شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وثلاثين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» وافى جراد زائد عن الحد، حتّى بيع كل خمسين
رطلا بدرهم، واستعان به الفقراء على الغلاء.
وفي التي قبلها ظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر، فبقي ثلاثة عشر يوما، ثم
اضمحل، واشتد الغلاء والمرض. انتهى.
وفيها قلّل ناصر الدولة بن حمدان رواتب المتّقي، وأخذ ضياعه، وصادر
العمال، وكرهه الناس، وزوّج بنته بابن المتقي، على مائتي ألف دينار،
وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة، فهرب. وسار أخوه ناصر الدولة إلى
الموصل، فنهبت داره، وأقبل توزون، فدخل بغداد، فولّاه المتقي إمرة
الأمراء، فلم يلبث أن وقعت بينهما الوحشة، فرجع توزون إلى واسط، ونزح
خلق من بغداد، من تتابع الفتن والخوف، إلى الشام ومصر، وبعث المتقي
خلعا إلى أحمد بن بويه، فسرّ بها.
وفيها أبو روق الهزّاني، أحمد بن محمد بن بكر [1] ، بالبصرة، وقيل:
بعدها، وله بضع وتسعون سنة. روى عن أبي حفص الفلّاس وطائفة.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «بكير» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 231)
و «سير أعلام النبلاء» (15/ 285- 286) .
(4/174)
وبكر بن أحمد بن حفص التّنّيسي الشعراني
[1] روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته، بمصر والشام.
وحبشون بن موسى، أبو نصر الخلّال [2] ببغداد في شعبان، وله ست وتسعون
سنة. روى عن الحسن بن عرفة، وعلي بن إشكاب [3] .
وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي [4] .
قال ابن ناصر الدّين: كان من الحفاظ الصالحين، لكنه لم يكن بالضابط
المتين.
وقال في «العبر» : سمع من بقي بن مخلد مسنده، وبمصر من أبي يزيد
القراطيسي، وباليمن من إسحاق الدّبري، وبمكة، وبغداد. وكان فقيها،
مفتيا، صالحا، عاش ثمانيا وثمانين سنة.
قال ابن الفرضي [5] : لم يكن بالضابط جدا. انتهى.
وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السّدوسي [6] ببغداد، في
ربيع الآخر. سمع من جدّه «مسند العشرة» و «مسند العبّاس» وهو ابن سبع
سنين، وسمع من الرّمادي وأناس، ووثقه الخطيب.
وفيها أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني الصّوفي [7] ، أستاذ أبي بكر
الرّقّي، وكان من العابدين، وله بزّة حسنة، ومعه مفتاح منقوش، يصلي
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 308- 309) .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 316- 317) .
[3] تصحفت في الأصل إلى «إسكاب» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[4] مترجم في «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 435- 436) .
[5] في «تاريخ علماء الأندلس» (1/ 110) طبع الدار المصرية للتأليف
والترجمة.
[6] مترجم في «العبر» (2/ 231- 232) و «النجوم الزاهرة» (3/ 280) .
[7] مترجم في «العبر» (2/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 290- 291) .
(4/175)
ويضعه بين يديه، كأنه تاجر، وليس له بيت،
بل ينطرح في المسجد، ويطوي أياما.
وفيها الزاهد أبو محمود [1] عبد الله بن محمد بن منازل النّيسابوري [2]
المجرد على الصحة والحقيقة. صحب حمدون القصّار، وحدّث بالمسند الصحيح
عن أحمد بن سلمة النيسابوري، وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة.
قاله في «العبر» .
وقال السخاوي: من أجلّ مشايخ نيسابور، له طريقة ينفرد [3] بها، وكان
عالما بعلوم الظاهر، كتب الحديث الكثير، ورواه، ومات بنيسابور.
ومن كلامه: لا خير فيمن لم يذق ذلّ المكاسب، وذلّ السؤال، وذلّ الردّ.
وقال: [عبّر] [4] بلسانك عن حالك، ولا تكن بكلامك حاكيا عن أحوال غيرك.
وقال: إذا لم تنتفع أنت بكلامك كيف ينتفع به غيرك.
وقال: لم يضيّع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن،
ولم يبتل أحد بتضييع السّنن إلا أوشك أن يبتلى [5] بالبدع.
وقال: التفويض مع الكسب خير من خلوّه عنه.
__________
[1] كذا كني في الأصل والمطبوع بأبي محمود تبعا «للعبر» مصدر المؤلف،
وكني في «طبقات الصوفية» و «طبقات الأولياء» بأبي محمد.
[2] مترجم في «العبر» (2/ 232) و «طبقات الصوفية» ص (366- 369) و
«طبقات الأولياء» ص (345- 346) .
[3] في «طبقات الصوفية» للسلمي ص (366) : «يتفرّد» .
[4] سقطت لفظة «عبر» من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات الصوفية»
للسلمي ص (367) .
[5] في الأصل والمطبوع: «يبلى» والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي ص
(369) .
(4/176)
وقال: من عظم قدره عند الناس يجب أن يحتقر
نفسه عنده.
وقال: أحكام الغيب لا تشاهد في الدّنيا، ولكن تشاهد فضائح الدعاوى [1]
.
