شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة
فيها على ما قال في «الشذور» ولي قضاء القضاة ببغداد عبد الله أبو العبّاس بن الحسين بن أبي الشوارب، والتزم كل سنة بمائتي ألف درهم، وهو أول من ضمن القضاء، ثم الحسبة والشرطة.
وفيها اطّلع الوزير المهلّبي، على جماعة من التناسخية، فيهم رجل يزعم أن روح علي، رضي الله عنه، انتقلت إليه، وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة، رضي الله عنها، انتقلت إليها، وآخر يدّعي أنه جبريل، فضربهم فتستروا [1] بالانتماء إلى أهل البيت، وكان ابن بويه شيعيّا، فأمر بإطلاقهم.
وفيها أخذت الرّوم مدينة سروج، فاستباحوها.
وفيها توفي أبو الطاهر المدائني، أحمد بن محمد بن عمرو الخامي [2] محدّث مصر، في ذي الحجة. روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة.
وفيها أبو علي الصّفّار إسماعيل بن محمد البغدادي، النحوي الأديب، صاحب المبرّد. سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، وطائفة.
وتوفي في المحرم، وله أربع وتسعون سنة.
__________
[1] في «العبر» (2/ 262) و «نجوم الزاهرة» (3/ 307) : «قتعزوا» .
[2] في الأصل: «الحاسي» وفي المطبوع و «العبر» : «الحامي» ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (15/ 430) .

(4/221)


وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصّفّار، أبو الحسن.
حدّث عنه الدارقطني وغيره، وهو ثقة إمام. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها المنصور، أبو الطاهر، إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني، صاحب المغرب، حارب مخلد بن كيداد الإباضي، الذي كان قد قمع بني عبيد، واستولى على ممالكهم، فأسره المنصور، فسلخه بعد موته، وحشا جلده، وكان فصيحا مفوّها، بطلا شجاعا، يرتجل الخطب، مات في شوال، وله تسع وثلاثون سنة. وكانت دولته سبعة أعوام. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : ذكر أبو جعفر المرّوذي، قال: خرجت مع المنصور يوم هزم أبا يزيد، فسايرته وبيده رمحان، فسقط أحدهما مرارا، فمسحته وناولته إياه، وتفاءلت له فأنشدته:
فألقت عصاها واستقر بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
فقال: ألا قلت، ما هو خير من هذا وأصدق: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ 7: 117- 119 [الأعراف: 117- 119] فقلت: يا مولانا، أنت ابن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قلت ما عندك من العلم، أي لأن المنصور من الفاطمية.
بويع المنصور هذا يوم وفاة أبيه القائم.
وكان أبوه قد ولّاه محاربة أبي يزيد الخارجي عليه، وكان هذا أبو يزيد مخلد بن كيداد رجلا من الإباضية، يظهر التزهد، وأنه إنما قام غضبا لله تعالى، ولا يركب غير حمار، ولا يلبس إلا الصوف، وله مع القائم والد
__________
[1] (2/ 263) .
[2] في «وفيات الأعيان» (1/ 234- 236) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

(4/222)


المنصور وقائع كثيرة، وملك جميع مدن القيروان، ولم يبق للقائم إلا المهدية، فأناخ عليها أبو يزيد، وحاصرها، فهلك القائم في الحصار، ثم تولى [1] المنصور، فاستمر على محاربته، وأخفى موت أبيه، وصابر الحصار حتّى رجع أبو يزيد عن المهدية، ونزل على سوسة وحاصرها، فخرج المنصور من المهدية ولقيه على سوسة فهزمه، ووالى عليه الهزائم إلى أن أسره يوم الأحد خامس عشري محرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراحة كانت به، فأمر بسلخ جسده، وحشا جلده قطنا، وصلبه، وبنى مدينة في موضع الوقعة، وسمّاها المنصورية واستوطنها. وخرج في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين من المنصورية إلى مدينة جلولاء ليتنزه بها، ومعه حظيّته قضيب، وكان مغرما بها، فأمطر الله عليهم بردا كثيرا، وسلط عليهم ريحا عظيمة [2] ، فخرج منها إلى المنصورية، فاعتلّ بها، فمات يوم الجمعة آخر شوال، وكان سبب علته أنه لما وصل المنصورية، أراد دخول الحمام، ففنيت الحرارة الغريزية منه، ولازمه السهر، فأقبل إسحاق [3] يعالجه، والسهر باق على حاله، فاشتد ذلك على المنصور، فقال لبعض الخدام: أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا [الداء] ؟ فقالوا:
هاهنا شاب قد نشأ يقال له إبراهيم، فأمر بإحضاره، فحضر فعرّفه حاله، وشكا ما به إليه [4] ، فجمع له شيئا ينوّمه، وجعله في قنّينة على النار، وكلّفه شمّها، فلما أدمن شمّها نام، وخرج إبراهيم مسرورا بما فعل، وجاء إسحاق إليه، فقالوا: إنه نائم، فقال: إن كان صنع له شيئا ينام منه فقد مات، فدخلوا عليه فوجدوه ميتا، فأرادوا قتل إبراهيم، فقال إسحاق: ما له ذنب، إنما داواه
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «توفي» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[2] في الأصل والمطبوع: «عظيما» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[3] في الأصل والمطبوع: «فأقبل أبو إسحاق» وهو خطأ، وهو طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي، أبو يعقوب. والتصحيح من «وفيات الأعيان» وحاشيته.
[4] في المطبوع: «وشكا إليه ما به» .

