
«سير أعلام النبلاء» .
(4/164)
وفيها الحامض المحدّث، وهو أبو القاسم عبد
الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي [1] روى عن سعدان بن نصر،
وطائفة.
وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد المروزي ثم الغازي [2]
الحافظ الثقة. روى عن أبي داود السّنجي، ومحمود بن آدم، وطائفة. وعنه
ابن القوّاس، والدارقطني، وقال: هو ثقة حافظ.
وفيها أبو الفضل البلعميّ الوزير محمد بن عبيد الله [3] ، أحد رجال
الدهر عقلا، ورأيا، وبلاغة. روى عن محمد بن نصر المروزي وغيره، وصنّف
«كتاب تلقيح البلاغة» ، و «كتاب المقالات» .
وفيها الرّاضي بالله الخليفة، أبو إسحاق [4] محمد، وقيل: أحمد بن أبي
أحمد بن المتوكل العبّاسي [5] . ولد سنة سبع وتسعين ومائتين من جارية
رومية اسمها ظلوم، وكان قصيرا، أسمر، نحيفا، في وجهه طول، استخلف سنة
اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو آخر خليفة له شعر مدوّن، وآخر خليفة
انفرد بتدبير الجيوش إلى خلافة المتقي [6] وآخر خليفة خطب يوم الجمعة،
إلى خلافة الحاكم العباسي، فإنه خطب أيضا مرتين، وآخر خليفة جالس
النّدماء. ولكنه كان مقهورا مع أمرائه، مرض في ربيع الأول بمرض دمويّ،
ومات، وكان سمحا كريما، محبّا للعلماء والأدباء. سمع الحديث من البغوي.
توفي في نصف ربيع الأول، وله إحدى وثلاثون سنة ونصف.
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 223) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 287- 288) .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 80- 81) .
وقال الذهبي فيه:
«الفازي» بالفاء، من أهل قرية فاز، وبعضهم يقول: الغازي.
[3] مترجم في «العبر» (2/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 292) .
[4] كذا في الأصل والمطبوع و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «أبو
إسحاق» وفي معظم المصادر:
«أبو العبّاس» وهو الأرجح.
[5] مترجم في «العبر» (2/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 103- 104) .
[6] قوله: «إلى خلافة المتقي» لم يرد في «العبر» .
(4/165)
وفيها أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن
بهلول أبو بكر التّنوخيّ الأنباري الأزرق الكاتب، في آخر السنة ببغداد،
وله نيّف وتسعون سنة. روى عن جدّه، والحسن بن عرفة وطائفة.
(4/166)
سنة ثلاثين
وثلاثمائة
فيها كان الغلاء المفرط، والوباء ببغداد، وبلغ الكرّ [1] مائتين وعشرة
دنانير، وأكلوا الجيف.
وفيها وصلت الرّوم، فأغارت على أعمال حلب، وبدّعوا، وسبوا عشرة آلاف
نسمة.
وفيها أقبل أبو الحسين [2] علي بن محمد البريدي في الجيوش، فالتقاه
المتّقي، وابن رائق فكسرهما، ودخلت طائفة من الدّيلم دار الخلافة،
فقتلوا جماعة، وهرب المتقي وابنه وابن رائق إلى الموصل، واختفى وزيره
أبو إسحاق القراريطي، ووجدوا في الحبس كورتكين، وكان قد عثر عليه ابن
رائق فسجنه، فأهلكه البريدي، ووقع النهب في بغداد، واشتد القحط، حتّى
بلغ الكرّ ثلاثمائة وستة عشر دينارا، وهذا شيء لم يعهد في العراق، ثم
عمّ البلاء بزيادة دجلة، فبلغت عشرين ذراعا، وغرق الخلق، ثم خامر
توزون، وذهب إلى الموصل.
وأما ناصر الدولة بن حمدان، فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته، فوضع
رجله في الرّكاب، فشبّ به الفرس، فوقع، فصاح ابن حمدان:
__________
[1] مكيال لأهل العراق، سبق التعريف به. انظر «لسان العرب» (كرر) .
[2] في الأصل: «وفيها أقبل الحسين» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع.
(4/167)
لا يفوتنّكم، فقتلوه، ثم دفن وعفا [1]
قبره، وجاء ابن حمدان إلى المتّقي، فقلّده مكان ابن رائق، ولقّبه ناصر
الدولة، ولقّب أخاه عليّا سيف الدولة، وعاد وهما معه، فهرب البريدي من
بغداد، وكانت مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما، ثم تأهّب [2]
البريدي، فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن، ودام القتال يومين، فكانت
الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك، ثم كانت على البريدي، وقتل جماعة
من أمراء الدّيلم، وأسر آخرون، وردّ إلى واسط بأسوأ حال، وساق وراءه
سيف الدّولة، ففرّ إلى البصرة.
وفيها توفي في رجب بمصر أبو بكر محمد بن عبد الله الصّيرفي الشافعي [3]
، له مصنّفات في المذهب، وهو صاحب وجه. روى عن أحمد ابن منصور
الرّمادي.