وقال: لو صحّ لعبد في عمره نفس من غير رياء ولا شرك، لأثّر بركات ذلك
عليه آخر الدهر.
وقال: لا تكن خصما لنفسك على الخلق، وكن خصما للخلق على نفسك. انتهى
ملخصا.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدّينوري [2] الصّائغ الزاهد، أحد
المشايخ الكبار، بمصر في رجب. كان صاحب أحوال ومواعظ. سئل عن الاستدلال
بالشاهد عن الغائب، فقال: كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين، ويمثل على
من لا يشاهد في الدّنيا، ولا يعاين، ولا مثل له، ولا نظير.
وقال: من فساد الطّبع التمنّي والأمل.
وقال: كان بعض مشايخنا يقول: من تعرض لمحبته جاءته المحن والبلايا.
وقال أهل المحبّة في لهيب شوقهم إلى محبوبهم يتنعّمون في ذلك اللهيب،
أحسن مما يتنعم أهل الجنة فيما أهّلوا له من النعيم.
وقال: محبتك لنفسك هي التي تهلكها.
وسئل ما المعرفة؟ فقال: رؤية المنّة في كلّ الأحوال، والعجز عن أداء
شكر المنعم من كلّ الوجوه، والتّبرّي من الحول والقوّة في كل شيء.
__________
[1] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «فضائح الدعوى» .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «طبقات الصوفية» ص (312- 315) .
(4/177)
وقال: من توالت عليه الهموم في الدّنيا،
فليذكر همّا لا يزول، يستريح منها.
وقال: الأحوال كالبروق، فإذا أثبتت فهو حديث النفس وملازمة الطبع.
ومن حلو كلامه: من أيقن أنه لغيره، فما له أن يبخل بنفسه.
وفيها محمد بن مخلد العطّار الدّوري [1] أبو عبد الله الحافظ، ببغداد.
سمع يعقوب الدّورقي، وأحمد بن إسماعيل السّهمي، وخلائق.
ومنه [2] الدارقطني وآخرون. وكان معروفا بالثقة، والصلاح، والاجتهاد في
الطلب، وله تصانيف، توفي في جمادى الآخرة، وله سبع وتسعون سنة.
وفيها صاحب ما وراء النهر، أبو الحسن نصر بن الملك أحمد بن إسماعيل
السّاماني [3] بقي في المملكة بعد أبيه ثلاثين سنة وثلاثين يوما، وولي
بعده ابنه نوح.
وفيها هنّاد بن السّري بن يحيى الكوفي الصغير [4] . روى عن أبي سعيد
الأشج وجماعة.
وفيها الجصّاص، أبو يوسف، يعقوب بن عبد الرّحمن بن أحمد البغدادي [5]
الدّعّاء. روى عن أحمد بن إسماعيل السّهمي، وعلي بن إشكاب، وجماعة، وله
أوهام وغلطات.
قال في «المغني» [6] : قال الخطيب: في حديثه وهم كثير. انتهى.
__________
[1] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 256- 257) .
[2] في المطبوع: «وعنه» .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 233) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير
(8/ 401) .
[4] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (220- 221)
.
[5] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 296- 297) .
[6] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 759) .
(4/178)
سنة اثنتين وثلاثين
وثلاثمائة
قال في «الشذور» : فيها اشتد الغلاء، وكثرت اللصوص، حتّى تحارس الناس
بالليل بالبوقات. انتهى.
وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن
بويه ونسبه إلى الظلم.
ولم يحج الركب لموت القرمطي الطاغية، أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد
الجنّابي، في رمضان بهجر، من الجدري. أهلكه الله [1] به، فلا رحم الله
فيه مغرز إبرة. وقام بعده أبو القاسم الجنّابي. قاله في «العبر» .
وفيها توفي الحافظ ابن عقدة أبو العبّاس، أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي
الشيعي [2] ، أحد أركان الحديث. سمع من [3] الحسن بن علي بن عفّان،
ويحيى بن أبي طالب، وخلق لا يحصون. ومنه الطبراني، وابن عدي،
والدارقطني، وغيرهم. ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد، لكنه كان آية من
الآيات في الحفظ، حتّى قال الدارقطني: أجمع أهل بغداد أنه لم ير
بالكوفة من زمن ابن مسعود، رضي الله عنه، إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه.
وسمعته يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني
هاشم.
__________
[1] سقط لفظ الجلالة من «العبر» (2/ 235) .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 236) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 340- 355) .
[3] لفظة «من» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
(4/179)
وروي عن ابن عقدة قال: أحفظ مائة ألف حديث
بإسنادها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث.
وقال أبو سعيد الماليني: تحول ابن عقدة مرّة، فكانت كتبه ستمائة حمل.
قال في «العبر» : قلت: ضعّفوه، واتهمه بعضهم بالكذب.
وقال أبو عمر بن حيّويه [1] : كان يملي مثالب الصحابة، فتركته. انتهى.
وعقدة: لقب أبيه.
وفيها محمد بن بشر، أبو بكر الزّبيري العكري [2] روى عن بحر بن نصر
الخولاني وجماعة، وعاش أربعا وثمانين سنة.
وفيها محمد [بن الحسين] بن الحسن أبو بكر القطّان النيسابوري [3] في
شوال. روى عن عبد الرّحمن بن بشر، وأحمد بن يوسف، والسّلمي، والكبار.
وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة، أبو علي الدمشقي [4] المحدّث. روى عن
أبي أميّة الطّرسوسي وطبقته.
وفيها الإمام ابن ولّاد النحوي، وهو أبو العبّاس أحمد بن محمد بن
الوليد التميمي المصري [5] ، مصنّف كتاب «الانتصار لسيبويه على المبرد»
وكان شيخ الديار المصرية في العربية مع أبي جعفر النّحّاس [6] .
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «أبو عمران حبوية» وهو خطأ، والتصحيح من
«العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 409) .
[2] مترجم في «العبر» (2/ 237) وقد تحرفت «العكري» فيه إلى «العكبري»
فتصحّح، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 314) .
[3] مترجم في «العبر» (2/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 318- 319)
وما بين حاصرتين منه.
[4] مترجم في «العبر» (2/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 331- 332) .
[5] مترجم في «العبر» (2/ 237) و «إنباه الرواة» (1/ 99) .
[6] في الأصل والمطبوع: «النخاس» وهو تصحيف.
(4/180)
سنة ثلاث وثلاثين
وثلاثمائة
فيها حلف توزون أيمانا صعبة للمتقي لله [1] فسار المتقي من الرّقّة
واثقا بأيمانه، في المحرم، فلما قرب من الأنبار، جاء توزون، وتلقاه
وقبّل الأرض، وأنزله في مخيّم ضربه له، ثم قبض على الوزير أبي الحسين
بن أبي [2] علي بن مقلة، وكحل المتقي لله، فسمل عينيه، وأدخل بغداد
مسمولا مخلوعا. وتوفي في شعبان سنة [خمسين، وقيل سنة سبع] [3] وخمسين
وثلاثمائة وله ستون سنة، وبويع عبد الله بن المكتفي ولقب المستكفي
بالله فلم يحل الحول [4] على توزون، واستولى أحمد بن بويه على واسط،
والبصرة، والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال والمنازلة بينهما
أشهرا، وابن بويه في استظهار، ومرض توزون بعلّة الصّرع، واشتد الغلاء
على ابن بويه، فردّ إلى الأهواز، ورد توزون إلى بغداد، وقد زاد به
الصّرع.
وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها، وهرب متولّيها يانس
المؤنسي إلى مصر، فجهز الإخشيذ جيشا، فالتقاهم سيف الدولة على
__________
[1] في «العبر» : «للمتقي بالله» .
[2] لفظة «أبي» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
[4] في الأصل: «فأحيل الحول» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في
«العبر» مصدر المؤلف.
(4/181)
الرّستن [1] فهزمهم، وأسر منهم ألف نفس،
وافتتح الرّستن، ثم سار إلى دمشق فملكها، فسار الإخشيذ ونزل على
طبريّة، فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الإخشيذ، فردّ سيف الدولة،
وجمع وحشد، فقصده الإخشيذ، فالتقاه بقنسرين وهزمه، ودخل حلب، وهرب سيف
الدولة.
وأما بغداد، فكان فيها قحط لم ير مثله، وهرب الخلق، وكان النساء يخرجن
عشرين وعشرا، يمسك بعضهنّ ببعض يصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد
الواحدة ميتة، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156
قاله في «العبر» [2] .
وفي شوال مات أبو عبد الله البريدي، وقام أخوه أبو الحسين مقامه، وكان
البريدي هذا على ما قال ابن الفرات ظلوما عسوفا، وكان أعظم أسباب
الغلاء ببغداد، لأنه صادر النّاس في أموالها، وجعل على كل كرّ [3] من
الحنطة، والشعير خمسة دنانير، فبلغ ثمن كرّ الحنطة ثلاثمائة دينار وستة
عشر دينارا، ثم افتتح الخراج في آذار، وحصد أصحابه الحنطة والشعير
وحملوه بسنبله إلى منازلهم، ووظف الوظائف على أهل الذّمة، وعلى سائر
المكيلات، وأخذ أموال التجار غصبا، وظلمهم ظلما، لم يسمع بمثله، واستتر
أكثر العمال لعظم ما طالبهم به، فسبحان الفعّال لما يريد.
وفيها توفي الحافظ، حافظ فلسطين، أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحّان
[4] بالرّملة. رحل إلى الشام، والجزيرة، والعراق. وروى عن العبّاس بن
الوليد البيروتي وطبقته. وعنه ابن جميع وطبقته.
__________
[1] الرستن: بلدة بين حمص وحماة على الضفة الشرقية لنهر الميماس
المعروف الآن بالعاصي.
وقد نسب إليها من العلماء أبو عيسى حمزة بن سليم العنبسي الرستني. انظر
خبرها في «معجم البلدان» (3/ 43) .
[2] (2/ 237- 239) وذكر الخبر مختصرا العامري في «غربال الزمان» ص
(292) .
[3] سبق أن ذكرت بأن الكرّ مكيال من مكاييل أهل العراق انظر ص (167) .
[4] مترجم في «العبر» (2/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 461- 463) .
(4/182)
وفيها- على ما قال ابن بردس [1]- الحافظ
محدّث الشام، خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي [2] أبو الحسن أحد
الثقات. روى عن أحمد بن الفرج وطبقته، وعنه: ابن جميع، وابن مندة،
وغيرهما.