(4/223)


بما ذكره الأطباء، غير أنه جهل أصل المرض، وما عرّفتموه ذلك، وذلك أني كنت أعالجه وأنظر في تقوية الحرارة الغريزية، وبها يكون النوم، فلما عولج بما يطفئها علمت أنه قد مات.
ودفن بالمهدية، ومولده بالقيروان في سنة اثنتين، وقيل: إحدى وثلاثمائة، وكانت مدة خلافته سبع سنين وستة أيام. انتهى ملخصا.
وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدّين- البتلهيّ بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق [1] واسمه محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو القزويني، نزيل بيت لهيا.
كان من الرحّالين، الحفّاظ، الثقات.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
ومات بعد مغرب شموسا ... البتلهي محمّد بن عيسى
فسكّن التاء وحرك اللّام ضرورة.
وفيها محمد بن أيوب بن الصّموت الرّقّيّ، نزيل مصر. روى عن هلال بن العلاء وطائفة، وهو من الضعفاء.
قال في «المغني» [2] : ضعفه أبو حاتم.
وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني. روى عن عبّاد بن الوليد، وأحمد بن منصور الرمادي، ومات في عشر المائة.
وفيها محمد بن النّضر، أبو الحسن بن الأخرم الربعي، قارئ أهل دمشق. قرأ على هارون الأخفش وغيره، وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق لإتقانه ومعرفته.
__________
[1] انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 522) .
وقال العلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله في كتابه النفيس «غوطة دمشق» ص (164) :
وتسمى بيت ألاهية. وانظر تتمة كلامه عنها هناك.
[2] (2/ 558) .

(4/224)


سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة
فيها كما قال في «الشذور» حدثت علّة مركبة من الدم والصفراء، فشملت الناس، وعمّت الأهواز، وبغداد، وواسط، والبصرة، وكان يموت أهل الدار كلهم. انتهى.
وفيها رجع سيف الدولة من الرّوم مظفّرا منصورا، قد أسر قسطنطين بن الدّمستق، وكان بديع الحسن، فبقي عنده مكرّما حتّى مات.
وفيها توفي العلّامة أبو بكر، أحمد بن إسحاق بن أيوب الضّبعي [1] ، بالضم والفتح ومهملة نسبة- قال السيوطي- إلى ضبيعة بن قيس، بطن من بكر بن وائل، وضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. انتهى.
وكان الضّبعي [1] هذا شيخ الشافعية بنيسابور، سمع بخراسان، والعراق، والجبال، فأكثر وبرع في الحديث، وحدّث عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وأفتى نيفا وخمسين سنة، وصنّف الكتب الكبار في الفقه والحديث.
وقال محمد بن حمدون: صحبته عدة سنين، فما رأيته ترك قيام الليل.
قال الحاكم: وكان الضبعي [1] يضرب بعقله المثل، وبرأيه، وما رأيت
__________
[1] قلت: الذي ذكره المؤلف ونسبه إلى السيوطي خطأ بيّن، فإن الصواب في نسبته «الصّبغي» نسبة إلى الصّبغ والصباغ المشهور، ويمكن لعمل الألوان التي ينقش بها أو يستعملها.