قال الإسنوي: كان إماما في الفقه والأصول. تفقه على ابن سريج، وله
تصانيف موجودة، منها «شرح الرسالة» ، وكتاب في الشروط أحسن فيه كل
الإحسان.
قال القفّال الشاشي: كان الصيرفيّ أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي.
انتهى.
وفيها أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري [4] .
روى عن الذّهلي، والحسن الزعفراني، وطبقتهما، بخراسان، والعراق، ومصر.
وفيها أبو يعقوب النّهرجوري [5] ، شيخ الصوفية، إسحاق بن محمد.
__________
[1] في «العبر» : «عفّي» وكلاهما بمعنى.
[2] في «العبر» : «تهيأ» .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 227) و «وفيات الأعيان» (4/ 199) .
[4] مترجم في «العبر» (2/ 227) .
[5] مترجم في «العبر» (2/ 227) و «طبقات الصوفية» ص (378- 381) .
(4/168)
صحب الجنيد وغيره، وجاور مدة، وكان من كبار
العارفين.
قال السخاوي في «طبقاته» : صحب الجنيد، وعمرو [بن عثمان] المكّي [1] ،
وأبا يعقوب السّوسي، وغيرهم من المشايخ.
أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا. ومات بها [2] . كان أبو عثمان المغربي
يقول: ما رأيت في مشايخنا أنور من النّهرجوري.
قال: الفناء هو فناء رؤية قيام العبد لله، والبقاء رؤية قيام الله في
الأحكام.
وقال: الصدق موافقة الحقّ في السّرّ والعلانية، وحقيقة الصدق القول
بالحق في مواطن الهلكة [3] .
وقال: العابد يعبد الله تحذيرا، والعارف يعبد الله تشويقا.
وقال في قوله، صلى الله عليه وسلم، «احترسوا من النّاس بسوء الظّنّ»
[4] أو كما قال، صلى الله عليه وسلم، فقال: بسوء الظن في أنفسكم [5]
بأنفسكم، لا بالناس.
وقال: مفاوز الدّنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب.
وقال: من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا، ومن كان غناه بالمال، لم يزل
فقيرا، ومن قصد بحاجته الخلق، لم يزل محروما، ومن استعان في أمره بغير
الله، لم يزل مخذولا.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «وعمر المكي» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات
الصوفية» للسلمي، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 233) وما بين حاصرتين
زيادة منهما.
[2] يعني بمكة المكرمة، وفي «طبقات الصوفية» : «وبه مات»
[3] في «طبقات الصوفية: «التهلكة» .
[4] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 89) من حديث أنس بن مالك رضي
الله عنه، وقال:
رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس، وبقية رجاله
ثقات. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح» من رواية الطبراني في
«الأوسط» عن أنس وقال: وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى،
فله علتان. أقول: فالحديث بهذا ضعيف.
[5] قوله: «في أنفسكم» لم يرد في «طبقات الصوفية» للسلمي.
(4/169)
وقال: الدّنيا بحر، والآخرة ساحل، والمركب
التقوى، والناس سفر.
وقال: لا زوال لنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت.
وقال: اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب.
وقال: من عرف الله لم يغتر بالله.
انتهى ملخصا.
وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السّلمي [1] بدمشق. روى عن هشام بن عمّار.
وفيها المحاملي، القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضّبّي
البغدادي [2] ، في ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة. وهو ثقة مأمون،
وأول سماعه في سنة أربع وأربعين من أبي هشام الرفاعي، وأقدم شيخ له
أحمد بن إسماعيل السّهمي صاحب مالك.
قال أبو بكر الدّاودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل يكتبون
عنه.
وقال ابن بردس: روى عن الفلّاس، والدّورقي، وغيرهما. وعنه:
دعلج، والدارقطني، وابن جميع.
أثنى عليه الخطيب [3] . انتهى.
وفيها قاضي دمشق، أبو يحيى، زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى ختّ البلخي
[4] الشافعي، وهو صاحب وجه. روى عن أبي حاتم الرّازي
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 227) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/
300) طبع دار الفكر بدمشق.
[2] مترجم في «العبر» (2/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 258- 263) .
[3] حيث قال عنه في «تاريخ بغداد» (8/ 20) : وكان فاضلا، صادقا، ديّنا.
[4] مترجم في «العبر» (2/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 293- 294) ،
و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (9/ 52) طبع دار الفكر بدمشق.
(4/170)
وطائفة، ومن غرائب وجوهه: إذا شرط في
القراض، أن يعمل ربّ المال مع العامل جاز. قاله في «العبر» .
وقال الإسنوي: فارق وطنه لأجل الدّين، ومسح عرض الأرض، وسافر إلى أقاصي
الدّنيا في طلب الفقه، وكان حسن البيان في النظر، عذب اللسان في الجدل.
وذكره ابن عساكر في «تاريخ الشام» فقال: كان أبوه وجدّه عالمين، وولّاه
المقتدر بالله قضاء الشام، وتوفي بدمشق في ربيع الأول، وقيل في ربيع
الآخر.