قال الخطيب: ثقة ثقة.
وفيها قال ابن ناصر الدّين:
مثل الإمام المغربي حزّ الأدب ... ذاك الفتى محمّد أبو العرب
كان ثقة، حافظا، نبيلا. كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة كتاب [3] .
وفيها أبو علي اللّؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو البصري [4] راوية «السنن»
عن أبي داود. لزم أبا داود مدة طويلة يقرأ «السنن» للناس.
__________
[1] قلت: في الأصل والمطبوع: «ابن درباس» والصواب «ابن بردس» وهو
إسماعيل بن محمد بن بردس، صاحب «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» الذي ينقل عنه
المؤلف.
[2] مترجم في «تذكرة الحفاظ» (3/ 858- 860) و «سير أعلام النبلاء» (15/
412- 416) .
[3] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 394- 395) وهو صاحب كتاب «طبقات
علماء إفريقية وتونس» المطبوع بتحقيق الأستاذين علي الشابي ونعيم حسن
اليافي.
[4] مترجم في «العبر» (2/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 307- 308) .
(4/183)
سنة أربع وثلاثين
وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» دخل معز الدولة، وأبو الحسين بن بويه على
المستكفي، فظنهما يريدان تقبيل يده، فناولهما يده فنكساه عن السرير،
ووضعا عمامته في عنقه وجرّاه، ونهض أبو الحسين وحمل المستكفي راجلا إلى
دار أبي الحسن، فاعتقل وخلع من الخلافة. انتهى [1] .
أي وسملت عيناه أيضا، وحبس في دار الخلافة إلى أن توفي في شهر ربيع
الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وسنه ستة وأربعون سنة.
وقال في «الشذور» : وفي هذه السنة اشتد الغلاء حتّى ذبح الصبيان
وأكلوا، وأكل الناس الجيف، وصارت العقار والدّور تباع برغفان خبز،
واشتري لمعز الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم. انتهى [2] .
وفيها اصطلح سيف الدولة [3] والإخشيذ، وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب،
وحمص، وأنطاكية.
وفيها تداعت بغداد للخراب من شدة القحط والفتن والجور.
وهلك توزون بعلة الصّرع في المحرم ب «هيت» .
وفيها توفي كما قال ابن ناصر الدّين:
__________
[1] انظر الخبر برواية أخرى في «المنتظم» (6/ 342- 343) و «النجوم
الزاهرة» (3/ 285) .
[2] انظر الخبر برواية أخرى عند اليافعي في «غربال الزمان» ص (293) .
[3] تحرفت في المطبوع إلى «سيف الدلة» .
(4/184)
بعد فتى يس المضعّف ... الهرويّ أحمد
المصنّف
وهو أحمد بن محمد بن ياسين الهروي [1] الحافظ الحداد أبو إسحاق مصنف
«تاريخ هراة» وهو ليس بالقوي.
وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السّلمي الدمشقي [2]
في جمادى الأولى، وله بضع وتسعون سنة. تفرد بالرواية عن جماعة، وحدّث
عن موسى بن عامل المري ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما.
وفيها الصّنوبري الشاعر، أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضبّي الحلبي
[3] وشعره في الذّروة العليا.
وفيها الحسين بن يحيى أبو عبد الله المتّوثي القطّان [4] في جمادى
الآخرة، ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أحمد بن المقدام العجلي
وجماعة، وآخر من حدّث عنه هلال الحفّار.
وفيها عثمان بن محمد أبو الحسين الذهبي البغدادي [5] بحلب. روى عن أبي
بكر بن أبي الدّنيا وطبقته.
وفيها علي بن إسحاق [6] المادرائي أبو الحسن [7] محدّث البصرة. روى عن
علي بن حرب وطائفة.
__________
[1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 339- 340) وقد تحرفت سنة وفاته
في «ميزان الاعتدال» (1/ 149) إلى سنة (234) فتصحح فيه.
[2] مترجم في «العبر» (2/ 243) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/
147- 148) طبع دار الفكر بدمشق.
[3] مترجم في «العبر» (2/ 243) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/
237- 238) .
[4] مترجم في «العبر» (2/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 319- 320) .
[5] مترجم في «العبر» (2/ 244) .
[6] في المطبوع: «وفيها ابن إسحاق» .
[7] مترجم في «العبر» (2/ 244) و «الأنساب» (11/ 64) .
(4/185)
وفيها قاضي القضاة أبو الحسن أحمد بن عبد
الله الخرقي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بغداد، في سنة
ثلاثين، وكان قليل العلم إلى الغاية، إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار
العدول، فتعجب الناس من ولايته، لكنه ظهرت منه صرامة وعفّة، وكفاءة.
قاله في «العبر» [1] .
وفيها الوزير العادل أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح
البغدادي الكاتب، وزر مرّات للمقتدر، ثم للقاهر، وكان محدّثا، عالما،
ديّنا، خيّرا، كبير الشأن، عليّ [2] الإسناد. روى عن أحمد بن بديل،
والحسن الزّعفراني، وطائفة، وعاش تسعين سنة. وكان في الوزراء كعمر بن
عبد العزيز في الخلفاء.
قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول:
كسبت سبعمائة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البرّ ستمائة ألف دينار.