(4/225)


في مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه.
وفيها أحمد بن عبيد الله أبو جعفر الأسداباذي- نسبة إلى أسدآباذ، بليدة قرب همذان- الهمذاني الحافظ. روى عن ابن ديزيل، وإبراهيم الحربي.
قال ابن ناصر الدين: وفي نسبه قول ثان، وهو أحمد بن عبيد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد، أبو جعفر، الهمذاني. كان أحد الحفاظ المعدودين. انتهى.
وفيها إبراهيم بن المولّد، وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرّقّي، أبو الحسن، الزاهد الصوفي الواعظ، شيخ الصوفية. أخذ عن الجنيد وجماعة، وحدّث عن عبد الله بن جابر المصّيصي.
ومن كلامه: من تولاه الله برعاية الحق أجلّ ممّن يؤدّبه بسياسة العلم.
وقال: القيام بأدب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول.
وقال: عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه، كيف يعيش مع غيره، والله تعالى يقول: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ 39: 54 [الزّمر: 54] .
وقال: من قام إلى الأوامر لله كان بين قبول ورد، ومن قام إليها بالله، كان مقبولا لا شكّ.
وفيها الحسن بن يعقوب، أبو الفضل، البخاري العدل، بنيسابور.
روى عن أبي حاتم الرّازي وطبقته، ورحل وأكثر.
وفيها أبو محمد عبد الله بن شوذب الواسطي المقرئ. محدّث
__________
الخراط. انظر «الأنساب» (8/ 33) و «الوافي بالوفيات» (6/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 483) و «تبصير المنتبه» (3/ 860) وقد تحرفت نسبته في «العبر» (2/ 81) و «طبقات الشافعية» للسبكي (2/ 81) كذلك إلى «الضبعي» فتصحح فيهما.

(4/226)


واسط، وله ثلاث وتسعون سنة. وروى عن شعيب الصّريفيني، ومحمد بن عبد الملك الدّقيقي، وكان من أعيان القرّاء.
وفيها عبد الرحمن بن حمدان، أبو محمد الهمذاني الجلّاب. أحد أئمة السّنّة بهمذان. رحل وطوّف، وعني بالأثر، وروى عن أبي حاتم الرّازي، وهلال بن العلاء، وخلق كثير.
وفيها أبو القاسم علي بن محمد القاضي [1] . ولد بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد، فتفقه لأبي حنيفة، وسمع في حدود الثلاثمائة، وولي قضاء الأهواز، وكان من أذكياء العالم، راوية للأشعار، عارفا بالكلام والنحو [2] . له ديوان شعر، ويقال: إنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة. قاله في «العبر» [3] .
وقال ابن خلّكان [4] : أبو القاسم [5] علي بن محمد بن أبي الفهم [6] داود بن إبراهيم بن تميم بن جابر بن هانئ بن زيد بن عبيد [7] [بن مالك] [8] بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحارث [بن صبح بن عمرو بن الحارث] [8] ، وهو أحد ملوك تنوخ الأقدمين. التنوخيّ الأنطاكي [9] كان عالما بأصول المعتزلة والنجوم.
__________
[1] انظر «العبر» (2/ 366) وفيه: «علي بن محمد بن أبي الفهم التّنوخي القاضي» .
[2] كذا في الأصل والمطبوع: «عارفا بالكلام والنحو» ، وفي «العبر» مصدر المؤلف: «عارفا بالكلام والنجوم» ، وفي «وفيات الأعيان» : «كان عالما بأصول المعتزلة والنجوم» وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 499- 500) .
[3] (2/ 266) .
[4] في «وفيات الأعيان» (3/ 366- 369) .
[5] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسن» وهو خطأ.
[6] في الأصل: «ابن أبي القاسم» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع.
[7] في الأصل والمطبوع: «بن عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[8] زيادة من «وفيات الأعيان» وانظر تتمة نسبه فيه.
[9] في الأصل والمطبوع: «أنطاكي» وأثبت ما جاء في «وفيات الأعيان» .

(4/227)


قال الثعالبي في حقه: هو من أعيان أهل العلم والأدب، وأفراد الكرم وحسن الشيم، وكان يتقلد [1] قضاء البصرة والأهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائرا ومادحا، فأكرم مثواه وأحسن قراه، وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد، حتّى أعيد إلى عمله، وزيد في رزقه ورتبته. وكان الوزير المهلبيّ وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدّونه ريحانة الندماء، وتاريخ الظرفاء. وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي، ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطّراح الحشمة والتبسّط في القصف والخلاعة، وهم: القاضي أبو بكر بن قريعة، وابن معروف، والتنوخي المذكور، وغيرهم، وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها، وكذلك كان المهلبي، فإذا تكامل الأنس، وطاب المجلس، ولذّ السماع، وأخذ الطرب منهم مأخذه، وهبوا ثوب الوقار للعقار [2] ، وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش، ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال، مملوء [3] شرابا قربليا [أو عكبريا] [4] فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتّى تشرب أكثره ويرش [5] بعضهم بعضا، ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات، ومخانق [6] المنثور والبرم، فإذا صحوا [7] عادوا كعادتهم في التوقّر والتحفّظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء، وأورد من شعره:
وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهار
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «وكان تقلد» .
[2] العقار: الخمر لمعاقرتها: أي لملازمتها. انظر «المختار من القاموس المحيط» للزاوي (عقر) .
[3] في الأصل: «مملوءا» .
[4] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» .
[5] في الأصل: «ويدش» وأثبت ما في المطبوع و «وفيات الأعيان» .
[6] في المطبوع: «ومخارق» وهو خطأ.
[7] في «وفيات الأعيان» : «فإذا أصبحو» .