ونقل عنه الرافعي: أنه كان يرى أن القاضي يزوج نفسه بامرأة هو وليّها.
قال: وحكي عنه أنه فعله لما كان قاضيا بدمشق.
قال العبّادي في «الطبقات» [1] : قال أبو سهل الصعلوكي: رأيت ابنه من
هذه المرأة يكدي [2] بالشام. انتهى ملخصا.
وفيها عبد الغافر بن سلامة أبو هاشم الحمصي [3] بالبصرة، وله بضع
وتسعون سنة. روى عن كثير بن عبيد وطائفة.
وفيها عبد الله بن يونس القبري [4] الأندلسي [5] صاحب بقي بن مخلد،
وكان كثير الحديث مقبولا.
__________
[1] واسمه الكامل «طبقات الشافعيين» وهو مطبوع كما ذكر العلّامة
الزركلي في ترجمته في «الأعلام» (5/ 314) ولكنه غير متوفر بين يدي،
وصاحبه الإمام القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد
الله بن عباد الهروي، المتوفى سنة (458) وسوف ترد ترجمته في المجلد
الخامس إن شاء الله تعالى.
[2] أي قلّ خيره. (ع)
[3] مترجم في «العبر» (2/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 294) .
[4] في الأصل والمطبوع: «القيري» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ علماء
الأندلس» و «معجم البلدان» .
[5] مترجم في «تاريخ علماء الأندلس» (1/ 226) طبع الدار المصرية
للتأليف والترجمة و «معجم البلدان» (4/ 305- 306) . «العبر» (2/ 228) و
«تاج العروس» (قبر) (13/ 358) .
(4/171)
وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حمزة [1]
البغدادي الزّيّات [2] روى عن الحسن بن عرفة وجماعة، وهو من كبار شيوخ
ابن جميع.
وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد البغدادي البزّار [3] .
روى عن عبّاس الدّوري، ويحيى بن أبي طالب. وعنه: الدارقطني، وابن جميع.
وثّقه الخطيب [4] وغيره، ووصفوه بالحفظ.
وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبيّ [5] أبو عبد الله الحافظ،
وله ثمان وسبعون سنة. رحل إلى العراق سنة أربع وتسعين، وصنّف كتابا على
«سنن أبي داود» وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن الجهم
السّمّري [6] وطبقتهما. وعنه: ابنه أحمد.
قال ابن بردس: هو مسند الأندلس، وهو ثقة ثقة.
وفيها عمر بن سهل بن إسماعيل الحافظ المجوّد أبو حفص الدّينوري [7] .
رحّال. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس، وأبي قلابة الرّقاشي.
وعنه: أبو القاسم بن ثابت الحافظ، وصالح بن أحمد الهمداني. ذكره أبو
يعلى في «الإرشاد» فقال: ثقة، إمام، عالم.
وفيها محمد بن عمر بن حفص الجورجيري [8] بأصبهان. سمع إسحاق بن الفيض
[9] ، ومسعود بن يزيد القطّان، وطبقتهما.
__________
[1] تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «حمرة» .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 229) .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 286- 287) .
[4] حيث قال عنه في «تاريخ بغداد (12/ 74) : وكان ثقة، أمينا، حافظا،
عارفا.
[5] مترجم في «العبر» (2/ 229) ، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 241- 243)
.
[6] نسبة إلى «سمّر» من أعمال «كسكر» بين واسط والبصرة. انظر «الأنساب»
(7/ 137) .
[7] مترجم في «تذكرة الحفاظ» (3/ 879- 880) و «سير أعلام النبلاء» (15/
337- 339) .
[8] مترجم في «العبر» (2/ 229) و «الأنساب» (3/ 256) و «سير أعلام
النبلاء» (15/ 271- 272) .
[9] الذي في «سير أعلام النبلاء» (15/ 271) «إسحاق بن إبراهيم الفارسي»
.
(4/172)
وفيها محمد بن يوسف بن بشر، أبو عبد الله
الهروي الحافظ [1] ، غندر [2] من أعيان الشافعية، والرحّالين في
الحديث. سمع الرّبيع بن سليمان، والعبّاس بن الوليد البيروتي،
وطبقتهما. ومنه: الطبراني، والزّبير بن عبد الواحد، وهو ثقة ثبت.
وفيها الزاهد العابد، أبو صالح [3] صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي
[4] ، يقال: اسمه مفلح [5] ، وكان من الصوفية العارفين.
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 229- 230) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 252-
254) .
[2] أقول: المعروف بلقب غندر، محمد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله البصري
ولم أجد من قال عن الهروي بأنه غندر. (ع) .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 230) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 84- 85) و
«دول الإسلام» (1/ 203) و «النجوم الزاهرة» (3/ 275) .
[4] يعني الباب الشرقي لسور مدينة دمشق القديمة.
[5] قلت: وذكر في «النجوم الزاهرة» أن اسمه «مفلح بن عبد الله الدمشقي»
.
(4/173)
|