آخر من روى عنه ابنه عيسى في «أماليه» . قاله في «العبر» [3] .
وفيها الإمام العلّامة الثقة أبو القاسم الخرقي عمر بن الحسين البغدادي
الحنبلي صاحب «المختصر» [4] في الفقه، بدمشق، ودفن بباب الصغير. قاله
في «العبر» [5] .
__________
[1] (2/ 242- 243) .
[2] في «العبر» : «عالي» .
[3] (2/ 244) .
[4] طبع هذا المختصر أول مرة في دمشق عام (1377) هـ وقام بتحقيقه والدي
الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله بالاشتراك مع الأستاذ
الشيخ عبد الرحمن الباني، ثم أعيد طبعه بطريقة التصوير في المكتب
الإسلامي بدمشق عام (1383) هـ، ولما انتقل المكتب الإسلامي إلى بيروت
وظن صاحبه السيد زهير الشاويش بأن لا رقيب عليه ولا حسيب، قام بإعادة
تصويره من جديد وأثبت اسمه كمحقّق للكتاب على غلافه الخارجي وكذلك فعل
في معظم الكتب التي قام بتحقيقها للمكتب الإسلامي، والدي حفظه الله
بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط!!.
[5] (2/ 244- 245) .
(4/186)
وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : قرأ
[العلم] على من قرأ على أبي بكر المرّوذي، وحرب الكرماني، وصالح وعبد
الله ابني إمامنا. له المصنفات الكثيرة في المذهب، لم ينتشر منها إلّا
«المختصر» في الفقه، لأنه خرج من مدينة السلام لما ظهر فيها سبّ
الصحابة رضوان الله عليهم، وأودع كتبه في درب سليمان، فاحترقت الدار
التي كانت فيها، ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد.
قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب، منهم: أبو عبد الله بن بطة، وأبو الحسن
التميمي، وأبو الحسين [2] بن سمعون [3] وغيرهم.
قرأت بخط أبي إسحاق البرمكي، أن عدد مسائل «المختصر» ألفان وثلاثمائة
مسألة. انتهى ملخصا.
وقال ابن خلّكان [4] : وكان والده أيضا من الأعيان. روى عن جماعة،
رحمهم الله تعالى أجمعين.
والخرقي: بكسر الخاء المعجمة، وفتح الراء وبعدها قاف، هذه النسبة إلى
بيع الخرق والثياب. انتهى.
وفيها الحافظ أبو علي محمد بن سعيد [5] القشيري الحرّاني، نزيل الرّقّة
ومؤرّخها. روى عن سليمان بن سيف الحرّاني وطبقته، وعنه:
__________
[1] (2/ 75) .
[2] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسن» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات
الحنابلة» لابن أبي يعلى، وانظر «المنهج الأحمد» (2/ 107 و 164) طبعة
نويهض.
[3] تحرّف في «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى إلى «ابن شمعون» فيصحّح
فيه.
[4] في «وفيات الأعيان» (3/ 441) .
[5] في الأصل: «محمد بن سعد» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
انظر «طبقات الحفاظ» ص (350) .
(4/187)
محمد [بن عبد الله] [1] بن جامع [2]
الدهان، وغندر البغدادي، وابن جميع، وهو ثقة ثبت.
وفيها الإخشيذ [3] أبو بكر محمد بن طغج [4] بن جف التركي الفرغاني،
صاحب مصر، والشام، ودمشق، والحجاز، وغيرها. وصاحب سرير الذهب، والإخشيذ
لقب لكل من ملك فرغانة، وكان الإخشيذ ملكها، وولّاه خلفاء العباسيين
الأمصار حتّى عظم شأنه.
قال في «العبر» [5] : والإخشيذ بالتركي: ملك الملوك، وطغج [4] : عبد
الرحمن. وهو من أولاد ملوك فرغانة، وكان جدّه جف من التّرك الذين حملوا
إلى المعتصم، فأكرمه، وقرّبه، ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل،
فاتصل طغج بابن طولون، وكان من كبار أمرائه، وكان الإخشيذ شجاعا،
حازما، يقظا، شديد البطش، لا يكاد أحد يجرّ قوسه. توفي بدمشق في ذي
الحجة، وله ست وستون سنة، ودفنوه ببيت المقدس، وكان له ثمانية آلاف
مملوك [6] . انتهى ما قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان [7] : وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في تاريخه
__________
[1] زيادة من «تذكرة الحفاظ» (3/ 846) .
[2] تحرّفت في الأصل إلى «جائع» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3] تصحفت في الأصل والمطبوع في هذا المكان وما قبله وما بعده من
الكتاب وفي «وفيات الأعيان» (5/ 56) وما بعدها إلى «الإخشيد» والتصويب
من «العبر» (2/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 365) و «النجوم
الزاهرة» (3/ 256) وفيه قال ابن تغري بردي: الإخشيذ:
بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة، وكسر الشين المعجمة وبعدها ياء ياء
ساكنة مثناة من تحتها، ثم ذال معجمة، وتفسيره بالعربي ملك الملوك.
[4] تحرف في الأصل إلى «طنج» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
قال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (3/ 256) : طغج: بضم الطاء
المهملة، وسكون الغين المعجمة، وبعدها جيم.
[5] (2/ 245) .