(4/228)


هواء ولكنه جامد ... وماء ولكنه غير جار
كأن المدير لها باليمين ... إذا مال للسقي أو باليسار
تدرّع ثوبا من الياسمين ... له فرد كمّ من الجلنار [1]
وأورد له أيضا:
رضاك شباب لا يليه مشيب ... وسخطك داء ليس منه طبيب
كأنك من كلّ النفوس مركّب ... فأنت إلى كل النفوس حبيب [2]
وحكى أبو محمد الحسن بن عسكر الصوفي الواسطي قال: كنت ببغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكة بباب أبرز للفرجة، إذ جاء ثلاث نسوة فأنشدنني الأبيات، وزادت إحداهنّ بعد البيت الأول:
إذا ما تأملتها وهي فيه ... تأملت نورا محيطا بنار
فهذا [3] النهاية في الابيضاض ... وهذا [4] النهاية في الاحمرار
فحفظت الأبيات منها، فقالت لي: أين الموعد [5] ؟ تعني التقبيل، أرادت مداعبته بذلك.
وقال الخطيب [6] : إنه ولد بأنطاكية يوم الأحد لأربع بقين من ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد وتفقه بها على مذهب أبي حنيفة. وسمع الحديث وتوفي بالبصرة، يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها الإمام أبو العباس السّيّاري القاسم بن القاسم بن مهدي ابن ابنة
__________
[1] والأبيات في «يتيمة الدهر» للثعالبي (2/ 397) طبعة دار الكتب العلمية ببيروت.
[2] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 404) .
[3] في الأصل: «فهذه» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» .
[4] في الأصل: «وهذه» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «هذا الوعد» .
[6] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 77) .

(4/229)


أحمد بن سيّار المروزي الشيرازي، الزاهد المحدّث، شيخ أهل مرو.
من كلامه الخطرة للأنبياء، والوسوسة [1] للأولياء، والفكرة للعوام، والعزم للفتيان.
وقيل له: بماذا يروّض المريد نفسه؟ وكيف يروّضها؟ قال: بالصبر على الأوامر، واجتناب النواهي [2] ، وصحبة الصالحين، وخدمة الرّفقاء، ومجالسة الفقراء، والمرء حيث وضع نفسه. ثم تمثل وأنشأ يقول:
صبرت على اللّذات لمّا تولّت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرّت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت عزمي على الذّل ذلّت
فقلت لها يا نفس موتي كريمة ... فقد كانت الدّنيا لنا ثم ولّت
خليليّ لا والله ما من مصيبة ... تمرّ على الأيام إلا تجلّت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلّت [3]
وقال: حقيقة المعرفة أن لا يخطر بقلبك ما دونه.
وقال: المعرفة حياة القلب بالله، وحياة القلب مع الله.
وقال: لو جاز أن يصلى ببيت شعر لجاز أن يصلى بهذا البيت:
أتمنّى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتاي طلعة حرّ [4]
وفيها أبو الحسين الأسواري، محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «والسوسة» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (445) و «العبر» (2/ 266) .
[2] في الأصل والمطبوع: «واجتناب المناهي» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (444) مصدر المؤلف في نقله.
[3] الأبيات الأول والثاني والخامس في «طبقات الصوفية» مع بعض الخلاف، وقد تقدم البيت الأخير الذي في كتابنا عنده إلى البيت الثاني.
[4] البيت في «طبقات الصوفية» ص (446) .

(4/230)


وأسوارية [1] من قرى أصبهان- سمع إبراهيم بن عبد الله القصّار، وأبا حاتم، ورحل وجمع.
وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري، شيخ الصوفية والمحدّثين ببلده، الحافظ، الثقة، طوّف، وكتب بهراة، ومرو، والرّيّ، وجرجان، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة، وصنّف الشيوخ، والأبواب، والزّهديات. توفي في شهر ربيع الأول، وسمع محمد بن أيوب بن الضّريس وطبقته، ومنه الحاكم، وابن مندة، وابن جميع.
__________
[1] في الأصل: «وأسواري» وأثبت ما في المطبوع، وانظر «معجم البلدان» (1/ 190- 191) .

(4/231)


سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة
فيها وقعة الحدث، وهو مصاف عظيم، جرى بين سيف الدولة والدّمستق، وكان الدّمستق- لعنه الله- قد جمع خلائق لا يحصون من التّرك، والروس، والبلغار، والخزر، فهزمه الله بحوله وقوته، وقتل معظم بطارقته، وأسر صهره وعدة بطارقة، وقتل منهم خلق لا يحصون، واستباح المسلمون ذلك الجمع، واستغنى خلق. قاله في «العبر» [1] .
وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، الحافظ الثقة، محدّث الشام. روى عن العبّاس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عيسى المدائني وطبقتهما بالشام وثغورها، والعراق، واليمن، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة، وغير واحد يقول: إنه جاوز المائة، وثقه الخطيب.
وفيها السّتوري [2] ، أبو الحسن، علي بن الفضل بن إدريس السامري. روى جزءا عن الحسن بن عرفة، يرويه محمد بن الروزبهان [3] شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصّيصي عنه، وثقه العتيقي.
__________
[1] (2/ 267- 268) .
[2] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 40) : السّتوري: هذه النسبة إلى السّتر، وجمعه السّتور، وهذه النسبة إما إلى حفظ السّتور والبوابية على ما جرت به عادة الملوك، أو حمل أستار الكعبة.
[3] في الأصل والمطبوع: «الرونهان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 268) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 443) .

(4/232)


وفيها شيخ الكوفة، أبو الحسن، علي بن محمد بن محمد [1] بن عقبة الشيباني عن نيّف وتسعين سنة. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي وجماعة.
قال ابن حماد الحافظ: كان شيخ المصر [2] ، والمنظور إليه، ومختار السلطان والقضاة، صاحب جماعة وفقه وتلاوة، توفي في رمضان.
__________
[1] «ابن محمد» الثانية سقطت من «العبر» طبع الكويت فتستدرك فيه.
[2] يعني شيخ الكوفة.

(4/233)


سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
فيها أقبل أبو علي بن محتاج، صاحب خراسان، وحاصر الرّيّ، فوقع بها وباء عظيم، فمات عليها ابن محتاج.
وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي، المقرئ بحرف قالون، وله أربع وثمانون سنة.
وفيها أحمد بن عيسى بن جمهور الخشاب، أبو عيسى، ببغداد.
روى أحاديث عن عمر بن شبّة، وبعضها غرائب، رواها عنه ابن رزقويه، وعمّر مائة سنة.
قال الذهبي في كتابه «المغني في الضعفاء» [1] : أحمد بن عيسى التّنيسي الخشاب [عن عمرو بن أبي سلمة] التنّيسي [2] .
قال الدارقطني: ليس بالقويّ. وأسرف ابن طاهر فقال: كذاب يضع الحديث.
قلت [3] : نعم رأيت للخشاب في «موضوعات» ابن الجوزي: «الأمناء
__________
[1] (1/ 51) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «المغني في الضعفاء» ولفظة «التنيسي» تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «السبيبي» .
[3] القائل الحافظ الذهبي في «المغني في الضعفاء» .

(4/234)


ثلاثة: أنا، وجبريل، ومعاوية» [1] فصدق ابن طاهر. انتهى.
وفيها أبو يعقوب الأذرعيّ [2] إسحاق بن إبراهيم، الثقة الزاهد [3] العابد، صاحب الحديث والمعرفة. سمع أبا زرعة الدّمشقي، ومقدام بن داود الرّعيني وطبقتهما، وكان مجاب الدعوة، كبير القدر، ببلد دمشق.
وفيها بكر بن محمد بن العلاء. العلّامة أبو الفضل، القشيري البصري المالكي، صاحب التصانيف، في الأصول والفروع. روى عن أبي مسلم الكجّي، ونزل مصر، وبها توفي في ربيع الأول.
وفيها أبو عمرو بن السّمّاك، عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق، مسند بغداد، في ربيع الأول، وشيّعه خلائق نحو الخمسين ألفا. روى عن محمد بن عبيد الله [4] بن المنادي، ويحيى بن أبي طالب، وطبقتهما، وكان صاحب حديث. كتب المصنفات الكبار بخطه.
وفيها العلّامة أبو بكر بن الحداد المصري، شيخ الشافعية، محمد بن أحمد بن جعفر، صاحب التصانيف، ولد يوم وفاة المزني، وسمع من النّسائي [ولزمه، ومن ابن أبي الدّنيا، ومن القراطيسي وغيرهم، ومنه:
يوسف بن قاسم القاضي، وغيره، وكان غيره مطعون فيه ولا عليه] [5] وهو صاحب وجه في المذهب، متبحّر في الفقه، متفنّن [6] في العلوم، معظّم في
__________
[1] قلت: وذكره ابن عراق أيضا في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» (2/ 4) وتكلم عليه مطولا، فيحسن بالقارئ الرجوع إليه.
[2] تحرفت في «العبر» (2/ 269) إلى «الأوزاعي» فتصحح فيه.
[3] لفظة «الزاهد» لم ترد في المطبوع و «العبر» .
[4] في الأصل والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 270) وانظر «الأنساب» (7/ 127) .
[5] ما بين حاصرتين لم يرد في «العبر» .
[6] في المطبوع: «مفنن» .