[6] قوله: «وكان له ثمانية آلاف مملوك» لم يرد في «العبر» الذي بين يدي
وإنما ورد في «وفيات الأعيان» نقلا عن «عيون السير» للهمذاني.
[7] في «وفيات الأعيان» (5/ 59) .
(4/188)
الصغير الذي سمّاه «عيون السّير» أن جيشه
كان يحتوي على أربعمائة ألف رجل، وأنه كان جبانا، وله ثمانية آلاف
مملوك يحرسه في كل ليلة ألفان منهم، ويوكّل بجانب خيمته الخدم إذا
سافر، ثم لا يثق حتّى يمضي إلى خيم الفرّاشين فينام فيها.
ولم يزل على مملكته وسعادته إلى أن توفي في الساعة الرابعة من يوم
الجمعة ثاني عشري [ذي] الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة بدمشق، وحمل
تابوته إلى بيت المقدس فدفن به.
ثم قال ابن خلّكان: وهو أستاذ كافور الإخشيذي، وفاتك المجنون.
ثم قام كافور المذكور بتربية ابني مخدومه أحسن قيام، وهما أبو القاسم
أنوجور، وأبو الحسن علي. انتهى ملخصا.
وفيها القائم بأمر الله أبو القاسم [نزار بن المهدي] [1] عبيد الله،
الدّعيّ الباطنيّ، صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما
قدّر له، وكان مولده بسلميّة [2] في حدود الثمانين ومائتين، وقام بعده
ابنه المنصور إسماعيل.
وفيها الشّبلي، أبو بكر، دلف بن جحدر، وقيل: جعفر بن يونس- وهذا هو
المكتوب على قبره- الزاهد المشهور، صاحب الأحوال والتصوف.
قرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك، وصحب الجنيد، وكان
أبوه من حجّاب الدولة.
قال السخاوي في «تاريخه» [3] : أصله من أسروشنة، من قرية من قراها
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «العبر» (2/ 246)
.
[2] سلمية: بلدة قريبة من حماة في أرض سورية، والبعض يضبطها ب «سلمية»
. انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 240- 241) .
[3] قلت: وقد ساق ترجمته السلمي في «طبقات الصوفية» ص (337- 348) .
طبقا لما أورده المؤلف في كتابه.
(4/189)
يقال لها شبليّة [1] ومولده بسرّ من رأى.
كان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية، وكان الشّبلي حاجب الموفّق، وكان
أبوه حاجب الحجّاب، وكان الموفق جعل لطعمته دماوند [2] ثم حضر الشّبلي
يوما مجلس خير النسّاج، فتاب فيه ورجع إلى دماوند [2] ، وقال: أنا كنت
حاجب الموفق، وكان ولايتي بلدتكم هذه، فاجعلوني في حلّ، فجعلوه في حلّ،
وجهدوا أن يقبل منهم شيئا فأبى، وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ويقينا.
وقال شيخه الجنيد: لا تنظروا إلى الشّبليّ بالعين التي ينظر بعضكم إلى
بعض، فإنه عين من عيون الله [3] .
وكان الشّبليّ فقيها عالما، كتب الحديث الكثير.
وقال محمد بن الحسن البغدادي: سمعت الشّبلي يقول: أعرف من لم يدخل في
هذا الشأن حتّى أنفق جميع ملكه، وغرّق في هذه الدّجلة التي ترون سبعين
قمطرا مكتوبا بخطه، وحفظ «الموطأ» وقرأ بكذا وكذا قراءة، عنى به نفسه
[4] .
وقال: كتبت الحديث عشرين سنة، وجالست الفقهاء عشرين سنة.
وصحب الجنيد ومن في عصره، وصار أوحد العصر حالا وعلما، وتوفي في ذي
الحجة، ودفن بالخيزرانية ببغداد بقرب الإمام الأعظم، وله سبع وثمانون
سنة، وورد أنه سئل إذا اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة كيف
تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء. انتهى ملخصا.
__________
[1] انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (540- 541) .
[2] كذا في الأصل والمطبوع: «دماوند» ولم أقف على ذكر لها بهذا الاسم
في المصادر والمراجع التي بين يدي، ولعلها محرفة من «دنباوند» التي
تعرف ب «دمندان» والله أعلم.
انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (192) و «معجم البلدان»
(2/ 471) و «الأعلام» (2/ 341) .
[3] أقول: هذه العبارة من شطحات الصوفية. (ع) .
[4] أقول: وهذه العبارات أيضا من الشطحات، ومن الأمور التي لا يجوز
فعلها. (ع) .
(4/190)
سنة خمس وثلاثين
وثلاثمائة
فيها تملّك سيف الدولة بن حمدان دمشق بعد موت الإخشيذ، فجاءته جيوش مصر
فدفعته إلى الرّقّة، بعد حروب وأمور، واصطلح معز الدولة بن بويه، وناصر
الدولة بن حمدان.
وفيها كما قال في «الشذور» ملكت الدّيالم الجانب الشرقي- أي من بغداد-
ونهبت سوق يحيى وغيره، فخرج الناس حفاة مشاة من بغداد إلى ناحية عكبرا
[1] هاربين، النساء والصبيان، فتلفوا من الحرّ والعطش، حتّى إن امرأة
كانت تنادي في الصحراء: أنا ابنة فلان، ومعي جوهر وحليّ بألف دينار،
رحم الله من أخذه وسقاني شربة ماء، فما التفت إليها أحد فوقعت ميتة [2]
.