(4/235)


النفوس، ولي قضاء الأقاليم [1] وعاش ثمانين سنة، وكان يصوم صوم داود، عليه السلام، ويختم في اليوم والليلة، وكان جدا كله.
قال ابن ناصر الدّين: صنّف في الفقه الفروع المبتكرة الغريبة، وكتاب «أدب القاضي والفرائض» في نحو مائة جزء عجيبة.
وقال ابن خلّكان [2] : كان ابن الحداد فقيها محقّقا، غوّاصا على المعاني، تولى القضاء بمصر والتدريس، وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظّمه وتقصده في الفتاوى والحوادث، وكان يقال في زمنه: عجائب الدّنيا ثلاث: غضب الجلّاد، ونظافة السّماد، والردّ على ابن الحداد. وكان أحد أجداده يعمل في الحديد ويبيعه فنسب إليه. انتهى ملخصا.
وقال الإسنوي: به افتخرت مصر على سائر الأمصار، وكاثرت بعلمه بحرها بل جميع البحار، إليه غاية التحقيق ونهاية التدقيق، كانت له الإمامة في علوم كثيرة، خصوصا الفقه، ومولّداته تدلّ عليه، وكان كثير العبادة. وأخذ عن محمد بن جرير لما دخل بغداد رسولا في إعفاء ابن حربويه [3] عن قضاء مصر، وصنّف كتاب «الباهر» في الفقه، في مائة جزء، وكتاب «جامع الفقه» وكتاب «أدب القضاء» في أربعين جزءا وكتابه «الفروع المولّدات» معروف، وهو الذي اعتنى الأئمة بشرحه، وكان حسن الثياب رفيعها، حسن المركوب، وكان يوقّع للقاضي ابن حربويه [3] ، وباشر قضاء مصر مدة لطيفة بأمر أميرها، عند شغوره، فسعى غيره من بغداد، فورد تفويضه لذلك الغير. وحجّ، فمرض في الرجوع، ومات يوم دخل الحجاج إلى مصر، وهو يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وعمره تسع وسبعون سنة
__________
[1] في «العبر» : «ولي قضاء الإقليم» .
[2] في «وفيات الأعيان» (4/ 197- 198) .
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن جربويه» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 399) .

(4/236)


وأشهر، هذا هو الصحيح، وقيل: توفي سنة خمس وأربعين واقتصر عليه النووي في «تهذيبه» [1] وابن خلّكان في «تاريخه» [2] ، ثم دفن يوم الأربعاء بسفح المقطّم عند أبويه. انتهى ملخصا أيضا.
وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلّاف. روى عن الكديمي وطائفة، وحدّث بمصر وحلب.
وفيها الإمام محمد بن محمد أبو النّضر- بنون وضاد معجمة- الطّوسي الشافعي، مفتي خراسان، كان أحد من عني أيضا بالحديث، ورحل فيه. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما، وصنّف كتابا على وضع مسلم، وكان قد جزّأ الليل: ثلثا للتصنيف، وثلثا للتلاوة، وثلثا للنوم.
قال الحاكم: كان إماما بارع الأدب، ما رأيت أحسن صلاة منه، كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويتصدّق بما فضل عن قوته. وسمعت منه كتابه «المخرج على صحيح مسلم» .
قال [3] : وقلت له: متى تتفرغ للتصنيف مع ما أنت عليه من هذه الفتاوى؟ فقال: قد جزأت الليل ثلاثة أجزاء: جزءا للتصنيف، وجزءا للصلاة والقراءة، وجزءا للنوم، وله نحو ستين سنة يفتي، لم يؤخذ عليه في شيء.
قال [3] : وسمعت أبا حامد الإسماعيلي يقول: ما يحسن بواحد منا أن يحدّث في مدينة هو فيها.
قال: وتوفي ليلة السبت، الثالث عشر من شعبان.
وفيها أبو عبد الله، محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني
__________
[1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 193) مصوّرة دار الكتب العلمية ببيروت.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 198) .
[3] القائل الحاكم.

(4/237)


الحافظ، محدّث نيسابور. صنّف «المسند الكبير» وصنّف [مستخرجا على] الصحيحين [1] ، وروى عن علي بن الحسن الهلالي، ويحيى بن محمد الذهلي، وعنه: أبو بكر الصّبغي [2] ، ومحمد بن إسحاق بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، وغيرهم، ومع براعته في الحديث، والعلل، والرجال، لم يرحل من نيسابور، وعاش أربعا وتسعين سنة.
وفيها الإمام العلّامة المحرّر المصنّف، محمد بن زكريا بن الحسين النّسفي [3] ، أبو بكر، كان حافظا، مجوّدا، عارفا. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو زكريا، يحيى بن محمد العنبري- نسبة إلى العنبر بن عمرو بن تميم جد- النيسابوري، العدل الحافظ، الأديب المفسر. روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، ولم يرحل، وعاش ستا وسبعين سنة.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أبو زكريا يحفظ ما يعجز عنه، وما أعلم أني رأيت مثله.
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 271) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 467) .
[2] في الأصل والمطبوع: «السبيعي» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وانظر التعليق على ترجمته في الصفحة (225- 226) من هذا المجلد.
[3] قلت: ويعرف بالصعلوكي أيضا. انظر ترجمته في «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 930) .

(4/238)


سنة خمس وأربعين وثلاثمائة
فيها غلبت الرّوم على طرسوس، فقتلوا من أهلها ألفا وثمانمائة رجل، وسبوا وحرقوا [1] قراها.
وفيها قصد روزبهان [2] الدّيلميّ العراق، فالتقاه معزّ الدولة، ومعه الخليفة، فهزم جيشه وأسر روزبهان [2] وقوّاده.
وفيها توفي العبّاداني، أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب. روى ببغداد عن الزّعفراني، وعلي بن حرب وعدة، وعاش سبعا وتسعين سنة، وهو صدوق.
والعبّاداني: بفتح العين وتشديد الباء الموحدة، ودال مهملة، نسبة إلى عبّادان بنواحي البصرة.
وفيها الإمام أبو بكر، غلام السّبّاك، وهو أحمد بن عثمان البغدادي، شيخ الإقراء بدمشق. قرأ على الحسن بن الحباب، صاحب البزّي [3] والحسن بن الصّواف صاحب الدّوري.
__________
[1] في «العبر» : «وأحرقوا» .
[2] تحرّف في الأصل والمطبوع إلى «رونهان» والتصحيح من «العبر» (2/ 272) وانظر «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني الملحق ب «تاريخ الطبري» (11/ 381) و «الكامل في التاريخ» (8/ 514) .
[3] وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزّة المكي. انظر «توضيح

(4/239)


وفيها أبو القاسم بن الجراب، إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن موسى بن سهل الوشّاء وطبقته، وسكن مصر.
وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزيّ [الصّيرفيّ] [1] الدّخمسيني، بالضم، والباقي بلفظ العدد، لقّب به هذا [2] لأنه أمر لرجل بخمسين، فاستزاده خمسين، فسمي الدّخمسيني [3] ، ثم حذفوا الواو للخفة.
وكان بكر هذا محدّث مرو. رحل، وسمع أبا قلابة الرّقاشي، وكان فصيحا، أديبا، أخباريا، نديما، وقيل: بل توفي سنة ثمان وأربعين [4] .
وفيها أبو علي بن أبي هريرة، شيخ الشافعية، واسمه حسن بن حسين البغدادي، أحد أئمة الشافعية. تفقه بابن سريج، ثم بأبي إسحاق المروزي وصحبه إلى مصر ثم عاد إلى بغداد، ومات في رجب، وكان معظّما عند السلاطين فمن دونها.
قال ابن خلّكان [5] : وله مسائل في الفروع، ودرّس ببغداد، وتخرّج به خلق كثير، وانتهت إليه إمامة العراقيين. انتهى ملخصا.
وفيها عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو، السمرقنديّ، وله خمس وتسعون سنة. روى بمصر عن أحمد بن شيبان [6] الرّملي [7] وأبي أميّة
__________
«المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 442) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة.
[1] زيادة من «العبر» (2/ 273) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 555) ، وجزم السمعاني في «الأنساب» (5/ 291) بأنه مات سنة (348) .
[2] يعني لقّب به المترجم وحده.
[3] تحرفت في المطبوع إلى «الدوخمسيني» .
[4] قلت: وهو ما جزم به السمعاني في «الأنساب» (5/ 291) .
[5] في «وفيات الأعيان» (2/ 75) .
[6] تحرف في «العبر» (2/ 273) إلى «شبيب» فيصحح فيه.
[7] في الأصل والمطبوع: «الدملي» وهو خطأ، والتصحيح من «حسن المحاضرة» وانظر «الأنساب» (6/ 165) و «العبر» (2/ 273) .