وفيها توفي أبو العبّاس بن القاص، أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي،
وله مصنفات مشهورة. تفقه على ابن سريج. وتفقه عليه أهل طبرستان، وتوفي
بطرسوس.
قال ابن السمعاني [3] : والقاصّ هو الذي يعظ ويذكر القصص.
عرف أبوه بالقاصّ لأنه دخل بلاد الديلم وقصّ على الناس الأخبار
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «عكبرى» وانظر «معجم البلدان» (4/ 142) .
[2] انظر الخبر بتوسع في «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 349- 350) .
[3] انظر «الأنساب» (10/ 20) و (10/ 24- 25) .
(4/191)
المرغّبة في الجهاد، ثم دخل بلاد الرّوم
غازيا، فبينما هو يقصّ لحقه وجد وخشية فمات، رحمه الله تعالى. قاله
النووي في «تهذيبه» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : إن صاحب الترجمة- وهو أبو العباس، هو الذي مات
في حالة من الوجد والخشية [3]- وله تصانيف صغيرة الحجم كبيرة الفائدة
[4] ، منها: «التلخيص» و «المفتاح» و «أدب القضاء» [5] وكتاب «دلائل
القبلة» [6] وأكثره تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض وعجائبها وتصنيف في
إحرام المرأة، وتصنيف في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا
عمير ما فعل النّغير» [7] . وفيها المطيري [8] المحدّث، أبو بكر، محمد
بن جعفر الصيرفي ببغداد، وكان ثقة مأمونا. روى عن الحسن بن عرفة
وطائفة.
وفيها الصّولي، أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي، الأديب الأخباري
العلّامة، صاحب التصانيف. أخذ الأدب عن المبرّد، وثعلب.
__________
[1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 252- 253) طبعة إدارة الطباعة
المنيرية، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
[2] في «وفيات الأعيان» (1/ 68) .
[3] في المطبوع: «الغشية» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «كثيرة الفائدة» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «أدب القاضي» .
[6] لم يرد ذكر لهذا الكتاب في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.
[7] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (6203) في الأدب: باب الانبساط إلى
الناس، و (6203) باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل، ومسلم رقم
(2150) في الأدب: باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح
يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم
وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام، وأبو داود رقم (4969) في الأدب:
باب ما جاء في الرجل يتكنى وليس له ولد، والترمذي رقم (333) في الصلاة:
باب ما جاء في الصلاة على البسط.
[8] في الأصل والمطبوع: «الطبري» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 247)
وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 301) .
(4/192)
وروى عن أبي داود السّجستاني وطائفة. وروى
عنه الدارقطني وغيره، ونادم غير واحد من الخلفاء، وجدّه الأعلى هو صول،
ملك جرجان.
وكان الصولي حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، يضرب به المثل في لعب
الشطرنج، ويعتقد كثيرون أنه الذي وضعه، وإنما وضعه صصّه بن داهر [1]
وقيل: ابن يلهب، وقيل: ابن قاسم، وضعه لملك الهند شهرام [2] ، واسمه
بلهيث، وقيل: ماهيت، وكان أزدشير بن بابك [3] أول ملوك الفرس الأخيرة
قد وضع النرد، ولذلك قيل له: نردشير، لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور،
وجعله مثالا للدّنيا وأهلها، فرتب الرقعة اثني عشر بيتا، بعدد شهور
السنة، ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا، بعدد البروج [4] ، وجعل القطع
ثلاثين، بعدد أيام الشهر، وجعل الفصوص فيما يرمى به من كل جهتين [5]
سبعة بعدد أيام الأسبوع، وجعل ما يأتي به اللاعب مثالا للقضاء والقدر،
فتارة له وتارة عليه، فافتخرت ملوك الفرس بذلك، فلما وضع صصه الشطرنج
قضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد لأمور يطول شرحها، ويقال: إن
صصّه لما وضعه وعرضه على ملك الهند المذكور، أعجبه وفرح به كثيرا، وأمر
أن يكون في بيوت [6] الديانة، ورآه أفضل ما علم، لأنه آلة للحرب وعزّ
للدّين والدّنيا، وأساس لكل عدل، فأظهر الشكر [والسرور] [7] على ما
أنعم عليه به في ملكه، وقال له: اقترح عليّ ما تشتهي، فقال له: اقترحت
أن
__________
[1] في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (4/ 590) و (5/ 135) : «صصه بن
ذاهر» بالذال، وما جاء في كتابنا موافق لما في «وفيات الأعيان» (4/ 357
و 358) و «مرآة الجنان» (2/ 320) .
[2] في الأصل: «شيرامر» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «وفيات
الأعيان» (4/ 357) .
[3] في «وفيات الأعيان» : «أردشير بن بابك» وانظر ص (111) .
[4] قوله: «ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا، بعدد البروج» لم يرد في
«وفيات الأعيان»
[5] في الأصل: «من كل جهة» وأثبت ما في المطبوع.
[6] في الأصل والمطبوع: «في بيت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[7] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» .