(4/240)


الطرسوسي، وطائفة. قاله في «حسن المحاضرة» [1] .
وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة، الحافظ، العلّامة، الثقة، الجامع، أبو الحسن، القزويني القطّان، الذي روى عن ابن ماجة «سننه» . رحل إلى العراق، واليمن، وروى عن أبي حاتم الرّازي وطبقته كابن ماجة. وعنه الزّبير بن عبد الواحد، وابن لال وغيرهما.
قال الخليلي: أبو الحسن [القطّان] [2] ، شيخ عالم بجميع العلوم، التفسير والفقه، والنحو واللغة، وفضائله أكثر من أن تعدّ، سرد الصوم ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح، وسمعت جماعة من شيوخ قزوين يقولون: لم ير أبو الحسن مثل نفسه في الفضل والزهد.
وفيها أبو بكر، محمد بن العبّاس بن نجيح البغدادي البزّار، وله اثنتان وثمانون سنة، وكان يحفظ ويذاكر. روى عن أبي قلابة الرّقاشي وعدة.
وفيها أبو عمر الزاهد، صاحب ثعلب، واسمه محمد بن عبد الواحد المطرّز، البغدادي اللغوي [3] .
قيل: إنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه، وكان ثقة إماما، آية في الحفظ والذكاء، وقد روى عن موسى [بن سهل] الوشّاء [4] وطبقته.
قال ابن الأهدل [5] : استدرك على «فصيح» شيخه ثعلب في جزء لطيف [6] . ومصنفاته تزيد على العشرين، وكان لسعة [روايته،
__________
[1] (1/ 369) .
[2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (15/ 464) .
[3] انظر ترجمته في «وفيات الأعيان» (4/ 329- 333) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 508- 513) .
[4] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «الوشي» والتصحيح من «العبر» (2/ 274) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 508) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[5] انظر هذا النقل في «مرآة الجنان» (2/ 337) .
[6] ذكر اليافعي في «مرآة الجنان» بأن اسمه «فايت الفصيح» .

(4/241)


وغزارة] [1] حفظه يكذّبه [2] أدباء وقته، ووثّقه المحدّثون في الرواية.
قيل: لم يتكلم في اللغة أحد أحسن من كلام أبي عمر الزاهد، وتصانيفه أكثر ما يمليها من حفظه من غير مراجعة الكتب، انتهى.
وفيها الوزير الماذرائي، أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب، وزر لخمارويه، صاحب مصر، وعاش نحو التسعين سنة، واحترقت سماعاته، وسلم له جزآن، سمعهما من العطاردي، وكان من صلحاء الكبراء، وأما معروفه، فإليه المنتهى، حتّى قيل: إنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة، قاله المسبحي. ذكره في «العبر» [3] .
والماذرائي: بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ماذرا، جدّ [4] .
وفيها مكرم بن أحمد القاضي أبو بكر البغدادي البزّاز. سمع محمد بن عيسى المدائني، والدير عاقولي، وجماعة، ووثقه الخطيب [5] .
وفيها المسعودي المؤرّخ، صاحب «مروج الذهب» [6] وهو أبو الحسن، علي بن أبي الحسن. رحل وطوّف في البلاد، وحقق من التاريخ ما لم يحققه غيره، وصنّف في أصول الدّين وغيرها من الفنون، وقد ذكرها في صدر «مروج الذهب» وهو غير المسعودي الفقيه الشافعي، وغير شارح مقامات الحريري. قاله ابن الأهدل، وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «مرآة الجنان» (2/ 338) .
[2] في الأصل والمطبوع: «تكذبه» وأثبت ما في «مرآة الجنان» .
[3] (2/ 274- 275) .
[4] انظر «الأنساب» (11/ 65) .
[5] انظر «تاريخ بغداد» (13/ 221) .
[6] وهو من أبرز مصادر المؤلف رحمه الله تعالى، انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 569) .

(4/242)