(4/193)
تضع حبة قمح في البيت الأول، ولا تزال
تضعفها [1] حتّى تنتهي إلى آخرها، فمهما بلغ تعطيني، فاستصغر الملك
ذلك، وأنكر عليه كونه قابله بالنزر [اليسير] ، وقد كان أضمر له شيئا
كثيرا، فقال: ما أريد إلا هذا، فأجابه إلى مطلوبه، وتقدم له به، فلما
حسبه أرباب الديوان قالوا: ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما
يقاربه، فكانت أمنيته أعجب من وضعه، وكيفية تضعيفه، وما انتهى إليه
التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به، ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما
قاله ابن الأهدل [2] وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين، إلى
ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربع وثمانين مدينة.
وقال ابن الأهدل أيضا: ومن المعلوم قطعا أن الدّنيا ليس فيها مدن أكثر
من هذا العدد، فإن دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة، وهو ثمانية آلاف
فرسخ، بحيث لو وضعنا طرف حبل على أيّ موضع من الأرض وأدير الحبل على
كرة الأرض ومسح الحبل، كان أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف
فرسخ، وذلك قطعي لا شك فيه.
وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك، فسأل بني موسى بن شاكر [3]
وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة، فقالوا: نعم هذا قطعي، فسألهم تحقيقه
معاينة، فسألوا عن صحراء مستوية، فقيل صحراء سنجار، ووطأة الكوفة،
فخرجوا إليها، ووقفوا في موضع واحد، ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي
وضربوا في ذلك الموضع وتدا، وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة
الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الإمكان،
فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر،
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «تضعها» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان»
(4/ 357) و «مرآة الجنان» (2/ 320) .
[2] انظر في هذا الخبر أيضا «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 321- 322) .
[3] انظر «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي ص (208) مصوّرة مكتبة
المتنبي في القاهرة، ففيه ترجمة موسعة له.
(4/194)
ومضوا إلى جهة الشمال [1] حتّى انتهوا إلى
موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور، فوجدوه قد زاد على الارتفاع
الأول درجة، فمسحوا ذلك القدر الذي قدّروه من الأرض بالحبال، فبلغ ستة
وستين ميلا وثلثي ميل، وجميع الفلك ثلاثمائة وستون درجة، لأن الفلك
مقسوم باثني عشر برجا، وكل برج ثلاثون درجة، فضربوا عدد درج الفلك
الثلاثمائة والستين في ستة وستين ميلا وثلثين التي هي حصة كل درجة،
فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ.
قال: فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة، وذلك مسيرة ثلاث
سنين إلّا ثمانين يوما، بسير النهار دون الليل، لأن المرحلة ثمانية
فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وهذا ينافي ما اشتهر أن الأرض مسيرة
خمسمائة سنة، ويعلم من ذلك أيضا أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال،
وثلث في السير إلى جهة الشمال، يرتفع القطب درجة ويكون عرض تلك البلد
أزيد من التي ابتدئ السير منها بدرجة، ومما يدل على هذا أن عرض المدينة
المشرّفة يزيد على عرض مكّة المعظّمة ثلاث درج، والله أعلم. انتهى ما
أورده ابن الأهدل ملخصا.
وقال المسعودي: ذكر لي أن [2] الصوليّ في بدء دخوله على الإمام
المكتفي، وقد كان ذكر له تخريجه في اللعب بالشطرنج، وكان الماورديّ
اللاعب متقيدا عنده، متمكنا من قلبه، معجبا به للعبه، فلما لعبا جميعا
بحضرة المكتفي حسن رأيه في الماورديّ، وتقدم على نصرته، وتشجيعه،
وتنبيهه، حتّى أدهش ذلك الصوليّ في أول وهلة، فلما اتصل اللعب بينهما،
وجمع له الصولي متانته، وقصد قصده، غلبه غلبا لا يكاد يرد عليه شيء،
__________
[1] لفظة «الشمال» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
[2] لفظة «أن» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.
(4/195)
وتبين حسن لعب الصوليّ للمكتفي، فعدل عن
موالاة الماوردي، وقال: عاد ماء وردك بولا.
وصنّف الصولي المصنفات الحسان، منها: كتاب «الوزراء» وكتاب «الورقة»
وكتاب «أخبار القرامطة» وكتاب «الغرر» وكتاب «أخبار أبي عمرو بن
العلاء» وجمع أخبار جماعة من الشعراء، ورتبه على حروف المعجم، وكلهم من
المحدثين.
وكان ينادم الخلفاء، وكان أغلب فنونه أخبار الناس، وله رواية واسعة،
ومحفوظات كثيرة، وتوفي بالبصرة مستترا، لأنه روى خبرا في حق عليّ، كرّم
الله وجهه، فطلبه الخاصة والعامة، فلم يقدروا عليه، وكان قد خرج من
بغداد لضائقة لحقته.
وفيها الهيثم بن كليب، الحافظ أبو سعيد الشاشي، صاحب «المسند» ومحدّث
ما وراء النهر. روى عن عيسى بن أحمد البلخي، وأبي عيسى الترمذي،
والدّوري، وآخرين. وعنه علي بن أحمد الخزاعي، ومنصور بن نصر الكاغدي،
وآخرون، وهو ثقة.
(4/196)
|